ملخص:

يبدو أن الشركاء التجاريين الرئيسين بالعالم في حمى تنافس متصاعد من أجل المحافظة على مصالحهم الاقتصادية والسياسية وعدم ترك إدارة الاقتصاد العالمي لطرف دون آخر. وهذه المرة يتصاعد التنافس بينهما على إيجاد ممرات تجارية عابرة للحدود، تتركز فضاءاتها في الأطراف التي تقع في حساباتهم الإستراتيجية الحالية والمستقبلية. ويمكن أن نطلق على تلك المنافسة الدولية الجديدة (حرب الممرات التجارية)، وقد بدأتها الصين حين أطلقت مبادرتها (الحزام-الطريق)، عام 2013، وخططت أن يكون أحد تلك الممرات لهذه المبادرة عبر دول الشرق الأوسط، وبدأت بالتنفيذ بخطى متسارعة، ثم جاءت الفكرة المقابلة من قبل الولايات المتحدة الأميركية بعد عشر سنوات حين طرحت إنشاء ممر اقتصادي لتعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا، ينطلق من ميناء موندرا في الهند إلى ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة ومن ثم ربط سككي إلى السعودية والأردن ثم إلى ميناء حيفا في فلسطين.

وعلى هذا الأساس، يهدف هذا البحث إلى الوقوف على أهداف تلك الممرات التجارية العابرة للحدود التي ترتكز على جوهر الصراع الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، لغرض التحكم في سلاسل التوريد العالمية من جهة ومحاولات الولايات المتحدة الأميركية لاعتماد الهند شريكًا تجاريًّا يمكن أن يكون منافسًا للصين من جهة أخرى، إلى جانب شركائها الإستراتيجيين في الخليج العربي.

 الكلمات المفتاحية: الهند، الصين، الممر الاقتصادي، الحزام-الطريق.

_____________________

* د. عبد الكريم جابر شنجار آل عيسى، أستاذ العلاقات النقدية الدولية بكلية الإدارة والاقتصاد، جامعة القادسية، العراق.

*Abdulkarim Jabir Shengar Al-Issa, Professor of International Monetary Relations, University of Al-Qadisiyah, College of Administration and Economics, Iraq.

** زينب قاسم علي الأكبر، باحثة في العلوم الاقتصادية.

**Zainab Qasim Ali Al-Akbar, Researcher in Economic Sciences.

 

Abstract

The world’s major trading partners seem to be engaged in an escalating competition to preserve their economic and political interests, ensuring that no single party controls the management of the global economy. Recently, the competition between them has been intensifying over the creation of cross-border trade corridors, focused on regions that are central to their current and future strategic calculations. This new international competition can be referred to as the Trade Corridors War, which China initiated with the launch of its Belt and Road Initiative in 2013. It had planned for one of these corridors to pass through Middle Eastern countries, and began its rapid implementation. Ten years later, the United States introduced a counterproposal, suggesting the creation of an economic corridor to enhance connectivity and economic integration between Asia, the Arabian Gulf and Europe. This corridor would start from Mundra Port in India, pass through Fujairah Port in the United Arab Emirates, and then extend by rail to Saudi Arabia, Jordan and finally to Haifa Port in Palestine.

In light of this, the objective of this research is to examine the goals of these cross-border trade corridors, which lie at the heart of the economic and commercial rivalry between China and the United States. This rivalry aims at controlling global supply chains on one hand, and the United States’ efforts to position India as a potential trade partner and competitor to China on the other hand, along with its strategic partners in the Arabian Gulf.

Keywords:

India, China, economic corridor, Belt and Road Initiative.

مقدمة

في ظل التحولات الدولية المتلاحقة المؤثرة في تراتبية القوى في النظام الدولي والمحاور الإقليمية والدولية المهيمنة، برزت ديناميكيات جديدة في التفاعلات الدولية وفي تحول القوى وأوضاع الدول، تشترك في تركيزها على أن معايير قوة ومكانة الدول وديناميكية سياستها الخارجية تعتمد بشكل كبير على مفاهيم وأدوات للقوة، مثل الموقع الجغرافي للدولة ومزاياها الجيوسياسية بالنسبة لخريطة المحاور والممرات التجارية العالمية، التي تحول الحركة الاقتصادية والتجارة البحرية في العالم، وتأثيراتها المحتملة على مكانة ووزن الدول من خلال موقعها في ممرات تجارية إستراتيجية.

إن التنوع الذي تتمتع به منطقة جنوب آسيا يوفر فرصًا هائلة للتجارة والاستثمار والنمو الاقتصادي، كما يظهر لنا النجاح الملحوظ الذي حققته المنطقة في العقود الأخيرة؛ إذ ازدهرت اقتصاداتها وأصبحت أكثر تشابكًا مع بعضها البعض ومع بقية العالم. وتلعب منطقة جنوب آسيا عمومًا واقتصادها الأكبر الصين والهند خصوصًا، دورًا متزايد الأهمية في الاقتصاد العالمي، وإن البنية الأساسية الإقليمية الجيدة والتخطيط لن تؤدي إلى خفض تكاليف التجارة فحسب، بل إنها ستشجع أيضًا إعادة الهيكلة الصناعية سعيًا إلى تحقيق الكفاءة. ومن ناحية تهدف الممرات الاقتصادية إلى سد فجوات البنية التحتية الإقليمية التي تتفاوت من دولة إلى أخرى ومن ناحية أخرى تعمل على تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية المناصرة للفقراء. فهي تساعد على زيادة التدفقات التجارية وخلق فرص العمل والحد من الفقر. وقد أدى النمو الاقتصادي المستدام إلى زيادة الطلب على خدمات النقل. لذا أصبحت شبكات النقل الفعالة ذات أهمية كبيرة للتعاون الإقليمي، سواء من حيث القيمة المطلقة أو النسبية مع تضاؤل الحواجز الجمركية بشكل عام. وإن تحسين البنية التحتية من خلال الممرات الاقتصادية، من شأنه أن يشجع شبكات الإنتاج عبر جنوب آسيا ويعزز التجارة الإقليمية والعالمية وتحقيق التكامل الاقتصادي في المنطقة.

أهمية البحث: يركز البحث في مدى تأثير وأهمية الممرات التجارية المقترح دراستها، والتي من المتوقع أن تشكل نقطة تحول إستراتيجية في خريطة الممر العالمي، حيث يتوقع العديد من مراقبي شؤون التجارة الدولية أن الممرات في حال تنفيذها ستحرك التجارة الدولية والانتقال بها إلى مرحلة محورية جديدة ذات تأثيرات إيجابية. وتتطلب هذه الممرات مقاربات سياسية عديدة للاستفادة منها، ومن المتوقع أيضًا أن يؤثر على مواقف الدول المتنافسة فيما يتعلق بالتأثيرات المستقبلية. خاصة أن الدول المشاركة لها ثقل كبير يمتد من آسيا إلى أوروبا، وبعضها يصنف حسب المعايير الدولية كاقتصادات ناشئة واعدة، وبعضها صناعية متقدمة.

 

مشكلة البحث: تجري إقامة أو التخطيط للممرات التجارية العابرة للحدود (الحزام-الطريق) والممر التجاري (الهند-الشرق الأوسط) في خضم صراعات سياسية واقتصادية بين كثير من الأطراف المشاركة فيها، بالإضافة إلى اختلاف الرؤى في المكاسب والخسائر إقليميًّا ودوليًّا، فكيف يمكن إنجاز مثل هذه المشاريع في ظل الخلافات أو الاختلافات بين أطرافها؟

أهداف البحث: يسعى البحث إلى الوصول إلى عدة أهداف منها ما يأتي:

  • تسليط الضوء على سباق القوى العالمية من أجل الهيمنة على الاقتصاد العالمي لاعتبارات جيوسياسية وجيوبوليتيكية لكونها من مقومات القوة للدول.
  • الوقوف على الأهداف الاقتصادية للممرات التجارية التي من المتوقع أن تعمل الدول المشاركة فيها على دمج اقتصاداتها مع بعضها البعض، وما يتولد عن ذلك من خلق فرص اقتصادية وتقليل البطالة.

سؤال البحث: هل تعد الممرات البحرية التجارية العابرة للحدود مجالًا للتعاون الاقتصادي من بين أطرافها أم هي مجال للتنافس الجيوسياسي بين القوى الاقتصادية الكبرى؟

منهجية البحث: تم استخدام المنهج الاستنباطي في تناول العلاقة بين أطراف الممرات التجارية بالاستعانة بالأسلوب التحليلي للمؤشرات ذات العلاقة.

تقسيم البحث: ولغرض الوصول إلى تحقيق أهداف البحث جرى تقسيمه إلى ثلاثة مباحث كالآتي:

المبحث الأول: أطراف الممرات التجارية العابرة للحدود.

المبحث الثاني: أهداف الممرات التجارية العابرة للحدود.

المبحث الثالث: دور الممرات التجارية العابرة للحدود في التجارة العالمية.

 

المبحث الأول: أطراف الممرات التجارية العابرة للحدود

المطلب الأول: الممر التجاري (الحزام-الطريق) الصيني

أولًا: أطراف الحزام-الطريق

لا يوجد تعريف واضح للممر الاقتصادي في الأدبيات الاقتصادية، وأصبح المفهوم شائعًا من خلال مشروع بنك التنمية الآسيوي لمنطقة ميكونج الكبرى (GMS)؛ إذ عرف الممر الاقتصادي بأنه البنية التحتية التي تساعد على تسهيل الأنشطة الاقتصادية بشكل يجمع بين شبكات النقل، والموارد البشرية، والاتصالات، وشبكات الطاقة، والبنية التحتية المؤسسية(1). وبدأت فكرة إنشاء الممرات التجارية بعد أن طرح الرئيس الصيني “تشي جين بينغ”، عام 2013، مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية بستة أشهر، وذلك ضمن محاضرة ألقاها في جامعة نزار باييف الكازاخية (Nazarbayev University of Kazakhstan) بعنوان: “المضي قدمًا في الصداقة بين الشعوب من أجل مستقبل أفضل”، خلال زيارة قام بها إلى آسيا الوسطى، ودعا بمشاركته في الاجتماع غير الرسمي لقادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا الوسطى والمحيط الهادي (APEC) إلى المشاركة في تأسيس “طريق الحرير  للقرن الحادي والعشرين”؛ وذلك من خلال ما يلي(2):

  • تعزيز الاتصال السياسي لبناء اقتصاد مشترك تعاوني، وإزالة الحواجز التجارية للحد من نفقات التجارة والاستثمار.
  • تعزيز التعاون النقدي وإنشاء ممر نقل من المحيط الهادي إلى بحر البلطيق، ومن آسيا الوسطى إلى المحيط الهادي.

