ملخص
يستعرض هذا البحث التحديات الاقتصادية التي تواجه سوريا بعد انهيار نظام الأسد، مع التركيز على فرص إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. يناقش البحث الوضع الاقتصادي السوري بعد 2011؛ حيث أدت الحرب إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وإغلاق العديد من المؤسسات الإنتاجية. كما يستعرض الإصلاحات المطلوبة لإنعاش الاقتصاد، ويحدد القطاعات ذات الأولوية في مرحلة إعادة الإعمار، مع التركيز على التخطيط الإقليمي والعمراني كأدوات رئيسية للتنمية المستدامة.
وترجع أهمية هذا البحث إلى كونه يعالج إحدى أكثر القضايا إلحاحًا في الشأن السوري؛ حيث إن التعافي الاقتصادي يشكِّل حجر الأساس لمرحلة ما بعد الحرب. كما يسهم البحث في سد الفجوة المعرفية حول إستراتيجيات التنمية في بيئة ما بعد الصراع، عبر تقديم رؤية تحليلية قائمة على بيانات اقتصادية ومقاربات تنموية مجربة في دول أخرى.
ينطلق البحث من فرضية مفادها أن تجاوز التحديات الاقتصادية بعد انهيار نظام الأسد يتطلب إصلاحات مؤسسية عميقة، وخططًا اقتصادية متكاملة، مع التركيز على القطاعات الإنتاجية، وتفعيل دور القطاع الخاص، والاستفادة من رأس المال البشري داخل سوريا وخارجها. ويسعى البحث إلى معرفة أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه سوريا في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وتحديد القطاعات الأكثر أهمية لإعادة الإعمار والتنمية، والوقوف على الإصلاحات المطلوبة لإنعاش الاقتصاد السوري وتحريره من العقبات الهيكلية، بالإضافة إلى دراسة كيفية توظيف التخطيط الإقليمي والعمراني في تحفيز التنمية الاقتصادية.
الكلمات المفتاحية: الاقتصاد السوري، إعادة الإعمار، التنمية الاقتصادية، التخطيط الإقليمي، التخطيط العمراني، الإصلاحات الاقتصادية، القطاع الخاص، ما بعد الصراع.
____________
* د. خالد التركاوي، خبير اقتصادي، حاصل على درجة الدكتوراه في التنمية الاقتصادية من جامعة سيلينوس في إيطاليا.
*Dr. Khalid Alterkawi, economic expert, holds a PhD in Economic Development from Selinus University in Italy.
Abstract
This study examines the economic challenges facing Syria after the collapse of the Assad regime, focusing on opportunities for reconstruction and economic development. It analyses the Syrian economy post-2011, where war led to a sharp decline in GDP, rising poverty and unemployment rates, and the closure of many production facilities. The study also explores the necessary reforms for economic recovery, identifies priority sectors for reconstruction, and highlights regional and urban planning as key tools for sustainable development.
The significance of this research lies in its examination of one of the most pressing issues in the Syrian context, as rebuilding the Syrian economy is fundamental to the post-war phase. Additionally, the study contributes to filling the knowledge gap regarding development strategies in post-conflict environments by providing an analytical perspective based on economic data and proven development approaches in other countries.
The study is based on the hypothesis that overcoming economic challenges following the collapse of the Assad regime requires deep institutional reforms and comprehensive economic plans, with a focus on productive sectors, the activation of the private sector, and the utilisation of human capital both within Syria and abroad. The study aims to identify the key economic challenges facing Syria in the post-collapse phase, determine the most critical sectors for reconstruction and development, assess the necessary reforms for economic recovery and structural transformation, and examine how regional and urban planning can be leveraged to stimulate economic growth.
Keywords: Syrian economy, reconstruction, economic development, regional planning, urban planning, economic reforms, private sector, post-conflict.
مقدمة
يعد الاقتصاد السوري أحد الاقتصادات النامية التي حققت معدلات نمو مرتفعة نسبيًّا خلال الستينات، واستمر في تحقيق تقدم تدريجي حتى بلغ حجمه نحو 68 مليار دولار عام 2011. ومع ذلك، ظل هذا الرقم متواضعًا مقارنةً بالإمكانات الاقتصادية التي تمتلكها البلاد، بما في ذلك الموارد الطبيعية، والقطاعات الصناعية والزراعية، والموقع الجغرافي الإستراتيجي. ويُعزى هذا التباطؤ في النمو إلى عدة عوامل، أبرزها الفساد الممنهج في القطاع الحكومي، وعدم الاستقرار الأمني الذي استمر لعقود؛ مما أدى إلى هجرة الكفاءات وتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية.
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، دخل الاقتصاد في أزمة غير مسبوقة، انعكست في تراجع كافة المؤشرات الاقتصادية باستثناء مؤشرات الفقر والبطالة التي شهدت ارتفاعًا حادًّا. ومع انتهاء المرحلة الأكثر حدة من الصراع وسقوط نظام الأسد، تبرز أمام سوريا فرص كبيرة لتحقيق التنمية الاقتصادية؛ حيث يمكن أن يشكِّل الدمار والتراجع الاقتصادي حافزًا لإعادة البناء وإطلاق مشاريع تنموية جديدة.
يهدف هذا البحث إلى دراسة التحديات الراهنة التي تعترض عملية إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، واستكشاف الفرص الاقتصادية المتاحة، وطرح رؤية للنمو الاقتصادي تستند إلى إستراتيجيات مستدامة لإعادة تفعيل القطاعات الإنتاجية. ينصب تركيز البحث على تحليل الإشكاليات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد السوري، واقتراح آليات لمعالجتها من خلال الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، وذلك في سياق مرحلة ما بعد سقوط النظام، مع تقديم رؤية إصلاحية تمتد إلى السنوات المقبلة.
ينقسم البحث إلى ستة أقسام رئيسية:
- توصيف الوضع الاقتصادي السوري بعد انهيار نظام الأسد.
- تحديد التحديات الأساسية التي تواجه الاقتصاد وعملية إعادة الإعمار.
- دراسة الإصلاحات المطلوبة للتغلب على العقبات الهيكلية وتحرير الاقتصاد من القيود المفروضة عليه.
- تحليل الفرص الاقتصادية المتاحة، وتحديد القطاعات ذات الأولوية في إعادة الإعمار.
- وضع إطار لتخطيط إقليمي يهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين المدن والمناطق السورية.
- دراسة التنظيم العمراني كأداة لمعالجة المشكلات الأمنية والاقتصادية، وتحويل المدن إلى مراكز إنتاج بدلًا من ساحات صراع.
ويسعى البحث إلى تحقيق الأهداف التالية:
- تقديم توصيف دقيق للمؤشرات الاقتصادية التي تعكس الواقع السوري الحالي.
- تحديد التحديات الرئيسية التي تعترض عملية إعادة الإعمار وترتيبها وفق أولويات المعالجة.
- استكشاف أبرز الفرص الاستثمارية المتاحة لتعزيز النمو الاقتصادي.
- اقتراح رؤية شاملة لتجاوز العقبات الاقتصادية والاستفادة من الفرص المتاحة.
ورغم قصر المدة التي تفصل سقوط النظام السوري عن تاريخ إعداد هذا البحث، فقد تناول العديد من الورشات البحثية والجلسات الحوارية هذه القضايا، إلا أنها لم تسفر عن أبحاث أكاديمية منشورة، واقتصرت مخرجاتها على بعض أوراق السياسات الموجِّهة لصانعي القرار، ومن الأمثلة على ذلك، البحث الذي نشره مركز حرمون للدراسات بعنوان “تحديات إعادة الإعمار في المناطق المدمرة”، والذي ناقش فيه الباحث إبراهيم خولاني القضايا القانونية والإدارية المتعلقة بإعادة الإعمار. كما قُدِّمت أبحاث عدة خلال المؤتمر العلمي السنوي لطلاب الدراسات العليا في جامعة دمشق بعد عام 2018، حيث تناولت التحديات النقدية، مثل سعر الصرف والسياسات المالية، إضافة إلى العقبات التي تواجه القطاع الخاص في مرحلة إعادة الإعمار.
يستند هذا البحث إلى منهج استدلالي يعتمد على تحليل المؤشرات الاقتصادية الكلية، بهدف تعميم النتائج على مختلف المناطق والقطاعات السورية. وتكمن أهميته في أنه يطرح تساؤلات حيوية حول مستقبل الاقتصاد السوري، في ظل الترقب المحلي والدولي لمسارات إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
أولًا: الواقع الاقتصادي في سوريا بعد سقوط النظام
التوصيف العام للوضع الاقتصادي
شهدت سوريا خلال سنوات الحرب دمارًا واسع النطاق؛ حيث تعرضت مدن وقرى بأكملها إلى تدمير جزئي أو كلي، مما أدى إلى انهيار منظومة الخدمات العامة مع غياب مؤسسات الدولة عن أداء وظائفها الحيوية. انعكس هذا الغياب على قطاعات حيوية مثل الكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والخدمات البلدية؛ مما زاد من تردي الأوضاع المعيشية للسكان.
على المستوى الكمي، يمكن تقييم الوضع الاقتصادي من خلال مجموعة من المؤشرات التي تعكس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية؛ حيث تشمل الأولى معدلات الفقر، والبطالة، ومستويات الأجور، بينما تتناول الثانية أداء القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية، إلى جانب الأضرار التي لحقت بالمرافق العامة.
- المؤشرات الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي
الفقر لم يكن ظاهرة طارئة في سوريا، لكنه تفاقم نتيجة السياسات الاقتصادية التي انتهجها بشار الأسد؛ حيث بلغت نسبة الفقر 33% عام 2007(1). تفاقم الوضع مع انتشار العشوائيات، خصوصًا في أطراف المدن الكبرى مثل دمشق وريفها، بسبب موجات النزوح من المناطق الشرقية نتيجة الجفاف؛ مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والجريمة. ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهدت الأنشطة الاقتصادية اضطرابات كبيرة نتيجة الإضرابات والإغلاق المتكرر للأسواق، إضافة إلى عمليات النزوح واسعة النطاق؛ مما أسهم في تفكك المنظومة الاجتماعية وارتفاع معدلات الفقر بشكل حاد. وفي عامي 2017-2018، ارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى أكثر من 80%(2)، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع، الذي يعكس الحرمان من الغذاء والخدمات الأساسية، نحو 66% من إجمالي السكان .(3)
ورغم تحسن الظروف الأمنية بعد عام 2017(4)، لم ينعكس ذلك بشكل إيجابي على مستويات الفقر؛ حيث أدى تراجع المساعدات الإنسانية واستمرار النزوح إلى بقاء ملايين السوريين في المخيمات داخل البلاد وفي الدول المجاورة، مثل لبنان والأردن وتركيا، دون أي تحسن في أوضاعهم الاقتصادية.
البطالة تُعد من الظواهر المرتبطة بالفقر، حيث دفعت الحرب أعدادًا كبيرة من الشباب إلى الانخراط في الأعمال العسكرية، والتي لم تكن توفر رواتب كافية أو فرصًا مستدامة. وتشير التقديرات إلى أن نحو 50% من الشباب السوري لا يملكون مصدر دخل مستدامًا .(5)
مستوى الأجور يُظهر تفاوتًا كبيرًا بين القطاعات؛ حيث تتراوح رواتب العاملين في القطاع العام بين 20 إلى 30 دولارًا شهريًّا في عام 2024(6)، في حين أن أجور القطاع الخاص تصل إلى متوسط 125 دولارًا شهريًّا، خصوصًا في المناطق الشمالية من البلاد، بينما تتجاوز أجور العاملين في البنوك والمنظمات الدولية 600 دولار شهريًّا. لكن رغم هذا التفاوت، فإن الحد الأدنى المطلوب لتغطية تكاليف المعيشة في سوريا يُقدَّر بحوالي 250 دولارًا شهريًّا وفق تقديرات عام 2016(7)؛ مما يجعل معظم الرواتب الحالية غير كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية.
