تبحث الدراسة إشكالية الأبعاد الدينية في الممارسة الدستورية الإفريقية، وتحلِّل محتوى الدساتير والقوانين الأساسية والأشكال المختلفة في الصياغة الدستورية، وتحدِّد صلتها المباشرة والضمنية بالدِّين والتدين في إطار ضبط الحياة العامة، وتسيير شؤون الدولة وتنظيم المجتمع. كما ترصد الدراسة دور الدستور في تدبير الشأن العام والنهوض بالاجتماع الإفريقي، وتسلُّل آثار النظام الديني إلى القوانين الأساسية، ومدى كفايته في بلورة خيارات دينية متكاملة ومتناسقة. وتستخدم الدراسة تحليل المضمون من بين مناهج أخرى أداةً منهجية لسبر تجليات الأبعاد الدينية في دساتير الدول الإفريقية.
كلمات مفتاحية: الأبعاد الدينية، الدستور، إفريقيا، النظام الدستوري، العلمانية.
This study explores the religious dimensions in African constitutional practice; analyses the content of constitutions, basic laws and the different forms of constitutional drafting; and defines their direct and implicit link to religion and religiosity in the framework of regulating public life, running state affairs and organising society. It also delves into the role of the constitution in managing public affairs and advancing society as well as the infiltration of the effects of the religious system into basic laws and the extent of its sufficiency in the formation of integrated and coherent religious options. The study applies content analysis among other methods as a methodological tool to examine the manifestations of religious dimensions in the constitutions of African countries.
Keywords: Religious Dimensions, Constitution, Africa, Constitutional System, Secularism.
مقدمة
يكشف الدِّين عن تجذره في المجتمعات الإفريقية وانتشاره في كل زاوية من زوايا الحياة باسطًا ظلَّه على الطبقات الاجتماعية ونظمها، وهو ما كان جليًّا في أنظمة الحكم التي سبقت الاحتلال، كما أطَّر الفكر الديني العقد الاجتماعي بصورة عامة، وأسهم في التقدم العمراني ورقي الاجتماع البشري، ويشهد بروز الظاهرة الدينية في مختلف مناطق القارة على مظاهر تدين الشعوب الإفريقية وتعلقها بالميتافيزيقي. ولم تكتف الشعوب في علاقتها بالمعتقد لحد إعلانه وتبنيه، بل عملت على إحيائه وتجديده كما هي الحال في ربوع القارة من السودان شرقًا ومع نشاط الكنيسة الكونغولية (زائير سابقًا) في وسطها، وتحكيم الشريعة شمال نيجيريا بغرب إفريقيا منذ 1999، وإعلان جمهورية زامبيا أمة مسيحية، ثم التوظيف الديني من قبل السلطة السياسية المدغشقرية بأقصى الجنوب.
وتستمر الشعوب الإفريقية المسلمة بتجديد مطالبها الدينية والهوياتية مع كل المناسبات والتحولات السياسية كليًّا أو جزئيًّا، داعية لإفساح المجال العام أمام المسألة الدينية إن على المستوى الوطني وكذا الجهوي، سواء كان الأمر بدافع ديني محض أو سياسي مصلحي، غير أن القطيعة الاستعمارية حالت دون تطور المدنيات الإفريقية وأخَّرت تقدمها العمراني وارتقاء مؤسساتها ونظمها الحضارية(1)، وتسببت في انصرام العلاقات الدينية السياسية أو تحجيمها، فيما تعمدت سياسة الاحتلال ضمَّ أجزاء من الأراضي الإفريقية بعضها إلى بعض غير عابئة بالانسجام بين الطوائف مُفَوِّتة بذلك نشأة أمة متماسكة؛ مما هيَّأ لتقبل الدستور “وفق المقاييس الغربية” بعد الاستقلال كضامن للوحدة الوطنية. ولم تمنع السلطوية زعامة البلاد من الإبانة بوضوح عن مرجعياتها العقدية وانتماءاتها المتعددة بتبنيها للمنظومات القانونية والتشريعية في صدارة وثائقها التأسيسية للحكم والسياسة، فيما تتطور الممارسات الدستورية في بيئة تتوافر بها مقومات الحياة والعيش الكريم.
لكن انتشار الحروب والنزاعات الداخلية ونفوذ المؤسسة العسكرية وضعف السلطة القضائية وركود الحياة السياسية، إضافة إلى التدخل الأجنبي كسياسة التقويم الهيكلي انعكس سلبًا على تطور المؤسسات الإفريقية وفعاليتها، علاوة على ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية، وانعدام بنية تحتية مواتية إلى جانب موجة الجفاف في السبعينات، كل ذلك فتح الباب أمام المساعدات والإملاءات الأجنبية. وهنا، يكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل على القانون الأساسي للدولة النهوض بمهامه في الشأن العام.
ويدفع المسار الدستوري الإفريقي للحديث عن ممارسات دستورية عوضًا عن أعراف مستقرة؛ نظرًا لعدم انتظام مسيرة الحكم على قواعد قانونية سارية وتطبيقات مطردة(2)، ثم انفكاك الوقائع السياسية عن النص المرجعي وروح القوانين مما كرس “الفوضى الخلاقة”. ولعل تاريخ دولة توغو السياسي والدستوري يشهد على هذه الانتكاسة، وتنبع أهمية هذه الممارسات في أنها قد تتحول إلى أعراف وقوانين ترسخ الديمقراطية والمؤسساتية.
وعلى الرغم من أن القانون الأساسي للدولة ينص على مبادئ كلية فإنه لم يحدث تفعيل مقتضياتها قانونًا تشريعيًّا يحتم على أجهزة الدولة الأخذ بها في المجال الديني مثلًا، وهو ما يترك الفجوة واسعة بين التنظير والممارسة في القضايا الدستورية الإفريقية، ثم إن “الدستور يتطور أو يتقهقر بفعل الممارسة”(3).
لقد شكَّل تبنِّي المنظمة الإقليمية “الاتحاد الإفريقي” النظام الدستوري حَكَمًا، ورفضها الاعتراف بالانقلابات العسكرية، منعطفًا حاسمًا في الحياة السياسية الإفريقية؛ مما جعل المدخل لممارسة السلطة وإدارة شؤونها متوقفًا على القانون عبر فرض الوسائل السلمية للوصول إلى السلطة، ونبذ كل مظاهر العنف لمنافاتها العمل الديمقراطي. وقد دفع هذا القرار بالدول الإفريقية إلى إعادة الاعتبار للدستور، الذي لم يكن سوى للاستهلاك السياسي، وإدراج مصطلح النظام الدستوري -كما في المادة (2) من دستور إفريقيا الوسطى- ضمن المصطلحات الجديدة في الحقل الدستوري الإفريقي.
ولم تقتصر دول القارة على نموذج موحد لمرجعية قوانينها الأساسية، بل عرفت تقلبات داخل الدولة الواحدة في فترات متلاحقة من حيادية إلى اشتراكية ماركسية، مرورًا بالعلمانية، وعدولًا عنها إلى القيم الروحية (مدغشقر)، أو القبول بالعلمانية بعد تجاهلها (رواندا)؛ ما يوحي بتعدد الخبرات الروحية الزمنية.
وتتمايز التجارب الروحية بالقارة الإفريقية في تمظهرها، سواء تعلق الأمر بالحرية الدينية، أو ممارسة الشعائر الدينية، أو حرية التعليم الديني، وكذا في تفاعلها مع مؤسسات الحكم وصولًا لذروتها تحكيمًا للشريعة، أو مطالبة بتحكيم جزئي منها، أو اعترافًا بمرجعية رسمية للدولة، أو إحداث أطر وقنوات لتصريف الشؤون الدينية إلى تجاهل المعتقد والسكوت عنه، انتهاء إلى إقصائه كلية من الحياة العامة.
- اعتبارات منهجية
أ- إشكالية الدراسة وفرضياتها
استعان رجال الحكم والسياسة لإدارة الشأن الإفريقي بعد رحيل الاستعمار بتشريعات وممارسات تنتمي إلى الحقل الديني، وتأتي هذه الدراسة لتتبُّع الحركة الدستورية في عَهْدَيْ منظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الإفريقي، وتفاعل الأنظمة السياسية الإفريقية مع المعتقد والمقدس، والسؤال الإشكالي الذي تبحثه الدراسة هو: ما تجليات الأبعاد الدينية في الممارسة الدستورية الإفريقية منذ الاستقلال إلى الوقت الحالي؟
كما تحاول الدراسة استقصاء فرضيتين أساسيتين:
– اتخذ الدين والمعتقد أشكالًا مختلفة في الصياغة الدستورية وسارت الأبعاد الدينية في الممارسة الدستورية على نحو متأرجح.
– حضور الشأن الديني في النص الدستوري لا يكفي لبلورة خيارات دينية متكاملة ومتناسقة.
ب- أهمية الدراسة
تتلخص أهمية الدراسة في كون الحاجة ماسَّة إلى إعادة تأسيس العمران البشري في القارة الإفريقية على مرتكزات صلبة -بعد عقود من الاستقلال- تنهض بشعوبها، وتضمن الاستقرار والمشاركة الشعبية، والحفاظ على الهويات الدينية والثقافية وتفعيلها كأدوات داعمة للصالح العام والحكم الرشيد والتنمية. ومن هنا يتم استدعاء الدين بما يشمله من قيم ومبادئ ضمن الوثيقة الدستورية الضابطة للعلاقات الاجتماعية قمة وقاعدة لأداء دوره في الحياة العامة.
ولم يعد بالإمكان تجاهل دور المؤسسة الدينية، وهو ما يقتضي فتح الممرات الآمنة أمامها كسبًا للرهان، وضمانًا للوفاق الوطني، وتفعيلًا للحريات الدينية، وحفظًا للهوية من سيل العولمة وسطوتها على شعوب دول العالم الثالث، ومواكبة لانتشار الظاهرة الدينية في مختلف مناطق القارة. والحديث هنا عن البعد الديني في متن الوثيقة الدستورية، وهو مجال ضيق لَمَّا تتسع دائرته على شاكلة العمل السياسي؛ إذ إن العلاقة بين السلطة الزمنية والروحية في السياسات الإفريقية ظاهرة للعيان، كما يبدو في السنغال، ونيجيريا، والكونغو كينشاسا، وحالة كوت ديفوار مع الكنيسة الرومانية مثلًا(4).
ج- منهج الدراسة
اعتمدت الدراسة منهجًا تركيبيًّا يشمل تحليل المضمون، والمنهج التاريخي، والمنهج النسقي. ويشكِّل منهج تحليل المضمون العمدة في دراسة محتوى الدساتير والقوانين في صلتها المباشرة والضمنية بالدِّين والتدين في إطار ضبط الحياة العامة، وتسيير شؤون الدولة وتنظيم المجتمع، سواء تعلق الأمر بإلحاق مصطلحات حديثة بالمجال الدستوري أو تفعيل مضامين تشريعية كانت موجودة. وتأتي المناهج الأخرى مكمِّلة، وتكمن أهميتها في تزويد البحث بآليات منهجية لتتبع الظاهرة الدينية، وتفاعلها مع الأنظمة الدستورية المقارنة(5).
وتهدف الاستعانة بالمنهج التاريخي إلى تتبع التجربة الدستورية الإفريقية طوال العقود الماضية في ظل الأنظمة الحاكمة التي آثرت في الغالب الأعم مصالحها الشخصية، وجعلت من ذلك قاعدة للحكم وممارسة السلطة، ولم يكن الالتفات إلى القانون الأساسي للدولة إلا استثناء حتى هبَّت رياح التغيير التي صاحبت المؤتمرات الوطنية تسعينات القرن المنصرم فانفرجت معها الحياة السياسية لينفسح المجال أمام التطورات الدستورية بما في ذلك الأبعاد الدينية.
