مداخل أولية
جرت العادة أن يكون الحديث عن مجموع القضايا والظواهر المتصلة بإشكاليات الهوية سواء في العالم الغربي أو المجال العربي مدموغًا بالكثير من السجالية والتعارض في المواقع والمواقف، وذلك تبعًا لدرجات التباين في مستويات التمترس المعرفي والأيديولوجي الذي يتم الانطلاق منه سواء تعلق الأمر بالأفراد أو الجماعات. كما أن هذا الحديث غالبًا ما يأتي ضمن سياق تاريخي مفارق لسياقه؛ كأن يأخذ الأمر شكلًا من أشكال الخروج من وضع مأزوم سابق على مستوى الفكر والممارسة، إلى وضع جديد يقوم على البحث في شروط تحقق مرحلة اجتماعية وسياسية مغايرة. واليوم ونحن نعيش في العصر الرقمي القائم على انتصار النموذج النيوليبرالي في أبعاده الاقتصادية والسياسية والمعرفية، نجد أن طرح قضية الهوية يتم وفق منظور جديد من حيث هي تعبير عن قضايا جديدة تطرح أسئلة مختلفة كليًّا عن تأجيج الهويات الخاصة سواء كانت عقائدية أو قومية أو إثنية، ودور هذه الهويات في تسريع دينامية هذه المجتمعات في الزمن العولمي وتباين الخيارات العامة لمؤسسات الدولة في تعاطيها مع الاحتياجات والمصالح سواء بالنسبة للفرد أو الجماعات أو الأقليات في علاقتها بالآخر سواء كان هذا الآخر فردًا أو جماعة أو حتى دولة.
ضمن هذا السياق العام يَتَأَطَّر كتاب “ديكتاتورية الهويات” للعالم الفرنسي، لورون دوبرييل(1)؛ أستاذ تاريخ نظريات الأفكار بالمدرسة العليا الفرنسية سابقًا، وجامعة كورنيل الأميركية حاليًّا. ويبدو أن السنوات الطويلة التي قضاها دوبرييل في مجال تخصص الدراسات الأدبية واللغويات والدراسات الفرانكوفونية بين فرنسا وأميركا، قادته إلى الخوض في مجموعة من الحقول المعرفية المرتبطة بدراسة الأفكار السياسية وتطورها بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ودرجات تفاعلها وتلاقحها. في حين أن ميزة هذا الكتاب ضمن السياق العام لتداوله اليوم تتحدد في كونه “مغامرة بحثية ونقاشًا أكاديميًّا رصينًا في قضايا نظرية ذات بُعد راهني واستشرافي. كيف لا وهو يتناول مفهوم الهوية في المجتمعات الليبرالية الديمقراطية التي تعترف قولًا وفعلًا بالحقوق السياسية والمدنية للأفراد، والتي صادقت على البيانات والمواثيق الدولية في هذا الشأن. وهي ذات المجتمعات التي تواجه اليوم مع بداية الألفية الجديدة وضعًا خاصًّا جرَّاء تنامي الخطابات المرتبطة بسياسات الهوية التي تُختزل عادة في مطلب الاعتراف بالآخر باعتباره أقلية ترفض جميع أشكال الهيمنة والإقصاء والتهميش والتهديد وتراهن على تحقيق شرط الاعتراف بالحق في الوجود ضمن الشروط العامة الضامنة لتوافر الكرامة الإنسانية”(2).
وتتحدد القيمة التداولية للكتاب في السياق العربي، في كونه يستقي مرجعيته النظرية والعملية من الفضاء المجتمعي والمعرفي والسياسي الأميركي، وأن صاحبه البروفيسور الفرانكفوني، لورون دوبرييل، يحاول أن يُقدِّم منظوره الخاص كعالم أوروبي فرنسي في فهم المنطق الهوياتي الجديد في الولايات المتحدة الأميركية وعلاقات هذا المنطق المهيمن بباقي الهويات الأخرى. في حين يسعى قارئ الكتاب ومراجعه إلى قراءة هذا المنظور المزدوج لقضايا الهوية بين السياقين، الأميركي والأوروبي، ومدى الاستفادة منه لقراءة السياق التاريخي الراهن للعرب في مرحلة ما بعد الربيع العربي الذي شهد انفجارًا هوياتيًّا أخذ في الكثير من الأحيان لبوسًا دينيًّا وطائفيًّا وأحيانًا أخرى لبوسًا خاصًّا متعلقًا بقضايا الأقليات العرقية واللغوية، بينما ظلت قضايا الجندر والاختيارات الجنسية المختلفة مؤجلة لاعتبارات خاصة مرتبطة بالذهنية العربية.