تدمير المساكن لم يقتصر على الأضرار الناجمة عن القصف، بل شمل عمليات نهب وسرقة منظمة استهدفت ممتلكات النازحين. وعاد العديد من السكان ليجدوا منازلهم مدمرة جزئيًّا أو فارغة من التجهيزات الأساسية، مثل الأبواب والكابلات الكهربائية، بل حتى الأسقف التي هُدمت لاستخراج الحديد منها. كما أسهم زلزال 2023 في تفاقم الأضرار، خصوصًا في المناطق الشمالية الغربية .(8)
تشغيل البنى التحتية
قطاع الكهرباء يعاني من أزمة حادة؛ حيث لا يتجاوز متوسط التغذية الكهربائية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ثلاث ساعات يوميًا، في حين أن الوضع في شمال سوريا أفضل نسبيًّا، مع توافر الكهرباء على مدار الساعة، ولكن بتكلفة مرتفعة تبلغ نحو 12 سنتًا لكل كيلوواط/ساعة (1800 ليرة سورية)(9). تواجه المنظومة الكهربائية عدة مشكلات رئيسية، أبرزها:
- تآكل البنية التحتية لمحطات التوليد؛ مما يتطلب عمليات صيانة مكلفة.
- نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات؛ حيث يعتمد 55% منها على الغاز، في حين تخرج معظم حقول النفط السورية عن سيطرة الحكومة المركزية.
- الأضرار التي لحقت بشبكات التوزيع؛ مما يستلزم إعادة تأهيل واسعة النطاق.
وفي عام 2021، كانت 8 من أصل 11 محطة تعمل بالوقود الأحفوري قيد التشغيل .(10)
قطاع المياه يعد في وضع أفضل نسبيًّا مقارنة بالكهرباء؛ حيث تتوافر مصادر المياه في معظم المناطق، لكن المشكلة تكمن في شبكات التوزيع التي تأثرت بالحرب، خاصة في المناطق العشوائية التي توسعت بعد عام 2011.
قطاع الصحة يواجه تحديات كبيرة نتيجة الدمار الذي لحق بالمستشفيات ونقص المعدات الطبية. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال قطاع صناعة الأدوية يعمل نسبيًّا؛ حيث يوجد في سوريا نحو 110 معامل دوائية(11)، كما تنتشر الصيدليات بشكل جيد، ويعمل في القطاع الصحي ما يقرب من 80 ألف موظف، معظمهم من الخريجين الجدد أو العائدين إلى سوق العمل بعد فترة انقطاع.
قطاع التعليم يعاني من تدهور كبير؛ حيث دُمِّرت نحو 10 آلاف مدرسة جزئيًّا أو كليًّا(12)، إضافة إلى ضعف رواتب المعلمين، وارتفاع كثافة الطلاب في الصفوف الدراسية، ونقص الوسائل التعليمية الحديثة؛ مما يؤثر على جودة التعليم وفرص إعادة بناء النظام التعليمي.
المستوى العام للأسعار ارتفعت الأسعار لتتوافق مع المستويات العالمية، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في انخفاض القوة الشرائية، حيث لا تتناسب الأجور مع تكاليف المعيشة. فعلى سبيل المثال، يبلغ سعر لتر المازوت نحو 1.5 دولار (20 ألف ليرة سورية)، وتحتاج الأسرة إلى 500 لتر خلال فصل الشتاء؛ ما يعادل 750 دولارًا، وهو ما يعادل 40 ضعف راتب موظف حكومي.
- المؤشرات الاقتصادية الكلية
يمكن تلخيص واقع الاقتصاد السوري من خلال عرض المؤشرات الرئيسية في الجدول التالي:
الجدول رقم (1) مؤشرات الاقتصاد الكلي السوري– بالدولار الأميركي
المؤشر | 2010 | 2022 | تقديرات 2024 |
الناتج المحلي الإجمالي (13) | 67 مليارًا | 8.6 مليارات دولار | 10 مليارات |
نمو الناتج المحلي (14) | %3.2 | -0.9% | %-1.5 |
متوسط دخل الفرد (15) | 2500 | 750 | 600 |
حجم الصادرات (16) | 10 مليارًا | 1.2 مليار | 1.5 مليار |
حجم الواردات (17) | 18 مليارًا | 4 مليارات | 5 مليار |
احتياطي النقد الأجنبي (18) | 21 مليارًا | 500 مليون | 200 مليون |
موارد الموازنة العامة (19) | 16 مليارًا | 1.8 مليار | 1.9 مليار |
المصدر: من إعداد الباحث، استنادًا إلى البيانات المشار إليها في المصادر
تكشف البيانات الواردة في الجدول عن تراجع حاد في مختلف المؤشرات الاقتصادية؛ حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي انخفاضًا كبيرًا، ما يعكس الانكماش الاقتصادي الحاد نتيجة الحرب والصراعات الداخلية. كما تراجعت الصادرات والواردات؛ مما أدى إلى تقلص حجم التجارة الخارجية، في ظل فقدان العديد من القطاعات الإنتاجية قدرتها على التصدير وتراجع القدرة الشرائية للسوق المحلية.
إضافة إلى ذلك، شهد احتياطي النقد الأجنبي انهيارًا كبيرًا؛ حيث تراجع من 21 مليار دولار عام 2010 إلى 500 مليون دولار عام 2022، ثم انخفض مجددًا إلى 200 مليون دولار وفق تقديرات 2024، مما يعكس تآكل الموارد المالية وغياب أي استثمارات خارجية داعمة. كما تراجعت موارد الموازنة العامة بسبب انخفاض معدلات الإنتاج، وهجرة الكفاءات ورؤوس الأموال، مما زاد من العجز المالي وعطَّل برامج الإنفاق الحكومي الضرورية لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.
ثانيًا: التحديات التنموية في سوريا
التنمية هي عملية نمو تراكمي ينتقل فيها الوضع الاقتصادي والاجتماعي السوري من مرحلة إلى أخرى أكثر تطورًا، حيث يأتي التراكم ليعزز هذا الوضع أو يكمل أجزاءه الناقصة أو يحسنه أو حتى ينقله إلى مستوى أكثر تقدمًا.
بالنظر إلى الواقع في سوريا، وكما استعرضنا في الفقرات السابقة، فإن الهدف الرئيسي للتنمية هو الوصول إلى وضع أفضل. إلا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تحديدًا دقيقًا للأولويات، فمثلًا: إلى أين ستصل قيمة سعر الصرف؟ كيف سيتم ضبط استقرار الأسعار؟ ما مصير الرواتب والقوة الشرائية؟ كيف سيتم التعامل مع البطالة؟ وما آليات نمو الناتج المحلي بحيث تتحسن مكوناته، من صناعة وزراعة وعمليات إنتاجية مختلفة؟ نظرًا للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به سوريا، فإن وضع أهداف لتحسينه قد لا يكون مهمة كبيرة، ولكن الوصول إلى هذه الأهداف وتحديد آليات تحقيقها والتغلب على التحديات التي تعيق التنمية سيكون هو التحدي الأساسي.
يمكن تصنيف هذه التحديات إلى نوعين رئيسيين:
- التحديات الكبرى
الحاجة إلى التمويل: نظرًا لحجم الدمار الكبير في المدن السورية وتعطل البنى التحتية، تحتاج سوريا إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار. وفقًا لتقديرات البنك الدولي، فإن تكلفة إعادة الإعمار قد تصل إلى 50 مليار دولار، بينما تشير تقديرات أخرى إلى حاجتها لأكثر من 70 مليارًا(20). هذه التقديرات قد تختلف تبعًا لمنهجية الحساب، لكنها تتفق جميعها على ضخامة المبلغ المطلوب. يبقى السؤال الأهم: من أين ستأتي هذه المليارات؟ فإذا افترضنا أن سوريا ستعتمد على مواردها الذاتية، نجد أن إيرادات موازنة الدولة لا تتعدى ملياري دولار سنويًّا (راجع الجدول رقم 1)، وحتى في حال ارتفاعها إلى 10 مليارات خلال خمس سنوات، فإن تخصيص نصف هذه الإيرادات لإعادة الإعمار يعني الحاجة إلى عشر سنوات لتجميع نصف المبلغ المطلوب، وهو أمر قد يكون مقبولًا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إمكانية الحصول على مساعدات أو منح دولية، أو حتى قروض بفوائد مخفضة، إلى جانب مساهمة القطاع الخاص. ومع ذلك، فإن تأمين هذه الموارد يظل تحديًا يستوجب حلولًا واضحة.
التحديات غير المالية: حتى مع توافر التمويل، تبرز تحديات أخرى، مثل توافر المواد الخام اللازمة لعملية إعادة الإعمار. فعلى سبيل المثال، إذا تضمنت الخطة بناء مدن جديدة أو إعادة إعمار مدن قائمة خلال سنتين، فهل تمتلك البلاد مصانع إسمنت كافية لتغطية الطلب؟ وإذا لم تكن كافية، فهل تسمح الموانئ والبنية التحتية اللوجستية باستيراد الكميات المطلوبة؟ كذلك، هناك مسألة توافر اليد العاملة المؤهلة. ففي التسعينات، اعتمدت لبنان على العمالة السورية والمصرية في مشاريع البناء، لكن في الحالة السورية، فإن نسبة الدمار المرتفعة تعني أن الموارد البشرية المتاحة قد لا تكون كافية، فضلًا عن الحاجة إلى تخصصات مختلفة في قطاعات النفط والمصافي والمؤسسات التعليمية والصحية والطرقات والجسور والمراكز البحثية وغيرها.
العقوبات الاقتصادية: يرى البعض أن العقوبات الاقتصادية ستنتهي بزوال النظام السوري، لكن التجارب الدولية تشير إلى عكس ذلك. في العراق، استمرت العقوبات لسنوات طويلة بعد سقوط نظام صدام حسين، كما بقيت التعويضات التي دفعها العراق للكويت مستمرة حتى عام 2022، وبلغت 52 مليار دولار(21). أما في السودان، فقد استغرقت عملية رفع العقوبات عقودًا طويلة؛ حيث أُدرج السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب في التسعينات ولم تُرفع العقوبات بالكامل حتى عام 2017 (22). بناءً على ذلك، من المرجح أن تستمر العقوبات المفروضة على سوريا حتى بعد التغيير السياسي؛ مما قد يعرقل إعادة الإعمار أو يحد من زخمها.
التحديات الأمنية والسياسية: يشكل الاستقرار عاملًا رئيسيًّا في تحفيز الاقتصاد، لكن الواقع السوري لا يزال يشهد توترات أمنية. فالشمال الشرقي، الذي يعد أغنى المناطق بالموارد الطبيعية، تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية” التي لا تعترف بسلطة الحكومة في دمشق، بينما لا تزال بعض الفصائل المسلحة غير خاضعة للقيادة المركزية في الجنوب، في حين تسيطر الفصائل التابعة للجيش الوطني على مناطق واسعة في الشمال. إضافة إلى ذلك، فإن مسألة تشكيل حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد يثيران تساؤلات حول شرعية العقود الكبرى وإعادة هيكلة المؤسسات العامة، وهي تحديات لابد من التعامل معها قبل الشروع في عملية إعادة الإعمار.
- التحديات الصغرى
تحديد نقطة البداية: تحتاج عملية إعادة الإعمار إلى خارطة طريق واضحة تحدد أولويات التنفيذ. فهل سيتم البدء بإصلاح قطاعات محددة مثل قطاع الكهرباء، أم سيتم إعمار مدن معينة مثل حمص أولًا؟ وهل هناك موارد بشرية ومالية كافية لدعم تنفيذ جميع هذه المشاريع في وقت واحد؟ الإجابة على هذه الأسئلة تحدٍّ في حدِّ ذاته.
اختيار النهج التنموي المناسب: التنمية ليست مجرد عملية مالية، بل تتطلب تبني سياسات إدارية وهيكلية فعالة، فكل قرار إداري أو تنظيمي يحمل تكلفة بديلة، وكلما كان النهج مدروسًا، انخفضت هذه التكلفة.