ويهتم المنهج النسقي بدراسة الظواهر السياسية في علاقتها بالنسق الاجتماعي العام؛ حيث يتبادلان التأثير. وقد فرض تداخل الاعتبارات الداخلية والخارجية على المُشَرِّع والسياسي الإفريقي استجابةً لدور المؤسسة الدينية وتداعياتها على تدبير الشأن العام، فيما أدى انتشار الإرهاب وعجز الدولة عن محاربته إلى التمترس خلف الدين لامتصاص تبعاته والحيلولة دون تمدده عبر تشريع “قانون الإرهاب” والإجراءات الأمنية المتشددة. وصار توظيف الدين من الدولة والمنظمات الدولية والجماعات الإرهابية مجال تنافس محتدم بين الأطراف، إلى جانب حاجة الشعوب الإفريقية للحفاظ على هوياتها وانتماءاتها أمام طغيان العولمة منْعًا للذوبان والاضمحلال.
د- الدراسات السابقة
لعل هذا النوع من الدراسات المتعلق بثنائية الدين والدستور، العقيدة والقانون، لم يستوف حقه من البحث والاستقصاء، وذلك لحداثة التجربة الدستورية الإفريقية المعاصرة، وللظروف التي صاحبتها، ويمكن إرجاع ذلك إلى جملة من التقديرات، منها:
– هيمنة موضوع الصراعات والحروب وانعدام الاستقرار على الدراسات الإفريقية.
– غلبة المناهج الغربية على المطارحات الدستورية والسياسية التي لم تلتفت إلى خبرات دول العالم الثالث إلا أخيرًا.
– مواضيع الدين والدستور لم يتطرق لها الباحثون في الغالب من زاوية قانونية تشريعية إلا بعد التحول الديمقراطي في تسعينات القرن الماضي، وكذا تفعيل الضمانات الدستورية.
ومن الدراسات ذات الصلة المباشرة بالموضوع دراسة بعنوان: “الدين في الدساتير الإفريقية: إفريقيا الفرنكوفونية بين التراث العلماني والتقاليد الدينية”(6)، والتي تركز -كما يُظهر عنوانها الفرعي- على الدول الفرنكوفونية الإفريقية، وتتبنى أطروحة مفادها أن التغيرات المتلاحقة على المجتمعات الإفريقية قبل وبعد الاستقلال لم تزحزح المعتقدات عن مكانها، ورغم اعتماد فكرة العلمانية من قبل الأنظمة السياسية بعد الاستقلال فقد شاب تطبيقها التباس في المضمون والممارسة. ومع التحولات الدستورية في تسعينات القرن المنصرم، ازدادت مساحة الدين والتدين في خارطة القوانين الأساسية من خلال إعادة توظيف الدين والمرجعيات الدينية، على أن الدين يقف موقف البديل تارة، أو المكمل، وأحيانًا المنافس على الشرعية السياسية للدولة.
وهناك دراسة أخرى لمجموعة من الباحثين بعنوان: “القانون والدين في إفريقيا: الممارسات المقارنة والتجارب والآفاق”(7)، جاء في مقدمتها أن عودة الدين على المستوى العالمي والوطني دفع الحكومات إلى أنماط من التفكير والممارسة في السياسات العامة، ما برَّر التفاعل أو التلازم المطَّرد بين القانون والدين. وتنوعت مساهمات المشاركين وأطروحاتهم في هذا العدد، ودارت مواضيعها حول تباين دور الدين في المجتمعات الإفريقية، وإمكانية التكامل بين القانون والدين، وأداء دور أكبر في الحياة العامة، والفصل بين الدين والسياسة. وتناولت الدراسة أيضًا بناء المؤسسات الحكومية، والتوتر بين الدين والدولة وتجلياته المعاصرة على مستوى التشريع، والتعايش بين الطوائف الدينية والتعددية الدينية، ومطالب حقوق الإنسان والديمقراطية، وحرية المعتقدات، وحقوق الأقليات ضمن النسق الديني، ومعادلة العنف كآلية سياسية، والتعقيدات المركبة بين تيارات القانون والدين والسياسة بنيجيريا.
وتتخذ الدراستان من المقارنة أداة لتحليل وتفسير الصلات القانونية والتشريعية بالمعتقدات والمؤسسات الدينية، وتأثيراتها على أوضاع الدول الإفريقية، كما تستحضر البُعد التاريخي وتطور المؤسسات الحكومية. ومن بين أهم الخلاصات التي أمكن الوقوف عليها:
– الدين ثابت من ثوابت الشعوب الإفريقية.
– العلاقة المركبة والمعقدة والديناميكية بين السلطة الروحية والزمنية.
– إعادة الاعتبار للمقدس عند وضع السياسات العامة مساهمة في تطوير الدولة الإفريقية.
ويتزايد الاهتمام بمواضيع الدين والقانون؛ إذ أدرج مجلس تنمية البحوث الاجتماعية في إفريقيا “كوديسريا” (CODESERIA) مواضيع من قبيل “الأديان والحركات الدينية الجديدة في إفريقيا” ضمن خطته الاستراتيجية (2007-2011)، وعقد أول مؤتمر سنوي متعدد الجنسيات حول القانون والدين في إفريقيا بغانا، عام 2013.
- الدستور الإفريقي والمؤسسة الدينية
يشكِّل الدين إطارًا مرجعيًّا لحياة الأفارقة على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية، كما يفترض من الدستور تنظيم شؤون البلاد بناء على توافق وطني، ويتقاطع الدين والدستور في ضبط وحفظ النظام الاجتماعي والقيمي وما يتفرع عنهما، إلا أن للدين قدسية ومنزلة لدى معتنقيه ليست للأنظمة القانونية والتشريعية التي يتفق عليها البشر فيما بينهم.
ويعتبر الدستور العمدة في التشريع الوطني، والقانون الأساسي للدولة، والمرجع في التدبير والحاسم في القرار وصانع مسار المستقبل والتعاون بين الأمم، ومركز الثقل في السلم والحرب، ومظلة الفرد في حياته الخاصة والشؤون العامة، وآلية لإدارة الجماعة الوطنية، وهذا في حدِّ ذاته يستدعي اعتماد مداخل وخبرات متعددة من أدوات رمزية ومادية لها تجذُّر في تقدير المجتمع عند صياغته.
ويحدِّد القانون الأساسي نمط وطبيعة الحياة التي يُراد للشعب أن يسير على هديها ولو ضمنًا من خلال المبادئ والسياسات العامة، وكذا الحقوق والحريات التي يتبنَّاها، وتأتي مؤسساته خادمة للغرض المحدد عند “التنزيل”. ومن هنا كان لابد له أن يتأسس على معايير قيمية ومبادئ ثابتة تحظى بالقبول عند الشعب يطلق عليها في الأدبيات السياسية “مرجعية”(8)، ثم إن “دستور الدولة ينبغي أن يعكس التعدد الاجتماعي”(9).
ونشير هنا إلى أن الدساتير الإفريقية المعنية بالدراسة إنما هي الموروثة أساسًا عن المستعمر، لاسيما الفرنسي والبريطاني، لكونها أبعد المصادر أثرًا، سواء على المستوى القانوني والتنظيمي، فيما تأخر استقلال الدول المُسْتَعْمَرَة من قِبَل البرتغال إلى منتصف السبعينات مع وجود دول أوروبية غيرها لم تحتل إلا قليلًا من الشعوب الإفريقية.
1.2. النظام الدستوري الإفريقي
لما خرجت الدول الإفريقية من حقبة الاستعمار حاول كل كيان سياسي بناء ذاته وترتيب وضعه الداخلي والخارجي، والحفاظ على هويته عبر الوسائل المتاحة والمتعارف عليها في المنتظم الدولي الجديد، ومن بينها الوثيقة الدستورية التي تأتي على قمة التشريع الوطني، لكن الملاحظ أن الوحدات السياسية الإفريقية اعتمدت ثلاثية (أممية، إقليمية، فلسفية) شكَّلت مرجعية تشريعية ثابتة تتنزل على مراتب:
– ميثاق الأمم المتحدة/الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
– ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية 1963/الاتحاد الإفريقي 2002.
– مبدأ العلمانية إطارًا تشريعيًّا وسياسيًّا وإنْ على درجات متفاوتة.
لقد كانت تلك الأعمدة وتوابعها -ولا تزال- معابر لولوج عصر السيادة الأممي، وتؤكد بعض الدول الإفريقية الفرنكوفونية انضمامها لإعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789، مثل: السنغال في كل دساتيرها، وكوت ديفوار في دستور عام 1960، والغابون مع دستور 1991 سيْرًا على خطى المشرِّع الفرنسي.
بيد أن نشأة المنظمة الإفريقية، عام 1963، أتت متأخرًا على استقلال كثير من الدول، وهو ما جعل من تبني مضامين ميثاق الأمم المتحدة، وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ركائز قانونية فلسفية تأسيسية للدولة الإفريقية الحديثة، وذلك قبل ظهور ميثاق المنظمة القاري، كما يظهر في تصدير دستوري جمهوريتي غانا، 1957، وغينيا، 1958، باعتبارهما أول دولتين مستقلتين من إفريقيا جنوب الصحراء، في عهد الأمم المتحدة، من لندن وباريس، ودستور رواندا، 1962، في المادة (13) باعتماده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك مع دستور توغو، 5 مارس/آذار 1963، الذي صدر في نفس السنة قبل نشأة المنظمة بأقل من شهرين (25 مايو/أيار 1963).
أما منظمة المؤتمر الإسلامي فلم ينعقد مؤتمرها التأسيسي إلا في سنة 1969، وقد خلَّف هذا التأخير فراغًا هوياتيًّا/حضاريًّا على مستوى الانتماء الديني للدول الإسلامية الإفريقية التي شارك أغلبها في مؤتمر الرباط التأسيسي.
أ- عهد منظمة الوحدة الإفريقية
صدر ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، وتضمن حينها جملة من القضايا المرتبطة بالتحرر والسيادة، ومحاربة التخلف الاقتصادي، والتعاون والتكامل، وقد اعترفت به الدساتير الإفريقية، واتخذته مرجعًا لها من بين وثائقها الأساسية “الكتلة الدستورية”، وعرفت كلها تعديلات مرتين فأكثر حسب ظروف كل دولة وعلاقتها بالقوى الكبرى.
ويمكن الإشارة هنا إلى أن النظام الدولي القائم يومها على الحرب الأيديولوجية بين المعسكرين الشرقي والغربي امتد إلى النصوص التشريعية عشية استقلالها كما تجلى في دستور رواندا، 1962، خاصة المادة (39) التي تحظر كل الأنشطة والدعاية للشيوعية، في سياق الحديث عن “الأديان والطوائف الدينية”، ويأتي هذا النص على حساب خارطة المعتقدات الدينية. وحالت سياسة الحزب الواحد دون التناوب على السلطة وتطور المؤسسات وحضور المجتمع المدني، كما تسترت على قمع الدولة واحتكرت تمثيل الشعب، وتلك إجراءات كفيلة بتكريس السلطوية، وجعل الحكم خارج النص القانوني قاعدة محكمة.
كما يلاحظ في نفس الفترة ارتخاء النزعة الحقوقية؛ فلا حقوق مفصلة منصوص عليها مثلًا للمعارضة، ولا اعتراف بها كما في الدستور الغاني، 1960، حيث غلب عليه ذكر المؤسسات الحكومية، أي جانب تسيير الدولة ومرافقها على اختلافها.
لكن المنظمة الإفريقية وقتها التزمت بكفالة الحرية الدينية، وانبثق عنها الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب عام 1981، وتُدبِّجُه بعض الدول في دساتيرها، مثل: الغابون 1991، ومالي 1992، وغينيا كوناكري في دستور 2001، ثم توغو 2007، وكوت ديفوار 2016، وإفريقيا الوسطى 2016، وغيرها من الدول.
