ملخص:

تسعى الدراسة إلى وضع خريطة لمناهج البحث في علوم الإعلام والاتصال في السياق الرقمي تتضمن أربعة اتجاهات كبرى في البحث، وهي: المناهج التوافقية أو التعاقدية، والكبرى، والافتراضية، والرقمية. ولتحقيق ذلك، سلَّطت الضوء على مختلف جوانب تعقُّد البحث في مجال الميديا الرقمية وخصوصيته. وقامت الدراسة بتحليل عينة قوامها 100 بحث أصدرتها مراكز بحث أكاديمية أجنبية ونُشِرت في مجلات علمية وفق منهج “ميتا التحليل الكيفي” مستخدمة مفهومين “دريديين” )نسبة إلى الفيلسوف جاك دريدا( أساسيين، وهما: الإرجاء والاختلاف.

كلمات مفتاحية: الإرجاء، العبر ميديا، النموذج المثالي، الآثار الرقمية، البيانات الرقمية.

Abstract:

This study seeks to map research methods in information and communication sciences in the digital context that include the four main streams of research: conventional, major, virtual and digital. In order to achieve this objective, the study has highlighted the different aspects of the complexity of research in the field of digital media and its features. It is analyses a sample of 100 studies published by foreign academic centres in periodicals according to qualitative meta-analysis methods using two essential Derridian (referring to the French philosopher, Jacques Derrida) concepts: difference and deferment.

Keywords: Différance, Transmedia, Ideal Type, Digital Traces, Digital Data.

مقدمة  

ظل السؤال ذاته يتكرَّر منذ ثلاثة عقود: هل يمكن دراسة الميديا الرقمية بالمناهج وأدوات البحث التقليدية التي اعْتُمِدت في عصر التكنولوجيا التماثلية؟ على الرغم من أن البحوث العديدة والمتراكمة قدَّمت ولا تزال تُقدِّم الإجابة العملية عن هذا السؤال إلا أن الجدل حوله ما زال قائمًا ويشي بأن هامش الخلاف أوسع من الاختلاف. لقد أفرز هذا الجدل اتجاهين أساسيين: اتجاهًا نظريًّا ذا طابع عام، يتعلق بدور التكنولوجيا والآليات الرقمية في جمع البيانات وتحليلها، وتأثيرها على البحث العلمي؛ حيث يعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن التكنولوجيا الرقمية لم تُحدِث تغييرًا في المجتمع فقط، بل غيَّرت أيضًا ممارسة البحث العلمي وستغيِّر طبيعة العلوم الاجتماعية والإنسانية ككل. ومن المنتظر أن تُسهِم في تحقيق طموح الكثير من الباحثين الوضعيين الذين سعوا، وما زالوا يسعون، إلى تقريب العلوم الإنسانية والاجتماعية التي توصف بالرخوة من العلوم الطبيعية التي توسم بالصلبة، فتُكسِبُها المزيد من الشرعية(1). فعالم الاجتماع الفرنسي، ريمون بودون (Raymond Boudon)، على سبيل المثال، كان يعتقد بأن اعتماد العلوم الاجتماعية على لغة الرياضيات يمنحها النضج العلمي(2). لكن بالتدريج حلَّت كلمة الإحصائيات محلَّ كلمة الرياضيات. وها نحن اليوم، نشهد استبدال مصطلح الغرافيك (Graphic) الذي يطبع المناهج الحاسوبية بهما، ويجرُّ علوم الإعلام والاتصال إلى الانزياح من كونها علومًا تأويلية تسعى لاستخلاص المعنى إلى الالتحاق بالعلوم التجريبية التي تروم استخلاص القواعد وتقديم التنبؤات.

والاتجاه الثاني ذو طابع عملي، ويتعلق بالسؤال عن الجديد في مناهج البحث في مجال علوم الإعلام والاتصال، وعن مكانة قديمها في السياق الرقمي. فعلى الرغم من التغيير الكبير الذي أحدثته التكنولوجيا الرقمية في الحقول المعرفية إلى درجة أن بعض الجامعات أنشأت تخصصًا جديدًا قائمًا بذاته أسمته دراسات الإنترنت (Internet Studies)، إلا أن بعض الباحثين ما زال يعتقد بأن المناهج التقليدية ستظل فاعلة في دراسة الميديا الرقمية طالما أن الملاحظة العلمية بشتى أنواعها ما زالت هي ذاتها، والمقابلات المعمقة لم تتغيَّر كثيرًا عما كانت عليه قبل ميلاد شبكة الإنترنت، وإن بدأ تحليل محتواها يستفيد من عُدَّة تقنيَّة أكثر تطورًا خلال السنوات الأخيرة(3)، وأن الطرائق المختلفة لقياس البيانات النصية وتحليلها (Textometrics)، التي استُخدمت في تحليل الخطابات السياسية والصحفية في عصر التكنولوجيا التماثلية، ما زالت قائمة، و”تتجدَّد” باستعانتها بالبرمجيات ذات السرعة العالية في التحليل والقادرة على تَمْثِيل هذه الخطابات في شكل كلمات وجمل سحابية ورسوم بيانية(4).

ويظل جزء كبير من استطلاعات الرأي يُصمَّم وفق الأسس ذاتها وإن كان توزيع الاستمارة يجري عبر شبكة الإنترنت وبياناتها ويُحلَّل بطريقة آلية. لذا لا يمكن لتغيير سياق البحث العلمي من بيئة التكنولوجيا التناظرية إلى البيئة الرقمية أن يعطي مشروعية للقول بأن مدة صلاحية المناهج التقليدية في البحث قد انتهت، بدليل أنه لا يوجد سياق نمطي موحد للكثير من البحوث الإعلامية، فسياق قراءة الصحف غير سياق الاستماع إلى الإذاعة، ويختلف عن سياق المشاهدة التليفزيونية في التليفزيون “التقليدي” التي تحدث عنها ديفيد مورلي (David Morley)، وسياق هذه الأخيرة يختلف عن سياق مشاهدة شرائط الفيديو والأفلام عبر الخط، مثلما تراه الباحثتان، كاترين دوسنج (Catherine Dessinges) ولوسيان برتكوز (Lucien Perticoz)(5). وسياق البحوث الإثنوغرافية، هو الآخر، ليس واحدًا، فلكل بحث إثنوغرافي سياقه المخصوص(6). لذا، ظلت البحوث الإثنوغرافية تتكيَّف مع سياق كل موضوع من موضوعاتها، ويمكن أن نسمي هذا التكيُّف ابتكارًا.

تُعزِّز الباحثة، كريستين هين (Christine Hine)، مؤسِّسة “الأنثروبولوجيا الافتراضية”، هذا الاستنتاج بالقول: إن الابتكار كان دائمًا مطروحًا في جدول نشاط البحوث الاجتماعية الأمبريقية، مستشهدة في ذلك بتاريخ العلوم الاجتماعية والإنسانية، وبالمقابلات المعمقة التي أضافها بول لازرسفيلد (Paul Lazarsfeld) وروبرت ميرتون (Robert Merton) إلى بحوثهما المسحية(7).

ويصف الباحثان، سيرج برولكس (Serge Proulx) وجوليان رويف (Julien Rueff)، الابتكار الذي ميَّز المنجز المنهجي في البيئة الرقمية المعقدة بـ”الترميق المنهجي”(8)، ولا يعتبران هذا المفهوم استفزازيًّا مقارنة بصرامة العلم ودقته، أو تبخيسًا للاستراتيجيات البحثية المعتمدة لحد اليوم.

يدل الترميق المنهجي على شيئين في الوقت ذاته: عدم تجانس المنهجيات، وتكييفها مع خصوصية ميدان البحث وأسئلته، ووسيلة لحصر موضوع البحث والقبض عليه في نقطة تقاطع الرؤى المتعددة ومضاعفة زوايا تحليله(9). فالترميق في اعتقادنا هو دفع البحث للتجريب عبر السير في طريق غير معبَّد، بالقدر الكافي، في البيئة الرقمية.

إذن، على الرغم من مرور أكثر من عقدين على البحوث الأولى التي أُنجزت في الفضاء الافتراضي(10)، ما زالت مناهج البحث في السياق الرقمي توصف بالترميق، أي إنها موضع اجتهاد مستأنف، فلم ترسخ وتتجذَّر بعد لتصبح مناهج توافقية (Conventional).

 

  1. الإطار النظري والمنهجي

يتطلب رسم خريطة لأبرز الاتجاهات البحثية في السياق الرقمي الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف تَجسَّد “الترميق المنهجي” في الاستراتيجيات البحثية في علوم الإعلام والاتصال في البيئة الرقمية؟ وما أوجه التشابه والاختلاف بين الاستراتيجيات المنهجية التي تستند إلى العُدَّة الرقمية أو تستعين بها؟ وما التداعيات الإبستمولوجية والأخلاقية للمناهج البحثية ” المعاصرة” على علوم الإعلام والاتصال؟

نعتقد أن هذا “الترميق” لا يُفهم إلا بالنظر إلى المناهج السابقة ومكتسباتها، وما جرت إضافته إليها، وما يختلف عنها، وإلى تنوع الاجتهادات المنهجية.

