مقدمة

أصبحت الخوارزميات أمرًا واقعًا في بيئات عمل البيانات الرقمية المتداولة عبر محركات البحث ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. وتدور تساؤلات كثيرة حول تأثير حركة هذه الخوارزميات عبر الأحجام الضخمة من البيانات التي ترتبط حيويًّا بمعلومات خاصة بالجمهور المستخدِم لتكنولوجيا الاتصال وبرامجها المختلفة. وتهتم هذه الدراسة بإشكالية الغموض السائد حول طبيعة عمل الخوارزميات وعلاقتها باختيارات الجمهور ووظائفها المختلفة داخل بيئات التواصل الرقمية. ويستهدف البحث تقديم إجابات على التساؤلات التالية:

– ما المقصود بمفهوم “هندسة الجمهور”؟ وما علاقته بالخوارزميات؟

– ما أهم وظائف الخوارزميات داخل بيئات الاتصال الرقمي؟

– ما حدود الدور الذي تلعبه ظاهرة “فقاعة الترشيح” في توجيه الرأي العام؟ وكيف يتأثر الرأي العام مع خاصية الأكثر تداولًا “الترند”؟

– ما أهم الإشكاليات الأخلاقية المرتبطة بعمل الخوارزميات؟ وهل هناك آفاق ممكنة لحلها؟

وتتمثل أهمية هذه الدراسة في توضيح حجم التدخل والسيطرة التي تمارسها الخوارزميات في بيئات التواصل الرقمية، ومن ثم يمكن للباحثين والدارسين المهتمين بقضايا الإعلام والاتصال بل والجمهور غير المتخصص تشكيل معرفة واقعية حول هذا الموضوع. وتُعَدُّ المعرفة بآليات عمل الخوارزميات وأدوارها الممكنة في تشكيل توجهات الجمهور ذات أهمية خاصة ليس فقط لفهم وتحليل الظاهرة، ولكن كذلك للنظر فيما يمكن القيام به عمليًّا للتخفيف من الآثار السلبية المترتبة على عملها ومحاولة تجنب الإشكاليات الأخلاقية التي ظهرت نتيجة الاعتماد عليها دون تطبيق فعَّال لإجراءات رقابية أو محاسبية تحفظ للجمهور حقوقه وتدعم القيم الإنسانية الأساسية.

  1. منهج الدراسة

يعتمد هذا البحث منهجية التحليل الكيفي (Qualitative Analysis) للدراسات المهمة التي نُشرت في دوريات علمية محكَّمة خلال خمس سنوات من 2015-2019، وتم الوصول إليها باستخدام قواعد البيانات الرقمية التالية:

  • EBSCOhost’s Academic Search Premier
  • Gale Academic OneFile
  • Gale General OneFile
  • Google Scholar

ويبلغ عددها قرابة الخمسين دراسة بالإضافة إلى الاستعانة بمواد صحفية ذات صلة بالموضوع كتبها متخصصون في مؤسسات إعلامية عالمية، مثل: الجارديان (The Guardian) والبي بي سي (BBC) والإيكونوميست (Economist)، وأخرى نشرتها صحف عربية متنوعة. كما تشمل المصادر بعض الكتب التي تُؤَصِّل للمفاهيم النظرية الواردة في البحث إلى جانب بعض الرسائل العلمية الجامعية ذات الصلة بالموضوع. وقامت الباحثة باختيار الدراسات التي قدَّمت معلومات تفصيلية معمقة عن المحاور الرئيسية للدراسة، والتي تم التوصل إليها من خلال تطبيق مناهج كمية وكيفية ومسوح جمهور خلال الفترة الزمنية محل البحث. وبلغت نسبة المصادر التي تم الاعتماد عليها 90% للدراسات باللغة الإنجليزية و10% للدراسات باللغة العربية. وصنَّفت الباحثة محتوى الدراسات حسب فئات التحليل الرئيسية، والتي شملت: “فقاعة الترشيح”، و”وظائف الخوارزميات والمحتوى الرقمي”، و”هندسة الجمهور والخوارزميات”، و”الرأي العام وشبكات التواصل الاجتماعي”، و”الرأي العام وخاصية الأكثر تداولًا”، و”الخوارزميات والقيم الأخلاقية”. ثم تناولت الباحثة المحتوى المصنَّف من خلال رؤية نقدية لفهم الأبعاد الحقيقية للظاهرة ومحاولة رسم صورة واضحة للتحديات التي تفرضها الخوارزميات وآليات عملها على محتوى شبكات التواصل وجمهورها بشكل عام واستنباط الآفاق الممكنة لتجاوز الإشكاليات التي تطرحها.

  1. ماذا تعني “هندسة الجمهور”؟

ما من شك في أن الجمهور المستخدِم لوسائل الإعلام هو أحد العناصر الفاعلة في العملية الاتصالية، وقد تغيرت وضعيته التحليلية بمرور الزمن ومع التطورات المتشابكة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من كونه أحد الأطراف الممثلة لجانب المتلقي/المستهلك للمحتوى الاتصالي(1) إلى كونه شريكًا أساسيًّا وطرفًا فاعلًا في عمليات الإنتاج والتداول إلى الحد الذي أصبح معه هذا الشريك محورًا تدور حوله أفكار التطوير الشكلي والموضوعي المحتملة لواجهات الاستخدام في كافة المنصات التواصلية سواء الإخبارية أو الاجتماعية(2). وقد تضاعفت الأهمية البحثية لدراسات الجمهور مع التطورات الهائلة في تكنولوجيا الاتصال، والتي أدت إلى طفرة غير مسبوقة في تسهيل الاتصال التفاعلي بين البشر وإلى كثافة وتلاحق متسارعين في الابتكارات التقنية وتطوير المعارف والخبرات البشرية بما يُسهِّل حل المشكلات على جميع المستويات بالإضافة إلى تغير نوعي في طبيعة ممارسة الأعمال نتيجة لظهور الأدوات البرمجية التي جعلتها أكثر كفاءة وإنتاجية(3).

ويُعَدُّ مفهوم هندسة الجمهور (Engineering of Consent) أحد المفاهيم المرتبطة بدراسات الجمهور، والذي ظهر في العقد الثالث من القرن الماضي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأشار إليه بعض رواد مدرسة فرانكفورت النقدية مثل تيودور أدورنو (Theodor W. Adorno)، ثم تحدث عنه إدوارد بيرنز* (Edward Bernays)، في مقالة علمية عام 1947، وأشار إلى أنه يعني التأثير على العقل غير الواعي للجمهور من خلال عمليات اتصالية ذات أبعاد نفسية وسياسية واجتماعية تستخدم فيها تقنيات الإقناع لتحقيق أهداف محددة(4). وأضاف جوزيف كلابر (Joseph T. Klapper)، في 1948، أن المفهوم يشمل قصف الجمهور برسائل مُضَلِّلَة تتلاعب بقناعاته لخدمة قضايا مؤقتة بعينها.

وبالنظر إلى ما أشار إليه إيلي باريسر (Eli Pariser)(2011)، في كتابه “فقاعة الترشيح: ما الذي تخفيه الإنترنت عنك؟”، فإن حركات الإعجاب والمشاركة والتعليق والتدوين التي نتفاعل من خلالها مع محتوى الإنترنت، وأيضًا المدة الزمنية التي نقضيها وقيامنا بتكرار ذلك، تسهم في تعريف ملفاتنا الشخصية لدى المعلنين والمسوقين وتساعدهم في الوصول إلينا بطرق غير متوقعة. وإذا كانت هذه الدراسة تركز على علاقة الخوارزميات بتفضيلات جمهور مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي فجدير بنا تحديد المقصود بهذا المصطلح والمعاني المرتبطة به.

مبدئيًّا، فإن الخوارزميات هي ببساطة برمجيات صُمِّمَت لتحقيق مهام معينة(5). والبرنامج كما هو معروف تتم كتابته بإحدى لغات الحاسب كمجموعة من التعليمات أو الخطوات المتتابعة، والتي تتضمن مجموعة من الاحتمالات بغرض الوصول لهدف محدد هو في حقيقته “الوظيفة” التي من أجلها تم تصميم هذه الخوارزمية/البرنامج. وتشمل الخوارزميات تنفيذ كافة المهام الحسابية والمنطقية البسيطة والمعقدة التي يمكن للحاسب القيام بها من توفير آلية الجمع والطرح إلى فَلْتَرَة الكلمات التي يُدْخِلُها المستخدمون في محركات البحث وربطها بنوعيات محددة من المحتوى. وكأي برنامج يقوم بوظيفة محددة، تخضع الخوارزميات لعمليات تحديث مستمرة من جانب المُطوِّرين لتحسين آلية عملها في تحقيق الأهداف المطلوبة.

ويؤكد خبراء الخوارزميات أنها أصبحت كائنات مستقلة موازية للإنسان في التحكم في العالم الذي نعيش فيه، والملاحظ أن عملها خارج عن نطاق سيطرته تمامًا وكل ما يستطيع فعله تجاهها هو إيقاف تشغيلها(6). كما يراها البعض نوعًا من “فيزياء الثقافة” ويطرحون مثالًا على ذلك بما تفعله نيتفليكس (NETFLIX) من استخدامها لخوارزمية الفوضى البراغماتية (Pragmatic Chaos) ومهمتها تحليل ما يدور في عقل المشاهد من خلال رسم خارطة لاختياراته لمعرفة احتمالات المحتوى الذي قد يود مشاهدته في المستقبل(7). وتحدد هذه الخوارزمية ما يقرب من 60% من سوق الأفلام التي يتم استئجارها. وتذهب بعض المؤسسات مثل إيباجوجس (Epagogix) لما هو أبعد من ذلك فتقوم بإدخال نصوص الأفلام قبل تحديد ميزانيات إنتاجها إلى خوارزميات يمكنها التكهن بنسب النجاح الممكنة لهذه الأفلام ومن ثم اتخاذ القرار الخاص بتحديد قيمة الميزانية الإنتاجية.

  1. وظائف الخوارزميات واستخداماتها

كما أن الحاسبات لا يمكنها العمل إلا من خلال أنظمة أو بيئات للتشغيل، كذلك فإن منصات التواصل الاجتماعي لا يمكنها العمل دون خوارزميات تستخدمها كأدوات لتنظيم المحتوى المتداول عبر هذه المنصات. ويمكننا تصور الدور الذي تلعبه هذه الخوارزميات عندما نعرف أن النشاط الذي نقوم به عندما نتصفح الإنترنت هو كذلك نشاط أكثر جدية يقوم به العديد من الجهات التي ليس لدينا أية فكرة عنها (وهي غالبًا شركات ذات أهداف تجارية) أو عن أهدافها عندما تصفحنا نحن شخصيًّا من خلال الحصول على معلومات تفصيلية حول تفضيلاتنا(8).