وقد ورد في المادة (8) من المتن التأسيسي للميثاق أن حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة، ولا يجوز تعريض أحد لإجراءات تُقَيِّد ممارسة هذه الحريات، مع مراعاة القانون والنظام العام. وجاءت تلك المادة مجملة في الميثاق، حيث لم يرد ذكر للتعليم الديني، ولا الحد الأدنى المعترف به لدى بعض الدول في مجال قانون الأحوال الشخصية/القانون المدني. كما جاء في الفقرة (5) من المادة (12): يُحْرَم الطرد الجماعي للأجانب، والطرد الجماعي هو الذي يستهدف مجموعات عنصرية وعرقية ودينية. ونصَّت أيضًا المادة (17) على النهوض بالأخلاقيات العامة والقيم التقليدية التي يعترف بها المجتمع، ووجوب حمايتها من قِبَل الدولة في نطاق الحفاظ على حقوق الإنسان، وتناولت الفقرة (2) من المادة (18) واجب الدولة في مساعدة الأسر على أداء رسالتها كحماية للأخلاقيات والقيم التقليدية التي يعترف بها المجتمع، وبهذه الصياغة تفادت المادتان ذِكر الدِّين باسمه.
ويعتبر هذا الميثاق القاري مرجعًا حقوقيًّا أساسيًّا، سواء تعلق الأمر بالإنسان أو الشعوب كما توحي التسمية، وقد جاء بعد عقدين من الاستقلال ما يعني أن البعد الحقوقي لم يكن بارزًا منذ النشأة الأولى؛ إذ لا يعدو أن يكون قيمًا استرشادية أخلاقية “فقد كانت كبرى القضايا أمام هذا التنظيم الإفريقي تتمثل في قضية التحرير وبناء الدولة الإفريقية، ولم تكن مسألتا التكامل والتنمية غائبتين عن الأهداف الاستراتيجية لمنظمة الوحدة الإفريقية”(10).
وفي المجمل، تمحورت الأبعاد الدينية دستوريًّا في مرجعية الدولة “العلمانية” غالبًا، والحريات الدينية والاعتراف بالطوائف الدينية، والريبة في المعتقد كونه عامل انقسام وانفصال وربما احتراب، وأداء الرئيس اليمين الدستورية، وعدم إصدار أي قوانين أو تشريعات باسم الدِّين.
وقد امتدت التأثيرات الدينية لمختلف مجالات الحياة، ولم تُسْتثنَ السياسة من ذلك، والخبرة السياسية في ارتباط الدين بالحكم طافت بكل أرجاء إفريقيا شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، ورغم غنى التجربة الدينية فإن هذه الخبرة لم تُترجم إلى مؤسسات عمومية، سواء تعلق الأمر بنصوص تشريعية أو مرافق دينية تسهم في بلورة بدائل ثقافية وحضارية لتدبير الشأن العام في تلك الحقبة.
لقد أدرك القادة في عهد المنظمة ضرورة الالتزام بالعمل الدستوري وفي إطار مؤسساته، وفي أواخر التسعينات بالذات، بدأت منظمة الوحدة الإفريقية تسعى إلى إيجاد ردود على مشكلة التغييرات غير الدستورية للحكومات، وذلك في سياق تعميق عملية إشاعة الديمقراطية التي انطلقت في بداية العقد(11)، وتعزيز الاستقرار واحترام إرادة الشعب والدفع بالممارسات الدستورية إلى الأمام.
ب- عهد الاتحاد الإفريقي
لعبت الأحداث الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة دورًا مهمًّا في تحديد الأولويات السياسية وتفعيل الممارسة الدستورية، كما أن تطور المؤسسات العمومية ارتبط كثيرًا بوضع الحريات في البلاد، بل يمكن القول: إن الحريات شكَّلت دعامة أساسية وضرورية لِدَسْتَرَة فاعلة وحيوية بعد سقوط المعسكر الشرقي. ففي كنف أجواء التفاهم والحوار، التي وفرتها المؤتمرات الوطنية وشملت مختلف الشرائح، خطت العملية السياسية خطوات إلى الأمام بخلاف ظروف الاستبداد والإرهاب التي عاشتها قبل ذلك.
وتُطوِّق الحرب على الإرهاب اليوم الجهود الرامية إلى إرساء دولة القانون لما تتيحه أحيانًا من تدخل سافر وانتهاك لسيادة دولة من طرف دولة أجنبية، وكذا استهداف بعض الهيئات المدنية وشخصياتها النافذة بذريعة الحرب على الإرهاب، أو باتخاذ إجراءات تُقَيِّد حركة المواطنين وتُعطِّل مسار الأجهزة الحكومية. وشُلَّتِ الحركة الدستورية الإفريقية من خلال:
– نفوذ الحزب الواحد الذي ذاب في الدولة وحَكَم باسمها، وهو ما شكَّل عاملًا قويًّا لفكِّ الارتباط بين هيمنة الدستور والسلطة القائمة. وفي هذا الصدد، يرى بعض رجال القانون أن فلسفة تقوية الحزب الواحد كانت بدافع تعزيز الوحدة الوطنية في واقع غير قادر على تحمل تصدعات جديدة، على أن تكون سياسة الحزب الواحد وضعًا مؤقتًا إلى حين بلوغ الشعوب النضج السياسي، والعودة إلى ما كان ساريًا في الحياة الإفريقية من التعدد(12).
– استيلاء المؤسسة العسكرية على السلطة بالقوة، وكانت النتيجة في الحالتين غياب الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وتحكُّم الاستبداد، واستبعاد الشعب من الحكم بحيث لم يكن طرفًا في معادلة الحكم وعاش مقموعًا ومقصيًّا.
ولم يكن من الصدفة أن تحتضن موجات التغيير، التي تمثَّلت في المؤتمرات الوطنية، جميع القوى الشعبية الحية التي شكَّلت معلمًا بارزًا في الحياة الدستورية القارية، وفتحت النقاش على القضايا الكبرى بشكل غير مسبوق حتى إن المجالس الدستورية لم تظهر إلا بعد تلك الأحداث المشهودة، وما واكبها من حضور المؤسسة الدينية في التحولات الديمقراطية، مثل حالة بنين، وجنوب إفريقيا(13).
انفتحت الدساتير الحديثة على الظاهرة الدينية من حيث الممارسة على تفاوت بينها عبر إحداث مؤسسات ومناصب دينية بدول علمانية، كمنصب الوزير المكلف بالشؤون الدينية بالسنغال مثلًا، أو المجلس الإسلامي الأعلى بمالي وتشاد وإثيوبيا، وظهور أحزاب سياسية ذات صبغة دينية كجزء من المعادلة السياسية، والمحاكم الإسلامية بالصومال، والتجربة السودانية. وبلغت التجليات الدينية ذروتها مع مباشرة بعض الولايات بشمال نيجيريا تطبيق الشريعة بعد عودة الحكم المدني، 1999.
ومن مسوغات العودة الدستورية للشأن الديني:
– ثراء التراث الديني الإفريقي.
– إثبات الدول الإفريقية صلاحية أنظمتها الاجتماعية للواقع الراهن كما حصل في رواندا مع نظام “محاكم غاشاشا” (نظام قضائي قبلي أو أهلي) عقب الحرب الأهلية، 1994، وهو ما اقتضى استدعاء القيم والفلسفة التي قامت عليها في الحكم.
– تعزيز المشترك الإنساني الممتد في الفضاء العالمي.
– ضعف الدولة وعجزها عن فرض ذاتها على المشهد السياسي وفي كافة التراب الوطني بحكم الهشاشة التي صاحبتها منذ نشأتها، وهو ما دفع إلى ظهور فاعلين وعلى رأسهم المؤسسة الدينية.
– تسارع إيقاع وتيرة حركة المجتمع المدني الساعية لتفعيل المقتضيات الدستورية في الواقع الإفريقي في الأعوام الأخيرة.
لقد سلكت المؤسسة الإفريقية الإقليمية مسلكًا متقدمًا برفضها لكل انقلاب على النظام الدستوري واغتصاب السلطة والمغالبة العسكرية، وهو ما تجلَّى بالأساس في الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخاب والحكم، عام 2007، حيث شملت أهدافه بشكل مباشر، حسب المادة (2)، تعزيز مبدأ سيادة القانون باحترام النظام الدستوري، وإدانة التغييرات غير الدستورية للحكومات. وركز مضمون فقرات المادة (3)، والمخصصة للمبادئ وفي إطار تعهد الدول بتنفيذ الميثاق، على “ممارسة السلطة وفقًا للدستور، ورفض التغييرات غير الدستورية، وتعزيز التعددية الحزبية مع الاعتراف بالمعارضة”. وجاء في المواد (5) و(10) و(14) “ضمان الأطراف انتقال السلطة بصفة دستورية، وترسيخ مبدأ سيادة الدستور، ومحاسبة كل من يخلُّ بالنظام الدستوري القائم على انتخابات ديمقراطية”. كما حددت المادة (23) من الميثاق حالات تعتبرها غير دستورية تستوجب العقوبة من قِبَل الاتحاد الإفريقي إذا استُخْدِمت للوصول إلى السلطة، وتشمل “كل استيلاء على السلطة، أو تدخل من مرتزقة، أو حركات تمرد، على حكومة منتخبة، أو رفض تسليم سلطة، أو تحايل على النصوص، يتعارض مع مبادئ التناوب الديمقراطي”.
فقد شدَّد هذا الميثاق، وبالتفصيل، على كل من يحاول قَلْب النظام الدستوري، ورتَّب عليه عقوبات قاسية، ليقطع بذلك دابر ما كان سائدًا في عهد منظمة الوحدة الإفريقية من كثرة الانقلابات العسكرية وفرض الأمر الواقع، بل جعل من الانتخابات الحرة والعادلة والنزيهة المعبر الوحيد للوصول إلى السلطة، ولا تزال الحال دون المأمول.
ويشكِّل هذا الميثاق دورة قانونية في الارتقاء بالنظام الدستوري القائم وإن جاء متأخرًا يما يزيد عن نصف قرن من استقلال الدول الإفريقية، كما أنه يؤسس لحقبة من التنظيم السياسي تحت سيادة القانون، وتنزيل مقتضيات الدستور بما في ذلك الأبعاد الدينية(14).
وقد انعكست أهدافه ومبادئه المذكورة في التشريعات الوطنية كما في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي عانت الأَمَرَّيْن من عدم الاستقرار والانفلات الأمني منذ بداية تشكُّلها مع زعيمها الأول، باتريس لوبومبا، وصولًا للرئيس، فيليبس تشيسيكيدي، حيث رفض المُشَرِّع الكونغولي الاستحواذ على السلطة بالقوة كما نص دستور 2005 في المادة (64): “كل محاولة للانقلاب على النظام الدستوري تشكِّل جريمة غير قابلة للتقادم ضد الأمة والدولة، يُعَاقَب عليها طبقا للقانون”، وكذا الباب الثاني من دستور إفريقيا الوسطى، وكوت ديفوار، عام 2016، وتشاد، عام 2018، في ديباجتَيْهما، وتُعد البلدان التي عانت من الحروب الداخلية أشد حساسية تجاه هذه المسألة من غيرها.