للإجابة عن هذه الأسئلة نستأنس بالنظرية التفكيكية، التي نعتقد أنها لا تعبِّر عن اتجاه فكري عدمي، بل تروم التفكيك وإعادة التركيب: تفكيك الأفكار والبنى الفكرية والتجارب البحثية قصد بلوغ حقيقتها وإعادة تركيبها بتشغيل مفهومين أساسيين في التفكير الدريدي (نسبة إلى جاك دريدا)، وهما: الإرجاء (Différance) والاختلاف (Différence)(11). يساعدنا المفهوم الأول (الإرجاء) في مناقشة المناهج البحثية انطلاقًا مما غاب فيها أو عنها أو بناءً على ما لم تفصح عنه. ويدفعنا إلى الالتزام بالحذر وإرجاء تقييم المناهج البحثية في السياق الرقمي وعدم الحكم عليها بطريقة حاسمة لا رجعة فيها، لأنها ترتبط بعُدَّة رقمية لا تكفُّ عن التنوع والتطور والتغيير وتدرس ممارسات اتصالية وإعلامية متجددة ومتغيرة باستمرار. ويعيننا المفهوم الثاني (الاختلاف) في الكشف عن المشترك والمتباين في الاتجاهات المنهجية التي درست الميديا في البيئة الرقمية، والاقتراب أكثر من مستويات الرهانات المعرفية لكل اتجاه منهجي تتضمنه خريطة المناهج المعاصرة.

واعتمدنا على ميتا التحليل النوعي (Qualitative Meta-analysis)، المنهج الذي يُعد حديثًا جدًّا وانبثق عن ميتا دراسة Study-Meta))، والذي يشرحه الباحث تشانينج زهو (Shanyang Zhao)(12) بالقول: “إنه يدرس نتائج وصيرورة الدراسات السابقة، فهناك ظاهرة ما نقوم بدراستها وتحليلها، ثم نُنْجِزُ دراسة عن الدراسة الأولى. فهدف “ميتا دراسة” لا يقف عند تلخيص نتائج الدراسات السابقة، بل التفكير في دراسة ثانية لتُحلِّل صيرورتها، ودليلها في ذلك السؤالان التاليان: “أين وصلنا في هذه الدراسات؟ وإلى أين نريد أن نمضي؟)(13). بعبارة أخرى: إن ميتا التحليل النوعي يهتم بالبحث في الدراسات السابقة لموضوع ما من زاوية خلفياتها النظرية والسياقات التي أُنجزت فيها. وهو بمنزلة جسر العبور من المنهج إلى المنهجية، إن سايرنا ما ذهب إليه الباحثان، ميا كونسالفو (Mia Consalvo) وتشارلز إس (Charles Ess)، في تمييزهما بين المنهج والمنهجية. لقد اعتقدا بأن منهج البحث هو جملة من التقنيات الملموسة، بينما المنهجية هي تصورات تنقل أطر التأويل النظري إلى الميدان الأمبريقي(14).

أمام غزارة البحوث والدراسات ذات الصلة بالمناهج البحثية في السياق الرقمي اعتمدنا على عينة ميسرة (Convenience sampling) قوامها 100 دراسة وبحث منشور في مجلات علمية دولية محكَّمة صادرة عن مراكز وهيئات بحثية أجنبية -انظر الجدول رقم 1- وتتضمن بحوثًا ذات طابع نظري تناقش تأثير التكنولوجيا الرقمية على مناهج البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وتُقيِّم وتُصنِّف التجارب البحثية في حقل الإعلام والاتصال في السياق الرقمي. وبعد مَحْصِ مفردات هذه العينة فضَّلنا الوقوف على خريطتين أساسيتين رسمتا التوجهات المنهجية الكبرى لدراسة الميديا في البيئة الرقمية، وهما مستمدتان، بالطبع، من مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية. الخريطة الأولى وضعتها نورتجي ماريس (Noortje Marres)(15)، الباحثة في علم الاجتماع في 2012، والثانية صاغها كل من الباحثيْن، سيرج برولكس وجوليان رويف(16) في 2018. إن مبرِّر تفضيلنا لهاتين الخريطتين يعود لكونهما شاملتين وتلخصان أبرز الاتجاهات البحثية المعاصرة في حقل الإعلام والاتصال، وتتقاطعان في أكثر من مفصل، إضافة إلى أنهما تحوَّلتا إلى مرجع أساسي من فرط تواترهما في البحوث التي تعالج مسألة مناهج البحوث. وبعد مناقشة الخريطتين على ضوء بحوث العينة المدروسة نقترح خريطة ثالثة -انظر الجدول رقم 2- نعرض فيها بعض الجوانب والأبعاد التي نعتقد أنها لم تبرز في الخريطتين المذكورتين.

وتضمنت العينة المدروسة أيضًا بحوثًا ودراسات تشمل مختلف موضوعات الإعلام والاتصال التي تبنَّت استراتيجيات بحثية متنوعة لدراسة الميديا في البيئة الرقمية. وحاولنا أن نستخرج منها القسمات المشتركة التي تجمع بعضها وأدرجناها في إحدى الاتجاهات البحثية الكبرى كمثال نموذجي (انظر الجدول رقم 3).

الجدول 1: موضوعات عينة البحوث والدراسات

م الموضوعات العدد
1 بحوث ودراسات عن المناهج في عصر البيانات الضخمة 29
2 تحولات الصحافة والميديا في البيئة الرقمية 11
3 الصحافة الرقمية 18
4 شبكة الإنترنت 10
 

5

 

مواقع التواصل الاجتماعي

8
6 الأخبار عبر الخط 13
7 العبر ميديا والمواءمة 5
8 الصحافيون في بيئة الويب 3
9 دراسة الجمهور ومستخدمي الويب 3
               المجموع 100

من نافلة القول: إن هناك جملة من العوامل والمتغيرات التي شكَّلت الإطار الذي برزت فيه مناهج البحوث الإعلامية في البيئة الرقمية وتطورت، نوردها كما يلي:

1. العُدَّة التقنية وتفكير التضاد(17)

تتسم شبكة الإنترنت، التي تعتبر العنصر المؤسِّس للبيئة الإعلامية، بقدرتها على جمع التصورات والممارسات التي تبدو أنها متناقضة أو تتسم بالتضاد (Oxymoron)، كالقول مثلًا: إن هذه الشبكة خاصة وعامة في آن واحد، ومنفتحة ومنغلقة، ومحلية وكونية، وتتيح الاتصال التزامني وغير المتزامن أو المؤجل، وحرة ومقيدة، وتجمع الأفراد لإنشاء جماعات وتفكيك الجماعات، وتشجع الفرد على الإقامة “وحيدًا وسط الناس”، وتُعزِّز نرجسية الفرد على الإقامة “في ذاته وخارجها في الوقت ذاته”(18)، بمعنى أن هذه الممارسات التي تبدو متناقضة تشكِّل معنى جديدًا يميز شبكة الإنترنت. لذا، فإن التفكير في هذه الممارسات الإعلامية والاتصالية التي تجري في هذه الشبكة وعبرها يتطلب تطليق الخطاطة الذهنية الموروثة من الماضي وتبنِّي استراتيجية تروم الفهم وفق منطق تفكير التضاد. وهذا يشكِّل تحديًا منهجيًّا للوقوف على تنوع الممارسات الإعلامية التي تجري في شبكة الإنترنت وعبرها، واستخراج معانيها مع منتجي المحتويات ومستخدميها في آن واحد.

  1. المنطق المتداخل في ظل هجانة البيئة الإعلامية

تعيش وسائل الإعلام مسارًا مستأنفًا من التغيير منذ نهاية القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية سواء على صعيد جمع الأخبار، وتحريرها وإنتاجها، وتوزيعها، و”استهلاكها”. والأمر لا يقتصر على الصحافة التي وصفها الباحثون كريس أندرسون (Chris Anderson) وإيميلي بيل (Emily Bell) وكلاي شيركي (Clay Shirky) بأنها “تمر من صناعة منسجمة، إلى حدٍّ ما، إلى طائفة من الممارسات المختلفة والمتنوعة (…) فالصناعة الصحفية ماتت بَيْدَ أن الصحافة توجد في أماكن عديدة”(19). لقد شمل هذا المسار من التحوُّل كل وسائل الإعلام فأصبح من الصعب فصل قديمها عن جديدها؛ إذ ذابا في مفهوم “هجانة الميديا” الذي لا يتعلق بوسيلة إعلامية بعينها، بل يرتبط بالمنظومة الإعلامية بأسرها التي أضحت هجينة على حدِّ قول الباحث في مجال التواصل السياسي، أندرو تشادويك (Andrew Chadwick)(20). وتختفي وراء هذه الهجانة هجانة أخرى نادرًا ما نتحدث عنها، وهي “هجانة الاستخدامات”(21).

من المفترض أن منطق الميديا الاجتماعية يختلف عن منطق وسائل الإعلام التقليدية، لأنهما وُلدا في مسارين تكنولوجيين واقتصاديين مختلفين، لكن هجانة البيئة الإعلامية دفعت بهما إلى التقارب، بل إلى التداخل والاندماج من خلال اشتراكهما في العناصر التالية: قابلية البرمجة (Programmability)، والنزعة الشعبية (Popularity)، والارتباط الاتصالي (Connectivity)، والنزعة البياناتية، أي التحويل إلى بيانات، (Datafication)(22).