من الهوية السياسية إلى سياسة الهوية
منذ الصفحات الأولى للكتاب، يؤكد العالم الفرنسي، لورون دوبرييل، أن جميع فصول الكتاب ستكون مُؤَطَّرة بسؤال محوري حول العلاقات الممكنة بين فعل السياسة ومقولة الهوية، لا باعتبارها مقولة مجردة ومتعالية في الزمان والمكان، لكن باعتبارها دينامية مجتمعية لها منطقها الخاص وسياساتها المتغيرة جرَّاء نسب ومعدلات الحراك المجتمعي ومطالب الأقليات. ولهذا السبب بالذات نجده يميز بين الهوية السياسية (L’identité Politique) وسياسة الهوية (Politique de L’identité)(3). ويبدو أن هذا التباين يجد تمظهراته الواقعية في جميع التجارب الحضارية الإنسانية غربية كانت (أوروبية أو أميركية) أو شرقية (عربية إسلامية).
وإذا كانت السياسة أو الفعل السياسي على وجه التحديد، يحيل على مجموع القضايا المتصلة بـ”خدمة الشأن العام والحريات الفردية والجماعية وممارسة الحكم والحفاظ على المجتمع وأنماط المواطنة التي يجب تبنِّيها واعتمادها وتأطير عمليات الاستغلال والحماية ضد البربرية، هذا إلى جانب الاهتمام بالأمة والنظام وحماية الشعب والمؤسسات”(4)، إلا أن صاحب الكتاب يؤكد على ضرورة المضي في مسار تنظيري جديد، يتم من خلاله تناول السياسة في بعدها العام والجديد والذي تحوَّلت بموجبه إلى مقولة الهوية وتمظهراتها المجتمعية المختلفة والمتباينة. ولأن الهوية تجمع بين كونها قضية فردية وجماعية، وأنها أخذت مظاهر جديدة تجمع بين الاحتجاج المدني والفعل السياسي التحريضي، فقد أضحت هي الموجِّه لكافة أشكال الخطاب وعبرها يمكن الدخول في تفسير تفريعات جديدة للهوية سواء كانت هوية سياسية (شرق-غرب/شمال-جنوب) أو هوية عرقية (أبيض-أسود) أو هوية دينية أو هوية لغوية أو هوية جنسية أيضًا. وبذلك تكتمل معالم الأطروحة المركزية للكتاب التي تتحدد في قضية الهوية التي تبلورت مقولاتها الداخلية الأولى في ستينات القرن الماضي في الجامعات الأميركية ومظاهر الحراك المجتمعي الذي طال العديد من المدن والولايات الأميركية خاصة مدينة شيكاغو وكيف أن هذه الهوية تحوَّلت اليوم إلى براديغم سياسي لفهم وتفسير العالم، وكأننا بصاحب الكتاب يقول بأن عالم اليوم يتحرك وفق براديغم سياسي أميركي مُعَوْلَم يُمَثِّل القوة الفعلية والرمزية للمستقبل الأميركي في العالم(5).
ومعلوم أن مفهوم الهوية ضمن المنظور العام للعلوم الإنسانية يحيل على وجهات النظر الاجتماعية والتاريخية التي تختزل جملة الدلالات اللغوية والمخيالية التي تُؤَطِّر مجتمعًا بعينه، وأنها “رؤية خاصة للعالم والكون ما دامت هي التي تحدد الغايات والأهداف لمجموعة بشرية، وبواسطتها يتم تسويغ الخيارات الواعية وتكييف النوازع اللاشعورية التي تميز القدرات الفردية او الجماعية لهذه المجموعة”(6)، في حين أن الهوية السياسية تتضمن مجموع المعطيات السابقة لكن تصبغها بالوضع العام لبلد معين في مجالات السياسة والمجتمع والاقتصاد والإعلام، كأن نقول مثلًا بأن اليوم هناك هوية أميركية وأن هذه الهوية السياسية هي المهيمنة في عالم اليوم، وأن عملية تأكيد هذه الهيمنة تتم كل لحظة وكل حين من خلال الأحداث الكبرى التي تشهدها أميركا نفسها ونشهد صداها في بقاع دول العالم، وأن هذه الهوية السياسية الأميركية، برأي صاحب الكتاب، قد انفجرت أكثر مع وسائل التواصل الاجتماعي(7).
وضمن ذات السياق التحليلي يذهب صاحب الكتاب إلى أن الهوية السياسية الأميركية المهيمنة، خلقت وضعًا جديدًا؛ إذ أصبحنا أمام هوية مستبدة في مقابل هويات خاضعة. ورغم أننا أمام منظور متطرف يقوم على منطق الخضوع والتحكُّم الجبري الذي يطبع العلاقات الهوياتية في الألفية الجديدة، فإن ما يستوقف أكثر هو أن غالبية دول العالم تقوم بصورة واعية أو غير واعية على تكييف وتعميم ضرب من التبرير الديمقراطي لواقع غير ديمقراطي بالمرة، وأنه بموجب هذا التكييف أصبحت الهوية الأميركية المستبدة فعلًا ديمقراطيًّا مقبولًا من قبل هذه الدول، وأن غالبية الهويات الأخرى تسعى لأن تعترف بهذا الواقع الأميركي باعتباره هوية مهيمنة رغم حالات الاستثناء التي يمكن تسجيلها من قبل دول/هويات أخرى في الشرق والغرب.
