ملخص:
يتناول البحث وسائل الاحتلال الإسرائيلي في استهداف التعليم في فلسطين من خلال استهداف المؤسسات التعليمية بين عامَي 1967 و2023. يركز على تحليل السياسات والإجراءات التي اتبعَها الاحتلال للتأثير سلبًا في النظام التعليمي الفلسطيني، أو تدميره باعتباره محورًا أساسيًّا في السيطرة الاستراتيجية للاحتلال. يسعى البحث في الدرجة الأولى إلى تحقيق الأهداف البحثية المرتبطة بتوثيق تاريخ استهداف المؤسسات التعليمية الفلسطينية منذ عام 1967، وتسليط الضوء على السياسات والممارسات الإسرائيلية التي استهدفت المدارس والجامعات، ثم دراسة تأثيرات هذه السياسات في التعليم الفلسطيني، وتحليل الأثر النفسي والاجتماعي في الطلاب والمعلمين والبنية التحتية التعليمية، وأخيرا، دراسة كيفية تأثير استهداف التعليم في الهوية والثقافة الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني. أما عن المنهجية البحثية، فقد اعتمد البحث على المنهج النوعي إطارًا عامًّا في البحث، لكن طريقة جمع البيانات، ووصفها، وتحليلها، تمت من خلال تتبع الأحداث التاريخية، مستخدمًا الوثائق التاريخية، والكتب، والدراسات السابقة، والتقارير الرسمية. تم استخدام منهج الاستقراء التاريخي لفهم التطورات والسياسات المتعلقة بالتعليم الفلسطيني خلال الفترة المدروسة، إضافة إلى الإحصاءات والبيانات الرسمية لتوثيق الخسائر والأضرار.
أوضح البحث أن الاحتلال اتبع سياسة ممنهجة لاستهداف التعليم الفلسطيني، تضمنت تدمير المدارس، وتقييد الحريات الأكاديمية، وتشويه المناهج الدراسية، كما أدت هذه السياسات إلى تدهور النظام التعليمي، وارتفاع معدلات الهجرة بين الكفاءات التعليمية، وتفاقم الأزمات النفسية والاجتماعية بين الطلاب والمعلمين، لكن الفلسطينيين أظهروا قدرة على التكيف والابتكار في مواجهة استهداف التعليم، من خلال مبادرات مثل التعليم الشعبي والتعليم عن بعد.
الكلمـات المفتاحية: فلسطين، النكسة، الاحتلال الإسرائيلي، التعليم.
______________
* د. محمد أحمد صيام، باحث متخصص في النزاعات والأمن.
* Dr. Mohammed Ahmad Siyam. Researcher Specializing in Conflicts and Security.
Abstact
This research examines the means by which the Israeli occupation targets education in Palestine by attacking educational institutions between 1967 and 2023. It analyses the policies and actions implemented by the occupation to negatively impact or dismantle the Palestinian educational system, viewing it as a central component in the occupation’s strategic control. The primary aim of the research is to document the history of attacks on Palestinian educational institutions since 1967, shed light on Israeli policies and practices targeting schools and universities, and assess the impact of these policies on Palestinian education. The study also explores the psychological and social effects on students, teachers and the educational infrastructure, as well as the impact of these attacks on Palestinian identity, culture and resistance.
In terms of methodology, the research adopts a qualitative approach as its general framework. Data collection, description and analysis are based on tracking historical events, using historical documents, books, previous studies and official reports. The historical inductive method is employed to understand the developments and policies related to Palestinian education during the studied period, complemented by official statistics and data to document the resulting losses and damages.
The research reveals that the occupation followed a systematic policy of targeting Palestinian education, which included the destruction of schools, restricting academic freedoms and distorting curricula. These policies led to the deterioration of the educational system, a rise in the emigration of skilled educators, and a worsening of psychological and social crises among students and teachers. However, Palestinians displayed resilience and creativity in response to the targeting of education through initiatives such as grassroots education and distance learning.
Keywords: Palestine, Naksa, Israeli occupation, education.
مقدمة
حصَلَت النكبة الأولى والكُبرى للشعب الفلسطيني عام 1948، التي تم فيها اقتلاعُه من أرضه، وتهجيره منها إلى عدة بلاد عربية وغربية، ثم ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولته على أنقاض الشعب الفلسطيني. كان الاحتلال مدعومًا في ذلك الحين من القوى العظمى في العالم، وعلى وجه الخصوص بريطانيا والولايات المتحدة، لذلك وقعت النكبة دون قدرة الفلسطينيين على المقاومة، فلم يتمكنوا من منع مشاريع الاستيلاء على الأرض، ولذلك تركَت النكبةُ آثارًا كارثية على جميع تفاصيل الحالة الفلسطينية، بما فيها التعليم، ولم تتوقف معاناة التعليم الفلسطيني عند النكبة الأولى عام 1948، بل جاءت هزيمة حرب يونيو/حزيران 1967 لتُعمق المشكلة، وتُفاقِم المعاناة، بعدما هزمت إسرائيل عدة جيوش عربية في تلك الحرب، واحتلت قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، فضلا عن سيناء المصرية، والجولان السورية، وفَرَضَت بالقوة واقعًا جديدًا ما زالت ملامحُه مستمرة إلى اليوم.
بالتركيز على القضية البحثية التي نسعى لمعالجتها، يجدر القول إنّ التعليم الفلسطيني، يُمثل منذ عام 1967، ساحة مواجهة رئيسية بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني؛ فهو يُعتبر حجر الأساس في الحفاظ على الهوية الوطنية، ونقل الرواية التاريخية الفلسطينية من جيل إلى آخر. تدرك إسرائيل، وفق إطار الاستعمار الاستيطاني، أن التعليم يُشكل عنصرًا حاسمًا في تعزيز الوعي الوطني، وبالتالي تسعى إلى تدميره عبر سياسات ممنهجة تشمل تقييد بناء المدارس، وتشويه المناهج الدراسية، واعتقال الكوادر التعليمية. تستهدف هذه السياسات إيجاد بيئة تعليمية معطِّلة تُجبر الطلاب على التسرب المدرسي، والانخراط في سوق العمل كأيدٍ عاملة رخيصة؛ مما يُضعف فرصهم في بناء مجتمع متعلم ومقاوم. يُعتبر ذلك جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تجهيل الفلسطينيين وتفكيك بنيتهم الثقافية، بما يضمن للاحتلال السيطرة المطلقة.
تندرج الورقة في فترة زمنية تمتد لعدة أعوام تحمل مفاصل تاريخية حاسمة في تاريخ الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ابتداءً بعام 1967، مرورًا بعام 1987 وهو الذي انطلقَت فيه الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ثم مرورًا بانتفاضة الأقصى عام 2000، وانتهاءً عند حدود طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، والحرب الأخيرة التي بدأت ضد قطاع غزة.
توقفت الدراسة عند حدود هذه الحرب المدمرة، لأن جميع ما حصل من أضرار للتعليم منذ عام 1967 إلى اليوم، لا يعادل الدمار الذي وقع في حرب الإبادة الحالية ضد قطاع غزة؛ ولذلك، فهي تستحق بحثًا مستقلًّا بذاته، يغطي جميع أبعاد عملية الإبادة الثقافية والعلمية الناتجة عن هجمة عسكرية غير مسبوقة في تاريخ الشعب الفلسطيني، أدَّت إلى تدمير منهجي لمؤسسات التعليم في قطاع غزة بشكل كامل.
تنطلق الورقة من فرضية مفادها أنّ “استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمؤسسات التعليمية الفلسطينية جاء ضمن سياسة ممنهجة تتعامل مع التعليم الفلسطيني كقضية أمنية استراتيجية” ولفحص هذه الفرضية، استندَت الورقة إلى المنهج النوعي، واعتمدت في جميع المعلومات على مجموعة من الوثائق التاريخية، والدراسات، والأدبيات ذات العلاقة، مصحوبة في ذات الوقت بعملية استقراء تاريخي للفترة محلّ الدراسة، مستفيدةً من الإحصاءات والبيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية في مجال التعليم. حريٌّ بالقول إنه تم تقسيم استهداف الاحتلال للمؤسسات التعليمية إلى ثلاث فترات زمنية، وذلك تبعًا لخصوصية كل فترة كما سيتضح في ثنايا الورقة.
الإطار النظري للدراسة
تتناول الدراسة استهداف الاحتلال الإسرائيلي للتعليم الفلسطيني بوصفه جزءًا من منظومة استعمارية أوسع تهدف إلى السيطرة على الأرض والشعب عبر أدوات مادية وثقافية. ولتفسير هذه السياسات، يمكن توظيف عدد من النظريات الأكاديمية التي تُسلط الضوء على العلاقة بين التعليم والاستعمار.
في هذا الصدد، تُقدم نظرية الاستعمار الاستيطاني (Settler Colonialism) إطارًا لفهم طبيعة الاستهداف الإسرائيلي للتعليم الفلسطيني. يُشير باتريك وولف إلى أن الاستعمار الاستيطاني يسعى إلى القضاء على السكان الأصليين، ليس فقط من خلال الإبادة المادية، بل عبر تدمير المؤسسات التي تُعزز هويتهم الثقافية والاجتماعية. في هذا السياق، فإن تدمير المدارس الفلسطينية، وتشويه المناهج الدراسية، وفرض القيود على البنية التحتية التعليمية يُعد جزءًا من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها ثقافيًّا وسياسيًّا، وتحقيق استبدال تدريجي للسكان الأصليين بالمستوطنين(1).
بنفس الإطار، تُفسر نظرية القوة التأديبية (Disciplinary Power)، كما طرحها ميشيل فوكو Michel) Foucault )، استخدام المؤسسات التعليمية أداةً للسيطرة على الأفراد والمجتمعات. يؤكد فوكو أن السلطة التأديبية تُمارَس عبر آليات دقيقة تهدف إلى تشكيل السلوك الفردي وضمان الطاعة الجماعية داخل المؤسسات(2). في الحالة الفلسطينية، تظهر هذه السيطرة من خلال سياسات الاحتلال التي تشمل الرقابة على المناهج الدراسية، وإغلاق المدارس بشكل متكرر، ومنع التوسع في البنية التحتية التعليمية، إضافة إلى التحكم في تعيين المعلمين. هذه السياسات تُظهر كيف يُستخدم التعليم وسيلةً لإضعاف الهوية الوطنية الفلسطينية وإنتاج أفراد أكثر خضوعًا للرواية الاستعمارية. أخيرًا، يُمكن توظيف نظرية المقاومة الثقافية (Cultural Resistance) لتفسير الجهود الفلسطينية الرامية إلى مواجهة السياسات الإسرائيلية عبر التعليم.