وطريق الحرير عبارة عن لقب أطلق على مجموعة من شبكات الطرق البرية والبحرية المترابطة مع بعضها البعض فضلًا عن أنابيب للنفط والغاز، ونقل الطاقة الكهربائية، ومد خطوط الإنترنت والألياف الضوئية، والتي كانت تسلكها السفن والقوافل بين الصين وأوروبا لتجارة الحرير الصيني بشكل أساسي، ويبلغ طوله نحو 12 ألف كم؛ إذ يمتد من المراكز التجارية في شمال الصين وينقسم إلى فرعين: الفـــرع الشمالي يمر عبر شرق أوروبا والبحر الأسود وشبه جزيرة القرم وصولًا إلى البندقية، والفرع الجنوبي يمر عبر سوريا وصولًا إلى كل من مصر وشمال إفريقيا، أو عبـر العـــراق وتركيا إلى البحر الأبيض المتوسط(3).

إن هذه المبادرة التي اقترحتها الصين عبارة عن إستراتيجية انفتاح على جميع الأصعدة، واقتراح للتعاون الدولي وفق مبدأ مشاورات واسعة ومساهمات وفوائد مشتركة لما يقارب (63%) من سكان العالم في 70 بلدًا في أوروبا وآسيا وإفريقيا؛ إذ تتبع الصين سياسة تهتم بالعلاقات الاقتصادية، فتعتمد على دول الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج العربي للحصول على موارد الطاقة ومواكبة نموها الاقتصادي المرتفع، وكذلك ترغب في استمرار العلاقة مع الولايات المتحدة لكونها تشكل أكبر شريك تجاري لها، وتعتمد عليها كسوق استهلاكية ضخمة(4).

أما مبادرة الحزام والطريق، فالحزام يُقصد به الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري، أي بناء شبكة شاملة متفرعة عن طريق الحرير الأساس الذي يبدأ من الصين ثم يربطها مع وسط آسيا وروسيا وتركيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط، ويتكون من ثلاثة طرق برية رئيسة، وهي(5):

الطريق الأول: يربط الصين بدول أوروبا، ويمر هذا الطريق بسيبيريا جنوب روسيا ويمتد إلى بحر البلطيق.

الطريق الثاني: يربط شرق آسيا وشمال شرق آسيا وجنوب شرق آسيا فضلًا عن بلدان شمال إفريقيا، يمتد من الصين ويمر ببلدان آسيا الوسطى وإيران ودول شبه الجزيرة العربية وصولًا إلى أوروبا.

الطريق الثالث: يبدأ من الصين ويمر بجنوبها وصولًا إلى الهند.

أما الطريق، فيقصد به طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، أي بناء شبكة بحرية تستهدف ربط الساحل الصيني بأوروبا بدءا من بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط بطريق واحد وصولًا إلى السواحل الإفريقية، وربط الساحل الصيني ومنطقة جنوب شرق آسيا والباسيفيك(6). ويتكون من خطين رئيسين، هما(7):

الطريق الأول: يبدأ من بحر الصين إلى المحيط الهندي مرورًا ببحر العرب والبحر الأحمر إلى البحر المتوسط.

الطريق الثاني: يبدأ من بحر الصين الجنوبي إلى المحيط الهادئ.

فضلًا عن طريق الحرير الرقمي فهو جزء من مبادرة الحزام والطريق، وتروِّج له الحكومة الصينية على أنه استثمار سليم ومساعدة في مجال التنمية الاقتصادية ودعم للبنية التحتية الرقمية في أرجاء العالم. لكن تبرز مخاوف من أن نمو تكنولوجيا المراقبة والبنية التحتية الرقمية الصينيتين لاسيما من خلال هيمنتها في مجال تكنولوجيا الاتصالات من الجيل الخامس (5G) والذكاء الاصطناعي، سيهدد الحريات المدنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع تراجع نفوذ دول كالولايات المتحدة وأوروبا، ينتاب بعض ناشطي المجتمع المدني ومنظماته في أرجاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مخاوف من أنهم يخسرون جهات حليفة تدعم الحوكمة الرشيدة والديمقراطية وحقوق الإنسان(8).

أما طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين فيتضمن ما يُعرف بطريق الحرير القطبي الذي أعلنت عنه الصين في عام 2018، وتتمثل أهمية هذا الطريق بالنسبة للصين في أنه يختصر وقت الرحلات إلى أوروبا بمقدار 20 يومًا بالمقارنة مع المسار التقليدي عبر قناة السويس، كما تحاول الصين من خلال هذا الطريق التعاون مع روسيا لكي تقلل مخاوفها تجاه التمدد الصيني، ويحمل هذا المشروع أهمية كبيرة لروسيا أيضًا حيث تستطيع نقل صادراتها من النفط والغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية عبر القطب الشمالي(9). وما يحققه طريق الحرير للصين هو الاستثمار الأجنبي المباشر في دول الطريق، وغزو السوق الأوروبي والعالمي، وتأمين الطاقة للصين وشركائها، وطرق بديلة للمنتجات الصينية. وأن يكون تأثيرها هائلًا على الدول والمناطق منها المنطقة العربية التي يمر بها طريق الحرير(10). وإن اختيار الصين للدول العربية لأسباب عدة منها ما يأتي(11):

  • تشرف الدول العربية على العديد من البحار والخلجان والممرات.
  • تطل على منافذ للتجارة العالمية (مضيق هرمز – باب المندب – قناة السويس).
  • خصائص الموقع البري باعتباره امتدادًا بين قارتي آسيا وإفريقيا.
  • وفرة في الموارد الطبيعية خاصة موارد الطاقة.
  • إمكانية تنفيذ عدد من المراكز اللوجستية.
  • إن الشراكة الاقتصادية الصينية العربية لاسيما مع دول مجلس التعاون الخليجي العربي والعراق والتي تصاعدت بشكل كبير في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

ثانيًا: التحديات والمعوقات التي تواجهه الممر التجاري (الحزام- الطريق)

هناك عدد من التحديات والمعوقات الاقتصادية التي تواجهها مبادرة الحزام والطريق الصينية، أهمها ما يلي(12):

1- على المستوى الكلي: يأتي المصدر الرئيس لتمويل بناء الحزام والطريق من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وصندوق طريق الحرير (Asian Infrastructure Investment Bank) (AIIB)، وتحتاج الصين إلى التأقلم مع العديد من المشاكل المحتملة التي قد تتعرض لها المؤسستان، فإن (AIIB)، كأحد ابتكارات الصين سيواجه في عمله عدة تحديات تتعلق بمسائل اقتصادية، مثلًا بعد أن تشارك الدول الأوروبية في البنك ستحاول زيادة نفوذها في قراراته، مما يظهر مدى قدرة الصين على موازنة هيكلية الحصص فيه مع مختلف المجموعات، وإن ظهور (AIIB) سيؤثر بالتأكيد في مصالح الولايات المتحدة واليابان ويتحدى هيمنة الدولار. لذا، تحتاج الصين إلى توحيد الجهود المختلفة للدول واستخدام إمكانيتها الدبلوماسية لتعزيز التعاون بين الدول، ومن ثم تعزيز التنمية المعمقة لتشييد الحزام والطريق.

2- مبادرة لتنمية العالم: لا يتحمل تشييد الحزام والطريق مسؤولية المشاكل المتعلقة بالقدرة المفرطة للصين ومبدأها التوجه نحو العالمية فحسب، بل أيضًا مسؤولية تحقيق تقديم صناعي وتنمية اقتصادية مشتركة للدول الواقعة على طرق المبادرة، لذا يجب على الصين أن تأخذ بالحسبان البنية الصناعية للدول الواقعة على دروب المبادرة، وحجم أسواقها، وإيلاء اهتمام لخطر البنية الصناعية غير الملائمة للدول المرتبطة بالحزام والطريق والناتجة عن اعتماد برامج استثمار من دون دراسة كافية.

3- عدم وجود آليات استجابة للمخاطر: على الصين أن تكشف عن قدراتها وعواملها الاقتصادية للأسواق الأجنبية، لتعميق إصلاحها على جميع الأصعدة، وبالأخص رؤوس أموالها؛ إذ كانت الصين في الماضي تحتاج إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وقد حان الوقت الآن لكي تخرج رؤوس الأموال الصينية إلى خارج حدودها؛ مما يؤدي إلى غياب الإدراك الكافي عن مخاطر العمل عالميًّا، وعدم وجود آليات استجابة للمخاطر ذات الصلة.

 

المطلب الثاني: الممر التجاري (الهند-الشرق الأوسط)

أولًا: أطراف الممر التجاري

إدراكًا لحجم المكاسب والتداعيات المحتملة والمكانة على خارطة المحاور اللوجستية العالمية، أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال قمة الدول العشرين، في سبتمبر/أيلول 2023، عن مشروع “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” الذي عُرف إعلاميًّا بـ”الممر الكبير” ويضم كلًّا من: الهند، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، وإسرائيل، والاتحاد الأوروبي.

وبحسب الموقع الرسمي للبيت الأبيض فقد جرى التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء المشروع الذي يفترض أن يتضمن ممرين؛ أولهما طريق من الهند إلى الخليج، وطريق آخر من الخليج إلى أوروبا، وقد صدرت تصريحات غربية متحمسة للمشروع باعتباره مبادرة ضخمة للبنية التحتية عابرة للحدود الوطنية، وقد وصفت (أورسولا فون دير لاين)، رئيسة المفوضية الأوروبية، هذا الممر بأنه قد يقلِّل من وقت توصيل البضائع بنسبة (40%) تقريبًا. ورغم شح التفاصيل المعروفة عن المشروع، فإنه يبدو إستراتيجية جغرافية اقتصادية تمثل ثمرة جهود بذلها كل من صنَّاع السياسات الأميركيين والهنود لاستعادة وضعهم عالميًّا في مواجهة الصين، أما بالنسبة للولايات المتحدة فيعمل المشروع كاستجابة تنموية لمبادرة الحزام والطريق الصينية(13).

وتبرز ثلاث مزايا رئيسية بإمكان الهند استغلالها في مساعي توطيد العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ أولًا: باستطاعة الهند الاستفادة من القوة الناعمة الكبيرة التي تتمتع بها في المنطقة؛ إذ يحظى هذا البلد بصورة حميدة في نظر الحكومات والشعوب في الشرق الأوسط؛ مما يمهد الطريق أمام علاقات أقوى. ثانيًا: يمنح حجم الشتات الهندي في المنطقة وأهميتها نفوذًا كبيرًا، وأخيرًا، تتمتع الهند بعلاقات جيدة مع الداعم الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي، أي الولايات المتحدة(14).