إقناع الفاعلين المحليين بإعادة الإعمار: ينظر بعض الأطراف الفاعلة إلى إعادة الإعمار باعتبارها فرصة لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية؛ ما قد يعرقل تنفيذ المشاريع إذا لم تكن تتوافق مع مصالحهم. لذا، فإن إقناع هذه الأطراف بالمشاركة الفعالة في إعادة الإعمار يمثل تحديًا رئيسيًّا.
إشراك المجتمعات المحلية: لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون انخراط المجتمعات المحلية في العملية. فكلما كانت هذه المجتمعات أكثر انخراطًا، ازدادت فرص نجاح التنمية. على سبيل المثال، تؤدي القيم الأخلاقية مثل الرقابة الذاتية، والإتقان في العمل، ومكافحة الفساد، دورًا كبيرًا في تعزيز إعادة الإعمار، وجعلها عملية مستدامة تدفع الجميع نحو الأمام بدلًا من أن تكون فرصة لتحقيق مكاسب فردية.
ضعف البنية التحتية الداعمة للتنمية: التنمية تحتاج إلى بيئة داعمة، لكن الخدمات الأساسية في سوريا ضعيفة، والمدن مدمرة؛ مما يشكِّل عقبة أمام المستثمرين. فحتى لو قرر بعض رجال الأعمال السوريين في الخارج العودة للاستثمار، فإنهم سيواجهون تحديات تتعلق بتوفير المدارس المناسبة لأبنائهم، والمستشفيات لتقديم الخدمات الصحية، وأماكن الترفيه، ومتاجر توفر المنتجات التي اعتادوا عليها في الخارج. كل هذه العوامل قد تؤثر في قرارهم بالعودة والمشاركة في عملية التنمية.
في المجمل، تواجه سوريا تحديات تنموية هائلة، تتراوح بين نقص التمويل، والعقوبات، والاضطرابات الأمنية، وصولًا إلى تحديد أولويات إعادة الإعمار والنهج التنموي المناسب. هذه التحديات تتطلب رؤية إستراتيجية واضحة وإرادة سياسية واقتصادية قادرة على تجاوز العقبات وتحقيق تنمية حقيقية ومستدامة.
ثالثًا: الإصلاحات المطلوبة لتحقيق إعادة إعمار فاعلة
لإطلاق عملية التنمية، لابد من تهيئة الأرضية اللازمة للعمل، وهي عملية شاملة تبدأ بإصلاح المؤسسات الحكومية، وتمتد إلى تعزيز المشاركة المجتمعية، وتوفير الأطر التنموية التي يمكن للحكومة والقطاع الخاص والجهات الدولية توجيه جهودها ضمنها. ويتطلب ذلك إصلاحات عميقة في المجالات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية لضمان إعادة إعمار فاعلة ومستدامة.
- الإصلاح المؤسساتي
يهدف إصلاح المؤسسات العامة إلى تحقيق العدالة الاقتصادية، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتقليل تكلفة الفساد، وزيادة الإنتاجية. وينبغي أن يكون الهدف الأساسي للمؤسسات الحكومية هو تشجيع التنمية الاقتصادية من خلال تحفيز الأفراد على الانخراط في العمل المنتج، وتقليل حالة عدم اليقين في بيئة الأعمال، وتعزيز التشابكات الاقتصادية بين القطاعات المختلفة، بحيث يستفيد كل قطاع من الآخر ضمن مصالح متبادلة.
تشير التقارير إلى أن سوريا تحتل المرتبة 177 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024(23)؛ مما يعكس انتشار الفساد بشكل كبير. كما أنها مصنفة خارج مؤشر الحرية الاقتصادية(24)، وتحتل المرتبة 176 من أصل 200 دولة في تسهيل ممارسة الأعمال التجارية(25)، وتأتي كذلك في أدنى الترتيب على مؤشر الحوكمة الدولي الصادر عن البنك الدولي (26)؛ وهو ما يعكس فشلًا مؤسسيًّا واضحًا؛ فقد تم تسخير مؤسسات الدولة لخدمة المعركة ضد الشعب السوري خلال سنوات الثورة؛ مما يستدعي إصلاحًا جذريًّا وشاملًا لتحقيق الأهداف التالية:
- الحد من الفساد الممنهج في المؤسسات الحكومية، وتقليصه إلى أدنى مستوى ممكن.
- تقليل نفقات الإدارات العامة، والحد من الهدر، والقضاء على البطالة المقنعة، وتعزيز موارد الدولة.
- تحسين جودة الخدمات العامة، وتسريع آليات العمل الحكومي.
- رفع كفاءة الأداء الحكومي، لاسيما فيما يتعلق بتعامل الموظفين مع المواطنين.
- ترشيد عملية اتخاذ القرار العام وجعلها أكثر ارتباطًا بالمصلحة العامة.
وقد طبَّقت العديد من الدول إصلاحات ناجحة في هذا المجال، من أبرزها:
التجربة الصينية: واجهت الصين مستويات عالية من الفساد في 2003(27)، لكنَّها تبنَّت إجراءات صارمة لمكافحته، شملت فرض عقوبات مشددة على الفاسدين وصلت إلى الإعدام في بعض الحالات، بالإضافة إلى وضع حوافز سنوية للمسؤولين النزيهين.
تجربة سنغافورة: قامت الحكومة بتبسيط القوانين وتقليل عددها؛ مما جعلها أكثر وضوحًا وسهولة في التطبيق، كما رفعت رواتب موظفي القطاع العام لتقليل دوافع الفساد، وفصلت المسؤولين المتورطين في قضايا فساد.
تجربة تشيلي: اعتمدت على تبسيط الإجراءات الإدارية، وفرضت شفافية واسعة عبر الإعلان عن جميع التحركات الحكومية؛ مما أسهم في تعزيز ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة.
نموذج الإصلاح الإداري في الدول العربية: وفقًا لدراسة صادرة عن معهد التخطيط العربي(28)، فإن نموذج الإصلاح الناجح يجب أن يتضمن:
- حكومة قادرة على إدارة التغيير ومواكبة التوجهات الإقليمية.
- تنمية مستدامة لموارد الدولة وترشيد النفقات.
- إدماج جميع فئات المجتمع في عملية التنمية، وتعيين الموظفين على أساس الكفاءة والعدالة.
- تعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة، وإعداد إطار تشريعي مرن يواكب المتغيرات.
- اعتماد آليات رقابية مختلطة تشمل الجهات الحكومية، والنخب، والصحافة، ومؤسسات المجتمع المدني.
ومن خلال دراسة التجارب الإصلاحية المختلفة، يمكن تلخيص القواسم المشتركة في عدد من النقاط، أبرزها:
- إعادة هيكلة الجهاز الحكومي لتحقيق كفاءة أعلى.
- تقليل عدد الموظفين الحكوميين لتحقيق مرونة أكبر وتقليل التكاليف.
- تدريب مستمر للموظفين، وجعل رضا المواطن هو المعيار الأساسي لتقييم الأداء الحكومي.
- تعزيز استخدام البيانات والإحصاءات في صنع القرار لتقليل عدم اليقين.
- رفع رواتب الموظفين الحكوميين للحد من الفساد، مع تطبيق عقوبات صارمة على المتورطين في قضايا الفساد.
- تعزيز المشاركة المجتمعية
تشكِّل مشاركة المجتمع ركيزة أساسية في عملية إعادة الإعمار؛ حيث يصعب تنفيذ أي خطط تنموية إذا كانت المجتمعات المحلية غير مقتنعة بها. وقد أثبتت تجارب الدول التي شهدت نهضة بعد الحروب أو الاستقلال أن المشاركة المجتمعية الواسعة كانت عاملًا حاسمًا في نجاح عمليات التنمية. ففي ماليزيا، على سبيل المثال، لعب العقد الاجتماعي دورًا رئيسيًّا في تحقيق الاستقرار والتنمية عبر إشراك جميع الطوائف في العملية الاقتصادية، مع تقديم حوافز اقتصادية وتعليمية للفئات المهمشة .(24)
وفي الحالة السورية، عانى المجتمع لفترات طويلة من التهميش السياسي والاقتصادي؛ مما يستدعي تفعيل أدوات جديدة لتعزيز مشاركته، منها:
- إجراء انتخابات محلية على مستوى الأحياء والقرى، ثم المدن والمحافظات، بما يتيح فرصة أوسع لمشاركة السكان في اتخاذ القرار.
- إشراك الجالية السورية في الخارج عبر تنظيم مجالس للجاليات وتعزيز مساهمتها في التدريب والتعليم والاستثمار.
- التشاور الدائم مع أصحاب المصلحة المحليين، بما يشمل رجال الأعمال والفنانين والقادة المحليين، لضمان توافق المشاريع التنموية مع احتياجات المجتمع.
- تنظيم مجالس المدارس المحلية لتطوير العملية التعليمية عبر دمج المعلمين وأولياء الأمور والشخصيات المؤثرة في القرارات التربوية.
- عقد المؤتمرات وورش العمل لاستثمار خبرات المتخصصين في تطوير السياسات العامة.
- إنشاء مؤسسات استطلاع رأي لقياس توجهات الشارع السوري تجاه القضايا المختلفة؛ ما يسهم في صنع قرارات أكثر استجابة لاحتياجات المجتمع.
- تعديل نظام الإدارة المحلية ليأخذ بعين الاعتبار متطلبات دولة حديثة، غير طائفية، مدنية ومتعددة.
- تعزيز دور القطاع الخاص
يُعد القطاع الخاص محركًا رئيسيًّا للتنمية، نظرًا لمرونته في التعامل مع التحديات الاقتصادية، وقدرته على الابتكار وتوليد فرص العمل. ولتمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في إعادة الإعمار، يجب تنفيذ إصلاحات رئيسية، أبرزها:
- إصلاح مخرجات التعليم بحيث يصبح أكثر توافقًا مع احتياجات السوق. فالجامعات السورية تركز بشكل كبير على التعليم الأكاديمي، في حين أن سوق العمل بحاجة إلى تخصصات تطبيقية ومهنية. فعلى سبيل المثال، تضم كلية الآداب في جامعة دمشق أكثر من 60 ألف طالب(20)، في حين لا يتجاوز عدد طلاب كلية الهندسة الكهربائية والميكانيكية 1200 طالب(31)، وهو ما يعكس الحاجة إلى إعادة هيكلة البرامج التعليمية.
- تشجيع حاضنات الأعمال التي تساعد على تسريع نمو المشاريع الناشئة وتقليل نسبة الفشل عبر توفير بيئة داعمة لرواد الأعمال.
- فتح فرص جديدة للاستثمار الخاص في مجالات مثل الطاقة البديلة، مع تقديم دراسات جدوى وحوافز استثمارية مناسبة.
- تهيئة بيئة أعمال متكاملة تشمل تطوير القطاع المصرفي، وتعزيز خدمات التأمين، وإنشاء آليات لحل النزاعات، وتقوية الغرف التجارية والصناعية، وتنظيم معارض استثمارية محلية ودولية.
إن إعادة إعمار سوريا تتطلب إصلاحات شاملة على المستوى الإداري والمجتمعي والاقتصادي، من خلال تعزيز كفاءة المؤسسات الحكومية، وتمكين المجتمع من المشاركة الفاعلة، وتحفيز القطاع الخاص. وتستلزم هذه العملية رؤية إستراتيجية تضمن تحقيق التنمية المستدامة، وتجاوز العقبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد.
رابعًا: الفرص الاقتصادية والقطاعات الواعدة
عادةً ما توفر مرحلة ما بعد الحروب فرصة لإعادة تقييم الاقتصاد وتطويره على أسس أكثر استدامة تتناسب مع الإمكانيات الحقيقية للبلاد. إنها فرصة لإعادة بناء الاقتصاد من نقطة الصفر، وفق رؤية مشتركة بين مختلف مكونات المجتمع، بما يحقق مصالحهم وينسجم مع الظروف الإقليمية والدولية. ومع ذلك، فإن هذه المرحلة تنطوي على تحديات كبيرة، بدءًا من ضمان الأمن والاستقرار، وانتهاءً بتهيئة البيئة المناسبة لعودة التجار والقوى العاملة إلى البلاد.