يُشير باولو فريري إلى أن التعليم يمكن أن يكون أداة للتحرر إذا ركّز على تعزيز وعي الأفراد بهويتهم وحقوقهم. في هذا السياق، لجأ الفلسطينيون إلى مبادرات مبتكرة مثل التعليم الشعبي والحصص المنزلية والتعليم عن بُعد لمواجهة استهداف الاحتلال للمؤسسات التعليمية. تُعد هذه الجهود جزءًا من استراتيجية أوسع للمقاومة اليومية التي تُبقي الوعي الوطني حاضرًا رغم محاولات الطمس والاستهداف المستمر(3). من خلال هذا الإطار النظري، يمكن فهم استهداف الاحتلال الإسرائيلي للتعليم الفلسطيني لا بسياسة عرضية أو منفصلة، بل بسياسة متكاملة مع السياسات الاستعمارية التي تسعى إلى إضعاف البنية المجتمعية للشعب الفلسطيني والقضاء على مقاومته الثقافية والسياسية. يشكل التعليم، في ظل هذه الظروف، ساحة صراع رئيسية بين محاولات الهيمنة ومقاومة التبعية.
هزيمة 1967 وآثارها على التعليم الفلسطيني
فرضت حرب 1967 ملامح جغرافية وسياسية جديدة رسّخَها الاحتلال على الأرض بقوة السلاح، حتى اعتَبَر عزمي بشارة أنّ تاريخ 1967 هو النشأة الحقيقة لدولة الاحتلال وليس عام 1948(4)، وسمّاها عبد الوهاب الأفندي “أمّ الهزائم”(5). حملَت الهزيمة أنواعًا متعددة من الخسائر البشرية والمعنوية إلى الجانب العربي، في حين سادَت حالة من النشوة في إسرائيل التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها القوة العسكرية البارزة في المنطقة”(6)، وفي تلك الأجواء ظهرت المقولة المشهورة التي يوصف بها الجيش الإسرائيلي: “الجيش الذي لا يقهر”(7).
فلسطينيًّا، نَتَجَ عن النكسة استكمال احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وفُصلت المناطق الثلاث جغرافيًّا بالحواجز والحدود العسكرية، وأخَذَ الاستيطانُ يستشري ويقطّع أوصال تلك المناطق داخليًّا، وأصبح كل شيءٍ فلسطينيٍّ تحت سيطرة قوات الاحتلال، كالتعليم والصحة، والاقتصاد، وحركة الأفراد، والحدود.
بعد النكسة عام 1967، سيطرَ الجيشُ الإسرائيلي بشكل كامل على التعليم في فلسطين، فخلال السنوات العشر الأولى من الاحتلال، لم يتم بناء أي مدارس جديدة، واكتظت الصفوف الدراسية بالطلبة، حيث وصل متوسط عددهم إلى 60 طالبًا في الصفّ الواحد، ولم يتم توفير تمويل يُذكر لتوسيع وتحسين المدارس، وتحت السيطرة الإسرائيلية، واجهَت المدارس الفلسطينية إغلاقًا متكررًا وطويل الأمد وحظرًا لبعض المواد التعليمية(8).
تم تأسيس عدة جامعات فلسطينية، وهناك ادّعاء من إسرائيل بأنّ لها الفضل في ظهور هذه الجامعات في بيرزيت ونابلس، وبيت لحم والقدس وغزة، ولكن الاحتلال الإسرائيلي في الحقيقة لم يقم بأي شكل من الأشكال بتمويل هذه الجامعات أو المساعدة في تأسيسها، وإنما سمح بذلك ظنًّا منه أن ظهور جيل متعلم ومثقف، بدون فُرَص عمل أو مستقبل، سيدفع هذا الجيل إلى الهجرة الطوعية من البلاد(9)، وقد تَحَقَّقَ لإسرائيل جزء من هذه المخططات، ورغم أن الهجرة أمر طبيعي يحصل في جميع الدول في سياق البحث عن فرصة أفضل، أو مأوى، أو هروب من حالة نزاع وخطر على الحياة، فإن مردود تلك الهجرة على مستوى القضية الفلسطينية كان ضارًّا للغاية؛ لأنه أصبح هناك ما يشبه النزيف الداخلي للنُّخَب والكفاءات الفلسطينية، التي أصبحت تهاجر بأعداد كبيرة جدًّا، وتترك وراءها فراغًا كبيرًا كذلك(10).
أولًا: استهداف الاحتلال للمؤسسات التعليمية خلال (1967-1987)
بعد حرب عام 1967، عمدت قوات الاحتلال إلى اتباع مجموعة من السياسات اتجاه التعليم، مثل التركيز على تضييق ظروف العمل خاصة على النُّخَب والكفاءات التعليمية لدفعها إلى الهجرة، وتطبيق سياسة اقتحام الكليات والجامعات بشكل متكرر لقطع استمرارية العملية التعليمية، كذلك منع الطلبة من الوصول إلى مقاعد الدراسة، في محاولة منها لدفعهم إلى ترك الدراسة أصلًا، واضطرارهم إلى العمل داخل إسرائيل ليكونوا قوة عاملة رخيصة، وبالتالي يُبعَد هؤلاء الطلاب عن مسار التعليم، ويتم استنزافهم في الضفة الغربية وقطاع غزة في بناء الدولة الجديدة للاحتلال، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فَمَن بقي مُصرًّا على استكمال دراسته أو ممارسته للتدريس، طبّقت قوات الاحتلال عليه سياسات الاعتقال، فضلًا عن سياسات إغلاق المؤسسات التعليمية، ومنع تدريس بعض الكتب والمناهج، إضافة إلى توقيف عدد من الامتيازات التي كانت تتمتع بها المدارس والجامعات الفلسطينية قبل الاحتلال في ظل القانون الأردني في الضفة الغربية أو المصري في قطاع غزة.
لقد وَصَلَت الحالة التحكّمية للاحتلال في التعليم بفلسطين ذلك الوقت إلى أن تعيين المعلمين في المدارس العربية بحدّ ذاته يخضع لموافقة الحاكم العسكري، ووزارة الدفاع، بل إن ضابط الأمن الإسرائيلي كذلك لديه معايير ومواصفات يجب أن تتوافر فيمن يتقدم لوظيفة المعلم من الفلسطينيين(11)، ونتيجة لذلك تم توقيف عمل العديد من المدرسين السابقين ممن لا تتوافق حالتهم مع معايير ضابط الأمن الإٍسرائيلي، أو ممن لم يوافقوا على سياسات الاحتلال في تلك الفترة، وهكذا وصل عدد المفصولين بين عامَي 1968/1969 إلى 485 معلمًا(12).
إنّ حالة السيطرة التي فرَضَها الاحتلال الإسرائيلي على التعليم بعد حرب عام 1967 وصلَت إلى أدقّ التفاصيل الخاصة بالعملية التعليمية، ابتداءً بالمناهج التي مارَس الاحتلالُ الإسرائيلي عليها سياسات الحذف والتعديل لكل ما يتعلق بجغرافية فلسطين التاريخية، وتراث وعادات وتقاليد الشعب الفلسطيني، مرورًا بالتقييد الشديد للمدارس، من حيث منع التوسع لاستيعات الزيادة في أعداد الطلاب؛ مما أدى إلى ظهور أشكال جديدة من التعليم داخل المدارس لم تكن معروفة من قبل، مثل ظاهرة الصفوف المجمَّعة، أو الدراسة على فترتين صباحًا ومساءً، أو ظاهرة الغرف المدرسية المستأجَرة. وامتدت حالة السيطرة إلى أشكال أُخرى من الاستهداف، مثل إغلاق المدارس بشكل متكرر، ومحاصرتها واستخدامها معتقلات ومعسكرات للجيش، ووضع الأسلحة والقنابل فيها، وحتى تغيير أسمائها. ولم يتوقف الأمر عند استهداف الاحتلال للمدارس بهذا الشكل التعسفي، بل امتد إلى المعلمين، فقد شملت سياسات الاحتلال الجديدة اعتقال المعلمين، والحسم من الرواتب، وإعاقة عملية التطوير، والإبعاد، وفرض قيود على الحركة، أو حتى فرض الإقامة الجبرية، وغيرها من السياسات. ولم يكن الطلبة كذلك بعيدين عن سياسات الاحتلال التعسفية، فقد عانوا الإرهاب والتخويف، والاعتقال، ومحاصرة النشاطات الطلابية، وصولًا إلى القتل أو الإصابة الجسدية(13).
استطاع الاحتلالُ فرض هذا التحكّم لأنه يملك القوة، وهذه القوة التأديبية بمفهوم فوكو، استُخدمت في السياق الفلسطيني “بوصفها قوة كولونيالية استيطانية تمارس الأبارتهايد(14)، ومن ثم لا تسعى لإنتاج فرد منتِج، ولا تتطلع أبدًا إلى وجوده، وبهذا يمكن استعارة مفهوم القوة السيادية وتطبيقه على سياسات الاحتلال الاستيطانية الخاصة بالتعليم في فلسطين، وتتمثل في عمليات القتل العمد للطلبة والأساتذة، واحتجازهم وترهيبهم، إضافة إلى استخدام القوة التأديبية؛ لفهم السياسات الرقابية التي استهدَفَت وضع المناهج والطلبة والأساتذة ضمن نظام رقابة ممنهج. فهاتان القوتان استخدمهما الاحتلال للسيطرة، ولإضعاف منظومة التعليم الفلسطينية”(15).
وقعت حرب عام 1967، في وقت كانت المدارس قد بدأتْ عطلتها الصيفية للتوّ، أما امتحان الثانوية العامة فكان على الأبواب ولم يبدأ بعد، وفي ظل خطورة ظروف الاحتلال الجديدة، أصبح من الصعب إجراء الامتحانات، فكان لا بد من تحرك أحدهم لإيجاد حلّ، وبالفعل جاء التحرك من حمدي كنعان رئيس بلدية نابلس، فوجّه رسالة لموشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، يطلب منه تشكيل لجنة فلسطينية تيسّر وتُشرف على امتحانات الثانوية العامة، وبعد طول معاناة فشل تشكيل اللجنة المرجوّة، فما كان من كنعان إلا التوجه إلى عمّان، والطلب من حكومة الأردن تشكيل لجنة للإِشراف على الامتحانات في الضفة الغربية، وهذا ما تمّ، ومع ذلك كان ضابط التعليم الإسرائيلي في ذلك الوقت شموئيل حاخام تُرسَل له قرارات اللجنة حتى يكون على علم بمجريات الأمور(16). لاحقاً، تم تقييد جميع أشكال الحريات التعليمية والثقافية بإحكام، وتم إغلاق المدارس بشكل روتيني، وحظرت السلطات الإسرائيلية أكثر من 1600 كتاب في الأراضي المحتلة(17). استمرت هذه التضييقات على التعليم الفلسطيني حتى عام 1980، ثم زادت، وأخذت الصبغة الرسمية ضمن سياسات الاحتلال، إذ تعززَت بقرار رسمي من سلطات الاحتلال، حيث صدَر قرار الحاكم العسكري الإسرائيلي رقم (854) بتاريخ 6 يوليو/تموز من عام 1980، الذي نصّ على خضوع جميع المؤسسات التعليمية للسيطرة المباشرة لسلطة الاحتلال، وما تبع هذا القرار من قيود كثيرة وصلت إلى أدق التفاصيل في التضييق على عمل تلك المؤسسات(18)، وعلى مدار سنوات الاحتلال الإسرائيلي، كانت هناك موجات متواصلة من المواجهات والتوترات حول التعليم بين السلطات الإسرائيلية والفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة أو داخل إسرائيل نفسها. كانت أهمية التعليم بالنسبة للفلسطينيين، وخاصة اللاجئين، واضحة للسلطات الإسرائيلية، وبالتالي لم يكن من المستغرَب أنها لم تعرقل التعليم فحسب، بل استخدمته أيضًا وسيلةً للسيطرة، وممارسة السلطة السيادية على الطرف الأضعف، لذلك كان الأمر العسكري رقم (854) أحد الأمثلة الصارخة على استهداف المؤسسات التعليمية، وهو الأمر الذي خُصص لتقييد عمل الجامعات، من خلال إشارته إلى أن كل مؤسسة تعليمية تعمل في المنطقة أُدرجت في ذيل هذا الأمر، تُعتبر كأنها حصلت على رخصة مؤقتة بمقتضى القانون، وبحسب تعديله في هذ الأمر لسنة التعليم 1980-1981، وهذه الرخصة المؤقتة مرتبطة دائمًا بذرائع أمنية، فقد أشار القرار نفسه إلى أنه يجوز للمسؤول، باستشارة قائد شرطة المنطقة، والقائد العسكري في القضاء الذي يتعلق به الأمر، أن يراعي ما يراعيه من اعتبارات لمنح الرخص المذكورة في هذه المادة وهذا معناه ارتهان عمل المؤسسة التعليمية وفتحها وإغلاقها لأمر الحاكم العسكري الإسرائيلي(19).