ويأتي الممر الجديد في إطار “الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار”، وهي الشراكة التي أعلنها الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال قمة مجموعة السبع، في يونيو/حزيران 2022، في ألمانيا. وتهدف الشراكة إلى “تسريع الاستثمارات لتوسيع نطاق مشاريع البنية التحتية عالية الجودة، وتطوير الممرات الاقتصادية”، بحسب ما ذكره بيان أميركي/هندي. وأكد البيان أنه “في جميع أنحاء العالم، من آسيا مرورًا بإفريقيا إلى نصف الكرة الغربي، ستواصل الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار بناء وتعزيز تحالفات الشركاء، من حكومات وقطاع خاص وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، لتطوير ممرات اقتصادية رئيسة ودفع الاستثمارات عالية الجودة”(15). وتبين الخريطة الآتية طريق ممر الهند-الشرق الأوسط.

الشكل رقم (1): خريطة مسارات وطرق ممر الهند-الشرق الأوسط

 المصدر: https://www.asswak-alarab.com/archives/31647

ثانيًا: تحديات ومعوقات تنفيذ مشروع الممر الاقتصادي الهندي

على الرغم من الإمكانات الواعدة التي يتمتع بها مشروع الممر الاقتصادي الهندي-الشرق الأوسط من الناحية النظرية، إلا أن تنفيذه يواجه مجموعة من التحديات والمعوقات المعقدة التي تدفع بعض المحللين إلى اعتبار المشروع مجرد مبادرة دعائية قد لا تتجاوز إطارها النظري لتتحول إلى واقع عملي ملموس. ويمكن تصنيف أبرز هذه المعوقات على النحو التالي:

  1. التباين في التحالفات الاقتصادية والجيوسياسية للدول المشاركة

يشكل تباين الانتماءات الاقتصادية للدول المعنية بالمشروع تحديًا جوهريًا، حيث تنتمي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7)، في حين أن الهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أعضاء في مجموعة “بريكس” التي تضم أيضًا الصين وروسيا. ويؤدي التنافس الجيوسياسي بين هذين التكتلين إلى خلق حالة من عدم اليقين حول الاستخدام الاستراتيجي للممر الجديد. ففي حال اعتباره أداة لتعزيز مصالح مجموعة السبع، قد يشكل ذلك تهديدًا مباشرًا لمبادرات أخرى، أبرزها “الحزام والطريق” الصينية. علاوة على ذلك، فإن محدودية حجم التجارة الإقليمية تجعل من الصعب استدامة كلا المشروعين في آن واحد، مما قد يدفع ببعض الدول المشاركة إلى اتخاذ مواقف حذرة خوفًا من إثارة حفيظة الصين واعتبار المشروع خطوة غربية تهدف إلى الحد من نفوذها الاقتصادي العالمي.

  1. قدرة الهند التنافسية على مواجهة الصين

يُطرح التساؤل حول مدى قدرة الهند على الحلول محل الصين في سلاسل التوريد العالمية، حيث يُعد الاقتصاد الصيني أكبر بنحو خمسة أضعاف من نظيره الهندي. كما تعاني الهند من تحديات هيكلية في التنمية البشرية، تشمل انتشار الفقر وارتفاع معدلات البطالة، مما يجعل ردم الفجوة الاقتصادية بين البلدين يتطلب فترة زمنية تتراوح بين 15 إلى 20 عامًا في ظل ظروف اقتصادية مواتية. علاوة على ذلك، لا تستطيع الهند مواجهة التحديات وحدها، مما يستلزم دعمًا اقتصاديًا واستراتيجيًا مستدامًا من القوى الكبرى (16).

  1. التحديات المرتبطة بالبنية التحتية

يمثل تطوير البنية التحتية أحد أكبر المعوقات التي تواجه المشروع، حيث تتطلب شبكة السكك الحديدية في منطقة الخليج تطويرًا مكثفًا لاستكمال الربط بين ميناء الفجيرة في الإمارات وميناء حيفا في إسرائيل، بمسافة تقدر بـ 2915 كيلومترًا. وتواجه هذه الجهود تحديات إضافية تتعلق بتحديث أجزاء قديمة من الخطوط الحديدية يعود بعضها إلى فترة الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي يستلزم استثمارات ضخمة وجهودًا هندسية متقدمة لضمان الجاهزية التشغيلية للمشروع.

  1. التحديات المالية وتقاسم التكاليف

تواجه الدول المشاركة في المشروع تحديات مالية كبيرة، حيث تتباين القدرات الاقتصادية بين الدول الغنية مثل الإمارات والسعودية، والدول ذات الاقتصاد الضعيف مثل الأردن، الذي يواجه تحديات اقتصادية ناجمة عن استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري. ومن المحتمل أن تشكل التكاليف الباهظة للمشروع نقطة خلاف رئيسية بين الشركاء، مما قد يؤدي إلى تأخير التنفيذ أو تعديل نطاقه وطموحاته (17).

  1. المخاوف الإقليمية وردود الفعل المحتملة

يواجه المشروع اعتراضات من قوى إقليمية مثل تركيا والعراق وإيران وروسيا. فقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الأهمية الاستراتيجية لبلاده في المبادرات الاقتصادية الإقليمية، مما يعكس حرص أنقرة على الحفاظ على نفوذها الاقتصادي. كما قد ترى العراق في المشروع تهديدًا لموانئها الاستراتيجية والاستثمارات المرتبطة بها، مما قد يؤدي إلى اتخاذ موقف رافض له. أما إيران وروسيا، فقد تنظران إلى الممر باعتباره منافسًا للممرات البديلة التي شكلت جزءًا محوريًا من استراتيجياتهما الاقتصادية والسياسية، خصوصًا الممر الدولي بين الشمال والجنوب (18).

المبحث الثاني: أهداف الممرات التجارية العابرة للحدود

المطلب الأول: أهداف الممر التجاري (الحزام- الطريق)

هناك مجموعة أهداف تطمح الصين إلى تحقيقها عن طريق مبادرة “الحزام والطريق”، وذلك عن طريق مزج كل الموارد المادية والبشرية، منها ما يتعلق بربط اقتصاد الصين ودمجه بالاقتصاد الدولي وبآليات جديدة، وكذلك إيجاد طرق جديدة لخطوط نقل النفط والتجارة، وأيضًا من تلك الأهداف ما يتعلق بطبيعة النظام الدولي والعلاقات الدولية، والرغبة في تغيير شكل تلك العلاقات (19). ويسعى مشروع الحزام والطريق إلى تحقيق جملة من الأهداف التي يمكن رصدها بما يلي:

  • تنمية الاقتصاد الصيني: تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى الانفتاح الشامل على الدول الأخرى، وتحويل مزايا الصين الإنتاجية والتقنية والمالية والخبرات إلى مزايا السوق والتعاون بشكل يحقق الاستفادة للجميع؛ إذ تركز الصين في تعزيز التعاون وإقامة شراكات اقتصادية، ووضع أسس لتنمية اقتصادية عالمية أكثر توازنًا واستقرارًا.
  • نمو التجارة العالمية: يمكن أن تزيد التجارة العالمية في الأعوام المقبلة، وذلك عن طريق الزيادة المتوقعة في حجم الطبقة الوسطى في عدة دول من بينها منطقة آسيا والمحيط الهادي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعن طريق نمو التجارة العالمية تصل الصين لتصريف منتجاتها إلى العالم(20).
  • تعزيز مكانة العملة الصينية: تسعى الصين إلى استخدام عملتها كأساس في التبادل العالمي، خاصة مع الدول المشاركة في المبادرة.
  • إثبات الوجود الصيني في أوراسيا: حيث تتمتع أوراسيا بأهمية جيوستراتيجية وتقع في قلب العالم، وإن الدول التي تسيطر عليها تكون ذات قوة سياسية واقتصادية وجغرافية(21).
  • تطوير البنى التحتية للدول المنخرطة: بما فيها شبكات النقل البري (الطرق السريعة والجسور، سكك الحديد، القطارات فائقة السرعة)، وشبكات النقل الشحن البحري (الموانئ)، خطوط الطيران، وشبكات الاتصالات وشبكات الإنترنت، وشبكات نقل الموارد الطاقوية بمختلف أشكالها.
  • توسع نفوذ الصين في الخارج: الحد من المكائد الجيوسياسية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية وبناء نظام دولي جديد يعزز القوة الوطنية الشاملة للصين وقوتها الناعمة. لذا قامت شركات أمنية صينية بالعمل في هذه الدول لتأمين السفن التجارية وناقلات النفط التي تمر بالقرب من الصومال لحمايتها من القراصنة.
  • تأمين إمدادات الطاقة: تعزيز أمن الطاقة من خلال طرق الشحن البديلة ومكافحة الإرهاب والانفصالية والتطرف الديني في الداخل والخارج من خلال التنمية الاقتصادية وإعادة توزيع الثروة(22).
  • تعزيز الربط البحري الدولي: تسعى مبادرة الحزام والطريق إلى تحقيق إعادة التوازن للعولمة؛ إذ إن العولمة التقليدية بدأت من البحر فتطورت المناطق الساحلية والدول البحرية؛ مما شكَّل ثغرة كبيرة في توزيع الثروات.
  • التبادل الثقافي: تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى تعزيز التبادل الثقافي بين الدول الواقعة على طول خط المبادرة، والاستفادة المتبادلة بين الحضارات، وبناء وضع إنساني وثقافي يخدم التنمية السلمية في الصين، ويخدم التعلم والتفاهم والاحترام المتبادل بينها(23).

 

المطلب الثاني: أهداف الممر التجاري (الهند-الشرق الأوسط)

أولًا: الأهداف الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية للممر التجاري (الهند-الشرق الأوسط)

يسعى المشروع إلى ربط الهند بأوروبا من خلال خط الموانئ وخطوط السكك الحديد والطرق البرية القائمة في الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، لربط المراكز التجارية في القارتين، الآسيوية والأوروبية، وتسهيل تطوير الطاقة النظيفة وتصديرها، وتعزيز الأمن الغذائي، وربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات عبر الكابلات البحرية لضمان الوصول المستمر للكهرباء، وإطلاق العنان لاستثمارات جديدة بين الشركاء، بما في ذلك القطاع الخاص، وخلق فرص عمل جديدة. وبناء عليه، فإن الخريطة الجغرافية للمشروع المطروح بشكله الأولي تفيد بأن الممر المقترح سيمتد عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات، ثم يعبر السعودية والأردن وإسرائيل، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر البحر المتوسط(24).