تَشَكَّل منطق وسائل الإعلام التقليدية تدريجيًّا في الممارسة من خلال دكِّ الجدار الفاصل بين الإعلام والإعلان، وبين الأحداث والرأي، وبين تقديم خدمة عمومية وبيع سلعة. وتطور منطق الميديا الاجتماعية بالاستفادة مما دكَّته وسائل الإعلام التقليدية إضافة إلى الممارسات المتضادة، التي تحدثنا عنها آنفًا، مثل الجمع بين الخاص والعام، والفردي والجماعي، والمحلي ودولي. لقد فرضت تداعيات اندماج المنطقين في الممارسات الإعلامية والاتصالية على الباحثين الالتزام بتعددية المقاربات النظرية والمنهجية من أجل استجلائها وفهمها، مثلما سنوضح لاحقًا.

  1. من الإعلام إلى “ميتا اتصال”

لم يوسع التطور التكنولوجي السريع في قائمة مواضيع الأخبار الصحفية فقط، بل أسهم أيضًا وبقوة في تغيير جوهرها. فالأخبار لم تعد مقتصرة على نقل ما جرى، بل امتدت إلى نقل التعليقات، والتعليقات على التعليقات على ما جرى؛ مما يحفز فضول المرء على معرفة مَنْ علَّق على مَنْ؟ لذا، يمكن القول: إن الأخبار في الميديا المعاصرة سلكت عدة اتجاهات، منها تحويل القضايا العامة إلى قضايا شخصية من خلال تَذْوِيتِها (Subjectivisation)، وتحويل الأمور الشخصية إلى قضايا عامة عبر تغليفها بغلاف الموضوعية. قد يقول قائل: إن هذه الظاهرة ليست بنت اليوم، لقد شرعت صحافة المشاهير، وتليفزيون الواقع، في تجسيدها منذ انطلاقاتهما. بالفعل، لقد وُجِدت هذه الظاهرة قبل ظهور شبكة الإنترنت، لكن ما يبدو جديدًا في هذه الظاهرة هو السياق الذي تجري فيه والمتسم بانفتاح المجالات على بعضها؛ حيث يتداخل المجال الخاص والاجتماعي والعمومي.

ويمكن اختزال هذه الظاهرة فيما أسماه أحد مؤسسي مدرسة “بالو ألتو” (Palo Alto)، غريغوري بيتسون (Gregory Bateson)، بـ”الميتا اتصال والميتا إعلام”(23)، الذي يُفكِّك عناصر مادة الاتصال ويطرحها للتداول، لتَحَوُّل الإعلام ذاته إلى موضوع للاتصال والتواصل. لعل هذا التحوُّل هو الذي دفع بعض المهنيين(24) إلى التفكير فيما يمارسون؛ إذ لاحظوا أن القالب التقريري والسردي للأخبار يتراجع أمام القالب الحواري، خاصة بعد أن توافرت الإمكانات للجمهور/المستخدم ليشارك في إنتاج المادة الإعلامية(25).

إذن، لقد تغيَّر الحامض النووي للأخبار فأصبحت غير مستقرة، ومرنة، وقابلة للتعديل والتحوير(26). فوُصِفَت بالعديد من الأوصاف، مثل الأخبار الجديدة (New News)، كما أشار إلى ذلك الباحث جون كاتز (John Katz) للدلالة على أن مضامينها أصبحت تمزج الإعلام عن الأحداث السياسية بالترفيه والتسلية(27)، والأخبار الديناميكية، أو المائعة أو السائلة(28). وصفة السائلة لا تعود لكون الأخبار لم تستقر بعد على شكل تعبيري محدَّد وثابت فحسب، بل أيضًا لأنها متواصلة التَّشكُّل نتيجة ارتباطها بتطور الأحداث وامتدادها الزمني وتعدُّد المساهمين فيها.

وتطرح هذه التحولات جملة من الصعوبات والتحديات على البحث الأمبريقي، يمكن تشخيصها كالتالي:

1.3. لم تعد الطريقة الكلاسيكية لتحليل صحيفة ورقية ذات فائدة كبرى في تحليل صحيفة رقمية تتكئ ممارستها على مصطلحات ومفاهيم إجرائية متعددة ومتنوعة، مثل: التفاعلية، والتناص، والنص االمتشعب، والكتابة غير الخطية، وتعددية الوسائط، والمواءمة والنشر العبر ميديا (Cross Media Publishing)(29)، والمحتويات المشخصنة، وذاكرة الصحيفة) الأرشفة(، وزمنية المادة الإخبارية(30). مع العلم بأن السعي من أجل وضع بروتوكول لتحليل موقع الصحيفة الرقمية أو الموقع الإخباري ما زال قائمًا، وما أُنجز لم يتوطد بعد ليصبح مرجعًا عمليًّا(31).

2.3. لا تنطبق أسس تصنيف الأنواع التعبيرية في الصحيفة الورقية على خصوصية الويب. فالنص الذي كان يُعرَف في السابق بطابعه المستقر وإمكانية “القبض” عليه في شموليته، لم يعد كذلك؛ إذ اتسم بطابعه المفتوح والمتحوُّل في الويب، مما يصعِّب بلوغ شموليته دفعة واحدة. لذا اقترح اللساني الفرنسي، دومنيك مانغونو (Dominique Maingueneau)، ترسانة مفهومية لشرح خصوصية الويب في تحليل الخطاب، نذكر منها ثنائية: النوع المتشعب (Hypergenre) والسينوغرافيا (Scenography)(32).

3.3. لا تخضع الأخبار السائلة لمعايير القياس الكلاسيكي نظرًا لطابعها المتحوِّل(33) وتجدُّدها المستمر، وانفتاحها على مشاركة المستخدمين مما يتطلب التفكير في طرق جديدة بديلة لقياس أبعاد سيولتها عبر الخط وإخضاعها لمتطلبات البحث الأمبريقي حتى يتمكن من تجاوز الحدود المنهجية التي تفصل مُنْتِج المادة الإعلامية والثقافية عن متلقيها/جمهورها/مستخدميها، خاصة في ظل رسوخ مفهومي المحتوى الذي ينتجه المستخدم (User-Generated Content)  و”الانتخدام” (Produsage)(34)، فالكل يعلم أن المُنْتِج بالمعنى التقليدي قد زال في الميديا الاجتماعية، مثل: تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب، لأنها لا تنتج مواد سمعية-بصرية على غرار التليفزيون، بل تبث إنتاج مشتركيها ومستخدميها. كما أن مفهوم سيولة الأخبار يقتضي التفكير في برتوكول لتحليل النص الإخباري المتشعب يختلف عن تحليل المضمون التقليدي للصحف الورقية(35).

4.3 . على الرغم من لجوء وسائل الإعلام التقليدية )صحف، محطات إذاعية، قنوات تليفزيونية) إلى استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وإدراجها ضمن استراتيجياتها الإعلامية، إلا أن تحليل مضامينها تختلف عن دراسة المحتويات المتداولة في المنصات الرقمية التي تتماهى مع “الميتا إعلام”، مثلما ذكرنا أعلاه، مما يطرح صعوبات منهجية في دراستها. فهل يمكن التغلب عليها من خلال الاستعانة بتحليل الخطاب الشفهي والمحادثة في الاتصال الشخصي وجهًا لوجه وفق منظور إرفينغ غوفمان (Erving Goffman)، خاصة بعد أن ظهرت الدعوة إلى تجديد نموذجه الدرامي للحياة الاجتماعية قصد الكشف عن مسرحة الذات وسردها في هذه المنصات؟(36).

  1. تعاضد الأطر النظرية

تستند كل معرفة علمية إلى ركيزتين: منطقية وأمبريقية. فالأطر النظرية تزود هذه المعرفة بالركيزة الأولى، بينما يزودها البحث العلمي بالركيزة الثانية(37). وعلى هذا الأساس تبدو النظرية ومنهج البحث وجهين لعملة واحدة. إن الأطر النظرية تعطي معنى لما توصل إليه البحث الأمبريقي: تشرحه، وتُقدِّم قراءة لآفاق تطوره بعد توظيف آليات تأويله أو تسن قواعد لتعميمه. ويمنح المنهج المادة التي تمكِّن البحث من الارتقاء ببياناته الأمبريقية إلى “الفضاء المفهومي”(38).

