ملخص:

تهدف هذه الدراسة إلى معالجة ما قدمه الباحثون الأجانب والمغاربة من مقاربات معرفية ومنهجية حول الحركات الاحتجاجية في المغرب، وتسليط الضوء على هذه الكتابات؛ وتعتبر هذه الثنائية محلي/ أجنبي حاضرة في تناول المجتمع المغربي والنظريات التي فسرته، ولقد حاول الاثنان الأجنبي والمحلي تفسير الفعل الاحتجاجي بوضع تصورات منهجية ومعرفية للتنظير للحركات الاحتجاجية، كما تظهره مجموعة من الأدبيات والدراسات التي تنتمي إلى مختلف فروع العلوم الاجتماعية. ولعل اختلاف رؤى ومنطلقات الفهم بين الاتجاهين، وتوجيه الأدبيات الداخلية انتقادات للتنظير الخارجي، يعد عملية أساسية حيث يشكل الترابط والاتساق بين الاثنين ضرورة ملحّة، في فهم الحركات الاحتجاجية في البيئة المغربية المعاصرة؛ كما أن التعاقب الزمني لهذه الدراسات سيوفر إمكانات متعددة للتفسير والنقد والتعقيب لدى الباحثين المغاربة المهتمين بموضوع الحركات الاحتجاجية؛ مما يوجِد التراكم المعرفي والعلمي حول ظاهرة الاحتجاجات المغربية.

الكلمات المفتاحية: المغرب، الحركات الاحتجاجية، المقاربات المعرفية، الأجنبي، المحلي.

Abstract

This study aims to examine the epistemic and methodological approaches offered by both foreign and Moroccan researchers regarding protest movements in Morocco, while highlighting these writings. The local/foreign dichotomy is present in the analysis of Moroccan society and the theories used to explain it. Both foreign and local scholars have sought to interpret protest actions by developing epistemic and methodological frameworks for theorising protest movements, as seen in various literatures and studies from different branches of social sciences. The differences in perspectives and starting points between the two approaches, along with critiques from domestic literature of external theorisation, are essential. The relationship and coherence between the two are vital for understanding protest movements in contemporary Morocco. Furthermore, the chronological development of these studies offers multiple opportunities for interpretation, critique and commentary by Moroccan researchers focused on protest movements, contributing to the accumulation of knowledge and scholarship on the phenomenon of Moroccan protests.

Keywords: Morocco, protest movements, epistemic approaches, foreign, local

_____________

* د. حسناء بيشردان، باحثة في القانون العام والعلوم السياسية، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء.

مقدمة

انبثقت فكرة الاشتغال على هذا الموضوع، بعد الاطلاع على مجموعة من المقالات المنشورة في موضوع الداخلي والخارجي، ويتعلق الأمر بمقالة لجون بيار أوليفي ساردون (Jean-Pierre Olivier De Sardan) تحمل عنوان الداخلي(1)، ومقالة للأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي بعنوان “الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية خطوة في طريق تأسيس خطاب أنثروبولوجي مستقل”(2)، ومقالة للباحث منير السعيداني معنونة بـ”التذويت والموضعة: الداخلي والخارجي في التحليل العلمي الاجتماعي(3)؛ فقد شكلت هذه الأدبيات السابقة حافزا أساسيا لخوض البحث والتمحيص في الموضوع، والبحث في الإرث الخارجي والداخلي، الذي يقصد به إنتاجات الأجنبي حول الحركات الاجتماعية بالمغرب ومحاولة التأسيس لها، في مقابل إنتاجات وطنية يحاول بعضها معارضة ما أنتجه بعض الباحثين خارج المغرب سواء تعلق الأمر بالكولونياليين أو بباحثين آخرين في فهم الفعل الاحتجاجي بالمغرب، ومحاولة تجميع مختلف الكتابات التي تطرقت للموضوع بشكل مباشر أو غير مباشر. ويعد هذا الأخير الطابع المهيمن. والمعرفة الأبستمولوجية لتفكيك الحركات الاجتماعية بالمغرب، عملية أساسية للفهم والتفسير العميق، باستحضار مجموعة من المحاولات العلمية في هذا الجانب سواء في الحقل المعرفي الأنثروبولوجي أو في السوسيولوجيا والتاريخ.

ومعلوم أن موضوع الفعل الاحتجاجي والحركات الاجتماعية شكل مادة أساسية للبحث العلمي الأكاديمي والعلمي، بحثًا عن سبر أغوارهما واختبار نظريات خلال دراساتهما، فقُدمت مادة خام في الموضوع انطلاقا من الألفية الثالثة التي عرفت بروز أبحاث وتقارير في موضوع الحركات الاحتجاجية بالمغرب، لتزيد حدة هذه الأبحاث بعد 2011.

وعرفت ثنائية “داخلي” (emic)/”خارجي” (etic) قمة استعمالها منذ زمن في الأنثروبولوجيا الأنغلوسكسونية، وهي لا تزال تستخدم، ليس في الحقل الأنثروبولوجي وحده، بل في جميع الحقول المعرفية. ويقول كينيث لي بايك (Kenneth L.Pike) في هذا الصدد “يمكن أن ننعت وجهة نظر بالخارجية أو بالأجنبية عندما يقف المحلل “بعيدا” أو خارجا بالقدر الكافي عن ثقافة محددة لمشاهدة أحداثها المعزولة…، مقارنة بأحداث تنتمي إلى ثقافات أخرى. وعلى العكس تكون المقاربة (داخلية) عندما تكون صالحة أساسا للغة أو لثقافة واحدة فقط… إنها محاولة لاكتشاف نمط لغة معينة أو ثقافة ما. ومعايير الخارجي تبدو مطلقة بينما تتمتع معايير الداخلي بقدر أكبر من النسبية”(4).

وتكمن أهمية الأجنبي والمحلي في الاتساق والجمع بينهما، قصد إنتاج معرفة معتمدة على توصيفات من الداخل ومن الخارج، تؤدي إلى تكامل معرفي اتجاه الظاهرة المدروسة، وتظهر هذه الثنائية بشكل جلي في موضوع الحركات الاجتماعية والحركات الاحتجاجية حيث يبقى الذاتي-الموضوعي والداخلي-الخارجي في تحليل الحركات الاجتماعية عنصرا أساسيا(5).

والجدير بالذكر أن الوقوف عند تقديم بعض المداخل التي قدمها الأجنبي والمحلي في تناول الحركات الاحتجاجية بالمغرب، هو محاولة لإثارة الموضوع والجدل المعرفي الذي عُرف في حقبة زمنية تتسم بنوع من التوتر تجمع الباحث المحلي مع الباحث الأجنبي، إذ قدم الأول نقدا بناء لكل ما يثار بدون الاستعانة بالميدان، في حين بقي الثاني المورد الأساسي للبحث في الموضوع، وبالتالي يمكن رصد التنظير الخارجي والداخلي للحركات الاحتجاجية بالمغرب، من خلال ما قدمه الأجنبي في هذا الموضوع، ثم كيف واجه المحلي هذا التنظير، وكيف أخذ به، وانطلق منه لبناء معرفة داخلية محلية، كما أن إنتاجات الأجنبي وإنتاجات المحلي توفر معرفة متناسقة ومتكاملة.

إن هذه الثنائية لم تخرج عن نطاق ما عرفته النظرية الانقسامية من تعقيب ونقد؛ لذا يجب وضع الدارس لهذا المقال في الإطار الذي يتم فيه تناول الموضوع، تفاديا للفهم الخاطئ الذي سيقوده إلى التساؤل عن مآل الأطروحات والدراسات والأبحاث والتقارير والكتب التي أنتجها باحثون وأكاديميون مغاربة في هذا المجال. ونحن لم نغفل هذا الإطار بل حاولنا رسم بعض المباحث الكبرى لحضور الفعل الاحتجاجي في ثنائية الأجنبي والمحلي في فترات فكرية معينة، لها سياق خاص، حيث عرفت الحركات الاحتجاجية حضورا بارزا في الحقل الأكاديمي والبحثي، نظرا إلى الأبحاث التي أصبحت موضوعا لها، والإشكاليات التي يتم عرضها للبحث.

وعلاوة على ذلك سنطرح مجموعة من التساؤلات لمعالجة هذا الموضوع: ما هي المداخل التي انطلق منها الباحث الأجنبي للتنظير للفعل الاحتجاجي بالمغرب؟ وما هي المنطلقات التي اتخذها الباحث المغربي (المحلي) للرد على المعرفة التي قدمها الأجنبي؟ وما هي معايير الاتساق بينهما؟

أولًا: الأجنبي والفعل الاحتجاجي بالمغرب

شكَّل الإرث الكولونيالي والأبحاث الأجنبية حول المغرب أحد أهم المراجع والمصادر البارزة، نظرا إلى ما توفره من معطيات ومعلومات تمكن من الاطلاع على الواقع الاجتماعي للبلاد من حيث البنية والتنظيم، بالرغم من إسهاب الملاحظات والانتقادات الموجهة إلى الكتابات التي أنتجها الأجنبي حول المغرب، لكن تبقى للإنتاجات المحلية مكانة هامة نظرا إلى ما قدمته من أبحاث إثنوغرافية ومعطيات ميدانية حول المجتمع المغربي.

وتفيدنا هذه الأبحاث والدراسات التي قدمها باحثون أجانب، سواء في فترة الاستعمار أو ما بعده، في تفسير وفهم المجتمع المغربي في مختلف الحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى فهم العلاقة بين الفرد والمجتمع وعلاقتهما بالسلطة. ومن هنا سننطلق لاستدعاء الخارجي لدراسة علاقة المجتمع بالسلطة من منطلق الظاهرة الاحتجاجية والحركات الاجتماعية بالمغرب، للتعرف عليها من خلال ما كُتب في هذا الإطار في زمن الاستعمار وزمن الاستقلال. ونحن نرى أن ما قدم في هذا الشق أساس لتفسير وفهم وتأويل الفعل الاحتجاجي بالمغرب بحضوره كفعل جماعي داخل المجتمع.

وتبقى أهمية الأجنبي أساسية في دراسة أنساق المجتمع وفهم بنية السلطة وما يطبعها من صراع وفوضى وتوافق ووحدة واستقرار، والإلمام بتركيبة الفاعلين في الحقل السياسي، وكيفية تدبير شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما تتيح هذه الدراسات فرصا لمعالجة طبيعة السلطة السياسية، وأهمية الوظيفة الدينية ودورها في الحفاظ على الاستقرار؛ مما ينتج التوازن بين المجتمع والسلطة.