يمثل مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ذروة الأفكار والجهود الأميركية، لتحدي الصين، ووقف تمددها في منطقة حيوية للمصالح الأميركية. وتسعى الولايات المتحدة من خلاله إلى الحفاظ على مناطق نفوذها أمام التمدد الصيني وتقديم نفسها شريكًا ومستثمرًا بديلًا للدول النامية من خلال مجموعة العشرين. وقد وقَّعت الدول المشاركة في هذا الممر مذكرة تفاهم التزمت بموجبها العمل معًا للمضي قدمًا بالمشروع(25).

  • الأهداف الاقتصادية

يقدِّم الممر الاقتصادي مجموعة كبيرة من الفوائد الاقتصادية المحتملة على الصعيدَيْن، الإقليمي والدولي، من خلال خفض التكلفة وزيادة سرعة شحن الحمولة، فضلًا عن قيامها بالتخطيط لمشاريع الاندماج الإقليمي. ومن أبرز الأهداف الاقتصادية للممر ما يأتي:

  • التنمية الاقتصادية والاستقرار في المنطقة: يهدف الممر الاقتصادي الجديد إلى ربط الهند بأوروبا، وهو ما من شأنه أن يولِّد النمو الاقتصادي، ويحفز الاستثمارات الجديدة، وينشئ فرص عمل جديدة للتخلص من الفقر، وتسهيل تطوير الطاقة النظيفة وتصديرها. كما يهدف إلى ربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات السلكية واللاسلكية من خلال الكابلات البحرية لتوسيع الوصول الموثوق إلى الكهرباء، وتمكين ابتكار تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدمة، وربط المجتمعات بالإنترنت الآمن والمستقر.
  • تطوير الصناعات والبنية التحتية: يلعب الممر دورًا مهمًّا في تطوير الصناعات والبنية التحتية مثل ربط الموانئ مع بعضها البعض في الشرق الأوسط وأوروبا والهند، وتطوير طرق النقل والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب. وتعد هذه البنى التحتية حيوية للرفاهية الاقتصادية وزيادة التجارة والاستثمار الأجنبي(26).
  • إنشاء مرافق تجارية: يعمل هذا الممر على تسهيل التجارة بين المنطقتين، الآسيوية والأوروبية، ويعزز التبادلات التجارية والاقتصادية. وتشكل هذه المرافق بما فيها السلع السريعة والمنخفضة التكلفة، والخدمات اللوجستية، والمرافق الجمركية، أهمية محورية في تسريع تدفق السلع والخدمات بين الدول؛ مما يجعل الأسواق الأوروبية في متناول الهند والشرق الأوسط وإفريقيا والعكس.
  • زيادة التبادل التجاري: من المتوقع أن تسهم السكك الحديدية في تعزيز التبادل التجاري وسرعة وصول البضائع إلى المناطق المستهدفة بصورة أسرع بـ(40%) من شبكات النقل الموجودة الحالية(27).

5-تنمية السياحة: يحمل الممر إمكانات كبيرة للسياحة. ومن المتوقع أن يؤدي تطوير هذا الممر إلى زيادة عدد السياح وتوليد العملات الأجنبية؛ مما يسهم في الرفاهية الاقتصادية للمناطق التي يمر بها(28).

  • تنويع المعاملات المالية: ترغب الهند في تعزيز ناتجها المحلي الإجمالي إلى 5 تريليونات دولار أميركي في عام 2025 وتنويع المعاملات المالية في المناطق المتصلة بها. وإنشاء روابط مالية ومصرفية بين الدول لتسهيل التجارة والاستثمار والتحويلات المالية الدولية.
  • التأثير على التجارة البحرية: وهو بمنزلة طريق حاسم للنقل البحري للبضائع بين جنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، مما يؤثر على الشحن الدولي(29).
  • التعاون والتبادل التكنولوجي: التبادل بين الدول يشجع التكنولوجيا الأكثر مراعاة للبيئة والاستخدام الأكثر كفاءة للموارد الإقليمية، مثل احتياطيات الغاز والأنهار ذات الإمكانات الكهرومائية، من خلال تطوير مشاريع عبر الحدود تسمح بتجارة الطاقة الإقليمية(30).
  • تقليل الاعتماد على وسائل النقل الأخرى والتأثير على أسعار السلع الأساسية: يقلل الممر من اعتماد مناطق العبور على وسائل النقل الأخرى من خلال توفير طرق أكثر مباشرة وأقصر، مما يعزز استقلال مناطق العبور هذه. ويؤثر الممر بشكل كبير على أسعار السلع العالمية؛ فمثلًا يمكن لإمدادات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا عبر هذا الممر أن تؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط في السوق الدولية(31).
  • تعزيز مكانة الهند العالمية: من المقرر أن يؤدي الاستثمار في هذا المشروع إلى تعزيز اقتصاد الهند، وخلق فرص العمل، وفتح الوصول إلى الأسواق الدولية. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى خفض تكاليف النقل بين الهند وأوروبا بنسبة (40%)؛ مما يضع الهند قوة اقتصادية عالمية مهمة(32).

 

ب- الأهداف السياسية

إن فهم ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا يتطلب أكثر من مجرد منظور اقتصادي، فهناك أهداف سياسية إستراتيجية يقوم عليها هذا المشروع، بما فيها الحد من العنف الإقليمي وحل النزاعات وتخفيف التوترات الإقليمية من خلال التعاون الاقتصادي والتجاري. ومن أبرز الأهداف السياسية للممر ما يأتي:

  • تنمية العلاقات السياسية الإقليمية: يلعب هذا الممر دورًا حيويًّا في تعزيز التخادم السياسي والعلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول(33).
  • تعزيز النفوذ والقيادة الأميركية في المنطقة العربية: يهدف هذا المشروع لمواجهة مبادرة الحزام والطريق وتقليل نفوذ الصين المتزايد بين الدول العربية. وهو يمثل بديلًا اقتصاديًّا قدمته الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في المنطقة ومعالجة مخاوفها بشأن علاقات الصين التجارية المتوسعة. وإن دعم إدارة جو بايدن للممر الاقتصادي يؤكد التزام الولايات المتحدة بالبقاء لاعبًا رئيسيًّا في المنطقة ومواجهة تأثيرات الصين وروسيا وإيران. ويسلط المشروع الضوء على الأهمية الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط من حيث الممرات المائية التجارية العالمية وسلاسل التوريد وموارد الطاقة والتأكيد على القيادة الأميركية للعالم(34).
  • دمج (إسرائيل) في المنطقة: تركز الولايات المتحدة على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية فهو محفز لتقوية وتسريع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
  • عزل إيران: تهدف الولايات المتحدة إلى تعزيز الشراكة وإنشاء تحالف اقتصادي بين الهند ودول الخليج العربية وإسرائيل، وبالتالي عزل إيران ومنع علاقاتها الوثيقة مع الهند. ويشمل ذلك إيقاف الاستثمارات الهندية في ميناء تشابهار الإيراني على بحر العرب، والقضاء على فكرة المشروع الإيراني الذي كانت تطمح له للتحول إلى نقطة عبور رئيسة على خط التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا(35).
  • الأهداف الأمنية
  • تعزيز أمن الطاقة العالمية: يمثل الممر الاقتصادي مسارًا حيويًّا في تأمين إمدادات لطاقة العالمية للدول المنتجة الرئيسة منها من دول مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت) والتي تسهم فيها بنسبة 14% من الإنتاج العالمي من النفط الخام وبنسبة 28% من الغاز الطبيعي لكل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر(36)، وبنفس الأهمية تنظر الدول المستهلكة للطاقة الرئيسية مثل الهند التي ينطلق منها مشروع الممر المائي ودول الاتحاد الأوروبي وبعض دول الشرق الأوسط.
  • الاستقرار الأمني في المنطقة: يعتبر ممر الهند والشرق الأوسط محورًا للاستقرار الإقليمي والعالمي. وهي تعزز التعاون الأمني من خلال تسهيل العلاقات والتفاعلات بين الدول، وبالتالي المساعدة في مكافحة التهديدات مثل الإرهاب، والتجارة غير المشروعة، والاتجار بالمخدرات. كما يعزز المشروع القدرات الدفاعية والعسكرية من خلال زيادة التفاعلات العسكرية وتبادل التكنولوجيا.
  • الأمن الاقتصادي: يأمل القائمون على تطوير الممر بالازدهار الاقتصادي وخلق فرص العمل في المناطق التي يربطها من خلال تعزيز التجارة والاستثمار، كذلك يسهم في التنمية الاقتصادية والحد من الفقر، وبالتالي الحد من العنف والتهديدات الأمنية على المستويين، الإقليمي والدولي. وأيضًا أمن الطاقة الذي يمر عبر مناطق غنية بالنفط والغاز الطبيعي، مما يعزز أمن الطاقة للبلدان المعنية والمستهلكين في أوروبا.
  • الأمن الجغرافي: يعد تطوير الممر الذي يكون بين مناطق تشهد توترات وتهديدات أمنية، أمرًا أساسيًّا لإقامة علاقات تجارية واقتصادية واسعة النطاق. وهذا يعزز التعاون الإقليمي، ويساعد في حل النزاعات، والحد من العنف، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الدول.
  • أمن النقل: يؤثر الممر بشكل كبير على أمن النقل باعتباره طريق نقل دولي حاسم، وتعمل مرافق النقل الحديثة والآمنة على تقليل المخاطر والتهديدات المرتبطة بالنقل الدولي مما يعزز الأمن الإقليمي والدولي(37).
  • الأمن البيئي: يلعب الممر دورًا حيويًّا في معالجة القضايا البيئية إقليميًّا وعالميًّا من خلال إقامة التعاون في مجال حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، ويتيح تبادل الخبرات والمعرفة التقنية في مجال حماية البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، وتعزيز حماية الموارد المائية والغابات والصحاري(38).
  • الأهداف الثقافية والاجتماعية

يعد الممر الهندي-الشرق الأوسط إلى أوروبا جزءًا لا يتجزأ من تعزيز التبادل الثقافي وخلق فرص تعليمية وبحثية، وتعزيز السلام والتفاهم الثقافي والاجتماعي. ومن أهم أهداف الممر الثقافية ما يأتي:

  1. التبادل الثقافي: يعزز الممر الروابط والتفاهم الثقافي المتبادل بين مختلف المناطق والمجتمعات وتعميق فهم الثقافات المتنوعة من خلال إقامة العلاقات والتعاون الدولي. وإن التنوع الثقافي لهذه المناطق يساعد المشروع في تعميق الروابط الثقافية مثل التعاون في الفنون والموسيقى والأدب والثقافة الشعبية وغيرها(39).
  2. خلق الفرص الاجتماعية (التعليمية والبحثية): يفتح الممر أيضًا سبلًا لتبادل المعرفة والتعليم من خلال تعزيز التعاون بين الجامعات والمؤسسات الثقافية والمؤسسات البحثية مما يسهم بشكل كبير في التطور العلمي والثقافي للمناطق التي تربطها، ورفع مستوى المعرفة والتكنولوجيا، وتنمية الموارد البشرية الفعالة في مختلف المجالات مثل التعليم والعلوم والتكنولوجيا والرياضة وغيرها(40).

