ملخص:
كان سقوط نظام الأسد في سوريا، يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حدثًا فارقًا في تاريخ سوريا والمنطقة، فهو من ناحية تتويج لثورة شعب استمرت نحو 13 عامًا، وشهدت جرائم ضخمة ارتكبها النظام بحق شعبه، ومن ناحية ثانية هو تغير جوهري للمعالم الجيوسياسية في المنطقة، من المتوقع أن يؤثر بشكل كبير على الأوضاع العامة ومجريات الأحداث المستقبلية.
لقد كانت الطريقة التي جرى بها الحدث وسرعة سقوط النظام مفاجئة للجميع، واحتاج كثير من الدول إلى أيام لتستوعب المتغير الجديد، وما زالت هناك أسئلة عديدة عما جرى وكيفية سقوط النظام بهذه السرعة وهرب رئيسه إلى خارج البلاد.
وخلال مراحل الصراع استنزفت سوريا كل طاقتها في معاناتها المديدة تحت حكم نظام يوصف بأنه ديكتاتوري دموي استمر لأكثر من نصف قرن. كما عانى المحيط العربي والاقليمي من نظام الأسد وبخاصة أن الأخير استعمل سياسات الاستفزاز والابتزاز أداةً محورية في سلوكه تجاه جيرانه وتجاه القوى الإقليمية الأخرى، إلى أن أتى التحول الأخير، الذي حمل معه عملية تحرير واسعة بتسارع فاق كل التوقعات. ولم يكن هذا التغير السريع وليد الداخل السوري فقط، بل جاء نتيجة تفاعلات دولية وإقليمية عميقة.
ولئن اعتبر السوريون ومعهم المجتمع الإقليمي والدولي تقريبًا أن ما تحقق هو نصر كبير لهم، إلا أن ذلك ارتبط بتحديات صعبة وجسيمة أمام النجاح النهائي والمستقر، وهي تحديات بعضها نمطي والآخر مرتبط بالحالة السورية المعقدة وبآثارها الإنسانية الصعبة.
____________
* د. محمد حسام الحافظ، أكاديمي ومحامي ودبلوماسي سوري سابق.
Dr. Muhammad Hussam Al-Hafez, academic, lawyer and former Syrian diplomat.
Abstract
The fall of Bashar al-Assad’s regime in Syria on 8 December 2024, was a defining moment in the history of Syria and the region. On one hand, it marked the culmination of a popular revolution that lasted nearly 13 years, during which the regime committed horrific crimes against its people. On the other hand, it represented a profound shift in the region’s geopolitical landscape, expected to significantly influence the broader situation and future developments.
The manner in which the event unfolded and the speed of the regime’s collapse took everyone by surprise. Many countries needed several days to fully grasp the new reality, and numerous questions remain regarding what happened and how the regime fell so rapidly, with its president fleeing the country.
Throughout the course of the conflict, Syria exhausted all its resources while enduring prolonged suffering under the rule of a regime described as a bloodthirsty dictatorship that lasted more than half a century. The Arab world and the broader region also suffered under al-Assad’s leadership, particularly since he employed provocative and extortionist policies as key tools in his dealings with neighbouring countries and other regional powers. This all changed with the final transformation, which ushered in a rapid and widespread liberation process that surpassed all expectations. This swift change was not solely the result of internal dynamics within Syria; it also reflected deep international and regional interactions.
While Syrians, along with the regional and international community, universally viewed this as a great victory, it was accompanied by significant and daunting challenges on the road to a lasting and stable success. Some of these challenges are typical, while others are unique to Syria’s complex situation and its dire humanitarian consequences.
مقدمة
حملت الأسابيع الأخيرة من عام 2024 تحولات وتغيرات هائلة في الملف السوري بعد أن مهَّد وسبَّب لها أحداثٌ أخرى جرت في غزة وفي لبنان. ففي الثامن من ديسمبر/كانون من العام الماضي، هرب الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا، فيما لاذت قواته العسكرية والأمنية الضخمة بالفرار، واختفت فجأة، تاركة مقراتها وأسلحتها. وسمحت تلك التطورات والاتفاقيات المصاحبة لها للفصائل المتحالفة تحت راية “غرفة إدارة العمليات العسكرية” التي تشكِّل فيها هيئة تحرير الشام الكتلة الحرجة والنواة الأكثر تنظيمًا دخول دمشق دون قتال في ذلك اليوم.
وكانت تلك الفصائل قد بدأت هجومها بتاريخ 27 نوفمبر/تشرين الثاني في عمليات سميت (ردع العدوان) بهدف معلن هو توجيه ضربة استباقية ضد قوات النظام السوري وحلفائه من حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية المقاتلة الداعمة للنظام. وقد انطلقت العمليات العسكرية بعد تحضيرات مكثفة بدأت منذ عامين على الأقل، فدارت معارك متوسطة إلى مرتفعة الشدة في محورين أساسيين، هما محور ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي ثم تدحرجت كرة الثلج سريعًا فأنهت النظام نفسه في دمشق بعد أقل من اثني عشر يومًا.
بدت سوريا وكأنها استنزفت كل طاقتها في معاناتها المديدة تحت حكم نظام يوصف بأنه ديكتاتوري دموي استمر لأكثر من نصف قرن. كما عانى المحيط العربي والاقليمي من نظام الأسد وبخاصة أن الأخير استعمل سياسات الاستفزاز والابتزاز أداة محورية في سلوكه تجاه جيرانه وتجاه القوى الإقليمية الأخرى، إلى أن أتى التحول الأخير، الذي حمل معه عملية تحرير واسعة بتسارع فاق كل التوقعات. ولم يكن هذا التغير السريع وليد الداخل السوري فقط، بل جاء نتيجة تفاعلات دولية وإقليمية عميقة.
أولًا: السياق المحيط بانطلاق العمليات
جرى اختيار بدء عمليات (ردع العدوان) في توقيت مثالي، تزامن مع نضوج سياق داخلي وإقليمي ودولي يعزز فرص نجاحها. كانت المتغيرات الميدانية الداخلية قد شهدت تحولات مهمة بسبب استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا من جانب، والحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وكذلك الضربات الإسرائيلية المتكررة على مقرات وقواعد تابعة للحزب أو لإيران وميليشياتها في مناطق متعددة من سوريا من جانب آخر.