إن التنظير الخارجي للاحتجاج والتمرد بالمغرب لا ينفصل عن المقاربة التاريخية للقبيلة والمخزن كمدخل أساسي لقراءة الفعل الاحتجاجي المغربي، وما عرفته الفترة الممتدة من 1894 إلى 1912 وهي مرحلة حاسمة في تاريخ “مؤسسة المخزن” والقبيلة بالمغرب، وذلك بفعل التحولات في بنية السلطة والتراتبية الاجتماعية، وتأثر علاقة القبائل بالسلطة المركزية. وقد شهدت هذه المرحلة أحداثا هامة، تغيرت فيها أحوال المخزن والرعية، بفعل الضغوط الخارجية والداخلية، واشتداد المنافسة بين الدول الاستعمارية على احتلال البلاد؛ مما أثر سلبا في العلاقات بين السلطة المخزنية والمجتمع(6)، ونتج عنه انفلات بعض القبائل من السلطة المركزية وبروز ثنائية قبائل المخزن وقبائل السيبة.

وقد أدى تزايد الضغط الجبائي خلال عهد العزيز الأول 1880-1900 إلى تمرد القبائل جراء تعسفات السلطة؛ فوقعت إضرابات وانتفاضات، أزّمت الأوضاع الداخلية والخارجية للمجتمع المغربي في تلك الفترة. وإذا كانت الجباية قد شكلت نقطة تصادم واضطرابات بين بعض القبائل والمخزن قرونا طويلة، فإنها ظهرت بشكل كبير في القرنين التاسع عشر والعشرين، إذ برزت بشكل كبير في عهدي المولى عبد العزيز (1894-1908)، والمولى عبد الحفيظ (1908-1912) تزامنًا مع تزايد التدخل الأجنبي في شؤون البلاد، وضعف سلطة المخزن، وعدم قدرته في حالات عديدة على بسط سيطرته على مجموع الرعايا المغاربة(7).

إن انفلات علاقة بعض القبائل بالمخزن، وتصادمهما، باشتداد الضغط الجبائي والتعسف واستفحال مالية المخزن، ساهم في ارتفاع وتيرة الاضطرابات القبلية والتمردات وزاد خطورتها؛ فأصبحت تلك التمردات أهم عواقب الضغط الجبائي بسبب فشل السياسة الجبائية والتسخيرية التي نهجها المخزن. ويمكن إرجاع حركة التمرد إلى ثلاثة عوامل أساسية تتجلى في: مسألة البيعة، والإرهاق الجبائي، ثم صراعات حكام القبائل المحليين فيما بينهم(8).

تعددت المدخلات المساهمة في نشوب الصراع بين القبائل والمخزن، وكانت لها انعكاسات عديدة أهمها ظهور فئة من الأعيان وممارستها لحيف جبائي داخل المجتمع، ودخول فئة من الأعيان في صراع مع السلطة المركزية، للاستيلاء على أراض وممتلكات؛ مما زاد تفاقم الوضعية المالية للمخزن، إضافة إلى الحركات المعارضة للسلطة المركزية التي كانت عاملا رئيسيا في استنزاف مالية المخزن وتراجعها، وأهمها حركة الجيلالي الزرهوني (بوحمارة) ومخلفاتها على الجانب المالي للمخزن بارتباك هذه البنية باعتبارها معارضة تمردية قوية ضد السلطة المركزية.

إن حركة الانتفاضات هذه لم تكن موجهة، في عمومها، ضد المخزن ورئيسه السلطان، بل كانت موجهة أساسا ضد القادة الجائرين. فهي لم تكن تعبر عن رفض لسلطة المخزن، بقدر ما جسدت عنفا مضادا لتعسف القادة، كما ساهمت أيضا صراعات العديد من القادة فيما بينهم في الإضرابات القبلية، وعرقلتها لمحاولات المخزن لوضع حد لمجموعة من الصراعات والانتفاضات(9).

وقد ظهرت زعامات محلية تمتعت بنفوذ وهيبة سمحا لها بإعادة إنتاج رموز السلطة المركزية؛ مما طرح رهانا على المخزن كسلطة مركزية لاحتواء هذه الزعامات(10)، حيث أصبحت هذه الفئات تحظى بمكانة داخل المجال المحلي(11)، ومن ثم صارت تحديات أمام المخزن، وهو ما دفع المخزن إلى التنقل بشكل كبير والتحرك ميدانيا، في تنقلات وحركة مألوفة، الغرض منها التقرب إلى الفئات التي تشكل تحديا كبيرا له، في صنع تمردات وانتفاضات. وهكذا أصبحت سلطة منافسة، ساهمت في تقسيم المجال إلى بلاد المخزن وبلاد السيبة، نتيجة مجموعة من العوامل التي ساهمت في تزايد حدة الصراع والتمرد وأخفق المخزن في إيجاد حل لها، وتتجلى في غياب العدالة الجبائية حيث لم تشمل كل الفئات المكونة للمجتمع المغربي، بل اقتصرت على إعفاء فئات مثل الشرفاء والمرابطين ورجال الزوايا والعلماء، كما أن هناك أيضا تفاوتا بين القبائل في الأداء الجبائي.

ويقول إدموند دوتي (Idmond Doutté) إن تعبير تعارض بلاد المخزن مع بلاد السيبة، غير صحيح؛ لأن المغرب يخضع بدرجات وأشكال متفاوتة لتأثير سلطة المخزن. واستطرد موضحا عدم دقة محاولات رسم خريطة للمغرب تبين المناطق الخاضعة للسلطة والمناطق المتمردة عليها؛ لأن المفهوم الأوروبي للإمبراطورية يختلف جذريا، عن المفهوم الإسلامي، حيث إن الأوربيين يفكرون انطلاقا من مفاهيم الحدود الترابية، بينما يفكر المسلمون انطلاقا من مفهوم بيعة السكان للسلطان”(12).

وبالتالي، ساهمت الدراسات والأبحاث التي قدمها الأجنبي في تقديم تلميحات حول الاستقرار المغربي وضبطه بواسطة العرف والقانون ولو في قلب الأزمات والتمردات، مثل التمردات التي عرفها الريف المغربي خلال السنوات الأولى من الاستقلال، وهذا ما بينه إرنست غيلنر (Ernest Gellner) بقوله “منذ استقلال المغرب عام 1956، وقع عدد من الثورات الريفية الثانوية نسبيا، في مناطق الريف الأساسية. فالمغرب دولة مستقلة مرت بفترة استعمارية مختصرة (1912-1956)، وهي ذات بناء اجتماعي هو خليط غريب من مجتمع قبل صناعي وجزئيا مجتمع حضري، به قطاع حديث برز بسرعة خلال الحكم الأجنبي. وعدد سكانها الحالي هو 11.5 مليون نسمة، حوالي نصفهم (لا أحد يعرف بالضبط) من البربر ورجال القبائل الريفيين الذين حافظوا بشكل جيد على التنظيم القبلي. وبقية السكان هم العرب من سكان المدن والريف (دون ذكر الأقليات اليهودية والأوروبية)”(13).

إن معالجة إرنست غيلنر للانتفاضات والتمردات في الريف وعرضها للدراسة والبحث، ربط إمكانية فهمها بتفسير السمات التي وصفها بأنها “غريبة ومدهشة”، ومنها على حد وصفه(14):

أ- تتحطم الانتفاضات بسهولة جدا، وهذا أمر مدهش بالنظر إلى تاريخ المغرب في الماضي؛ حيث يعامَل قادة التمرد، عند القبض عليهم، بتسامح. ورغم أنهم يُسجنون فترات غير محددة، فإنهم لا يُقتلون. وهذا أمر غريب عجيب.

ب- أن الانتفاضات عموما لا معنى لها، بالمعنى الحرفي للعبارة. فمثلا: رجال القبائل من الذين يدعون أنهم أنصار شخص ما يقومون بانتفاضة أو تمرد بينما يكون ذلك الشخص في منصب رسمي، لنقُل رئيس وزراء. أو كمثال آخر: يدعي قائد ريفي أنه من أنصار أحد أفراد الأسرة الحاكمة ويقوم بتمرد، فيقوم هذا الفرد نفسه بإخماد التمرد الذي قام به من يدعون أنهم أنصاره، وقاموا بالتمرد نصرة له.

ولا تبدو هاتان السمتان محيرتين جدا لمن على دراية بماضي المغرب: لكن على الأقل من أجل المجادلة فقط، يجب أن أسأل عما إذا كانت هذه السمات عجيبة جدا بحيث يمكن قبولها حتى في ضوء التاريخ المغربي الحديث(15).

لم يكتف أرنست غيلنر بهذا القدر فيما يخص دراساته لنماذج من تمرد الريف المغربي، بل عمل على رصد مجموعة من التفسيرات الخاطئة التي قدمت في هذا الإطار، والتي يراها لا تحمل الصواب في فهم وتفسير هذه التمردات، واتخذ مجموعة من التفسيرات الصادرة من طرف: المستمع والقارئ، والصحافيين، المستوطنين الأوروبيين في المغرب، والمراقبين من خارج المغرب، وتفسيرات متقدمة بين المغاربة أنفسهم.

وعرض غيلنر مختلف التفسيرات لتمردات الريف، التي اعتبرها خاطئة في تفسير نماذج من تلك التمردات، واستُقبل طرح غيلنر بالنقد والتعقيب وتفسيرات مغايرة ومخالفة.