ثانيًا: المنافسة بين ممر (الهند-الشرق الأوسط) و(مبادرة الحزام والطريق) الصينية

يشهد المشهد الجيو-اقتصادي تنافسًا متصاعدًا بين مشروع الممر الاقتصادي الهندي-الشرق الأوسط ومبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث تسعى كلتا المبادرتين إلى تحقيق نفوذ استراتيجي في المنطقة وتعزيز الروابط التجارية والاقتصادية.

ويمكن استعراض أوجه التنافس بين المشروعين على النحو التالي (41):

  1. المنافسة الجغرافية: يركز الممر الهندي على آسيا الوسطى والشرق الأوسط في حين أن مبادرة الحزام والطريق أكثر توجهًا نحو شرق آسيا وأوروبا الشرقية.
  2. المنافسة الاقتصادية: يهدف الممر الهندي لتطوير منطقة الشرق الأوسط والمساهمة في التنمية الاقتصادية. في المقابل تسعى مبادرة الحزام والطريق إلى توسيع وتعزيز نفوذ الصين في المناطق الآسيوية والأوروبية، والمساهمة في تنميتها الاقتصادية والإقليمية، وتسهيل التجارة والنقل بين آسيا وأوروبا.
  3. المنافسة السياسية: يهدف الممر (الهند-الشرق الأوسط) إلى جعل نفوذ أميركا قويًّا في منطقة الخليج العربي وتقوية علاقة السعودية بإسرائيل والهيمنة عالميًّا والحد من التوسع الصيني وعزل إيران. بينما تهدف مبادرة (الحزام-الطريق) إلى تقوية العلاقات بدول الخليج للحصول على مصادر الطاقة كونها تحتاج إليها بنسب كبيرة، وأيضًا تقوية العملة الصينية (اليوان).
  4. المنافسة بين الدول الداعمة للمشروع: مع انضمام الولايات المتحدة يتم دعم الممر الهندي من خلال شراكة مجموعة السبع للبنية التحتية العالمية والاستثمار بينما مبادرة الحزام والطريق مشروع راسخ عمره عشر سنوات ويتمتع بمدى وصول ونفوذ مالي هائل(42).

المبحث الثالث: دور الممرات التجارية العابرة للحدود في التجارة العالمية

المطلب الأول: مساهمة أطراف الممر التجاري (الحزام-الطريق) في التجارة العالمية

أولًا: مساهمة الشركاء الرئيسين المساهمين في الممر التجاري (الحزام-الطريق) في التجارة العالمية

اعتبرت التجارة وسيلة رئيسية لتنفيذ خطط التنمية المستدامة لعام 2030. ومن المعروف أنها محرك مهم للنمو الاقتصادي لكل من الاقتصادات المتقدمة والنامية؛ إذ كان الهدف الأساسي لمبادرة الحزام والطريق هو رفع النمو الاقتصادي والمساهمة في التنمية الاقتصادية الإقليمية، فإن التجارة الدولية هي بالتأكيد الأداة التي من شأنها تحقيق هذا الهدف. ومن المتوقع أن تتأثر 37 دولة بالمبادرة، وتقع هذه الاقتصادات إما على طول الممرات الستة التي تم تحديدها سابقًا أو على طول طريق الحزام والطريق؛ حيث تمثل الصادرات في هذه اقتصادات الدول المشاركة حوالي (36.7%) من إجمالي الصادرات العالمية وحوالي (42%) من الواردات العالمية (باستثناء الاتحاد الأوروبي)، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى تضمين بعض الاقتصادات التجارية الكبرى مثل الصين وألمانيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة ومنطقة هونغ كونغ. وتختلف أهمية التجارة في كل اقتصاد على نطاق واسع(43). والجدول رقم (1) يوضح حجم ونسب مساهمة التجارة الخارجية للشركاء الرئيسيين في التجارة العالمية للمدة (2020-2023).

جدول (1) حجم ونسبة مساهمة الشركاء الرئيسيين في التجارة العالمية للمدة (2020-2023)

(مليار دولار أميركي/نسبة مئوية)

          السنة

        الدول

 2020 2021 2022 2023
الولايات المتحدة الأميركية الحجم 3710.1 4606.2 5284 5064.7
النسبة 10.6% 10.4% 10.6% 10.8%
الاتحاد الأوروبي الحجم 10477.5 13094.9 14491 13909
النسبة 30 % 29.6% 29.1% 29.7%
الصين الحجم 4975.5 6299.1 6486.1 5983.4
النسبة 14.3% 14.2% 13 % 12.8%
بقية العالم الحجم 15732.9 20261.5 23576.5 21927.1
النسبة 45.1% 45.8% 47.3% 46.8%
العالم الحجم 34895.9 44261.6 49837.6 46884.2
النسبة %100 %100 %100 %100

Source: IMF, Direction of Trade Statistic, 2024.

يلاحظ من الجدول السابق حجم مساهمة الدول الكبرى في التجارة العالمية للمدة (2020-2023)، إذ يبين الجدول أن الولايات المتحدة الأميركية بلغ حجم تجارتها 3710.1 مليارات دولار خلال عام 2020 وبنسبة مساهمة بلغت (10.6%) من التجارة العالمية، ثم أخذ حجم تجارة الولايات المتحدة الأميركية بالزيادة حتى وصل إلى 5064.7 مليار دولار بنسبة بلغت (10.8%) من إجمالي تجارة العالم، خلال عام 2023. أما دول الاتحاد الأوروبي فقد بلغت تجارتها الخارجية مع العالم 10477.5 مليار دولار، خلال عام 2020، بنسبة بلغت (30%) وبعدها أخذت بالارتفاع حتى بلغت 13909 مليارات دولار، عام 2023، بنسبة (29.7%) من التجارة العالمية الكلية، حسب آخر تقرير مقدم من قبل صندوق النقد الدولي. أما الصين صاحبة الممر التجاري (الحزام والطريق) فقد بلغ إجمالي تجارتها الخارجية مع العالم خلال عام 2020 نحو 4975.5 مليار دولار بنسبة (14.3%)، وهو أكبر من إجمالي تجارة الولايات المتحدة الأميركية، ثم أخذت تجارة الصين بالزيادة حتى عام 2022، بينما انخفضت قليلًا خلال عام 2023 إلى 5983.4 مليار دولار بنسبة (12.8%) من التجارة العالمية الكلية. أما بقية دول العالم الأخرى فقد شكلت تجارتها الخارجية مع العالم نسبة (45.1%)، خلال عام 2020، بقيمة 15732.9 مليار دولار ثم أخذت بالزيادة حتى وصلت إلى 21927.1 مليار دولار، عام 2023، بنسبة بلغت (46.8%) من التجارة العالمية.

 

ثانيًا: حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي

تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب موقعها الجغرافي المهم، بقوة جيوستراتيجية، جعلت منها بؤرة لتنافس القوى العالمية عبر امتلاكها لإمكانات وقدرات اقتصادية شديدة التأثير والفاعلية في تفاعلات السياسة الدولية، من خلال حيازتها لمخزون هائل من مصادر الطاقة (النفط الخام والغاز الطبيعي)(44). وتعد منطقة الخليج العربي منطقة مهمة ليس فقط جغرافيًّا وإنما اقتصاديًّا وسياسيًّا وتحظى باهتمام متبادل بينهما؛ إذ يوجد في الخليج العربي ممرات مائية تؤثر على حركة النقل البحري العالمي ووصول المنتجات المصدَّرة الصينية إلى الأسواق العالمية خاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وقارة أوروبا. وبالمقابل، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى زيادة صادراتها النفطية إلى الصين كونها مستوردًا رئيسًا للنفط الخام مما جعلها توقِّع معها العديد من الاتفاقيات للشراكة التجارية والاقتصادية(45). والجدول رقم (2) يوضح حجم التبادل التجاري (الصادرات والاستيرادات) بين جمهورية الصين ودول مجلس التعاون الخليجي للمدة (2020-2023).

جدول (2) حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي للمدة (2020-2023)

(مليار دولار أميركي/ نسبة مئوية)

       البيان

السنة

صادرات الصين

لدول المجلس

النسبة من الإجمالي (%) استيرادات الصين من دول المجلس النسبة من الإجمالي (%) حجم التبادل التجاري الميزان التجاري
2020 81.2 19.9 83.4 19.0 164.6 (2.2)
2021 98.3 20.6 130.6 19.5 228.9 (32.3)
2022 126.0 21.7 190.4 19.8 316.4 (64.4)
2023 110.2 22.8 196.1 20.8 306.3  (85.9)

Source: https://www.gccstat.org/ar/statistic/publications.2024.

تجدر الإشارة إلى أن الأرقام بين الأقواس في الجدول السابق تدل على أن القيم سالبة، ويتضح أن صادرات الصين إلى دول مجلس التعاون الخليجي بلغت 81.2 مليار دولار، في عام 2020، وبنسبة بلغت (19.9%) من إجمالي صادرات الصين في تلك السنة. أما استيرادات الصين من دول التعاون الخليجي فقد بلغت 83.4 مليار دولار في نفس العام وبنسبة بلغت (19.0%) من الاستيرادات الكلية للصين. وسجل الميزان التجاري للصين عجزًا في الميزان التجاري بلغ 2.2 مليار دولار لصالح دول مجلس التعاون الخليجي العربي يعود إلى أن الصين مستورد صاف للنفط الخام وتستورد من دول الخليج المصدِّرة الرئيسة النفط (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت). ثم أخذت الصادرات الصينية بالنمو والزيادة حتى وصلت إلى 126.0 مليار دولار وبنسبة بلغت (21.7%) من إجمالي الصادرات خلال عام 2022، وأيضًا ارتفعت الاستيرادات الصينية من دول المجلس إلى 190.4 مليار دولار وبنسبة (19.8%) خلال العام نفسه، وشهد الميزان التجاري الصيني عجزًا بلغ 64.4 مليار دولار. ويلاحظ في عام 2023 تراجعت الصادرات الصينية إلى دول مجلس التعاون الخليجي قليلًا بسبب تراجع الصادرات الكلية الصينية؛ إذ بلغت صادرات الصين 110.2 مليارات دولار بنسبة (22.8%)، وتراجعت الاستيرادات أيضًا حيث بلغت 196.1 مليار دولار بنسبة (20.8%) من استيرادات الصين الكلية، وشهد الميزان التجاري عجزًا بلغ 85.9 مليار دولار.