فيما يتصل بروسيا، فقد اضطرت لتحويل معظم مواردها العسكرية واللوجستية نحو الحرب مع أوكرانيا التي استنزفتها إلى حدٍّ كبير، وتسبب ذلك بتراجع وجودها الذي كان مؤثرًا بقوة على الوضع الميداني منذ بدايته عام 2015. لقد قامت روسا بسحب جزء كبير من قواتها وخبرائها العسكريين، حتى تراجع عدد المواقع العسكرية الروسية من 132 إلى 105 بين 2022 و2023. وتركز الوجود العسكري الروسي على مناطق الساحل بالقرب من قاعدتيها في حميميم وطرطوس. كما قلَّصت روسيا وجودها في مناطق الجنوب مثل درعا والقنيطرة (رغم أنها أعادت بعضها أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان). وقد تبدَّى أثر ظهور عبارات غامضة وغير حاسمة من قيادتها السياسية مثل تصريح وزير الخارجية، سيرغي لافروف، حول التطورات السريعة في سوريا: “ما هي التوقعات؟ لا أستطيع التخمين. نحن لسنا في مجال التخمين”(1)، وكان ذلك من بين التعليقات الروسية العديدة التي أوحت قبل سقوط نظام الأسد بأنها لم تعد في وارد الدفاع عنه، رغم أن الطائرات الروسية قامت بعمليات قصف محدودة في بداية العمليات، لاسيما في حلب وريفها.
أما إيران، فقد كانت بالطبع صاحبة الانتشار العسكري الأكبر مقارنة ببقية القوى الأجنبية؛ إذ تتوزع الميليشيات الإيرانية في كافة المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات السورية، بعدد لا يقل عن 65 ألف مقاتل، من بينهم 11 ألفًا من الجنسية السورية، ونحو 18 ألفًا من الجنسيات العربية والآسيوية. وتوجد هذه الميليشيات في 55 قاعدة و515 نقطة عسكرية في سوريا. وأقر قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، في 2020 بأن عدد هؤلاء أكثر من 100 ألف عنصر في حوالي 70 ميليشيا(2). ولأهمية القوة العددية لهذه الميليشيات، فقد كان قرار إيران بسحبها من مواقعها في خضم عمليات (ردع العدوان) العامل الأكبر في انكشاف وتدهور قوات النظام السوري.
بدأت تلك العمليات بعد ساعات فقط من بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله؛ حيث كان الأخير قد تكبد خسائر ضخمة خلال نحو شهرين من المعارك، شملت جميع قيادات صفه الأول تقريبًا، وفي مقدمتهم أمينه العام، حسن نصر الله، وخليفته، هاشم صفي الدين، كما جرى تدمير عدد غير محدد من القدرات العسكرية للحزب؛ الأمر الذي أجبره على تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 الصادر عام 2006، ويتضمن انسحاب الحزب شمالي نهر الليطاني، وهو الأمر الذي كان يرفضه بشكل مطلق من قبل.
لقد تسبب هذا الوضع للحزب لاسيما مقتل أمينه العام، واستمرار الضربات الإسرائيلية التي شملت بشكل خاص المعابر البرية بين سوريا ولبنان، ووقف طريق إمداد الحزب، مع انتشار الشعور بانكشاف الحزب استخباريًّا أمام إسرائيل، في تراجع معنويات عناصره الموجودين داخل سوريا؛ الأمر الذي خلق سياقًا ميدانيًّا مناسبًا منح عملية (ردع العدوان) فرصة مثالية لتحقيق أهداف سريعة وحاسمة.
العمليات العسكرية والتحرير السريع والحاسم
أدى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، في مارس/آذار 2020، بين فصائل الثورة السورية وقوات النظام السوري إلى تهدئة العمليات العسكرية الواسعة، لكن هيئة تحرير الشام بدأت خلال السنوات اللاحقة في إعادة هيكلة قواتها إلى “قوة مسلحة تقليدية”، مع تحسين التدريب العسكري وإنشاء وحدات خاصة للغارات الليلية، استعدادًا لأي تصعيد محتمل. وقد ساعدها في ذلك سيطرتها على اقتصاد المنطقة والمعابر مع تركيا مما وفر لها وفرًا ماليًّا واسعًا وقدرة مناورة اقتصادية(3).
في الوقت نفسه، واجه النظام السوري تدهورًا اقتصاديًّا متسارعًا نتيجة العقوبات الدولية وبخاصة من قبل الولايات المتحدة الأميركية عبر قانون قيصر، إلى جانب استشراء الفساد المنظم وتحول منظومة الحكم في سوريا إلى نظام مافيوي مركب على رأسه بشار وماهر الأسد الذي حول جزءًا مهمًّا من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري إلى خطوط لإنتاج المخدرات على نطاق واسع جدًّا حيث وُصفت سوريا بأنها “أكبر دولة مخدرات في العالم” لاعتمادها على تجارة حبوب الكبتاجون في تمويل النخب الفاسدة والقادة العسكريين(4).
بدأت التوترات تتصاعد مع أواخر عام 2022، عندما كثفت هيئة تحرير الشام هجماتها التسللية ضد القوات الحكومية. بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2024، كانت التحضيرات العسكرية قد بلغت ذروتها مع حشد كبير في ريف حلب من كلا الجانبين. وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قصفت القوات الحكومية مدينة أريحا، ما أسفر عن مقتل وإصابة 16 شخصًا؛ مما أشعل فتيل الصراع مجددًا.
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، جرى الإعلان عن تشكيل غرفة مشتركة للعمليات لعدد من الفصائل تحت عنوان غرفة عمليات “ردع العدوان”، ردًّا على القصف الحكومي الذي أودى بحياة 30 مدنيًّا. في الساعات الأولى من الهجوم، تمكنت القوات المشتركة من السيطرة على 20 بلدة وقرية في غرب حلب، بما في ذلك أورم الكبرى وأورم الصغرى وقبتان الجبل. كما سيطرت على قاعدة “الفوج 46” العسكرية التابعة للقوات الحكومية. كانت الخسائر البشرية كبيرة نسبيًّا؛ حيث قُتل 37 جنديًّا حكوميًّا و60 من مقاتلي غرفة العمليات، بينما وقعت وحدة روسية في كمين أدى إلى مقتل أحد الجنود الروس(5).
ردت القوات الحكومية والروسية بشن غارات جوية على مواقع المعارضة، مستهدفة مناطق الأتارب ودارة عزة؛ مما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا المدنيين. بحلول 28 نوفمبر/تشرين الثاني، واصلت قوات غرفة العمليات وعلى رأسها قوات هيئة تحرير الشام تقدمها في إدلب وحلب، بما في ذلك السيطرة على طريقM5 السريع ومهاجمة مطار النيرب. وفي اليوم التالي شنت المعارضة هجومًا كبيرًا داخل مدينة حلب، حيث سيطرت على أحياء الحمدانية، وحلب الجديدة، وصلاح الدين. بحلول نهاية اليوم، تمكنت من السيطرة على نصف المدينة، بما في ذلك قلعة حلب. استمر التقدم حينها؛ حيث انسحبت القوات الحكومية جنوبًا، تاركة خلفها معدات عسكرية ضخمة تشمل دبابات وطائرات.