ولأن كل خوارزمية عبارة عن برنامج، فمن الطبيعي أن يكون لكل منها وظيفة هي في الوقت ذاته المهمة المستهدفة من البرنامج. أي إن الخوارزميات تقوم بوظائف حيوية داخل محركات البحث ومنصات التواصل وتتم تسمية هذه الخوارزميات تبعًا للوظائف التي تؤديها، ويمكن تصنيفها بشكل عام إلى نوعين: وظائف أساسية ووظائف مخصصة(9). وتتعلق الوظائف الأساسية بترتيب البيانات وفق نسق معين وينبغي على خبراء علوم البيانات أن يكونوا على دراية بها وتشمل: الترتيب بالإدراج (Insertion Sort) والترتيب النوعي (Selection Sort) والترتيب بالفرز (Bubble Sort) والترتيب بالدمج (Merge Sort) والترتيب السريع (Quick Sort) والبحث الثنائي (Binary Search) والبحث الأولي الموسع ((BFS) Breadth First Search) والبحث الأولي المعمق ((DFS) Depth First Search) وخوارزمية لي أو أقصر الطرق للخروج من المتاهة (Lee Algorithm/ Shortest path in a Maze) وخوارزمية ملء الفيضان (Flood Fill Algorithm) وخوارزمية الاجتياز الشجري المباشر والسابق واللاحق (In-order, Preorder, Post-order Tree Traversals ) والترتيب بالتكويم (Heap Sort) إلى جانب خوارزميات أخرى متعلقة بهيكلة البيانات مثل: تنفيذ قائمة مرتبطة (Liked List Implementation) والإدراج في شجرة البحث الثنائية Insertion in BST (Binary Search Tree)) والإلغاء من شجرة البحث الثنائية (Deletion from BST) وتنفيذ الشكل البياني (Graph Implementation) وتقليل الكومة وتعظيمها (Min Heap and Max Heap). ويمكن تفصيل المعاني المرتبطة ببعض أهم وظائف الخوارزميات في المحور الآتي:

1.3. وظيفة ترتيب نتائج البحث وفقًا لكلمات دالَّة معينة

تسمح هذه الخوارزمية بالتعامل مع كميات وفيرة من البيانات التي تتيحها محركات البحث وقواعد البيانات (Meta Data) بشكل انتقائي بحيث تستبقي فقط النتائج المرتبطة مباشرة بالكلمة التي يبحث عنها المستخدم. وقد طور الباحثون عددًا من الخوارزميات التي يمكنها القيام بهذه الوظيفة منها مشروع كيفيتس (Kiffets)(10)، والذي تبنَّى مفهوم أن المعرفة تكمن في قوة المنطق الذي تمثِّله أنظمة الخوارزميات من حيث اعتمادها على خبرة أخصائيي البيانات الذين لديهم معرفة بالاقتراب المنهجي للتعلم الآلي (Machine Learning Approach) حيث يقومون بانتقاء مصادر البيانات ذات الثقة وفقًا لتوصيات مختصين ثم ينظمونها في بناء تراتبي يمثِّل آلية لربط المحتوى الإلكتروني بكلمات بحث محددة (Tree Folksonomy) بحيث يبدو ذا صلة دلالية بالموضوع الذي اختار المستخدِم البحث عنه مع ربطه بنماذج من محتوى ذي علاقة.

2.3. نمذجة شخصيات المستخدِمين

تعني النمذجة ببساطة تصنيف شخصيات المستخدِمين وفقًا لنماذج نفسية معينة، وتسترشد الخوارزميات بسلوك المستخدِمين التفاعلي عبر شبكات التواصل الاجتماعي للقيام بعملية التصنيف. ويشمل هذا السلوك نقرات الإعجاب والمشاركة والتعليق والتدوين إلى جانب أنماط التسوق الإلكتروني والمدة الزمنية التي تُستَغرق يوميًّا في عمليات التصفح والتفاعل الشبكي(11). وتستخدم الخوارزميات هذه المعلومات لبناء نموذج شخصي مفهوم الاهتمامات وواضح المعالم لكل مستخدم بحيث يمكن الوصول إليه بدقة من جانب المعلنين والمسوقين.

3.3. خوارزميات الإرهاب

إن الهدف الأساسي لهذه الخوارزميات هو تتبع أنشطة الشخصيات أو المجموعات ذات الميول الإرهابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي من خلال الصفحات المشبوهة والمنشورات التي تستهدف حشد الأنصار أو تجنيد المقاتلين ورصد وتحليل العلاقات بين الخلايا النشطة والخاملة ومن ثم التنبؤ بأية عمليات إرهابية محتملة(12). وتخدم هذه الخوارزميات أجهزة الشرطة والمخابرات في تتبع وضبط المشتبه فيهم أو المتورطين في أنشطة إرهابية. ومثال على ذلك ما قامت به روسيا من توظيف لهذه الخوارزمية، عام 2015، على شبكتها الخاصة بالتواصل الاجتماعي “في كونتاكت” (Vkontakte)، والتي تضم أكثر من نصف مليار مستخدم (حتى أغسطس/آب 2018)، وضبطت من خلالها ما يقرب من 196 مجموعة داعمة لتنظيمي الدولة والقاعدة وما يفوق 180 ألف حساب شخصي مشارك بتنظيمات يمكن تصنيفها بكونها ذات نشاط إرهابي(13).

3.4. وظيفة السيطرة والتوجيه

واجهت مواقع التواصل الاجتماعي اتهامات قوية باستخدام خوارزميات تؤدي لفرض وصاية توجيهية على المستخدِمين بغرض التأثير على قراراتهم وبخاصة تلك المتعلقة بالشأن السياسي. واتهمت صحيفة الإيكونوميست البريطانية، في عدة مقالات نشرتها عام 2017، شبكات التواصل بفرض سطوتها على قرارات المجتمع البريطاني الانتخابية بما يشكِّل تهديدًا حقيقيًّا للديمقراطية(14). وأشارت الصحيفة إلى ما اعترف به موقع فيسبوك من نشر معلومات مُضَلِّلة من مصادر روسية على حسابات نحو 146 مليون مستخدم معظمهم في الولايات المتحدة قبل وأثناء وبعد الانتخابات الأميركية، كما رصد يوتيوب 1108 مقاطع فيديو تحوي معلومات مُزَيَّفة، وأعلن تويتر عن 36.746 حسابًا نشرت الأكاذيب خلال الفترة نفسها. وفي ميانمار (بورما سابقًا)؛ حيث سيطر فيسبوك على وعي الأغلبية بنشر خطاب الكراهية ضد أقلية الروهينغا مما أدى لتخدير الضمير الوطني تجاه جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ارتُكبت بحقهم وأدت لموجات النزوح الجماعي الهائلة في يوليو/تموز 2017(15). ويشير مراقبون إلى أن وسائل التواصل تستخدم خوارزميات تساهم في نشر السموم كما تدعم حالة الاستقطاب السياسي في المجتمعات الإنسانية(16).

3.5. وظيفة المراقبة

تعني أن خوارزميات الإنترنت المنتشرة في منصات التواصل الاجتماعي وعدد كبير من محركات البحث تراقب سلوكنا وتعرف عنَّا ربما أكثر مما نعرفه عن أنفسنا، وهي بذلك تؤسس بنية تحتية لمجتمع استبدادي يخضع جميع أفراده للتتبع والمراقبة(17). وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي من هذه الخوارزميات مادي بحت يعمل على توصيل المواد الدعائية المناسبة لاهتمامات المستخدمين وتمكين المعلنين من الوصول لجمهورهم المستهدَف بشكل أكثر دقة، إلا أن ما يتم تصميمه من خوارزميات لتحقيق هذا الهدف يجعل كافة المستخدمين كما لو أنهم في سجن كبير لا يشعرون بقيوده ولكن لا يمكنهم التحرر منه.

3.6. وظيفة التنبؤ والتوقع

تعني هذه الوظيفة أن الخوارزميات تستهدف تكوين استراتيجية سلوكية لكل مستخدم يمكن من خلالها التنبؤ بالمحتوى الذي له القدرة على جذب الانتباه إلى الدرجة التي أدت لظهور علم جديد يسمى “اقتصاد الانتباه” (Attention Economy)(18)، ويحدد كيفين كيللي (Kevin Kelly)(19)، أحد خبراء الثقافة، ثمانية عوامل غير ملموسة يمكنها مضاعفة قدرة أي منتج على جذب انتباه المستهلك المحتمل، وهذه العوامل هي: الفورية (Immediacy)، وتعني سرعة وصول المنتج فور صدوره إلى المستهلِك المحتمل من خلال قنوات التواصل الممكنة مثل البريد الإلكتروني، فظهور الخدمة أو السلعة فور إنتاجها يعزز من فرص جذب الانتباه إليها فضلًا عن محاولة تجربتها أو استخدامها، والشخصنة (Personalization)، وتعني أن يتم إظهار المنتج للمستهلك المحتمل كما لو كان قد تم إنتاجه خصيصًا ليناسب ذوقه وميوله ويتوافق مع اهتماماته، وذلك تماشيًا مع قاعدة أن الإنسان لديه استعداد لدفع المزيد من الأموال في شراء منتجات تم تصنيعها خصيصًا لتوافق احتياجاته. والتفسير (Interpretationويعني أن يتم عرض المنتج بسعر زهيد أو ربما مجانًا على أن يتم بيع طريقة التشغيل والاستفادة منه لاحقًا بما يحقق الربح للمنتج، أي أن يتم لفت انتباه المستهلك بالتكلفة المنخفضة للاقتناء ثم يتم بيع “أسلوب التشغيل” أو “التفسير” بثمن مناسب فيما بعد. والأصالة (Authenticityوهي نسبة المنتج إلى جهة إصدار موثوق بها بما يعزز قدرة السلعة على جذب انتباه المستهلك، لأنها تضمن وجود مستوى معقول من الجودة يشعر معه المستهلك بالأمان والقيمة. والإتاحة (Accessibility)، وتعني أن يكون المنتَج قابلًا للاستخدام من خلال قنوات اتصال متعددة، في هذه الحالة يتم لفت انتباه المستهلك بسهولة الوصول إلى الخدمة باستخدام ما يتاح له من أجهزة (آبل وأندرويد مثلًا في حال الهواتف الخلوية) أو واجهات استخدام (مثل اللاب توب أو التابلت أو الآيباد وغيرها) وعدم وجود قيود أو شروط تقنية معينة للاستفادة منه. والتجسيد (Embodiment)، ويعني أنه كلما كان المنتج حقيقيًّا ومحسوسًا كانت قدرته على جذب الانتباه أكبر. أي أن يكون الإعلان عنه واصفًا دقيقًا لحالة المنتج الحقيقية من حيث الملمس واللون والحجم والتفاصيل الدقيقة للاستخدام. والحماية (Patronage)، وتعني أن يشعر المستهلك بأن ما سيدفعه في مقابل الحصول على السلعة سوف يصل بالفعل إلى من يستحقه بفضل إجراءات الحماية الموثوق بها، هذا الشعور بالحماية والأمان يزيد من فرص المنتج في جذب انتباه المستهلك. وأخيرًا، الحضور (Findability)؛ حيث يتمكن المستهلك من تمييز وجود الخدمة أو المنتج ضمن بيئة عرض مزدحمة بالمنتجات المنافسة، وهو ما يعني ضرورة توافر ميزات خاصة في التصميم والإخراج توفر للمنتج حضورًا بصريًّا لافتًا للانتباه. ففي الوقت الذي لا يتكلف فيه وجود المنتج ذاته شيئًا بالنسبة للمعلن فإن توفير هذه العوامل الثمانية هي القيمة الحقيقية التي يمكن إضافتها والتي يتحدد وفقًا لها ما إذا كان المستهلك المحتمل سيكرر تجربة الشراء مستقبلًا أو لا(20).