ويمضي دوبرييل إلى أن الهوية الأميركية المستبدة تستمد قوتها من مستويين اثنين، هما: أولًا: السوق المعولم القائم على تعميم القيم الليبرالية الجديدة، وثانيًا: القيم الأخلاقية الغربية المعتمدة والمتداولة من قبل المنظور الأميركي الخالص، والتي لا تعبر بالضرورة عن القيم في بقية دول العالم. لكن مع ذلك يمكن التأكيد أن هذه الهيمنة الظاهرة للهوية الأميركية المستبدة، يمكن لها أن تصاب بالعطب ويطولها الشلل جرَّاء الحراك المجتمعي المدني الداخلي الذي قد يكون نتيجة الخلافات بين القوى المجتمعية وتصاعد موجات الشعور بالإقصاء والتهميش.
أما “سياسة الهوية” أو التمظهر الجديد للهوية السياسية في أبعادها الفئوية، فتتحدد دلالاتها في مجموع “الدفوعات الحركية والقانونية والمعرفية والسياسية التي تعتمدها مجموعة معينة من أجل تحقيق مصالحها الفردية والجماعية، والتي يمكنها أن تتحدد في القضايا المتصلة بالانتماء العرقي أو الإثنية أو الانتماء الطبقي أو الخاصة بالقناعات الدينية أو الميولات الجنسية أو الأيديولوجية أو الثقافة أو التاريخ أو الفن أو الموسيقي أو الظروف الطبية أو المناخية”(8). ومن هنا، تصبح سياسة الهوية اختزالًا لمجموع أشكال الاحتجاج الاجتماعي والسياسي وقضايا الجندر التي يقوم بها الأشخاص الذين يشعرون بالاضطهاد ويقررون الخروج إلى العلن من خلال التعبير عن شعورهم بالاضطهاد بناءً على خبراتهم الخاصة. وهنا تصبح عملية إثارة الوعي مسألة حاسمة في جميع القضايا المرتبطة بسياسات الهوية داخل المجتمعات الليبرالية القائمة على الاستحضار الدائم للمصلحة الشخصية فردية كانت أم جماعية. أما التمظهرات الخاصة بسياسات الهوية في أبعادها السياسية الخالصة في العالم فيمكن رصدها مثلًا في الولايات المتحدة الأميركية من خلال الخطابات الشعبوية القائمة وتنامي خطاب الأقلية الرافضة لكافة أشكال الممارسة السياسية وأصحاب الاختيارات البيولوجية المختلفة أو في أوروبا من خلال ذات الخطابات الشعبوية الداعية للخصوصية الأوروبية أمام الهيمنة الأميركية إلى جانب رفع شعارات سياسية متعلقة بقضايا الهجرة غير النظامية والإرهاب العابر للحدود. في حين أن سياسات الهوية في العالم العربي تأخذ لبوسًا خاصًّا يقوم على جدل الهوية بين السياسي والديني ومفهوم الهوية الإسلامية في ظل الصعود المتنامي للخطاب الإسلامي وظهور تنظيم الدولة باعتباره التمظهر الجديد في العالم العربي لسؤال متصل بسياسيات الهوية وسؤال العودة لمفهوم الأمة الإسلامية ودولة الخلافة.
البراديغم الأميركي: الاستبداد المُدَمَقْرَط
تقوم سياسات الهوية، كما هي معروضة في الكتاب، على منظور حدي لا يؤمن بالحلول الوسطية، “أي أنت لك اختيارك الخاص وأنا لي اختياري الخاص وسنظل هكذا، مجرد حقيقة اجتماعية غير قابلة للتغير والتبدل”(9). ويؤكد مُؤَلِّف الكتاب على هذا المنظور الحدي من خلال استدعائه لمقولة: “الرجل الأبيض الأميركي يهوديًّا كان أم مسيحيًّا”، والتي تُمَثِّل أحد الجوانب الكبرى للتمظهر الأميركي لسياسات الهوية. فأصحاب هذا المنظور يعتبرون أنفسهم أقلية مهددة وأنهم مضطهدون من الأغلبية بمعناها العددي أو السياسي، وأن هذه الأقلية تبحث من خلال جملة حراكات داخل المجتمع عن ضبط القوانين الناظمة للاعتداءات التي يمكن أن تصدر ضدها. لكن وبصرف النظر عن مدى صدقية هذه الدعاوى من عدمها، فإن هذه الأقلية قد تكون هي المسؤولة عن الأزمة، لأنها تدَّعي الاضطهاد في حين أنها الوجه الواضح للهيمنة، ومثال هذا هو سياسة حركة البيض أو هيمنة البيض (White Supremacism).