ارتأينا عرض هذه التفسيرات الخاطئة التي قدمها غيلنر وعقب عليها بتقديم تفسيرات يراها أقرب إلى الصواب، قصد إيضاح أن الخارجي الدارس للمجتمع المغربي عموما وبالأخص للتمرد والانتفاض، لا يمكن القول إنه يستهلك كل ما قدم من التفسيرات عن المجتمع المغربي دون اختبارها ومساءلتها سواء تعلق الأمر بالتفسيرات التي طرحها الأجنبي أو التي أنتجها أفراد المجتمع المحلي. وبالتالي تبقى إنتاجات الأجنبي أساسية فيما يخص تقديمه لتوصيف ورؤى وتفسيرات التمرد بالمجتمع المغربي. وتعد هذه التوصيفات التي عرضها أرنست غيلنر قيمة مضافة ومدخلا أساسيا في فهم الظاهرة الاحتجاجية بالمغرب؛ إذ تبقى المقاربة التاريخية أساسية في فهم الأفعال الجماعية. ومن بين هذه التفسيرات نذكر:

– التفسيرات المفضلة عند الصحافيين الذين يعلقون على الشؤون المغربية، ولا يحاولون أن يفكروا فيها بمنطق متجانس. فهذه الشؤون لم تكن قط عقلانية أو قابلة للمنطق العقلاني. فهي أمر خاضع للشخصيات والعواطف اللاعقلانية والحوادث وغيرها… ولا توجد تفسيرات ممكنة أو مطلوبة لسلوك هؤلاء الناس. وعقب غيلنر على هذه التفسيرات بقوله “ورغم أن هذا التفسير سطحي وخاطئ أو مغلوط فإن التكرار هو الذي يرغم الصحافيين أنفسهم على تقديم مثل هذه التفسيرات المغلوطة، عندما يحاولون تقديم نوع من الوصف المتجانس، وهذا أمر في غاية الأهمية”(16).

_ تفسير يفضله المراقبون من خارج المغرب، وهو تفسير يرى أن هذه التمردات الريفية إنما هي محاولات من طرف رجال القبائل لتغطية استقلالهم القبلي السابق. ويدين هذا التفسير بجاذبيته السطحية إلا أنه يتناسب مع صورة نمطية واسعة الانتشار وشعبية عن البربر، ورجال القبائل عموما، بوصفهم قساة أقرب إلى النبيل المتوحش ويكرسون حياتهم للتقاليد القبلية ويحرصون على الحفاظ عليها في نقائها من أجل بقاء بيئة إثنوغرافية رافضة لأي تدخل خارجي على الإطلاق.

ويرى غيلنر “أن هذا التفسير يجتذب بشكل جزئي خصوم المغرب الجديد المستقل الذين سيرحبون بأي عمل من شأنه أن يظهر عجزه عن الحفاظ على ولاء رعاياه. وأضاف “في الحقيقة، أنا واثق في ضوء سمات وخصائص هذه الانتفاضات الريفية، بأن الملاحظة الميدانية والاعتبارات العامة، ستوضح أن هذا التفسير خاطئ. وحينما قدم رجال قبائل الريف في أكبر انتفاضة قائمة شكاوى للحكومة المركزية، فإن القائمة كانت تشمل شكوى بأن المنطقة تشكو من قلة الإدارة والإهمال. وحينما وُوجه رجال القبائل ببدائل للتقاليد وذُكِّروا بمحاسن وفوائد التحديث والتصنيع، تصرف رجال قبائل المغرب هؤلاء بحسب وجهات نظر السيد تشارلز سنو بدلا من وجهات نظر الدكتور ليفيز: بغض النظر عن ماهيتها، هي ببساطة ليست حركات من أجل إعادة الماضي”(17).

لذا لا يمكن فهم مظاهر الصراع بين المجتمع والدولة، دون الرجوع إلى التاريخ القديم وما راكمته البنيات التقليدية من انتفاضات وانقسامات، دارت بين المخزن والقبيلة، كما عرفت فترات الاستعمار مقاومة ضد المستعمر، في حين أن الأفعال الاحتجاجية التي شهدها المغرب عقب الاستقلال والتي اتخذت طابعا عنيفا وتمردا، بسبب الصراع بين المؤسسة الملكية والمعارضة، تقتضي فهما واسعا وليس ضيقا، من خلال ما قدمه الأجنبي من تفسيرات ومقاربات معرفية مهمة.

وبالتالي يمكن ملامسة حدود التوافق بين المقاربة التي قدمها غيلنر وما قدمه هانك جونستون (Johnston Hank ) في تناوله لذخيرة الاحتجاج فيما قبل الدولة الحديثة بقوله “تتوافق ذخيرة الاحتجاج قبل الحديث مع شكل من المجتمع كان يتصف أساسا بأنه مجتمع ريفي، محلي، زراعي تقليدي، يعرف درجة واضحة من التدرج الاجتماعي، […] فإن الاحتجاج في المجتمع قبل الحديث كان محليا، ومحدودا في حدوثه الزمني، كما كان في الغالب يتم على نحو درامي لأنه يتشكل عبر فعل مباشر يعبر عن مطالب ومظاهر حرمان”(18)، وتزيد حدة التقارب عندما يطرح هانك جونستون نماذج من احتجاجات عرفها مجتمع ريفي محلي أدت إلى انقسام بين الدولة الوطنية والمجتمع المحلي.

ولقد اهتم الدارسون الكولونياليون والأنجلوساكسون بدراسة الحقل السياسي المغربي في فترة الاستقلال، ولاسيما ما يتعلق بإشكالية علاقة السلطة بالمجتمع، بتفكيك طبيعتها ومحدداتها، وكيفية تدبيرها، والصراع بين النخب السياسية والسلطة، وكيف حاولت المؤسسة الملكية استقطاب النخب القروية، وإفشال المعارضة عن طريق إحداث انقسام وتوتر داخلها لإضعاف دورها بوصفها فاعلا معارضا ينافس السلطة.

تعتبر النظرية الانقسامية أحد أهم النماذج النظرية التي اعتمدها بعض الباحثين قصد تفسير الحقل السياسي المغربي وما يدور داخله، ثم إعادة النظر في الاحتجاج وما يجعله لا يصل إلى ذروته أو تحوله إلى ثورة، وهذا ما طرحه جون واتربوري (John Waterbury) في كتابه أمير المؤمنين والنخبة السياسية بالمغرب، ويقول في هذا الصدد “تكمن الحياة السياسية في المغرب إذن في جو الأزمة والتوتر، والمناوشات المستمرة بين الوحدات السياسية، وكل ذلك يساهم في واقع الأمر في الاحتفاظ بتوازن المجتمع، وإعادته عند الضرورة”(19).

لا يمكن إغفال طرح واتربوري في دراسته للحقل السياسي بالمغرب تطبيقا لمنظور الانقسامية التي وظفها في معالجته النخب السياسية والطبقة الحاكمة، والسلوك الاحتجاجي، وحضرت أطروحته بشكل كبير في دراسة الحقل السياسي المغربي وفق الطرح الانقسامي، رغم ما عرفه الصراع من تغيير، مشيرا إلى أنه “تتغير أطراف النزاع والصراع لأن هدفه لم يعد حل نزاعات وخلافات قبلية موزعة على أرجاء البلاد، وإنما أصبحت الخلافات تتم في مستوى أعلى، ويتعلق الأمر بالأحزاب والتنظيمات والنقابات أي بالنخبة السياسية الوطنية أي التي تؤثر في صناعات القرار”(20).

وتظهر أهمية هذه الخلافات على النظام السياسي، وكيف عملت المؤسسة الملكية على توظيفها من أجل حماية مكانتها وضمان بقائها، في الوقت الذي عرفت منافسة من أحزاب سياسية تنافسها على السلطة كالتنافس بين حزب الاستقلال والمؤسسة الملكية، هذا ما يوضح طرح جون واتربوري في مسألة عمل الملك على إحداث انقسام داخل النخبة السياسية. أي النخبة التي يراها تشكل عنصرا أساسيا في إثارة الشغب، سواء تعلق الأمر بالنخبة الموالية للملك أو النخبة المعارضة(21).

  وترى إحدى الباحثات أن مما يبرر الانقسام، حسب جون واتربوري، عجز النظام عن إدخال تغييرات جذرية. ذلك أن “النظام الانقسامي يسعى باستمرار إلى تحقيق توازن داخلي” لا يحدث إلا في حالات نادرة ويتعذر الحفاظ عليه مدة طويلة. لكن ذلك لا يمنع من انعدام توازن دائم لفائدة عناصر معينة داخل النظام. فعلى غرار ما يحدث داخل القبيلة، كلما أحرز أفراد أو جماعات امتيازا يهدد التوازن على صعيد النخبة السياسية، تتحالف الوحدات الأخرى “لموازنة أو تحطيم السلطة المتراكمة” من جراء ذلك. لذا يرى جون واتربوري أن المشاركين في اللعبة السياسية داخل نظام انقسامي ينظرون إلى السلطة من زاوية سكونية”(22).

ومن بين الخلاصات التي توصل إليها جون واتربوري “أن احتجاجات المغاربة ليست في آخر المطاف سوى زوبعة في فنجان، على اعتبار أن المغرب السياسي يعيش ركوده وثباته منذ 1956 وأن النخب لا تلبث أن تعيد إنتاج ما ترسمه الدولة في هذا المجال، في غياب تام لأي استحضار فعلي للجماهير(23).

وفي السياق نفسه، يرى رىمي لوفو (Rémy Leveau) “أن المؤسسة الملكية تعمل على التقرب من النخب القروية، بدعم النخب المحلية واستقطاب طبقات اجتماعية أخرى كان من الممكن أن تنضم هي أيضا إلى الاستفادة من الإصلاحات”(24)، وذلك مخافة صعود النخب السياسية الحضرية بشكل يؤثر في مكانة المؤسسة الملكية، فالحفاظ على استمراريتها يتطلب منها العودة إلى استعادة النخب المحلية القروية لتكون منافسا آخر في الساحة السياسية، وهو ما سيكون له دور في إخفاق المعارضة.

وهكذا يعتبر التنظير الأجنبي للمجتمع المغربي ضمن الممكنات البحثية المتاحة لاكتشاف المجتمع المغربي على مستوى البنية والنسق؛ لذا لا يمكن تجاوز المعرفة الأجنبية حول المغرب باعتبارها معطى أوليا يفتح الباب أمام التنظير الداخلي للعمل على إنتاج أبحاث ودراسات، انطلقت من الأدبيات السابقة المتوفرة سواء باعتماد النقد أو التقييم؛ مما يساهم في تعميق الرؤية حول البنيات السياسية والبنيات الاجتماعية والبنيات الثقافية، والعلاقة التي تجمع بين المجتمع والسلطة من جهة، ومن جهة أخرى يساعد على الفحص والتنقيب أكثر عما يتميز به النظام القديم والنظام الحديث باعتبارهما ثنائيتين بارزتين يمكن إدراجهما في إطار التقليد والتحديث والثابت والمتحول.