وتأسيسًا على ما سبق، فإن مسار الدستور الإفريقي لم يكن تصاعديًّا بل بقي دائرًا في فلك السلطة، ومن هنا أمكن التمييز بين حقب تشريعية مختلفة:
– السنوات الملغاة: وهي السنوات التي تلت خروج الدول الإفريقية من عهود الاحتلال (1960-1990)، ولم يكن الحاكم الإفريقي يهتم سوى بتكريس سلطته ونفوذه ومطاردة خصومه وملاحقتهم، وأخيرًا القضاء عليهم إن سنحت الفرصة لذلك، أو إقصائهم من الوطن المشترك، ولم توجد حينها محاكم جهوية أو دولية قائمة لمحاسبة مرتكبي الجرائم في حق شعوبهم، وخير مثال على هذه الفترة سياسة الرئيس الليبري الأسبق، وليام توبمان (1944-1971)، الذي نصَّب نفسه رئيسًا مدى الحياة. وأدى وقوف الدول الغربية إلى جانب بعض الأنظمة الاستبدادية -رغمًا عن إرادة شعوبها- رعاية لمصالحها إلى تعطيل الحياة الدستورية ومؤسساتها.
– سنوات الانفتاح: كانت في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، وتمثَّل الانفتاح في عقد المؤتمرات الوطنية، وتعدد الأحزاب السياسية، وبروز منظمات المجتمع المدني، وفي تحرير الإعلام وإنشاء المجالس الدستورية، لكن ضغوط الواقع أجَّلت إلى حين من تصاعد المطالب الدستورية المشروعة. ومما يعبِّر عن الجمود السياسي وقتها ما شهدته كثير من الدول الإفريقية من إنشاء لجان الحقيقة والعدالة والمصالحة(15) رغبة منها في الانتقال من واقع سياسي مغلق إلى واقع أكثر انفتاحًا وتصالحًا مع بيئته ومحيطه.
وتجدر الإشارة إلى أن دول منطقة البحيرات الكبرى انجرفت إلى حروب دامية في تسعينات القرن المنصرم، وانعكست بصورة واضحة على الحياة العامة والمؤسسات الدستورية وإن اسْتُؤْنِفَت بتوافقات سياسية عبر تقاسم السلطة كما قضت “اتفاقية أروشا” للسلام (في أغسطس/آب 2000)، والتي أنهت الحرب الأهلية البوروندية.
وأشهر المؤتمرات الوطنية هي التي عُقدت في البلدان الإفريقية الناطقة بالفرنسية، كان أولها في بنين في شهر فبراير/شباط 1990، وبعد ذلك عُقدت في الغابون، وجمهورية الكونغو، ومالي، والنيجر، وجمهورية توغو، والكونغو الديمقراطية، ومدغشقر، وتشاد، في الفترة من 1990إلى 1993(16).
– سنوات الانكماش: تشهد إفريقيا مراجعات دستورية منذ أمد، لكنها لم تخرج عن المنطق السياسي القاضي بتكريس سلطة الحاكم وتمديد ولاياته، وكل ذلك يُحَجِّم من دائرة الارتقاء بالقيم الديمقراطية والنظم السياسية وغيرهما من قضايا المجتمع كالدين والمعتقد، مما يعيد الحياة السياسية إلى مربع الصراع على السلطة من جديد بآليات قانونية-مدنية(17)، وحالة جمهورية توغو ليست منَّا ببعيد كما في التعديلات الدستورية لعام 2019 التي عصفت بكل المحاولات لتقييد سلطة الحاكم والعودة مجددًا إلى نقطة الصفر.
2.2. النسق الدِّيني المركَّب
تتميز المجتمعات البشرية بكونها مجتمعات متعددة شعوبًا وقبائل ونِحَلًا، وتطبع تلك السمة القارة الإفريقية في كل اتجاهاتها، كما يجسدها واقعها وتؤكدها قوانينها، وتتباين مستويات الأنساق والجماعات الدينية في الدولة الواحدة ما بين أكثرية وأقلية، أو كتل حضارية مختلفة، وهو ما يضفي على المشهد الديني تنوعًا وتعددًا ملحوظًا، من مسلمين على تعدد جماعاتهم التي تشمل طرقًا صوفية وحركات إسلامية، ومسيحيين على اختلاف مذاهبهم وكذا الديانات التقليدية والديانات الآسيوية الوافدة، وقد ينتهي النسق إلى التكامل والتعايش (السنغال، تنزانيا) أو إلى التنابذ والاحتراب (إفريقيا الوسطى).
ويرد الحديث عن النسق الديني في الدستور الإفريقي مرتبطًا بالطوائف الدينية والتعدد الديني، وهما مصطلحان دالَّان على تنوع المعتقدات بالقارة، وقد توجد عبارات غير صريحة كالهوية ومتطلباتها الدينية اعترافًا بخصوصية المكان والزمان، والقيم الثقافية والروحية والأخلاقية (ديباجة دستور كوت ديفوار 2016).
وتمتد أواصر العقيدة لتتداخل مع الدبلوماسية، سواء منها الرسمية أو الموازية؛ إذ إن الرئيس يعتمد السفراء لديه ويوفدهم، كما في المادة (55) من دستور بوركينا فاسو، 2015، والمادة 93 من دستور زامبيا، 2016، ودستور غينيا كوناكري، 2001، كما في المادة (42) وغيرها. ومن بين تلك الدول التي تقيم معها الدول الإفريقية علاقات دبلوماسية دولة الفاتيكان، وكذا منظمة التعاون الإسلامي، وهنا يصبح الدين شأنًا عابرًا للقارات والأمم والشعوب.
ويتشكَّل الفاعلون في النسق الديني من طوائف عدة يكون لها تأثير مباشر على الأفراد والجماعات اعتمادًا على الموروث الديني، غير أن هذا النسق ليس بالضرورة منسجمًا انسجامًا كليًّا، بل يعرف تباينًا في داخله، وإن كانت تلك الطوائف ذات نفوذ قوي ومتزايد(18).
ويرى الأكاديمي، علي مزروعي، أن العلاقات الإسلامية-المسيحية شهدت مراحل وأطوارًا مختلفة؛ إذ عاشت مرة فترة صراع وتارة أخرى فترة تنافس ثم تعايش، وسواء كانت العلاقة صراعية تنافسية، أو علاقة تآلف، فإنها تتحدد بثلاثة متغيرات تتمثَّل في: أهمية العقيدة، والتوازن الاجتماعي في مجتمع ما، ثم الشرعية التاريخية في هذا المجتمع المعني، فالعوامل العقائدية والاجتماعية والتاريخية تسهم في تحديد العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في أي مكان من العالم.
وفي إفريقيا، فإن هذه المحددات الثلاثية، الصراع والتنافس والتعاون من جانب، ثم العقيدة والمجتمع والتاريخ من جانب آخر، تجد فاعليتها في إطار ثلاثية أخرى هي الميراث الثلاثي لإفريقيا القرن العشرين الناجم عن الحضارة المحلية، والحضارة الإسلامية، والحضارة الغربية(19).
وقد اعترفت الأنظمة الإفريقية بالطوائف الدينية في دساتيرها منذ استقلالها استلهامًا من إرثها التاريخي-الديني، وفي الغالب تأتي تحت فصل: “الأديان والطوائف الدينية” في الدول الفرنكوفونية، مثل: دستور رواندا، 1962، كما في الفصل الرابع، المادة (37) و(38)، و(39) عن الدعاية الشيوعية. وتتنازع الدول التي تتقارب فيها النسب بين أبناء الملل، أو تحكمها أقلية دينية، على تحديد هوية الدولة، مثل: تنزانيا، ونيجيريا ذات النسيج الديني المعقد، وكوت ديفوار وإثيوبيا على سبيل المثال.
وتتكوَّن خريطة الأديان بالأساس من الدين الإسلامي، والمسيحية، واليهودية، والديانات التقليدية مع طوائف الملل والنحل، على تفاوت بين أتباع الديانات من منطقة لأخرى ومن بلد إلى آخر، ما يجعلنا أمام تكتلات حضارية داخل القارة نفسها، وهو ما يزيد الأمر تعقيدًا. وقد جاء في المادة (8) من الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخاب والحكم: “تحترم الدول الأطراف التنوع العرقي والثقافي والديني الذي يساهم في تعزيز الديمقراطية ومشاركة المواطنين”.
ولانسجام الطائفة الدينية أو تنافرها دور بالغ في تمتعها بحقوقها الدستورية بما في ذلك الدينية، كما أن وضعها يسهم في تقدم الحياة السياسة أو تأخرها، وعندما يتم الاعتراف بجهة ما على كونها طائفة دينية فإن ذلك يرتب واجبات لها تجاه السلطة الحاكمة. وتوجد الطوائف ذات السمعة العالمية بالشرق الإفريقي بحكم الموقع والحضور الآسيوي تاركة بصماتها الثقافية والدينية، ولا تزال الأديان تشكِّل بعدًا أساسيًّا في الحياة اليومية لساكنة غرب إفريقيا. ونلاحظ أن توسعها الأخير، وخاصة تنوعها، قد تزامن مع ضعف الموارد المالية(20).
ويعترف الدستور الزيمباوي لعام 2017 بالطوائف الدينية في المادة (3) و(60)، وينص دستور جنوب إفريقيا على حق الجماعات الثقافية والدينية واللغوية بحسب المادة (31) في التمتع بثقافتها وممارسة شعائرها الدينية واستخدام لغتها، وشمل القانون الأساسي اللغات المستخدمة لأغراض دينية في المادة (6)، والاعتراف بالأنظمة التشريعية المتعددة في مجال الأحوال الشخصية كما ورد في المادة (15).
وينص الدستور الكيني، في المادة (170) مثلًا، على أن القاضي (الإسلامي) يجب أن يكون: أ) “معتنقًا للدين الإسلامي”، ب) “ملمًّا بالقانون الإسلامي المطبق على أي طائفة من الطوائف الإسلامية ليكون مؤهلًا في رأي مفوضية الجهاز القضائي لتولي منصب قاضي محكمة”(21)، والأمر هنا واضح في تقلد منصب بناء على صفة دينية، وإن كانت صلاحياته قاصرة على القضاء الأسري العائلي.
وتعد دولة زامبيا استثناء قاريًّا بحكم صيغتها الدينية الصريحة؛ حيث نصَّت في ديباجة الدستور على دينها الرسمي: “الجمهورية أمة مسيحية”، لكنها تعترف في نفس الوثيقة بالتعدد الإثني والعرقي والديني والثقافي.
فالطوائف تقوم باحتواء جماعات أو أقليات من نفس العرق أو العقيدة أو المذهب، وتدافع عن مقدساتها ومبادئها، باعتبار أن هؤلاء الأفراد لهم الحق في الانتماء، والتعبير عن أنفسهم واختلافهم الديني في جو من الأمن والحماية، لأنهم لم يُخلقوا بنفس التوجه الفكري أو العقائدي كغيرهم(22).
وقد أفسحت الدول في المجال أمام الطوائف الدينية لأداء شعائرها التعبدية وإدارة ممتلكاتها، ونظمها التعليمية، فيما تركت لها النظر جزئيًّا في أحوالها الشخصية، فالمنظور الإفريقي للدين مرتبط بالممارسة اليومية ما ولَّد من جانب كثرة المعتقدات والخرافات والأساطير، لكن يظل الحفاظ على حقوق الأقليات مبدأ دستوريًّا، والتمايز قيمة اجتماعية لحفظ التوازن والاستقرار.
ويلاحظ أن العلاقة بين الطوائف اتسمت داخل البلد الواحد، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، بتوتر متنام بشكل غير مألوف (تنزانيا، وكوت ديفوار، وجمهورية إفريقيا الوسطى) بسبب فشل الدولة في إدارة التنوع العرقي والديني والشحن الخارجي والصراع على المصالح والنفوذ.
ومواكبة للتطورات الراهنة من تطلع الشعوب الإفريقية للتغيير والإصلاح وانسجامًا مع الحقائق الاجتماعية وتفعيلًا لمركزية الدين في حياة الأفارقة، فإن كل ذلك يستدعي إنشاء مؤسسات دينية مستقلة تجعل من مهامها:
– الحفاظ على الهوية الدينية للشعوب الإفريقية.
– استلهام القيم الدينية والتجارب الثقافية الرائدة عند وضع السياسات العامة.