ويعتبر دوبرييل أن أحد أهم انتصارات ترامب الانتخابية يعود إلى هيمنة هذا الخطاب الشعبوي الذي ظل يتكئ على أحد مظاهر هيمنة العرق الأبيض التي تعتمد خطابًا شعبويًّا، وكيف أن ترامب سعى دومًا إلى العودة للإرث الاجتماعي للشعب الأميركي ممثلًا فيما حققه الرجل الأبيض من إنجازات على مدى طول التاريخ الأميركي، مما يؤكد أحقيته بالحكم والسلطة. لكن بالمقابل، تؤكد كتب التاريخ أن حضارة الرجل الأميركي الأبيض اليهودي تمت على حساب إبادة حضارة الهنود الحمر التي تُمَثِّل حضارة أميركا الأصلية، في حين أن أطروحة هيمنة العرق الأبيض هي أوروبية الأصل جاءت للأراضي الأميركية مع المستعمر البريطاني.
هكذا نكون هنا أمام أفكار استبدادية وغير ديمقراطية، لكنها تحارب بقيم وأدوات الديمقراطية انطلاق من ثنائية الأقلية والأغلبية، وعادة ما يتم استدعاء مفاهيم وقيم من قبيل المصالح الخاصة والعامة ومفهوم المواطنة والمصلحة العامة والتوسل بأفكار وقوانين عابرة للدول والحدود لتبرير حالة الاستبداد. وهذا ما خلص إليه صاحب الكتاب حينما اعتبر أن سياسة الهوية في السياق الأميركي العام تقدم شكلًا من أشكال الاستبداد المدمقرط (le despotisme democratize)(10) والذي يعني هنا أن السلطة لم تعد بأيدي المؤسسات السياسية المعروفة مُمَثَّلَة في الدولة والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، بل أصبحت بأيدي أفراد أقلية تتملكهم نزعات فئوية ورغبة قوية للهيمنة والسيطرة وامتلاك مكانة مختلفة على المجتمع عبر مجموعة من الوسائل التي تهدف لصياغة نوع من الإجماع حول فكرة لا ديمقراطية بهدف بناء مجتمعات ليبرالية لكن بدون ديمقراطية.
وإذا كانت المجتمعات القديمة قد قامت على تعدد الأدوار والوظائف فإن ذات المجتمعات الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية تسير برأي صاحب الكتاب في اتجاه التنميط والسيطرة على العقول؛ حيث “كل شيء خاضع للمراقبة والتطابق الكلي وكل شيء أضحى مسجلًا. فكل شيء في المجتمع الأميركي مراقب من خلال وسائل وآليات تقوم بالتجسس. والمفارقة أن الأشخاص يقبلون هذا التجسس طواعية وجميع الصور والصوت مسجل ومحتفظ به في الأرشيف الكبير”. وكأننا بصاحب الكتاب يقول بأن البراديغم الهوياتي الأميركي في الألفية الجديدة القائم على الاستبداد الديمقراطي اعتمد في تشكله النهائي على خطابات سياسية غير ديمقراطية وأنه تم التوسل بوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية ووسائل التجسس المعلومة وغير المعلومة لتكريس هذا المنظور وجعله حقيقة سياسية غير قابلة للدحض(11). وهذا ما يمكن توضيحه من خلال التجربة السياسة للرئيس ترامب؛ فهذا الرجل الذي لا يمتلك تاريخًا سياسيًّا، جاء من عالم المال والأعمال وهو يحمل في لا شعوره السياسي أيديولوجية هيمنة الرجل الأبيض وبدأ حملته السياسية اعتمادًا على خطابات وطنية سرعان ما تحولت إلى ضرب من الشعبوية الموغلة في ضرب المؤسسات الديمقراطية عبر التجريح والتحريض ضد النخبة السياسية من خلال الاعتماد على وسائل الإعلام التقليدية والتركيز أكثر على وسائل التواصل الاجتماعي. كل هذا في مقابل تقديم الوعود الاقتصادية للفئات الاجتماعية التي عانت في السابق من الإقصاء الاجتماعي والسياسي وتحجر التأسيس القائم على مركزية المؤسسات الأميركية التقليدية.
وفي محاولة للخروج من هذا المأزق الهوياتي الذي يحاصر أو ربما يقتل الأفق الديمقراطي في الولايات المتحدة الأميركية والعالم، يقدم دوبرييل مخرجات سياسية واجتماعية تقوم على “أن سياسة الهوية يجب ألا تتأسس على المنظور الضيق للهوية القائم على المنظور الحدي، لكن على نوع من الوعي بالعيش المشترك (le vivre ensemble)(12). والمقصود بهذا المفهوم، حسب الكتاب دائمًا، يعني الخروج من الدائرة السوداء لأيديولوجية هيمنة الرجل الأبيض والبحث عن فكرة سياسية متعالية تلم شتات جميع الهويات في مسعى لتحقي فضاء سياسي مشترك يسع كل الهويات المتباينة والمختلفة. ورغم أن هذا التناول يبقى تنظيرًا في المقام الأول، وكثيرًا ما يصطدم بصخرة ميول الهويات الأخرى التي تغترف من النزوعات اللاشعورية للأفراد والجماعات؛ ما يجعل من عملية تحقيق هذا العيش المشترك مسألة عسيرة التحقق في الكثير من الأحيان لكنها مع ذلك تبقى خيارًا مطروحًا وقائمًا.