ثانيًا: الأبحاث المغربية والبحث عن توصيف المحلي

يتطلب التنظير والبحث في موضوع الحركات الاجتماعية والأفعال الجماعية بالمغرب العودة إلى ثنائية منهجية مهمة وهي المحلي والأجنبي، وذلك قصد رصد التعارض الذي يظهر أحيانا والذي يتبناه المحلي في تضاد مع الأجنبي، وذلك بهاجس البحث عن معرفة سوسيولوجية وأنثروبولوجية محلية، ويبقى هذا الأمر ساريا على أغلب الموضوعات التي درسها الأجنبي في فترات زمنية معينة، أو بالأحرى الأبحاث والدراسات التي أعادت توظيف بعض النظريات أبرزها الانقسامية في دراسة المغرب.

      ويبقى الاحتجاج والانتفاض من ضمن الموضوعات التي عرفت هذا النقاش، وبالتالي لا يمكن تناولهما دون تقديم قراءات وملاحظات أنتجها المحلي في هذا الإطار، وانطلقت أحيانا من مجموعة من الانتقادات لأطروحات وكتابات الخارجي، وخاصة في توظيفه النظرية الانقسامية كبراديغم تفسيري للمجتمع المغربي في مختلف الجوانب، وامتدادها إلى تفسير ودراسة الحقل السياسي المغربي وأشكال الصراع التي يعرفها وكيف يحافظ النظام على مكانته واستقراره الأمني.

وإن الخوض في تناول المحلي ومساهمته في هذا الحقل دراسة وبحثا وتدقيقا وتفسيرا، يستدعي عرض ردوده على ما أنتجه الأجنبي وبالأخص في تناول الكتابات والدراسات المعتمدة على النظرية الانقسامية في التفسير والتحليل، وقد لقيت هذه النظرية كما هائلا من النقد والتقييم.

 وبالتالي لا يمكن تناول التنظير الخارجي بمعزل عن النقاش والجدال العام الذي خاضه المحلي في البحث عن إيجاد نماذج نظرية لتفسير المجتمع المغربي مستمدة أصولها من الداخل، وذلك لاعتبارات عديدة أهمها نقد الإرث الكولونيالي وما يحمله من إثنوغرافية وإثنولوجية وأنثروبولوجية، باعتباره لم يخل من الإيديولوجية، ولم يتسم بالجدة في التنظير والبحث والتنقيب العميق؛ مما شكل منطلقات أساسية لنقد النظرية الانقسامية، والبحث عن الذات لدى المحلي لدراسة المجتمع، قصد وضع إرث أنثروبولوجي وسوسيولوجي مغربي خالص، له مرجعية مستمدة من المعرفة المحلية، وتؤسس لمفاهيم مستمدة أصولها من بيئتها بحثا عن نماذج نظرية منبثقة من الواقع المعيش.

إن مفهوم الداخلي حسب جون بيار أوليفي دي ساردون(25) يحمل في الأنثروبولوجيا ضمنيا ما بين مستوى واحد إلى أربعة مستويات متضادة أو بالأحرى متراكبة، بشكل إما تناوبي وإما متزامن، وذلك تبعا للسياقات، أو بحسب المؤلفين.

– يمكن أن يحيل مفهوم “الداخلي” إلى خطابات وكلام الذوات والمخبرين.

– يمكن أن يحيل مفهوم “الداخلي” إلى التمثلات التي تحملها الذوات من منظور أنثروبولوجي، هو في نهاية المطاف قريب جدا من المعنى الذي يمكن أن تحمله كلمة “تمثلات اجتماعية” في علم النفس الاجتماعي.

– يمكن أن يحيل مفهوم “الداخلي” إلى بنى عرفانية، وإلى المبدأ الذي تقوم عليه أساليب التفكير وأساليب الفعل. إنها إذا مقبولية بنيوية، ونحن ضمن سجل ما هو مسلم به.

وبناء على هذه المعاني التي أعطيت لمفهوم الداخلي، يمكن استنطاق هذا المفهوم في حقل العلوم الاجتماعية بالمغرب، بالرجوع إلى ما كتبه عبد الله حمودي في هذا الباب خاصة عند تناوله لثنائية “الداخلي” و”الخارجي” في دراسة القبيلة، إذ يرى “أن هناك عددا من الأنثروبولوجيين الذين استعملوا المعرفة المكتوبة باللغة العربية إضافة إلى التقاليد الشفوية، لكن هذه المحاولات بقيت محدودة، وتركت المسألة التي تعنيها برمتها جانبا، ونعني بذلك المكانة “الإبستيمولوجية” للمعرفة التي أنتجتها منطقتنا”، مضيفا “أما الذين يجمعون الشفوي والكتابي، فإنهم يكتفون في الغالب باستكمال واحد بالآخر من دون تفكير واع في العلاقة بين الاثنين. في هذه النقطة، يمكن الرجوع إلى بيرك وكويزينيي ودريش وغيرهم. لكن هؤلاء اكتفوا باستعمال الوجهين في توثيقاتهم، لم يقابل يوما تراث المنطقة ومفاهيمه بالتقليد الأنثروبولوجي ومفاهيمه”(26).

هذا إضافة إلى كون بعض الباحثين يرون أن منظري الانقسامية اكتفوا بالتركيز على تأثير الانقسام في التماسك الاجتماعي ودور الإسلام في نسخته الإصلاحية في ذلك. ولم يهتموا كثيرا بسيكولوجية الفرد في المجتمعات القائمة على التضامن الآلي(27).

وهذا ما دفع عبد الله حمودي إلى صوغ مشروع فكري انطلق من البحث الميداني قبل الخوض في مصاعبه، للبحث من الداخل في إنتاج خطاب أنثروبولوجي محلي، كما يمكن تمديد العملية نفسها إلى ميدان العلوم الاجتماعية برمتها”(28)، ولقد كانت فكرة تهميش تراث المنطقة ومفاهيمهما(29)، حاضرة عند مجموعة من الباحثين والمفكرين المغاربة (عبد الكبير الخطيبي ومحمد عابد الجابري وبول باسكون وعبد الله العروي وعبدالله حمودي، وأحمد التوفيق) الذين يتفقون على فكرة مفادها أن المجتمع المغربي بحاجة إلى دراسات وأبحاث من الداخل تراعي خصوصية المجتمع والثقافة المحلية من حيث الخطاب والمفهوم.

وذلك في مقابل، ما أنتجه الأجنبي من نظريات وأطروحات تعالج المجتمع المغربي، فكان بناء معرفة محلية هاجسا فكريا يراود مجموعة من الباحثين المغاربة يطمحون لوضع نماذج وأطروحات بديلة مبنية وفق مناهج علمية تخدم الموضوعية عوض الإيديولوجية؛ مما أدى إلى نقد بعض الكتابات حول المغرب وبالأخص المعتمدة على النظرية الانقسامية، واتخذوا مجموعة من الأسباب مبررات لذلك، على أساس أن ما قدمته النظرية الانقسامية تعتريه مجموعة من النقائص، فواجهت كلًّا من غيلنر وهارت وآخرين مجموعةٌ من الانتقادات في توظيفهم لهذه النظرية في دراسات البنيات الاجتماعية بالمغرب، ولا تزال تواجه الأبحاث التي أنجزها الباحث الأجنبي على البيئة المغربية، مجموعةٌ من القراءات والأسئلة والانتقادات المتعددة من حيث المضمون والمفهوم والنظرية والمنهج. يقول إرنست غيلنر “كانت الدراسات الاجتماعية والإثنوغرافية الفرنسية في شمال إفريقيا من وضع ضباط عسكريين وموظفين إداريين. رافقت هذه الدراسات الاستيلاء على شمال إفريقيا، فهي كانت نوعا من التجسس في العمق وكانت مصممة للحكومة”(30).

أما رأي عبد الله العروي في الأبحاث والدراسات الكولونيالية فكان ذا حمولة نقدية قوية تحمل في عمقها رفضا ومعارضة لما كتبه الكولونياليون عن المغرب وتجريده من العلمية انطلاقا من طبيعة مؤلفيه (هم عسكريون، موظفون…)، وواجه هؤلاء الكتاب بقوله “من سوء حظ المغرب أن تاريخه كتبه لمدة طويلة هواة بلا تأهيل: جغرافيون أصحاب أفكار براقة، موظفون يدعون العلم، وعسكريون يتظاهرون بالثقافة، ومؤرخون … يتجاوزون اختصاصهم، وبكيفية أعم مؤرخون بلا تكوين لغوي يحيل بعضهم على الآخر، يعتمد هؤلاء على أولئك، وتحبك خيوط مؤامرة لتفرض الافتراضات البعيدة كحقائق مقررة”(31)، ويكمن سبب ضعف جدة الكتابة (الكولونيالية) بالمغرب، بمساهمة الانغماس في المسؤوليات داخل الإدارة الاستعمارية لدى بعض الباحثين في نقل الكتابة السوسيولوجية والإثنوغرافية من التعاطي العلمي الموضوعي إلى احتراف تزييف الوعي، أي وعي الذات ووعي الآخر(32)؛ مما يتطلب الرؤية من الداخل كبديل لفهم البنيات الاجتماعية والسياسية للمجتمع المغربي، وهو ما يحتاج حسب عبد الله حمودي إلى منهج يعتمد على الإرث الداخلي لتوليد المفاهيم انطلاقا من نقد الخطاب الأنثروبولوجي الغربي ومقابلته بالتراث العربي والأمازيغي لمنطقتنا(33)، واتهم هذه النظرية بضعف المنهج العلمي والمفاهيمي. من جانبه اعتبر عبد الكبير الخطيبي أن “الانقسامية هذيان منهجي”(34)، ورأى أنها “ليست إلا وهمًا إبستيمولوجيا”(35).

 كما انتقد أحمد التوفيق توظيفات كلمة “السيبة” في بعض الكتابات الأجنبية إذ رأى أنها نفخت في استعمالها قصد الطعن في فعالية الدولة في حين أن الانتقادات ذات النزعة الوطنية جاءت ردودا إنكارية قاطعة وبين الحدين توجد “السيبة” أو “السائبة” أمرا واقعا كمصطلح له أصله وتخصصه وكوضعية لها جذورها في نمط اقتصاد معين وفي طبيعة دولة لا تتوفر إلا على وسائل محدودة”(36).

وبناء عليه، لا يمكن فهم الظاهرة الاحتجاجية والسلوك الاحتجاجي لدى المغاربة وعلاقتهم بالفضاء العمومي خارج نسق القبيلة وبنيتها لأن هذه الأخيرة كانت عنصرا أساسيا في البحث في تأريخ الانتفاض في المغرب، تحديدا لعلاقتها مع المخزن، ويستدعي الأمر الرجوع إلى الشق الأنثروبولوجي والسوسيولوجي لمعرفة الثابت والمتحول، مما ينفع في تحليل موضوع بحثنا الذي يتميز بتحول مجتمعي من جهة، ويتخذ طبيعة المجتمع وخصوصياته من جهة ثانية.