بينما أحكمت قوت (ردع العدوان) سيطرتها الكاملة على مدينة حلب بعد انسحاب القوات الحكومية، واصلت توسعها إلى مناطق أخرى؛ حيث سيطرت على عشرات القرى والمدن في إدلب، بما في ذلك سراقب ومعرة النعمان، بينما انسحبت القوات الحكومية إلى جيوب صغيرة. في حماة، تقدمت المعارضة بسرعة وسيطرت على بلدات رئيسية مثل كفر زيتا وقلعة المضيق. أما في حمص التي كان النظام قد حشد فيها القوات التي فرَّت أو انسحبت من الشمال فقد تجنبتها قوات غرفة العمليات ولم تدخل معارك واسعة فيها. بالمقابل دخلت مدن تلبيسة والرستن دون مقاومة تذكر.
بعد سيطرتها على مدينة حلب تقدمت قوات غرفة عمليات ردع العدوان نحو ريف حماة الشمالي وسط انسحاب كبير لقوات النظام السوري، واستولت على حماة بعد معارك كبيرة وسقوط كثير من القتلى والجرحى من القوات المهاجمة في جبل زين العابدين المحصن، ولم يُجْدِ استبسال القوات المهاجمة والهجمات الاستشهادية في تغيير مسير المعركة إلى أن غيَّرت القوات تكتيكها وتجاوزت الجبل دون تحرير لتدخل من أحياء أخرى لحماة.
في اليوم الأول، سيطرت المعارضة على بلدات وقرى إستراتيجية، منها كفر زيتا، واللطامنة، ومورك الواقعة على الطريق الدولي M5، واقتربت من مدينة حماة إلى مسافة 20 كيلومترًا. واختتمت المعركة يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2024 بسيطرة المعارضة على مدينة حماة بالكامل وإطلاق سراح مئات السجناء من سجن حماة المركزي، وبدأت التحضيرات للمعركة التالية في حمص.
اعتُبرت معركة حماة نقطة تحول حاسمة في الحرب ووُصفت المعركة بأنها “معركة الفصل الحقيقية” لمستقبل سوريا. يمكن القول: إن معارك حماة كانت من بين الأعنف بين غرفة عمليات “ردع العدوان” وقوات النظام، ولم يسجل سلاح الجو الروسي حضورًا فعالًا في دعم وإسناد قوات النظام، بخلاف مشاركته المكثفة في المواجهات السابقة مع قوات المعارضة.
وشكلت سيطرة قوات المعارضة على مدينة حماة ضربة قاصمة للنظام، نظرًا لأهميتها الرمزية والتاريخية لدى الطرفين، ولموقعها الإستراتيجي في الاتجاه نحو مدن الساحل، التي كان النظام يعدها حواضنه الأساسية. ومن خلال هذه السيطرة، تمكن مقاتلو غرفة عمليات “ردع العدوان” من بسط نفوذهم على بلدتي محردة وسلمية، بعد التوصل إلى اتفاق مع أهالي ووجهاء البلدتين(6).
بعد تحرير حماة، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، تقدمت قوات المعارضة نحو مدينة حمص وتمركزت على بعد 40 كيلومترًا منها. انسحبت القوات الحكومية من مدينتي الرستن وتلبيسة، بينما شنَّت المعارضة ضربات بطائرات مسيرة ضد الفرقة 26 دفاع جوي قرب بلدة تير معلة، واستولت على منشأة كتيبة الهندسة قرب مدينة الرستن، واستحوذت على مركبات عسكرية وذخيرة. ثم نفذت الطائرات الروسية ضربات جوية استهدفت محيط مدينة الرستن، بينما أطلق الجيش السوري قصفًا مدفعيًّا على تلبيسة. كما عزز النظام مواقعه عبر إرسال قافلة عسكرية ضخمة إلى حمص، ووضع حواجز ترابية على الطريق السريع بين حماة وحمص. وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، سيطرت المعارضة على مدينة الرستن، وتلبيسة، والدار الكبيرة، والغنطو، بينما انسحبت القوات الحكومية من عدة بلدات شمال حمص مثل تير معلة والزعفرانة ودير فول. ورغم احتفاظ النظام بالسيطرة على الطريق الدولي، فقد تعرضت قواته لضربات المعارضة، وأوقعت المعارك خسائر بشرية كبيرة.
وفي اليوم التالي سيطرت المعارضة على بلدة القريتين بعد انسحاب النظام من تدمر ومطار التيفور، وقطعت إمدادات النظام عبر معبر البوكمال. بالمقابل، شنت قوات غرفة العمليات هجومًا عامًّا على حمص، وسيطرت على كتيبة الهندسة في المشرفة، وتقدمت نحو حي دير بعلبة، واستولت على الفرقة 26 دفاع جوي، بالإضافة إلى القرى المحيطة بتلبيسة؛ ما أدى إلى سقوط حاجز ملوك الحيوي جنوب تلبيسة. وبحلول مساء 7 ديسمبر/كانون الأول، كانت المعارضة قد سيطرت على الأحياء الشمالية والغربية من حمص، بما في ذلك المشفى العسكري والكلية الحربية، وأطلقت 3500 سجين من السجن المركزي. بينما انسحبت قوات حزب الله وقوات النظام من المدينة، دخلت القوات المهاجمة مبنى المحافظة والفروع الأمنية. وبحلول صباح 8 ديسمبر/كانون الأول، أكملت المعارضة سيطرتها على حمص باستثناء بعض الأحياء العلوية، في حين فرَّ كبار الضباط إلى الساحل عبر مطار الشعيرات.
وفي تلك الأثناء كانت قوات (قسد) تسيطر على دير الزور ومعبر البوكمال، بعد انسحاب قوات النظام والميليشيات المنتشرة هناك، ولجوئها إلى داخل الأراضي العراقية.
سقوط النظام في دمشق
تسارعت الأحداث التي أدت إلى تحرير دمشق يوم 8 ديسمبر/كانون الأول، فبالتوازي مع دخول قوات المعارضة مدينة حمص، وتحديدًا قبل ذلك بيوم واحد، أعلنت قوات غرفة العمليات السورية بدء تطويق العاصمة، دمشق، بعد تحقيق تقدم ملحوظ في السيطرة على القرى المحيطة بها. وأشار بيان رسمي لقوات غرفة عمليات (ردع العدوان) على “تيليغرام” إلى بدء تنفيذ المرحلة النهائية لتطويق العاصمة، عقب سيطرتها على بلدة الصنمين التي تبعد 20 كيلومترًا فقط عن المدخل الجنوبي للعاصمة(8).