في الحالة السورية، تبدو الأوضاع أكثر تعقيدًا، حيث لا تزال الموارد الطبيعية الرئيسية، مثل حقول النفط، تحت سيطرة “وحدات حماية الشعب” المدعومة من الولايات المتحدة، كما أن بعض المناطق في الجنوب والغرب السوري لا تزال تضم جيوبًا عسكرية لم تخضع بالكامل لسلطة الحكومة الجديدة.
وغالبًا ما تعتمد الدول الخارجة من الحرب على القروض والمنح الدولية لتمويل عملية إعادة الإعمار، غير أن هذه المساعدات قد ترتبط بشروط سياسية واقتصادية قاسية، وقد لا تتلاءم مع هيكل الاقتصاد المحلي. بناءً على ذلك، يصبح التركيز على القطاعات الاقتصادية الواعدة أمرًا ضروريًّا؛ حيث يمكن تلخيص الفرص الاقتصادية المتاحة في القطاعات التالية:
- الزراعة
في عام 2022، شكَّل الناتج الزراعي حوالي %13 من الناتج المحلي الإجمالي السوري(32)، في حين كانت مساهمته في عام 2000 تصل إلى %25 (33). ومع ذلك، فإن الإمكانيات الفعلية لهذا القطاع لا تزال غير مستغلة بالكامل، وهو ما يجعله من أكثر القطاعات الواعدة للنمو، نظرًا لانخفاض تكاليف إعادة تأهيله، وأهميته الحيوية في تأمين الغذاء.
تمتلك سوريا أكثر من 6 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، وهو ما يعادل ثلث مساحة البلاد، إضافةً إلى مليون عامل في هذا القطاع(34). ويُتوقع أن يكون القطاع الزراعي الأسرع تعافيًا والأقل تكلفةً لإعادة تشغيله، خاصة أن معظم المزارع تعود إلى القطاع الخاص؛ ما يسهِّل إعادة تنشيطه عبر تقديم دعم حكومي محدود يشمل توفير الأسمدة والبذور بأسعار مدعومة، إلى جانب تحسين مدخلات الإنتاج في القطاع الحيواني.
يمكن لهذا القطاع أن يُسهم في تحقيق الأمن الغذائي عبر توفير الحبوب والخضار والفواكه للسكان المحليين، فضلًا عن إمكانية التصدير لبعض المنتجات؛ مما يساعد في تحسين الميزان التجاري. كما أن تطوير الزراعة يمكن أن يحد من مستويات الفقر، ويوفر مصدر دخل ثابتًا لعدد كبير من السوريين، إلى جانب رفد خزينة الدولة بموارد إضافية من خلال الضرائب والرسوم.
ورغم أن معظم الحيازات الزراعية صغيرة نسبيًّا، فإن هناك مناطق شاسعة في شرق سوريا وشمال شرق حمص وحماة يمكن استغلالها بشكل أكثر كفاءة. ولا يقتصر الاستثمار الزراعي على الإنتاج النباتي فحسب، بل يمتد أيضًا إلى الثروة الحيوانية، حيث يتوافر العديد من الفرص الاستثمارية، منها:
تربية الأغنام والأبقار: شهد إنتاج الحليب في سوريا تراجعًا كبيرًا؛ حيث انخفض من 16 مليون طن عام 2009 إلى أقل من 5 ملايين طن في 2023(35). ويعود ذلك إلى تراجع عدد الأبقار من مليون رأس في 2011 إلى أقل من 700 ألف رأس في 2022 (36)، فضلًا عن انخفاض أعداد الأغنام من 13 مليون رأس في 2010 إلى أقل من 8 ملايين رأس في 2022. ورغم أن هذا الانخفاض يمثل تحديًا، إلا أنه يفتح المجال أمام فرص استثمارية مربحة في مجالات تكثير وتسمين الماشية، وإنتاج الحليب ومشتقاته، وهو قطاع يتمتع بطلب مرتفع محليًّا ودوليًّا.
زراعة الأعشاب الطبية والعطرية: مع ارتفاع أسعار الأعشاب الطبيعية وزيادة الطلب العالمي عليها، يمكن استثمار الأراضي الرخيصة في جنوب سوريا (درعا والسويداء) أو شمالها (إدلب وريف حلب) لزراعة أنواع متعددة من الأعشاب، مثل الزعتر والبابونج والميرمية. كما يمكن التوسع في زراعة الورد الدمشقي لاستخراج الزيوت العطرية؛ حيث تقدر تكلفة إنشاء مشروع زراعي متكامل لإنتاج الزيوت الطبيعية بحوالي مليون دولار أميركي.
إنتاج الزيتون والفستق الحلبي: تُعد مناطق شمال وغرب سوريا من أهم مناطق إنتاج الزيتون والفستق الحلبي؛ مما يجعل الاستثمار في هذا القطاع خيارًا واعدًا، خاصةً في ظل الطلب المرتفع على زيت الزيتون السوري في الأسواق العالمية.
إنتاج الخضار والفواكه: يتمتع المناخ السوري بميزات تجعله مناسبًا لإنتاج الخضار والفواكه بكميات كبيرة، سواء عبر الزراعة التقليدية أو الزراعة داخل البيوت البلاستيكية، خاصة في مناطق غرب سوريا، حيث المناخ المعتدل الذي يقلل من تكاليف التدفئة خلال الشتاء؛ مما يعزز الربحية.
- الصناعة
قبل عام 2011، كانت سوريا تشهد تطورًا في قطاعات النسيج، والصناعات الكيماوية، وصناعة السيارات، والحديد، والإسمنت، ولكن معظم هذه الصناعات توقفت أو تضررت بشدة خلال الحرب. ورغم أن إعادة تشغيلها تحتاج إلى استثمارات كبيرة ووقت طويل، فإن التركيز على الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما تلك المرتبطة بالقطاع الزراعي، يمثل خيارًا أكثر واقعية في المرحلة الأولى من إعادة الإعمار.
ثمة فرص استثمارية في القطاع الصناعي، يمكن الإشارة إليها فيما يلي:
الصناعات الغذائية: يمكن لمشاريع تعليب الخضار والفواكه، وتعبئة الحبوب، ومعالجة اللحوم والألبان أن تسهم في تعزيز الأمن الغذائي وخلق فرص عمل جديدة.
الصناعات الدوائية: كانت سوريا تضم 70 مصنعًا للأدوية قبل الحرب، تلبي 90% من احتياجات السوق المحلية(37)، لكن العديد من هذه المصانع تضرر خلال الحرب؛ مما يوفر فرصة استثمارية لإعادة تأهيلها وتطويرها(38).
إنتاج المعدات الزراعية: نظرًا لاعتماد التنمية الاقتصادية على القطاع الزراعي، فإن إنشاء مصانع لإنتاج الجرارات والآلات الزراعية قد يكون خيارًا مربحًا.
- الاستثمار في البنى التحتية
مع الدمار الواسع الذي لحق بالبنى التحتية السورية، هناك فرص استثمارية كبيرة في إعادة تأهيل وتشغيل المرافئ والمطارات والطرق السريعة، ومنها:
المرافئ: يمكن استثمار مرفأ اللاذقية وطرطوس وبانياس في الخدمات اللوجستية، وتخزين السلع، وتوريد مستلزمات إعادة الإعمار.
الطرق السريعة: إنشاء طريق سريع حديث يربط تركيا بدمشق ثم بعمان، مما يقلِّل زمن الرحلة إلى 3-4 ساعات، ويوفر محورًا تجاريًّا حيويًّا بين أوروبا والخليج العربي.
شركات الطيران: رغم امتلاك سوريا أسطولًا جويًّا متواضعًا، إلا أن تشغيل واستثمار قطاع الطيران قد يكون فرصة مجدية اقتصاديًّا.
- قطاع العقارات
مع تدمير مئات الآلاف من الوحدات السكنية، ووجود 10 ملايين شخص بحاجة إلى مساكن جديدة، يُقدَّر حجم سوق العقارات بحوالي 60 مليار دولار أميركي؛ مما يجعله من أكبر القطاعات الاستثمارية الواعدة في مرحلة إعادة الإعمار(39).
هكذا، وكما رأينا فإن سوريا تمتلك عديدًا من الفرص الاقتصادية الواعدة، خاصة في قطاعات الزراعة، والصناعة، والبنى التحتية، والعقارات. ومع تبني سياسات إصلاحية ذكية، يمكن لهذه القطاعات أن تشكل حجر الأساس لإعادة الإعمار، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام في المستقبل القريب.
خامسًا: التحول من التقسيم الإداري إلى التقسيم الإقليمي وانعكاساته على التنمية المستدامة
يُعرَّف الإقليم بأنه مساحة جغرافية تتمتع بخصائص مشتركة سواءً من حيث الطبيعة الجغرافية أو التركيبة السكانية أو الأنشطة الاقتصادية والسياسية. وقد تم تقسيم سوريا سابقًا إلى سبعة أقاليم جغرافية، إلا أن هذا التصنيف ظل مهمشًا أمام التقسيم الإداري التقليدي القائم على المحافظات.
التقسيم الإقليمي في سوريا
- إقليم دمشق الكبرى: يضم دمشق وريف دمشق، وهو الإقليم الأكثر كثافة سكانية، ويعد المركز السياسي والاقتصادي للبلاد. يحتوي الإقليم على المؤسسات الحكومية الرئيسية، ومدينة عدرا الصناعية، ومطار دمشق الدولي، وعدد كبير من الأسواق التجارية. يتركز النشاط الاقتصادي فيه حول الصناعات الدوائية، والنسيج، والزجاج، والمعلبات، والإسمنت، كما يحتضن جامعة دمشق، وهي أكبر جامعة في البلاد.
- إقليم الجنوب: يضم السويداء، ودرعا، والقنيطرة، وهو إقليم ريفي يتميز بنشاط زراعي قوي، حيث تنتج درعا البقوليات، والخضروات، والتبغ، بينما تشتهر السويداء بإنتاج الكرز والتفاح. تقل الأنشطة الصناعية والتجارية في القنيطرة، لكنها تتمتع بموارد زراعية جيدة. يتميز هذا الإقليم بتلقيه تحويلات مالية كبيرة من المغتربين، خاصة في دول الخليج وأوروبا وأميركا، وهو ما كان قائمًا قبل الثورة واستمر خلالها.
- إقليم البادية: يشمل معظم المساحات الصحراوية في سوريا، ويعتمد اقتصاده على الرعي؛ حيث كان يضم قبل الثورة أكثر من 14 مليون رأس من الأغنام، إضافة إلى إنتاج الكمأة التي تنمو بشكل طبيعي. كما يحتوي هذا الإقليم على ثروات طبيعية مهمة مثل الفوسفات، والغاز، والنفط.
- إقليم الوسط: يضم حمص وحماة ومنطقة القلمون، ويتمتع بتنوع اقتصادي نسبي؛ حيث يضم أنشطة زراعية وصناعية وخدمية. يشتهر بزراعة الذرة، والشوندر السكري، والجوزيات، ويضم منطقة حسياء الصناعية التي تحتوي على صناعات كيماوية، وغذائية، وأعلاف، وأسمدة، كما يوجد في حماة مصانع للسيراميك والحديد. يتميز سكان هذا الإقليم بنشاطهم في قطاع النقل نظرًا لموقعه الذي يربط بين مختلف الأقاليم.
- إقليم الساحل السوري: يشمل اللاذقية، وطرطوس، وبانياس، ويتميز بإنتاج الحمضيات، والخضار، والبقوليات، والزيتون. كما يحتوي على موانئ بحرية رئيسية، ويشتهر سكانه بالعمل في الصيد البحري، إضافة إلى وجود صناعات مثل الإسمنت والمعلبات.
- إقليم الشمال: يضم حلب وإدلب، وهو من أهم الأقاليم الاقتصادية في سوريا. تُعرف حلب بأنها العاصمة الاقتصادية للبلاد، وتشتهر بالصناعات النسيجية، والزجاج، والأحذية، بينما تعد إدلب المنتج الرئيسي للزيتون والفستق الحلبي. كما يضم الإقليم مصانع متطورة للأدوية.