وقريبًا من هذه التخريجات لأزمة الهوية وسياسيات الهوية في السياق الأميركي والعالمي نجد الكثير من التقاطعات المعرفية والتناغم المنهجي بين ما قدَّمه مُؤَلِّف الكتاب دوبرييل، والعالم والمفكر الأميركي، فرانسيس فوكوياما، في كتابه الأخير “الهوية: مطلب الكرامة وسياسة الاستياء” الصادر في العام 2018(13). فرغم الفرق الزمني الذي يفصل بين الكتابيين والذي لا يتجاوز سنة واحدة، نجد أن هناك نوعًا من التقارب الواضح بين الكتابين إن على مستوى التشخيص أو على مستوى الحلول المقدمة مع التأكيد على تبيان المنطلقات التي انطلق منها كل باحث على حدة. فالفكرة المركزية التي يتقاطع فيها الكتابان هي الهوية باعتبارها البوتقة الجديدة لفهم وتفسير العالم وربما تغييره. ففوكوياما اعتبر أن صعود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شكَّل الانفجار الحقيقي لسياسات الهوية في الولايات المتحدة الأميركية، وأن الهوية الأميركية القائمة على الاستبداد الديمقراطي والتي عُمِّرت طويلًا واجهت منذ بداية الألفية تحديات سياسية جمة تمثلت في مظاهر الحراك السياسي والمدني الذي يقوم على أطروحة الاعتراف بكرامة الأقلية (سياسيًّا وفكريًّا ومهنيًّا وجنسيًّا….)، أو المجموعات المحلية التي تشعر بالاستياء جرَّاء سياسات التهميش أو آليات التهديد والإقصاء من قِبَل قوة سياسية مهيمنة(14). أما على مستوى الحلول المقدمة لتجاوز هذه الأزمة الهوياتية، ورغم أن الهوية السياسية الأميركية هي المهيمنة عالميًّا، نجد أن فوكوياما يذهب في تنظيره للهوية المستقبلية إلى ضرورة فض النزاع الهوياتي في عالم اليوم القائم على الصراع بين الليبرالية والشعوبية، وأن تحقيق هذا الرهان يقتضي توافر شرطين لازمين، هما:
1- الاعتراف بهوية المجموعات والأقليات. وهذا الاعتراف سيكون عنصرًا ضروريًّا ولازمًا لتحقيق مدى استمرارية النموذج الديمقراطي الليبرالي في العالم.
2- التطبيق العملي والعقلاني لمفهوم الهوية التعاقدية القائمة على الشروط الثلاثة التالية: الإيمان بالقيم الديمقراطية، والانفتاح الليبرالي، والبحث عن محضن ثقافي لغوي لبلورة هذه التهوية التعاقدية.
ويبدو أن العناصر الثلاثة المتعلقة بتطبيق الهوية التعاقدية عناصر حاسمة في تحقيق ما أسماه مُؤَلِّف كتاب “ديكتاتورية الهويات” بمقولة: “العيش المشترك” خاصة العنصر الثالث المتعلق بإعداد الحاضنة اللغوية والثقافية لتنمية هذه الهوية التعاقدية، والذي يكون بمنزلة الضامن لعملية نشر وتعميم هذه الهوية التعاقدية.
والملاحظ أن هذا التناغم بين مسارين فكريين متباينين من العالم الأوروبي والأميركي وحالة التعاقد المعرفي بين التجربتين يقودنا إلى التأكيد على أن مفهوم “العيش المشترك” الذي قدَّمه لورون دوبرييل، ومقولة: “الهوية التعاقدية” للعالم فوكوياما، يحملان نفس الدلالة ويؤديان نفس العرض، وأن نتائجهما لن تقف فقط في الحدود الجغرافية الغربية، بل يمكنها أن تصل الحدود الشرقية من العالم.
البراديغم الأوروبي والهوية الجريحة
في الفصل الثالث من الكتاب، والذي تم تخصيصه بالكامل للأدوار السيكولوجية في بلورة الهوية السياسية وسياسات الهوية، يؤكد دوبرييل على عامل الشعور بالنكوص والتراجع معتبرًا أن التكوين النفسي لسياسات الهوية في فرنسا يظل مشروطًا بالاستحضار الدائم والمتكرر لمفهوم الجروح (les blessures) التي تطول الذات النرجسية الفرنسية وحتى الأوروبية(15)، وأن هذه الحالة السيكولوجية تُمَثِّل حقيقة فرنسية وأوروبية، بمعنى أن الرجل الأبيض الأوروبي الخارج من المرحلة الاستعمارية يعيش اليوم وضعًا خاصًّا حيث يقدم نفسة كضحية، وأن الخطاب الهوياتي في فرنسا والقارة الأوروبية يقوم على ثنائية التخفيف (Soulagement) والاستنكار (Denunciation) كآليات نفسية للدفاع عن الهوية الجريحة والشعور بالإهانة (Humiliation) للإنسان الأوروبي في الألفية الجديدة.