وفيما كانت قوات المعارضة على أبواب دمشق، أورد أحد العاملين في القصر الرئاسي في تلك الليلة، أنهم كانوا يستعدون لبث خطاب لرأس النظام السوري وُصِف بأنه سيشكل نقطة تحول تاريخية؛ حيث أعلم الأسد المقربين بأنه سيُنهي في الخطاب المزمع أكثر من 13 عامًا من الحرب والدمار، وقد سرت شائعات عن نية النظام إطلاق مرحلة انتقالية تستند إلى القرار الأممي 2254، بما يتيح للمعارضة المشاركة في الحكم. وبالفعل، انعقدت اجتماعات مكثفة لمساعدي الأسد لصياغة الخطاب وتحديد رسائله الرئيسية، التي تضمنت قبول تقاسم السلطة، في خطوة وصفت بأنها تنازل غير مسبوق، وجرى تجهيز قاعة البث بالكاميرات والإضاءة، واستعدت فرق التصوير لنقل الخطاب إلى العالم، إلا أن الخطاب لم يحدث، وأُشيع أن الأسد أعد مرسومًا سريًّا بتكليف مجلس عسكري بإدارة المرحلة الانتقالية، وأودعه لدى مدير مكتبه العسكري لتنفيذه بالتزامن مع الخطاب، لكن تقارير تحدثت عن تواصل مدير المكتب العسكري أو أحد الضباط الكبار المؤتمنين عند الأسد مع جهات من “هيئة تحرير الشام” لضمان سلامته الشخصية؛ مما أدى إلى تعطيل تنفيذ المرسوم(8).
بعد منتصف ليل، 8 ديسمبر/كانون الأول، عرف أركان نظام الأسد، أن الأخير مارس معهم خديعة لإخفاء خطته بالهروب من العاصمة دون أن يلفت الأنظار، وقد غادرها بالفعل بعد حلول الظلام متجهًا إلى قاعدة حميميم، ومنها أقلَّته طائرة روسية إلى موسكو. ولم يكن الأسد وحده من خطط للهروب؛ إذ تبعه شقيقه، ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة، مع مجموعة من الضباط الكبار، الذين فروا عبر الصحراء إلى العراق، في خطوة عكست حالة الانهيار داخل الدائرة المقربة للنظام. وحينما تسربت أنباء هروب الأسد تحول القصر إلى مسرح للفوضى والارتباك، ودب الذعر في صفوف المسؤولين والحراس، وبدأت عمليات فرار جماعية؛ حيث ألقى العديد منهم أسلحتهم وخلعوا بزاتهم العسكرية في محاولة للتخفي والهرب. وتُركت بوابات القصر مفتوحة؛ مما أتاح للقوات المهاجمة اقتحامه في الساعات الأولى من الفجر دون مقاومة. وفي مشهد يعكس حجم الانهيار، تسللت مشاعر الخيانة والخذلان إلى نفوس الضباط الذين وجدوا أنفسهم بلا قيادة أو أوامر واضحة؛ ما دفع بعضهم إلى سرقة الحواسيب والملفات السرية، بينما قام آخرون بإحراقها لإخفاء الأدلة التي قد تدينهم.
أما في شوارع العاصمة، فقد اختفت الحواجز الأمنية، وبدأ عناصر الفروع الأمنية في تبديل ولاءاتهم. وخلع أفراد من “الدفاع الوطني” زيهم الرسمي ورفعوا علم الثورة فوق مقراتهم في محاولة للتكيف مع الواقع الجديد. ومع انهيار السلطة المركزية، شهدت المدينة اضطرابًا كبيرًا؛ حيث سادت أجواء الترقب والخوف مما قد تحمله الأيام القادمة. وفي الوقت الذي كانت فيه فصائل المعارضة تُحكم سيطرتها على المقرات الحيوية، انتشرت تسجيلات تظهر عناصر من الجيش النظامي وهم يخلعون زيهم العسكري، فيما كانت صيحات “الله أكبر” تصدح من مآذن المدينة. أخلت القوات النظامية مقراتها، وتوقفت الحركة في مطار دمشق الدولي الذي أُغلق بالكامل. واستولت الفصائل المهاجمة على سجن صيدنايا وأطلقت سراح آلاف المعتقلين والسجناء السياسيين والجنائيين. مع حلول الصباح، سيطرت القوات المهاجمة بالكامل على العاصمة، وأعلنت عبر وسائل الإعلام الرسمية سقوط النظام من خلال بيان أُعلن في التلفزيون الرسمي عبر مجموعة من المقاتلين.
لم يكن سقوط القصر الرئاسي حدثًا رمزيًّا فحسب، بل جسَّد انهيار نظام بأكمله، إذ انتقلت أخبار هروب الأسد بسرعة وأشعلت موجات استسلام في صفوف القوات النظامية، وأعلنت المدن السورية تباعًا خروجها عن سيطرة النظام، في وقت كانت فيه الوحدات العسكرية تحاول إعادة ترتيب صفوفها دون جدوى. أصبحت دمشق مدينة بلا قيادة، بينما أكملت المعارضة سيطرتها على المقرات الحكومية، معلنةً نهاية حقبة الأسد بمشهد درامي من الهروب والخيانة. ومع حلول الصباح، دخلت العاصمة مرحلة جديدة تتوزع ما بين احتفالات بالنصر وسط حشود شعبية، ومخاوف أنصار النظام وشعورهم بخيانة زعيمهم الذي هرب تحت جنح الظلام، وقلق جزء ثالث من الانهيار الأمني ومستقبل البلاد.
مشاهد الانهيار الأخير
لم يكن نظام الأسد يتوقع أيًّا من تفاصيل ما حصل بعد يوم السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، وإن كان على معرفة بتحركات المعارضة في إدلب، واستعدادها لتحرك عسكري. كما أن النظام أدرك أن حصيلة الخسائر الكبيرة التي تعرض لها حزب الله وإيران في كل من لبنان وسوريا ذاتها، سيكون لها أثر جوهري على الموقف العسكري للنظام في سائر أنحاء سوريا.
كان اغتيال نصر الله نقطة تحول في تاريخ الحزب الممتد لأربعة عقود، ومثَّل كذلك لحظة فارقة في الصراع مع النظام وحلفائه. شكَّل ذلك الحدث، مع سائر الخسائر الضخمة التي عانى منها حزب الله وإيران، سببًا لجعل الأخيرة في أضعف حالاتها في سوريا، ودفعها إلى محاولة إيجاد مقاربات ميدانية مختلفة في كل من لبنان وسوريا.
تبدَّى ذلك من خلال زيارة كبير مستشاري المرشد الأعلى وعضو مجمع تشخيص المصلحة في إيران، علي لاريجاني، إلى دمشق ولقائه الأسد، يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قبل التوجه إلى بيروت، وفي اليوم التالي زار دمشق وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير، ومن هناك أكد التزام بلاده بتقديم كل أشكال الدعم “وفقًا لتوصيات قائد الثورة الإسلامية”.
بعد ذلك بنحو عشرة أيام بدأت عملية (ردع العدوان) وسحبت إيران كافة ميليشياتها من حلب ومن ثم سائر المدن السورية كلما اقترب منها مقاتلو غرفة العمليات المشتركة، وتركوا قوات النظام التي كانت تهرب بالفعل.