الحيز المكاني الذي كانت تشغله المؤسسات التعليمية كان هدفًا لسياسات الاحتلال، فتضييقه يعني تحجيم المجال الجغرافي والمكاني للمدرسة أو الجامعة، وبالتالي عمِل الاحتلال على الحدّ من ازدياد عدد المدارس والجامعات ومنع توسعها أفقيًّا، “فقد بَلَغ عددُ المدارس في الضفة الغربية عام 1967 نحو 821 مدرسة (ابتدائية وإعدادية وثانوية)، في حين بَلَغ عددُها في العام الدراسي 1986، 977 مدرسة”(20)، أيْ بفارق 156 مدرسة في 19 عامًا، وهو عدد قليل جدًّا، علما بأن هذه الزيادة ترجع إلى جهد الأهالي فُرادى وجماعات، كبناء المدارس وإعدادها الذي تم بتمويل من الدول العربية، أو بتبرعات من المواطنين والمغتربين؛ فمثلًا بُنيت في لواء رام الله على نفقة الأهالي 355 غرفة مدرسية خلال عشر سنوات بعد عام 1970(21).
هكذا أراد الاحتلال أن يُثبت سيطرته وتحكّمه الكاملَين على التعليم الفلسطيني، من بعد حرب عام 1967، وظلّ التعليم بعدها خاضعًا لإدارة الاحتلال، ولكن كانت تُعتمد فيه المناهج المصرية للتعليم في قطاع غزة، والأردنية في الضفة الغربية، وصولًا إلى عام 1987، وهو العام الذي انطلقت فيه الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
ثانيًا: استهداف الاحتلال للمؤسسات التعليمية خلال (1987 – 2007)
خلال العقود الممتدة منذ الاحتلال، برز التعليم الفلسطيني منصةً أساسية لإطلاق المقاومة، سواء من خلال الأدوار التي أدّتها الكفاءات الأكاديمية، أو من خلال الأنشطة الطلابية التي مثّلت حالة من الرفض الشعبي للاحتلال. من هنا، ركّزت إسرائيل على استهداف الجامعات عبر الإغلاق المتكرر والاقتحامات التي تهدف إلى وقف النشاطات الوطنية داخلها. تُعتبر فترة الانتفاضة الأولى مثالًا واضحًا على هذا الأمر؛ إذ أدى إغلاق الجامعات إلى إنشاء بدائل مبتكرة مثل التعليم الشعبي، الذي تحوّل إلى رمز مقاومة في مواجهة الاحتلال.
ومع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى نهاية عام 1987، استمرت سياسات الاحتلال اتجاه التعليم في التصعيد، ولكنها في تلك الفترة كانت تحدث في ظل جو متوتر يُفرَض على الاحتلال لأول مرة بهذا الشكل، حيث وضعت الانتفاضة حجر الأساس لمرحلة جديدة بالكلية مع الاحتلال، واشتبكت معه شعبيًّا وجماهيريًّا في جميع الأراضي الفلسطينية. وتنوَّعَت وسائل استهداف الاحتلال للمؤسسات التعليمية في الفترة الممتدة من 1987 إلى 2007، واتخذت عدة أشكال مثل الإغلاق، وإلغاء ونقل مراحل دراسية، ومحاصرة المدارس والجامعات واقتحامها وإرهابها، ووضع القنابل في ساحاتها، واستخدامها معتقلات ومعسكرات للجيش، وتقليص حجمها، وفي بعض الحالات تغيير أسمائها(22).
لقد كان الإغلاق المنتظم للمؤسسات التعليمية الفلسطينية سياسة مشتركة للسلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. على سبيل المثال، خلال الانتفاضة الأولى (1987 – 1993)، تم إغلاق جميع المؤسسات التعليمية الفلسطينية لفترات تتراوح بين عامين، في حالة مدارس الضفة الغربية، وأكثر من أربع سنوات في حالة بعض الجامعات. حتى رياض الأطفال كانت مُدرَجة في أوامر الإغلاق العسكرية(23). خلال الأشهر الأولى من انتفاضة عام 1987 قام الاحتلال الإسرائيلي بمنع التعليم الفلسطيني رسميًّا، وتم وقف كل ما يتعلق بالنظام التعليمي بواسطة السلطات العسكرية الإسرائيلية، وقد شمل هذا الوقف المدارس الحكومية والخاصة والتابعة للأونروا والجامعات وكليات المجتمع(24).
تميزت فترة ما بين يناير/كانون الثاني 1988 ويناير/كانون الثاني 1989 بصعوبة بالغة فيما يتعلق باستهداف الاحتلال الإسرائيلي للتعليم، وتمثّلَت تلك الصعوبة بالأحداث التالية على سبيل المثال لا الحصر:
- فبراير/شباط 1988: صَدَرَ أمر إغلاق في وقت واحد لجميع رياض الأطفال والمؤسسات التعليمية الابتدائية والثانوية والعليا في الضفة الغربية حتى “إشعار آخر”.
- في بداية نفس العام، قام الاحتلال بإغلاق الجامعة الإسلامية بغزة(25).
- نهاية مايو/أيار 1988: سُمح بإعادة فتح المدارس أسابيع قليلة، لكن بقيت الجامعات مغلقة.
- أغسطس/آب 1988: صَدَرَ أمر عسكري بمنع التعليم الشعبي البديل.
- سبتمبر/أيلول 1988: تم تمديد أمر الإغلاق حتى نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.
- نوفمبر/تشرين الثاني 1988: تم تمديد الإغلاق حتى ديسمبر/كانون الأول من نفس العام.
- ديسمبر/كانون الأول 1988: تم تمديد الإغلاق حتى إشعار آخر(26).
عندما “أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلية جامعة بيرزيت لمدّة خمس سنوات تقريبًا بين الأعوام 1988 و1992، إلى جانب جميع المؤسّسات التعليمية الفلسطينية الأخرى(27)، بما في ذلك المدارس وحضانات الأطفال، رَفَضَت هيئاتُ الجامعة أن تقبل بتجريم التعليم واستمرّت في التعليم “بشكل سرّي” في المنازل، والمكاتب، والكنائس، والمساجد والمراكز الجماهيرية فيما عُرف بعد ذلك تحت اسم “التعليم الشعبي” (28)، وقد تعرّضَت هذه الصفوف الدراسية مرارًا وتكرارًا لمداهمات من قبَل الجيش الإسرائيلي، وتمّ اعتقال الطلاب والمعلّمين الذين تواجدوا هناك. وفي محاولة لتحدّي الحكم العسكري، أصبح مجرّد السّعي لطلب العلم طريقةً لمجابهة الاحتلال بشكل مباشر”(29). تم استخدام بعض المدارس معسكرات ومراكز اعتقال خلال فترات الإغلاق، وتعرَّض المعلمون في الضفة الغربية وقطاع غزة لإجراءات قمعية مختلفة، مثل: التقاعد الإجباري، والتسريح لأسباب سياسية، والنقل التعسفي، وتعليق رواتب المعلمين والعلاوات المهنية، وخصم الرواتب بعد أيام الإضراب أو إغلاق المدارس، وتدني الرواتب، وعرقلة التطور المهني للمعلمين وحظر نقاباتهم. كما تعرض الطلاب لإجراءات قمعية، مثل: الطرد من المدارس لأسباب سياسية، والاعتقال أثناء الامتحانات العامة، والنقل التعسفي للطلاب، ومنع السفر إلى الخارج، والاحتجاز والسجن(30).
رغم أنّ الاحتلال لم يحتجْ إلى مبررات لهذه الممارسات اتجاه الشعب الفلسطيني، فإنه كان يبرّر إغلاقه للمؤسسات التعليمية بالحفاظ على الهدوء والأمن العام ومنع الاحتجاجات، لكن ما كان يحصل هو العكس تمامًا، حيث تسبب الإغلاق في احتجاجات ومواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال(31). ولم يتوقف الأمر عند تحويل المؤسسات التعليمية الفلسطينية إلى ثكنات عسكرية يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي بشكل مؤقت، بل صاحَب ذلك العديد من مظاهر التدمير والتكسير للأثاث والمرافق، وإحراق الأجهزة وتكسير مقاعد الدراسة، وكتابة شعارات معادية للعرب(32)، وهذا كان يحدث في حالة خلوّ المؤسسة التعليمية من الموظفين أو الطلاب ووجود قوات الاحتلال داخلها، وهناك شكل آخر من الاعتداء، وهو اقتحام المؤسسة أثناء وجود الموظفين والطلاب فيها، وإرهابهم وتهديدهم، فمثلا تم اقتحام الجامعة الإسلامية بغزة ومصادرة أشرطة تسجيل تابعة للحاسب الآلي عام 1989، وكذلك تم اقتحام مركز أبحاث رابطة الجامعيين في الخليل في نفس العام وتعرضه لنفس التدمير والتخريب(33).