وتُشكِّل الميديا الاجتماعية ملتقى العديد من التخصصات العلمية؛ إذ تتقاطع العديد من العلوم في دراستها. لذا يبدو أن البحث عن إطار تأويلي لمختلف جوانب نشاطاتها صعب إن لم يكن مستحيلًا. فالعُدَّة النظرية التي يُشَغِّلُها الباحث لدراسة هذه الميديا تختلف باختلاف نظرته إليها: هل يعتبرها نظامًا اجتماعيًّا؟ ممارسةً تقنو-اجتماعية؟ هل هي قوة تغيير الممارسة السياسية؟ هل يعتبرها رافدًا ثقافيًّا منتجًا للتمثُّلات الاجتماعية؟ وهل تُعد مخبرًا لتطور الممارسات اللسانية والخطابية أو تشكِّل مرحلة متقدمة من الإنتاج ما بعد الصناعي للصحافة؟

بصرف النظر عن الإجابة التفصيلية عن هذه الأسئلة، يمكن القول: إن حقل الإعلام والاتصال شهد الكثير من المحاولات لمراجعة نظريات الإعلام المعيارية التقليدية في البيئة الرقمية، مثل: نظرية حارس البوابة الإعلامية(39)، ونظرية وضع الأجندة(40)، ونظرية التأطير الإعلامي، ونظرية الاستخدامات والإشباعات(41)، ولولب الصمت(42)، ونظريات انتشار المبتكرات وتطبيقها على وسائل الإعلام(43)، ونظرية التلقي الإعلامي(44)، وغيرها. ويبدو أن تشغيل هذه النظريات كإطار لفهم تطور الممارسات الإعلامية في البيئة الرقمية لم يحظ بإجماع الجماعة العلمية. لذا سعى الباحثون إلى فهم هذه الممارسات انطلاقًا من أطر نظرية مختلفة، نذكر منها: نظرية الحقل (The field) لبيير بورديو (Pierre Bourdieu)(45)، التي تزايد استخدامها في البحث بعد تطور ممارسات الصحافة وتنوعها، وإلحاح السؤال عمَّن هو الصحافي في نهاية العقد الأول من الألفية الحالية. ونظرية المجال العام(46) ليورغن هابرماس (Jürgen Habermas)، وأكسيل هونيث (Axel Honneth)، وحنَّا أرندت (Hannah Arendt‏)، وأوسكار نيغت (Oskar Negt)، بعد أن تراجعت الديمقراطية التمثيلية وبدأت تعيش أزمتها، وتزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في “تجديد” الفعل السياسي، ونظرية الوساطة الميدياتيكية (Mediatization) التي تُعد ضربًا من “ميتا مسار” الذي يروم توطيد العلاقة بين الطرفين: المُرْسِل والمنظومة الاقتصادية والسياسية والقانونية التي يشتغل فيها، والوسيط التقني )الميديا( الذي يضطلع بأدوار اجتماعية وسياسية )التمثُّلات والاندماج(. ويمكن تحديد هذه الوساطة انطلاقًا من الخصائص الثلاث التالية(47): أ) المحتويات الإعلامية وما تحمله من تمثُّلات. ب) الاهتمام المتزايد بما هو اجتماعي باعتباره رافدًا للفعل الإعلامي ومجالًا لتأثير الميديا. ج) إمكانيات تأويل علاقة الميديا بما هو اجتماعي(48).

لقد اتسمت البحوث التي اعتمدت على هذه الأطر النظرية، التي تُعد تقليدية وتصنَّف في خانة البحوث التوافقية، بانزياحها عن الأمبريقية المحضة وتوجهها نحو المعالجة النظرية لموضوعات الميديا(49).

وتضاف إلى هذه البحوث تلك التي حاولت استخدام النظريات “المعاصرة” وتطبيقها على الميديا في بيئة الويب، مثل: البراغماتية الثقافية(50)، التي تعتمد على الدراسات النصية لتحديد معايير الاتصال بغرض تشخيص القيم الثقافية والكلمات المفتاحية الكاشفة عنها، ونظرية السيولة لعالم الاجتماع زيجمونت بومان (Zygmunt Bauman) لدراسة سمات سيولة الأخبار عبر الخط(51)، ونظرية المواءمة والعبر ميديا (Transmedia) للباحث هنري جنكينز (Henry Jenkins)، والتي تنص على التوجه إلى إنتاج المحتويات واستهلاكها بطريقة متكاملة عبر مختلف الحوامل(52)، ونظرية الفعل والشبكة (Actor-Network Theory)(53)، التي تأخذ بعين الاعتبار العناصر المادية والبشرية في دراسة الميديا علاوة على الخطابات، والتي قال عنها الباحث رودني بينسون (Rodney Benson): “إنها جعلتنا نعي الأدوات التي توجد بيننا، والدور الذي تقوم به في تشحيم علاقاتنا الاجتماعية والحفاظ عليها”(54)، ونظرية ميديا التحول (Mediamorphosis)، التي تستند إلى أطروحة أن “الميديا بصيغة الجمع هي أنظمة معقدة وقابلة للتكيُّف استجابة للضغوطات الخارجية من خلال مسار تلقائي من التنظيم الذاتي”(55). وقد حصر منظِّرها، روجر فيدلر (Roger Fidler)(56)، مبادئ هذا التحول وآفاقه في: التطور والتعايش المشتركيْن، وتحوُّل الميديا التقليدية لتتكيَّف مع تغيير البيئة الإعلامية، والبقاء والانتشار، والفرصة والاحتياج، والتبني المؤجل. هذا إضافة إلى نظريات الاستخدام الاجتماعي للعُدَّة السوسيو-تقنية ذات التوجه البنائي والتفهمي التي دفعت علم الاجتماع إلى دراسة العُدَّة المذكورة وهي في حالة عدم الاستقرار، بعد أن دأب على دراسة الظواهر الاجتماعية المستقرة وذات الحدود الواضحة والثابتة(57).

وتكشف هذه النظريات المختلفة عن تعدُّد نظرة الباحثين للمواضيع التي طرحها ويطرحها تطور الميديا، وتؤطر التفكير فيها. لكن ما يلفت النظر أكثر في دراستها في السياق الرقمي، هو ما يلي:

1.4. تزايد عدد البحوث الإعلامية التي اتجهت إلى الاستعانة بالنظرية المتجذرة (Grounded Theory) لدراسة الميديا، والتي لا تقرأ ما يجري جمعه من بيانات على ضوء نظرية قائمة، بل تحاول استقراءه من أجل صياغة نظرية(58). بالطبع، إن هذا التوجه قديم، ولم يفرضه السياق الرقمي، لكن التحولات التي تعيشها الميديا المعاصرة عزَّزته. هذا ما يؤكده الباحث الإسباني، رامون سالافيريا (Ramón Salaverría)، في تقييمه للبحوث عن الصحافة الرقمية التي جرت في العديد من بلدان العالم ما بين 1994 و2009(59).

وتحاول هذه النظرية أن تستوعب هجانة الممارسات الإعلامية غير المستقرة وما تطرحه من مواضيع مستجدة، مثل: دراسة مدى تأثير السرعة في نقل الأخبار على المعايير المهنية، وروتين العمل الصحفي في قاعة التحرير(60)، وأشكال استبطان التطور التقني في العمل الصحفي أو مقاومته، والتحولات في مصادر الأخبار ورهانات مصداقيتها…إلخ. وميزة هذه النظرية أنها تمكِّن الباحثين من تسليط الضوء على خصوصية تطور الممارسة الصحفية في هذا البلد أو ذاك. هذا إضافة إلى أنها لم تنشأ لمواجهة صعوبات منهجية فحسب، بل لتُجسِّد تصورًا فلسفيًّا في دراسة الميديا يرى أن المشاكل الإبستمولوجية لا تُطرح في صيغتها المكتملة والجاهزة قبل الشروع في البحث، بل تتشكَّل تدريجيًّا عند الشروع فيه وأثناءه(61).

2.4. إن كان البراديغم التقنو-اقتصادي قد طبع الكثير من البحوث، خاصة تلك التي تعتمد على المناهج الحاسوبية، لاحظنا في عينة البحث توجهًا متزايدًا إلى مزج النظريات المتناسلة من براديغمات مختلفة ومتباينة لدراسة الميديا في السياق الرقمي لم يكن التقاؤها ممكنًا في الماضي، بل لم تخطر ببال الباحثين في السابق. وهذا من أجل النظر إلى الممارسات الإعلامية الرقمية من مختلف الزوايا، وتسليط الضوء على الفاعلين فيها على المستويات الاجتماعية الثلاثة: الأصغر (Micro)، والوسيط (Meso)، والأكبر (Macro). ومن أشكال هذا المزج نذكر، على سبيل المثال وليس الحصر، أن الباحثة ماري كارولين هيد (Marie-Caroline Heïd) جمعت في الإطار النظري لبحثها، المتعلق بظهور الممارسات المعاصرة في الصحافة التشاركية، المقاربتين البنائية والنسقية -وهذه الأخيرة تتعارض في جوهرها مع البنائية- ونظرية التعقد لكونها سببية(62). وتوجه باحثو المدرسة النقدية، الذين يرتكزون في دراستهم للميديا على نظرية الاقتصاد السياسي، إلى الاستعانة بالمقاربات السوسيولوجية التي تركز على المستخدمين(63). والكل يعلم أن رواد هذه المدرسة يهمشون الجمهور في دراسة الميديا؛ إذ ظلوا يتحدثون باسمه ردحًا من الزمن.

وفي دفاعه عن نظرية البراغماتية الثقافية في دراسة الميديا، يؤكد جيفري ألكسندر (Jeffrey Alexander) أنها تجمع في آن واحد النموذجين، التأويلي والسببي(64) علمًا بأن النموذج الأول ينتمي إلى البراديغم البنائي، وينتمي النموذج الثاني إلى البراديغم الوضعي. وأكد الباحث ديفيد ميليز (David Myles) على الأهمية المتبادلة للإثنوغرافيا وتحليل الخطاب إن اجتمعا في دراسة الميديا في السياق الرقمي(65).