وفي تحليل نقدي لفكرة التأثير الوظيفي للخوارزميات على نمط الحياة الإنسانية، قارن عالم السياسة الأميركي، هنري فاريل (Henry A. Farrell)، بين ما طرحه إيلي باريسر، وبين ما قدَّمه الاقتصادي تايلور كوين (2009) (Tyler Cowen) حول التداعيات الاجتماعية لشبكة الإنترنت؛ حيث أكد أن الأفراد سيستخدمون التكنولوجيا الجديدة لاختيار نمط فريد من المصادر التي تمثِّل رؤيتهم الخاصة المصغرة لاقتصاد المعلومات والتي لا تعكس فقط أذواقهم ولكن تساعدهم بشكل مستمر على تطويرها(21). ولكن ما اعتقده كوين تحسينًا فرديًّا للإدارة الذاتية يعتبره باريسر تقييدًا للنمو الشخصي. فبدلًا من أن يؤدي استخدام منصات التواصل الاجتماعي لبناء اقتصاد مصغر يسمح بتحقيق فائدة من التقنيات المعقدة أصبحنا نستخدمها مرآة تعكس تحيزاتنا وتعيد توجيهها لنا مرة أخرى. والأسوأ من ذلك أن فيسبوك وغوغل يرسمان الأطر المعلوماتية التي تحيط بنا وفقًا للطريقة التي فهما بها اهتماماتنا وهي طريقة غير معلومة لنا.

7.3. الخوارزميات وشبكات التواصل الاجتماعي

يمكننا تصور عمل الخوارزميات على منصات التواصل الاجتماعي إذا عرفنا أن ما يتمكن المستخدِمون من مشاهدته على صفحاتهم لا يمثل سوى عُشر ما يمكنهم مشاهدته فعليًّا بالنظر إلى التحديثات التي تطرأ على صفحات الأصدقاء(22). قامت الخوارزميات بعملها فقلصت العدد الذي يمكن مشاهدته بحيث يقتصر على تحديثات من حسابات معينة تبدو أكثر اهتمامًا بها وتفاعلًا معها من غيرها. ويُقدَّر عدد هذه الخوارزميات بحوالي 150 ألف خوارزمية تسمى مستوى الحافة (Edge Rank)، ويرتكز عملها على توقع المحتوى الذي قد يجذب انتباهك ويثير إعجابك. وكما تؤثر الخوارزميات على حجم ما نشاهده من محتوى فإن توظيفها لدفع المستخدِم لاتخاذ قرارات ذات أبعاد سياسية أو اجتماعية أصبح واضحًا ومعترفًا به. وكانت مجلة “نيتشر” (Nature) قد نشرت مقالًا عن تأثير فيسبوك على تغيير سلوك المستخدِمين، وأكدت أن هذا التأثير حقيقي وأسهم بالفعل في إضافة 340 ألف ناخب إلى قائمة المصوِّتين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2010 من خلال نشر ومشاركة وسم “أنا انتخبت” (I Voted)(23).

وفي سياق التعرف على مدى تأثير خوارزميات فيسبوك على بيانات المستخدِمين الشخصية، أجرى مركز بيو للأبحاث مسحًا، نُشر في يناير/كانون الثاني 2019، توصل من خلاله لعدد من النتائج كان من أهمها أن فيسبوك يستخدم خوارزميات تقوم بتصنيف المستخدِمين طبقًا لما يسمى “الانتماء متعدد الثقافات” (Multicultural affinity) ويتم من خلاله وضع المستخدمين في قوائم تبعًا لميولهم العِرقية والقومية المحتملة بدلًا من انتماءاتهم الفعلية. وفي الوقت الذي أكد فيه 60% من المبحوثين أن لديهم بالفعل ميولًا عرقية متعددة تتراوح بين التوسط والشدة إلا أن 37% أكدوا أن التصنيف الذي وضعه فيسبوك لا يمكن اعتباره دقيقًا. وفي مسوح أخرى أجراها المركز على مستخدمي فيسبوك، عام 2018، أكد 74% من المبحوثين أنه ليست لديهم أية فكرة عن أن فيسبوك يحتفظ بقوائم تشمل توجهاتهم واهتماماتهم. وبينما عبَّر 51% منهم عن عدم ارتياحهم لهذا السلوك من فيسبوك، أقرَّ 27% بأن هذه القوائم لا تمثلهم(24). وأظهرت المسوح أن معلومات المستخدمين المتعلقة بالانتماء الديني هي الأصعب في إمكانية تحديدها بدقة مقارنة بالاهتمامات والتوجهات السياسية. وفي محاولة للدفاع عن النفس، قام فيسبوك بإجراء بحث تم نشره في مجلة ساينس (Science)، عام 2015؛ يبُحَث فيه عما إذا كانت الشبكة هي السبب في تكوين فقاعة الترشيح التي تحجز وعي المستخدم عن التعرض للمعلومات المخالفة لاهتماماته، وكانت النتيجة أن الخوارزميات بريئة من هذه التهمة باستثناء حالة المستخدمين ذوي الميول الحزبية القوية ويبلغ عددهم تقريبًا 4% من مجموع مستخدمي فيسبوك(25) (حوالي 92 مليون مستخدم من إجمالي 3 مليارات و300 مليون حسب إحصائية ديسمبر/كانون الأول 2018).

وبالنظر إلى خوارزميات يوتيوب فتهتم هذه المنصة بتقديم محتوى مُشَخْصَن بدرجة كبيرة لجمهورها. وتعمل بمنطق آلي بسيط يختار ملايين المقاطع المشابهة لما يفضِّل المستخدِم رؤيته ثم يختصر هذا العدد بما يتناسب أكثر مع مزاجه، وتضعه مباشرة على شاشته عند استخدامه للمنصة في المرات التالية. تعمل خوارزميات يوتيوب في بيئة مزدحمة حيث يقوم المستخدِمون بتحميل 400 ساعة كل دقيقة. وتوفر المنصة لمستخدميها ثلاثة تصنيفات يمكن الاختيار من بينها لمشاهدة الفيديوهات، وهي: الأكثر تداولًا (Trending)، والاشتراكات (Subscriptions)، والصفحة الرئيسية (Home) والتي تقدم توصياتها للمستخدم بمشاهدة مقاطع يفضلها. وقد أثبتت الدراسات أن 70% من مجموع ما يشاهده مستخدمو يوتيوب يأتي بناء على توصيات المنصة ذاتها(26).

أما خوارزميات تويتر فتعمل على إظهار التحديثات التي تنشرها الحسابات التي يتفاعل معها المستخدم أكثر من غيرها. وكانت هذه الخوارزميات قد ظلت بدون تطوير جوهري منذ عام 2006 وحتى عام 2014 عندما بدأت المنصة بتقديم اقتراحات بمتابعة حسابات معينة أو الاطلاع على تغريدات متداولة على نطاق واسع وأضافت خلال السنوات التالية خوارزميات جديدة، مثل: في حال ما لم تشاهدها في حينها (In Case you missed it)، وبينما كنت منشغلًا (While you were away) لمساعدة المستخدم في الاطلاع على التغريدات التي ربما لم يتمكن من متابعتها(27). وفي سبتمبر/أيلول 2018، أعلن تويتر أن مستخدميه يمكنهم التحكُّم فيما يشاهدونه عن طريق اختيار إما رؤية أحدث التغريدات أو أكثرها تداولًا مما يمنح المستخدِم فرصة أكبر للتحكُّم في نوع المتابعة التي يفضلها. والخوارزميات التي يستخدمها تويتر الآن تشمل: Top Tweets, Latest Tweets, ICYMI, Happening Now, Trends for You. وتبدو المنصة أكثر حرصًا من غيرها من شبكات التواصل الاجتماعي على تحقيق سمات الموضوعية في تصميم خوارزمياتها؛ حيث أعلنت في مطلع عام 2019 أنها بصدد مشروع لتطوير أنماط عمل الخوارزميات على منصتها بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا بيركلي (وهناك بعض الشكوك المتداولة حول الكيفية التي تُدار بها الوسوم خاصة المرتبطة بالقضايا السياسية مثل ما حدث مع وسم “#كفاية_بقى_ياسيسي”، والذي أطلقه الممثل والمقاول المصري، محمد علي، ثم اختفى دونما مبرر واضح من على المنصة بعد يومين من إطلاقه وكان قد بلغ المليون ونصف المليون تغريدة تقريبًا).

وعلى الرغم من ملكية فيسبوك لمنصة إنستغرام (Instagram) منذ 2012 إلا أن خوارزميات هذه المنصة تعمل بصورة أبسط من فيسبوك، حيث تتيح للمستخدِمين إنتاج محتوى مصوَّر أو فيلمي ومشاركته مع آخرين بالإشارة إليهم وبإضافة بيانات الموقع الجغرافي. وحدث التغير الأبرز في خوارزمياتها عام 2016، حيث أصبح بإمكان المستخدِمين، الذين بلغ عددهم، في يناير/كانون الثاني 2019، مليار مستخدم، الوصول أولًا للمنشورات الأكثر توافقًا مع تفضيلاتهم وليس للمنشورات الأقدم. وينسجم هذا التغيير مع التوجه العام لمنصات التواصل في إعطاء الأولوية للمحتوى الذي تراه متوافقًا مع ميول المستخدمين. ولا يختلف ذلك كثيرًا عن الاستراتيجية التي تتبناها أمازون؛ حيث شيدت مملكتها الضخمة اعتمادًا على كيميائيتها الخاصة الممثلة في عدد من الخوارزميات التي تستخدمها في التعامل مع المعلومات المخزنة حول سلوك المستهلكين؛ حيث تبقى شهية المسوِّقين عارمة تجاه أية معلومات تساعدهم في إرسال إعلانات مناسبة في الوقت المناسب إلى المستهلكين المحتملين. ويبقى تقدير “المناسب” و”المفضل” حكرًا على الخوارزميات التي تعرف المعلومات الكافية لتحديد ذلك.