ثالثًا: اتجاهات التجارة الخارجية بين أطراف الممر التجاري (الحزام-الطريق)

من المتوقع أن تعمل البنية التحتية للنقل المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق على تعزيز التجارة العالمية، وتظهر النتائج المستخلصة من نموذج التوازن الاقتصادي أن حجم الصادرات العالمية من المتوقع أن يزيد بنسبة (1.7%) في عام 2030 ويزيد نمو التجارة العالمية للدول المشتركة بممر الحزام والطريق بنسبة (2.8%)، وسيكون للبنية التحتية في مجال النقل في إطار مبادرة الحزام والطريق تأثير إيجابي حتى على صادرات الدول غير الأعضاء في الحزام والطريق لأن مشاريع النقل في إطار المبادرة ستخفض تكاليف التجارة وزيادة في الصادرات. والسماح لاقتصادات الدول بالاتصال بشكل أفضل بالأسواق الإقليمية والعالمية، واستيراد مدخلات أرخص وأعلى جودة، وبالتالي زيادة الإنتاجية والقدرة على التصدير(46). والجدول رقم (3) يوضح اتجاهات التجارة الخارجية لعام 2023 للشركاء الرئيسيين في التجارة الدولية (الصين والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي) الذين يستحوذون على أكثر من نصف الصادرات العالمية والذين يرون أنفسهم معنيين أكثر من غيرهم من الدول بالممرات التجارية الجديدة التي تطلقها قوى دولية متنافسة على زعامة الاقتصاد العالمي وبالتالي العمل وفق مبدأ الفعل ورد الفعل، نظرًا لما له من أهمية في الإدراك الإستراتيجي لهؤلاء الشركاء، إلى جانب الدول العربية المؤثرة في تجارة الطاقة العالمية (دول مجلس التعاون الخليجي والعراق) ودول إقليمية لها موقع إستراتيجي في مبادرة (الحزام-الطريق)، وهي إيران وتركيا.

جدول (3) اتجاهات التجارة الخارجية بين أطراف الممر التجاري (الحزام-الطريق) لعام 2023

(مليار دولار أميركي)

   إلى

من

الصين الولايات المتحدة الأميركية الاتحاد الأوروبي تركيا العراق الإمارات السعودية الكويت قطر إيران
الصين = 736.6 834.0 46.1 49.9 125.8 109.2 22.6 26.1 45.5
الولايات المتحدة الأميركية 607.6 = 917.8 30.2 10.8 31.4 29.8 4.6 6.7 0.06
الاتحاد الأوروبي 834 917.8 = 134 26.2 60.5 76.5 13.9 22.7 5.4
تركيا 46.1 30.6 134 = 14.3 20.1 5.7 0.7 1.3 6.01
العراق 48.1 10.4 26.2 14.9 = 3.9 1.4 0.6 0.1 1.15
الإمارات 130.9 30.6 60.5 22 4.1 = 23.7 5.7 4.2 12.9
السعودية 100 35.6 76.5 6.6 1.3 29.3 = 2.6 1.3 2.58
الكويت 8.2 3.4 13.9 0.8 0.5 4.9 2.6 = 0.4 0.35
قطر 24.7 6.8 22.7 1.3 0.1 5.2 0.8 2.7 = 0.14
إيران 46.0 0.06 5.4 6.0 1.15 12.9 2.6 0.35 0.15 =

Source: IMF, Direction of Trade Statistic, 2024.

يتضح من الجدول السابق اتجاهات التجارة الخارجية لدول أطراف الممر التجاري لعام 2023، فبلغت تجارة الصين الخارجية مع الولايات المتحدة الأميركية 736.6 مليار دولار، ومع الاتحاد الأوروبي 834.0 مليار دولار، ومع تركيا 46.1 مليار دولار. أما اتجاه التجارة الخارجية للصين نحو دول الخليج العربي فقد بلغ (49.9، 125.8، 109.2، 22.6، 26.1) مليار دولار لكل من (العراق، الإمارات، السعودية، قطر) على التوالي، وشكلت نسبة (51%) من إجمالي تجارة الصين الخارجية.

أما الولايات المتحدة الأميركية فكانت تجارتها الخارجية مع الصين 607.6 مليارات دولار، وكانت تجارتها مع الاتحاد الأوروبي 917.8 مليار دولار، في حين بلغت تجارتها مع تركيا 30.2 مليار دولار، في حين بلغت تجارة أميركا مع الدول العربية (10.8، 31.4، 29.8، 4.6، 6.7) مليارات دولار على التوالي، وهذه التجارة شكلت نسبة (32%) من تجارتها الكلية لعام 2023. أما اتجاه التجارة الخارجية لتركيا فقد بلغ 46.1 مليار دولار مع الصين، في حين بلغت تجارتها مع الولايات المتحدة الأميركية 30.6 مليار دولار ومع الاتحاد الأوروبي 134 مليار دولار، في حين بلغت تجارتها مع الإمارات العربية المتحدة أعلى قيمة 20.1 مليار دولار لعام 2023، وشكلت هذه التجارة نسبة (44%) من إجمالي تجارتها العالمية.

أما اتجاهات التجارة الخارجية للعراق فقد كان ثالث الترتيب للدول العربية فقد كانت تجارته مع الصين 48.1 مليار دولار لعام 2023، وبلغت تجارته مع كل من الولايات المتحدة الأميركية 10.4 مليارات دولار، ومع الاتحاد الأوروبي 26.2 مليار دولار، وأيضًا تركيا 14.9 مليار دولار، في حين كانت التجارة البينية مع الدول العربية ضعيفة وذلك لتركز صادرات البلد فقط على النفط الخام المتوافر لديهم، وشكَّلت تجارة العراق مع هذه الدول نسبة (64%). أما الدول العربية الأخرى فقد كانت الإمارات العربية المتحدة بالمرتبة الأولى مع الصين في تجارتها الخارجية بمبلغ 130.9 مليار دولار، والمملكة العربية السعودية بالمرتبة الثانية 100 مليار دولار وقطر بالمرتبة الرابعة ودولة الكويت خامسًا في اتجاه تعاملاتها التجارية مع الصين. أما تجارة إيران فقد بلغت 46.0 مليار دولار باتجاه الصين، في حين بلغت تجارتها مع الولايات المتحدة الأميركية (0.06%) وهي نسبة ضعيفة، وكانت العلاقة التجارية لإيران أقوى مع الإمارات العربية المتحدة فقد بلغت 12.9 مليار دولار لعام 2023.

 

 

المطلب الثاني: مساهمة أطراف الممر التجاري (الهند-الشرق الأوسط) في التجارة العالمية

أولًا: اتجاهات التجارة الخارجية بين أطراف الممر التجاري (الهند-الشرق الأوسط)

تصاعـــدت المنافســـة الجيوسياســـية بين الهنـــد والصين، مع الإعـــلان خلال قمـــة مجموعة العشـــرين فـــي نيودلهـــي، في سبتمبر/أيلول 2023، عن ممـــر (الهند-الشـــرق الأوســـط) نحو أوروبا؛ ممـــا وضع مســـتقبل فاعلية مبادرة الحزام والطريق الصينية محل منافســـة .وقد جرى خلال القمة التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشـــاء الممـــر الاقتصـــادي، بين الهند والولايات المتحدة والســـعودية والإمارات وفرنسا وألمانيـــا وإيطاليا، ليكون المســـتهدف منـــه زيادة التجارة وتوفير موارد الطاقة خاصة في مجال التكنولوجيا وتحســـين الاتصال الرقمـــي، ويعـــزز الاتصال بين الهند والولايات المتحدة والشرق الأوسط. وإذا تم تنفيـــذ هـــذا البرنامـــج فإنـــه ســـيعمل مـــن وجهة نظر الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات التجارية بين شركائه في الشـــرق الأوسط مع الهند بدلًا من الصين(47). والجدول رقم (4) يوضح اتجاهات التجارة الخارجية للدول المشاركة في أطراف الممر التجاري (الهند-الشرق الأوسط) خلال عام 2023.

جدول (4) اتجاهات التجارة الخارجية بين أطراف الممر التجاري (الهند-الشرق الأوسط) لعام 2023

(مليار دولار أميركي)

إلى

من

الهند الولايات المتحدة الأميركية الاتحاد الأوروبي الإمارات السعودية الأردن إسرائيل
الهند    = 118.4 128.8 75.3 44.8 3.2 8.0
الولايات المتحدة الأميركية 123.9 = 930.3 31.4 29.8 3.6 34.9
الاتحاد الأوروبي 122.5 917.8 = 60.5 76.5 4.8 44.9
الإمارات 73.2 30.6 59.3 = 23.7 2.7 3.3
السعودية 42.5 35.6 73.4 29.3 = 6.7 0.0
الأردن 3.4 4.2 4.9 1.8 4.4 = 0.2
إسرائيل 4.4 26.9 35.9 2.9 0.0 0.8 =

Source: IMF, Direction of Trade Statistic, 2024.

يلاحظ من الجدول السابق أن الهند صاحبة هذا المشروع والتي ترغب الولايات المتحدة الأميركية كسبها وتطوير خط منافس لمبادرة الصين (الحزام-الطريق) كانت تجارتها الخارجية باتجاه الولايات المتحدة الأميركية 118.4 مليار دولار في عام 2023، بينما تجارتها مع دول الاتحاد الأوروبي بلغت 128.8 مليار دولار خلال نفس العام، أما تجارتها مع الدول العربية وهي كل من (الإمارات، والسعودية، والأردن) فبلغت (75.3، 44.8، 3.2) مليار دولار على التوالي، في حين بلغ تجارة الهند الخارجية مع (إسرائيل) 8 مليارات دولار، ويلاحظ أن تجارة الهند مع هذه الدول شكلت أكثر من (40%) من إجمالي تجارتها الخارجية.

أما تجارة الولايات المتحدة الأميركية مع الهند فقد بلغت 123.9 مليار دولار في عام 2023، في حين كانت تجارتها مع الاتحاد الأوروبي 930.3 مليار دولار، وبلغت تجارتها مع الدول العربية المختارة (31.4، 29.8، 3.6) مليار دولار على التوالي، أما نصيب تجارة الولايات المتحدة الأميركية مع (إسرائيل) فقد بلغ 34.9 مليار دولار خلال نفس العام، وشكلت تجارة الولايات المتحدة مع الدول أعلاه نسبة (22%) من إجمالي تجارتها الخارجية. أما تجارة دول الاتحاد الأوروبي مع الهند فقد كانت 122.5 مليار دولار لعام 2023، أما تجارتها مع الولايات المتحدة الأميركية فقد بلغت 917.8 مليار دولار، في حين بلغت تجارة دول الاتحاد الأوروبي مع الدول العربية (60.5، 76.5، 4.8) مليارات دولار على التوالي، أما (إسرائيل) فقد بلغت تجارة الاتحاد الأوروبي معها 44.9 مليار دولار للسنة نفسها، وبلغت نسبة تجارتها مع هذه الدول (9%) من تجارتها الكلية.