  1. 5. الآمال والمخاوف من الجيل الثالث في العلوم الاجتماعية

يرى دومينيك بويي (Dominique Bouillier)، المختص في علم الاجتماع الرقمي، ورئيس تحرير مجلة “كوسموبلتيك”، أن العلوم الاجتماعية والإنسانية مرَّت بثلاثة أجيال: الجيل الأول ظهر في أواخر القرن التاسع عشر، وكان يعتمد على البيانات الناجمة عن التعددات السنوية التي تقوم بها الحكومات، ومؤسساتها المختلفة لمسح شامل للسكان أو شريحة منهم قصد رصد السلوك الفردي في المجتمع. بالطبع، إن هذه البيانات تلبِّي بدرجة أساسية حاجة الدولة ومؤسساتها خدمة لسياستها. وظهر الجيل الثاني في ثلاثينات القرن الماضي مع إنشاء مؤسسة “غالوب” لاستطلاع الآراء، وانطلاق عالم الاجتماع، بول لازرسفيلد، في إنجاز بحوثه الميدانية التي تعتمد على استطلاع الآراء بالاستناد إلى عينة تَمْثِيلِية لدراسة المجتمع. وكانت الحاجة إلى هذه البيانات وليدة السوق والحياة السياسية الديمقراطية. أما الجيل الثالث فقد بدأ في الظهور منذ ثمانينات القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية مستندًا إلى البيانات الكبرى أو الضخمة (Big Data)، وتعزَّز بزيادة الاستخدام الاجتماعي للإنترنت نتيجة قيامه بدراسة ما يخلِّفه مستخدمو الإنترنت من آثار في إبحارهم عبر شبكة الإنترنت، وما تحتفظ به المواقع والمنصات الرقمية عن زوارها ومقدمي خدمة الإنترنت.

على الرغم من المآخذ التي أُخِذَت على هذا التصنيف لتطور العلوم الإنسانية والاجتماعية، مثل الاعتماد على طبيعة البيانات وطريقة جمعها بدل التركيز على الغايات المنشودة من جمعها وتحليلها(67)، إلا أن نورتجي استندت عليها في إعداد خريطة مناهج البحث في السياق الرقمي -كما سنرى لاحقًا- وعلى أساسها فتحت باب الحوار بين المقاربات البحثية (المقاربة بواسطة البنى التي اعتمدها علم الاجتماع الدوركايمي -المجتمع-، والمقاربة عبر السوق -استطلاعات الرأي التي تنجزها المؤسسة، مثل غالوب- والمقاربة عبر العدوى المباشرة للميمات (Memes)  الرقمية والمحاكاة استنادًا إلى أطروحة عالم الاجتماع غبريال تارد (Gabriel Tarde)(.

أمام دفع العُدَّة الرقمية إلى تحويل المجتمع إلى كمية رهيبة من الآثار الرقمية (Digital Traces) تزايدت الخشية من أن تجر الخوارزميات إلى الاستغناء عن طرق التحليل العلمي التي كرستها العلوم الإنسانية منذ نشأتها فأصبحت من المكتسبات المنهجية. فالعدد الهائل من الآثار الرقمية أصبح يشمل مجتمعات البحث بأسرها التي يزيد عدد مفرداتها عن عشرات الآلاف (الكلمات المفتاحية، الروابط الرقمية، التعليقات، الرسائل الإلكترونية، التفاعلات عبر أيقونة الإعجاب والرموز التعبيرية أو “الإيموجات” (Emoji)(68)، والتغريدات، وشرائط الفيديو، والصور، والبودكاسات، …إلخ) والتي يتعذر تحليلها دون الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ناهيك عن البيانات التي تجمعها تطبيقات الجاسوسية لأغراض أمنية وتجارية، والميتا بيانات التي يتعذر جمعها يدويًّا. لذا يتخوف بعض الباحثين من “ذوبان دراسة الميديا في المعلوماتية والفيزياء”(69)، وتستغني بالتالي عن الأدبيات النظرية التي تؤطرها. هذا ما يبشِّر به الباحث أندرسون في قوله: “إن زمن نظريات السلوك البشري، من علم اللغة إلى علم الاجتماع مرورًا بعلم النفس، قد ولَّى، ولا حاجة إلى معرفة لماذا يفعل الناس ما يفعلونه، فالمهم أنهم يفعلون ذلك وكفى، ويمكننا متابعة ما يقومون به وقياسه بدقة وأمانة غير مسبوقة. فالبيانات موجودة وكافية، والأرقام تتحدث عن نفسها”(70).

تأسيسًا على ما سبق، يمكن أن نتساءل: هل البيانات الكبرى تعمل على “قرصنة” ممارسات البحث في حقل علوم الإعلام والاتصال على غرار ما تفعله بالعلوم الاجتماعية والإنسانية وفق ما ذهب إليه البعض(71)، أم إنها ستنقذ البحوث الإعلامية من أزمتها؟

ما زالت الإجابة عن هذا السؤال محل خلاف، فالبعض يعتقد أن التكنولوجيا الرقمية دفعت العلوم الاجتماعية والإنسانية إلى استئناف “الثورة الكمية” التي عاشتها في ستينات القرن الماضي وسبعيناته(72). ويرى البعض الآخر أن البيانات الكبرى ستفعل بالبحوث الاجتماعية ما فعلته “الفوردية” -نسبة إلى جون فورد مالك شركة صناعة السيارات- في عالم الصناعة، نتيجة تنظيم العمل وإعادة تقسيمه أفقيًّا وعموديًّا وزيادة الإنتاج(73)؛ مما يعني أن هذه التكنولوجيا لا تُغيِّر في طرائق الحصول على المعرفة فحسب، بل ستُغيِّر حتى طبيعة هذه المعرفة.

وتستدعي البيانات الكبرى أيضًا فهم الاختلاف بين استراتيجيات البحث التقليدية وتلك التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية، والخلاف الذي تثيره مختلف البحوث التي تعتمد على هذه التكنولوجيا، والسؤال عن مفعول العُدَّة التقنية التي أنتجتها في توجيه البحث.

ما يُبرِّر هذا السؤال أن البيانات التي يعتمد عليها الجيل الثالث من العلوم الاجتماعية والإنسانية هي وليدة شركات المعلوماتية العملاقة(74) التي تضفي الطابع الميركنتلي (Mercantilization) على الاتصال. لتوضيح هذه الفكرة، يمكن القول: إن وسائل الإعلام، خاصة الصحف العالمية الكبرى، قد تزوَّدت، منذ أزيد من عشرين سنة، بـ”أدوات القياس أثناء العمل” (Metrics at Work)، أي محركات البحث لقياس تفاعل الإنترنتيين مع المواد الصحفية المنشورة عبر الخط، مثل “غوغل أناليتيكس” (Google Analytics) و”شارتبيت” (Chartbeat)، والتي أدت  إلى ميلاد وظائف جديدة في قاعة التحرير، مثل: “مدير الجماعات الافتراضية” (Community Manager)، ومسؤول فهرسة المحتويات (SEO Manager) وترقيتها في شبكة الإنترنت، والتعامل مع منظومة الوساطة الإعلامية (Infomediary)، مثل محرك “غوغل  نيوز”، و”ويكيو” (Wikio)، والتي أضحت عبارة عن مؤشر دال عن العلاقة بين ما تعرضه وسائل الإعلام وما يطلبه الجمهور/المستخدم. والنتيجة أن هاته المحركات كلها تتدخل في توجيه محتويات الصحف(75).

إذا كانت البيانات التي تُقدِّمها هذه المحركات مفيدة لوسائل الإعلام على الرغم من الخلاف الذي أثارته وتثيره وسط الصحافيين؛ حيث يعتقد الكثير منهم أنها تسهم في تسليعهم -تحوِّلهم إلى سلعة- فإنها تظل غير كاملة بالنسبة للبحث العلمي لكونها تكتفي بالتعبير عن ذاتها دون أن ترتقي لتصبح علامة أو قرينة بالمعنى السيميائي(76). وهنا، تكمن إحدى الإشكاليات المعرفية التي تطرحها العُدَّة التقنية على البحث الإعلامي والمتمثلة في استجلاء معاني الآثار التي يهتم بها الباحثون في علوم الإعلام أكثر مثل النقر على المواقع والنصوص والصور والفيديوهات والبودكاستات، والمواقف منها المعبَّر عنها بأيقونات الإعجاب أو علامة “الإيموجي” والتعليقات والمشاركات، والروابط الرقمية، وغيرها. إنها الآثار التي تنشئ بها وحدات تشكِّل الظاهرة الإعلامية والاتصالية المدروسة، والتي يبدو أن عائدها العلمي متواضع ما لم تُؤَوَّل وتُسْتَنْطَق سيميائيًّا حتى وإن ارتبطت بالمتغيرات المعهودة في البحوث الاجتماعية التقليدية.

  1. اتجاهات البحوث الإعلامية في السياق الرقمي

في مناقشتها لتداعيات التكنولوجيا الرقمية على البحث الاجتماعي، والذي يشمل بالطبع بحوث الإعلام والاتصال، ومن أجل رسم خريطة لمناهج البحث، وظَّفت الباحثة نورتجي ماريس(77) مفهوم إعادة التوزيع (Redistribution) مؤكدة أن “الأدوار في ممارسة البحث العلمي وفق هذا المفهوم موزعة على طائفة متنوعة من الفاعلين: الباحثين، والمبحوثين (موضوع البحث، المستخدمين)، والوسيط أو العُدَّة التكنولوجية، وممولي البحوث. وبمفهومها هذا سعت إلى تحديد المهارات، ومنح السلطة والشرعية في البحث للفاعلين المذكورين. وعلى الرغم من إقرارها أن إعادة التوزيع هذه مسألة “لزجة” لصعوبة حصر مساهمة أي فاعل من الأطراف المذكورة في تجسيد مناهج البحث إلا أنها أدرجت الاستراتيجيات البحثية المستخدمة في البيئة الرقمية كما يلي(78): المناهج التقليدية أو المألوفة (Methods-as-usual)، والمناهج الحاسوبية أو الكبرى (Big Methods)، والمناهج الافتراضية (Virtual Methods)، والمناهج الرقمية (Digital Methods).