 

  1. تأثير فقاعة الترشيح على توجيه الرأي العام

يتردَّد التساؤل حول ما إذا كانت الخوارزميات التي تتحكَّم فيما نتلقاه عبر منصات التواصل الاجتماعي هي كذلك المسؤولة عن توجيه المجتمع لتبني وجهات نظر معينة والتحكُّم في مسارات الرأي العام نحو القضايا المختلفة. ولكن الإجابة على هذا التساؤل في ضوء ما يتوافر من نتائج الدراسات ترجح كفة النفي، والسبب في ذلك يعود للتدهور الواضح لثقة الجماهير في المحتوى المقدَّم عبر المنصات المختلفة بشكل عام. وهذا ما أكدته بحوث أُجريت في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي بشأن التراجع المتزايد لثقة الجمهور في المحتوى المقدم عبر وسائل الإعلام(28)، فبينما سجلت اليونان وإسبانيا وفرنسا أعلى معدلات تراجع الثقة، أظهرت النتائج أن جمهور الدول الإسكندنافية (فنلندا، السويد، الدانمارك) وهولندا هم الأكثر وثوقًا في المحتوى المقدم عبر وسائل إعلامهم. ويرى 53% من البريطانيين أن استقلالية “بي بي سي” تحت التهديد، ويُنْظَر إلى فشل وسائل الإعلام في إقناعهم بعدم الخروج من الاتحاد الأوروبي دليلًا على تراجع الثقة في محتواها. ويعتقد الأميركيون أن خطأ وسائل الإعلام في التنبؤ بفوز دونالد ترامب في انتخابات 2016 ثم فشلها بعد ذلك في الإطاحة به دليل على انخفاض مصداقيتها. وفي مصر، تدل المؤشرات السوقية على انخفاض ملحوظ في ثقة الجمهور في محتوى وسائل الإعلام، إلا أن بعض المحللين ينظرون إلى قضية تراجع الثقة نظرة إيجابية باعتبار أنها دليل على اتجاه الجمهور لاستخدام حسه النقدي في تحليل المحتوى للتحقق من صدقيته والتمييز بين الصحيح والزائف منها.

وتجدر الإشارة إلى أن نظرية ترتيب الأجندة (Agenda Setting Theory) التي وضعها كل من إلياهو كاتز (Elihu Katz) وبول لازارسفيلد (Paul Lazarsfeld)، في خمسينات القرن الماضي، والتي تفترض أن لترتيب أولويات الاهتمام بالقضايا لدى وسائل الإعلام تأثيرًا على ترتيب أولويات الاهتمام بها عند الجمهور قد أُعيد النظر في صلاحية فرضياتها الأساسية في ظل التأثير الواضح لمنصات التواصل الاجتماعي على عمليات التداول الجماهيري للأخبار(29). وقدمت جيسيكا فيزيل (Jessica T. Feezel) (2018) تحليلًا لذلك، وأكدت أنه إذا كان الجمهور الآن يستطيع انتقاء المصادر التي يفضِّل متابعة محتواها ومن السهل عليه تجنب المصادر غير المرغوب فيها فهذا يعني فعليًّا اختفاء تأثير الأجندة على اهتمامات الرأي العام، إلا أن الاستثناء الوحيد من هذه النتيجة هو أن تسهم خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي في توصيل محتوى وسائل الإعلام الجماهيرية بشكل عَرَضي للمستخدِمين بحيث يمكنهم الاطلاع بصورة غير مقصودة على محتواها. وهذا يعني أن منصات التواصل يمكنها إحياء دور وسائل الإعلام نسبيًّا في ترتيب أجندة الجمهور بإتاحة مضامينها عرضيًّا خاصة مع المستخدمين الأقل اهتمامًا بمحتواها.

وفي دراسة قام بها فيليب هوارد وآخرون (Philip Howard et al) حول تأثير فيسبوك على اتجاهات الرأي العام في المكسيك حول المرشحين السياسيين في المحليات، وجد أن مشاركة المرشحين لجماهيرهم في نقاشات عبر الشبكة كان له تأثير إيجابي في زيادة الاهتمام العام بالشؤون المحلية وزيادة الرغبة في المشاركة بفاعلية في اتخاذ القرارات التي تمس مصالح المجتمع المحلي(30). وأضاف أن التأثير يكون أكبر إذا استخدم السياسيون والجماهير المنصة ذاتها للتواصل وأن رجال السياسة يظلون محتفظين بصلاتهم الوثيقة بالرأي العام المحلي في قضايا تتجاوز الشأن السياسي حتى بعد نجاحهم في الانتخابات وانشغالهم بمهام وظيفتهم الجديدة.

 

  1. تأثير خاصية الأكثر تداولًا على الرأي العام

يتردد التساؤل حول ما إذا كانت الخوارزميات التي تتحكَّم فيما نتلقاه عبر منصات التواصل الاجتماعي هي كذلك المسؤولة عن توجيه الرأي العام في المجتمع نحو تبني وجهات نظر معينة والتحكُّم في مسارات الاهتمام بالقضايا المختلفة، إلا أن الإجابة على هذا التساؤل في ضوء ما يتوافر من نتائج البحوث والدراسات تُرجِّح كفة النفي، ويمكن تحليل السبب في ذلك إلى شقين: يتعلق الأول بالآلية التي يتكوَّن بها الترند خاصة في المنطقة العربية، ويتعلق الثاني بالمفهوم التقليدي للرأي العام في المجتمع. فالآلية التي يتكوَّن بها الترند بشكل عام تشوبها تهم تستند إلى أدلة تشير إلى إمكانية اصطناعها عبر حسابات وهمية خلال فترة زمنية معينة وتوظيفها غالبًا لأهداف سياسية. وظاهرة الرأي العام بمفهومها التقليدي باعتبارها تعبيرًا عن رأي الأغلبية الواعية في مجتمع ما تجاه قضية تمس مصالحها لم تعد موجودة فعليًّا، لأنها تكونت بهذا المفهوم في ظل وسائل الإعلام الجماهيرية، والتي كان بإمكانها تشكيل وعي متناغم لدى الجماهير حول القضايا التي تهمه، فالرأي لم يعد عامًّا في عصر منصات “التواصل” الاجتماعي، ولكنه أصبح رأيًا شخصيًّا أو خاصًّا ولا مجال للحديث عن فكرة “الوعي” إلا مع توافر معلومات دقيقة وموثقة من مصادر ذات مصداقية، وهو أمر يندر تَحَقُّقُه فضلًا عن إمكانية التَّحَقُّق منه.

نسوق مثالًا على ذلك خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2019 عندما أطلقت مجموعة من أساتذة الجامعات المصرية حملة بعنوان “#علماء_مصر_غاضبون”(31)، وأنشأوا في 26 أغسطس/آب صفحة باسم الحملة على منصة فيسبوك بلغ عدد أعضائها أكثر من 25.500 عضو بهدف التعبير عن غضب أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية من الأحوال الاقتصادية والاجتماعية المتردية للأستاذ الجامعي والمطالبة بإصلاح الوضع المتدهور لمنظومة البحث العلمي في مصر، وهو الوضع الذي يرونه تهديدًا خطيرًا لمستقبل الوطن وأمنه القومي بالمفهوم الشامل. وكانت وفاة أحد أعضاء هيئة التدريس متأثرًا بإصابته ببكتيريا قاتلة كان يقوم بإجراء تجارب معملية عليها دون توافر إجراءات وقائية بمنزلة الشرارة التي أشعلت هذه الحملة التي قوبلت بهجمه شرسة من إعلام الدولة واتهامات بالخيانة والعمالة وتهديد الاستقرار لمن يشارك فيها(32)، ورغم ذلك، تصدر الهاشتاج الترند المصري في تويتر لعدة أيام شملت الأسبوع الأخير من أغسطس/آب والأيام الأولى من سبتمبر/أيلول، وأسفر الحراك عن مجموعة من المطالب التي لم تتم الاستجابة إليها حتى الآن. ثم بدأت فيديوهات المقاول المصري، محمد علي، في الظهور وكان أولها يوم 4 سبتمبر/أيلول 2019، والتي بدأها بالحديث عن مظاهر الفساد ثم تصاعدت لهجة الانتقاد إلى الدعوة إلى الإطاحة برئيس الدولة من خلال إطلاق هاشتاج “#كفاية_بقى_ياسيسي” يوم 16 سبتمبر/أيلول، والذي تصدر الترند العالمي وكسر حاجز المليون تغريدة في أقل من 24 ساعة(33). وكذلك دعوة المصريين للنزول بأعداد كبيرة بعد مباراة لكرة القدم بين فريقي الأهلي والزمالك، التي أجريت يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، لتوصيل رسالة الغضب والرغبة في إزاحة الرئيس عن الحكم.

ولا تزال فيديوهات محمد على متواصلة حتى كتابة هذه الدراسة كما لا تزال صفحة (علماء مصر غاضبون) تشهد تفاعلًا على منصة فيسبوك، إلا أنه من الممكن عقد مقارنة بين أصداء كلا الترندين: “#علماء_مصر_غاضبون” و”#كفاية_بقى_ياسيسي” على الرأي العام المصري من حيث التأثير والتجاوب. فمن حيث التأثير لاقت الحملة الأولى تجاوبًا كبيرًا من أعضاء هيئة التدريس في مختلف الجامعات المصرية وكان التأثير منحصرًا تقريبًا في شريحة الأكاديميين ممن لهم مصلحة مباشرة من تحقق أهداف الحملة بينما لا تكاد تجد تجاوبًا يُذكر من الشرائح الاجتماعية الأخرى بل على العكس تم توجيه أصابع الاتهام لهم بأنهم يحملون مطالب فئوية في توقيت دقيق لا تتحمله المصلحة الوطنية(34). في المقابل، وبمجرد دعوة محمد علي المصريين للمشاركة في الهاشتاج، ثم النزول للتعبير عن رفضهم لبقاء السيسي، تجاوب المصريون معه بصورة غير متوقعة. وربما كان السبب في ذلك هو التوجه العام والقيم المطلقة التي اتسمت بها دعوة محمد علي حيث أكد على ضرورة التلاحم بين المصريين بجميع تياراتهم والمناداة بالحرية ورفض الفساد والاستبداد في مقابل التوجه الخاص الذي طبع حملة علماء مصر غاضبون. بالإضافة إلى أن دعوة محمد علي كانت بمنزلة “الشرارة المنتظرة” لحراك معارض، داخلي لا توجد له فرصة للتعبير عن نفسه، وخارجي مستمر منذ سنوات، وكان يبحث عن فكرة مركزية للتمحور حولها بينما لم تشهد الساحة الجامعية المصرية حراكًا تمهيديًّا مماثلًا بل جاء في سياق المطالبة بالمعاملة بالمثل مع الفئات التي ميزتها الدولة ماديًّا بينما يرون أنهم أولى بالتميز لما يقدمونه للوطن من خدمات جليلة.

  1. الإشكاليات الأخلاقية المرتبطة بأنظمة الخوارزميات

ربما لم تُثر أي تكنولوجيا اتصالية إشكاليات أخلاقية كتلك التي أثارتها الخوارزميات وما ارتبط بها من تطبيقات أنظمة الذكاء الاصطناعي المتغلغلة في حنايا شبكة الإنترنت. ويشبه البعض تلك السطوة المخيفة للخوارزميات على بنية الشبكة بوحش فرانكشتاين العاقل المتجرد من القيم الإنسانية(35) أو كما ذكرت صحيفة الجارديان من أن الخوارزميات هي المخلوق المرعب المختبئ في الآلة، والذي ربما يفاجئ الإنسانية جمعاء فيدمرها في لحظة واحدة(36). وهذا يعني أن إشكاليات الخوارزميات تتجاوز الجانب الأخلاقي لتمس الجانب الوجودي للإنسان ذاته.