– العمل على ضمان الحريات الدينية المنصوص عليها في المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية مع الدعوة لاحترام الأديان والمقدسات وإدانة أي عنف وغلو باسم الدين.
– التواصل مع الزعماء والقادة الدينيين في الداخل والخارج من أجل التشاور والتحاور حول المشترك الإنساني ومصير البشرية.
– القيام بالوساطات والمساعي الحميدة بين الفرقاء المتخاصمين على أي مستوى كان في الداخل والخارج.
– دعم وتعزيز المشاريع الدينية والأخلاقية الرائدة من أجل المصلحة العامة.
– تقديم تقرير مقتضب عن الحالة الدينية كل سنة، مع ربط نتائجه بالواقع السياسي.
– تقوية ومناصرة التيار الوسطي المعتدل والمتوازن بما يتوافق مع الثوابت الدينية ويواكب التطورات والمستجدات والمكتسبات البشرية.
– رصد ومتابعة المؤسسات والهيئات الدينية والخطابات المتطرفة والمساهمة في ترشيد العمل الديني دعمًا للأمن والاستقرار والتنمية والتعايش السلمي.
- الأبعاد الدينية في الممارسة الدستورية
لا يتجاوز عمر التجربة الدستورية الإفريقية المعاصرة ستة عقود؛ إذ تظل حديثة النشأة مقارنة بنظيرتها الأوروبية والأميركية، ولم تعرف في الغالب استقرارًا مطردًا بفعل الاضطرابات السياسية والأمنية ولطبيعة الحياة السياسية عمومًا في القارة، ومع ذلك تضمنت القوانين الأساسية لدول القارة أبعادًا دينية منذ الصياغات الأولى مع “الآباء المؤسسين”، ونحاول هنا الوقوف على الأنظمة القانونية/الدستورية مع تحليل أشكالها ومضامينها في صلتها بالمؤسسة الدينية.
1.3. من حيث الشكل
تصطبغ صياغة الدساتير بشكليات متبعة مردها إما لطبيعة النصوص باعتبارها مصادر أسمى، أو بسبب تطور المؤسسات الوطنية، أو بسبب تقليد المشرِّع الإفريقي للدولة المستعمرة، لاسيما مع الموجة الأولى من ميلاد القوانين الأساسية بعد الاستقلال، وسنقتصر هنا على إيراد ما له صلة بالنسق الديني غالبًا.
أ- مواطن الاتفاق
تتفق الدساتير الإفريقية على أشكال معينة تظهر فيها بوضوح، منها:
– تنصيصها كلها على الحقوق والحريات الدينية، استنادًا إلى المرجعية الدولية المتعارف عليها، ولم يكن للدول الإفريقية في عهد الأمم المتحدة إلا اعتماد مواثيقها سيرًا على خطى النظام الدولي المعاصر.
– قوانينها الأساسية مكتوبة من غير استثناء وصادرة عن جمهوريات غالبًا.
– ندرة ذكر المرجعية الدينية وما يستتبعه ذلك من قلَّة إشراك المؤسسات الدينية في الحياة العامة.
– هامشية دور الدين في الحياة السياسية بسبب إقصاء الموروث الديني من الترسانة التشريعية والتنظيمية في أجهزة الدولة.
ب- الاختلاف
– في طريقة التفريع والتقسيم بين الدول الأنجلوسكسونية والفرنكوفونية، فقد اعتمدت جمهورية غانا مثلًا في الفصل (5) حقوق الإنسان والحريات الأساسية مُفَرَّعًا إلى الجزء الأول والجزء الثاني وقد تكرر أكثر من مرة، بينما اعتمدت الغابون (الباب) و(المادة) و(الفقرات) كما في دستور 2011.
– يتميز دستور غانا بكونه مختومًا بأحكام انتقالية، كما في المادة (299) وتتضمن ملحقًا أولًا وثانيًا، وهي جزء من الدستور.
– طول دساتير الدول الناطقة بالإنجليزية غالبًا لخوضها في التفاصيل.
– تقديم الحقوق والحريات الدينية على مبادئ الدولة والسيادة أحيانًا، كما في دستور كوت ديفوار، 2016، مخالفًا عرفه في صياغة دساتيره.
2.3. من حيث المضمون
لم يحظ الدين بما يتناسب مع طبيعة الاجتماع الإفريقي في الوثيقة الدستورية رغم أن الدين حقيقة اجتماعية لا يمكن تجاهلها ولا القفز عليها كما تنبئ الخبرة المعاصرة، ولم يكن إقصاؤه من الفضاء العمومي إلا وجهًا من أوجه التبعية التشريعية والقانونية في أجلى صورها، وتعبيرًا عن احتواء النخب في الثقافة الغربية.
وأصبحت للمُشَرِّع الإفريقي على مَرِّ السنين حساسية مفرطة تجاه الدين ومؤسساته بحكم تكوينه وثقافته الجديدة والمؤسسة الحديثة التي ينتمي إليها، واضعًا الدين في قفص الاتهام بكونه عامل فرقة وخطر على الوحدة الوطنية، ناظرًا إلى مؤسسات الحكم القائمة على مرتكزات دينية من قِبَل الحكام المسلمين على أنها تقليدية بالية لا تتماشى مع العصر والحداثة انطلاقًا من التجربة الغربية، في الوقت الذي تزخر فيه القارة بالمعتقدات وأنماط من التدين داخليًّا.
أما خارجيًّا، فإن انتماء المنتظم الدولي إلى قيم الحداثة المادية “البيئة البديلة” فرض على المنظومة التشريعية الوطنية ترسانة من القوانين شكَّلت البوصلة لإدارة الحياة العامة، ولذا لا ضير عند أي نَفَس ديمقراطي أن يعقبه انفتاح على المعتقد جماعيًّا كان أو مؤسساتيًّا. غير أن الدين والتدين نالا نصيبًا من التدوين والتقنين بدءًا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق أخرى كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، 1966(23)، ثم الإعلان عن رفض كل أشكال الإقصاء والتمييز على أساس الدين، عام 1981.
وتؤكد الوثائق الدولية التأطير القانوني للدين في المجتمعات المعاصرة بشكل عام، سواء تعلق الأمر بإفريقيا أو غيرها، وقد اتخذت البلدان من الشرعة الدولية مصدرًا للتشريع، ولعل غلبة أشكال الدولة المركزية ساعد على اختفاء التشكُّل الديني المؤسساتي. فالمشرِّع الإفريقي عند صياغته للنص لم يلتفت إلى تراثه الروحي إلا بقدر الحفاظ على النظام العام وفق تصوره، متأثرًا بمواقف التيارات الفكرية الغربية الوافدة، وهو ما كان واضحًا في تبني العلمانية.
أ- المرجعية العلمانية
تسلَّلت الأطروحة العلمانية إلى المجتمعات الإفريقية مع الاحتلال الأوروبي، ولا يوجد في الثقافات الإفريقية مرادف لهذا المفهوم الدخيل، ولم يمنع ذلك من كثرة المعتقدات وتعددها، وليست العلمانية إرثًا إفريقيًّا، غير أن الفكر الحداثي الرامي إلى الإصلاح في ظل العقل فحسب، بعيدًا عن الميتافيزيقيا، هو ما يجعله في طرفي نقيض مع الرؤية الإفريقية الجامعة بين الروحي والمادي؛ الأمر الذي تفطَّن له أمثال السياسي والأكاديمي الفرنسي، هوبير ديشان (Hubert Deschamps)، في مؤلَّفه “الديانات في إفريقيا السوداء”.
ولم يكن دافع وجود العلمانية بإفريقيا انتزاع حقوق مسلوبة من مؤسسة دينية مهيمنة بحكم انعدامها، ولا تجاوزها في حال وجود أشكال من التنظيم الديني، ولا الدفاع عن الحريات الدينية باعتبار ممارستها عرفًا ساريًّا، رغم تبنيها مرجعية فكرية سياسية من طرف القادة، وعليه فإن مبررات استدعاء العلمانية في الفضاء الإفريقي بالدرجة الأولى ناتجة عن تخلي الأفارقة عن تراثهم الروحي والرمزي والخضوع للهيمنة الغربية.
وتتباين أسباب تبني العلمانية في الأنظمة السياسية تبعًا لظروف الدولة، الداخلية والخارجية؛ ومنها:
– استيراد العلمانية من قوى أجنبية فاعلة في النظام الدولي.
– غياب سلطة مركزية حامية للملَّة والدِّين.
– النظرة السلبية للدين من طرف القيادات الحاكمة.
– تنامي المد الديني الإسلامي (جمعيات، أحزاب، شخصيات مؤثرة، مؤسسات تعليمية، منظمات حقوقية…) باعتباره تهديدًا للسلم الاجتماعي؛ مما سيترتب على هذا التحول من إعادة تشكل الفضاء العمومي عبر الفاعلين الجدد في المسرح السياسي-الديني.
لم تنص غالبية الدول الإفريقية على سمة المجتمع الدينية، ولا على دين الدولة الرسمي إيجابًا، باستثناء عدد قليل من الدول، مثل زامبيا في صدر ديباجة دستورها، ولا على مصدر الأحكام فيها، فليس للدين أية ميزة تفضيلية في غالبية النصوص التشريعية والقانونية إلا في مجالات محصورة، مما جعل منها كيانات سياسية علمانية في المحصلة كما في المادة (59) من الدستور التشادي، 2018.
وقد افتتح الزمن العلماني عهده في الفضاء الإفريقي المعاصر مع الآباء المؤسسين، وكانت غينيا كوناكري أولى الدول الفرنكوفونية المستقلة عام 1958 ذات توجه علماني واضح مع أول قانون أساسي لها في عهد الرئيس الراحل، أحمد سيكوتوري، 1960، وجاء في مادته الأولى: “غينيا جمهورية ديمقراطية علمانية اشتراكية”، مرورًا بموجة الاستقلال منتصف السبعينات، ثم غينيا بيساو في المادة (1)، التي ورد فيها أن “غينيا بيساو جمهورية ذات سيادة، ديمقراطية، علمانية، موحدة”، وانتهاء بآخر دولة مستقلة وهي جنوب السودان في المادة (8) من الدستور الانتقالي، 2011، التي تنص على الفصل بين الدين والدولة.
وتختلف المرجعية العلمانية من حيث الممارسة بين الدول ذات الوجود الإسلامي البارز عن غيرها من جهة، وديانة زعيم البلاد من جهة أخرى، علمًا بأن المباحثات والمداولات حولها لم تأخذ من الوقت ما يكفي، على الرغم من أن الثورة الفرنسية، عام 1789، أحدثت قطيعة مع الدين ولم تولد في الحين علمانية الدولة إلا مع صدور قانون العلمانية، 1905(24).
ويَقْوَى أسلوب فصل الدين عن الدولة ويَضعُف تارة تبعًا للصيغة المُحَدِّدة للعلاقة بين المرجعية والسلطة الحاكمة، وفق البيان التالي:
أولًا- علمانية الدولة: حالة غينيا كوناكري، والسنغال، وبنين، ورواندا، 2015، وتبرز علمانية الدولة في المادة (1) من دستور الكاميرون المعدل، 2008. ثم هناك علمانية مع ضمان الحيادية والاستقلال تجاه الأديان، كما في كوت ديفوار مع الدستور الممهد للاستقلال، 1959، في المادة (3)، والدستور الأخير في المادتين (48) و(49).
ثانيًا- علمانية مع ذكر للفصل بين الدين/الكنيسة والدولة: كما هي الحال في كل الدول المُسْتَعْمَرَة سابقًا من طرف البرتغال، فقد نصَّت المادة (2) بدستور جمهورية الرأس الأخضر، 1992، على الفصل بين الكنيسة والدولة، والمادة (10) في دستور أنغولا ذي المرجعية الماركسية اللينينية لعام 2010، والمادة (12) في دستور موزمبيق، كما نصَّت المادة (6) في دستور غينيا بيساو، 1996، على الفصل بين الدولة والمؤسسات الدينية.