- إقليم الشرق: يضم دير الزور، والرقة، والحسكة، وهو الإقليم الأغنى من حيث الموارد الزراعية والطبيعية. يتميز بزراعة القمح، والذرة، والشعير، والقطن، إلى جانب الثروة السمكية القادمة من نهر الفرات. كما يحتوي على حقول النفط والغاز، ويعد موطنًا لمعظم الثروة الحيوانية في البلاد.
أهمية التحول من التقسيم الإداري إلى التقسيم الإقليمي
يعد التقسيم الإقليمي شكلًا أكثر كفاءة للإدارة المحلية مقارنة بالتقسيم الإداري التقليدي، حيث يأخذ بعين الاعتبار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية المشتركة بين المناطق؛ مما يسهم في تحقيق تنمية مستدامة عبر تخطيط أكثر تكاملًا بين القطاعات المختلفة.
حاليًّا، تتبع سوريا نظامًا إداريًّا تقليديًّا يعتمد على تقسيم البلاد إلى 14 محافظة، والتي تُقسم بدورها إلى 68 منطقة إدارية فرعية، و158 مدينة، و702 بلدية(40)، لكل محافظة محافظ مسؤول عن إدارتها؛ مما يؤدي إلى تفتيت جهود التنمية بسبب اختلاف الأولويات بين المحافظات وعدم وجود رؤية تكاملية على مستوى الأقاليم الكبرى.
في حال الانتقال إلى نظام التخطيط الإقليمي، سيتم تعزيز القدرة على التخطيط الإستراتيجي، بحيث يُستبدل بنظام المحافظات الحالي منظومة أقاليم، حيث يكون لكل إقليم محافظ أو أمين إقليمي يعينه رئيس الدولة، إلى جانب مجلس إقليم منتخب من السكان المحليين؛ مما يعزز من التمثيل الشعبي والإدارة المحلية الفعالة.
انعكاسات التحول إلى التقسيم الإقليمي على التنمية المستدامة
تحقيق تكامل اقتصادي بين القطاعات: يتيح تقسيم البلاد إلى أقاليم تنسيقًا أفضل بين الموارد المحلية، حيث يتم التخطيط وفقًا للإمكانات الفعلية لكل إقليم؛ مما يسهم في توجيه الاستثمارات إلى القطاعات الأكثر إنتاجية.
تعزيز اللامركزية وزيادة كفاءة الإدارة: بدلًا من الإدارة المركزية الثقيلة، سيتم توزيع المسؤوليات التنموية والخدمية على الأقاليم؛ مما يسمح باتخاذ قرارات أكثر سرعة وكفاءة تتناسب مع احتياجات كل منطقة.
تحفيز الاستثمارات المحلية والخارجية: عندما يصبح لكل إقليم سلطة محلية أكثر استقلالية في اتخاذ القرارات، فإنه سيكون قادرًا على جذب الاستثمارات بما يتناسب مع موارده وإمكاناته، وهو ما يمكن أن يسهم في تحقيق نمو اقتصادي متوازن.
توزيع أكثر عدالة للموارد: من خلال تمكين الأقاليم من إدارة مواردها بشكل مباشر، يمكن تحقيق عدالة أكبر في توزيع الميزانيات، بدلًا من الاعتماد على تخصيص الموارد من قبل الحكومة المركزية في دمشق.
تعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار: مع وجود مجالس إقليمية منتخبة، سيكون للمواطنين دور أكبر في تحديد أولويات التنمية في مناطقهم؛ مما يسهم في تحسين العلاقة بين الدولة والمجتمع.
إصلاحات قانونية مقترحة للتحول إلى التقسيم الإقليمي
يتطلب الانتقال من التقسيم الإداري إلى التقسيم الإقليمي تعديلات على القوانين المنظمة للإدارة المحلية، مثل القانون رقم 107 لعام 2012، الذي ينظم صلاحيات المحافظات والبلديات. يمكن تنفيذ الإصلاحات عبر:
- إنشاء منصب “أمين الإقليم” أو “محافظ الإقليم” ليكون مسؤولًا عن إدارة الإقليم، ويُعيَّن بمرسوم رئاسي.
- إجراء انتخابات لمجالس الأقاليم بحيث يكون للسكان دور مباشر في اختيار ممثليهم على المستوى الإقليمي.
- دمج مجلس المحافظة مع مجلس الإقليم، أو إلغاء أحدهما لضمان عدم التداخل في الصلاحيات.
- إعادة توزيع الميزانيات وفقًا لموارد كل إقليم بدلًا من النظام المركزي الحالي.
التحول من التقسيم الإداري التقليدي إلى التقسيم الإقليمي يُعد خطوة ضرورية نحو تحقيق تنمية مستدامة أكثر عدالة وكفاءة في سوريا. يتيح هذا النظام استغلال الموارد بشكل أكثر تنظيمًا، وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية على المشاركة في إدارة شؤونها، وخلق بيئة أكثر جاذبية للاستثمار. كما أن هذا النموذج يسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي بين المناطق المختلفة، ويعزز من قدرة الدولة على توجيه التنمية وفق رؤية إستراتيجية طويلة الأمد، كما يوضح ذلك الجدول التالي:
الجدول رقم (2) الخصائص الرئيسية للأقاليم السورية في مجال الطوائف والاقتصاد والسكن
الإقليم | المحافظات | تفكيك الملف الطائفي | الوضع الديمغرافي والإثنيات | التخصص الاقتصادي | عدد السكان | حل مشكلة السكان والمساكن | الثقافة والسياحة | المرافق الكبرى |
الشمال | حلب إدلب | تعاون في تنمية العمل الخاص والزراعة والنقل. | أغلبية عربية سنية، مع وجود واضح للكرد والشيعة. | صناعة النسيج، وصناعة الألبسة الجاهزة. الزراعات الرئيسية | كثافة سكانية مرتفعة | إزالة المخيمات المبنية على الحدود التركية، وتشجيع العمل في إقليم البادية ضمن المشاريع المزمع إنشاؤها. | معالم تاريخية مثل قلعة حلب. معالم سياسية مثل الباسوطة وسلقين ودركوش وغيرها | المعابر الحدودية مع تركيا، والطرق الرئيسية، ومطار حلب الدولي |
دمشق الكبرى | دمشق ريف دمشق | تعاون في مجال إدارة وتسيير مؤسسات الدولة المركزية | أغلبية عربية سنية، مع وجود مسيحية، وعلوية وبقية الإثنيات في العاصمة ومحيطها | صناعة الغزل والنسيج، ومواد البناء والزجاج والسجاد. | كثافة سكانية مرتفعة | إزالة العشوائيات من محيط العاصمة وإعادة توزيعها خارج الإقليم | دمشق القديمة ومعلولا وبعض المناطق الأثرية ومناطق سياحة الحرب | جامعة دمشق مطار دمشق الدولي مؤسسات الحكومة |
الوسط | حمص حماة | خلط الطوائف ببعضها، وجعلها تتعاون لتنمية الإقليم بشكل مشترك. | العرب من السنة والعلوية بشكل رئيسي مع وجود الطائفة المسيحية. | صناعة الأدوية، والصناعات الكيماوية | كثافة سكانية متوسطة | إعادة إعمار المدن المدمرة | سياحة الأماكن التي تعرضت للحرب. أماكن ريفية جميلة ومعالم أثرية مميزة | جسر الرستن والطرق الر |
الشرق
| الحسكة دير الزور الرقة | التنسيق لضبط الحدود الشمالية والشرقية. إدارة ملف الأكراد بشكل أكثر عدالة. | العرب والكرد من السنة، مع أقليات من المسيحية وطوائف أخرى. | زراعة الحبوب والقطن. صناعات استخراجية رئيسية.
| كثافة سكانية متوسطة | إعادة إعمار المدن المدمرة | معالم أثرية، سياحة الأماكن التي تعرضت للحرب. المدارس الكردية والثقافة الكردية | معابر حدودية. السدود والبحيرات على نهر الفرات |
الجنوب | السويداء درعا القنيطرة | التنسيق لضبط الحدود الجنوبية بشكل موحد. دمج الطوائف والإثنيات وفرض نوع من التعاون وعدم وجود غلبة لطائفة على أخرى. | العرب من الدروز والسنَّة. | زراعة الخضروات والتفاح، والحبوب الرئيسية. صناعات غذائية تقليدية، التعليب والتغليف. بناء مدينة تقنية للبرمجة والابتكار في العلوم الحديثة. | كثافة سكانية متوسطة | إعادة إعمار المدن المدمرة | مدن أثرية مثل بصرى والآثار الرومانية في السويداء ودرعا. الحياة البدوية والمنازل الريفية والأهازيج والدبكات | معبر نصيب. جامعة الجنوب. المدينة التقنية في القنيطرة. |
الساحل | اللاذقية طرطوس | دمج الطوائف والإثنيات وفرض نوع من التعاون وعدم وجود غلبة لطائفة على أخرى. تنسيق أمني واحد في مجال مكافحة الهجرة والتهريب البحري. | عرب من السنة والعلوية مع وجود تجمعات مسيحية. | زراعة الحمضيات، والزراعة في البيوت البلاستيكية، والنقل والصيد البحري. صناعة الإسمنت والتبغ والمعلبات. صناعات عسكرية بحرية. | كثافة سكانية عالية | تشجيع السكان على العمل في إقليم البادية ضمن المشاريع الجديدة المزمع تشغيلها. | أماكن سياحة تاريخية. أماكن سياحية جميلة تحتوي على جبال وشواطئ وأنهار.
| الموانئ البحرية الرئيسية |
البادية | مناطق البادية السورية من حمص ودير الزور والسويداء وريف دمشق والرقة. | لا تشكل مخاطر أمنية بحد ذاتها نسبة لعدد وطبيعة السكان.
تحوي مساحات واسعة، يمكن استثمارها للتدريبات الأمنية والعسكرية، وتمركز القطعات الرئيسية | السكان معظمهم من لون واحد هو البدو وأبناء القرى الصغيرة المتوزعة في المنطقة، وهم من العرب السنة. يتوقع أن يسكن فيه عدد من العمال المتخصصين في الصناعات الاستخراجية، وتوليد الطاقة. | استخراج النفط والغاز والفوسفات. مزارع الطاقة الشمسية. مزارع طاقة الرياح. مصانع الألبان والأجبان. صناعات عسكرية.
| عدد قليل جدًّا لا يتجاوز نصف مليون نسمة، مع توقع زيادة العدد لأسباب تتعلق بتنشيط المنطقة وبناء مدن عمالية. | بناء مدن نموذجية. توفير عقود وفرص عمل. تقديم الخدمات التعليمية والصحية الرئيسية، وتقديم الخدمات الحكومية. | معالم أثرية ( مثل تدمر). رحلات صيد وتخييم بري.
| المطار التجاري الرئيسي في البلاد. مصافي النفط. الصناعات التي تسبب تلوثًا في الجو. |
المصدر: من إعداد الباحث
القطاعات والصناعات المحفزة للتنمية
بناءً على الإمكانات المتاحة، يمكن تحديد عدد من القطاعات والصناعات التي بمقدورها أن تلعب دورًا محوريًّا في تحفيز التنمية المستدامة في سوريا، عبر استثمار الموارد الطبيعية والبشرية المتوافرة، وتعزيز التكامل بين الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
- صناعة المواد الغذائية: تعزيز الأمن الغذائي وتنشيط الاقتصاد
تمتلك سوريا مساحات زراعية واسعة، ومحاصيل متنوعة، وأيدي عاملةً كفوءة بتكاليف منخفضة نسبيًّا. هذه العوامل تجعل الصناعات الغذائية خيارًا إستراتيجيًّا للنهوض بالاقتصاد. يمكن تعزيز هذا القطاع من خلال:
- تقديم إعفاءات ضريبية ومنح أراضٍ لإنشاء المصانع.
- تسهيل إجراءات الترخيص لتشجيع المستثمرين.