ولعل الحقيقة المثيرة للقلق هي أنه ليس بإمكان أحد التنبؤ بالتداعيات غير الأخلاقية للخوارزميات إلا بعد أن يتم تطبيقها فعليًّا. وقبل أن نستعرض أهم الإشكاليات الأخلاقية المرتبطة بعمل الخوارزميات تجدر الإشارة إلى إحدى أهم القضايا المرتبطة بهذا الموضوع، والتي بدأت باعتراف فيسبوك، في أبريل/نيسان 2018، بأن شركة استشارات سياسية بريطانية تُدعى “كمبريدج أناليتيكا” (Cambridge Analytica)، أُنْشِئَت عام 2013، قامت باستخدام بيانات ما يقرب من 87 مليون مستخدم معظمهم في الولايات المتحدة الأميركية لصالح حملة ترامب الانتخابية، وأن الوسيط الذي قام بسحب البيانات من فيسبوك هو ألكسندر كوجان (Alexander Kogan)، عالم بيانات أميركي من أصل روسي، من خلال برنامج قام بتصميمه يُدعى “هذه حياتي الرقمية” (This is my digital life)؛ استغل فيه بعض الثغرات الدقيقة في خوارزميات المنصة الأكثر شعبية حول العالم. وهو ما يعني أن فيسبوك -سواء بعلمها أو بدون- كانت شريكًا في التأثير على القرار الانتخابي للمواطن الأميركي. والملاحظ أن مارك زوكربيرغ (Mark Zuckerberg) صرَّح خلال مقابلته مع شبكة “سي إن إن” في أعقاب هذه الفضيحة أن أحدًا لم يستطع أن يحدد الوقت الذي بدأ فيه كوجان بسحب البيانات وكل ما وعد به هو أن تتم مراجعة الخوارزميات التي قد تكون سببًا في حدوث ذلك لمنع تكرار الاختراق مستقبلًا. ما يثير الاهتمام في موقف فيسبوك تجاه مثل هذه القضايا أن المنصة تنتظر حتى يتم استغلالها بما قد يسبِّب ضررًا بالغًا للمستخدمين ثم تقوم بعد ذلك بكشف الستار عن الجريمة. حدث ذلك عندما أعلن فيسبوك في نهاية عام 2016 أن هناك شركة استشارات جمعت بيانات حول مستخدمي فيسبوك المهتمين بحركة (Black Lives Matter) في الولايات المتحدة الأميركية وباعتها للشرطة(37). وتؤكد الحوادث السابقة على حقيقة واحدة مفادها أن شركات الأعمال والمعلنين هم العملاء الحقيقيون لفيسبوك أما جمهور المستخدمين فهم مجرد سلعة.

وفي دراسة موسعة قام بها فريق من الباحثين لتوضيح معالم الجدل الدائر حول الإشكاليات الأخلاقية للخوارزميات، تم تحديد ستة محاور تمثِّل جبهات الاختراق الأخلاقي في عملها، وتشمل(38): إمكانية التتبع (Traceability)، والتأثيرات التحويلية (Transformational Effects)، والمخرجات غير العادلة (Unfair Outcomes)، والأدلة المضلِّلة (Misguided Evidence)، والأدلة المبهَمة (Inscrutable Evidence)، والأدلة غير المقنعة (Inconclusive Evidence). فإذا كانت الخوارزميات تمتلك القدرة على تتبع نشاط المستخدمين فهذا مبدئيًّا يُحمِّلها مسؤولية أخلاقية تجاههم، والتأثيرات التحويلية تنتهك خصوصية المعلومات وإمكانات التحكم الذاتي، والمخرجات غير العادلة تؤدي إلى التمييز، والأدلة المضللة تؤدي إلى التحيز، أما الأدلة المبهمة فتؤدي إلى الغموض، والبراهين غير المقنعة تفضي إلى أفعال غير مبررة.

في السطور التالية استعراض لأهم الإشكاليات الأخلاقية المرتبطة بعمل الخوارزميات ونبدأها بقضية:

1.6. مناقضة الإبداع

يشير إيلي برايسر إلى ما أسماه “سباق الملاءمة” (Race for Relevance)، ويقصد به السعي المحموم من جانب الشركات إلى تصميم خوارزميات تتلاءم مع تفضيلات الجمهور وتساعد في الوصول لمعلومات أكثر دقة عنهم ومن ثم تتبعهم والتنبؤ باختياراتهم(39)، إلا أن هذا السباق له تبعات سلبية على قدرة المستخدِم على إبداع فكر جديد. ففي الوقت الذي يتسابق فيه الجميع لإحاطة المستخدم بالمعلومات التي يرون أنها “تلائمه” وتدخل في اهتمامه تتم تنحية معلومات أخرى يرون أنها لا تلائمه ولكنها في الحقيقة قد تكون محفزًا له على الابتكار، وتاريخ الإبداع البشري شاهد على ضرورة أن يتعرض الإنسان لرؤى متباينة حتى تتبلور لديه رؤية خلَّاقة جديدة، فالأفكار الإبداعية ينتجها تلاقح المتباينات وليس تجميع المتشابهات الذي تستهدفه خوارزميات الإنترنت في المقام الأول.

2.6. سيطرة النموذج الربحي

يحتج كثير من المراقبين على آلية عمل الخوارزميات الموجهة بالأساس لتحقيق الفائدة المادية على حساب القيم الإنسانية والأخلاقية. وتدلِّل كيت أوت (Kate Ott)، إحدى الباحثات النسويات، على التأثير السلبي لخوارزميات شبكات التواصل على قيم الانفتاح والشمولية والتعاون والتشبيك، والتي كان من المأمول أن يرسخها عمل هذه الشبكات، والتي تعتبرها قيمًا تحتفي بها الحركة النسوية كذلك إلا أن ما آلت إليه الإنترنت من تغليب للنموذج المادي الربحي أدى إلى تقويض هذه القيم وجعلها أسيرة لمصالح شركات المال والأعمال(40). ولذلك فهي تدعو جميع الناشطات النسويات للعمل بجد من أجل هندسة خوارزميات أكثر عدالة وقيمية.

3.6. تشجيع الانحراف السلوكي

نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا، في يونيو/حزيران 2019، تُحَقِّق فيه في الأضرار التي ترتكبها خوارزميات يوتيوب لمجرد زيادة نسب المشاهدة(41). وأكدت أن الخوارزميات تشجع الأشخاص المنجذبين جنسيًّا نحو الأطفال على مشاهدة مقاطع تم تصويرها لأطفال بثياب البحر في منازلهم وفي ظروف عادية؛ حيث يقوم هؤلاء الأشخاص بتداول هذه المقاطع والتعليق عليها بشكل يحرض على ارتكاب جرائم ضد الأطفال. وهو ما اضطر يوتيوب إلى إلغاء خاصية التعليق على المقاطع لتقليل العواقب السيئة لنشرها. وكانت إدارة يوتيوب قد قررت، في 2015، إطلاق موقع مخصص للأطفال في الولايات المتحدة الأميركية باسم (YouTube Kids) يهتم بنشر المقاطع الملائمة للأطفال تحت سن 18 سنة، لكن يبدو أن هذه الخطوة غير كافية لحل المشكلة، حيث أكد بحث تم إجراؤه على الموقع، في مايو/أيار 2019(42)، أن 35% من نقرات الأطفال على المقاطع قد تقودهم إلى مشاهدة محتوى لا يناسب سنهم.

4.6. تهديد قيم الديمقراطية

يرى كثير من المراقبين أن هناك تهديدات حقيقية تمثِّلها منصات التواصل الاجتماعي على قيم الحرية والديمقراطية لعدة أسباب؛ ففي وقت مبكر من ظهور هذه التطبيقات ساد الظن بأنها تفتح أبوابًا واسعة لنشر قيم العدالة والمساواة وتجسير الفجوة المعلوماتية التي صنعتها الأنظمة التقليدية للإعلام بين الشمال والجنوب وبين القرى والمدن حول العالم، وإتاحة الفرصة للمواطنين بالمشاركة في صناعة المحتوى الإخباري. إلا أن ما تكشَّف عن آليات عمل الخوارزميات التي تستخدمها هذه المنصات أكد إرساءها لبنية تحتية شمولية تزيد من إحكام القبضة على الشعوب في مواجهة الديكتاتوريات(43). فالمعلومات الشخصية التي يتيحها المستخدمون طوعًا على هذه المنصات يمكن بسهولة استغلالها للإضرار بمصالحهم دون علمهم.

ويؤكد إيلي باريسر على هذه الفكرة فيقول: إن خوارزميات الإنترنت لا تدعم المناخ الديمقراطي، لأن الديمقراطية تعمل عندما نستطيع النظر خارج حدود ذواتنا لنفهم آمال الآخرين وطموحاتهم(44)، فهي قد تكون مناسبة لعمليات التسوق الإلكتروني لكنها غير مناسبة إطلاقًا لاتخاذ قرارات جماعية رشيدة، الخوارزميات تربطنا باهتماماتنا بشكل أكبر بكثير من قدرتها على تجسير الفجوات بيننا وبين الآخرين وهذا تهديد كبير للديمقراطية(45). وتضيف زينب توفيقجي* أن التكنولوجيا الرقمية تحولت من آمال نشر الديمقراطية إلى كونها أصبحت أسلحة تهاجمها(46).

 

5.6. تعميق الرؤية الأحادية للأمور

في مقال بعنوان “هل شبكات التواصل تحجب عنَّا الرؤية من منظور أكبر؟” تشرح جينا وورثام (Jenna Wortham) آفاق التطور المستقبلي لمنصات الإعلام الاجتماعي واتجاهها نحو تشبيك المستخدمين ببرامج اتصالية لتبادل الرسائل مثل “الواتساب” المملوك من قبل فيسبوك، والذي يؤدي لتقوية الأواصر بين المجموعات المتشابهة فكريًّا ويسهِّل تجنب الأشخاص المختلفين(47). وتكمن خطورة ذلك في أن عدم الاستماع لأفكار الآخرين قد يعني في المستقبل عدم القدرة على العيش معهم على الكوكب نفسه.

6.6. تبدد فكرة المحاسبة

هذه المشكلة ناتجة عن الاعتماد المطرد على الخوارزميات في عمليات اتخاذ القرار وتنحية العوامل الإنسانية جانبًا بدعوى الحيادية(48) إلا أن متخصصي المعلومات يؤكدون أن الخوارزميات ليست محايدة (Value-Laden-ness) بل متحيزة لصالح من صممها، وبمرور الوقت قد تتحول إلى صناديق سوداء غامضة لا يمكن التحكم فيها(49). وهذا يعني أنه في حال تسببت هذه الخوارزميات في أية انتهاكات أخلاقية أو جرائم إنسانية فلا يمكن توجيه التهمة لجهة ما بعينها، لأن الفاعل -الخوارزميات- خارج عن السيطرة. ولعل مثال تحديد المسؤولية في حوادث السيارات ذاتية القيادة مشابه لموقف الخوارزميات المستخدمة في منصات الإعلام الاجتماعي حيث يعتقد الخبراء أن المسؤولية في هذه الحالة لها ثلاثة أبعاد: البعد الأول إنساني ويُقصد به المبرمج الذي صمم الخوارزمية (ومَنِ الذي اختاره للقيام بهذه المهمة؟ وما أسس الاختيار؟)، والثاني هو تحديد الأطر القانونية والأخلاقية للفعل الذي تم ارتكابه، والبعد الثالث تحليلي ويشمل دراسة العملية التي يتم اتخاذ القرار وفقًا لها في تقدير الأخطار المؤكدة والمحتملة(50).