كانت زيارة لاريجاني إلى دمشق هي آخر عملية تواصل وتنسيق بين إيران ونظام الأسد قبل سقوطه، ومن الواضح أنها فشلت في بناء المقاربة التي أرادتها إيران لتجاوز تداعيات انهيار حزب الله، وتضرر القوة الإيرانية في سوريا، وكان من الواضح أن طهران استشعرت المخاطر على مشروعها الإقليمي بسبب تعرض المعابر بين سوريا ولبنان إلى هجمات إسرائيلية تهدد تواصلها مع حزب الله، وتؤكد مدى هشاشة الموقف السوري، لكن إيران كانت بحاجة كبيرة للحفاظ على علاقاتها مع نظام الأسد، وعلى بقائه، وتأكيد أن سوريا ستبقى محورًا إستراتيجيًّا ضمن محور المقاومة رغم كل الضغوط(9).
أظهرت هذه الزيارات أن المحور الإيراني كان يسابق الزمن لاحتواء أي ارتباك قد ينجم عن السياسات السورية المترددة، غير أن تلك الجهود لم تكن كافية لوقف سلسلة الأحداث التي مهدت لاحقًا لانهيار التوازنات التقليدية وسقوط النظام في نهاية المطاف نتيجة تطورات ومتغيرات لم تستطع طهران احتواء تداعياتها بالكامل، رغم محاولاتها المستميتة للحفاظ على وجودها ونفوذها في المشهد السوري(10).
في الوقت ذاته تقريبًا، قام الأسد بإرسال وزير خارجيته، بسام صباغ، إلى طهران، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، على رأس وفد رسمي بهدف معلن هو “تعزيز العلاقات الثنائية ومناقشة تطورات المشهد الإقليمي” ولكن في الحقيقة كانت مهمة الوفد تهدئة الجانب الإيراني ومحاولة استجرار دعمه من جديد سعيًا لتحسين الموقف العسكري ولو لفترة تمكِّن رأس النظام من التفاوض مع تركيا عبر روسيا.
وبعد بدء عملية (ردع العدوان)، استغرق النظام وقتًا كي يستوعب هزيمة قواته، وخسارته للمدن الكبرى، وفي إجراء متأخر أرسل الأسد وزيره الصباغ إلى بغداد، في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، لعقد مباحثات ثلاثية مع نظيريه، العراقي والإيراني، وانتهى الاجتماع بالدعوة إلى حلول سلمية “للتحديات” التي تواجه سوريا، واعتبار أن “تهديد أمن سوريا يشكل خطرًا عامًّا على استقرار المنطقة برُمتها”. بدا أن اجتماع بغداد تجنب الإشارة إلى أي تورط عسكري لدعم النظام في سوريا، لاسيما من جانب العراق(11).
ولم يخرج اجتماع الدوحة، الذي عُقد يوم 7 ديسمبر/كانون الأول، عن هذا السياق؛ حيث دعا إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية يؤدي إلى وقف العمليات العسكرية وحماية المدنيين من تداعيات هذه الأزمة. وشارك في ذلك الاجتماع وزراء خارجية كل من قطر، والسعودية، والأردن، ومصر، والعراق. فيما شارك من جانب مسار أستانا وزراء خارجية كل من إيران، وتركيا، وممثل عن روسيا(12).
بدا واضحًا أن تقدم قوات المعارضة على الأرض في سوريا، كان أسرع من جميع المحاولات السياسية المتأخرة، فبعد ساعات من اجتماع الدوحة سقط نظام الأسد فعلًا، وتحول اتجاه الجهد الإقليمي والدولي نحو مسار مختلف.
تحديات الحكم وإدارة الدولة
منذ اليوم الأول بعد السيطرة على دمشق واجهت الإدارة الجديدة تحديات ضخمة تتعلق بالإدارة والحوكمة والأمن والسيادة ووحدة البلاد، والتعامل مع مطالب الكل من المجتمع الدولي والمجتمعات المحلية والتركة الثقيلة للنظام لاسيما الوضع الاقتصادي المتردي بشدة ومستويات الفقر التي أصبحت تتعلق بغالبية السوريين.
ويمكن إجمال أبرز التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة في سوريا بالتالي:
أولًا: التحدي الاقتصادي
وهو التحدي الرئيسي الذي واجهته الإدارة الجديدة في دمشق؛ حيث يعاني السوريون من أزمة اقتصادية حادة بسبب العقوبات وإفساد النظام السابق. وكان تقرير للبنك الدولي أشار إلى أن معدل الفقر بين السوريين بلغ، عام 2022، 69% من عدد السكان، وهي نسبة قال التقرير إنها ارتفعت خلال الفترة اللاحقة بسبب ارتفاع نسبة الانكماش الاقتصادي، وتقليص الدعم على المواد الأساسية(13).
وتسببت العقوبات الاقتصادية التي استهدفت النظام نظريًّا بالتأثير فعليًّا على المواطن السوري العادي، فارتفعت معدلات التضخم بمستوى سنوي بلغ 238% وانخفضت قيمة الليرة السورية بشكل مستمر، وانهارت بالمقابل القدرة الشرائية بشكل حاد(14).
وجدت الإدارة السورية هذا الواقع حين سيطرت على مقاليد الأمور، لكن ما زاد من عمق الأزمة إقدام النظام السابق على تهريب احتياطيات البلاد من العملة الصعبة، وقد قام بشار الأسد وحده بتهريب ما يعادل طنين من الأوراق النقدية من فئة 50 و100 دولار إلى روسيا خلال الأعوام الماضية، غير الأموال التي نقلها معه عند هروبه(15).
وقد قررت وزارة المالية في حكومة تصريف الأعمال زيادة الرواتب بنسبة 400% في محاولة لتحسين الوضع العام للسكان في سوريا، وأعلنت محافظة البنك المركزي أن البنك يمتلك الأموال الكافية لتمويل هذه الزيادة(16).
إن التحدي العاجل أمام الإدارة الجديد يتمثل بإقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، فذلك سيوفر فرصًا جيدة للبدء بالتعافي الاقتصادي والتعامل التجاري مع الدول الإقليمية. وقد قامت الإدارة الأميركية فعلًا برفع جزئي محدود ومؤقت للعقوبات يتعلق فقط “بتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك تقديم الخدمات العامة أو المساعدات الإنسانية”(17). كما دعت 6 دول أوروبية إلى تخفيف العقوبات على سوريا، ولكن بشكل يفوق حدود الإجراء الأميركي، وربطت ذلك بإجراءات يتوجب أن تتخذها الإدارة السورية تتعلق بالانتقال السياسي وحقوق الأقليات بشكل خاص(18).