ولهذا يعتبر التطرق إلى رؤية المحلي ومعارضته أحيانا لأطروحة الانقسامية عنصرا أساسيا ليس فقط في فهم تحولات المجتمع، بل أيضا في فهم وتفسير وتقديم تحليل دقيق لما يعرفه المجتمع المغربي من تحولات وحركية في موضوعات وظواهر عدة أهمها: الاحتجاج والانتفاض والحركات الاجتماعية، هذه الموضوعات التي تتميز بديناميات المجتمعات وتحولاتها.

يعتبر موضوع دراسة المغرب من طرف “المحلي” قصد تقديم تنظير مغاير لما قدمه الأجنبي من تفسيرات وتحليلات تدرس المجتمع المغربي، من الموضوعات التي تجري عملية إعادة طرحها في الحقل الأنثروبولوجي والسوسيولوجي؛ ولهذا أصبحت المناداة بالتنظير من الداخل أحد الموضوعات التي تعلو داخل الحقل الأكاديمي المغربي، وأهمها موضوع الاحتجاج فأصبحت دراسات وأبحاث تتدفق بشكل كبير في هذا الميدان، بتقديم إطارات نظرية ودراسات إمبريقية، استعانة بأطر نظرية للحركات الاجتماعية والفضاء العمومي.

 غير أنه لا يمكن الحديث عن القطيعة مع التنظير الخارجي للمجتمع المغربي، بل هناك تقاطع ونقط تلاقح إما بالقبول أو الرفض.

عرفت فترات الستينيات والسبعينيات عدة محاولات من الباحثين المغاربة لدراسة الحقل السياسي المغربي وما يعرفه من توترات غير أن الأبحاث المتعلقة بالحركات الاحتجاجية والأفعال الجماعية ظلت ضئيلة في ذاك الوقت، بسبب إكراهات الواقع وما يعرفه من السلطوية التي لها أثر على الكتابة في قضايا ذات ارتباط بالحقل السياسي.

وهذا لا يحد من أهمية المحلي في هذا الموضوع وما أنتجه من دراسات مهمة وقفت عند مجموعة من المواضيع مثل: المجتمع المدني، الحركات الاجتماعية، السلطة، الصراع، الحقل السياسي، وتذكر أيضا فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينات باعتبارها أزمنة عرفت انتفاضات عديدة، وفترات ليست عادية بغض النظر عن علاقة المجتمع بالدولة وما يطبعها من توترات وصراعات، وبالتالي لا يمكن إغفال هذه الفترات في دراسة الإشكاليات السياسية بالمغرب بما فيها الأفعال الجماعية، فهي حلقة وصل تاريخية تمهد لمعرفة التطور الذي شهده المغرب مجتمعا ودولة.

تستدعي دراسة المقاربات والأطروحات المفسرة للفعل الاحتجاجي بالمغرب عدم إغفال السيرورة التاريخية له في فترات تاريخية مهمة، تعتبر حلقات أساسية في فهم الثقافة الاحتجاجية بالمغرب، وعلاقتها بالسلطة، وكيف تظهر الصراعات، وطبيعة العلاقة بين القبائل والمخزن، وظهور ثنائية قبائل المخزن وقبائل السيبة، مرورا بفترة الحماية والاحتجاج والمقاومة، ثم الدخول إلى الاحتجاج في الفكر الكولونيالي والفكر المغربي المعاصر، والمقاربات التي يحملها، ومنطلقات تفسير ودراسات الحركات الاجتماعية بالمجتمع المغربي، بفهم حيثيات الصراع السياسي والاجتماعي في فترة الاستقلال، ويقترن تفسير حرية الاحتجاج في ثالوث: الدولة، الحرية، القانون.

وفي السياق ذاته الرجوع إلى تاريخ المغرب الذي لا يخلو من المؤسسات والتنظيمات التقليدية “القبيلة، أجماعة، الحنطة”، هذه المؤسسات التي تتميز باختلاف أدوارها وتوزعها بين تضامنية، تشاورية تنظيمية، وتسيير جماعي، كما يحضر العرف بقوة في تسيير المجتمع، ويعتبر حسب الأستاذة رحمة بورقية: “قانون استراتيجية يتم بواسطتها الحفاظ على تلاحم النظام القبلي (وكان) هما إيديولوجيا أكثر من أن يكون واقعا، لذلك كان العرف تعبيرا عن هذا التلاحم وفي نفس الوقت واجهة للدفاع عما يهدد كيان هذا التضامن”(37)، لأنه من الصعب فهم سياق الصراع الاجتماعي بالمجتمع المغربي دون تحديد علاقة الفرد بالمجتمع وعلاقة القبيلة بالسلطة، حيث تتجلى العلاقة في هذه المجتمعات في العلاقات الوشائجية والروابط ذات الصلة بالمجال والدم.

وهذا ما يدخل في سلطة الموروث، حسب ما ذهب إليه عبد الإله بلقزيز في هذا الصدد “سلطة الموروث الاجتماعي: التعايش بين البنى التقليدية الموروثة، والبنى الحديثة في الاجتماع العربي، وما يوافقه وينجم عنه من تداخل بين علاقات النظام الاجتماعي القديم وعلاقات النظام الاجتماعي الحديث في بنية اجتماعية واحدة، تم التجدد المستمر لمفعول علاقات البنى التقليدية في الاجتماع السياسي العربي المعاصر”(38).

 كما أن التحديث والتقليد حاضران في التحدث عن الأشكال الاحتجاجية بالمغرب التي لا يمكن تقييدها في ظل التقليد والموروث ولا يمكن عزلها وفصلها عن هذه البنيات، ويظهر الأمر بشكل جلي في تدبير الحركات الاحتجاجية بتدخل المجتمع باستعمال طرق أساسها نابع من البنى الاجتماعية والثقافية للمجتمع المغربي، وذلك مما تعرفه السلطة من مرجعيات مزدوجة، حسب ما أكده الأستاذ محمد الحبابي “فالسلطة في المغرب وعبر مر التاريخ مقيدة، ذلك أن سلطة السلطان لم تكن تخرج عن شرطين أساسيين هما: الإسلام والتقاليد المغربية”(39).

 

ثالثًا: المحلي والأجنبي: بين الترابط والاتساق

وفي محاولة لسبر أغوار هذا الموضوع، يمكن القول بأن المحلي والأجنبي يشكلان ثنائية أساسية في فهم الحركات الاحتجاجية في المغرب كعنصر أساسي داخل الموضوعات الشاملة المتمثلة في المجتمع وما يضمه من أنساق متعددة، والسؤال المطروح هو: هل يمكن أن تفوق مزايا هذه الثنائية –إذا استخدمت بحذر واعتدال- سلبياتها؟ الجواب هو “نعم”(40)، وذلك بالعمل على الاتساق بين الاثنين على أساس خال من أحكام مطلقة ومبني على إبستيمولوجية تطبيقية خالية من الطرح الإيديولوجي والنزعة الوطنية والهوياتية، لأن الانغلاق على المعرفة الداخلية ورفض ما قدمه الأجنبي عن المغرب بنية ونسقا، يمكن أن يسبّبا عرقلة مسار إنتاج معرفة خالصة مفسرة للواقع المعيش، وأقصد هنا بالضبط موضوع الحركات الاجتماعية والأفعال الاحتجاجية، حيث يمكن أن تنقلب هذه المعادلة إلى عكسها إذا عمدنا إلى استعمال أحد طرفي هذه الثنائية، للخوض في أي موضوع كان، أو إذا ما “لعبنا” على تعارضهما أو عدم توافقهما بدلا من تكاملهما وتداخلهما، هذا ما حدث منذ ثلاثين عاما في الأنثروبولوجيا الأميركية، حيث احتدم فترة من الزمن جدل غير موفق حول ثنائية داخلي/خارجي(41).

ما دام هناك ترابط الفهم السوسيولوجي بين الداخلي والخارجي، والذاتي والموضوعي مما يحيل إلى الفهم السوسيولوجي لهذه الثنائيات(42)، فلا يمكن الدخول في المفاضلة بين الاثنين، أو نفي أحدهما، في حين يبقى الاتساق والتكامل والتناسق بين الداخلي والخارجي عنصرا مهما في إنتاج معرفة كاملة المعالم، بما تحمله من تراكمات ذات قيمة مضافة على المجتمع موضوع الدراسة.

ويمكن أن ننطلق هنا، من التفسير الذي قدمه بايك فيما يخص التعارض بين “الداخلي” و”الخارجي” على مستوى لساني بحت، مؤكدا أنه نتاج مقاربتين مختلفين اختلافا شاسعا، غير أننا سنعمل على تجاوز هذا الطرح والعمل على مقاربة الموضوع في توجه يؤكد مدى العلاقة بين الداخلي/المحلي والخارجي/الأجنبي والذاتي والموضوعي، وفي السياق الأنثروبولوجي ذاته يمكن لمناقشة ترابط الذاتي والموضوعي أن تأخذ صيغة معالجة سؤال: كيف يتولد الموضوعي من الذاتي؟ والعكس صحيح، ففي المغرب كباقي دول شمال إفريقيا تعتبر كتابات وأبحاث الخارجي منطلقا أساسيا للداخلي في توفره على وعاء فكري ومعطيات مختلفة ومتنوعة وأبحاث إثنوغرافية، أسهمت في فتح الباب للنقد والتقييم ثم البحث عن مقاربات مغايرة لأطروحات الأجنبي وبالأخص ذات العلاقة بالطرح الانقسامي، ثم التوجه إلى التنظير من الداخل قصد بناء معرفة محلية من حيث المنهج والمضمون والمفهوم.

ويمكن ملامسة أهمية الخارجي في التنظير المحلي من خلال ما سبق تناوله من أطروحات نقدية ضد الإرث الأجنبي خاصة النظرية الانقسامية، وشكلت هذه الانتقادات والقراءات التي قدمها باحثون من الداخل نقطة أساسية تربط بين إنتاجات الداخلي والخارجي، سواء بتقبلها أو رفضها. في كلتا الحالتين، يتضح مدى الاتساق بين الاثنين فيما يتعلق بفهم وتفسير المجتمع المغربي على كافة الموضوعات وفي شتى المجالات، ثم بالأخص فيما يتعلق بفهم التوترات الاجتماعية والأفعال الجماعية والحركات الاجتماعية والاحتجاج كسلوك وفعل، ثم قبل هذا كله التمكن من فهم الانتفاض الذي عرفه المغرب في فترات مختلفة من تاريخه.