7.6. تشتيت انتباه المستخدمين

من الإشكاليات التي يثيرها استخدام الأجهزة الذكية أنها تمثِّل مصدرًا لتشتيت الانتباه يصعب معه التركيز في متابعة مهمة ما بشكل متواصل(51). فخوارزميات المنصات الاجتماعية ومحركات البحث وبرامج المراسلة توافيك بإشعارات عن التحديثات ويغريك بعضها بالتفاعل فتترك المهمة التي عليك إنجازها وتستغرق في مراجعة الإشعارات واحدة تلو الأخرى وربما لا تعود إلى استكمال المهمة التي بدأتها. ويصبح السؤال الذي عليك الإجابة عنه: كيف تستطيع أن تضبط انتباهك لإنجاز مهامك في عصر يدفعك لتشتيت الانتباه؟ وتزداد أهمية الإجابة على هذا السؤال إذا عرفنا أن الأبحاث تؤكد أن الأشخاص الذين يمكنهم المحافظة على درجة تركيز عالية هم من يستطيعون ترتيب أولوياتهم وإدارتها بنجاح.

8.6. انتهاك الخصوصية

لعل من أحدث القضايا التي أثيرت ضد فيسبوك تلك التي تشير إلى خطورة توافر البيانات الشخصية على المنصة دون محاسبة؛ حيث قام مواطنون أميركيون من ولاية ألينوي برفع دعوى قضائية ضد فيسبوك بدأت عام 2015 يتهمون فيها الموقع باستخدام بياناتهم الحيوية وإظهار صور الوجوه دون موافقتهم. وفي أغسطس/آب 2019، قررت المحكمة رفض محاولات فيسبوك إيقاف إجراءات التقاضي، وهو ما يعني تورط فيسبوك في خرق القانون واحتمال فرض غرامة هائلة عليه إذا ما تم رفع دعوى جماعية من المستخدِمين. ويقول ناثان فريد ويزلر (Nathan Freed Wessler)، محامي الاتحاد الأميركي للحريات المدنية: إن أنظمة التعرف على الوجوه شديدة الخطورة وتُعَدُّ خرقًا بالغًا للخصوصية وإن قرار المحكمة بهذا الشأن يشكِّل اعترافًا قويًّا بأضرار الاستخدام غير المقنَّن لتكنولوجيا مراقبة الوجوه(52).

9.6. نشر الأخبار الكاذبة

تواترت الحقائق الدالة على علاقة خوارزميات الإنترنت بتسميم الفضاء الإعلامي العام بالمعلومات غير الصحيحة والأخبار الكاذبة خاصة في أجواء ما قبل الاستحقاقات الانتخابية المرتبطة بإحداث تغييرات سياسية جوهرية(53). والأمثلة المؤكدة لهذه الحقيقة كثيرة، ولعل أحدثها ما قامت به جموع الناخبين في المملكة المتحدة من التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي بينما أشارت استطلاعات الرأي بأن جبهة المؤيدين للبقاء داخل الاتحاد ستحرز انتصارًا كبيرًا(54). وكذلك عندما تم إعلان فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بانتخابات الرئاسة الأميركية، في 2016، وكان ذلك بمنزلة الصدمة لكثير من المراقبين ومخالفًا لنتائج معظم استطلاعات الرأي التي أكدت تفوق المرشحة عن الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، عليه في معظم القضايا التي تهم الناخب الأميركي(55). يزول الاستغراب عندما يؤخذ في الحسبان التأثير الهائل للرسائل السلبية التي تبثها منصات التواصل الاجتماعي دونما تدقيق فتترك أثرها المُضَلِّل على اتجاهات الرأي العام التي تتشكَّل بصورة بعيدة عن المنطق السليم. ففي حالة ترامب، رصد تويتر ما يقرب من 20 مليون متابع مزيف لحساب @realdonaldtrump وهو ما يعادل نصف عدد متابعيه. كما كان ترامب يشيد في خطبه بإحدى مؤيداته ويسميها نيكول مينسي (Nicole Mincey) وتبيَّن فيما بعد أنها مجرد شخصية وهمية فقام تويتر بغلق حسابها. ويرى مراقبون أن خطورة ذلك تكمن في تزييف ردود فعل الجمهور حول التصريحات الاستفزازية التي كان يطلقها ترامب من حين لآخر(56).

ويؤدي التساهل تجاه نشر الأخبار الكاذبة عبر الشبكات إلى وضع حواجز بين صنَّاع القرار السياسي وبين التصرف بالحكمة المطلوبة المبنية على الاستنارة المعلوماتية، كما تجعل احتمالات تصويت الناخبين بناء على معلومات مُضَلِّلة أكثر ترجيحًا من التصويت بناءً على معلومات أصيلة(57). وفي دراسة معمقة قام بها نثانيل بيرسلي (2017) (Nathaniel Persily)، أستاذ القانون بكلية ستانفورد للحقوق والذي شغل منصب مدير الأبحاث باللجنة الرئاسية لإدارة الانتخابات الأميركية، أوضح أن تقييم الأثر الانتخابي للأخبار الكاذبة يحتاج للتفريق بين أنواعها المختلفة، مثل: الأخبار الكاذبة بغرض الهجاء أو السخرية من الخصم، والأخبار الكاذبة بهدف تحقيق الأرباح، والأخبار الأخرى التي تستخدم لأغراض الدعاية السياسية، وهناك أيضًا أخبار كاذبة بسبب استهتار المحرر الصحفي وعدم اهتمامه بتحري الدقة. ويُعَدُّ تحقيق الأرباح المحرك الأقوى وراء نشر الأخبار الكاذبة خلال الحملات الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية 2016؛ حيث كشف باحثون عن أن نشر الأخبار المؤيدة لترامب والمعادية لكلينتون تدر أرباحًا أكثر من غيرها -حوالي 30 ألف دولار شهريًّا- حيث يتم تداولها على نطاق واسع وتُضاعِف من عدد الزائرين للصفحات الإخبارية مما يجذب المعلنين ويؤدي بالتالي لتحقيق مزيد من الأرباح. وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل الانتخابات الأميركية مباشرة كان هناك 20 خبرًا كاذبًا (مثال: مقتل عميل FBI الذي كشف عن محو كلينتون لرسائل بريدها الإلكتروني، وكذلك خبر تأييد الممثليْن الأميركييْن، توم هانكس وبوب فرانسيس، لترامب) يتم تداولها بأضعاف ما يتم به تداول 20 خبرًا صادقًا عبر وسائل الإعلام الجماهيرية.

10.6. تقويض حرية التعبير

تثير آلية عمل الخوارزميات جدلًا واسعًا حول تهديدها لأحد الحقوق الإنسانية الأصيلة وهي الحق في التعبير بحرية، إلا أن هذا التهديد لا يبدو مباشرًا، لأن حرية التعبير ما هي إلا نتاج لعوامل أخرى مثل حرية الوصول إلى المعلومات، وهذه الأخيرة هي التي تتأثر مباشرة بعمل الخوارزميات؛ حيث يتم تحجيم وتخصيص الكم الذي يمكن الوصول إليه من المعلومات من جانب مستخدمي الإنترنت ومن ثم يتم تلقائيًّا وضع قيود هيكلية على حق الإنسان في تكوين معرفة شاملة ومتكاملة ودقيقة عن القضايا المختلفة، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لحرية التعبير(58).

في المقابل، يحتج آخرون بأن الخوارزميات ليست المتهم الوحيد المتسبب في خلق فقاعة الترشيح، وأن السبب الرئيس في تكوينها هو وجود ميل نفسي طبيعي لدى الأفراد يسمى “تحيز التأكيد” (Confirmation Bias)، ويتجه فيه الأفراد إلى تصديق الأشياء التي تُثْبِت صحة ما يؤمنون به، وبالتبعية فإن هذه الأشياء ستكون هي ذاتها التي يحبون مشاركتها مع الآخرين(59). وتمثِّل هذه الحقيقة الأساس النفسي الذي بُنِيَت عليه نظرية “التنافر المعرفي” (Cognitive Dissonance) المستخدَمة في بحوث الإعلام لتفسير سلوك الجمهور الانتقائي عند تعرُّضه للمحتوى الاتصالي حيث تفترض ميل الفرد إلى التعرض للمحتوى المتسق معرفيًّا مع ما لديه من أفكار ومعتقدات مسبقة لما لذلك من تأثير إيجابي على حالة الاستقرار النفسي لديه(60).

  1. آفاق حل الإشكاليات الأخلاقية المرتبطة بالخوارزميات

تسمح قواعد حماية البيانات في أوروبا للناس بالطعن على عمل الخوارزميات والمطالبة بقرار بشري في حال تعارض الآراء، وهو ما دفع فيسبوك لإنتاج خوارزمية تصنيف الرسائل المشبوهة تلقائيًّا كما عززت يوتيوب من عناصر التحكم البشري في مقاطع الفيديو خاصة تلك المختصة بالأطفال(61).

وتشير ماري بيتس (Mary Bates)، إحدى المتخصصات في علم المعلومات، إلى أن مستخدمي محركات البحث وبخاصة غوغل يمكنهم تجاوز الآثار السلبية لفقاعة الترشيح من خلال استخدام خواص البحث المتقدم، وهي تقترح أن يقوم المستخدمون بكتابة الكلمات التالية Allintitle: (Word) في حقل البحث مع تحديد الحيز الزماني والمكاني المطلوب، وأن هذه الطريقة من شأنها الحصول على نتائج أكثر دقة وشمولًا وتخصيصًا(62).