ثانيًا: التحدي الأمني
فرضت التحديات الأمنية نفسها منذ لحظة دخول دمشق، والسيطرة على مقاليد الحكم، وتتمثل أبز محاور التحدي الأمني فيما يلي:
- مواجهة تمرد بقايا النظام السابق، وهي مشكلة بدأت بشكل مبكر نسبيًّا، بعدما بدأ بعض أبرز أعوان نظام الأسد، ممن اشتُهروا بالتنكيل بالشعب السوري، بالاعتداء على قوات الأمن الجديدة ونصب كمين لهم في ريف طرطوس، بعد نحو أسبوعين من سقوط النظام. أسفر الكمين عن مقتل 14 وإصابة 10 من قوات الأمن. في أعقاب الاعتداء، باشرت قوات الأمن حملات تفتيش ومداهمة في شتى مناطق سوريا لاسيما في حمص ومدن الساحل لجمع السلاح ومطاردة المطلوبين. لم تتوقف الاعتداءات، لكنها في كل مرة كانت تنتهي بمقتل أو اعتقال المنفذين، وفي غضون ذلك، كان الآلاف من جنود قوات النظام وأجهزته الأمنية يستجيبون لطلب السلطات تسوية أوضاعهم في مراكز خاصة لهذا الغرض. هذا المحور الأمني ما زال مفتوحًا، لكن من الواضح أنه ما زال تحت السيطرة، وقد لا يشكِّل بحد ذاته مشكلة جسيمة، لاسيما إن ظل محدودًا بإطاره المحلي والفردي دون دعم أو استخدام خارجي.
- حصر السلاح بيد الدولة، وهو شعار رفعته السلطات الجديدة وقائدها أحمد الشرع، وبدأت فعلًا بمداولات مع الفصائل التي شاركت في عملية ردع العدوان لحل نفسها والاندماج في الجيش، لكن ذلك وحده لن يكون كافيًا؛ إذ إن هناك تحديًا آخر أكثر صعوبة يتمثل “في التعامل مع الفصائل والجماعات المسلحة المنظمة، بما فيها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، و”جيش سوريا الحرة” الذي يدعمه الأميركيون في منطقة التنف، وفصائل الجنوب التي يقودها أحمد العودة، وفصائل الجيش الوطني التي تدعمها تركيا في الشمال”(19). إن مشكلة هذه الجماعات أنها مدعومة من قوى أجنبية متعددة، وبالتالي فحلها ودمجها لن يكون مهمة داخلية محضًا، وهو مرتبط بسياقات أخرى من بينها وجود الإرهاب، والمصالح الخاصة بكل من الولايات المتحدة وتركيا. ورغم إعلان قوات سوريا الديمقراطية رغبتها في الانضمام إلى الجيش الجديد وتمسكها بوحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، فإن هذا الملف لا يزال مرتبطًا باتفاقات سياسية معقدة مع القوى الإقليمية، خاصة الولايات المتحدة وتركيا. وقد أرسلت السلطة الجديدة مندوبًا عنها لإيجاد أرضية مشتركة مع قوات (قسد) إلا أن الملف يبدو شائكًا جدًّا ولا يمكن حله إلا بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض واتخاذه القرار حول شكل الدعم المنوي تقديمه من جهة إلى قوات قسد ومن جهة أخرى إلى الرئيس أردوغان كفاعل محوري في الملف السوري.
- تحد آخر يرتبط بهواجس ومخاوف الأقليات، وأبرزها الدروز والعلويون فضلًا بالطبع عن الأكراد. إن كلًّا من هذه الأقليات لها هواجس ومطالب تتعلق بحماية نفسها، أو ضمان حقوق أفرادها، فضلًا عن المشاركة في الحكم، لاسيما في مناطقها، وقد ظهر هذا الأمر بشكل واضح، حينما رفضت قوى مسلحة في السويداء دخول قافلة أمنية إلى المحافظة، فعادت أدراجها(20).
- التحدي الرابع، هو تحدي مواجهة فرص استقواء التنظيمات الإرهابية وأبرزها تنظيم (الدولة الإسلامية)، وهو تحد حقيقي وخطير لاسيما أن هيئة تحرير الشام التي تشكل عماد السلطة الجديدة، “خاضت بشكل دوري قتالًا ضد كل من تنظيم “داعش” والفرع المحلي لتنظيم «القاعدة» “حراس الدين” على مدى السنوات الماضية(21).
ثالثًا: التحدي السياسي والدستوري
تُعد المرحلة الانتقالية الراهنة في سوريا حاسمة لتقرير مستقبلها، وبرغم النيات الطيبة التي عبَّرت عنها الإدارة الجديدة، إلا أنها لم تحمل معها مشروعًا انتقاليًّا واضح المعالم، وسرعان ما استعان قائد الإدارة، أحمد الشرع، بحكومة إدلب التي كانت تسمى حكومة الإنقاذ لتصبح حكومة سورية مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر. لقد كانت المشكلة أن هذا التعيين لم يكن يستند إلى أية شرعية دستورية معروفة سواء الدستور الحالي في البلاد -دستور عام 2012- أو حتى استنادًا إلى إعلان دستوري جديد، بل إن السلطات الجديدة لم تعلن أصلًا عن المرجعية الدستورية للتفويض.
لقد تداولت النخب السورية بعد سقوط النظام عشرات السيناريوهات المفضَّلة للانتقال السياسي واستعانوا بمخططات عديدة سبق أن كانت جزءًا من أوراق قوى الثورة والمعارضة السورية. كما أن المجتمع الدولي أكد ضرورة إطلاق عملية سياسية جامعة، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 أو بدونه. وتعالت الأصوات من العديد من الدول والمبعوث الخاص، غير بيدرسون، حول العودة إلى مفردات القرار المذكور وبخاصة ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية والحوار السوري-السوري وشمولية الحكم. أعلنت السلطات الجديدة من جانبها أن القرار 2254 لم يعد صالحًا بما أن أحد طرفي التفاوض لم يعد موجودًا وأن باقي مفردات القرار ستكون جزءًا من تطبيقات المرحلة الانتقالية التي سوف يقوم بها الحكم الجديد.
بعد نحو أسبوعين من سقوط النظام، أعلنت الإدارة الجديدة أنها بصدد تنظيم مؤتمر وطني شامل لإطلاق حوار حول شكل النظام السياسي الجديد وأنه سيمكن للمؤتمرين إطلاق إعلان دستوري وتشكيل لجنة لكتابة الدستور الجديد أو تعديل الدستور القائم تمهيدًا للاستفتاء على الدستور والتعديلات الدستورية ومن ثم الانتخابات. لم تحمل أنباء التحضير لمؤتمر وطني عام انفراجًا كبيرًا نظرًا لغموض إجراءات التحضير والدعوات والمخرجات. واعتبر بعض المراقبين أن الحكم الحالي بدأ باتخاذ خطوات أساسية في الحكم كان من المفترض أن يتصدى لها المؤتمر مثل إلغاء التجنيد الإلزامي وحل الجيش فعليًّا وترفيعات الضباط وتعيين كبار المسؤولين في وظائف وإجراءات مرتبطة بالمرحلة الانتقالية أو ما بعد الانتقالية مثل تسريح عدد كبير من الموظفين وتجاهل المنشقين العسكريين والمدنيين والتفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية وإطلاق تصريحات اعتُبرت مهادنة لإسرائيل، وغيرها من الإجراءات التي تتطلب حدًّا أدنى من الشرعية إلى جانب التوافقات السياسية التي من المفترض أن تشمل مختلف الأطياف. تشمل القضايا المطروحة للنقاش: شكل النظام السياسي (برلمانيًّا أم رئاسيًّا؟)، وحقوق الأقليات، ودور الجيش، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.