بهذا التناول المعرفي ينفتح مُؤَلِّف الكتاب على مدارس التحليل النفسي التي تنهل بدورها من تفريعات السيكولوجية الفرويدية (نسبة لسيغموند فرويد) واليونغية (نسبة لكارل غوستاف يونغ)، ليخلص إلى أن البراديغم الهوياتي الأوروبي اليوم يقوم على أن الشعوب الأوروبية تعاني من رهاب الهوية القائم على الشعور بأن هذه الشعوب ضحية وضع جديد، وأن أسباب هذا الجرح النرجسي للهوية الأوروبية تعود إلى مستويات كثيرة ومتعددة، أهمها:
1- سقوط الأوهام الأوروبية الكبرى
تتحدد معالم هذه الفكرة في أنه منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دخلت أوروبا مرحلة جديدة من مسارها السياسي، التي تميزت ببروز نزعات التفكك والانفصال داخل الجسد الأوروبي الذي كان يقدم نفسه للعالم كتكتل سياسي واقتصادي قادر على مقارعة النموذج الأميركي، وأن هذا الوضع الجديد الذي طال الهوية السياسية الأوروبية قاد الشعوب الأوروبية إلى التأكد من أن أوروبا تعيش عصر انهيار اليقينيات الوحدوية الكبرى. فالبريكست أو التصويت السياسي على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعدما كانت من الدول المؤسسة لهذا الاتحاد، شكَّلو التوصيت السياسي على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي من منظور الكتاب لحظة جديدة في نهاية اليقينيات الوحدوية، وإجهازًا على الديمقراطية الأوروبية من خلال أداة الاقتراع والتصويت كآلية سياسية غير ديمقراطية بالضرورة. وكـأن الديمقراطية الأداتية والإجرائية ممثلة في التصويت أضحت هي من يرسم مستقبل الشعوب. والأمر ذاته ينسحب على النزعات الانفصالية داخل الدولة القُطرية الأوروبية ممثلة هنا في دعوة الانفصال المجهَضة في إقليم “كتالونيا” داخل إسبانيا. هذا إلى جانب نزعات الانفصال والتفكك المتوقعة في بعض الدول الفيدرالية الأوروبية. والحال أن هذا السلوك السياسي يؤكد مرة أخرى أن اليقينيات الأوروبية المتعلقة بالوحدة التي بنيت عليها الهوية السياسية الأوروبية كانت إجراءً ظرفيًّا في حين أن المطالب الفئوية والنزوع نحو مزيد من الاستقلال السياسي يمثِّل حقيقة سياسية جديدة تتغلغل في الخريطة السياسية الأوربية، مما يجعل البراديغم الهويات الأوروبي منخورًا من الداخل ويعيش حالة كساح.
2- العنصرية ومعاقل الديمقراطية
تمثِّل نزعات التطرف وكراهية الآخر المستشرية في دول أوروبية مثل إيطاليا وفرنسا والنمسا، إلى جانب الصعود السياسي للتيارات اليمينة الشعبوية في كل من إيطاليا وهنغاريا، أهم ملامح الجرح النرجسي الأوروبي. فهذه النزعات العدائية ضد الآخر ليست في نهاية المطاف سوى شكل من أشكال الخوف الجماعي الذي يطول القارة الأوروبية وتسعى بعض الحكومات والأحزاب اليمينية لزرعه في الشعوب الأوروبية عبر الحملات الدعائية ووسائل الإعلام. فهذه النزعات تمثِّل وجهًا من وجوه الجرح النرجسي الذي نال من الهوية الأوروبية، والذي بموجبه تحولت أوروبا الاستعمارية التي كانت تحكم الكثير من مناطق العالم خلال القرون الماضية إلى شعوب تشعر بالخوف من المجهول السياسي الذي قد يأتي من الدخل أو من الخارج.
3- الأخطار القادمة من الجنوب
يُعَدُّ هذا الجانب، حسب الكتاب، مكمِّلًا للعنصرين السابقين وإن كان الأوربيون أنفسهم يسعون دومًا للدفاع عن هذه الهوية المجروحة من خلال التلويح بالأخطار القائمة من الضفة الجنوبية للمتوسط وكأن الأمر يتعلق بفزاعة لحجب النقص المركَّب الذي تعانيه هذه الهوية جرَّاء عقدة النقص تجاه الهوية الأميركية المهيمنة. ويمثِّل الإرهاب العابر للحدود إلى جانب الهجرة غير النظامية أحد أهم المستويات المتصلة بهذا الخطاب المضلِّل الذي عادة ما يستعمله المثقفون الأوروبيون وصنَّاع القرار في محاولة لتبرير خطاب الضحية الذي يوحِّدهم(16).
ويبدو أن هذا المنطق التبريري هو الذي أضحى يوجه السياسات الأوروبية ويعتمده رجال السياسة للوصول إلى الحكم. وهو ذات المنطق الذي اعتمده الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، والأمر نفسه ينطبق على الخطاب الموجه لحزب الجبهة الوطنية الفرنسية، بصورة متطرفة جدًّا والتي لم تكن تتوانى في رفع شعار (فرنسا ليست مزبلة العالم) المطالبة بطرد المهاجرين.