- تحسين معايير الجودة وفق المقاييس العالمية، لضمان التنافسية في الأسواق المحلية والدولية.
إلى جانب دور هذا القطاع في تحفيز الاستثمار، فإنه يسهم أيضًا في تقليل معدلات الجوع والفقر، ويدمج فئات واسعة من المجتمع في سوق العمل، مثل العسكريين السابقين، والموظفين المسرَّحين، والنازحين العائدين؛ مما يعزز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
- الصناعة النسيجية: استعادة أحد أعمدة الاقتصاد السوري
إلى جانب توافر القطن كمادة خام رئيسية، تمتلك سوريا خبرات واسعة في مجال الصناعات النسيجية. وعلى الرغم من تضرر هذا القطاع خلال الحرب وخروج بعض المستثمرين، إلا أنه لا يزال يضم آلاف الورش الصغيرة والمعامل المتوسطة وعشرات الآلاف من العمال المهرة.
إعادة تفعيل هذا القطاع يمكن أن يتم من خلال:
- تقديم حوافز لجذب المستثمرين وإعادة رؤوس الأموال المهاجرة.
- تحديث البنية التحتية للصناعة، وتحفيز استخدام التكنولوجيا الحديثة.
- دعم إنشاء مناطق صناعية متخصصة في النسيج، بما يسهِّل الإنتاج والتصدير.
يعد قطاع النسيج رافدًا اقتصاديًّا رئيسيًّا؛ حيث يمكنه توفير فرص عمل واسعة، وتحقيق قيمة مضافة عالية عبر التصدير للأسواق الإقليمية والدولية.
- الصناعة الاستخراجية والتحويلية: استثمار الثروات الطبيعية
رغم أن الصناعات الاستخراجية تتطلب رؤوس أموال كبيرة، فإن توافر الموارد مثل النفط، والغاز، والفوسفات يجعلها قطاعًا إستراتيجيًّا للنمو الاقتصادي.
يمكن تطوير هذا القطاع عبر:
- فتح المجال للاستثمار الأجنبي، خاصة من الدول الخليجية والأوروبية.
- بناء مصفاة جديدة أو أكثر لتكرير النفط محليًّا، وتقليل الاعتماد على الواردات.
- تطوير الصناعات المرتبطة بالغاز والفوسفات، بما يعزز الاستفادة من الموارد المتاحة.
يُعد هذا القطاع من أهم القطاعات الجاذبة للاستثمار، لكنه يتطلب إصلاحات إدارية، وإعادة تأهيل البنية التحتية لضمان تشغيله بكفاءة.
- السياحة الحربية: استثمار التاريخ في الاقتصاد
في العديد من الدول التي شهدت صراعات، لعبت السياحة الحربية دورًا في تنشيط الاقتصاد، من خلال تقديم تجربة فريدة للزوار. يمكن لسوريا تطوير هذا القطاع عبر:
- تحويل المواقع التي شهدت معارك أو دمارًا واسعًا إلى وجهات سياحية، مثل القرى والبلدات المتأثرة بالحرب.
- إنشاء متاحف في مواقع السجون والمعتقلات، بعد إعادة تأهيلها، لعرض أحداث الماضي بطريقة تسلط الضوء على دروس السلام والمصالحة.
- تطوير برامج سياحية تشمل زيارة الأماكن التاريخية التي شهدت أحداثًا محورية خلال الثورة والحرب.
يمكن لهذا القطاع أن يحقق إيرادات كبيرة بالعملة الصعبة، سواء من السياح المحليين أو الأجانب، خاصة مع تزايد الاهتمام العالمي بدراسة آثار النزاعات.
- المناطق الحرة: جذب الاستثمارات وتنشيط الاقتصاد
يمكن للمناطق الحرة، خاصة تلك الواقعة على الحدود السورية، أن تلعب دورًا مهمًّا في جذب المستثمرين، نظرًا لما توفره من خدمات متطورة وبيئة استثمارية مشجعة.
ويمكن أن تستثمر هذه المناطق في قطاعات مثل:
- الصناعات النسيجية والغذائية، نظرًا لقربها من المواد الخام والأسواق الخارجية.
- إعادة الإعمار، عبر استيراد المعدات ومواد البناء بأسعار تنافسية.
- الخدمات المصرفية والصحية، من خلال جذب المصارف وشركات التأمين والمستشفيات الخاصة.
هذه المناطق يمكن أن تمثل بوابة اقتصادية لاستعادة النشاط التجاري، وتوفير فرص عمل جديدة، خاصة للعاملين المهرة في القطاعات الصناعية والخدمية.
- الجامعات والتعليم: الاستثمار في رأس المال البشري
يعد التعليم من أهم الاستثمارات طويلة الأجل؛ حيث يسهم في تأهيل كوادر قادرة على دعم مختلف القطاعات الاقتصادية. ورغم امتلاك سوريا جامعات عريقة مثل جامعة دمشق، إلا أن قطاع التعليم تأثر بشكل كبير خلال الحرب.
يمكن تطوير هذا القطاع من خلال:
- تحسين جودة التعليم في جميع المراحل، من خلال تحديث المناهج ورفع كفاءة المعلمين.
- الاستثمار في البحث العلمي، عبر إنشاء مراكز بحثية متخصصة في المجالات التقنية والطبية والهندسية.
- تفعيل حاضنات الأعمال، لدعم الطلاب والخريجين في إطلاق مشاريعهم الخاصة.
إلى جانب دوره في إعداد كوادر مؤهلة لسوق العمل، يمكن لقطاع التعليم أن يكون مصدرًا رئيسيًّا لجذب الاستثمارات، خاصة من خلال الجامعات الخاصة وبرامج التعاون الأكاديمي مع الجامعات الدولية.
- النقل واللوجستيات: الاستفادة من الموقع الجغرافي
يمثل الموقع الجغرافي لسوريا ميزة إستراتيجية يمكن استغلالها في قطاع النقل والخدمات اللوجستية. يمكن تطوير هذا القطاع عبر:
- تحسين البنية التحتية للموانئ والمطارات، بما يعزز دور سوريا مركزًا تجاريًّا إقليميًّا.
- تطوير شبكة الطرق السريعة، خاصة الطريق السريع الذي يربط تركيا بسوريا وصولًا إلى دول الخليج؛ مما يسهم في تنشيط التجارة.
- إنشاء مطار خاص للنقل والشحن التجاري في إقليم البادية، ليكون بوابة لنقل البضائع نحو العراق ودول الخليج ولبنان وتركيا.
يمتلك هذا القطاع إمكانيات كبيرة لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، وتحقيق عوائد ضخمة من الرسوم والخدمات اللوجستية.
- المشاريع الصغيرة جدًّا: دعم الحرف والمهن التقليدية
في ظل التحديات الاقتصادية الحالية، يمكن للمشاريع الصغيرة أن تلعب دورًا في تحقيق الاستقرار المعيشي وتحفيز الاقتصاد المحلي. وتتميز سوريا بإرث غني من الحرف التقليدية، مثل:
- صناعة النحاسيات والخزف.
- الأعمال الخشبية، مثل الأثاث المنزلي والديكور.
- تصنيع الأحذية والحقائب.
- إنتاج الألبسة التقليدية والمطرزات اليدوية.
يمكن دعم هذه المشاريع من خلال:
- توفير تمويل ميسر للراغبين في إنشاء مشاريع صغيرة.
- تنظيم معارض دولية ومحلية لتسويق المنتجات.
- تعزيز قنوات التصدير لأسواق المهجر؛ حيث يوجد طلب كبير على المنتجات السورية التقليدية.
هذه المشاريع، رغم بساطتها، يمكن أن توفر فرص عمل لآلاف الأشخاص، وتسهم في تنويع مصادر الدخل للأسر السورية.
يتبين مما سبق أن سوريا تمتلك العديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة التي يمكن أن تلعب دورًا محوريًّا في إعادة الإعمار وتحقيق التنمية المستدامة. ويعد التركيز على الصناعات الغذائية، والنسيج، والطاقة، والتعليم، والنقل، والمشاريع الصغيرة من بين الخيارات الأكثر واقعية وتأثيرًا على المدى القصير والمتوسط.
من خلال تبني إصلاحات اقتصادية وإدارية جادة، يمكن لهذه القطاعات أن تصبح محركات قوية للنمو؛ مما يساعد سوريا على تجاوز أزماتها الاقتصادية، وإرساء أساس قوي لاقتصاد أكثر استدامة وتنوعًا.
تصور مقترح لإعادة تخطيط سوريا من التقسيم الإداري إلى التقسيم الإقليمي
المصدر: هيئة التخطيط الإقليمي في سوريا
سادسًا: التنظيم العمراني كمدخل للسلم الأهلي وإعادة الإعمار
تمتلك سوريا فرصة تاريخية لإعادة هيكلة المشهد العمراني، بما يسهم في معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي نشأت نتيجة الفوضى في التخطيط العمراني القديم. فقد أدت السياسات السابقة إلى انتشار الأحياء العشوائية، والقرى غير المخدَّمة، والتجمعات السكانية المغلقة على لون اجتماعي أو طائفي معين، بالإضافة إلى وجود مبانٍ تفتقر إلى معايير السكن اللائق، سواء بسبب تصميمها غير المريح أو عدم دخول أشعة الشمس إليها؛ مما يؤثر على الصحة العامة. كما أن تفتيت الملكيات بسبب الإرث أدى إلى تقسيم المنازل القديمة الجميلة إلى وحدات صغيرة غير مريحة، مما أسهم في تفاقم أزمة العشوائيات.
في سياق إعادة الإعمار، يمكن الاستفادة من العمارة الدمشقية التقليدية، التي تعتمد على مواد بناء محلية مستخرجة من الركام، مما يقلِّل الحاجة إلى استيراد الإسمنت والحديد، ويحقق مكاسب اقتصادية من خلال إحياء الطابع العمراني التراثي الذي يمكن أن يجذب السياحة مستقبلًا.
دور التنظيم العمراني في تحقيق التنمية والاستقرار
إعادة تنظيم المدن والقرى وفق أسس عمرانية حديثة ومستدامة يمكن أن يحقق عدة فوائد، منها:
- إنهاء العشوائيات، التي تعاني من مشكلات بنيوية واجتماعية.
- إلغاء التقسيمات الطائفية والجغرافية المغلقة، مما يعزز التعايش الاجتماعي.
- تحسين حركة المرور والمساحات العامة، لتكون المدن أكثر كفاءة وراحة للمقيمين والتجار والمارة.
- التعامل مع المدن والقرى كوحدات إنتاجية متكاملة، وليس فقط كمناطق سكنية، مما يسهم في تحفيز الاقتصاد المحلي.
- تعزيز البنية التحتية والخدمات العامة، لجعل المدن أكثر جاذبية للعيش والاستثمار.
- تطبيق نماذج البناء التقليدي منخفض التكلفة؛ مما يساهم في توفير فرص عمل للحرفيين، والاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة في عمليات إعادة الإعمار.
التحديات التي تواجه إعادة الإعمار والتنمية العمرانية
مع نهاية الحرب، تواجه سوريا واقعًا اقتصاديًّا منهكًا؛ حيث تم استهلاك معظم الموارد الوطنية، وفقد السكان جزءًا كبيرًا من قدراتهم الاقتصادية؛ مما يجعل عملية إعادة الإعمار محفوفة بعدة تحديات، أبرزها:
نقص التمويل: الحاجة إلى موارد مالية ضخمة لإعادة البناء.
غياب الاستقرار السياسي والأمني: مما قد يعيق تنفيذ المشاريع الكبرى.
نقص الكوادر البشرية المؤهلة: بسبب الهجرة الواسعة للكفاءات والعمالة الماهرة.
مستوى الفساد المرتفع في المؤسسات الحكومية: مما يستدعي إصلاحات جذرية لضمان كفاءة تنفيذ مشاريع الإعمار.
لذلك، لابد من تنفيذ إصلاحات شاملة في مؤسسات الدولة، لضمان إدارة أكثر كفاءة وشفافية، مع إشراك المجتمع المحلي والمهجرين والجاليات السورية في عمليات التخطيط والتنفيذ.