ويمكن القول إن محاولة المحلي للتنظير في حقول معرفية مختلفة تحضر عنده مفارقات (Paradox)، في دراسة المجتمع في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بحضور الثنائية كمعطى أساسي فرضه الواقع المعيش أو بالأحرى كبراديغم تفسيري للمجتمع، ويمكن فهم ذلك في ظل التحولات والاستمرارية، أي أن المجتمع المغربي مجتمع ديناميكي. وفي نفس الوقت يلاحظ أن هناك إعادة إنتاج للمعايير وقيم عديدة في الفضاء الاجتماعي بمفهوم بيير بورديو (Pierre Bourdieu).

شكل نموذج المفارقات أحد أهم المقاربات التفسيرية للفعل الاحتجاجي بالمغرب، التي اتخذت مرجعية لها من أبحاث وكتابات كل من روبير مونطاني، وجون واتربوري، وريمي لوفو، وجاك بيرك ( (Jacques Berque، بدراساتهم لطبيعة المجتمع المغربي والمفارقة التي يعرفها، وهو ما ينعكس على السلوك الاحتجاجي بالمغرب، تأثرا بطريقة عيش المغاربة، سواء في علاقتهم الاجتماعية الأفقية أو السياسية العمودية، لكونه ظل منذ قرون، محكوما بمفارقة عجيبة قوية(43)، مما يحضر في سلوكهم اليومي، لأن تاريخهم هو تاريخ الأنفة، والاستقلالية، والموت من أجل الأرض والعرض، وهو في الآن نفسه تاريخ التبعية، والخضوع واحترام التراتبية الدينية والسياسية، لأن المغربي حسب الباحث السوسيولوجي نور الدين الزاهي “يحتفل بالقوة، والبندقية، والفروسية والانتماء إلى القبيلة والجماعة، وفي الوقت نفسه من يذكر بهيبة السلطان وبشرفه، والخوف من سخطه وبطشه، يطمح في القرب منه والنهل من نعمه”(44).

 وهو ما عبر عنه عبد الكبير الخطيبي بقوله “ينمحي المغربي أمام السلطة تارة، ويتآلف معها تارة أخرى، ومن حيث كونه مسالما ومحبا للمظاهر، يغدو جافا وصامتا حين تفاجئه عاصفة الأحداث. وحين يثور، فإنه يكنس كل ما يعترض طريقه”(45).

وتوصل جاك بيرك Jacques Berque)) في بحثه على البنيات الاجتماعية للأطلس الكبير، وبالضبط في دراسته لقبائل سكساوة، إلى أن نمط عيش المغاربة يحمل مفارقة صارخة بين الحالة الاقتصادية المتميزة بالكفاف والفقر، والنظام الاجتماعي المتميز بالبذخ والترف والإسراف، ويبرز البذخ والإسراف بدءا من الإسراف في الكلام، سواء تعلق الأمر بالترحاب، أو الضيافة، أو ملء فراغات الصمت، وصولا إلى الإسراف في أنماط الحفل والاحتفال والغضب والحزن(46).

ويبرز نور الدين الزاهي أن هذه المفارقة يستعصي فهمها على الماركسية المغربية بمناضليها ومثقفيها، مما يطرح أسئلة لماذا لم ينجز هؤلاء ثورتهم، وأن تأثير هذه المفارقات سيظهر أيضا على الفئة الماركسية التي تتبنى تغييرا داخل المجتمع بتحويل وجهة الاحتجاج إلى الصدام. لهذا يمكن القول إن الماركسيين المغاربة ظلوا انقساميين حتى العظم دون شعور منهم، يثبتون الحضور المكثف والقوي للمخزن وتبعية النخب لمراميه وينشدون التغيير الجذري. غير أن التغيير الجذري لم يقع والاستمرارية ظلت حاضرة، والأنماط الاحتجاجية الصدامية كان مَآلها الاختطافات والاعتقالات ليس إلا(47).

إن توظيف سوسيولوجيا بيرك في هذا الإطار يكمن في اعتبار كتاباته منعطفا فكريا وسوسيولوجيا لكونها أوجدت تناقضات في صميم الكتابة الكولونيالية، وأبانت مأزقها، وذلك بحكم تميُّز جاك بيرك حسب ما بينه محمد فاوبار “بمنهجيته القائمة على التفهم الداخلي لثقافة المجموعات الاجتماعية، ولمنطق سلوك الفاعلين على مستوى البواعث والمقاصد في سياق التغيرات التاريخية، مدركا التفاعلات العميقة بين المجموعات الاجتماعية المتصارعة في الزمان والمكان. لذلك، تبرز لديه بالملموس كفاءة التنقيب عن الوثائق وقراءتها وترجمة معانيها بدقة، والاستقصاء الواسع والمنقطع النظير لمعطيات الميدان المتحولة باستمرار”(48).

لذا لا يمكن استبعاد ما أنتجه الأجنبي في كتابات المحلي بكونه فرضيات أولية طُرحت للبحث وتتطلب التحقق منها، عن طريق إعادة النظر في المجتمع. كما يحضر التنظير الخارجي إما للنقد أو التقييم أو الدحض أو التفنيد، أو فهم الواقعة أو الظاهرة الاحتجاجية، كبراديغم للتغيير، وما يقابله في نفس الوقت من خصوصية المجتمع تأثرا وتأثيرا بالبنى السياسية، والثقافية، والدينية، والاجتماعية، “كمنطلقات” وتمظهرات تنعكس على الحركات الاجتماعية والفضاء العمومي، وتنتج ثنائية الاحتجاج والاحتجاج المضاد.

وبالتالي، يمكن التساؤل عن مدى فعالية وجدوى التفسير النظري المحلي للحركات الاجتماعية والاحتجاجية بالمجتمع المغربي من دون استدعاء النظريات الخارجية في ذلك التفسير، وعن مسألة تكامل التفسير المنهجي والنظري بين النظريات والمقاربات المحلية والنظريات المهتمة بالحركات الاجتماعية.

لذا، لا يمكن إنكار أن ما أنتجه الخارجي ونقصد بالضبط الإرث الكولونيالي ساهم في فهم وتفسير المجتمع المغربي من جهة، ووفر أرضية علمية خصبة للبحث كانت سببا في بروز المعرفة الداخلية وإنتاج ثقافة محلية من جهة ثانية.

فكان الأجنبي سببا في التحفيز المحلي لإنتاج معرفة محلية ووعي بالذات، ومن هنا يمكن القول إن الخارجي/ الأجنبي فاعل أساسي في إنتاج الداخلي/ المحلي للمعرفة المحلية، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، لكون التراكمات البحثية والدراسات الإثنوغرافية التي أعدها الخارجي عن المغرب شكلت اللبنة الأساس لبروز المعرفة المحلية، وصعود باحثين ينادون بضرورة المعرفة المحلية أي ضرورة إنتاجات الداخلي في فهم الثقافة المحلية والمجتمع المحلي.

أما فيما يخص الأجنبي والمحلي في الحقل المتعلق بالبحث في الحركات الاجتماعية والاحتجاجات بالمغرب، فقد أسهما معا في تقديم معرفة متكاملة متسقة بوضوح في فهم الحقل السياسي والحقل الاجتماعي والحقل الثقافي المغربي، وبالرغم من التعارض الذي يطرح أحيانا كعنصر أساسي لابد منه في تناول هذه الثنائية فإن هذا لا ينفي حضور معطى الاتساق بين الخارجي والداخلي.

وبالتالي، يقع فهم وتفسير الاحتجاج المغربي بالمحلي والأجنبي، انطلاقا مما قدماه من تفسيرات في هذا الموضوع، إذ كان الثاني قد قدم الكثير في فترة الاستعمار وبعد الاستقلال مباشرة بتناول الحقل السياسي المغربي وما يعرفه من تصادمات وتجاذبات بين فواعل متعددة.

يعيش المغرب، منذ حصوله على الاستقلال عام 1956، في أجواء شهدت في بعض الفترات توترات سياسية. توجد التشكيلات السياسية باستمرار على شفا المواجهة بينها وبين القصر، لكن نادرا ما تنفجر الصراعات المفتوحة(49)، بداية بالتعارض بين الحركة الوطنية والدولة الذي كان يعكس صراعا محتدما حول السلطة؛ فالحركة الوطنية كانت تسعى للهيمنة على دواليب الدولة الجديدة، بينما كانت الملكية تسعى لتدعيم موقعها بوصفها فاعلا محوريا في الحياة السياسية، واستثمار رمزيتها الدينية والتاريخية والوطنية بأكبر قدر ممكن بهدف تهميش وتمزيق الحركة الوطنية، وبالفعل، فقد نجحت في ذلك باستلهام مشروع الحماية وإتمامه، وإن بشكل غير مباشر(50).

كل هذه المسائل ركزت عليها أغلب الدراسات الفكرية للمجتمع المغربي في تناول الحقل السياسي المغربي في جوانب متعددة، الدولة واستمراريتها، والاحتجاج في الفكر المغربي والسلطة والتسلط، إضافة إلى بناء دولة الحق والقانون، مما سيتم الوقوف عليه كمقاربات فسرت وقدمت أطروحات على فهم الاحتجاج بالمغرب والحركات الاجتماعية في ماضيها وحاضرها.

إن مسار فهم الفعل الاحتجاجي بالمغرب، نظرا إلى أن الدراسات السابقة في هذا الموضوع كلها تناولته من منظور الانتفاضة والتمرد كسلوكين عفويين وأشكال جماعية حاضرة في فترات تاريخية بالمغرب، يبدو نتيجة صراع مركب يرجع إلى أسباب سياسية واقتصادية وثقافية، عرفها المغرب في سياقات زمنية مختلفة، لم تكن مرتبطة بفترة الحماية وما قبلها، بل حاضرة في تاريخ المغرب المعاصر، الذي يقصد به هنا مرحلة ما بعد الاستقلال نظرا لما عرفه من صراع ثقافي وسياسي وأيديولوجي متنوع الأبعاد، اتخذ فيه الفعل الاحتجاجي أشكالا مختلفة ومتنوعة بحضور حركات اجتماعية وحركات اجتماعية مضادة، وتمرد وانتفاضات وعنف وعنف مضاد.