بهذا المعنى، يتضح أن الجرح النرجسي الأوروبي متعدد الأسباب منه ما يعود لطبيعة الدولة الأوروبية نفسها في علاقتها مع الشعوب ومنها ما يعود للخارج ممثلًا هنا في التحدي الأميركي لأوروبا أو علاقة أوروبا بدول الجنوب. وهنا مرة أخرى تبدو الحاجة ماسَّة، حسب دوبرييل، إلى الخروج من دائرة العداء المجاني للآخر وتبني سياسة العيش المشترك الذي يقتضي إدماج المهاجرين القادمين من الجنوب كشرط أساس لاستيعاب المطالب الفئوية حتى لا تتكرر مجزرة شارلي إبدو الفرنسية. هذا إلى جانب الشروع في العمل المؤسساتي الرامي لإعادة بناء هوية جديدة لأوروبا تأخذ بعين الاعتبار المطالب الفئوية الداخلية وتحديات الخارج. وهذا ما عبَّرت عنه المبادرة الفرنسية-الألمانية لإعادة صياغة المشروع الأوروبي بعد تأكيد عملية خروج بريطانيا من دول الاتحاد.
البراديغم العربي وثنائية الازدواجية والتشظي
يكاد الكتاب يخلو من إشارات مباشرة وصريحة للهوية العربية الإسلامية، والإشارات القليلة التي تمت فيها الإحالة على العرب والإسلام جاءت مقترنة بإيران والحجاب، وكأن الغاية من هذه الإشارات القليلة هو تأكيد أن الهوية العربية الإسلامية تمثِّل في واقع الأمر خصمًا أو مصدر خوف بالنسبة للهويات الغربية في أصولها الأميركية أو الأوروبية. لكن مع ذلك يبقى أن حالة التشخيص الهوياتي ومقترحات الحلول المقدمة للخروج من الأزمة الهوياتية في أصولها الغربية كما هي مستخلصة في كتاب لورون دوبرييل وفرانسيس فوكويايما قد تساعدنا في إمكانية قراءة وفهم وتفسير مستقبل الواقع الهوياتي العربي الإسلامي.
لقد حظي سؤال الهوية في السياق المعرفي والسياسي العربي باهتمام العديد من المثقفين والدارسين العرب. وضمنه ظل يُنظر للهوية العربية من حيث ماهيتها باعتبارها هوية مركبة وأن وظيفتها تكمن في أنها معطى موضوعي خارجي يجمع بين الثابت والمتغير. فهي دينية في المقام الأول ما دامت مرتبطة عمومًا بسؤال المقدس في الثقافة العربية الإسلامية، وهي سياسية ثانيًّا، لأنها تحيل على المفهوم النفعي الضيق للفعل السياسي وجدلية المصالح. وقد كان لهذا الـتأطير الأولي تأثير كبير على الدينامية الداخلية لهذه الهوية وعلاقتها بالخارج. ويبدو أن هذا الوضع خلق نوعًا من الازدواجية في التناول، حيث ظل العرب منذ العقد الأول من القرن الماضي منشغلين بالإجابة عن سؤال الهوية السياسية العربية من خلال التركيز الدائم على ثنائية الديني والسياسي. هذا في الوقت الذي ظل موقفهم من الغرب ملتبسًا ومتناقضًا على الدوام. فهو من جهة، ذلك الغرب القوي المتطور صناعيًّا وعلميًّا وحضاريًّا والذي تسود مجتمعاته قيم الحرية والديمقراطية. ومن جهة أخرى، هو الغرب الاستعماري المتعالي الذي مارس سيطرته واستبداده بحق الشعوب العربية ونهب واستباح خيراتها وحال دون تطورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، كما أجهض تطلعاتها في بناء هوية جديدة تقتضيها سنن التحول المجتمعي والطبيعة الدينامية لكل هوية على حدة. لكن الملاحظ أن مرحلة الربيع العربي وما تمخض عنها من أحداث سياسية ومجتمعية واكبتها حالة من الانفجار الهوياتي ضمن الدائرة العربية والإسلامية فبرزت على السطح أشكال جديدة لسياسات الهوية من خلال بروز أشكال جديدة للاحتجاج الاجتماعي ورفع مظالم شعبية ضد الفئات الحاكمة لكنها ظلت تتأرجح بين المطالب الدينية ذات النفحة الطائفية.