لذلك، فإن المستعمرات البرتغالية السابقة، والتي استقلت في العام 1975، تبنَّت المرجعية العلمانية وأقرَّت الفصل بين الدين والدولة في دساتيرها وقوانينها الأساسية.
ويؤكد دستور الغابون، 2011، في المادة (1) من الباب الأول على الفصل بين الدين والدولة، وكذلك جمهورية إفريقيا الوسطى في المادتين (24) و(25)، ونحت إثيوبيا في المادة (11) من دستور 1994 نفس المنحى بفصل الدين عن الدولة مع إضافة “لا دين للدولة”، ولا تتدخل الدولة في الشؤون الدينية، ولا يتدخل الدين في شؤون الدولة.
ثالثًا- لا دينية الدولة: كما هي الحال مع دستور كينيا في المادة (8): “ليس هناك دين للدولة”، وفي المادة (10) من الدستور النيجيري، حيث لا تأخذ حكومة الاتحاد، أو أي من حكومات الولايات، بدين من الأديان عقيدة للدولة، كما تُقِرُّ المادة (7) من دستور أوغندا، 1995، بـ”لا دينية الدولة”.
رابعًا- التنصيص على الدين الرسمي مع تجاهل مقتضاه: وهو ما نجده في حالة جيبوتي وزامبيا، فالأولى دولة إسلامية، والثانية أمة مسيحية.
خامسًا- التجاهل: كما في حالة سيراليون التي سكتت عن ذكر المرجعية الدينية سلبًا أو إيجابًا للدولة(25)، وزيمبابوي التي لم تنص على العلمانية ولا على الفصل بين الدين والدولة.
ويكشف تعدد صياغات المسألة الدينية في الدستور الإفريقي عن حضورها وهامشيتها معًا في إدارة الشأن العام على مستوى الأجهزة التنفيذية والرقابية والجزائية، ودلالتها في أقل تقدير هي الحفاظ على الهوية الثقافية والخصوصية الدينية مع تأكيد انسلاخ المُشَرِّع من الإرث الديني الراسخ مقابل الفقر الروحي للقوانين التشريعية.
وينبغي الإقرار بأن العلاقة الثنائية بين السلطة السياسية والدين معقدة وديناميكية تتنوع أطرافها وتتباين مستوياتها وتختلف الغايات منها، وتزداد الصعوبة في دول لا تمتلك قرارها ولا تُوفِي بواجباتها السياسية تجاه شعوبها، وليس لخرق المتطلبات الدينية أو القفز عليها أي تبعات جنائية (مجرد مبادئ توجيهية ومحددات إرشادية) يحاسب عليها القانون.
ولا يمكن إرجاع السلم الاجتماعي ولا احترام المعتقدات الدينية إلى العلمانية التي دخلت القاموس السياسي الإفريقي مع الدولة الموروثة عن الاستعمار؛ إذ إن طبيعة الاجتماع الإفريقي قائمة على تعدد الأعراق والأديان والثقافات وأنماط العيش كما تكشف مدنياتها المتعاقبة على مرِّ الأزمان، من دولة غانا القديمة، مرورًا بالملك النجاشي رسوًّا عند التجارب المعاصرة.
لقد كان من تبعات العلمنة(26) في مجال التعليم للدول ذات الأغلبية المسلمة مثلًا تفويت فرصة محو الأمية، ورفع نسبة التعليم، على الفاعل الديني بقارة ترتفع فيها نسبة الأمية، وحرمان الدولة من بعض الموارد الاقتصادية في المجال الخيري بتمكين مواطنيها من أداء واجباتهم الدينية المالية، وهذا لا ينافي كون القاعدة القانونية قاعدة مجردة وشاملة وأنها وقعت في محلها.
وتحاول بعض البلدان استدراك ما فات عبر إنشاء مؤسسات الوقف الخيرية كما حال السنغال مع الهيئة العليا للوقف علمًا بأن المجال الخيري النفعي لا يزال حاضرًا بقوة في الدول الليبرالية ممثلًا في الصناديق ذات النفع العام للمواطنين.
ومن المهم الإشارة إلى أنه في غرب إفريقيا بالخصوص تتسع دائرة المؤسسات الدينية التدبيرية من خلال إحداث وزارات الشؤون الدينية، وتحكيم الشريعة في شمال نيجيريا، وتنامي تأثير المجلس الإسلامي الأعلى بكوت ديفوار في القضايا الوطنية والحفاظ على الهوية الإسلامية لمسلمي الدولة. ولا تزال بعض الحكومات تنظر إلى الشأن الديني من زاوية أمنية ملحقًا بوزارة الداخلية، كما هي الحال في النيجر؛ حيث إن الجهة الوصية على هذا القطاع تتمثَّل في وزارة الداخلية والأمن الوطني والشؤون العرفية والدينية.
وقد ضربت الحكومات الإفريقية على علمانيتها طوقًا من الحصانة عبر آليات تشريعية، منها:
– العلمانية غير قابلة للمراجعة، ما يجعلها ركيزة أساسية في العمل السياسي والدستوري للبلاد، فهي تأتي في البدء تمكينًا لها وفي الختم تكريسًا لوجودها، كما هو الشأن في المادة (2) و(156) من دستور بنين، 1990، والمادة (144) من دستور توغو، 1992، والمادة (130) من دستور غينيا بيساو، 1996، ودستور كوت ديفوار، 2016 في تصديره، والمادة (5) من دستور تشاد، التي تحظر كل دعاية ذات طابع إثني قبلي جهوي أو طائفي تؤدي إلى تقويض الوحدة الوطنية أو علمانية الدولة، والمادة (157) التي تعتبر تقويض العلمانية من ضمن جرائم الخيانة العظمى.
– التنصيص على سمو الدستور ذي المرجعية العلمانية كما في المادة (2) من الدستور الكيني، 2010.
– الدعوة إلى ضرورة احترام الدستور العلماني كما في المادة (23) من دستور إفريقيا الوسطى.
وتتراوح العلمانية في الدول الأنجلو إفريقية بين التصريح بها أو عدم اعتراف الدولة بدين رسمي، مع تطبيق لمضامينها ومقتضياتها على مختلف الأصعدة.
ب- الديباجات الدستورية
تشتمل الديباجات على قدر من المعتقدات وإن بشكل غير مكثف؛ إذ نجد ألفاظًا من قبيل: الإله، الرب، الدين، كجزء من المنظومة القانونية، أو تكريس لقيم وثقافة سياسية اعتبارًا للهوية الوطنية وتنويهًا بالمقدس وتعلُّقًا به: اعترافًا واستعانة واستمدادًا.
فقد جاء في خاتمة ديباجة دستور جنوب إفريقيا عبارة: “حمى الله شعبنا”، وفي التصدير النيجيري: “في ظل الله”، وافتُتح الدستور الغاني بـ”بسم الله العظيم”، وورد في دستور كينيا، 2010، “نعترف بسيادة الله تعالى رب الخلق جميعًا”، “بارك الله في كينيا”، وفي الدستور الزيمبابوي، 2013: “نعترف بسيادة الله القدير الذي بيديه مستقبلنا، وإذ نتوسل بهداية الله القدير وتوفيقه”.
فإيراد كلمة “الله” في الاستهلالات التشريعية يشير إلى تصالح مع المعتقد واحتماء به، واستدعاء للمقدس في المجال العام، وعند أداء المسؤولية كما في الفقرات التالية من استحضار المسؤولية أمام الله في افتتاحية الدستور الغابوني لعام 2011، وهي المرة الوحيدة التي ورد فيها اسم الله، ثم الفقرة قبل الأخيرة من ديباجة دستور جمهورية الكونغو الديمقراطية لعام 2005: “وعيًا بمسؤوليتنا أمام الله/الرب، الوطن، إفريقيا، العالم..”.، والاعتراف أيضًا بالتعدد الديني، وحوار الأديان، في الدستور التشادي، 2018، باعتبارهما من بين المقومات الأساسية لتكريس الوحدة والتوافق الوطني، وهي نظرة إيجابية تجاه الدين.
وتخلو بعض التصديرات من ذكر أي معتقد كحالة مالاوي وتنزانيا رواندا، وقد تقتصر على ذكر المرجعية العلمانية فقط كما في دستور مالي، 1992، وناميبيا، 2014. وخلت ديباجة الدستور السنغالي، 2001، من المعتقدات سوى احترام الخصوصية الثقافية، ومثلها إثيوبيا، 1994، فيما لم ترد أية إحالة على المقدس في الدستور الموزمبيقي.
غير أن سعي الغرب لفرض نموذجه على دول العالم بتغييب “الآخر” من خلال المواثيق والعهود الدولية مما يحصر دائرة التنوع والتعدد ويؤدي إلى التنميط والاختزال، ومع ذلك فإن المقدمات التشريعية السالفة تنبئ عن نَفَسٍ ديني في العمل الدستوري.
ج- الحقوق والحريات
تأتي الحقوق والحريات الدينية مكمِّلة لمنظومة الحريات في الفكر الليبرالي الذي انتهجته البلدان الإفريقية استنساخًا من الغرب. وعليه، فقد ضَمَّنَتْ وثائقها الأساسية الحقوق والحريات بما في ذلك الحريات الدينية، إلا أن الدول الأنجلو إفريقية أكثر انفتاحًا على الدين وتوسعًا في الصياغات التشريعية وتفصيلًا لها في المجموع، مثال ذلك دستور جنوب إفريقيا، وغانا، وكينيا، فيما يتعلق بالحقوق والحريات الأساسية. بيد أن القفزة الحقوقية جاءت مع موجة التسعينات من القرن المنصرم، وازدادت أهميتها في الوقت الراهن، وكانت لها الأولوية على غيرها من المواضيع الدستورية في الصياغة تارة، وتبتدئ بعض الدساتير بالحديث عن القواعد الأساسية للمجتمع متضمنة الحقوق والحريات العامة، كما نجد في دستور مالي، 1992.
وتنص المادة (19) من الدستور الكيني على الحقوق والحريات الأساسية:
- يعتبر ميثاق الحقوق جزءًا لا يتجزأ من دولة كينيا الديمقراطية، وإطارًا عامًّا للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
- يتمثَّل الغرض من الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها في الحفاظ على كرامة الأفراد والمجتمعات، وتعزيز العدالة الاجتماعية وبلوغ قدرات كل البشر.
وبهذا، تحتل الحقوق أهمية كبرى في توجيه الحياة العامة على تشعبها، وهو ما يشكِّل رافدَ تنوعٍ وتكامل للوحدة الوطنية، لاسيما فيما يتعلق بالمعتقدات واحترام الخصوصيات، ويختلف تناولها بين الدول، ولا تتجاوز في سقفها التشريعي المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
انظر مثلًا المادة (32) من الدستور الكيني، التي تنصُّ على حرية الإرادة والدين والعقيدة والرأي في الفصل الرابع، والسنغالي في الباب الثاني، والدستور المالي في الباب الأول، والموزمبيقي في الباب الثالث، وإثيوبيا في الباب الثالث، وجمهورية نيجيريا الاتحادية في الفصل الرابع وغيرها.
وتُصنَّف الحقوق والحريات المتعلقة بالدين ضمن طائفة الحقوق المقيدة، أي الداخلة في اختصاص السلطات التشريعية والتنفيذية بالحد منها عند تنظيمها، مثل إغلاق المساجد ودور العبادة مع تفشي كوفيد-19، ويُقَيِّد دستور بنين، 1990، في المادة (23) حرية اتباع المذاهب والتعبير عن المعتقدات باحترام علمانية الدولة، ويصل الأمر في الكثير من الأحيان إلى المساس بجوهر المبدأ لا بجزئياته وأشكاله(27).