وفي حين كان أداء أحمد الشرع إيجابيًّا ولافتًا للأنظار لجهة تمكُّنه من إطلاق الرسائل المناسبة للمرحلة لطمأنة الغرب والدول العربية إلى جانب الأداء الاعلامي المتزن، إلا أن الحكم الجديد أظهر في الملف الدستوري، وهو الملف الأهم تفاوتًا في الأداء؛ إذ توالت التصريحات غير المنضبطة حول خطة الانتقال السياسي وعبر إطلاق مصطلحات غير دقيقة لتوصيف المرحلة. فمن مرحلة مؤقتة إلى مرحلة انتقالية ومن حكومة طوارئ إلى حكومة تسيير أعمال ومن لجنة دستورية يعينها الشرع إلى عقد مؤتمر وطني يعين أعضاء اللجنة الدستورية ويضع قبل ذلك إعلانًا دستوريًّا… وانتشرت دعوات وهمية للمؤتمر المزمع وتناولت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي قوائم وأجندات للمؤتمر، فيما تبين أن كل ذلك غير دقيق وأن خلافات ونصائح أدت إلى تأجيل عقد المؤتمر إلى أجل غير معروف. وأن ثمة نقاشات حادة داخل أروقة الحكم الجديد حول توسيع دائرة المشتركين في المؤتمر من عدمها، ويبدو أن الأمر لم يُحسم بعد إذ تقرر إنشاء لجنة للتحضير للمؤتمر، ولكن الخلاف ظهر مجددًا حول أعضاء تلك اللجنة وآليات اختيار أعضاء المؤتمر وصلاحياته.
رابعًا: تحدي الإعمار وعودة اللاجئين والنازحين
يعد عدد اللاجئين السوريين الأكبر على مستوى العالم؛ حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 6.5 ملايين لاجئ سوري يتوزعون في 130 دولة، وتستضيف معظمهم دول مجاورة، بما في ذلك تركيا ولبنان والأردن(22)، فضلًا عن 6.8 ملايين نازح داخلي حسب تقديرات الأمم المتحدة(23).
إن هذا العدد الضخم من النازحين واللاجئين يمثل تحديًا كبيرة للنظام الجديد في سوريا؛ إذ لا يمكن عودتهم لديارهم قبل إعادة تأهيل مدنهم التي دمرها النظام، وهي مهمة معقدة في ظل الأزمة الاقتصادية، والعقوبات الدولية، والحاجة إلى استقرار أمنى وسياسي مستدام. لقد بدأت بعض العائلات بالعودة تدريجيًّا إلى ديارها، لاسيما من دول الجوار، إلا أن تحقيق عودة واسعة يتطلب بيئة مستقرة وخدمات أساسية فعَّالة. علمًا بأن قضية النازحين بشكل خاص ستمثل عنصرًا ضاغطًا على السلطات الجديدة بسبب طبيعتها الإنسانية والأخلاقية.
خامسًا: تحدي الحفاظ على السيادة
مثْل هذا الأمر ذو عدة أبعاد؛ حيث ما زال جزء مهم من الأراضي السورية خارج سيطرة الحكم المركزي في دمشق، لكن ما حصل من اعتداءات إسرائيلية عقب سقوط النظام أضاف تحديًا آخر للسلطة الجديدة. لقد شنَّت إسرائيل غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية ومراكز أبحاث في مختلف أنحاء البلاد، معلنة أن انهيار الجيش السوري في الجولان يعني انتهاء اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974. وقد توغلت القوات الإسرائيلية بعمق 20 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، وسط تصريحات بأنها إجراءات مؤقتة لضمان أمنها. وفي مواجهة هذه التطورات، حرصت القيادة الجديدة على إظهار سياسة ضبط النفس؛ إذ صرَّح أحمد الشرع بأن الوضع لا يسمح بالدخول في صراعات جديدة، وأن الأولوية تتمثل في توحيد الجهود لإعادة بناء الدولة. في المقابل، قامت تركيا بجهود دبلوماسية حثيثة لاحتواء التصعيد الإسرائيلي؛ حيث التقى مسؤولون أتراك نظراءهم السوريين لمناقشة سبل التهدئة وضمان استقرار الأوضاع. ما زالت إسرائيل تحتل جزءًا من الأراضي السورية، وهو تحد مؤجل لكنه مهم وأساسي.
سادسًا: تحدي العدالة الانتقالية ومعالجة الوضع الإنساني
كشف سقوط نظام الأسد عن حصيلة كارثية من الجرائم والانتهاكات بحق الشعب السوري، ففضلًا عن أكثر من 13 مليون لاجئ ونازح، فإن سجون النظام المنتشرة في أرجاء سوريا، وفروعه الأمنية، وعدد المعتقلين، ورواياتهم، وأساليب تعذيبهم، والتعامل الوحشي معهم، كشف عن نمط منهجي من القمع والعنف، بلغ حدًّا بعيدًا من القسوة.
وقد تأكد حتى الآن بعد فتح جميع السجون والمعتقلات، أن هناك أكثر من 112 ألف مغيَّب لا يُعرف مصيرهم بعد اعتقالهم من قبل النظام في أوقات مختلفة(24).
وحتى الآن تم العثور على 16 مقبرة جماعية موزعة على أنحاء متفرقة من سوريا، تضم رفات آلاف الأشخاص الذين لا تُعرف هوياتهم، ولم يقم النظام بوضع قاعدة بيانات حولهم(25). وكشفت الشبكة العربية لحقوق الإنسان عن أن أكثر من 15 ألف مدني سوري قُتلوا خلال التعذيب، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء(26).
لقد تحولت الحياة في ظل نظام الأسد إلى معاناة يومية هائلة لتوفير لقمة الخبز وأدنى متطلبات الحياة، لكن ذلك لم يكن أصعب ما في الأمر، بل كانت “وحشية المنظومة الأمنية وتغولها المطلق على المدنيين وبخاصة بعد أن شعر النظام بأنه باقٍ لاعتبارات أمنية وسياسية إقليمية ومحاولات التطبيع المكثفة. خلال السنوات الأخيرة أضحى ابتزاز المواطنين أمنيًّا سمة يومية لأهل سوريا بحيث إنه أصبح أي شخص متعاون مع الأجهزة ناهيك عن ضباطها وصف ضباطها وأفرادها يستطيع زج أي مواطن في السجن لمجرد اتهام عام بلا أدلة. مع العلم بأن الاتهامات لا تخرج عن العناوين العامة في قانون الإرهاب وعن تهمة التعامل بعملة أجنبية أو حيازتها وبخاصة الدولار.