 

رابعًا: الحركات الاجتماعية بالمغرب: مبحث للتنظير والتحليل

لقد عرف موضوع الحركات الاجتماعية بالمغرب دراسات عديدة متنوعة من حيث المنهج والنظرية، تتوزع بين الدراسات النظرية والدراسات التطبيقية. واستطاعت هذه الدراسات تطبيق نظريات عديدة في هذا المجال، باختبارها وتطبيقها، فأصبح هذا الموضوع حقلا خصبا للبحث والتمحيص في مختلف الحقول المعرفية والمشارب الفكرية، ووُظّفت فيه نظريات ومقاربات لدراسة الحركات الاجتماعية بالمغرب من حيث الشكل والمضمون؛ مما أفرز ثراء علميا في هذا الموضوع، انطلق منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي ولو بشكل ضئيل، لكن شكلت هذه الفترة تصاعدا في مسار هذا الموضوع، حيث إنه من طبائع الحياة الثقافية أن يفضي السائد فيها إلى ولادة جديدة، وهذا ما كان، فقد عززت النماذج التعددية والبنيوية والوظيفية أبحاثا قادت إلى انشغالات جديدة بظواهر لم تنل من قبل سهما وافرا من التفكر والتأمل(51).

كما أصبح موضوع الحركات الاجتماعية والأفعال الجماعية مجالا للدرس والتحليل ارتباطا بالتحولات التي شهدها الحقل السياسي المغربي، بانتقال موضوع الحركات الاجتماعية من دائرة المحظور -بسبب توتر النسق والسياق- إلى دائرة المواضيع الرائجة في الفضاء الأكاديمي والسياسي والإعلامي التي تجب دراساتها.

شكلت فترة ما بعد حركة 20 فبراير منطلقا فعليا لإنماء البحث في موضوع الحركات الاجتماعية والأفعال الجماعية، وحظيت باهتمام من حيث التحليل والدرس. ويرجع هذا الاهتمام إلى العلاقة المباشرة للحركات الاجتماعية بالحقل السياسي وتأثيرها في منحى التغيير والتحول، إضافة إلى موضوع المجتمع المدني التي اكتسح مجالا واسعا في البحث الأكاديمي والاهتمام السياسي.

يلاحظ أن جميع أصناف الحركات الاجتماعية أصبحت محل الدراسة والبحث بتعدد تصنيفاتها، ولقد تمكن الباحثون المغاربة من تحقيق تراكمية بحثية لا بأس بها في هذا الموضوع، وعرضوه للمعالجة العلمية، رغم صعوبة تصنيف الحركات الاجتماعية التي شكلت مأزقا(52)، غير أنه يبقى أساسيا في فهمها، وذلك مثل باقي المجتمعات التي تجد صعوبة في إيجاد معيار موحد للتصنيف، لكن هذا لم يمنع الباحثين من دراسات مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بمختلف الحركات الاجتماعية بالمغرب، من زاوية مختلفة ومتنوعة، أعطت نماذج تفسيرية عديدة.

 إن فهم هذه التركيبة يمكننا من استنتاج علاقة الحركات الاجتماعية بالفضاء العمومي، ونستشف ما عرفته الدولة من حركات اجتماعية ذات مطالب مختلفة أيديولوجيا متصارعة أحيانا ومتوافقة أحيانا ولو مؤقتا.

وقد أنجزت أبحاث ودراسات وأطروحات في موضوع الحركات الاجتماعية بمختلف أصنافها، وقدمت مقاربات مهمة للفهم والتحليل، تناولت إشكالات مهمة: كطبيعة العلاقة بين الحركات الاجتماعية والدولة، وما تعيشه هذه العلاقة من تصادم وإنتاج العنف والعنف المضاد، وبروز الحقل والحقل المضاد، ثم دراسات معطى التوافق بين المجتمع والدولة وأثره على الحركات الاجتماعية. وفي هذا الإطار استطاع عبد الرحمن رشيق تقديم مقاربات كمية وكيفية درس من خلالها الأفعال الاحتجاجية بالمغرب، التي وضعها في فترتين زمنيتين مختلفتين: فترة ما بعد الاستقلال إلى التسعينيات وتميزت بالصراع والعنف والعنف المضاد بين الدولة والمجتمع، وشهدت أفعالا جماعية عنيفة تندرج ضمن التمرد والانتفاض، إضافة إلى انغلاق الفضاء العمومي، وتقويض الحريات. ثم فترة الانفتاح التي انطلقت من التسعينيات إلى الآن وشهدت بروز التظاهر السلمي، وانبثاق مجموعة من الحركات الاجتماعية، بسبب انفتاح الفضاء العمومي، استفادة من مجموعة من الفرص التي أتاحها السياق، كما قدم الباحث معطيات كمية وكيفية حول الاحتجاجات في المدن والقرى، وقام بعملية تفكيكية من حيث أشكال الاحتجاجات ومطالبها وتطورها(53).

حاولت الأطروحات الدارسة للحركات الاجتماعية بالمغرب عرض معرفة متنوعة في هذا الجانب، ومعالجة إشكاليات مختلفة، سواء من حيث النظرية والمنهج أو من حيث النماذج المدروسة من الحركات الاجتماعية، وأُعدت دراسات وأبحاث، وضعت توصيفا من الخارج وتوصيفا من الداخل، مما يتجلى في تفكيك بنية الحركات الاجتماعية على مستويات أعمق، اعتمدت على منطق الازدواجية بين الداخلي والخارجي.

    ولقد انطلقت هذه الأبحاث من منطلقات عديدة أهمها: استعمال المنهج التاريخي لمقاربة الفعل الاحتجاجي في فترة ما قبل الاستعمار وفي أثناء الاستعمار، وفي فترة الاستقلال إلى اليوم، عن طريق تتبع مختلف التحولات والتغيرات المرتبطة به، وعلاقتها بالفضاء العمومي. وذلك باستعمال مجموعة من النظريات في تفسير الحركات الاجتماعية والأفعال الاحتجاجية؛ مما أزاح الغبار عن الواقعة الاحتجاجية فأصبحت ملامحها ومعاييرها تظهر من خلال ما وفرته الدراسات والأبحاث المقدمة في هذا الموضوع.

فنجد اختبار مجموعة من النظريات كمداخل لتفسير الحركات الاجتماعية كنظرية الحرمان النسبي ونظرية الاختيار العقلاني، ونظرية الحركات الاجتماعية الجديدة، ونظرية الفرص السياسية، وفي هذا الصدد قدمت إسهامات معرفية ذات بعد كمي وكيفي، وقفت عند أهم الإشكالات التي تمس المستوى الداخلي للحركات الاحتجاجية المتعلق بتركيبتها وبنيتها وتنظيمها، والمستوى الخارجي المرتبط بعلاقتها بالسلطة ومآلها وواقعها في الفضاء العمومي، ومِن الباحثين مَن حاول دراسة إشكالات مركبة ومعقدة في الظاهرة الاحتجاجية، واستطاعوا بالفعل تقديم تفسيرات ومعطيات فريدة من نوعها، شكلت قيمة مضافة في الحقل الأكاديمي.

وأصبح الحقل الأكاديمي والعلمي للحركات الاجتماعية مليئا بمجموعة من المفاهيم التي تعتبر بمثابة كلمات مفاتيح أثناء تناول الحركات الاجتماعية من قبيل: التمرد، الانتفاضات الكبرى، الاحتجاج السياسي، سواعد الاحتجاج، التسلط، السلطوية، الانفتاح، الانغلاق، الاجتماع السياسي، الخطاب السياسي، الفاعلين، التعبيرات الاحتجاجية.

وحاولنا بعد الاطلاع على مجموعة من الأبحاث والدراسات المعالجة لموضوع الحركات الاجتماعية والأفعال الجماعية بالمغرب، استخلاص مجموعة من الملاحظات الأولية، تؤكد في مجملها أن هذا الموضوع يتجه نحو تحقيق تراكمية بحثية متنوعة، أغلبها موجه إلى التنظير الذي يشكل أساس البناء المعرفي في تناول هذا الحقل القائم بذاته من جهة، والمتداخل مع مجموعة من الحقول المعرفية من جهة أخرى، وشكلت الإنتاجات الأجنبية والمحلية حول الموضوع، مادة أساسية لتحليل وتفسير الحركات الاحتجاجية بالمغرب، من خلال حضور هذه المقاربات في أطروحات جامعية مهتمة بحركة 20 فبراير، والحركات الاحتجاجية التي جاءت بعدها، حيث نجد هناك على سبيل المثال لا للحصر:

أطروحة بعنوان “المحتجون في المغرب: تأثير العوامل الثقافية على الميل إلى الاحتجاج لدى المغاربة (2001-2011)”، أُنجزت باللغة الفرنسية، سعت إلى توظيف المعرفة الأجنبية والمحلية لفهم الثقافة السياسية وعلاقتها بالفردانية والجماعية. جمعت الدراسة بين التفسير النظري للمجتمع المغربي ومقاربة كمية وكيفية متكاملة، اعتمدت بشكل توليفي لتوضيح إشكالية مهمة تتعلق بالرأسمال الاجتماعي والثقة. استندت الأطروحة إلى طرح كيلنر كأساس تحليلي لفهم الموضوع بشكل أعمق؛ مما ينتج تنشئة اجتماعية وسياسية أشبه بمزروعات البستان، التي تحتاج إلى التشذيب والرعاية المحكمة، أما الثقافة السلطوية، فتشبه نباتات الأدغال التي تترعرع بشكل متوحش في أحضان الطبيعة.

 واعتمدت أيضا أطروحة الحركات الاحتجاجية بالمغرب حالة 20 فبراير(55)، على مجموعة من الإنتاجات المعرفية حول الاحتجاجات بالمغرب متوزعة إلى إنتاجات أجنبية ومحلية في فهم الفكر الاحتجاجي بالمغرب في ظل ثلاثية المخزن والقبيلة والمستعمر، وذلك بدراسة الحركات الاحتجاجية في بداية القرن التاسع عشر، وعرض مجموعة من الانتفاضات، ثم الانتقال من المقاومة ضد المستعمر إلى الاحتجاج العفوي التصادمي إلى الاحتجاج المنظم السلمي.