تعرَّض هذا التصنيف إلى العديد من الانتقادات، لعل أبرزها تلك التي تتقاطع مع النقد الموجه لتصنيف أجيال العلوم الاجتماعية والإنسانية المذكورة أعلاه، بمعنى أن هذا التصنيف يرتِّب مناهج البحث في السياق الرقمي استنادًا إلى مستوى قدرات الأطراف الفاعلة في البحث: من الحد الأدنى (المناهج التقليدية) إلى الحد الأقصى، والتي تكشف ضمنيًّا عن التطور في عُدَّة جمع البيانات وتحليلها متجاهلة أهداف البحث التي تشكِّل قاعدة الفرز بين المناهج(79). ولو أخذنا بعين الاعتبار النقد الموجه إلى المناهج الافتراضية، والذي مفاده أنها ضرب من ممارسة الإثنوغرافيا عبر الإنترنت، بمعنى أنها ترحِّل أدوات جمع البيانات وطرق التحليل الممارسة في البحث الإثنوغرافي التقليدي إلى البيئة الرقمية، فإننا نمحو الفرق بين ما تسميه الباحثة، نورتجي ماريس، بالبحوث التقليدية والبحوث الافتراضية.

لقد أقرَّ الباحثان، سيرج برولكس وجوليان رويف(80)، بأن التكنولوجيا أثَّرت تأثيرًا كبيرًا على البحث العلمي، لكنهما لم يعتمدا على مفهوم “إعادة التوزيع” المذكور أعلاه لوضع خريطة لمناهج البحث في البيئة الرقمية، بل وظَّفا مفهوم “النموذج المثالي” (Ideal‑type) بالمعنى الفيبري )نسبة إلى ماكس فيبر (Max Weber))، وهذا بناء على المقابلات المعمقة التي أجرياها مع 24 باحثًا متمرسًا في البحث الميداني في البيئة الرقمية في العديد من البلدان الغربية. ولا يقصدان بهذا النموذج أنه كامل أو الأفضل أو المرغوب أو الأكثر وفاء في تمثيله للواقع، بل يعني أنه يتضمن خصائص يمكن ملاحظتها أكثر من غيرها، ويجري التعبير عنها من خلال إنشاء تركيبي مجرد يكشف عن القواسم المشتركة للعناصر التي تشكِّل الظاهرة المدروسة(81). وعلى هذا الأساس أعدَّا خريطتهما لمناهج البحث في البيئة الرقمية، وتضمنت أربعة نماذج مثالية للمقاربات البحثية الكبرى، وهي: مناهج توافقية، وليست كلاسيكية مثلما ذكرت نورتجي ماريس، ويُقسِّمان هذه الأخيرة إلى صنفين: كمية وكيفية، والمناهج الإثنوغرافية عبر الخط، والمناهج الحاسوبية المطبقة على البيانات الكبرى، والمناهج الرقمية الكمية-الكيفية(82)، أي مناهج مختلطة؛ وهو (الاختلاط) ما يُجنِّبها الاقتراب من المناهج الحاسوبية أو التطابق معها. كما أن صفة التوافقية التي أُطلقت على المناهج التقليدية يمكن أن تثير بعض الإشكال، وذلك لأنه يمكن أن تتضمن المناهج الحاسوبية التي أضحت هي الأخرى مناهج توافقية، بمعنى أنها حققت نوعًا من الإجماع على توظيفها في جل أصناف البحوث العلمية وليس الاجتماعية والإعلامية فقط، وهذا على الرغم من أن بروتوكولات تطبيقها لم توحَّد بعد، وربما لن تتوحد أصلًا نظرًا لتنوع المواضيع، وتطور العُدَّة الرقمية، وتجدُّد الممارسات وتشذُّر المستخدمين، وتعدُّد الغايات الجزئية من إجرائها.

1.2. المناهج التقليدية أو “التوافقية”

تُدْرَس الظواهر الإعلامية والاتصالية في بيئة الويب بترسانة التقنيات التقليدية (الملاحظة، دفتر التدوين، المقابلة، المجموعة البؤرية، صحيفة الاستبيان..). ويعتقد أصحابها أن التكنولوجيا الرقمية لم تغيِّر أساليب البحث بل ما زالت مستمرة في البيئة الرقمية وتستمد شرعيتها من ماضيها، وإن لم يطعن الكثير من الباحثين في إجراءاتها المنهجية فبعضهم يشير إلى أنها لم تأخذ بعين الاعتبار مكانة الوسيط التقني في البحث، أي لم تول الاهتمام للفرص التي يتيحها هذا الوسيط في مجال الاتصال والإعلام والإكراهات التي يفرضها على المستخدم. فتعاملت مع الموضوعات عبر الخط وكأنها تجري خارج شبكة الإنترنت تمامًا.

وتصف نورتجي ماريس هذه البحوث بالمحافظة(83) ربما لعدم استخدامها للعُدَّة التكنولوجية الرقمية في البحث أو استخدامها في الحدود الدنيا(84). بالطبع، إن الانفتاح على دراسة “الميديا الاجتماعية” لا يتحقق بقطيعة منهجية مع الممارسات السابقة، بل يتأسس بناء عليها. لذا فالكثير من البحوث التي درست المدونات الإلكترونية في بدايتها، سواء لفهم دوافع التدوين واهتماماته أو للكشف عن التباين في أسلوبه والأسلوب الصحفي المعروف والمعتمد، استعانت بالمناهج التقليدية مستخدمة أداتي تحليل المضمون والمقابلة(85). وهذا لا ينفي القول: إن البحوث التقليدية شرعت في التحول والتكيُّف تدريجيًّا مع البيئة الرقمية منذ نهاية تسعينات القرن الماضي(86).

2.2. المناهج الحاسوبية

تسمى أيضًا المناهج المألوفة أو الكبرى، وتستمد وجودها من العُدَّة التكنولوجية (الكمبيوتر وبرامجه، وتطبيقات الإنترنت، ومحركات البحث)، وتُستخدَم في مختلف المجالات المعرفية. تقوم بالجمع الآلي للآثار التي يخلِّفها مستخدمو شبكة الإنترنت والمنصات الرقمية وتُظهِرها في رسوم بيانية، وخرائط توضيحية وغرافية، وخرائط سحابية للكلمات. وتكشف عن العلاقات والآراء والمواقف والاتجاهات، وتستعين بالرياضيات من أجل نمذجة النشاط والسلوك البشري.

نشأت هذه المناهج في مخابر شركات المعلوماتية الكبرى لتلبية حاجة السوق، مثل: دراسة الأسواق، وعادات الاستهلاك، والإعلان. لذا، فإنها تُستخدَم في مختلف قطاعات النشاط الإنساني، ولا يمكن اختزالها في عملية الجمع الآلي للآثار الرقمية فقط، بل تشمل أيضًا تقييمها وتحليلها والأهم التعلم منها، أي ما أصبح يُعرف بالتعلم الآلي (Machine Learning) الذي يهدف إلى “التطوير المتكرر لفهم مجموعة البيانات والتعلم التلقائي لإدراك أنماط معقدة وبناء نماذج توضح وتتوقع مثل هذه الأنماط”(87).

وظَّفت علوم الإعلام، والعلوم السياسية، هذه المناهج، وتُستخدم لمعرفة زوار المواقع الإلكترونية بشكل أكثر تفصيلًا، وأشكال تفاعلاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ومدى تعددية مصادر الأخبار في وسائل الإعلام، وآراء ومواقف واتجاهات الناخبين، ومدى شعبية المترشحين…إلخ(88).

لقد أثارت المناهج الحاسوبية الكثير من الجدل مقارنة ببقية أنواع المناهج المذكورة، خاصة في علوم الإعلام والاتصال، ولا شيء ينبئ بأنها ستتوقف في القريب العاجل.

لقد رأى بعض الباحثين، ومنهم الباحث البريطاني، ديفيد غنتلت (David Gauntlett)، المناهج الحاسوبية بعيون متفائلة؛ إذ قدَّر بأنها تُنقِذ بحوث الميديا، خاصة دراسات الجمهور التي شهدت تراجعًا كبيرًا(89). إن التفاؤل بارتفاع عدد البحوث التي تعتمد على المناهج الحاسوبية لدراسة الجمهور يعود، بدون شك، إلى انخفاض كلفتها مقارنة بالبحوث التقليدية وسرعة إنجازها، لكن أيضًا بسبب كبر حجم مجتمعات البحث التي تدرسها، والتي قد تتجاوز الآلاف، ولكمية البيانات الضخمة التي توفرها؛ حيث لا تبلغها التقنيات التقليدية لجمع البيانات.

ويعتقد البعض أن قوة المناهج الحاسوبية تكمن في عدم اعتمادها على نظام العينة في دراسة الموضوعات الإعلامية، وبالتالي لا تُطرَح عليها مسألة تَمْثِيل المجتمع المدروس. إنها تدرس كل الآثار الرقمية التي يحتاجها البحث، لذا تكون نتائجها صحيحة ودقيقة. لكن هذا الاعتقاد يجانب الصواب، لأن ما تدرسه قد يكون في الغالب غير محدود كما أن الآثار لا تتوقف عن التدفق كالسيل (ففي “غياب الكل” يختفي اكتمال مجتمع البحث ويختفي معه تمثيله)(90).