كل هذه الجرائم والمعاناة وسلب الحقوق وإهدار الكرامة اليومي للسوريين، بحاجة إلى تسوية عادلة تعيد للضحايا حقوقهم وكرامتهم، وتحاسب المجرمين، وكل ذلك يتطلب وجود نظام للعدالة الانتقالية، يعالج هواجس السوريين لاحتمال إفلات المجرمين من العقاب.
إن المخاوف التي بدأت تسري بين الناس باتت تتعلق بعدم البدء حتى الآن بهذا النظام، بل لم يجر جمع الأدلة أو تأمين مواقع (الجرائم) المحتملة من سجون ومراكز اعتقال وتعذيب، أو الشروع بوضع أسس التقاضي وتقديم الشكاوى وتأسيس المحاكم الخاصة بجرائم النظام السابق.
إن العدالة الانتقالية شرط ضروري لتحقيق السلام، وبناء المؤسسات الديمقراطية، وهي لذلك تعد تحديًا مهمًّا أمام النظام الجديد، سيختبر قدرتها على إعادة حقوق الشعب السوري، ومحاسبة المجرمين الذين أوغلوا في الانتهاكات الجسيمة.
لقد كانت الحالة العامة في سوريا بشكل جيد بالنظر إلى الظروف المعقدة لإسقاط النظام وظهور الحكم الجديد، إلا أنه يمكن القول: إن هذه الايجابية في قبول ما يقدمه الحكم الجديد من أفكار كان نتيجة للفرحة الغامرة بسقوط النظام وانتعاش الأمل بدولة سوريَّة ذات حكم ديمقراطي، إلا أن مستقبل سوريا مرهون بمدى قدرة الإدارة الجديدة على معالجة التحديات الداخلية وبناء نظام ديمقراطي شامل يضمن المشاركة السياسية لجميع القوى. ورغم ما يُمثله سقوط النظام من لحظة مفصلية في تاريخ البلاد، فإن بناء دولة مستدامة يتطلب رؤية مشتركة وجهودًا مكثفة لتجاوز آثار الصراع. ومع استمرار الضغوط الخارجية، يبقى السؤال الأهم: هل ستنجح دمشق الجديدة في تحقيق الاستقرار وإطلاق مرحلة جديدة من التنمية والمصالحة الوطنية، أم ستظل رهينة التعقيدات الداخلية بما فيها طبيعة الحكم الجديد والتدخلات الإقليمية والدولية؟
المراجع
(1) كيف سقط نظام الأسد في 10 أيام بعد صموده 13 عامًا؟، CNN عربي، 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2025)، https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/12/08/analysis-syria-damascus-assad-has-fallen
(2) بالتفاصيل والأرقام.. خريطة الميليشيات الإيرانية في سوريا، سكاي نيوز عربية، 22 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/cCxKp
(3) سوريا: اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب بين بوتين وأردوغان يدخل حيز التنفيذ، فرانس 24، 5 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2025)، https://tinyurl.com/3cxf836x
(4) الفرقة الرابعة.. من جيش مواز لحماية أسرة الأسد إلى ميليشيا استعبدت السوريين وتربحت من المخدرات، عربي بوست، 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/sSkwc
(5) هيئة تحرير الشام وحلفاؤها.. من هي الجماعات الجهادية المشاركة بعملية “ردع العدوان”؟، أخبار الآن، 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/4QZuu
(6) قتلى وأسرى من قوات النظام السوري.. فصائل المعارضة تنتزع السيطرة على أكثر من 10 بلدات في ريف حلب، القدس العربي، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/FPhHG
(7) المصدر السابق.
(8) كواليس الأيام الأخيرة لانهيار حكم بشار الأسد، عمان، 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2025)، https://tinyurl.com/ybdt5stf
(9) لاريجاني ونصير زاده في دمشق.. أهداف الزيارات “تحت النار”، الجزيرة نت، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2025)، https://tinyurl.com/bdhnpnee
(10) المصدر نفسه.
(11) بغداد ودمشق وطهران: «تهديد أمن سوريا» يشكل «خطرًا عامًّا» على المنطقة، الشرق الأوسط، 6 ديسمبر/كانون الأول 2024 (تاريخ الدخول: 5 يناير/كانون الثاني 2025)، https://tinyurl.com/ynwmyhmy
(12) وزارة الخارجية القطرية، بيان مشترك بين وزراء خارجية دول عربية ومسار أستانا بشأن الأوضاع في سوريا، 7 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/ZVV3y
(13) مجموعة البنك الدولي: سوريا: تفاقم الانكماش في معدلات النمو وتدهور رفاه الأسر السورية، 24 مايو/أيار 2024، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2024/05/24/syria-growth-contraction-deepens-and-the-welfare-of-syrian-households-deteriorates
(14) التضخم في سوريا، الليرة اليوم، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، https://sp-today.com/news/26991
(15) أبرزها الأموال المهربة.. 5 ملفات اقتصادية كبرى على طاولة الإدارة الجديدة في سوريا، الجزيرة نت، 29 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/8kIQj
(16) حاكمة المركزي السوري: البنك لديه ما يكفي لدفع الرواتب بعد زيادة 400%، الجزيرة نت، 14 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/WLAyQ
(17) أميركا تعلن عن تخفيف للعقوبات على سوريا، CNN عربي، 7 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/01/07/us-treasury-issues-additional-sanctions-relief-for-syrian-people
(18) 6 دول أوروبية تدعو لتخفيف العقوبات على سوريا، الجزيرة نت، 13 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/mLZ9Y
(19) المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تحديات المرحلة الانتقالية في سورية وآفاقها، 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/the-transitional-phase-in-syria-challenges-and-prospects.aspx
(20) منع رتل عسكري من دخول السويداء، سكاي نيوز، 1 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://shorturl.at/mfsuU
(21) ماثيو ليفيت، كيف أُدرِجت هيئة تحرير الشام على قوائم الإرهاب الأميركية؟ ولماذا يجب أن تبقى هناك في الوقت الحالي؟، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/kyf-audrijt-hyyt-thryr-alsham-ly-qwaym-alarhab-alamrykyt-wlmadha-yjb-tbqy-hnak-fy
(22) اللاجئون بالأرقام بحسب جنسياتهم وكبرى الدول المستضيفة، CNN عربية، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://arabic.cnn.com/world/article/2023/11/02/refugee-displacement-report-2023-infographic
(23) المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://www.unhcr.org/ar/countries/syrian-arab-republic
(24) الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فتح مراكز الاحتجاز يكشف استمرار الكارثة الإنسانية: أكثر من 112.414 شخصًا ما زالوا مختفين قسرًا على يد نظام الأسد، 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://tinyurl.com/2rx9hrfr
(25) خارطة المقابر الجماعية في سوريا، عربي 21، 4 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://tinyurl.com/y6ptfa6n
(26) الشبكة العربية لحقوق الإنسان، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2025)، https://snhr.org/arabic/