أما تجارة الإمارات العربية المتحدة تجاه الهند فقد بلغت 73.2 مليار دولار في عام 2023، وتجارتها مع الولايات المتحدة الأميركية بلغت 30.6 مليار دولار، في حين كانت تجارة الإمارات العربية المتحدة الخارجية مع الاتحاد الأوروبي 59.3 مليار دولار، وتجارتها مع الدول العربية المجاورة، وهي (السعودية، والأردن)، فقد بلغت (23.7، 2.7) مليار دولار على التوالي، وبلغت تجارتها مع (إسرائيل) 3.3 مليارات دولار، وشكلت نسبة تجارة الإمارات مع هذه الدول (32%) لعام 2023 من إجمالي تجارتها الخارجية. أما تجارة المملكة العربية السعودية فبلغت تجاه الهند 42.5 مليار دولار، وكانت مع الولايات المتحدة الأميركية 35.6 مليار دولار، أما تجارتها الخارجية مع الاتحاد الأوروبي فبلغت 73.4 مليار دولار، أما تجارتها مع الإمارات العربية المتحدة فبلغت 29.3 مليار دولار، ومع الأردن بلغت 6.7 مليارات دولار لعام 2023. ولا تتعامل المملكة السعودية العربية مع (إسرائيل) ولا تربط بينهما علاقة تجارية، وشكلت تجارة المملكة مع هذه الدول المختارة (37%) من إجمالي تجارتها الكلية.

أما تجارة الأردن مع الهند فقد بلغت 3.4 مليارات دولار لعام 2023، في حين بلغت تجارتها مع الولايات المتحدة الأميركية 4.2 مليارات دولار ومع الاتحاد الأوروبي 4.9 مليارات دولار، وبلغت تجارتها مع الإمارات 1.8 مليار دولار ومع السعودية 4.4 مليارات دولار، بينما سجَّل التبادل التجاري بين الأردن و(إسرائيل) نسبة تبادل ضعيفة بلغت 0.2 مليار دولار، وشكلت تجارة الأردن مع هذه الدول نسبة (48%) من إجمالي تجارتها الخارجية. أما (إسرائيل) فقد كانت تجارتها الخارجية مع الهند 4.4 مليارات دولار خلال عام 2023، وتجارتها مع الولايات المتحدة الأميركية بلغت 26.9 مليار دولار ومع الاتحاد الأوروبي بلغت 35.9 مليار دولار، أما علاقتها مع الدول العربية فقد كانت معدومة باستثناء الإمارات والأردن فقد بلغت تجارتها معهما (2.9، 0.8) مليار دولار على التوالي، أما نسبة مساهمة تجارتها مع هذه الدول فقد كانت (41%) من تجارتها الكلية.

ثانيًا: حجم التبادل التجاري بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي

من الواضح أن مصلحة الهند في طريقها للانخراط مع دول مجلس التعاون الخليجي، فهذه العلاقات تعود إلى عدة عقود؛ إذ من أولويات الهند ارتقاء سلم الترتيب في التجارة مع دول الخليج؛ إذ ركزت الهند على العلاقات الاقتصادية المتمحورة حول التعاملات التجارية وحاجتها من مصادر الطاقة وافتقرت للعلاقات السياسية والإستراتيجية في بادئ الأمر؛ إذ استفادت الهند من القوة الناعمة التي تمتلكها في المنطقة والتي مهدت الطريق أمام علاقات أقوى مع دول الخليج خصوصًا والعالم عمومًا، بالإضافة إلى علاقة الهند بالولايات المتحدة الأميركية وهي داعم أساسي لدول مجلس التعاون الخليجي(48). والجدول رقم (5) يوضح صادرات الهند واستيراداتها مع دول مجلس التعاون الخليجي للمدة (2020-2023).

جدول (5) حجم التبادل التجاري بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي للمدة (2020-2023)

(مليار دولار أميركي/نسبة مئوية)

       البيان

السنة

صادرات الهند

لدول المجلس

النسبة من الإجمالي (%) استيرادات الهند من دول المجلس النسبة من الإجمالي (%) حجم التبادل التجاري الميزان التجاري
2020 28.8 7.1 53.7 12.2 82.5 (24.9)
2021 35.8 7.5 93.2 13.9 129.0 (57.4)
2022 46.8 8.0 127.4 13.2 174.2 (80.6)
2023 47.1 8.3 126.1 14.1 173.2 (79)

Source: https://www.gccstat.org/ar/statistic/publications.2024.

الأرقام بين الأقواس في الجدول تدل على أن القيم سالبة.

يتضح من الجدول السابق أن صادرات الهند لدول الخليج بلغت 28.8 مليار دولار، في عام 2020، بنسبة بلغت (7.1%) من إجمالي صادراتها، بينما كانت استيراداتها من دول مجلس التعاون الخليجي 53.7 مليار دولار بنسبة (12.2%) من استيراداتها الكلية، بينما ميزانها التجاري سجل عجزًا بلغ 24.9 مليار دولار لصالح دول الخليج. وأخذت تجارة الهند بالنمو والزيادة مع دول المجلس حتى وصلت صادراتها إلى 47.1 مليار دولار، في عام 2023، بنسبة بلغت (8.3%) من إجمالي الصادرات، بينما الاستيرادات بلغت 126.1 مليار دولار وبنسبة بلغت (14.1%) من استيرادات الهند الكلية لنفس السنة، بينما الميزان التجاري دائمًا ما يسجل عجزًا بسبب استيراداتها العالية من مصادر الطاقة حيث بلغ العجز 79 مليار دولار.

 

المطلب الثالث: الدول الكبرى المنتجة والمصدرة للنفط الخام

أولًا: أهمية النفط الخام في أهداف الأطراف المشاركة في الممرات التجارية العالمية

تمثل مصادر الطاقة من الوقود الأحفوري إحدى القضايا التي تسعى كل من الصين والهند إلى ضمان الحصول عليها بشكل آمن دون تعرضها إلى اضطرابات الأسواق العالمية للطاقة، وكلتاهما مستوردتان بشكل صاف بل تمثلان شريكتين رئيسيتين للدول الرئيسة المنتجة للنفط الخام. فعلى سبيل المثال، إن كلًّا من الهند والصين تستوردان نحو (50%) من الصادرات النفطية للعراق في عام 2023(49). وهذه الميزة النسبية لهذه الدول، وهي معظمها عربية باستثناء إيران، يمكن توظيفها لخدمة التفاوض مع الكبار من المساهمين في إنشاء تلك الممرات، وهما الصين والهند، أو دول أخرى كبيرة الحجم مثل الولايات المتحدة الأميركية وتركيا ودول آسيا الوسطى (دول الاتحاد السوفيتي سابقًا) ودولة الاحتلال (إسرائيل). ولمعرفة الميزة النسبية في الاحتياطيات والإنتاج والصادرات من النفط الخام من خلال قراءة الجدول رقم (6) الذي يشير إلى مؤشرات الاحتياطيات العالمية ونسبة مساهمة كل من الدول العربية الأعضاء في دول أوبك، وهي: (الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والعراق، والكويت) للمدة (2020-2023).

جدول (6) نسبة مساهمة الأطراف العربية المشتركة في الممرات التجارية البحرية

  2020 2021 2022 2023
العالم الاحتياطي (مليون برميل) 1545430 1545071 1545228 1545474
  الإنتاج (مليون برميل) 4175.5 4229.8 4407.2 4502.4
الصادرات (مليون برميل) 2101.8 2048.2 2129.1 2231.2
العراق احتياطي (%) 9.3 9.4 10.6 10.8
إنتاج (%) 4.8 4.7 5.0 5.3
صادرات (%) 8.4 8.6 9.0 11.1
المملكة العربية السعودية احتياطي (%) 18.3 17.3 20.3 20.1
إنتاج (%) 12.4 12.2 13.0 15.1
صادرات (%) 16.6 15.8 17.1 18.2
الإمارات احتياطي (%) 8.1 8.5 8.4 8.5
إنتاج (%) 4.0 3.9 4.1 5.1
صادرات (%) 6.6 7.1 8.1 9.0
الكويت احتياطي (%) 6.9 6.6 7.7 7.6
إنتاج (%) 3.1 3.1 3.5 4.0
صادرات (%) 4.6 4.5 4.2 4.4

 

Source: BP. Statistical Review of World Energy, 2023, P. 16.‏ P.27.

  • استخرج الباحث نسب مساهمة الأطراف من مصدر الجدول ومن نفس الصفحات.

يلاحظ من الجدول السابق أن مساهمة الدول الأخيرة في الاحتياطيات العالمية، عام 2020، بلغت نحو (9.3%، 18.3%، 8.1%، 6.9%) لكل من العراق والسعودية والإمارات والكويت على التوالي. في حين سجلت عام 2023 نحو (10.8%، 20.1%، 8.5%، 7.6%) على التوالي. وبلغ احتياطي الدول العربية المذكورة (47%) من احتياطي العالم لعام 2023. أما بالنسبة للإنتاج النفطي فقد بلغ إنتاج الدول العربية المذكورة، عام 2020، نحو (4.8%، 12.4%، 4%، 3.1%) على التوالي ثم تغير الإنتاج إلى (5.3%، 15.1%، 9%، 4%) على التوالي لعام 2023 من الإنتاج العالمي، وشكَّل إنتاج هذه الدول نسبة (29.5%) من إنتاج العالم. أما صادرات النفط الخام فقد بلغت (8.4%، 16.6%، 6.6%، 4.6%) على التوالي لعام 2020 من نسب صادرات العالم. ثم بلغت نسبة مساهمة صادرات الدول العربية لعام 2023 نحو (11.1%، 18.2%، 9%، 4.4%) على التوالي من إجمالي صادرات العالم. أما صادرات الدول العربية فقد كانت نسبتها (42.7%) من الصادرات العالمية.