أهمية التخطيط الإقليمي في تحقيق التنمية العمرانية
يعتمد النهج التقليدي في الإدارة السورية على تقسيم البلاد إداريًّا إلى محافظات وبلديات، لكن هذا النموذج أثبت عدم فعاليته في تحقيق تنمية متوازنة، حيث تركزت الاستثمارات والخدمات في بعض المناطق على حساب مناطق أخرى.
يمكن للتخطيط الإقليمي أن يكون بديلًا أكثر كفاءة، من خلال تقسيم سوريا إلى أقاليم اقتصادية مترابطة، بحيث تعتمد كل منطقة على مواردها وتكمل الأقاليم الأخرى؛ مما يعزز الاستقرار الاقتصادي، ويمنع النزعات الانفصالية، ويفرض تعاونًا بين مختلف المكونات السكانية داخل كل إقليم.
إصلاح نظام التعليم
إلى جانب إعادة الإعمار المادي، يجب التركيز على إصلاح قطاع التعليم، ليكون أداة رئيسية في بناء سوريا المستقبل. التعليم الحديث يجب أن يركز على:
- تنمية مهارات التعاون والعمل الجماعي.
- تعزيز ثقافة تقبل الرأي الآخر والتعددية الفكرية.
- تأهيل الطلاب وفق احتياجات سوق العمل، بحيث يتم تخريج كفاءات قادرة على المساهمة في إعادة الإعمار.
يعد التعليم استثمارًا طويل الأجل؛ حيث يمكن أن يخلق كوادر مؤهلة تسهم في تطوير القطاعات المختلفة؛ مما يسرِّع عملية التعافي الاقتصادي والاجتماعي.
الفرص الاقتصادية في إعادة الإعمار
إلى جانب إعادة بناء المدن والقرى، تمتلك سوريا فرصًا استثمارية مهمة في مجالات أخرى، أبرزها:
الزراعة والصناعات الزراعية: يمكن إعادة تنشيط القطاع الزراعي، وربطه بالصناعات التحويلية مثل صناعة الأغذية والنسيج.
الصناعات الاستخراجية: استثمار الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والفوسفات.
الصناعات التحويلية: التركيز على تحويل المواد الخام الزراعية إلى منتجات صناعية قابلة للتصدير، مما يعزز القيمة المضافة.
البنية التحتية وإعادة الإعمار: يمكن اعتماد التصاميم العمرانية التقليدية التي تعتمد على اليد العاملة الحرفية والمواد الطبيعية، مما يخفض التكاليف ويوفر فرص عمل واسعة.
الصناعة العسكرية: يمكن استثمار الخبرات التي تطورت خلال الحرب في تصنيع المعدات العسكرية والتقنيات الدفاعية، بما يحقق عوائد اقتصادية وأمنية.
الصناعات الدوائية: تمتلك سوريا إمكانات قوية في صناعة الأدوية، ويمكن تطوير هذا القطاع ليصبح رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا.
الاستثمار في العمارة التقليدية
من الخيارات التي يمكن أن تقلل تكاليف إعادة الإعمار وتحقق فوائد اقتصادية طويلة الأمد، إحياء العمارة التقليدية، التي تعتمد على:
- استخدام مواد محلية متوافرة في الركام؛ مما يقلل الاعتماد على الإسمنت والحديد المستورد.
- توفير فرص عمل للحرفيين والعمال المهرة، مما يعزز الاقتصاد المحلي.
- تحقيق فوائد سياحية مستقبلية، حيث يمكن تسويق هذه المناطق كوجهات سياحية، تعكس التراث العمراني الفريد لسوريا.
إعادة إحياء هذا النموذج العمراني لا يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، بل يسهم أيضًا في إعادة بناء الهوية الثقافية للمدن السورية، ويجعلها أكثر جاذبية للسكان والزوار.
بهذا، يمثل التنظيم العمراني السليم مدخلًا أساسيًّا لإعادة الإعمار وتحقيق السلم الأهلي في سوريا، من خلال إنهاء العشوائيات، وتعزيز التنمية المتوازنة، وربط المدن بالموارد المحلية، إلى جانب تحسين البنية التحتية بما يضمن بيئة حضرية أكثر ملاءمة للحياة والعمل. إلا أن نجاح هذه العملية يرتبط بعدة عوامل رئيسية، أبرزها وجود بيئة سياسية مستقرة تدعم التنمية المستدامة، وإجراء إصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة لجعلها أكثر كفاءة وشفافية، فضلًا عن إشراك المجتمع في عمليات التخطيط والتنفيذ لضمان تحقيق تنمية متكاملة. كما يعد تعزيز التخطيط الإقليمي ضرورة لضمان توزيع عادل للموارد، بحيث تكون الأقاليم مكملة لبعضها البعض، مما يعزز التعاون بين مختلف المكونات الاجتماعية.
إلى جانب ذلك، فإن إصلاح نظام التعليم يمكن أن يلعب دورًا محوريًّا في إعادة بناء سوريا، من خلال تأهيل كفاءات تواكب احتياجات السوق، وتعزيز قيم التعاون والانفتاح؛ مما يسهم في سرعة اندماج الشباب في سوق العمل، ورفع كفاءة القطاعات المختلفة. أما على المستوى الاقتصادي، فإن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة، والصناعات التحويلية، والصناعات الدوائية، والاستخراجية يمكن أن يكون عاملًا رئيسيًّا في استعادة النشاط الاقتصادي، وتوفير فرص عمل واسعة. كما يمكن الاستفادة من التطورات التي شهدها قطاع الصناعة العسكرية خلال الحرب، عبر توجيهه نحو إنتاج تقنيات دفاعية متطورة تحقق موارد إضافية للدولة.
من ناحية أخرى، يشكل إحياء العمارة التقليدية فرصة اقتصادية وسياحية مهمة؛ حيث يعتمد هذا النمط العمراني على المواد الطبيعية المتوافرة محليًّا، مما يخفض التكاليف، ويوفر فرص عمل للحرفيين، إلى جانب إمكانية استثماره لاحقًا في القطاع السياحي، من خلال تسويق المدن السورية التاريخية كمواقع جذب سياحي. كما أن تطوير قطاع النقل واللوجستيات يمكن أن يعزز موقع سوريا الجغرافي، عبر تحسين الموانئ، والمطارات، وشبكة الطرق؛ مما يسهم في تسهيل حركة التجارة الإقليمية، وتنشيط قطاع الخدمات المرتبطة بالنقل والتخزين.
بهذه العوامل مجتمعة، يمكن لسوريا أن تبني نموذجًا تنمويًّا متوازنًا يحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويعيد تشكيل بنيتها الحضرية وفق أسس حديثة، تضمن تحقيق تنمية مستدامة طويلة الأمد.
خاتمة
تواجه سوريا في مرحلة ما بعد انهيار نظام الأسد تحديات اقتصادية معقدة تتداخل مع الأبعاد السياسية والاجتماعية والأمنية؛ مما يجعل عملية إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية مهمة شاقة تتطلب رؤية إستراتيجية شاملة وإصلاحات مؤسسية جذرية. لقد أدى الصراع المستمر إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية، وانهيار القطاعات الإنتاجية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مما فرض تحديات كبيرة على جهود إعادة بناء الاقتصاد وتحقيق الاستقرار الاجتماعي. وفي ظل هذه الأوضاع، يصبح من الضروري تبني نهج متكامل يقوم على إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، ومحاربة الفساد، وتحقيق الشفافية، إلى جانب تفعيل دور القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمارات المحلية والدولية، لضمان تحقيق نهضة اقتصادية مستدامة.
إن تجاوز هذه التحديات يتطلب أولًا إصلاحًا مؤسسيًّا واسع النطاق، يهدف إلى تحسين كفاءة مؤسسات الدولة، وتقليل الفساد، وتعزيز الإنتاجية، وخلق بيئة قانونية وإدارية تدعم التنمية الاقتصادية. وقد أثبتت التجارب الدولية أن النجاح في تحقيق تنمية مستدامة مرهون بوجود مؤسسات حكومية قوية ومرنة، قادرة على استيعاب التحولات الكبرى، وتحقيق تكامل فعال بين القطاعين العام والخاص. ولذلك، فإن إصلاح القطاع الحكومي، وإعادة هيكلته، وتطوير القوانين الاقتصادية والإدارية سيكون أمرًا بالغ الأهمية في دفع عجلة التعافي الاقتصادي.
إلى جانب ذلك، يشكل تعزيز المشاركة المجتمعية عاملًا رئيسيًّا في إعادة الإعمار؛ حيث لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون إشراك المجتمعات المحلية في اتخاذ القرار، وإعطائها دورًا فاعلًا في صياغة سياسات إعادة الإعمار. إن تجارب الدول الخارجة من الحروب تؤكد أن إشراك الفئات المختلفة في عملية التنمية، سواء من خلال المجالس المحلية المنتخبة أو المنظمات المدنية أو القطاع الخاص، يسهم في تعزيز الشعور بالملكية الوطنية لعملية إعادة البناء، مما يقلل من فرص الفساد وسوء الإدارة، ويضمن تنفيذ المشاريع بما يخدم المصلحة العامة.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن تنشيط القطاعات الإنتاجية يمثل ركيزة أساسية لإعادة الإعمار؛ حيث توفر قطاعات مثل الزراعة والصناعات التحويلية فرصًا كبيرة للنمو السريع، نظرًا لانخفاض تكلفة إعادة تشغيلها، وقدرتها على توفير فرص عمل واسعة. فالزراعة، التي كانت تشكل في السابق جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي، يمكن أن تعود بسرعة إلى لعب دورها الحيوي إذا تم دعمها بسياسات حكومية مدروسة، تشمل توفير التمويل، وتحسين تقنيات الإنتاج، وتوسيع الأسواق التصديرية. كما أن الصناعات الغذائية، والنسيجية، والدوائية، التي تمتلك سوريا فيها خبرات متراكمة، يمكن أن تكون من أول القطاعات التي تعود للحياة، نظرًا لقدرتها على توفير منتجات أساسية تحتاجها السوق المحلية، مع إمكانية التصدير إلى الأسواق المجاورة.
إضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في قطاع البنية التحتية يمثل ضرورة ملحَّة؛ إذ لا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو في ظل ضعف شبكات الطرق، وانقطاع الكهرباء، ونقص الخدمات الأساسية. ورغم أن إعادة تأهيل البنية التحتية تتطلب استثمارات ضخمة، فإنها تعد من أكثر القطاعات القادرة على جذب التمويل الدولي، خاصة إذا ما تم تقديم مشاريع استثمارية جذابة للقطاع الخاص، تشمل إعادة تشغيل الموانئ والمطارات، وتطوير شبكات النقل، وبناء المدن الحديثة التي تستوعب العائدين من الخارج.
ولا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار دون التطرق إلى التخطيط العمراني كأداة لتحقيق السلم الأهلي والتنمية المتوازنة. فقد كشفت الحرب عن الحاجة الماسَّة إلى إعادة تنظيم المدن والقرى بطريقة تمنع العشوائيات، وتعزز العدالة في توزيع الخدمات، وتخلق بيئة حضرية مستدامة تدعم الاقتصاد المحلي، وتحسن جودة الحياة. إن تطبيق نموذج تخطيط إقليمي يأخذ بعين الاعتبار التنوع الجغرافي والاقتصادي لسوريا، ويعمل على تحقيق تكامل بين الأقاليم المختلفة، قد يكون أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق تنمية متوازنة، تمنع تركز الاستثمارات في بعض المناطق على حساب أخرى، وتسهم في خلق فرص اقتصادية متكافئة لجميع السوريين.