وهكذا يعتبر هذا الموضوع مختبرا للنظريات والمقاربات التفسيرية، نظرا لما يعرفه من التغيير والتحول بالرغم من الخصوصية التي تحكمه، وتبقى الإنتاجات المعرفية الأجنبية والمحلية مرجعا أساسيا لمعالجة إشكاليات ذات علاقة بالحركات الاحتجاجية بالمغرب، التي تناولتها مجموعة من الدراسات العلمية.

خاتمة

تأسيسا على ما سبق، شكل المغرب مختبرا خصبا لمجموعة من الباحثين الأجانب في دراسة الحقل السياسي عموما، والأفعال الاحتجاجية خصوصا، ليس فقط في مرحلة الاستعمار، بل اتضح هذا الأمر أيضا في السنوات الأخيرة، في عدد الأطروحات والأبحاث الأكاديمية التي أعدت في بلدان أوروبية وأمريكية حول الحركات الاحتجاجية بالمغرب وبالأخص في سياق حركة 20 فبراير، هذه الحركة التي رُوِّج لها علميا وأكاديميا ليس فقط على الصعيد المغربي بل حتى في جامعات دولية، وهذا ما جعل الفعل الجمعي المغربي مادة غنية ومغرية أكاديميا، جرت دراستها عبر تحليل نظري متنوع، وفق مقاربات متعددة، جمعت بين المقاربة الكمية والمقاربة الكيفية.

وإن ما قدمنا سابقا، ليس إلا مقدمة تمهيدية حول التنظير للفعل الاحتجاجي بالمغرب الذي يعد مدخلا أساسيا للمشاركة السياسية، كما أن الوقوف عند إنتاجات الأجنبي والمحلي في حقب زمنية، لا يدل على أن الفعل الاحتجاجي المغربي لا يتحرك وأنه في حالة سكون، بل شكلت معظم الدراسات والأبحاث التي ذكرناها ووظفناها للتحليل مادة مرجعية لاستقراء دلالات ومعان لمعالجة الحركات الاجتماعية بالمغرب، وكيفية تأثير طبيعة المجتمع المغربي والنظام السياسي في إضفاء خصوصية متميزة على حالة المغرب، وبالرغم من التحولات المجتمعية التي عرفتها البنيات الاجتماعية التقليدية وتأثيرها في البنيات السياسية، فإن هناك بعض الثوابت التي ظلت مستمرة عبر الأزمنة وتنتقل من جيل إلى آخر، وذلك بشكل يواكب التحولات المجتمعية.

وفي الأخير يمكن القول إن الاتساق بين المحلي والأجنبي، ساهم في تقديم مادة علمية قابلة للتحليل والنقد والتمحيص في دراسة الحركات الاحتجاجية بالمغرب، باعتبارها فعلا وحرية وسلوكا، وذلك بتوظيف العلوم السياسية والقانون العام وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، والمزواجة بين مختلف هذه الحقول، والإحاطة أيضا بتفسير الاحتجاج بمنطق رياضي كمي، يحلل وفق الإرث النظري في تفسير الحركات الاحتجاجية، وفهم المشاركة السياسية في توظيف مختلف الحقول المعرفية.

المراجع

  • جون بيار أوليفي ساردون، الداخلي، ترجمة الحبيب درويش، مجلة عمران، المجلد5 العدد 19، شتاء 2017,
  • عبد الله حمودي، الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية خطوة في طريق تأسيس خطاب أنثروبولوجي مستقل، مجلة عمران، المجلد 5، العدد 19، شتاء 2017.
  • منير السعيداني، التذويت والموضعة: الداخلي والخارجي في التحليل العلمي الاجتماعي، مجلة عمران، المجلد 8 العدد 31، شتاء 2020.
  • نقلا عن: جون بيار أوليفي ساردون، الداخلي، ترجمة الحبيب درويش، مجلة عمران، المجلد 5 العدد 19، شتاء 2017، ص 167.
  • منير السعيداني، مرجع سابق، ص 19.
  • علي بنطالب، المخزن والقبائل الضغط الجبائي وتداعياته 1894-1912، سلسلة دراسات وأبحاث رقم 34، (الرباط: مركز الدراسات التاريخية والبيئية، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، 2013)، ص 13.
  • نفس المرجع، ص 15
  • نفس المرجع، ص 277
  • نفس المرجع، ص 279 وما بعدها
  • عبد القادر بوطالب، طبيعة السلطة السياسية وأليات التغيير بالمجتمع المغربي، (تطوان: مطبعة الحمامة، 2014)، ص 57
  • نفس المرجع، ص 56
  • إدموند بورك، صورة الدولة المغربية في الأدبيات الإثنولوجية الفرنسية: رؤية جديدة حول أصل السياسة البربرية لليوطي، ترجمة المصطفى جامع ومحمد أوجطي، مجلة أمل، العدد 3 ،1993، ص 96.
  • إرنست غيلنر، مجتمع مسلم، ترجمة د. أبو بكر أحمد باقادر،(بيروت: دار المدار الإسلامي، 2004)، ص 359
  • نفس المرجع، ص 359-360.
  • نفس المرجع، ص 360.
  • نفس المرجع، ص 361.
  • نفس المرجع، ص 362-363.
  • هانك جونستون، الدول والحركات الاجتماعية، ترجمة أحمد زايد، (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2018)، ص17
  • جون واتربوري، أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية المغربية، الترجمة: عبد الغني أبو العزم، عبد الأحد السبتي، عبد اللطيف الفلق، ط3(الرباط: الناشر مؤسسة الغني، 2013)، ص 44
  • المرجع نفسه، ص 24
  • نفس المرجع، ص 316
  • ليليا بنسالم، “التحليل الانقسامي لمجتمعات المغرب الكبير، حصيلة وتقييم”، المؤلف الجماعي: الأنثروبولوجيا والتاريخ، حالة المغرب العربي، ترجمة عبد الأحد السبتي وعبد اللطيف الفلق، (الدار البيضاء: دار توبقال، 1988)، ص 26
  • نور الدين الزاهي، المغاربة والاحتجاج، مجلة وجهة نظر عدد مزدوج 19-20، ربيع وصيف 2003، ص 11
  • ريمي لوفو، الفلاح المغربي المدافع عن العرش، ترجمة محمد بن الشيخ، مراجعة عبد اللطيف حسني،(الرباط: سلسلة أطروحات وبحوث جامعية، منشورات وجهة نظر، 2011)، ص9
  • جون بيار أوليفي دي ساردون، مرجع سابق، ص 173.
  • عبد الله حمودي، الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية، مرجع سابق، ص 36
  • بن أحمد حوكا، الرأسمال الاجتماعي ورابطة العيش المشترك: دراسة في الركائز الأخلاقية والثقافية للاجتماع السياسي في المغرب، مجلة إضافات، العددان 29-30 شتاء -ربيع 2015، ص 172
  • عبد الله حمودي، الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية، مرجع سابق، ص 12
  • نفس المرجع، ص 39
  • ارنست غيلنر، المجتمع المسلم، مرجع سابق، ص336.
  • عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، ط3 (بيروت: الناشر المركز الثقافي العربي، 1992)، ص 27.
  • محمد فاوبار، سوسيولوجيا الإنتاج المعرفي الكولونيالي بشأن التربية والتعليم في المغرب، مجلة عمران، المجلد 5 العدد 17، صيف 2016، ص 87.
  • عبد الله الحمودي، الداخلي والخارجي في التنظير للظاهرة القبلية، مرجع سابق، ص 48
  • عبد الجليل حليم، البحث السوسيولوجي بالمغرب، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس، العددين الثاني والثالث، 1979، ص 25.
  • Abdelkbir khatibi ,Maghreb Pluriel,(Paris : Denoël ,1983).
  • أحمد التوفيق، المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (اينولتان 1850-1912)، سلسلة رسائل وأطروحات رقم 63، ط3،(الرباط: كلية الآداب والعلوم الإنسانية،2011)، ص 595-596
  • رحمة بورقية، الدولة والسلطة والمجتمع دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب، (بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر،1991)، ص 81.
  • عبد الإله بلقزيز، الدولة والسلطة الشرعية، (بيروت: منتدى المعارف، 2013)، ص 125
  • Mohamed Lahbabi, le gouvernement Marocain a l’aube du 20eme siècle, (rabat: technique Nord-Africaines ,1957) .

نقلا عن: عبد القادر بوطالب، مرجع سابق، ص 25

  • جون بيار أوليفي دي ساردون، مرجع سابق، ص 166
  • المرجع نفسه، ص 166.
  • منير السعيداني، التذويت والموضعة: الداخلي والخارجي في التحليل العلمي الاجتماعي، مجلة عمران، المجلد 8 العدد31، شتاء 2020، ص 9-13.
  • نور الدين الزاهي، المغاربة والاحتجاج، مرجع سابق، ص 10
  • نفس المرجع، ص 10
  • عبد الكبير الخطيبي، المغرب العربي وقضايا الحداثة،(الرباط: منشورات عكاظ، 1993)، ص 88
  • نور الدين الزاهي، المغاربة والاحتجاج، مرجع سابق، ص 10
  • نفس المرجع، ص 11
  • محمد فاوبار، مرجع سابق، ص 81.
  • جون واتربوري، مرجع سابق، ص 43
  • عبد القادر بوطالب، طبيعة السلطة السياسية وأليات التغيير بالمجتمع المغربي، مرجع سابق، ص 66
  • ثيدا سكوكبول، استعادة الدولة: استراتيجيات التحليل في البحث الراهن، ترجمة: علي حاكم صالح، مجلة سياسات عربية، العدد47، نوفمبر 2020، ص 91.
  •  عبد الرحيم العطري، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، (الرباط: دفاتر وجهة النظر،2008)، ص 44
  • للاستزادة أنظر:

– عبد الرحمان رشيق، الحركات الاحتجاجية في المغرب من التمرد إلى التظاهر، ترجمة الحسين سبحان، (الرباط: منتدى بدائل المغرب، مايو 2014).

– عبد الرحمان رشيق، المجتمع ضد الدولة الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع بالمغرب، ترجمة عز الدين العلام، (الدار البيضاء: منشورات ملتقى الطرق، 2021).

  • Ben ahmed hougua , cultur politique et action protestataire au Maroc : Incidences des facteures culturels sur la disposition à la protestation chez les Marocains (2001-2011) ,(Rabat : Université Mohammed 5-Agdal- thèse doctorat, 2018).
  • الحبيب أستاتي، الحركات الاحتجاجية بالمغرب حالة 20 فبراير، (مراكش: جامعة القاضي عياض، أطروحة دكتوراه،2017).