– ومن مشمولات الحرية الدينية ما جاء في دستور نيجيريا كما ورد في المادة (38):
أ) “لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين”، بما في ذلك الحرية في أن يُغيِّر دينه أو عقيدته، والحرية (بمفرده أو مع جماعة من الآخرين، وعلنيًّا أو سريًّا) في أن يُظهِرَ ويُروِّج دينه أو عقيدته بالتعبد والتدريس والممارسة والالتزام.
ب) “لن تتم مطالبة أي شخص يحضر في مدرسة بأن يتلقى تعليمات أو أن يشارك في احتفالات أو شعائر مرتبطة بدين غير دينه، أو بدين لا يوافق عليه والده أو ولي أمره”.
والشعائر الواردة في التشريع هي بحسب ما تسمح به الدولة وليست على مقاس أتباعها، مما يوسع مجال التدين ويضيقه حسب السياسات العامة للبلد والظروف التي تمر بها.
– إقرار التعليم العمومي مع الحياد الديني كما ورد في المادة (113) من دستور موزمبيق.
– الاعتراف بالتعليم الديني الخصوصي إلى جانب نظيره العلماني بعد الحصول على التصريح من الدولة وتحت مراقبتها بموجب المادة (14) من دستور بنين، 1990.
– الإقرار بالتعليم العمومي العلماني المجاني كما جاء في المادة (38) من دستور تشاد، 2018، دون نوع آخر.
– منح حق اللجوء للمتابعين والملاحقين بسبب عقائدهم كما ورد في المادة (33) من دستور كينشاسا، 2005.
– للمحتجز الحق في الاتصال والالتقاء بناصح ديني يختاره بحسب المادة (31) من دستور جنوب إفريقيا، 1996.
د- السلطات الأساسية
تأخذ البلدان الإفريقية بمبدأ تقسيم السلطات إلى: سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية.
– وظيفة المؤسسة النيابية المجمع عليها هي سَنُّ القوانين بالأساس، كما هو منصوص عليه في الدساتير، وتسفر الوظيفة التشريعية للبرلمان عن الهوية الدينية أو العلاقة بين المعتقد وتدبير الشأن العمومي ما يجعل من ممارسات النيابة العامة معيارًا للوقوف على المرجعية الدينية للدولة، ولا يصدر عن أي برلمان قاري نصوص تشريعية دينية.
وجاء في المادة (56) من الدستور الغاني، 1996، “لا يحق للبرلمان سنَّ قانون لإنشاء أو السماح بإنشاء هيئة أو حركة تكون مخولة لفرض برنامج مشترك أو مجموعة من الأهداف ذات الطابع الديني أو السياسي على شعب غانا”.
ومن موانع الترشح للنيابة البرلمانية أن يكون المرشح “زعيمًا تقليديًّا أو ثقافيًّا” كما هو منصوص عليه في المادة (246) من الدستور الأوغندي(28).
– السلطة التنفيذية: شكَّل الكاهن والحاكم في الثقافة الإفريقية ثنائية قديمة للحكم، وظل الكاهن جزءًا من السلطة وإدارة السياسة، فهو المستشار المقرب من الحاكم، لكن السلطة التنفيذية حاليًّا لا علاقة لها بالدين غالبًا إلا من زاوية الحفاظ على النظام العام والقانون.
ويغلب على الأنظمة السياسية الإفريقية كونها رئاسية -وبشكل نادر برلمانية- ودولًا بسيطة ليست اتحادية/فيدرالية(29)؛ مما مكَّن السلطة التنفيذية (الرئيس، الحكومة) من بسط يدها في التدبير العمومي واستئثارها بالقرار والنفوذ. وظل الاختلال قائمًا بين السلطات الرئيسة لصالح الجهاز الحكومي طيلة العقود الماضية، وإن كان هناك اتجاه دستوري صاعد يهدف إلى لجم السلطة التنفيذية بالقانون، ويطالب المجتمع المدني بمزيد من التقيد بالدستور.
وتسمح الدول الفيدرالية، كجمهورية نيجيريا الاتحادية، بنوع من تعدد الأنظمة التشريعية واقعيًّا، وقد سجلت بعد عودة الحكم المدني اختلاف المعتقد بين الرئيس ونائبه على السلطة تزامنًا وتعاقبًا بينهما كصيغة من الصيغ التوافقية بين أبناء الملل، ويظل تعزيز هذا النموذج مرتبطًا بقيم المواطنة والولاء للدولة، وقد كرَّس التنزانيون تقليدًا في الحكم لم ينص عليه في الدستور لكنه صار سُنَّةً متبعة، ويقوم على أن يتولى الرئاسة مسيحي ثم مسلم بالتناوب والتوالي، وقد اطَّرد هذا التقليد من أول رئيس مسيحي، وهو جوليوس نيريري، إلى الرئيس المسلم، جاكايا كيكويتي، وهو الرئيس الرابع(30) وصولًا إلى الرئيسة، سامية سوانو بعد رحيل سلفها، جون ماغافولي.
وتمضي المستعمرات الإنجليزية بإفريقيا قدمًا نحو ترسيخ عُرف من السيادة الرمزية لرئاسة البلاد ثنائي العقيدة كشكل من أشكال الحكامة الرشيدة على مستوى القيادات، وربما أسهمت نسبة الطائفة الدينية في التوازنات السياسية والدستورية.
ويحتل القَسَم أبرز مظهر دستور ديني في ممارسة السلطة التنفيذية، ويبرز البعد العقدي الإيماني وصلته بالمهام المنوطة على عاتق الرئيس وكبار المسؤولين، وتحمل دلالة القسم التأكيد على أهلية تقلد المنصب والعمل الدؤوب على أداء متطلباته بأمانة وصدق بما يعود بالنفع في النهاية على الصالح العام وخدمة الوطن.
وتتراوح صيغ القسم الواردة في الدساتير على ما هو مقدس كالقسم الغاني: “أقسم بالله العظيم”، أو القسم مجردًا من المقسم عليه كالسنغال، ويمثِّل صدور القسم من الرئيس المنتخب التزامًا علنيًّا بأداء المهام الرئاسية وكل مقتضياتها على أكمل وجه استشعارًا للمسؤولية وقيامًا بواجباتها وفق التفصيل الوارد في اليمين الدستورية، مثل دستور رواندا، 2015، كما ورد في المادة (61).
وجعل الدستور الغابوني من قَسَم الرئيس بداية العهدة الرئاسية بحسب المادة (11) من دستور 1991 المعدل، وصيغة القسم منصوص عليها في المادة (12). فيما يعدِّد الملحق الثاني للدستور الغاني أشكال اليمين موزعة على 12 منصبًا عاليًا، وتغطي المجالات ذات الشأن في التسيير والتدبير، منها: اليمين الرئاسية من الرئيس ونائبه، وأعضاء الحكومة والهيئة النيابية والقضاة ومراجع الحسابات العام.
وتسير كينيا في نفس اتجاه غانا لاشتمال القانون الأساسي على يمين الولاء للدستور، ونصوص اليمين والإقرار الوطني، وقد أدرج الدستور التشادي مع التعديل الأخير أداء الحكومة اليمين أمام الرئيس في المادة (105) مما أحدث نقاشًا حول أسس الدولة العلمانية.
ويؤدي أعضاء المجلس الدستوري في السنغال، وهو أعلى هيئة قضائية في البلاد، اليمين على أداء مهامهم وفق الدستور(31)، وكذا لجنة الانتخابات المستقلة أمام أعضاء المجلس الدستوري الإيفواري(32).
ويثبت الاستقراء أن أبرز تمظهر للدين في الوثيقة الدستورية هو أداء اليمين على ما هو مقدس لدى عامة الأنظمة السياسية المتعاقبة على الحكم، وظل هذا الإجراء عند أغلب الحكومات ثابتًا نصًّا وممارسة، أي القاسم المشترك مع الفارق على المقسم عليه؛ ما يعني أن الحاكم الإفريقي التزم تجاه الدين بما لا يشكِّل له تبعات ومساءلة أمام أية جهة.
– السلطة القضائية: تقوم عبر محاكمها وبناء على صلاحياتها المقررة بالبتِّ في بعض المجالات ذات الصلة بالدين، حسب الأنظمة القضائية المعتمدة لديها، خصوصًا ما يتعلق بالأحوال الشخصية، وهو الفضاء الأرحب للتشريع الديني في الدول العلمانية.
ويخوِّل الدستورُ الكيني، المادة (170)، البرلمانَ أن يُنشئ محاكم خاصة، كمحاكم القضاة على أن “تقتصر الصلاحية القضائية لمحكمة القضاة على البتِّ في أمور الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية، أو الزواج، أو الطلاق، أو المواريث في الإجراءات التي يعتنق فيها جميع الأطراف الدين الإسلامي ويخضعون للصلاحية القضائية لمحاكم القضاة”.
وفي نيجيريا، بقي منصب قاضي القضاة مَعْلمًا على عراقة المؤسسة القضائية في أعراف المجتمعات الهوساوية المسلمة إلى يومنا هذا؛ حيث يعتبر مؤسسة دستورية(33).
وظلَّت المؤسسة الدينية في إطار الدفاع عن الوطن وحماية الدولة ووحدتها الترابية من كل تهديد، سواء كان ذا طبيعة دينية إرهابية أو أمنية أو صحية، باعتباره مبدأ دستوريًّا في الخطوط الأمامية؛ حيث نصَّت بعض الدساتير على المبدأ كجمهورية الكونغو الديمقراطية كما ورد في المادة (63) من باب واجبات المواطن، والمادة (22) من دستور إفريقيا الوسطى “الدفاع عن الوطن واجب على المواطنين”، وبنين في المادة (32) من دستور 1990(34).
ومن الأدوار الوطنية التي اضطلعت بها القوى الدينية -أحد عناصر التغيير الفاعلة- قيامها بمعارضة السلطة القائمة، ودعوتها للتخلي عنها أو القيام بإصلاحات كما في الكونغو كينشاسا مع الزعيم جوزيف كابيلا، وواقعة الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى في مالي، محمود ديكو، بالخروج في مظاهرات حاشدة داعيًا الرئيس المالي المخلوع، إبراهيم بوبكر كيتا، للتنحي عن السلطة بسبب الفشل في إدارة الأزمات التي تشهدها البلاد.
خلاصات
إن موضوع الدين والدستور في السياق الإفريقي يأتي في إطار تفعيل آليات بناء الدولة الوطنية عقب الاستقلال بمقوماتها العصرية، لكن تطبيق المقتضيات الدستورية لن يتحقق إلا ضمن رؤية إصلاحية شاملة تضع في الاعتبار التوازنات الداخلية بقدر نظرتها للمحيط الدولي بمختلف فاعليه.
كما أن صياغة بدائل دستورية تستند إلى الموروث الحضاري لإعادة تركيب مفردات الحياة للواقع الإفريقي المتشعب، كالمؤسسات القانونية ذات الأبعاد الدينية، ظلت موضوع تجاذب بين المرجعيات الدينية والفكرية، فحينما دفع السياق الأمني والسياسي مثلًا الحكومة المالية إلى إحداث منصب وزير الشؤون الدينية والعبادة، عام 2012، التماسًا للحلول، لم يكن هذا الإجراء مرحبًا به لدى كل المواطنين؛ إذ رأت فيه بعض الأطراف تهديدًا للعلمانية، رغم إقرار حيادية المؤسسة التدبيرية الطارئة؛ ومثله إدراج اليمين في الدستور الأخير بدولة تشاد، وهو تعبير تلقائي عن انقسام المجتمع حول المرجعية العليا للبلاد.