وتستفيد المناهج الحاسوبية من اعتقاد راسخ بأنها أكثر موضوعية، وذلك انطلاقًا من تصور مفاده أنه كلما زاد حجم الآثار المدروسة ارتفع منسوب دقة البحث ومصداقيته. وهذا خلافًا لدليل المقابلات البحثية الذي يقلِّص كثيرًا شريحة الواقع الذي على أساسه تُستنبط البيانات(91). ويمنح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي -في جمع البيانات وتحليلها- البحث مصداقية أكثر، ويعطيه مشروعية أفضل من البحث الذي يُنجَز بالاعتماد على اللقاء المباشر مع المبحوثين سواء من خلال المقابلات الفردية أو المجموعات البؤرية أو صحيفة الاستبيان، والتي قد تشوبها الذاتية. هذا علاوة على الإيمان بأن كثرة الآثار “توفر أعلى مستوى من الفهم والمعرفة”(92). والحقيقة أن المناهج الحاسوبية تكشف عن أبعاد “جديدة” في الموضوعات الإعلامية والاتصالية لتيسير هذا الفهم، وهي الأبعاد الكامنة في خصائص البيانات الضخمة، وقد حصرها البعض في ثلاث خصائص تشترك في الحرف اللاتيني (V) في بداية اسمها(93)، وهي: الحجم (Volume) الذي يعنى ضخامة البيانات المتزايدة، والتي تجاوز حدود عينة الدراسة، والتنوع (Variety)، أي تعدُّد أشكال الآثار والميمات القابلة للتحليل، والسرعة (Velocity)، التي تُعد خاصية مستحدثة حقًّا ولا يوجد ما يعادلها في البحوث الكلاسيكية؛ إذ يُقصَد بها إيقاع توليد البيانات وفترة ظهورها في الشاشات قبل أن تختفي(94)، وسرعة التقاطها وتحليلها. وقد أضاف البعض لهذه الخصائص خاصيتين أخريين، وهما: الحقيقية (Veracity)، أي إمكانية التأكد من واقعيتها ومن كونها ليست وليدة عملية تزوير رقمي، كقيام الخوارزميات بإعادة التوزيع الآلي والتلقائي لبعض التغريدات، والقيمة (Value)، ويقصد بهذه الأخيرة البيانات التي تملك قيمة عملية في ظل تخمة الآثار الرقمية لتصبح خمس خصائص(95). وأُضيفت لها خاصية المرؤوئية (Visibility)(96)، أي القابلية للظهور ومشاهدتها، لتصبح ست خصائص.

لعل القول بأن المناهج الحاسوبية تقترح مقاربة جديدة للعلوم الاجتماعية وعلوم الإعلام يعود إلى توظيفها للخصائص المذكورة أعلاه، التي تعتبر متغيرات تختلف عن تلك المعتمدة في البحوث التقليدية، والتي تكتفي بذاتها دون تقديم أي شرح يسلِّط الضوء على العلاقات الترابطية من أجل الكشف عن التوجهات العامة دون الاهتمام بالأسباب(97). لاستيعاب هذه الفكرة بشكل جيد لابد من الإشارة إلى أن المناهج الحاسوبية تتعامل مع الآثار الرقمية أكثر من البيانات. وهل هناك فرق بينهما؟ بالطبع، يجيب دومنيك بويي(98) قائلًا: إن البيانات تُنَسَّق وتُهَيْكَل بطريقة تُنْشِئ للمعلومات علاقة بالخصائص الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والسياسية لجماعة ما، بينما تُعد الآثار الرقمية، في تقديرنا، قرائن مخلَّفات التعامل مع العُدَّة الرقمية في حالتها الخام، لذا تُغطي الآثار واقعًا أكثر اتساعًا من البيانات.

تأسيسًا على الخصائص المذكورة أعلاه، هل يمكن القول: إن هذه المناهج تقدِّم نموذجًا من البحث الأمبريقي الذي لا يتبع أية طريقة مألوفة في البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية؟ بمعنى أنها لا تسعى إلى التفسير من خلال الكشف عن العلاقة بين الظواهر والمتغيرات، ولا تعتمد على الفهم واستجلاء المعاني من أفعال الفاعلين وتأويلها نظرًا لأن الخوارزميات أصبحت تشكِّل منهجًا قائمًا بذاته يُغْنِي عن كل منهج من المناهج المعروفة(99).

إن الإشكال لا يتعلق بالخوارزميات في حدِّ ذاتها، بل يتعلق بالمنطق الذي يتحكَّم فيها، والآثار التي تشتغل عليها، والتي يمكن تشبيهها بالآراء في بعض الجوانب، فينسحب عليها ما قاله بيير بورديو(100) عن الرأي العام. لقد نفى هذا الأخير وجود هذا الرأي كما تُفْصِح عنه استطلاعات الرأي انطلاقًا من اقتناعه بأن الآراء لا تتساوى، كذلك الأمر بالنسبة للآثار الرقمية فإنها لا تتساوى، لكن المناهج الحاسوبية تتعامل مع تفاعلات مستخدمي موقع ما على أنها متكافئة؛ إذ تساوي ضمنيًّا بين كتابة تعليق على نص ما، أو منشور والنقر على أيقونة: أُحِبُّ. لذا، فإن السباق إلى تقديم أكبر عدد من البيانات يصبح عديم الجدوى دون تفكير ملائم فيما نجمع، ولماذا نقيس(101)، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، ليس كل شيء يقبل القياس الكمي، بل إن هذا القياس قد يُفْقِد بعض الأشياء قيمتها، وأبرز مثال على ذلك هو “الإيموجي”، فحمولتها الثقافية تؤدي الوظيفة ذاتها التي يقوم بها الاتصال غير اللفظي في الحياة اليومية. فلا معنى لإحصاء هذا الضرب من الاتصال، لأن قيمته في دلالته وليس في كميته.

إذن، لتلخيص هذه الفكرة، يمكن القول: “هناك أشياء يمكن قياسها، وهناك أشياء تستحق القياس، لكن ما يمكن قياسه ليس دائمًا ما يستحق القياس، وما يتم قياسه قد لا تكون له علاقة بما نريد معرفته حقًّا”(102). ولإيجاد هذه العلاقة، يمارس محلِّلو البيانات الكبرى الاستسقاط (Apophenia)(103)، وهو المفهوم الذي اتكأت عليه الباحثتان، دانا بويد (Danah Boyd) وكيت كرافورد (Kate Crawford)، في نقدهما للبيانات الضخمة(104). وهذا يعني أن المناهج الحاسوبية لا تنتج معارف بل تسهم في إنتاجها فقط. إنها تشكِّل امتدادًا متطورًا للعُدَّة التقنية التي كانت تعتمد عليها البحوث الكمية التقليدية مثل الآلة الحاسبة(105).

للتطور التكنولوجي تداعيات اقتصادية وتنظيمية على مستوى المؤسسات والعلاقات بين الأشخاص، والخوارزميات تعيد إنتاج هذه العلاقات والممارسات الإعلامية والثقافية وفق منطق السوق. إنها “علب سوداء”، على حدِّ تعبير الكثير من الباحثين، تمنح مناهج البحث الحاسوبية ما تريد أن تعطيه، وتخفي ما تريد أن تخفيه. والتسليم بما تقدِّمه كمادة خام دون قراءة وتأويل قد يضلِّل البحث العلمي، بل قد يوجِّهه وفق منطق البراديغم “التقني-الاقتصادي” الذي يرفع من القيمة التبادلية لعلاقة المؤسسة الإعلامية بجمهورها، وأبرز مثال على ذلك تُقدِّمه خوارزميات موقع “نتفليكس” التي لا تكتفي بتلبية الطلب على الأفلام والمسلسلات، بل تسعى إلى توجيه هذا الطلب وفق ترتيب مخصوص بناء على شعبيتها(106). وينتهي هذا التوجيه في آخر المطاف إلى صقل الذوق الفني لمستخدمي هذا الموقع.

بصرف النظر عن قدرة الذكاء الاصطناعي الذي تعتمد عليه المناهج الحاسوبية في جمع البيانات وتحليلها ومنحها بُعدًا مرئيًّا عبر الخرائط والغرافيك، يمكن إدراجها في خانة الدراسات الكمية التي تقيس أولًا، ثم تفكِّر فيما قاسته، وترى أن مواضيع البحث توجد جاهزة ولا تتطلب بناءها. وتجدر الإشارة إلى أن بناء موضوع البحث لا يُطرح في الأدبيات العلمية من باب الاستعارة، بل يملك أبعادًا إجرائية في البحث، منها الإحالة إلى التخصص المعرفي، أي إلى علوم الإعلام والاتصال، ألم يُقَلْ: إن لكل تخصص علمي موضوعاته ولغته؟، والتشكيك في المظاهر التي يكتسيها موضوع البحث كما تبرزها الممارسات المؤسساتية والاجتماعية بصفة عامة، والإفصاح عن المقاربة المنهجية التي يتبناها الباحث في معالجة موضوعاته(107).  كما أن بناء موضوع البحث يعني أيضًا تَسْيِيقَه على الصعيد التاريخي. لكن يلاحظ أن المنصات الرقمية تكتفي، في الغالب، بتقديم البيانات الآنية، أو المرتبطة بأحداث راهنة معينة، ولا تقدِّم تلك الموغلة في القدم، وبالتالي فإن المناهج الحاسوبية لا تزود البحث بالبيانات التي تسمح له بربط موضوعه بمسار تطور البيئة الاجتماعية والثقافية، أي بـ”التناص الاجتماعي”(108) وبالمكتسبات النظرية.