جاء اتفاق أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ليعطي حكمًا ذاتيًّا جزئيًّا لقطاع غزة ومدينة أريحا في الضفة الغربية، ووصلت السلطة الفلسطينية بقيادة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلى قطاع غزة والضفة الغربية في نفس العام، وبدأَت بناء أجهزتها وأنظمتها، وإصدار القوانين والتشريعات التي تسيّر عملها في الأراضي الخاضعة لسيطرتها. أعادت اتفاقيات أوسلو صياغة العلاقة بين جزء من الفلسطينيين وإسرائيل، فتحوّل المحتل إلى شريك سلام، إلا أن اتفاق أوسلو عجز عن تحقيق السلام بين الطرفين، أو إرجاع شيء من الحقوق إلى أهلها، وذلك بسبب تعنّت الطرف الإسرائيلي وتردده في تنفيذ ما اتُّفق عليه، وتراجعه في كثير من الأحيان(34)، واستمرت عملية “السلام” في التدهور والتراجع، وصولًا إلى عام 2000 الذي شهد انطلاق انتفاضة الأقصى، وهي الانتفاضة التي أنهت واقعيا هذه العملية، وكان من مظاهر ذلك، محاصرة عرفات في مقره في رام الله مدة ثلاث سنوات كاملة، حتى سفره إلى باريس للعلاج ووفاته هناك عام 2004.
أعطى اتفاق أوسلو للسلطة الفلسطينية حق الولاية في الضفة وغزة على مجالات الصحة والتربية والثقافة والتعليم والضرائب وغيرها من الأمور المدنية الخاصة بإدارة شؤون الناس(35)، وبذلك أصبحتْ وزارة التربية والتعليم العالي في فلسطين، التي أنشأَتْها السلطة بعد قدومها، مسؤولة عن التعليم العام في المدارس الحكومية، والمدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين(36) والمدارس الخاصة في جميع المناطق التي انتقلت إلى السلطة حسب اتفاق أوسلو(37)، وكذلك تشرف الوزارة على التعليم العالي في الكليات والجامعات الفلسطينية(38)، واستُبدِلَت بالمناهج الدراسية في جميع المناطق الخاضعة للسلطة، مناهج فلسطينية جديدة لأول مرة(39)، “ولكن هذه المناهج لم تلقَ الترحيب من قبَل حكومة الاحتلال، أو حتى الدول الغربية، حيث ورد في تقرير للكونغرس الأمريكي عام 2005 أنّ المناهج الفلسطينية تعمل على بناء جيل جديد من الفلسطينيين رافض لإسرائيل، كذلك عدم وجود إشارات إلى الاعتراف بإسرائيل، ويزعم التقرير أن الكتب الفلسطينية تشجع ثقافة العنف، وحب الاستشهاد والجهاد، وأشار التقرير إلى عدم وجود دقّة تاريخية فيما يتعلق بِأُسُس الصراع العربي الفلسطيني، وحتى إن بعض بنود هذا التقرير انتقدت الإشارة إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والمرسلين، وما يتضمنه ذلك من معاني لا تخدم السلام، ويستشهد التقرير بأن انتفاضة الأقصى عام 2000 كانت فيها نسبة الطلبة المشاركين كبيرة، وأن هذا من الآثار المحتملة للمناهج الفلسطينية”(40).
ميدانيًّا، أدخلت تغييرات جديدة على المدارس الفلسطينية، ولكنها تغييرات شكليّة نوعًا ما، فعلى سبيل المثال، أصبح النشيد الوطني الفلسطيني يذاع كل يوم في الطابور المدرسي الصباحي، وهو شيءٌ لم يُعهَد من قبل، ولعله في ذلك الوقت أعطى شعورًا جديدًا بالهوية والدولة والكيان الفلسطيني، كذلك زادت الأنشطة المدرسية والمسابقات الثقافية والفنية والرياضية والمنافسات المتنوعة على مستوى المحافظات الفلسطينية الخاضعة لحُكم السلطة، مثل تنظيم مسابقات الشعر والخطابة والقراءة وغيرها. إنّ حصيلة تحليل ما ذُكر أعلاه، ودمج الإيجابيات مع السلبيات، ومقارنة بعضها ببعض، أدّت إلى خروج آراء بحثية نقدية تعتَبِر أنه في جميع الأحوال، أسْهَمَ “تبنّي السلطة الفلسطينية سياسات الليبرالية الجديدة تحت ضغط المؤسسات الدولية المُعولَمة في تردّي أوضاع التعليم، وبصورة أكثر حدَّة من غيرها من دول العالم، نظرًا إلى تشابك وخضوع هذه السياسات للهيمنة البنيوية للاستعمار الصهيوني”(41).
إنّ قيمة ورمزية عام 2000 في المسار التاريخي لتحوّلات القضية الفلسطينية لا تقلّ عن قيمة ورمزية عام 1967، لقد مَثَّل عام 2000 فاصلًا تاريخيًّا في مسار القضية الفلسطينية، ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال، ففيه انطلقت الانتفاضة الثانية، وفيه أيضًا اتخذَت المواجهة مع الاحتلال نمطًا جديدًا. كان اقتحام رئيس حزب الليكود السابق أرييل شارون، باحة الحرم القدسي في 28 سبتمبر/أيلول من عام 2000 تحت حراسة مئات الجنود الإسرائيليين، السبب المباشر لاندلاع انتفاضة الأقصى، لا سيما بعد تنصل إسرائيل من تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق أوسلو، فضلا عن فشل قمة كامب ديفيد التي رَعَتها الولايات المتحدة في يوليو/تموز من العام نفسه قبل الانتفاضة بنحو شهرين، بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين إيهود باراك(42)، إلى جانب عدم تعاون الجانب الإسرائيلي في تنفيذ الاتفاقيات التي تم توقيعها، وتراجُع في الأداء الفلسطيني على مستوى السلطة، وانتشار فضائح الفساد والمحسوبية(43).
وكان عام 2000 قد شهد تطوير وزارة التربية والتعليم العالي التابعة للسلطة الفلسطينية خطةً تعليمية مدّتها خمس سنوات، ولكن تطوير المناهج الدراسية كان تحديًا خاصًّا للوزارة، حيث كان بمثابة الفرصة الأولى لتطوير منهج دراسي فلسطيني بعد تاريخ طويل من هيمنة التأثير الأجنبي، وكان عام 1995 قد شهد إنشاء مركز رسمي لتطوير المناهج، وفي عام 1998، انتقلت الجهود إلى إنتاج الكتب المدرسية(44). إلا أن الوقت لم يسعف السلطة الفلسطينية للاستمرار في عملية التطوير والتحديث لنظام التعليم، فقد كانت تُباشِر عمليةَ إصلاحٍ لنظامٍ تعليميٍّ يعاني عقودًا من الترهّل والاستهداف، منذ النكبة عام 1948، مرورًا بحرب عام 1967، ثم سنوات الاحتلال التي بعدها، وما إنْ دارت رَحَى الإصلاح والتحديث في عهد السلطة الفلسطينية، حتى داهمَتها أحداثُ عام 2000.
قبل ذلك العام كان لدى السلطة الفلسطينية سبب للاعتزاز بالتقدم الذي أحرزَتْه في قطاع التعليم، ومع ذلك، أدى الرد الإسرائيلي على الانتفاضة إلى تكاليف باهظة لنظام التعليم بأكمله، البشري والبنيوي، فَفقَدَ الكثيرَ من الزخم الإيجابي وتأثر الوصول إلى التعليم وجودته على مستوى مناطق السلطة الفلسطينية(45)، ودخل التعليم مرحلة جديدة من الاستهداف الإسرائيلي له، مختلفة كليًّا عما قبل عام 2000، فأصبحت الضفة الغربية محتلة مرةً أُخرى، وانتشرت فيها عشرات حواجز التفتيش التي قطّعَت أوصال المدن والقرى، وحالَت دون حرية حركة الناس بسهولة(46)، ووفقًا لمنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية نفسها، تم خلال النصف الأول من عام 2008 تقسيم الضفة الغربية إلى 62 حاجزًا دائمًا (16 نقطة تفتيش داخل مدينة الخليل وحدها)، ووضع ما معدله 85 حاجزًا طيارًا، و 512 عائقًا ماديًّا في شهر مارس/آذار من ذلك العام، وقد أدت هذه العوائق إلى تقييد حركة جميع الفلسطينيين تقريبًا بشكل عام، والطلاب والمعلمين بشكل خاص، وأصبح ذهاب الناس إلى أعمالهم أو الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم مهمة تتطلب وقتًا وجهدًا، وربما حياة، وهكذا أصبح الآلاف من الأطفال يعانون من صعوبات في ممارسة حقهم في التعليم بسبب حواجز التفتيش الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية، والمضايقات والعنف الممارَس ضدهم من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين على حدٍّ سواء(47)، وقد أثبتت دراسة قام بها الباحث سامي ميعاري أنّ التعرض لواحدة أو أكثر من نقاط التفتيش يقلل من احتمال اجتياز امتحان الثانوية العامة النهائي بنسبة 1-3 نقاط مئوية، وأنّ هناك أدلة على أنّ ثلاث آليات تؤدّي دورًا في ذلك السياق: الموارد المدرسية تتدهور، والرفاهية النفسية للطلاب تزداد سوءًا، ويضيع وقت الطلاب بسبب التأخير عند نقاط التفتيش(48).
لم تتوقف هذه المعاناة عند الحواجز العسكرية بين المدن والقرى، فقد كان هناك حاجز أكبر من الجميع، وهو الجدار العازل الذي صدر قرار بإقامته في شهر إبريل/نيسان من عام 2002 عن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر، وبدأ تنفيذه في شهر يونيو/حزيران من العام نفسه، بعد أن تسلّم أرئيل شارون رئاسة الحكومة الإسرائيلية، فالتفّ الجدار حول الضفة الغربية، وبسببه “يضطر 2898 طالبا وطالبة ومعلما ومعلمة في جنين وطولكرم وقلقيلية للمرور عبر بوابة واحدة في الجدار في طريقهم إلى المدارس أو عند عودتهم منها يوميًّا. ولا يقتصر الأمر على التأخيرات الطويلة التي يتعرضون لها في رحلتهم اليومية هذه، بل كثيرًا ما يتعرضون إلى المضايقات من الجنود الإسرائيليين الذين يتحكمون بالمرور عبر البوابة”(49).
خَنَقَ الجدارُ كذلك المدينةَ المقدسة، وزادت الحواجز العسكرية الثابتة على جميع مداخلها، وأصبحت تؤثر سلبًا في المسيرة التعليمية، حيث تعيق وصول الطلبة والمعلمين إلى مدارسهم الواقعة خلف
الجدار، “هذا عَدَا عن المدارس الواقعة في مواقع متضررة بشكل مباشر ويفصلها الجدار عن المدينة المقدسة؛ كالمدارس في بلدة الشيخ سعد، والمدارس في بلدة الزعيم الواقعة شرق مدينة القدس، والمدارس في مخيم شعفاط وعناتا، وكذلك مدارس الرام وضاحية البريد، التي فصلها الجدار العنصري عن المدينة وأعاق وصول الطلبة والمعلمين إلى مدارسهم، حيث ينتقل الطلبة والمعلمون عبر الحواجز العسكرية والجدار، ليصلوا إلى مدارسهم الواقعة داخل الجدار أو خارجه؛ مما يؤثر سلبًا على المسيرة التعليمية، حيث يوجد في القدس 38 مدرسة تابعة لمديرية التربية والتعليم، تقع 11 منها خارج الجدار، و27 داخله”(49).