قدَّم روجر ماكنامي (Roger McNamee) رؤية متكاملة حول الخطوات التي يمكن اتخاذها لمواجهة الإشكاليات الأخلاقية المرتبطة باستخدام منصات التواصل الاجتماعي ومن ضمنها عمل الخوارزميات(62)؛ حيث اقترح تنفيذ النقاط التالية:

  • تجريم استخدام الحسابات الوهمية (Digital bots) لأنها تدمر الفضاء العام لأي مجتمع بشكل غير مسبوق تاريخيًّا، أو قيام المنصات بتعريفها للمستخدِمين حتى يتمكنوا من تجنبها.
  • ألا يتم السماح لشركات تكنولوجيا المعلومات الكبرى بالاستحواذ على الشركات الأصغر إلا بشروط غاية في التقنين في مقدمتها ألا يضر ذلك بقواعد المنافسة أو أن يؤدي لاحتكار سوق المعلومات، وهو الأمر الذي يتناقض مع الفائدة الأساسية التي كانت تميز شبكة الإنترنت وهي سمة عدم المركزية.
  • أن تعمل منصات التواصل الاجتماعي على تطبيق مبدأ الشفافية فيما يتعلق باستخدام الخوارزميات للتعامل مع بيانات المستخدمين وكذلك فيما يتعلق بتحديد الجهات المسؤولة عن إطلاق حملات التوجيه السياسي.
  • ضرورة أن تعمل منصات التواصل الاجتماعي على الحفاظ على علاقة تعاقدية عادلة مع المستخدِمين بخاصة منصات فيسبوك وغوغل، وألا تجعل المستخدِمين مجبرين على الموافقة على شروط اتفاقيات الترخيص الخاصة بالبرامج الجديدة أو ترقية عملها وإلا يتم حرمانهم من استخدام المنصات بكفاءة. يجب أن يحتفظ المستخدم بحرية الموافقة أو الرفض مع الاحتفاظ بكامل حقه في استخدام المنصة.
  • أهمية أن يتم إرساء ضوابط قانونية تحد من الاستغلال التجاري لبيانات المستخدمين من جانب منصات التواصل الاجتماعي وأن يكون للمستخدِم الحق في مراجعة الشروط الخاصة باستخدام بياناتهم التي يجب أن يحتفظوا لأنفسهم بحق امتلاكها.
  • إحياء الوعي بالدور التقليدي للدولة في الاحتفاظ بإدارة الخدمات التي تمس الصالح العام بغرض منع الاستغلال والاحتكار من الشركات الخاصة التي تسعى إلى الربح المادي في المقام الأول.

وهناك اقتراح قدمه كيرستن مارتن (Kirsten Martin) في بحث نُشر بدورية أخلاقيات الأعمال، في أبريل/نيسان 2018، عن ضرورة تقنين فكرة المحاسبة في حال تسببت الخوارزميات في انتهاكات أخلاقية بأن يكون مصمموها هم أول من يتحمل المسؤولية تجاه أية عواقب غير قانونية لتطبيقها(64).

 

  1. نتائج ومناقشات

1.8. تُعَدُّ الخوارزميات في حدِّ ذاتها “كائنًا” غامضًا حتى بالنسبة لمن يقومون بتخليقها، فالمبرمج عندما يصمم خوارزمية ما لأداء وظيفة معينة لا يعرف عن آثار تطبيقها سوى قدر محدود، ولا يمكن الإحاطة بالنتائج الكاملة للتطبيق إلا بعد تجريبه فعليًّا. أي إن إمكانيات التنبؤ بالإشكاليات المعلوماتية فضلًا عن الأخلاقية يُعَدُّ أمرًا معقدًا للغاية وشبه مستحيل.

2.8. لا يتوافر حتى الآن أي تقنين لطبيعة الوظيفة التي تقوم بها الخوارزمية خاصة بالنسبة للخوارزميات التي صُمِّمت لتتبع الأنشطة “الإرهابية” للمستخدمين. ولا تزال مصطلحات مثل “الإرهاب” و”الإرهابية” و”الإرهابي” تطبق بصورة شديدة التحيز ووفقًا لمصالح الأطراف الأقوى سياسيًّا أو عسكريًّا. ومن الطبيعي أن تنتهك نتائج تطبيقها القيم الأخلاقية والحقوق الإنسانية الأساسية بزعم “مكافحة الإرهاب”.

– تسببت فوضى استخدام الإعلام الاجتماعي والغموض المحيط بخوارزمياتها في وقوع آلاف الملايين من المستخدِمين حول العالم فريسة لقوى دولية تدفع بسخاء بهدف السيطرة على الوعي العام الدولي وتزويره لصالح توجهات سياسية وفكرية معينة. وترتب على ذلك تفريغ آلية التصويت الديمقراطي المتَّبعة لقياس الرأي العام من محتواها؛ حيث يؤدي إغراق الشبكات بالأخبار الكاذبة وتفشي عمليات بيع بيانات الجمهور للجهات صاحبة المصالح السياسية إلى تضليل الوعي العام وتزوير الإرادة الجماعية خاصة في اللحظات التاريخية الفارقة التي تتحدد فيها مصائر المجتمعات كالانتخابات والاستفتاءات. وهذه الحقائق كافية لتحريك الاهتمام العالمي بضرورة توعية جمهور الإعلام الاجتماعي بصفتهم الفعلية أنهم مجرد “سلعة” تباع وتشترى و”حقل تجارب” لخوارزميات مجهولة العواقب، أما المستخدمون الحقيقيون فهم أصحاب المصالح التجارية ذات الأهداف الربحية في المقام الأول.

3.8. برغم ما يثار حول تهديد الخوارزميات لقيم الحرية والديمقراطية إلا أنه يجب عدم المبالغة في تأثيرها الفعلي على توجهات الرأي العام بمعنى أنها بمفردها لا تستطيع التحكم في توجهات الرأي العام في المجتمع خلال فترة زمنية معينة خاصة مع تلاشي حالة الانبهار التي صاحبت ظهور شبكات التواصل الاجتماعي وبلوغ الجماهير درجة من النضج أدت لتنشيط حسهم النقدي تجاه ما يتلقونه من رسائل عبر المصادر الإعلامية المختلفة.

4.8. تتسم ظاهرة الأكثر تداولًا بالآنية ويرتبط بقاؤها في مكانة متقدمة بعدة عوامل، مثل: تمثيل مصالح عامة أو قيم مطلقة، وتبني دعوة واضحة أو رؤية محددة للتغيير، وتغذية موازية بحراك فعلي على الأرض لبلورة مطالب الدعوة، والربط المستمر بين الأحداث الآنية المتجددة وبينها (الظاهرة) عبر شخصيات اجتماعية مؤثرة جماهيريًّا.

واستنادًا إلى ما سبق من نتائج وخلاصات، تقترح الدراسة عددًا من التوصيات كما يلي:

  • إنشاء شبكات افتراضية موازية بخصائص مشابهة لسمات شبكات الإعلام الاجتماعي الحالية لتجريب استخدام الخوارزميات فيها قبل تطبيقها فعليًّا على شبكات التواصل الحقيقية وتحديد إطار زمني وتطبيقي مناسب يسمح بمعرفة الإشكاليات التي قد تظهر ومعالجتها أو اتخاذ قرار عدم تطبيق الخوارزمية نهائيًّا.
  • تشكيل مؤسسة دولية مستقلة من المتخصصين في شؤون المعلوماتية تكون مهمتها مراقبة تطبيق الخوارزميات وإلزام محركات البحث أو شبكات التواصل الاجتماعي بوقف تفعيل الخوارزميات التي ثبت ضررها أو انتهاكها للقيم الأخلاقية واتخاذ الإجراءات وممارسة الضغوط الكافية لإجبارها على تنفيذ القرار والحفاظ على مصالح المستخدمين.
  • آن الأوان للبحث عن بدائل عملية لقياس الرأي العام بعيدًا عن التأثيرات السلبية لرسائل الإعلام الاجتماعي تضمن عدم وقوع الجمهور فريسة لتزوير الوعي ومن ثم تضليل الإرادة السياسية أو الاجتماعية. كما يجب أن تتخذ كافة الإجراءات الصارمة لمنع انتشار خطاب الكراهية أو العنف عبر البيئات الرقمية بصرف النظر عن مصدرها لكونها معادية للوجود الإنساني بشكل عام.
  • العالم الآن بحاجة ماسَّة لأطروحة فكرية تجسد الارتباط الحيوي بين آليات عمل شبكات الإعلام الاجتماعي ومدى سيطرتها على بيانات آلاف الملايين من المستخدمين حول العالم وبين ما يُعرف بالسلطوية الرقمية (Digital Authoritarianism) في أوضح صورها بما يمثِّل تهديدًا حقيقيًّا لقيم الحرية والعدالة والديمقراطية وحرية التعبير.
  • هناك ضرورة ملحَّة لأن تتعاون الجهود البحثية الجماعية عبر القارات وتتوجه لبناء استراتيجيات عملية يمكن لجماهير المستخدمين تطبيقها للدفاع عن أنفسهم وحماية خصوصيتهم في مواجهة النهم الجامح لمختلف التطبيقات الرقمية في الاستحواذ على بيانات المستخدمين الشخصية. لكن يجب أن تتسم هذه الاستراتيجيات بالبساطة والوضوح وتستهدف في المقام الأول تمكين الأفراد من الاحتفاظ بحد أدنى من الفاعلية الاتصالية مع التمتع بمساحات أوسع من التحكم في المعلومات الشخصية وحمايتها من الاختراق والتداول.

 

خاتمة

تبدو هندسة تفضيلات مستخدمي منصات التواصل نتيجة حتمية لتزاوج تكنولوجيا الخوارزميات التي هي اللغة التي تستخدمها المنصات للتحكم في الأحجام الضخمة لمعلومات المستخدمين مع مصالح أصحاب الأعمال والنفوذ السياسي بحيث تتحول بياناتهم ومشاركاتهم إلى ميدان مفتوح للتسويق الاجتماعي والسياسي. ويبدو أيضًا أن خاصية الأكثر تداولًا ليس لها تأثير مباشر على توجيه الرأي العام إلا في حالة ما إذا كانت الحملات ذات توجه عام وتماس مع القيم المطلقة وبعيدًا عن المطالب الفئوية أو الاهتمامات الخاصة. وعلى الرغم من فقاعة الترشيح التي تصنعها الخوارزميات فلا يزال أمام المستخدِمين فرصة للاستفادة من نصائح المتخصصين في اجتياز آثارها والانطلاق نحو آفاق معرفية أكثر رحابة وإبداعًا.

المراجع

(1) جيهان أحمد رشتي، الأسس العلمية لنظريات الإعلام، ط 2 (القاهرة، دار الفكر العربي، 1978)، ص 649.

(2) Colleen Cunningham, “Audiences: producers of new media,” in Encyclopedia of gender in media, ed. Mary Kosut (Thousand Oaks, CA: SAGE Publications, 2012), p. 7-9, “accessed October 20, 2019”. https://bit.ly/2PoYbN1.

(3) Avery Phillips, “How has AI changed the way humans communicate,” becominghuman, July 18, 2018, “accessed October 20, 2019”. https://bit.ly/34OaecR.

(4) Edward Louis Bernays, “The Engineering of Consent,” The ANNALS of the American Academy of Political and Social Science, 1947, Vol. 250 (1): 113–120, “accessed October 20, 2019”. https://bit.ly/34SfKeI.

وانظر كذلك: عمر أبو عرقوب، “بين الصحافة وهندسة الجمهور”، مجلة الصحافة (معهد الجزيرة للإعلام، قطر، 7 مايو/أيار 2019)، (تاريخ الدخول: 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2019): https://bit.ly/2rQDZeG.

(5) Julie Brinton and William H. Huggins, “algorithm,” Marriam Webster online dictionary, “accessed September 12, 2019”. https://bit.ly/34QOXzA.

(6) John Loeffler, “How Algorithms Run the World We Live In,” interestingengineering.com, April 29, 2019, “accessed September 13, 2019”. https://bit.ly/2RkfpgQ.