 

خاتمة

تشير الدراسة إلى أن الممرات البحرية العابرة للحدود تمثل مجالًا استراتيجيًّا جديدًا ضمن التنافس على الهيمنة الاقتصادية العالمية، حيث تتيح فرصًا واعدة لإعادة تشكيل خريطة التحالفات الاقتصادية. وتبرز منطقة الشرق الأوسط، بمفهومها الجغرافي الواسع، بوصفها نقطة ارتكاز حيوية لهذه الممرات، نظرًا لما تمتلكه من مقومات جيواقتصادية وجيوسياسية تجعلها عاملًا محوريًّا في تدفق التجارة العالمية. ويظل قطاع الطاقة الأحفورية، ممثلًا بالنفط الخام والغاز الطبيعي، عنصرًا أساسيًّا في معادلة التجارة الدولية، نظرًا لدور الدول المنتجة في هذه المنطقة في تلبية الطلب العالمي المتزايد على هذه الموارد. كما أن إقامة هذه الممرات يمثل فرصة لتعزيز التكامل الاقتصادي وتحقيق مكاسب تنموية متبادلة، مع تفاوت الحصص الاقتصادية تبعًا لمدى إسهام الدول في حركة التجارة الدولية.

وتأتي هذه التحولات في سياق التطورات الجيوسياسية الراهنة، ولا سيما في ظل التداعيات المستمرة للحرب الروسية-الأوكرانية، التي أفرزت تحديات وفرصًا جديدة، مما يجعل من إنشاء هذه الممرات خيارًا استراتيجيًّا ضمن سيناريوهات التعاون الاقتصادي الدولي المستقبلية. وتبرز أهمية تبني مقاربة متوازنة تعزز من الترابط الاقتصادي بين الدول، مع تجنب تحويل هذه المشاريع إلى ساحات للتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى، وهو ما يتطلب صياغة سياسات مرنة تضمن التوظيف الأمثل لهذه الممرات بما يخدم المصالح الاستراتيجية المشتركة.

وفي هذا السياق، يُعد تطوير البنية التحتية ذات الجودة العالية، وتوطين القوى العاملة في مشاريع البناء، وتعزيز الصناعات الوطنية من الركائز الأساسية لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الممرات. كما أن الإمكانات الجيوسياسية والجيو-اقتصادية التي توفرها هذه الممرات تتيح فرصًا لتعزيز مكانة الدول المعنية ضمن سلاسل التوريد العالمية، بما يسهم في دعم التنمية المستدامة وتعزيز التنافسية الاقتصادية.

ويمثل مشروع “طريق التنمية” في العراق نموذجًا واضحًا لما يمكن أن تقدمه هذه المبادرات من فرص للتنويع الاقتصادي وتعزيز التكامل الإقليمي، مستفيدًا من الموقع الاستراتيجي الحيوي للبلاد ضمن المبادرات الاقتصادية العابرة للحدود، مثل مبادرة “الحزام والطريق”. كما أن المتغيرات الدولية الراهنة، بما في ذلك انضمام بعض دول الخليج إلى مجموعة “بريكس”، تعزز من أهمية التنسيق الاستراتيجي بين الدول المطلة على هذه الممرات لضمان تحقيق الأهداف الاقتصادية المشتركة والاستفادة المثلى من موقعها الجغرافي المتميز في ظل التحولات المتسارعة في المشهد الاقتصادي الدولي.

وفي ضوء هذه المعطيات، فإن بلورة رؤية استراتيجية شاملة ومستدامة لإدارة هذه الممرات يُعد أمرًا ضروريًّا لتعظيم المكاسب الاقتصادية وتعزيز مكانة الدول المشاركة على الساحة الاقتصادية العالمية، بما يكفل تحقيق التكامل والتعاون الاقتصادي وفق أسس تحقق المصالح المشتركة على المدى الطويل.

 

المراجع

(1)  Prabir De and Kavite Iyengar, DEVELOPING ECONOMIC CORRIDORS IN SOUTH ASIA, Asian Development Bank, Manila, 2014, p. 15.

(2)  Justine Szczudlik-Tatar, China’s New Silk Road Diplomacy, the polish institute of international affairs, Vol:82, No:34, 2013, P.3.

(3) واثق علي الموسوي، مبادرة الحزام والطريق بين المفهوم والسياسة، (دار الأيام للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى، 2019) ص ص 34-35.

(4) سنية الحسيني، سياسة الصين تجاه الأزمة السورية، مجلة المستقبل العربي، (مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 440، بيروت، 2015)، ص65.

(5) أميرة أحمد حرزلي، مبادرة الحزام والطريق الصينية: الخلفية والأهداف والمكاسب، في مجموعة مؤلفين، مبادرة الحزام والطريق الصينية: مشروع القرن الاقتصادي في العالم، برلين، (المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، الطبعة الأولى، 2019)، ص74.

(6) باهر مردان مضخور، إستراتيجية الحزام والطريق الصينية للقرن الحادي والعشرين بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية أنموذجًا، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، جامعة بغداد، العدد 67، 2016، ص191.

(7) أميرة أحمد حرزلي، مصدر سبق ذكره، ص74.

(8) وانغ جيان، طارق يوسف، مبادرة الحزام والطريق: التعاون بين الصين والشرق الأوسط في زمن من الاضطراب السياسي، مركز بروكنجز الدوحة، الدوحة، قطر، 2019، ص3.

(9) إياد جاسم جبر الموالي، عبد الأمير عباس الحيالي، مبادرة الحزام والطريق الصينية ودور إقليم سينكيانج فيها، مجلة ديالى، العدد86، 2020، ص14.

(10) المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مبادرة الحزام والطريق: ماذا تحمل للمنطقة العربية؟، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، 2019، ص5.

(11) خالد عبد الله السقطي، مبادرة الحزام والطريق: الدول العربية بين الفرص والتحديات، حلقة نقاشية، الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، 2020، ص19.

(12) وانغ ييواي، مبادرة الحزام والطريق ما ستقدمه الصين للعالم في صعودها، (الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، بيروت، )2017، ص124.

(13) مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، مجموعة العشرين ومشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، 2023، ص7.

(14) كديرا بثياغودا، العلاقات بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي: فرصة إستراتيجية لدلهي، مركز بروكنجز الدوحة، 2017، الدوحة، قطر، ص16.

(15) صحيفة الشرق نيوز، “صفقة كبيرة”.. ممر اقتصادي يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، 9 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان/2024): https://asharq.co/5tqu2.

(16) الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.. الأهداف والتحديات والآثار المتوقعة على مصر، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2024)، https://politicalstreet.org/6171/.

(17) علي العبد الله، الممرات.. سباق دولي، العربي الجديد، 20 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 20 مارس/آذار 2024) https://shorturl.at/RreRJ.

(18)  Aziz Ahmad Fazli, India Middle East and Europe Economic Corridor, International Journal of Advance Research and Innovative Ideas in Education, Vol (10), Issue(1), 2024, p 434.

(19) أحمد حسين الخطيب، الإستراتيجية الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق وتأثيرها على الاقتصاد الدولي، مجلة جيل للدراسات السياسية والعلاقات الدولية مركز جيل للبحث العلمي، العدد (24)، طرابلس، لبنان، 2019، ص115.

(20) قاسم محمد عبيد، ريا عبد الحسين مانع، التوجهات الإستراتيجية في مبادرة الحزام والطريق الصينية دراسة في التوجه الطاقوي، مجلة قضايا سياسية، بغداد، جامعة النهرين، العدد (62)، 2020، ص 12.

(21) نبيل جعفر المرسومي، موقع العراق في مبادرة الحزام والطريق، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 2022، ص ص 4-5.

(22)  Lamiya Makhloufi, China’s New Belt and Road Strategy and Africa, Political Horizons Magazine, Algeria, Vol. 1, Issue 3, 2017, p182.

(23)  Aziz Ahmad Fazli, OP. Cit. p 431.

(24)  World Bank. Belt and road economics: Opportunities and risks of transport corridors. The World Bank, 2019. ‏p.52.

(25) هل يكون الممر الهندي بديلًا غريبًا لطريق الحرير الصيني، جريدة العرب، 13 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://shorturl.at/EOWAA.

(26) سناء ملاح، خريطة الممر الاقتصادي الجديد، موقع المرسال العربي، 2023، 16 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 5 أبريل/نيسان 2024)، KAPSARC, India-Middle East Europe Economic Corridor (IMEC), 2023. p4.

  (27) Aziz Ahmad Fazli, OP. Cit. p 431.

 (28)  Kashif Hasan Khan, India’s Economic Corridor Initiatives: INSTC and Chabahar Port, Routledge, First published, 2024, p3.

(29)  Prabir De and Kavita Iyengar, OP. Cit, p 20.

(30)  Naseri, K. Modern economic and commercial revolution in the middle. Strategic East. (2023), p9.

(31) المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مصدر سبق ذكره، ص4.

(32)  Aziz Ahmad Fazli, OP. Cit, p 433.

(33)  BBC. Will the Indo-European Corridor be a competitor for China? 2/10/2023 (viewed at:5/4/2024): (https://www.bbc.com/persian/articles/cv208q71xveo).

(34) مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، مصدر سبق ذكره، ص8.

(35) التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 2023، ص 318-319.

(36)  Aziz Ahmad Fazli, OP. Cit, p 432.

(37)  Kashif Hasan Khan, OP. Cit , p3.

(38)  Zahidi, I. Effects of the India-Middle East-Europe Corridor on World Trade, Allamah Tabatabai Research Center, China University, 2023, p 408.

(39)  Aziz Ahmad Fazli, OP. Cit, p 432.

(40)  Jamshidi, M. “One Belt, One Road” initiative in China’s new economic order. Politics Quarterly, 2015, p10.

(41)  Jagannath Panda, India-Middle East-Europe Economic Corridor: Will It Get Subsumed by Its Grand Vision?, the Institute for Security and Development Policy (ISDP), Sweden, 2023, p3.

(42)  Bala Ramasamy, et al, Trade and trade facilitation along the Belt and Road Initiative corridors, Trade and trade facilitation along the Belt and Road Initiative corridors, 2017, p 13.

(43) سليم كاطع علي، السياسة الخارجية الصينية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي: الواقع والمستقبل، مجلة دراسات سياسية وإستراتيجية، العدد (42)، 2021، ص127.

(44) مثنى العبيدي، التقارب بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي: التحديات والفرص، مجلة الباحث القانوني والسياسي، جامعة سكيكدة، العدد (1)، المجلد (6)، 2021، ص 29.

(45)  World Bank. Belt and road economics: Opportunities and risks of transport corridors. The World Bank, 2019, p.52.

(46) هل يكون الممر الهندي بديلًا غريبًا لطريق الحرير الصيني، جريدة العرب، 13 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://shorturl.at/EOWAA.

(47) كديرا بثياغودا، مصدر سبق ذكره، ص14.

(48)  BP. Statistical Review of World Energy, 2023, P.6.