لم يكن حال المؤسسات التعليمية في شرقي القدس المحتلة أفضل بكثير، حيث “تسبب الجدار في عزل 4035 طالبًا وطالبةً من 10 مدارس في قُرى “أبو ديس” والعيزرية والسواحرة الشرقية عن مؤسساتهم التعليمية، كما لم يعُد بإمكان 42 معلمًا ومعلمةً ممن يقيمون في المنطقة الوصول إلى مدارسهم، وينطبق الأمر ذاته على عدد آخر يصل إلى 85 معلمًا ومعلمة ممن اعتادوا في السابق على المجيء إلى المنطقة من مواقع سكنية أُخرى في الضفة الغربية”(50).
بالانتقال إلى قطاع غزة، نجد أنه منذ عام 2000 كان للمؤسسات التعليمية فيه نصيبٌ وافرٌ من الاستهداف غير المسبوق، وذلك لثلاثة أسباب:
الأول: لأنّ طبيعة المواجهة الجديدة التي فَرَضَها الاحتلالُ الإسرائيلي خلال الانتفاضة الثانية اشتملَت على ممارسات وأساليب عسكرية لم تُستخدَم من قبل في الضفة والقطاع منذ 1967، حيث تضمنت المواجهة الجديدة القصفَ الجوي الإسرائيلي بالصواريخ والقنابل سواء بهدف اغتيال عناصر المقاومة الفلسطينية، أو لاستهداف مبانٍ بمختلف أنواعها منازل أم مؤسسات أم غير ذلك، في نفس الوقت الذي تطورَت فيه أسلحة المقاومة الفلسطينية -نسبيًّا دون مقارنة مع قدرات الاحتلال- داخل القطاع على وجه الخصوص، إذ شهدَت على سبيل المثال أول استخدام لقذائف الهاون باتجاه مستوطنات الاحتلال في القطاع، ثم تطورت بعد ذلك إلى العديد من الأسلحة الأُخرى(51).
أما السبب الثاني لكثافة الخسائر في جانب المؤسسات التعليمية في القطاع فهو الحصار الإسرائيلي المُطبق الذي فُرض على القطاع منذ يونيو 2007 وما زال مستمرًّا حتى تاريخ كتابة هذه الكلمات، وصلتْ آثارُ الحصار إلى أدقّ تفاصيل حياة الغزّيين اليومية، وأصيبت الحياة في القطاع بشلل كامل، ورَجَعَت بالزمن عقودًا إلى الوراء، إلى حقبة لا يُعرف فيها البترول ولا الغاز ولا الكهرباء، فجميع هذه الأشياء مُنعت عن غزة، وأُغلقت المعابر، وحُبس الناسُ داخل القطاع كما لو كانوا في سجن كبير يحيط به جنود الاحتلال من جهتَي الشمال والشرق، في حين يَفرض البحرُ سيطرته من جهة الغرب، ويُحكَم الإغلاق من جهة الجنوب حيث الحدود مع مصر من خلال معبر رفح، أما من جهة السماء فتتكفل الطائرات المسيّرة برصد ومراقبة حركة الناس مهما دقّت، بل إن تلك الطائرات استهدَفَت وقتلَت كثيرًا من سكان القطاع ولم تكتف فقط بالرصد والمرقبة. هكذا أَحكم الاحتلال حصاره على غزة، وأصبح يتحكم في الماء والغذاء والوقود والحركة والتنقل وكل ما يمكن أن يخطر على بال(52).
السبب الثالث هو الحروب الخمس التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، خلال أعوام 2008، 2012، 2014، 2021، 2022، والتي استَخدَم فيها قوةً عسكرية وحربية غير مسبوقة، وراح ضحيتها آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، وهُدمت خلالها آلاف البيوت(53).
ثالثًا: استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمؤسسات التعليمية خلال (2007-2023)
بالوصول إلى مرحلة الانقسام الفلسطيني(54) الذي وقع عام 2007، نجد أنه ترك أثرًا بالغًا على التعليم، فقدْ لَحِقَهُ التشرذم والانقسام بحُكم الأمر الواقع، حيث أصبحت حركة حماس تُشرف على التعليم في غزة، والسلطة تُديره في الضفة الغربية، وغاب التنسيق بين الجهتين، وأصبح -في بداية الانقسام – كل طرف مسؤولًا عمّا لديه من خدمات ووزارات، حتى إنّ إعلان نتائج الثانوية العامة أصبح قضية خلافية بين طرفي الانقسام، ومنذ ذلك الحين والنتائج تُعرض بشكل منفصل بين الضفة وغزة، كل طرف يعلن نتائجه على حدة، لكنها أصبحت موحدة في السنوات القليلة الأخيرة(55). غَابَ الإشراف المنهجي على مجريات العملية التعليمية تحت ضغط الفوضى المترتبة على حالة الاقتتال الداخلي الذي نَتَجَ عن الانقسام، وانسحبَت الكثير من المؤسسات الدولية التي كانت تقوم بتمويل مشاريع تعليمية لا سيّما في قطاع غزة مع استمرارها في الضفة الغربية(56)، ولم يكن الحال أفضل في الضفة الغربية، فبعد الانقسام أقالَت السلطة الفلسطينية عشرات المدرسين الموالين لحركة حماس من عملهم في مدارس الضفة الغربية(57)، واستجاب عددٌ غير قليل من المدرسين لنداء الرئيس محمود عباس بالاستنكاف عن العمل والجلوس في البيوت مع استمرار صرف رواتبهم، وذلك حتى لا يكونوا داعمين لما سمّته السلطة الفلسطينية “الانقلاب” الذي قامت به حركة حماس، فاضطرّت حكومة غزة تحت سيطرة حركة حماس إلى تعيين آلاف من المدرسين لسدّ العجز الناتج عن ذلك الاستنكاف، وربما تم تعيين مَن ليس لديهم خبرة أو مؤهلات كافية، إلا أنه مع مرور الزمن وتكرار محاولات المصالحة بين أطراف الانقسام وتوقيع بعض الاتفاقيات الخاصة بذلك، رَجَعَ عدد كبير من المدرسين المستنكفين وعملوا جنبًا إلى جنب مع الجُدُد الذين عيّنتْهُم حركة حماس، ولم يكن ذلك حصرًا في نطاق التعليم، بل جَرَى نفس الشيء في قطاعات حكومية وخدماتية هامة أخرى(58).
امتدّت آثار الانقسام على المناهج التعليمية، فقد أقدمَت حركة حماس على تغيير بعضها، بحيث تم تعديل منهاج السلطة الفلسطينية ليشمل المنهاج الجديد فصولًا عن مشروعية المقاومة وتحرير فلسطين والأطماع الصهيونية(59)، في حين بقيت المناهج في الضفة الغربية دون تغيير، بل إنها كانت تسير في الاتجاه المعاكس للفكر الذي ستدور حوله مناهج قطاع غزة، ولمفهوم المقاومة، وطبيعتها، والاعتراف بإسرائيل، وغيرها من القضايا الخلافية المعقدة بين الطرفين، فضلًا عن أن المناهج التي ستقوم بتعديلها حركة حماس، لن تقبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بتدريسها في المدارس التابعة لها، وهو ما سيُحدِث أزمة فيما بعد بين حركة حماس والأونروا، حتى إن مكتب شؤون اللاجئين التابع لحركة حماس دعا الأونروا إلى وقف سياسة إفراغ المناهج الدراسية من مضمونها الوطني والتاريخي لمصلحة المشروع الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة على حد وصف الحركة. وأوضح أن مناهج الأونروا تُسمي الضفة الغربية وغزة أراضي السلطة الفلسطينية، في إيحاء بأن بقية فلسطين التاريخية مُلك للاحتلال، إضافة إلى تغيير المصطلحات الجغرافية، وتغيير مسمى مدينة القدس من عاصمة دولة فلسطين، إلى المدينة المقدسة لكل الأديان السماوية، وغيرها من التغييرات(60).
مما سبق، يتبين أنّ التعليم الفلسطيني في هذه المرحلة لم يكن فقط ضحية الاحتلال وممارساته، وإنما أيضًا كان ضحية للانقسام بين أكبر حركتين في الطيف السياسي الفلسطيني، فإذا أضفنا إلى ذلك استمرار الهيمنة الإسرائيلية والحصار المفروض على قطاع غزة، وكذلك افتقار السلطة الفلسطينية للاستقلالية والسيادة في الضفة الغربية، خرجنا بنتيجة أنّ التعليم مهما كانت إمكانياته، وقدراته، ومحاولات إنعاشه، فليس بمقدوره الصمود أمام هذا الكمّ الكبير من الضربات والاستهداف وحالة عدم الاستقرار.
توازَى الانقسام الفلسطيني مع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع بسبب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وعدم اعترافها بشروط اللجنة الرباعية الدولية(61)، فأضاف ذلك معاناةً جديدة على جميع مستويات الحياة والخدمات في القطاع، وأثّر في التعليم بشكل أكبر، حيث أشارت ورقة صادرة عن مركز الميزان لحقوق الإنسان عام 2011 إلى “تأثير الحصار على التعليم العام، الذي يشكل العائق الأكبر في تطوير هذا القطاع والنهوض به لا سيما بناء مدارس جديدة لاستيعاب أعداد الطلاب المتزايدة، وبيَّنَت وجود عجز كبير في المباني المدرسية، حيث تحتاج وزارة التربية والتعليم العالي إلى بناء (105) مدارس بشكل عاجل لتعويض عجز السنوات الأربع الماضية بسبب الحصار، ومطلوب (20-25) مدرسة سنويا بعد ذلك، في حين تحتاج وكالة الغوث إلى بناء (119) مدرسة للقضاء على نظام الفترتين، و(10) مدارس لتلبية الأعداد المتزايدة لعدد الطلاب، كما يوجد عجز في توفير القرطاسية والكتب والمواد المخبرية والمواد الأخرى الضرورية لتقديم الخدمات التعليمية، وبسبب الحصار أيضا وما نتج عنه من نقص حاد في عدد المدارس فقد ذكرت الورقة أن (79%) من المدارس تعمل بنظام الفترتين بينما تعمل (21%) من المدارس بنظام الفترة الواحدة، مع العلم بأن (95%) من المدارس التابعة لوكالة الغوث تعمل بنظام الفترتين” (62).
الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة
شنت إسرائيل منذ عام 2008 عدة حروب على قطاع غزة، تسببت في أضرار فادحة للمؤسسات التعليمية، زادت من فداحة الوضع الذي كانت تعيشه أصلًا. قبل تلك الحرب كانت إسرائيل قد شنت حربًا عام 2002 على الضفة الغربية سمّتها “الدرع الواقي”، تسببت على صعيد المؤسسات التعليمية في تضرر 50 مدرسة، تم تدمير 11 منها، وتخريب 9، كما تم استخدام 15 منها مواقع عسكرية، و15 أخرى مراكز اعتقال(63). أما الاعتداءات التي جرى شنها بعد ذلك على قطاع غزة، فهي كالتالي:
- عُدوان 2008 (الرصاص المصبوب/ معركة الفرقان)
كان يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 بداية أول هجوم كبير على قطاع غزة، سُمي إسرائيليًّا “الرصاص المصبوب” وفلسطينيًّا “معركة الفرقان”، واستمرّت تلك الحرب 23 يومًا، وأسفرت عن 1430 شهيدًا من الرجال والنساء والأطفال، و5400 جريح، وتدمير 10 آلاف منزل جزئيًّا أو كليًّا(64). فيما يتعلق بالأضرار التي لحقت بالمؤسسات التعليمية، فقد دمَّرَت قوات الاحتلال العشرات من المدارس الحكومية خلال العدوان، 8 منها دُمِّرت تدميرًا شبه كامل، و5 أصبحت غير صالحة للتعليم، و3 أصيبت بأضرار جسيمة تستدعي جهودًا كبيرة لإصلاحها. كما أصيبت 158 مدرسة حكومية بأضرار جزئية، جراء استهدافها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. وتفاوتت الأضرار التي لحقت بها بين انهيار الأسقف والجدران وتصدعها، وتحطم الأبواب والشبابيك، وتدمير محتوياتها من أثاث، ومختبرات، وحواسيب، وملاعب ومرافق. وقد طالَت الاعتداءات الإسرائيلية العديد من المدارس التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وتسببت في أضرار جزئية في 35 مدرسة، موزعة على 5 مناطق تعليمية في قطاع غزة. وكذلك المدارس الخاصة، حيث أصيبت 46 مدرسة وروضة أطفال بتدمير وأضرار بدرجات متفاوتة، وتم تدمير مدرستين تدميرًا كليًّا جراء استهدافها بصواريخ أطلقت من طائرات حربية إسرائيلية، وكذلك دُمِّرت 5 رياض أطفال تدميرًا كليًّا، جراء قصف أهداف مدنية ملاصقة لها، وتضررتْ بشكل جزئي 11 مدرسة خاصة و30 روضة أطفال، نتيجة استهداف مؤسسات مجاورة أو قريبة منها، وتم تدمير المدرسة الأمريكية ومدرسة دار الفضيلة تدميرًا كاملًا، وتعرضتْ روضة ومدرسة المجد لأضرار جزئية، ولم تَسلَم المؤسسات التعليمية الخاصة بالتعليم العالي، حيث تَعَرَّض بعضها للاستهداف المباشر خلال العدوان، وكان من أبرز ذلك قصف مبنيين عِلميين في الجامعة الإسلامية وتدميرهما كليًّا، وتجريف وتفجير عدة مرافق في كلية الزراعة في بيت حانون التابعة لجامعة الأزهر، وقصف بقذائف المدفعية والدبابات للكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وجامعتَي الأقصى وفلسطين، كما أصيبت جامعة القدس المفتوحة وكلية العلوم والتكنولوجيا بأضرار جسيمة(65).
- عُدوان 2012 (عمود السحاب/ حجارة السجّيل)
بعد أربع سنوات، جاء عُدوان 2012، بدأ هذا العدوان يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني، واستمرّ مدة ثمانية أيام، أَطلَق عليه الاحتلال اسم “عمود السَّحَاب”، وسمّاه الفلسطينيون “حجارة السجّيل”. استُشهد فيه نحو 180 فلسطينيا بينهم 42 طفلا و11 امرأة، وجُرح نحو 1300 آخرين، في حين قُتل 20 إسرائيليًّا وأصيب 625 آخرون، معظمهم بـِ”الهلع”، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية(66). اتخذ هذا العُدوان زمنًا أقصر من سابقه، بسبب موقف الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، فما إن بدأ العدوان على غزة حتى اتخذ مرسي موقفًا واضحًا، وقال إن مصر لن تصمت إزاء أي اعتداء على غزة، ولم يتوقف مُرسي عند حد الكلام، فأرسل رئيس وزرائه هشام قنديل إلى غزة على رأس وفد مصري، وأمر بفتح معبر رفح بشكل دائم أمام الفلسطينيين. ثم ما لبث أن توصل لاتفاق لوقف إطلاق النار يضمن وقف الاغتيالات والتوغلات الإسرائيلية وتسهيل تنقلات الفلسطينيين. وذلك بعد أسبوع من العدوان (67). مع أنّ وقت ذلك هذا العدوان كان قصيرًا، فإنّ 144 مدرسة تضرَّرَت جزئيًّا أو كلّيًّا كما يظهر في الجدول رقم(1).
- عُدوان 2014 (الجُرف الصامد/ العصف المأكول)
ثم جاء عُدوان 2014، أطلق الاحتلالُ هذا العُدوان اسم “الجُرف الصامد” ليكون الأعنف تدميرًا، والأطول زمنًا، والأكثر خسائر، وعُرف فلسطينيًّا باسم “العصف المأكول”، بدأ يوم 07 يوليو/تموز، واستمر مدة 51 يومًا، “أسفرَت هذه الحرب عن 2322 شهيدًا، و11 ألف جريح، وارتكبَتْ إسرائيل مجازر بحق 144 عائلة، استشهد من كل واحدة منها ثلاثة أفراد على الأقل، في حين قُتل 68 جنديا إسرائيليا، و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وأصيب 2522 إسرائيليا بجروح، بينهم 740 عسكريا”(68). أثناء العُدوان، أصيب ما لا يقل عن ثلاث جامعات، وسبع مدارس تابعة للأمم المتحدة وما يقدّر بنحو 141 مدرسة مُدارة محليًّا بأضرار جسيمة. تم تدمير مبنى المختبرات العلمية في الجامعة الإسلامية، وقُتل 22 شخصًا في جامعة القدس المفتوحة التي تأسستْ بمساعدة اليونسكو، وفي الوقت نفسه، تضررت سبع مدارس تدعمها وكالة الغوث(69). كما قام الاحتلال بتدمير 22 مدرسة أُخرى في نفس العملية(70)، وبَلَغَت خسائر المؤسسات التعليمية أكثر من 33 مليون دولار(71).
- عُدوان 2021 (حارس الأسوار/ سيف القدس)
شهد شهر مايو/أيار 2021 هجمة إسرائيلية جديدة على القطاع استمرت 11 يومًا، أطلق الاحتلال عليها اسم “حارس الأسوار”، وسمَّاها الفلسطينيون “سيف القدس”. أسفر العُدوان عن نحو 250 شهيدًا فلسطينيا وأكثر من 5 آلاف جريح، كما قصفَت إسرائيل عدة أبراج سكنية كان يقطنها مئات العائلات(72). كالعادة، كان للمؤسسات التعليمية نصيب وافر من الاستهداف والتدمير، حتى لو كانت الحرب 11 يومًا فقط، “حيث إن الأضرار التي لحقت بقطاع التعليم نتيجة العدوان على قطاع غزة بلغت 7.215.956 دولارًا، ومن أهم ما لحق بقطاع التعليم نتيجة لاستهدافه من قوات الاحتلال هو […] تضرُّر 132 مدرسة حكومية تابعة لوزارة التربية والتعليم، بالإضافة إلى 17 مدرسة خاصة، و116 مقرًّا لرياض أطفال تابعة للقطاع الخاص، وتعرضت كذلك 14 مؤسسة تابعة للتعليم العالي لأضرار”(73).
ويوضح الجدول رقم (1) حصيلة الخسائر الناتجة عن استهداف الاحتلال للمدارس خلال أربع من أبرز الحروب التي شنّها الاحتلال على القطاع، ولم نتعرض بالتفصيل لعُدوان عام 2022 لأن المؤسسات التعليمية لم تكن عُرضة للاستهداف مثل بقية الحروب، فقد استمر العدوان الذي بدأ مطلع أغسطس/آب مدة ثلاثة أيام، وكان الاحتلال الإسرائيلي يؤكد خلاله أن هدفه محصور في حركة الجهاد الإسلامي.
الجدول رقم (1) يوضح الأضرار التي لحقت بالمدارس والجامعات في قطاع غزة جراء الحروب الإسرائيلية الأربع منذ عام 2008
المصدر: وثيقة داخلية حصل عليها الباحث من وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة.
- عُدوان 2023 (طوفان الأقصى/ السيوف الحديدية)
ثم جاء العدوان الأضخم، عُدوان 2023، ولا يمكن تشبيه أو مساواة هذا العدوان بأي عدوان آخر قبله، لأنه الأعنف من بينها جميعًا، والأقسى والأشد تدميرًا، وربما لم تشهد القضية الفلسطينية مثله منذ النكبة، بل إنّ هناك مَن اعتبر هذا العدوان نكبة جديدة حلّت على الشعب الفلسطيني، على اعتبار أنّ ما نتَج عنه من تداعيات إنسانية لا يقل وربما هو أكبر من التداعيات الإنسانية التي نتجت عن النكبة الأولى عام 1948، من حيث عدد الضحايا والشهداء، والمصابين، والنازحين، وحجم الاستهداف والتدمير(74). لا مجال للتعرض لخسائر هذا العدوان بالتفصيل لأنه يقع خارج الحدّ الزماني للورقة، لكن يمكن القول باختصار إن هذا العدوان شهد القضاء على جهاز التعليم في قطاع غزة قضاءً تامًّا، ولم يبق منه شيءٌ يُذكر، وهذا ما يجعله بحاجة إلى بحث منفصل.
خلال جميع الاستهدافات السابقة، والعُدوانات المذكورة، تَذرَّع الاحتلال بمبرر استخدام حركة حماس للمؤسسات التعليمية قواعدَ لإطلاق الصواريخ، أو الاحتماء، أو لتخزين الأسلحة، ولكن لم تكن تلك المبررات مستندة إلى أيّ دليل، حتى تقرير غولدستون لم يستطع إثبات أن المؤسسات التعليمية داخل قطاع غزة كانت تُستخدم لتلك الأغراض(75)، لذلك تُحَوِّر قواتُ الاحتلال تلك المبررات عندما يتم تحميلها مسؤولية مخالفة القانون الدولي وارتكاب مثل هذه الجرائم، فمثلًا عندما هاجمَت الطائراتُ الحربية الإسرائيلية الجامعةَ الإسلامية بغزة عام 2014 بَرَّرَ الاحتلالُ ذلك بأن الجامعة هي المركز العصبي للأبحاث وتطوير الأسلحة لحماس، ولكن، هناك سؤال يطرح نفسه، وهو إذا كانت الجامعة الإسلامية مركزًا إرهابيًّا وتمت مهاجمتها لذلك السبب، فلماذا هوجمت العديد من المؤسسات التعليمية الأُخرى؟!(76).