كما أن الاستثمار في رأس المال البشري من خلال إصلاح قطاع التعليم والتدريب المهني يعد ضرورة لتحقيق تنمية مستدامة، حيث إن إعادة بناء الاقتصاد لن تكون ممكنة دون وجود كفاءات مؤهلة في مختلف المجالات، قادرة على قيادة عملية الإعمار، والمشاركة في إدارة المشاريع التنموية. إن إصلاح التعليم ليتوافق مع احتياجات السوق، وإدخال تقنيات حديثة في التدريب المهني، وإعادة ربط الجامعات بمؤسسات الإنتاج، سيكون له دور حاسم في تسريع عملية التعافي الاقتصادي، وتقليل معدلات البطالة بين الشباب.
إلى جانب ذلك، فإن سوريا تمتلك فرصًا واعدة في مجالات مثل السياحة، خاصة مع وجود مواقع أثرية فريدة، ومناخ متنوع، وبنية ثقافية غنية يمكن استثمارها في تنشيط السياحة الداخلية والدولية؛ ما يسهم في توفير مصادر دخل إضافية، وخلق فرص عمل في قطاع الخدمات. كما أن التطورات التي شهدها قطاع الصناعات العسكرية خلال الحرب يمكن توجيهها نحو إنتاج تقنيات دفاعية متطورة، تحقق مكاسب اقتصادية للدولة، وتسهم في تعزيز الأمن الوطني(41).
إن إعادة إعمار سوريا بعد الحرب لا تعني فقط إعادة بناء ما تهدم، بل تمثل فرصة فريدة لإعادة هيكلة الاقتصاد بطريقة أكثر استدامة، والتخلص من التشوهات التي عانى منها الاقتصاد السوري لعقود، سواء من حيث سيطرة الدولة على الأنشطة الاقتصادية، أو تفشي الفساد، أو انعدام الشفافية. ومن هنا، فإن المرحلة القادمة يجب أن تركز على تبني سياسات تنموية تعتمد على التخطيط الإستراتيجي، والاستفادة من الموارد المتاحة بطريقة أكثر كفاءة، مع تعزيز الإصلاحات القانونية والإدارية لضمان بيئة استثمارية مستقرة، قادرة على جذب رؤوس الأموال، وتحفيز النشاط الاقتصادي.
في النهاية، يمكن القول: إن نجاح سوريا في تجاوز التحديات الاقتصادية بعد انهيار نظام الأسد، وتحقيق إعادة إعمار فاعلة، مرهون بمدى قدرتها على تنفيذ إصلاحات شاملة في مختلف المجالات، تبدأ بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، وتمكين القطاع الخاص، والاستثمار في رأس المال البشري، وتنشيط القطاعات الإنتاجية، مع تبني نموذج تخطيط إقليمي وعمراني مستدام، يضمن توزيعًا أكثر عدالة للموارد، ويعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وفي حال تم تبني هذه الإستراتيجيات بجدية، يمكن لسوريا أن تحقق نهضة اقتصادية حقيقية، تنقلها إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو المستدام.
المراجع
(1) Samer Hamati, computing pre-conflict poverty data in Syria, School of Economics and Management, Universidade do Minho, Portugal, 2019, page4, https://bit.ly/4h5YiHT.
(2) Silvia Redaeli and others, Assessing the Extent of Monetary Poverty in the Syrian Arab Republic after a Decade of Conflict, World bank, مارس/آذار 2024, P20, https://bit.ly/4i0LTq3.
(3) UNDP, The Impact of the Conflict in Syria: A Devastated Economy, Pervasive Poverty and A Challenging Road Ahead to Social and Economic Recovery, نيويورك، 2025, P.32.
(4) مستقبل التهدئة في إدلب بعد سنتين على توقيع مذكرة موسكو، جسور للدراسات، مارس/آذار 2022، أين تاريخ الدخول؟، https://bit.ly/3QXpgqx
(5) يتوقع أن خمسة من أصل كل عشرة شباب سوريين لا يملكون عملًا يدر عليهم دخلًا، وهي إحصائية كنت قد أجريتها على عينة من الشباب في شمال سوريا، ولكن هذه العينة لا تمثل بقية المجتمع، ففي مناطق النظام تنحصر الأعمال في القطاع العسكري وبعض مؤسسات الدولة، وقد أظهر التقرير الاقتصادي الموحد لعام 2024، الصادر عن صندوق النقد العربي، الصفحة 64، أن البطالة في سوريا فاقت 30% في عام 2019، راجع: https://bit.ly/4bsJRMU
(6) “سوريا ترفع الأجور بنسبة 50%”، العربية نت، فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/3QJyzu9
(7) هذا ما قدرته عدة دراسات في أوقات مختلفة، أبرزها دراسة أحمد الراغب التي نشرت في موقع اقتصاد في سبتمبر/أيلول 2016، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4kmVLfp
(8) للمزيد، راجع ما نشرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فبراير/شباط 2023، https://bit.ly/3D74Ech.
(9) لقاء مع وزير الكهرباء السوري، عمر شقروق، الجزيرة مباشر، 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، https://www.youtube.com/watch?v=r4gC9r96gjA
(10) قطاع الكهرباء في سورية بعد عقد من الحرب: تقييم شامل، سنان حتاحت وكرم شعار، معهد الجامعة الأوروبية، سبتمبر/أيلول 2021، ص11، https://cadmus.eui.eu/handle/1814/72182
(11) مقابلة مع وزير الصحة، ماهر الشرع، قناة الغد، 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، https://www.youtube.com/watch?v=CZQN5g7hbCw.
(12) “التربية السورية تكشف عدد المدارس المتضررة”، نورث بريس، 14 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4i1w42s.
(13) الكتاب الإحصائي الصادر عن المكتب المركزي للإحصاء لعام 2022، يشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في 2021 يقدَّر بحوالي 26 تريليون ليرة سورية، أو ما يساوي حوالي 8.9 مليارات دولار على أساس أن سعر الدولار 3000 ليرة سورية، يمكن المراجعة من خلال الرابط: http://www.cbssyr.sy/yearbook/abstract2022.rar
ولكن على جانب أخر، يشير البنك الدولي في قاعدة بياناته حول سوريا، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا يقدَّر بحوالي 23 مليار دولار، يمكن المراجعة على الرابط: https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD?locations=SY
ويتوقع الباحث أن الظروف الاقتصادية تحسنت بشكل ملحوظ في 2024 وذلك تبعًا لانحسار الأعمال العسكرية وتحسن الوضع الأمني، ودخول استثمارات للشمال السوري، والاستثناءات من العقوبات التي صدرت عن الدول الغربية، مما يجعل الناتج المحلي يتحسن في 2024.
(14) بيانات البنك الدولي، نمو الناتج المحلي الإجمالي، سوريا، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2025)، الرابط:
https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.KD.ZG?locations=SY
(15) حسابات الباحث بالاستناد لتطور عدد السكان داخل سوريا.
(16) المكتب المركزي للإحصاء، إحصاءات التجارة الخارجية، ملخص 1981-2011، الرابط: http://cbssyr.sy/trade/Foreign-Trade/2011/Trade-State1.htm
(17) المصدر السابق.
(18) كنت قد سمعت من أستاذي الدكتور أديب ميالة عند تعيينه حاكمًا لمصرف سوريا المركزي عام 2005 أنهم يحافظون على احتياطي نقدي يقترب من 21 مليون وهو ما يغطي الصادرات مرتين ونصفًا إلى ثلاث مرات أحيانًا، ثم انخفضت هذه الاحتياطات، ثم بقي الباحث متابعًا لهذا الاحتياط وأصدر أكثر من دراسة تشير للأرقام المقدرة من قبل الباحث منها: بحث المشهد الاقتصادي السوري 2022، جسور للدراسات، فريق البحث في المركز، 2022، ص 10، الرابط: https://jusoor.co/storage/posts/almshhd-alsory-aaam-2022/almshhd-alsory-aaam-2022-nhayy.pdf
وفي أواخر 2024، أعلن رئيس الوزراء، السيد محمد البشير، أن احتياطي المركزي هو 200 مليون دولار فقط، للمزيد راجع تصريحات الوزير في ما نقله تليفزيون سوريا عنه، 17 ديسمبر/كانون الأول 2025، الرابط:
(19) بالاعتماد على الموازنات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية، ويشار إلى أن هذه الموازنات (باستثناء موازنة 2011) كلها موازنات تخطيط، وليست حسابات قطع، مما يعني أن الموارد هي تقديرات وليست وقائع.
(20) للمزيد حول الأرقام الصادرة من البنك الدولي MENA Quarterly Economic Brief, January 2016: The Economic Effects of War and Peace, World Bank, 2016, link:
https://www.worldbank.org/en/region/mena/publication/mena-quarterly-economic-brief-january-2016
(21) مجلس الأمن يعلن انتهاء ولاية لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتعويضات عن الأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت، الأمم المتحدة، فبراير/شباط 2022، الرابط:
https://news.un.org/ar/story/2022/02/1094702
(22) “مجلس الأمن الدولي يمدد العقوبات على السودان”، فرانس 24، 9 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4h2Aq84
(23) مؤشر الشفافية الدولية، سوريا 2024، https://www.transparency.org/en/countries/syria.
(24) مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن صندوق هيرتاج، 2024، https://www.heritage.org/index/pages/all-country-scores.
(25) مؤشر ممارسة الأعمال حول الإجراءات الحكومية الملائمة للنشاط الخاص، البنك الدولي، قاعدة البيانات، 2019، https://bit.ly/4inauF7
(26) للمزيد راجع تقرير الإيسكوا الصادر عام 2021، بعنوان: Towards an Arab governance index، صفحة 29، الشكل رقم 4، https://bit.ly/4koGWZA
(27) راجع مؤشر الفساد عند منظمة الشفافية الدولية، الصين، https://www.transparency.org/en/.
(28) فيصل المناور، وآخرون، “نموذج مقترح لإصلاح المؤسسات العامة في الدول العربية”، مجلة التنمية والسياسات الاقتصادية، المجلد الحادي والعشرون، العدد الثاني، 2019. وللمزيد حول تجارب بعض الدول في الإصلاح الإداري يمكن العودة إلى: مصطفى يوسف كافي، “الإصلاح والتطوير الإداري”، دار رسلان، سوريا، 2018.
(29) للمزيد حول التجربة الماليزية راجع: محسن صالح، “النموذج السياسي الماليزي وإدارة الاختلاف”، مركز الجزيرة للدراسات، 2012، https://bit.ly/4brxrEW
(30) موقع جامعة دمشق، لقاء مع عميد كلية الآداب عدنان مسلم، 2022، https://bit.ly/3QKTVY7.
(31) صفحة الكلية على منصة التواصل الاجتماعي – فيسبوك، 2023، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/3Xr82p8
(32) المكتب المركزي للإحصاء، “الكتاب الإحصائي السنوي لعام 2023″، الحسابات القومية، جدول الناتج المحلي الإجمالي بسعر السوق حسب القطاع، http://cbssyr.sy/.
(33) نفس المصدر السابق.
(34) “القطاع الزراعي في سورية”، حزب الدستور السوري، 9 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/41Gm0pB
(35) أحمد أحمد وراميا الجبيلي، “التنبؤ بإنتاج حليب الأبقار في سورية”، مجلة جامعة البعث، المجلد 43، العدد 26، 2021، https://journal.homs-univ.edu.sy/index.php/Economy/article/view/477/446.
(36) “الثروة الحيوانية في سورية تتراجع 40%”، صحيفة تشرين، 7 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://tishreen.news.sy/?p=890007
(37) الاتحاد العربي لمنتجي الأدوية والمستلزمات الطبية، سوريا، أغسطس/آب 2024، https://bit.ly/41mfJhH
(38) “صناعة الأدوية في سورية: النمو والتحديات”، سيريان بيديا، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://syrianpedia.com/pharmainsy/.
(39) Syrian Cities Damage Atlas, UNITAR, 2019, https://bit.ly/41rFBIL.
(40) المكتب المركزي للإحصاء، التقسيمات الإدارية لعام 2012، الرابط: http://cbssyr.sy/yearbook/2013/Data-Chapter1/TAB-1-1-2013.pdf
(41) “طائرة الشاهين تقلب الموازين في سورية”، فراس كرم، المجلة، 30 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4h74lfo