فعلى مستوى التشخيص، نجد أن العالم العربي بعد الربيع العربي شهد لحظة انتقال العرب من دائرة الاهتمام بالهوية السياسية القائمة على ثنائية الديني والسياسي والتي أفضت إلى نوع من الهوية المزدوجة إلى شكل جديد من أشكال سياسات الهوية. ومعلوم أن حركات الربيع العربي في الكثير من الدول العربية أخذت لبوسًا دينيًّا، وأن حركات الإسلام السياسي كانت حاضرة في أغلب الدول التي شهدت حراكًا شعبيًّا تم تتويجه بتغييرات سياسية. ويبدو أن المعطى الجديد هو الذي جعل فرانسيس فوكوياما يعتبر ثورات الربيع العربي “ثورة كرامة هوياتية”(17)، فقد شكلت في البداية مطلبًا شعبيًّا شارك فيه الجميع لكن الطيف الإسلامي كان هو العامل الأبرز في مسارات التغيير ونال بعضًا من نتائجها بأن تبوأت بعض أطرافه مقاليد الحكم في أكثر من دولة خاصة مصر وتونس والمغرب. وبالتالي، تحولت المطالب الفئوية للإسلام السياسي إلى جزء من مشروع لأكثر من مجتمع عربي، لكن يبدو أن الصعود السريع والمتنامي للإسلام الجهادي ممثلًا في تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وأيضًا سقوطه بعد تدخل القوى الدولية في المنطقة العربية، قلب العديد من عناصر المعادلة وأثَّر على علاقة العرب بالغرب من جديد كما أثَّر أيضًا على تيارات الإسلام السياسي المعتدلة.
ولأن فوكوياما أفرد مساحة مهمة للظاهرة الداعشية في كتابه(18)، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة الآن هو: هل يمكن قبول فكرة “الهوية التعاقدية” التي نادى بها فرانسيس فوكوياما أو مقولة “سياسة العيش المشترك” التي دفع بها لورون دوبرييل في سياق عربي إسلامي يمكنه بكل سهولة أن ينتج ظواهر جديدة قريبة أو بعيدة من الظاهرة الداعشية؟ والجواب هنا هو أنه سيكون من الصعوبة القبول بهذا لأن الإسلام السياسي خاصة التنظيمات التي تقدم تفسيرًا ضيقًا للنص القرآني وتنظر للغرب من منظور الآخر الكافر تستند على فكرة أن “الإسلام هو العقيدة الأسمى”، وأن الإنسانية يجب أن تكون متمثلة في “الأمة” أو “المجتمع الإسلامي الواحد الكبير”. وطالما ظل السياق السياسي العربي مفتقرًا لآليات سياسة العيش المشترك ولا يتوافر على تعاقدات سياسية جديدة في هذا الزمن المعولم، فإن ذلك سيزيد من تشظي الهوية العربية الإسلامية التي ما زالت تعاني من الازدواجية.
على سبيل الختم
يمثِّل كتاب “ديكتاتورية الهويات” لصاحبه لورون دوبرييل قراءة عميقة في البنية الداخلية للخطاب السياسي الأميركي ومكوناتها من حيث مرجعياته التي تعود في أغلبها لخمسينات القرن الماضي ومدى تفاعل هذه المرجعيات فيما تحقق من أحداث خلال العقدين الأولين من الألفية الجديدة. لكن قوة هذا الكتاب تضمن أنه يمنح القارئ العربي أدوات ومفاتيح لقراءة التجارب الهوياتية الأميركية والأوروبية. ولأننا نعيش، حسب دوبرييل، في عصر الليبرالية الجديدة القائمة على التواصل والإعلام، أو ما يسميه “العقل الجديد لليبرالية القائم على تحالف المال والتكنولوجيا والسياسة”، فإن المطلوب من وجهة نظره هو العمل على تلافي مزيد من حرب الهويات، والعمل على بناء علاقات جدية بين هذه الهويات تقوم على الانسجام والتناغم لا الكراهية والحرب والتدمير.
المراجع
(1) Laurent Dubreuil, La dictature des identités (France: Gallimard, 2019).
(2) انظر التطور الجينيالوجي لمفهوم “سياسات الهوية” منذ ظهوره في منتصف القرن الماضي والتفسيرات التي قُدِّمت للمفهوم حتى اليوم في:
Cressida Heyes, “Identity Politics” in Stanford Encyclopedia of Philosophy, ed. Edward Zalta, Stanford: Metaphysics Research Lab, Center for the Study of Language and Information, Stanford University, (2002).
(3) Dubreuil, La dictature des identités, 7.
(4) Ibid, 13.
(5) Ibid, 9-10.
(6) أليسك ميكشيللي، الهوية، ترجمة علي وطفة، ط 1 (دار النشر الفرنسية، 1993)، ص 13.
(7) Dubreuil, La dictature des identités, 10-11.
(8) Heyes, “Identity Politics,” “accessed January 20, 2020”. https://stanford.io/3aLHy7I.
(9) Dubreuil, La dictature des identités, 23.
(10) Ibid, 24.
(11) Ibid, 25.
(12) Ibid, 19.
(13) فرنسيس فوكوياما، الهوية مطلب الكرامة وسياسات الاستياء، ترجمة مجاب الإمام، ط 1 (منتدى العلاقات العربية والدولية، 2018).
(14) المرجع السابق، ص 31.
(15) Dubreuil, La dictature des identités, 66-67.
(16) Ibid, 69.
(17) فوكوياما، الهوية مطلب الكرامة وسياسات الاستياء، مرجع سابق، ص 11.
(18) انظر تحديدًا الفصل السابع من كتاب الهوية مطلب الكرامة وسياسات الاستياء، المرجع السابق، ص 77.