خاتمة
العرض السابق المُطوَّل لتفاصيل الاستهداف الإسرائيلي للمؤسسات التعليمية في فلسطين بعد حرب عام 1967، لا يمكن تجاوزه دون الالتفات إلى الآثار الخطيرة التي تحملها أرقام الخسائر المادية والبشرية الواردة فيه، لأن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمؤسسات التعليمية على اختلاف أنواعها، يضاف إليه حصار مُطبِق لقطاع غزة من جميع الجهات، كل ذلك لا يترك خسارةً مادية في البنيان والأثاث فقط، بل إنه يترك آثارًا نفسية عميقة لدى المنتسبين لهذه المدارس والجامعات؛ فبعد عملية عدوان عام 2008 أشارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إلى أن 76.8 في المئة من المعلمين في المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية أفادوا أن أداء طلابهم أصبح بمستوى أدنى مما كان عليه قبل الحرب “معظمهم في ذلك الوقت” أو “دائمًا”.
وأفاد المعلمون أنهم لم يتمكنوا من التدريس كما كانوا قبل العمليات العسكرية، وشعر الكثير منهم بأنهم غير مجهزين للتعامل مع الآثار النفسية والاجتماعية الطويلة الأمد للحرب على طلابهم، الذين يظهرون قلقًا متزايدًا، وعدوانية، وخوفًا، ومشكلات في التعلم(77). وفي ظل ما تمت مناقشته يمكن الخلوص إلى النتائج التالية:
- إنّ هذا الاستهداف الممنهَج للتعليم، يؤخر عملية الوعي والثقافة والعلم لشعب كامل، ويعمل على تجهيله وتغييبه عن ميادين التفكير والتطور والحضارة، ويترك ندوبًا نفسية عميقة لدى الطلبة والمدرسين والأهالي على حد سواء، حينما يحرمهم الاحتلال من ممارسة حق ثابت في جميع الشرائع والقوانين الدولية، فيُقهرون بالابتعاد عن مقاعد الدراسة، ويُجبرون على مغادرة بيئة صف المدرسة، حيث الأصدقاء والمنافسة والنجاح واللعب، ويُشاهِدون مدارسهم تتهاوى أمامهم بفعل القصف الإسرائيلي، ثم يذوقون مرارة انتظار العودة إليها، إذ قد يطول بهم المقام في البيوت، فيتحولون إلى عبء إضافي على أهليهم والمجتمع، وتغيب عنهم التنشئة المدرسية الأكاديمية الصحيحة، ولا يتلقّون ما يجب أن يطرق أسماعهم وثقافتهم في سنِي العمر المختلفة وهم في المدرسة، فيكبرون وهم عِطاش للعلم، ومفتقرون للثقافة والتربية الكافية، فيفقدون مستقبلهم، أو على الأقل يصطدمون بمستقبل مائج، لا ينجو من أخطاره إلا من أتقن السباحة فيه، ربما بمساعدة الأهل، أو بإمكانات مكتسبة ذاتيًّا، فالكبير ما هو إلا نتيجة لما تلقاه في الصغر، إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًّا فشرّ.
- معاناة المنظومة التعليمية الفلسطينية لن تزول إلا بزوال الاحتلال، فالتعليم أداة من أدوات المقاومة والتحرر، ولن يتوانى الاحتلال عن استهدافه على هذا الأساس، ولكن يبقى السؤال الكبير عن قدرة هذا التعليم على الصمود والبقاء، وقدرة الشعب الفلسطيني على إسناده ماديًّا ومعنويًّا، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار إمكانية توفير وسائل آنيّة للمقاومة في إطار التعليم مثل تفعيل برامج الابتعاث الداخلي، وربط الكفاءات الفلسطينية المغتربة بوطنها، وتعزيز التعليم المهني والتقني.
- إنّ التعويل على المجتمع الدولي لم يعد ذا قيمة، لذلك فإن الخيارات أمام الشعب الفلسطيني لمواجهة عُدوان الاحتلال على منظومته التعليمية أصبحت محدودة، وكلها تستند إلى قاعدة واحدة، وهي الاعتماد على الذات، وإيجاد الحلول الداخلية الذاتية لتلك التحديات، خاصةً أنّ الأحداث الإقليمية والعالمية تؤكد يومًا بعد يوم للشعب الفلسطيني أنه موكولٌ إلى نفسه في حل قضيته، ومواجهة الاحتلال، وذلك لأكثر من سبب، أول الأسباب هو انشغال الدول العربية بمشاكلها الداخلية، وعدم قدرتها على مجاراة أحداث القضية الفلسطينية أو تقديم شيء لها في ظل تحديات داخلية متفاقمة، والمثال على ذلك يمكن استحضاره في أكثر من دولة، وثاني الأسباب هو جبروت العدوّ الصهيوني، وعدم اكتراثه بأي عواقب قد تقع عليه، بل واطمئنانه إلى أنه في مأمن من العقاب مهما بلغت جرائمه من مستويات، وأيًّا كان المجال المستهدف، سواء التعليم أو غيره، والسبب الثالث هو غياب المجتمع الدولي شبه الكامل عن إنصاف الشعب الفلسطيني، وإيجاد حلول واقعية لمشاكله اليومية المتصاعدة بسبب الاحتلال، بل قيام الدول الكبرى بدعم الاحتلال في ممارساته وتوفير غطاء حماية له، يجعله في أمان كامل من أي مساءلة دولية.
- أثبت الفلسطينيون قدرة على الابتكار في مجال التعليم لمواجهة الاستهداف الإسرائيلي، فابتدعوا التعليم البديل، والحصص المنزلية، ونظام الفترتين في المدارس، وقد ظهر هذا الابتكار بشكل واضح خلال العُدوان الإسرائيلي على القطاع الذي أعقب عملية طوفان الأقصى، وظهرت مبادرات من جامعات الضفة الغربية، لاستيعاب طلاب القطاع في الجامعات الفلسطينية هناك بنظام التعليم عن بُعد، إنقاذًا لمستقبلهم، وتصدّيًا لجبروت المحتل، ومع ذلك ما زالت الحاجة قائمة إلى إنشاء خطط طوارئ تعليمية، وتطوير مدارس مؤقتة، وتوحيد الجهود الحكومية والمجتمعية، وكل هذه مقدمة لحلول استراتيجية مستدامة.
المراجع
- Patrick Wolfe, “Settler Colonialism and the Elimination of the Native.” Journal of genocide research 8, no. 4 (2006): p 387-409, (accessed 16/12/2024), https://bit.ly/3VCAgMT
- Michel Foucault, “Discipline and punish: The birth of the prison (an excerpt).” In Coronavirus, Psychoanalysis, and Philosophy, Routledge, 2021.
- Paulo Freire, “Pedagogy of the oppressed.” In Toward a sociology of education, pp. 374-386. Routledge, 1978.
- عزمي بشارة، “محاضرة افتتاحية: ما قبل حرب 1967 وما بعدها كي لا يتجنب النقدُ النقدَ” في “حرب حزيران/يونيو 1967 مسارات الحرب وتداعياتها”، الطبعة الأولى، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2020)، ص33.
- عبد الوهاب الأفندي، “حزيران/يونيو الأسود والنهضة الغائبة الخلل المركب في تحليل أم الهزائم العربية وتشخيصها” في “حرب حزيران/يونيو 1967 مسارات الحرب وتداعياتها”، الطبعة الأولى، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2020)، ص45.
- “حرب 1967: كيف غيرت ستة أيام الشرق الأوسط للأبد؟”، بي بي سي عربي، تاريخ الزيارة 30/11/2022، http://bit.ly/3ESoBAc.
- ا لمرجع السابق.
- Bree Akesson, “School as a Place of Violence and Hope: Tensions of Education for Children and Families in Post-Intifada Palestine,” International Journal of Educational Development 41 (2015): p2.
- al-Kurd and Herrscher, op.cit, p300.
- عدنان عياش، “هجرة الشباب والأدمغة الفلسطينية إلى الخارج”، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 01/11/2016، تاريخ الزيارة 30/11/2022، في: https://bit.ly/3PN03PF.
- ردينة عبد المجيد، سياسة إسرائيل التعليمية تجاه العرب في فلسطين المحتلة عام 1948-1967، مرجع سابق، ص220.
- المرجع نفسه، ص221.
- صلاح الزرو التميمي، التعليم تحت الاحتلال 1967-1987، مرجع سابق.
- الأبارتهايد هو نظام تمييز سياسي وقانوني، وقد أُطلق هذا المصطلح على النظام القانوني الذي أقامته الأقلية البيضاء وفرضته على أهل البلاد الأفارقة في جنوب إفريقيا، وجنوب غرب إفريقيا (ناميبيا)، ودول أُخرى خضعت للحكم الاستعماري في المنطقة. وقد توصلت المنظمات الدولية ومقرّر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى خلاصة تشير إلى كون إسرائيل فرضت نظام أبارتهايد على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعلى قطاع غزة، حيث اعتبروا أن المكونات الثلاثة لمعيار الأبارتهايد ثبت انطباقها على الوضع في هذه الأراضي. نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، (تاريخ الدخول: 15/12/ 2024): https://shorturl.at/adSOw
- لورد حبش وغادة المدبوح، “استثناء الاستثناء: التعليم العاري في السياق الاستعماري في فلسطين”، مجلة عُمران، المجلد 9، العدد 33 (2020)، ص89، (تاريخ الزيارة 11/12/2022) https://bit.ly/3XSSR6x
- علي الجرباوي، صفحات من الذاكرة الفلسطينية: تذكرات إبراهيم صنوبر (جامعة بيرزيت، 1992)، ص40.
- “Palestinian Nonviolent Resistance to Occupation Since 1967,” American Friends Service Committee, 2005, p2, accessed 21/02/2023, https://bit.ly/3Xq5OEE.
- ياسر لوز، مرجع سابق، ص514.
- حبش والمدبوح، “استثناء الاستثناء: التعليم العاري في السياق الاستعماري في فلسطين”، ص96–97.
- حبش والمدبوح، المرجع السابق، ص97.
- المرجع نفسه، ص98.
- صلاح الزرو التميمي، التعليم تحت الاحتلال 1967-1987، ص175.
- Alzaroo and Hunt, “Education in the Context of Conflict and Instability: The Palestinian Case,” 2003, p169–170.
- al-Kurd and Herrscher, op.cit, p301.
- Antony T. Sullivan, “PALESTINIAN UNIVERSITIES IN THE WEST BANK AND GAZA STRIP,” The Muslim World 84, no. 1–2 (April 1994): 169, Antony T. Sullivan, “PALESTINIAN UNIVERSITIES IN THE WEST BANK AND GAZA STRIP,” The Muslim World 84, no. 1–2 (April 1994): 169, https://bit.ly/2WW4c6U.
- أمين عنابي، “التعليم الشعبي في الانتفاضة الأولى”، موقع الآداب، 24/12/2018، تاريخ الزيارة 16/01/2023، https://bit.ly/3QGu0Qq.
- أحصى الباحث صلاح الزرو التميمي في كتابه “التعليم تحت الاحتلال 1967-1987” قائمة تفصيلية واسعة من الإغلاقات على مدار بعض سِنِي الاحتلال مما لا يتسع المجال لذكره هنا، للمزيد: صلاح الزرو، مرجع سابق ص175 وما بعدها.