(7) Andreas Töscher, Michael Jahrer, Robert Bell, “The BigChaos Solution to the Netflix Grand Prize,” Netflix priz.COM, (September 5, 2009): 1-52, “accessed September 13, 2019”. https://bit.ly/33QpAfI.

(8) Samuels, Mark Gregory, “The Filter Bubble: What the Internet is Hiding from You by Eli Pariser,” InterActions: UCLA Journal of Education and Information Studies, Vol. 8(2), 2012, “accessed September 14, 2019”. https://bit.ly/2DGVHUJ.

(9) Coding Freak, “Top Algorithms/Data Structures/Concepts every computer science student should know,” medium.com, Jun 26, 2018, “accessed September 14, 2019”. https://bit.ly/2RiQvhD.

(10) Mark Stefik, Lance Good, “Design and Deployment of a Personalized News Service,” (AIMag, 2012), p. 33-28.

(11) Courtney Seiter, “The Secret Psychology of Facebook: Why We Like, Share, Comment and Keep Coming Back,” Buffer, “accessed September 17, 2019”. https://bit.ly/38ePzB8

(12) حسن سعد عبد الحميد، “خوارزميات الإرهاب”، مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 1 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/2Pe8Qd4.

(13) Tetyana Lokot, Editor Max J. Rosenthal, “The ISIS Internet army has found a safe haven on Russian social networks- for now,” pri.org, September 12, 2014, “accessed September 18, 2019”. https://bit.ly/2OPJX8s.

(14) “Do social media threaten democracy?,” The Economist, 4 November 4, 2017, “accessed September 19, 2019”. https://econ.st/362ojni.

(15) Fatma Elzahraa Elsayed, “New Media Technologies and Relieving Humanitarian Crises “The Rohingyan Case”, (Master Thesis, Leeds University, 2018).

(16) فاطمة السبيعي، “الاستقطاب السياسي في مواقع التواصل الاجتماعي”، الوطن، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

(17) مريم ناجي، “هندسة الإقناع: كيف جعلتنا الخوارزميات نثق فيها ونخافها؟”، منشور، 6 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 19 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2rgKrM7.

(18) Uri Gal, “Predictive algorithms are no better at telling the future than a crystal ball,” The Conversation, February 12, 2018, “accessed September 20, 2019”. https://bit.ly/2qnSCG0.

(19) Kevin Kelly, “Better than Free”, Edge Foundation, May 5, 2008, “accessed August 8, 2019”. https://bit.ly/2YDwKDc.

(20) “تعرف كيف تخدعك شبكات التواصل الاجتماعي من معرفة أفكارك وأنماط حياتك؟”، تركيا الآن، 6 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 1 أغسطس/آب 2019)، https://bit.ly/2qoQQVa.

(21) Henry A. Farrell, “Bubble trouble,” The American Prospect, Vol. 22, Issue 7, (2011): 22-60.

(22) Nikki Usher-Layser, “Newsfeed: Facebook and news consumption,” Phi Kappa Phi Forum, (Fall 2016): 18-21.

(23) Zoe Corbyn, “Facebook experiment boosts US voter turnout,” nature.com, September 12, 2012, “accessed September 20, 2019”. https://go.nature.com/35Zr2hp.

(24) Paul Hiltin, Lee Rainie, “Facebook Algorithms and Personal Data,” Pew Research Center, January 16, 2019, “accessed September 20, 2019”. https://pewrsr.ch/2DLDiG8.

(25) John Bohannon, “Is Facebook keeping you in a political bubble?,” ScienceMag.org, May 7, 2015, “accessed August 20, 2019”. https://bit.ly/34QtVkm.

(26) Paul Covington, Adams Jay, Emre Sargin, “Deep neural networks for YouTube recommendations,” Proceedings of the 10th ACM conference on recommender systems, 2016.

(27) Katie Sehl, “How the Twitter Algorithm Works in 2019 and How to Make it Work for You,” blog.hootsuite.com, February 20, 2019, “accessed August 20, 2019”. https://bit.ly/2PpAnbR.

(28) محمد شومان، “لماذا تراجعت ثقة الجمهور في الإعلام”، اليوم السابع، 19 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 15 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/2rXMynO.

(29) Jessica. T. Feezell, Agenda Setting through Social Media: The Importance of Incidental News Exposure and Social Filtering in the Digital Era,” Political Research Quarterly, Vol. 71(2), (2018): 482–494, “accessed August 20, 2019”. https://bit.ly/2LmLxwN.

(30) Philip N. Howard et al. “Social Media, Civic Engagement, and the Slacktivism hypothesis: lessons from Mexico’s “El Bronco”,” Journal of International Affairs, Vol. 70 Issue 1, Winter (2016): 55-73.

(31) “علماء مصر غاضبون”، (تاريخ الدخول: 22 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bit.ly/2rf7hDF.

(32) “علماء مصر غاضبون: حملة تطالب بتحسين أوضاع أساتذة الجامعات والباحثين”، بي بي سي عربي، 27 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 27 أغسطس/آب 2019): https://bbc.in/2DLAM2T.

(33) “محمد علي يتحدى السيسي بهاشتاغ كفايه _بقي_يا_سيسي وأنصار السيسي يردون هنكمل_مشوارنا_معاك_يا_سيسي”، يوتيوب، 17 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2OQDJp1.

(34) ” كيف يستغل الإخوان حملة “علماء مصر غاضبون” للهجوم على مصر؟”، يوتيوب، 1 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2sMRP2e.

(35) Sam Haselby, “Godmother of intelligences,” Aeon, “accessed September 13, 2019”. https://bit.ly/2YksFDW.

(36) “The Guardian view on the ethics of AI: it’s about Dr Frankenstein, not his monster, The Guardian, Jun 12, 2018, “accessed August 11, 2019”. https://bit.ly/2RlmbmB.

(37) Roger McNamee, “How to Fix Facebook-Before It Fixes Us: An early investor explains why the social media platform’s business model is just a threat- and what to do about it,” Washington Monthly, Vol. 50, (2018): 33.

(38) Brent Daniel Mittelstadt, et al. “The ethics of algorithms: Mapping the debate,” Big Data & Society, vol. 3, No. 2, (2016).

(39) Andrew Richard Albanese, “Now you see it: What is the Internet hiding from you? PW talks with author Eli Pariser,” Publishers Weekly, Vol. 258, (2011): 22.

(40) Kate Ott, “Social Media and Feminist Values: Aligned or Maligned?,” Frontiers A Journal of Women Studies, Vol. 39(1), (January 2018): 93.

(41) Kostantinos Papadamou, et al. “Disturbed YouTube for Kids: Characterizing and Detecting Inappropriate Videos Targeting Children,” researchgate.net, May 2019, “accessed September 15, 2019”. https://bit.ly/38aiGoU.

(42) “الأطفال “على بعد نقرة واحدة” من المواد الإباحية في بريطانيا”، بي بي سي، 30 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 4 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bbc.in/33MW7TX.

انظر كذلك:

باتريك إيفانز، “انتقادات لأمازون لبيعها دمى جنسية على هيئة أطفال”، بي بي سي، 13 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 4 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bbc.in/2YiB4aD.

وانظر كذلك:

“القبض على 660 في بريطانيا للاشتباه في مشاهدتهم صور اعتداءات جنسية على أطفال بالإنترنت”، بي بي سي، 16 يوليو/تموز 2014، (تاريخ الدخول: 4 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bbc.in/34PBSGw.

(43) Dirk Helbing and Evangelos Pournaras, “Build digital democracy,” Nature, Vol. 527, (November 2015): 34.

(44) Jan Gardner, “When machines decide what we ‘think’. Nieman Foundation, Vol. 65, Issue 2, (June 22, 2011): 20.

(45) “Invisible sieve; The dangers of the internet,” The Economist,  Vol. 400, Issue 8740, (July 2, 2011).

(46) Zeynep Tufekci, “The road from Tahrir to Trump: To understand how digital technologies went from instruments for spreading democracy to weapons for attacking it, you have to look beyond the technologies themselves,” MIT Technology Review, Vol. 121, Issue 5, (September 1, 2018).

(47) Jenna Wortham, “Is Social Media Disconnecting Us from the Big Picture?,” The New York Times Magazine, (November 27, 2016), p. 20 (L) Gale General OneFile, “accessed August 7, 2019”. https://bit.ly/2rZf4Wc

(48) Kerstin Martin, “Ethical Implications and Accountability of Algorithms,” Journal of Business Ethics, (June 7, 2018), “accessed August 7, 2019”. https://bit.ly/361UyDh.

(49) Kenneth Taylor, “The Ethics of Algorithms,” August 14 2018, philosophytalk.org, “accessed August 1, 2019”. https://bit.ly/2RmPoh6.

(50) Sven Nyholm, Smids Jilles, “The Ethics of Accident-Algorithms for Self-Driving Cars: An Applied Trolley Problem?,” Ethical Theory & Moral Practice, Vol. 19(5), (2016): 1275-1289.

(51) Carsten Lund Pederson, Managing the Distraction-Focus Paradox, Mit Sloan Management Review, (Summer 2018): 72-75.

(52) “فيسبوك أمام القضاء بشأن تكنولوجيا التعرف على الوجوه”، بي بي سي، 9 أغسطس/آب 2009، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2019): https://bbc.in/2Rlemxi.

(53) Bovet, Alexandre, and Hernán A. Makse, “Influence of fake news in Twitter during the 2016 US presidential election,” Nature communications, Vol. 10, No. 1.7, (2019).

(54) McNamee, “How to Fix Facebook-Before It Fixes Us,”: 34

(55) Fatma Elzahraa Elsayed, “Purposive or Accidental! Why Polls Mislead the Public About the Next US President?,” Journal of Mass Communication & Journalism, (2017), 345. “accessed August 1, 2019”. https://bit.ly/2qsGoMa.

(56) Clay Farris Naff, “call in the Robo-cops: with democracy at risk, can we quell internet bots & trolls?,” The Humanist, Vol.78, Issue 1, (2018): 18.

(57) Nathaniel Persily, “Can Democracy Survive the Internet?,” Journal of democracy, Volume 28, N. 2, (April 2017).

(58) Jack M. Balkin, “Free speech in the algorithmic society: big data, private governance, and new school speech regulation,” UCDL Rev. Vol. 51, Issue 1149, (2017).

(59) Will Self, “Forget the fake news from Mark Zuckerberg and friends–the real filter bubble is you,” New Statesman, Vol. 145, Issue 5342, (November 25, 2016): 38.

(60) Harmon-Jones, Eddie Ed, and Judson Ed Mills, “Cognitive dissonance: Progress on a pivotal theory in social psychology,” American Psychological Association, (1999).

(61) ناصر الهزاني، “كيف تؤثر برمجيات الإنترنت على خياراتنا؟” مكة، 23 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 1 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/341TnlP.

(62) Mary Ellen Bates, “Is Google Hiding My News?,” onlinemag.net, Vol 35, (6): 64-64.

(63) McNamee, “How to Fix Facebook-Before It Fixes Us,”: 33

(64) Martin, “Ethical Implications and Accountability of Algorithms,” Journal of Business Ethics, (June 7, 2018), “accessed August 7, 2019”. https://bit.ly/361UyDh.