لكن الحاجة إلى خدمات الفاعل الديني كمحاور للحركات المسلحة ووسيط، أو مؤطِّر للمشهد الديني كسبًا لولاء الوطن أو توظيفه ورقة انتخابية، أو محتجٍّ على تسيير الشأن العام أحيانًا، كل ذلك فرض بإلحاح إيجاد قنوات لتصريف الشؤون الدينية.
ليست المنظومة الدينية مصدر حكم في البلدان الإفريقية عامة سواء تعلق الأمر بمجال التشريع أو التدبير، لكن التاريخ الديني الإفريقي يثبت أن المناطق التي كان للشريعة فيها حكم وسلطان لقرون تبقى ثاوية في عمق المجتمع، تنتظر لحظة ظهورها أو استدعائها لأي سبب من الأسباب كالحاجة إلى التمايز أو الانتماء أو الوحدة أو التنمية كشكل من أشكال مواجهة التحديات المعاصرة.
إن مما يوطِّد الوفاق الاجتماعي بين الطوائف المتباينة هو ضمان حقوقها الأساسية في هرم التشريع، وذلك مما يعزز اللُّحمة الوطنية ويضمن المشاركة الجماهيرية والبحث عن حلول من الداخل مع أبناء الشعب الواحد والإعراض عن الدعم الخارجي أو التقليل منه إن وجد.
ولعل أبرز بُعد للدين والمعتقد في الممارسات الدستورية الإفريقية يتلخص في الحفاظ على الهوية الحضارية لفئة المتدينين من أبناء الشعب، واستحضار أهمية المرجعيات في تسيير شؤون المجتمع، والقبول بالتنوع العقدي وإدارته على الشكل الذي يحفظ توازن المجتمع وخدمة الصالح العام بما يتفق مع المبادئ الدينية.
ونصل هنا إلى بعض التوصيات:
– تسفر خصوصية علاقة الدين بالسلطة في المجتمعات الإفريقية عن أواصر من التعايش والاندماج يرسخ المطلب الديني لدى المؤسسات العمومية الوطنية، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، ولذا كان حريًّا بالسلطات العمومية الاعتراف بالواقع الاجتماعي الديني المتعدد، وإثراء المدونات التشريعية والدستورية “الأنظمة القانونية” بدل تنميطها في قالب غربي متطابق معها في الأشكال والمضامين، ويمكن أن يكون الدين رافدًا أساسيًّا في تخليق الحياة السياسية، ومحاربة الفساد والرشوة والتنمية.
– النظر في مجال السياسة يتعين أن ينبني على المصلحة، وعلى النخبة الدينية الإفريقية تقديم قراءات عميقة للنص لا تخرج عنه، ويتسع مداها لخدمة الإسلام والمسلمين، والإجابة على الإشكاليات النظرية والتطبيقية التي تطرحها العودة إلى الحياة الإسلامية المعاصرة، سواء مع المسلم نفسه أو مع السلطة أو مع المخالف، وتطوير الحياة الاجتماعية والسياسية في مختلف مظاهرها، خصوصًا في ظل نشأة الجامعات الأهلية والانفتاح على التراث السياسي سواء ما أُلِّف في القارة أو خارجها.
– إيجاد صيغ تشريعية وتدابير فعالة للواقع النيجيري على مستوى الولايات الشمالية تتكامل والدستور الفيدرالي بعد مضي عقدين على قرار تحكيم الشريعة مما يحفظ وحدة البلاد، ويعصمها من الانشطار ويحصِّن التعايش السلمي والمواطنة وبناء الدولة، وأداء دورها الإقليمي واحتلال مكانها اللائق بين الأمم. وهنا ينبغي تأهيل التعليم الديني ليقوم بدوره المرتقب بناء على متطلبات الحياة باتخاذه شريكًا بدل إقصائه ومعاداته، على أن إحدى ركائز التعليم الديني امتلاك آلياته ومنها اللغة العربية وغيرها من العلوم، علاوة على تحسين عمل المرافق الدينية والهيئات الخيرية.
– تكافؤ الفرص على مستوى التشريعات والقوانين بما يُمَكِّن كل أمة من صياغة تشريعاتها الوطنية يُعد حاجة بشرية وانسجامًا تامًّا مع هويتها الحضارية وقيمها بعيدًا عن التصنيفات والإملاءات الأممية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أن ظهور الإرهاب في السنوات الأخيرة عقَّد من علاقة المؤسسة الدينية مع السلطة في كثير من الدول، وفاقم من شأن المقاربة الأمنية وما جرَّت إليه من انتهاك خطير لحقوق الإنسان، لكنه لن يفتَّ من عضد الظاهرة الدينية في الحياة العامة.
المراجع
(1) استدعاء رواندا نظمها الاجتماعية بعد الحرب الأهلية كما هي الحال مع “محاكم غاشاشا” كآلية للمصالحة الأهلية وضمان الانتقال السلمي.
(2) انظر: ديباجة دستور بنين، 1990، وتشاد، 2018، والكونغو كينشاسا، 2005.
(3) عصام سليمان، البعد الدستوري لثقافة الحوار، الكتاب السنوي 2016، (لبنان، منشورات المجلس الدستوري، المجلد 10)، ص30.
(4) “Rapport Afrique de l’Ouest 2007-2008,” Religions et Langues, Décembre 2008: 124.
(5) يمكن الاطلاع بسهولة على غالبية الدساتير الإفريقية عبر الموقع الإلكتروني المتخصص في المجال:
https://www.constituteproject.org
(6) Guy Bucumi, “La religion dans les constitutions africaines: l’Afrique francophone entre héritage laïque et traditions religieuses,” fascicolo, no. 11, (2020), “accessed July 27, 2020”. https://bit.ly/3whg9nJ.
(7) “Focus: Law and religion in Africa- Comparative practices, experiences and prospects,” African Human Rights Law Journal, Vol. 14, no. 1, (2014), “accessed July 27, 2020”. https://bit.ly/36cv7Rs.
(8) من أقدم الدساتير الإفريقية دستور جمهورية ليبيريا، 1847، والتي استقلَّت في العام نفسه، ثم دستور الإمبراطورية الإثيوبية، 1931.
(9) Institut de recherche et de débat sur la gouvernance, “Constitutions: coexistence, reconnaissance ou hybridation des différentes sources de légitimité?,” (2008), “accessed June 18, 2020”. https://bit.ly/2SNRfhY.
(10) عبده باه، “البنية الهيكلية لأجندة الاتحاد الإفريقي 2063″، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، بدون تاريخ نشر، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2020): https://bit.ly/3lb2BXl.
(11) تقرير رئيس المفوضية عن “منع التغييرات غير الدستورية للحكومات وتعزيز قدرة الاتحاد الإفريقي على معالجة هذه الأوضاع”، مؤتمر الاتحاد الإفريقي، الدورة العادية الثالثة عشر، 2009، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2020): https://bit.ly/3dLvWoJ.
(12) انظر:
Alioune Badara Fall, “En Afrique, la Constitution française n’a pas été le modèle qu’on croit,” RFI, Octobre 4, 2018, “accessed July 8 ,2020”. https://bit.ly/3xeWvKx.
(13) Bucumi, “La religion dans les constitutions africaines,”op, cit.
(14) ومثله: إعلان لومي، 2009، حول التغييرات غير الدستورية للحكومات.
(15) يمكن أن نذكر منها: جنوب إفريقيا، رواندا، الجزائر، المغرب، الكونغو كينشاسا، كوت ديفوار.
(16) ميشيل براندت وآخرون، وضع الدساتير والإصلاح الدستوري: خيارات عملية، (لبنان، إنتربيس، 2012)، ص: 250.
(17) للتوسع، انظر:
Karim Dosso, “Les Pratiques constitutionnelles dans les pays d’Afrique noir francophone: cohérences et incohérences,” Revue française de droit constitutionnel, no. 90, (2012/2): 57-85.
(18) هارون باه، الدين والدولة في إفريقيا، السنغال، المغرب، نيجيريا، السودان: دراسة في العقد الاجتماعي الإفريقي، (أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، الرباط، 2014/2015)، ص 38.
(19) علي مزروعي، قضايا فكرية، إفريقيا والإسلام والغرب على أعتاب عصر جديد، ترجمة مجموعة من الباحثين، ط 1 (القاهرة، مركز الدراسات المستقبل الإفريقي، 1998)، ص 93.
(20) “Rapport Afrique de l’Ouest 2007-2008,”:126.
(21) “العلاقات بين الدين والدولة”، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، سبتمبر/أيلول 2014، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2020): .https://bit.ly/36cxUtW
(22) أسامة زايدي، الطائفية الدينية وأثرها على الاستقرار السياسي في الدولة: دراسة حالة لبنان، (رسالة ماجستير، جامعة العربي بن مهيدي، 2017) ص 13.
(23) يمكن القول: إن الضمانات والمعايير الدولية المتعلقة بحرية الأديان والمعتقدات، تنحصر في وثيقتين أساسيتين صادرتين عن الأمم المتحدة، الأولى هي “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الصادر عن الأمم المتحدة، عام 1948، والذي تنص مادته (18) على أن “لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتهما، سواء أكان ذلك سرًّا أم مع الجماعة”. أما الوثيقة الثانية؛ فهي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الأمم المتحدة، عام 1966، والذي تنص مادته (18) على ما يلي:
1 ـ لكل إنسان الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين، يشمل حريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وعلنًا أو على حدة.
2 ـ لا يجوز تعريض أحد لإكراه، من شأنه أن يُخلَّ بحريته، في اعتقاد أي دين أو معتقد يختاره.
3 ـ لا يجوز تقييد حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون، والتي تقتضيها حماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
4 ـ تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيًّا وخلقيًّا وفقًا لمعتقداتهم الخاصة”.
نقلًا عن: نادر جبلي، “إشكالية الدين في الدستور السوري المقبل”، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 24 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2020): https://bit.ly/3jKPehD.
(24) للتوسع، انظر:
Dmitri Georges Lavroff, “Les tendances actuelles dans les relations entre l’Etat et la religion,” Estudios doctrinales, no. 8, (2004), “accessed June 18 ,2020”. https://bit.ly/3AyFNYq.
(25) “العلاقات بين الدين والدولة”، مرجع سابق، ص 13.
(26) “Loi n 91.22 du 16 février 1991 portant orientation de l’éducation national,” “accessed February 2, 2021”. https://bit.ly/3yoarC6.
(27) للتوسع، انظر:
زيد العلي وآخرون، المنظمة العربية للقانون الدستوري، 2017، الكتاب السنوي 2015-2016، (المنظمة العربية للقانون الدستوري، تونس).
(28) محمد عبد المجيد حسين، “تحليل وثيقة دستور أوغندا لعام 1995″، المركز العربي الديمقراطي، 13 يناير/كانون الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 24 يونيو/حزيران 2020): https://bit.ly/3dHK95S.
(29) من الدول الفيدرالية في القارة بالإضافة إلى نيجيريا: تنزانيا وإثيوبيا والسودان وجزر القمر.
(30) علي جبريل الكتبي، “تنزانيا في إفريقيا: نموذج للاستقرار السياسي والتعايش الديني”، مركز الجزيرة للدراسات، 13 أبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 20 يونيو/حزيران 2020): https://bit.ly/3jLsWfJ.
(31) Isaac Yankhoba Ndiaye, Nouveaux cahiers du conseil constitutionnel,” conseil-constitutionnel.fr, Octobre 2014, “accessed June 19, 2020”. https://bit.ly/3dL0xmg.
(32) “Prestation de serment des nouveaux membres de la CEI,” Octobre 2, 2019, “accessed June 19, 2020”. https://bit.ly/3wdIxY4.
(33) هارون باه، الدين والدولة في إفريقيا، مرجع سابق، ص74
(34) استقبل بعض الرؤساء الوفود الدينية للتشاور معها والتباحث في شأن مكافحة الجائحة كما في حالة السنغال والكونغو كينشاسا.