- للوقوف على تواريخ إغلاقات جامعة بيرزيت، يُنظر: https://bit.ly/3jpQXLC
- هيلين موري، “التعليم هو الحرية”، مجلة عدالة الإلكترونية، 2005، https://bit.ly/3ywleMj
- Alzaroo and Hunt, “Education in the Context of Conflict and Instability: The Palestinian Case,” 2003, 169–170.
- صلاح الزرو، التعليم في ظل الانتفاضة، الطبعة الأولى، سلسلة الدراسات التربوية 4، مركز دراسات الخليل، الخليل، 1989، ص33.
- صلاح الزرو، ص38.
- المرجع نفسه، ص40.
- عمر عبد الرحمن، “من الالتباس إلى الوضوح: ثلاث ركائز لإعادة إحياء الحركة الوطنية الفلسطينية”، مركز بروكينجز الدوحة، 2019، ص2 تاريخ الزيارة 06/12/2022، https://bit.ly/3ur7NLN
- “اتفاق أوسلو”، الجزيرة نت، 13/09/2022، تاريخ الزيارة 06/12/2022، https://bit.ly/3UAMUbJ
- “التعليم في فلسطين”، وزارة الخارجية الفلسطينية، تاريخ الزيارة 07/12/2022، https://bit.ly/3wBw5TS
- كان إشراف السلطة على هذه المدارس من حيث المناهج فقط، أما ما دون ذلك فقد كان بإدارة كاملة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
- ما عدا القدس، فقد بقي التعليم فيها تحت سيطرة الاحتلال.
- طارق الجعبري، “واقع المنهاج الفلسطيني في تعزيز الصورة الذهنية للوطن: دراسة استقصائية تحليلية في منهاج التربية الوطنية في المرحلة الأساسية”، المركز الديمقراطي العربي، 18/10/2018، (تاريخ الزيارة 09/12/2022) https://bit.ly/3PaOPmo
- غنام غنام، “التعليم في ظل السلطة الوطنية الفلسطينية”، مجلة إشراقات، 06/09/2020، تاريخ الزيارة 09/12/2022، https://bit.ly/3FGu0fz.
- نداء أبو عوّاد، “الليبرالية الجديدة والتعليم: مضمونها وآثارها في السياق الفلسطينية المستعمَر”، مرجع سابق، ص83.
- تفيدة جرباوي وخليل نخلة، تمكين الأجيال الفلسطينية التعليم والتعلّم تحت ظروف قاهرة، الطبعة الأولى، مواطن، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، رام الله، 2008، ص156.
- للمزيد حول القمة ومجرياتها ونتائجها، يُنظر: https://bit.ly/40AD8un
- Susan Nicolai, “Fragmented Foundations: Education and Chronic Crisis in the Occupied Palestinian Territory,” UNESCO, 2007, p20, https://bit.ly/3Dpof4l.
- Susan Nicolai, op.cit, p20.
- Knoblauch, “Education Under Occupation: Obligations of the Occupying Power,” p3.
بالإضافة إلى المستوطنات التي تشكل شبكة عنكبوتية على مستوى أراضي الضفة الغربية، تنتشر الحواجز بشكل مفرط، وتُحيل حياة الناس إلى متاهة يومية مليئة بالمحاولات للوصول إلى نقطة يتم فيها تجاوز الحاجز العسكري من أجل الوصول إلى العمل أو المدرسة، في الموقع التالي قائمة تفصيلية محدّثة حتى عام 2021 من الحواجز الإسرائيلية المختلفة المنتشرة على أراضي الضفة الغربية: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، 5 يونيو/حزيران 2004، (تاريخ الدخول 1/12/2024):
- Sami Miaari and Ines Lee, “Obstacles on the Road to School: The Impacts of Mobility Restrictions on Educational Performance,” Journal of Human Resources, October 13, 2021, 0920-11166R2, accessed 21/02/2023 http://jhr.uwpress.org/lookup/doi/10.3368/jhr.0920-11166R2
- “أضواء على واقع النساء والفتيات الفلسطينيات في التعليم”، مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، 2006. تاريخ الزيارة 02/02/2023، https://bit.ly/3l28Z78
- محمود القدرة، “أثر وجود الاحتلال الإسرائيلي على التعليم في القدس”.
- المرجع نفسه.
- “الانتفاضة الفلسطينية الثانية”، الجزيرة نت، 28/09/2016، تاريخ الزيارة 05/02/2023، https://bit.ly/3JHXs73
- هذا الوصف للحصار على قلّته واختصاره شهادة حية عاشها الباحث بنفسه، للمزيد يُنظر: https://bit.ly/3x36HY6
- “أبرز حروب إسرائيل على قطاع غزة”، موسوعة الجزيرة، 07/08/2022، تاريخ الزيارة 07/02/2023، https://bit.ly/40x8MZU
- للمزيد حول حيثيات وتفاصيل الانقسام الفلسطيني الداخلي، يُنظر مقالة الباحث المنشورة في مجلة حكامة، حسب التوثيق التالي: أحمد صيام، محمد. “إدارة حكومة حماس للنظام الأمني في قطاع غزة إثر الانقسام الفلسطيني”. حكامة 5، العدد (أيلول/ سبتمبر 2024): 139-162، https://bit.ly/4gQuuzq
- عوض الرجوب، “الانقسام الفلسطيني يلقي بظلاله على طلبة الثانوية العامة”، الجزيرة نت، 02/08/2007، تاريخ الزيارة 10/12/2022، https://bit.ly/3iKpC5X
- “ورقة حقائق بحثية تحذر من تدمير الانقسام والحصار للعملية التعليمية بغزة”، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية،14/09/2015، تاريخ الزيارة 10/12/2022، https://bit.ly/3iTPuN7
- وليد عوض، “وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالضفة الغربية تفصل العشرات من المدرسين والمدرسات على خلفية انتماءاتهم السياسية”، صحيفة القدس العربي، 08/05/2010، تاريخ الزيارة 10/12/2022، https://bit.ly/3W6ZYqx
- “واقع التعليم في غزة بين الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني”، جريدة الشرق الأوسط، 04/09/2017، تاريخ الزيارة 10/12/2022، https://bit.ly/3kjHjrg
- أشرف الهور، “حكومة غزة تعدل المنهج الدراسي ليشمل فصولا عن مشروعية المقاومة وتحرير فلسطين والأطماع الصهيونية”، وكالة سما الإخبارية، 23/05/2013، تاريخ الزيارة 10/12/2022، https://bit.ly/3UPHmKy
- “غزة: حماس تطالب الأونروا بوقف تهديد موظفيها”، جريدة الراية القطرية، 01/06/2017، تاريخ الزيارة 10/12/2022، https://bit.ly/3FFcs39
- لجنة دولية تتكون من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، جعلت على عاتقها مهمة حل المشاكل العالقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهي المهمة التي فشلت فيها بسبب عوامل رئيسية من بينها غض الطرف عن تعنت الجانب الإسرائيلي، وإقصاء حركة حماس، وتمثلت شروطها للاعتراف بنتائج الانتخابات الفلسطينية بأن تلتزم حركة حماس بـ«نبذ الإرهاب، والاعتراف بإسرائيل، والاعتراف بالاتفاقات الموقعة بين إسرائيل والفلسطينيين”، للمزيد يُنظر https://bit.ly/3BjCTcj و https://bit.ly/3W3yYIz
- “ورقة حقائق بحثية تحذر من تدمير الانقسام والحصار للعملية التعليمية بغزة”، مرجع سابق.
- Report of the Secretary-General Prepared Pursuant to General Assembly Resolution ES-10/10” (UN, July 30, 2002) accessed 21/02/2023، https://bit.ly/3Gac37a, p.10.
- “أبرز حروب إسرائيل على قطاع غزة، مرجع سابق.
- “تقرير حول أثر الحصار الإسرائيلي على إعادة إعمار قطاع التعليم في قطاع غزة (أيلول/ سبتمبر 2010)”، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، 27/09/2010، تاريخ الزيارة 09/02/2023، https://bit.ly/3x9HZVT. يمكن مشاهدة فيديو توثيقي لقصف مباني الجامعة الإسلامية على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=sFUjfCxQo9c
- “أبرز حروب إسرائيل على قطاع غزة”، مرجع سابق.
- يوسف حسني، ” مرسي والسيسي.. مواقف متباينة من المقاومة”، الجزيرة نت، 19/07/2014، تاريخ الزيارة 16/03/2024، في: https://bit.ly/3VnPk1s
- المرجع السابق.
- Rasha Faek, “Educational Toll of Gaza War: At Least 3 Universities, 148 Schools,” March 8, 2014, accessed 21/02/2023: https://bit.ly/2p3kVJd.
- نورمان ج. فنكلستين، غزة بحث في استشهادها، ترجمة أيمن ح. حداد، الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2020، ص281.
- “الأضرار الناتجة عن عدوان الاحتلال الإسرائيلي 2014″، وثيقة رسمية حصل عليها الباحث، وزارة التربية والتعليم غزة، 2014.
- صالح الحاج حسن، “معركة سيف القدس في الميزان”، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2022، تاريخ الزيارة 09/02/2023، https://bit.ly/3jLUnZ6
- الأضرار الناتجة عن عدوان الاحتلال الإسرائيلي 2014″، وثيقة رسمية حصل عليها الباحث، وزارة التربية والتعليم غزة، 2014.
- تقرير غولدستون هو نتاج عمل لجنة التحقيق الخاصة بالحرب على قطاع غزة عام 2008، جاء تشكيل اللجنة في إطار قرار مجلس حقوق الإنسان في جنيف بتاريخ 12 يناير/كانون الثاني 2009، الذي يدين فيه الهجوم الإسرائيلي على غزة، ويتهم إسرائيل بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في غزة. نص هذا القرار على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، هدفها “التحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين”. صوتت لصالح القرار 33 دولة عربية وإفريقية وآسيوية وأمريكية لاتينية، وامتنعت 13 دولة أوروبية عن التصويت، وعارضت كندا القرار. اعتبرت إسرائيل أن هذا القرار كان منحازًا ضدها وشككت في مصداقية المجلس. نشرت اللجنة تقريرها عام 2009، وكان يتكون من 575 صفحة، للمزيد يُنظر: https://bit.ly/3le5rP0 و https://bit.ly/3HA29NG
- ماهر الشريف، “بالأرقام: النكبة الفلسطينية المستمرة في قطاع غزة”، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 31/12/2023، تاريخ الزيارة 14/03/2024، في: https://bit.ly/43mI3AX
- نورمان ج. فنكلستين، غزة بحث في استشهادها، مرجع سابق، ص89.
- Maysa Jalbout, Sarah Dryden-Peterson, and Kevin Watkins, “The Destruction of Gaza’s Schools and the Future of Palestinian Children,” Brookings, August 4, 2014, https://bit.ly/3yTnFcl.