إذن، إنْ كانت الرهانات الأخلاقية التي تطرحها المناهج الحاسوبية معلومة، وشكَّلت موضع احتجاج وحتى تنديد المنظمات الحقوقية لكونها تتمثَّل في استغلال الآثار الرقمية لمستخدمي شبكة الإنترنت التي تكشف عن خصوصيتهم دون موافقتهم، والأدهى من ذلك دون علمهم، فإن رهاناتها المعرفية ما زالت في طي المسكوت عنه الذي يُعمِّق أزمة بحوث الإعلام والاتصال، والتي يقول عنها الباحث ألكس ميتشولي (Alex Mucchielli): “تبدو وكأنها تسبح في فراغ إبستمولوجي ونظري”(109).

3.2. المناهج الافتراضية أو “الإثنوغرافية”

تجمع هذه التسمية طائفة من الممارسات البحثية المختلفة، نذكر منها: الإثنوغرافيا عبر الخط(110)، والإثنوغرافيا الرقمية(111)، والنتغرافيا(112)، وإثنوغرافيا الشبكات، التي تزاوج بين الإثنوغرافيا وتحليل الشبكات(113). والقاسم المشترك لكل هذه المسميات هو الإثنوغرافيا التي تعددت تعاريفها، لكن نقتصر على التعريف المرجعي الذي يرى أنها “بحث -ترابطي استقرائي- يتطور تصوره من خلال الدراسة- بالاستناد إلى عائلة من الطرائق التي تستلزم لقاء مباشرًا مع الأشخاص في سياقهم وفي حياتهم اليومية و(في ثقافتهم) (…) تقرُّ بدور النظرية والباحث في عملية البحث وتعتبر البشر كموضوع البحث وكطرف فيه”(114).

ومن الصعب تقديم لوحة متكاملة للبحوث الإثنوغرافية الافتراضية، وإن كان البعض(115) لخصها وفق غايات البحث فيما يلي: إثنوغرافيا الجماعات عبر الخط والعوالم الافتراضية ومواقع الميديا الاجتماعي، وإثنوغرافيا عبر الخط وخارج شبكة الإنترنت، وإثنوغرافيا الممارسات الإبداعية في الميديا الرقمية التي حاولت استجلاء بعض الجوانب في ممارسة العمل الصحفي وتطوره؛ إذ ركزت على روتين قاعة التحرير ودوره في ترسيخ معيارية المهنة، وأشكال تقبُّل المبتكرات التكنولوجية أو مقاومتها في قاعات التحرير، وأشكال استنباط الصحافيين للسياسات التحريرية، وتصور الصحافيين لنتائج الوساطة الإعلامية التي ذكرناها أعلاه على أدائهم، واستخدام الجمهور للميديا الاجتماعية وتأويلهم لهذا الاستخدام…إلخ.

استحوذت المناهج الافتراضية على القسط الأكبر من النقاش والجدل حول مناهج البحث في السياق الرقمي. ففي هذا الإطار تنفي الباحثة مادلين بستينيلي (Madeleine Pastinelli) ضرورة استحداث مناهج إثنوغرافية جديدة ملائمة للسياق الرقمي، وترى أن مشكل هذه المناهج لا علاقة له بميدان البحث، بل يكمن في النظرة إلى الفضاء السيبري واعتباره موازيًا لـ”الفضاء الواقعي والفعلي”، والتي تطالب بالتعامل معه كميدان مختلف جذريًّا؛ وهذا ما حثَّ الكثير من الباحثين على الدعوة إلى التجديد المنهجي لدراسته(116).

إذا كانت الإثنوغرافيا التقليدية تستمد وجودها من اللقاء المباشر مع المبحوثين ومعايشتهم خلال مدة قد تطول أو تقصر حسب طبيعة موضوع البحث وظروف إنجازه، فإن اللقاء في الفضاء الافتراضي يجري عبر وسيط تقني، وملاحظة المبحوثين تجري أيضًا عبر عُدَّة تقنية؛ مما يطرح السؤال عن قدرتها على نقل كل ما يجري، والسياق الذي يجري فيه، خاصة عندما يحل الاستماع محل القراءة، ويتراجع الكلام لصالح الصورة، والفيديوهات، أو المدونات والأيقونات، أي أشكال التواصل التي تجري بطرق غير لفظية(117). لذا، تعد الإثنوغرافيا الافتراضية امتدادًا لتلك التقليدية المحتفظة بطبيعتها الكيفية لكنها تتسم، في الوقت ذاته، بتعدُّديتها وقابليتها للتكيُّف(118).

إننا ندرك أن للسوق دورًا في دفع البحث الإثنوغرافي في البيئة الإعلامية الرقمية إلى مزيد من التفرع أو التخصص حسب الموضوع أو المنصات الرقمية التي يجري فيها(119)؛ مما يدفع إلى التساؤل عن علاقتها بالنموذج الإثنوغرافي الأصلي.

وبصرف النظر عن التداعيات الأخلاقية التي تطرحها ممارسة الإثنوغرافيا في السياق الرقمي، مثل احتمال التعامل مع مستخدمي شبكة الإنترنت أو المنصات الرقمية مجهولي الهوية ومنتحلي المكانة الاجتماعية والمهنية، تعرضت الإثنوغرافيا الافتراضية إلى الكثير من الانتقادات، منها الفصل بين الممارسة الإعلامية والثقافية والاجتماعية في الواقع اليومي الفعلي، وتلك التي تجري في الفضاء الافتراضي، وتهميش مكانة العُدَّة الرقمية في الدراسة. وعلى الرغم من ذلك، نعتقد أن الإثنوغرافيا الافتراضية تجسد ما وصفه عالم الاجتماع، أنطوني غيدنز (Anthony Giddens)(120)، بـ”التأويل المزدوج للواقع”. فالناس يتلقون العالم ما قبل التأويل، فيقومون بتأويله في حياتهم اليومية وفي الفضاء الافتراضي، ثم يقوم الباحث بتأويله معهم مرة ثانية، ويعرضه عليهم وعلى المهتمين. ولعل ازدواجية التأويل هذه تحدُّ مما أسماه بيير بورديو(121) بـ”الإثنو مركزية” الطبقية، والتي يعتبرها مرضًا يصيب المثقفين ويدفعهم إلى تعميم رؤيتهم الخاصة للعالم على الآخرين، ويعمِّق الهوة بين مجتمع العلم وعامة الناس.

لقد عبَّرت الباحثة كريستين هين (Christine Hine) عن القلق الذي يسود ممارسة البحث الإثنوغرافي الافتراضي بالقول: إن البحث في هذا المجال ما زال يحدوه الأمل في أن تقوم الميديا الجديدة بتمكين البحث من الوصول إلى مختلف المبحوثين بطرق جديدة. وهو الأمل الذي لا يخلو من التلهف؛ إذ لم يتضح لحد الآن كيف يمكن استثمار المناهج التقليدية في دراسة الميديا الجديدة، وما نقائص فهمنا للميديا التي يمكن أن نسلِّط عليها الضوء(122).

4.2. المناهج الرقمية

تعاني هذه المناهج من بعض اللُّبس؛ إذ يعتقد بعض الباحثين، مثل أناه نغوك هونغ (Anh Ngoc Hoang)، وكلير ماهيو (Claire Mahéo)، وساندرا ميلو (Sandra Mellot)، أنها تشمل المناهج التقليدية التي تكيَّفت مع الخصائص الجديدة للحوامل الرقمية، والمناهج الجديدة التي أُنْشِئَت خصيصًا لتحليل الموضوعات ذات المنشأ الرقمي(123). بمعنى آخر، إنها مسمى ينطبق على كل مناهج البحث المستعملة في البيئة الرقمية! بينما يرى الباحث الهولندي، روجرز ريتشارد (Rogers Richard)، الذي تُنسَب إليه هذه المناهج، أنها “ممارسة بحثية تندرج في إطار المنعطف الرقمي الذي تعيشه العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتختلف عن المناهج المذكورة انطلاقًا من نوعية البيانات التي تستخدمها (رقمية المنشأ أو جرت رقمنتها(، ومن كتابتها) كُتبت خصيصًا من أجل الحامل الرقمي أو رُحِّلَت إلى الفضاء الرقمي((124).

إن المناهج الرقمية لا تعني رقمنة مناهج البحث التقليدية، بل إنها تَصَوُّرٌ قبل أن تكون تقنيةً يُجسِّده شعار: “اتبع الوسيط” (follow the medium)، ويشرحه روجرز ريتشارد بالقول: إن المواضيع التي يدرسها في شبكة الإنترنت تتسم بعدم الثبات، ويواجه الباحث في الغالب سرعة زوالها. لذا يجب استعمال الوسيط “لتثبيتها” أو “تجميدها”، والحفاظ على “حيويتها” في آن واحد قصد دراستها بعناية(125)، والبحث عن قدارة هذا الوسيط )العلبة السوداء( وما يُقدِّمه من توصيات وتعليمات للمستخدمين ومدى تطبيقهم لها. لذا، لا وجود للمناهج الرقمية بدون العُدَّة الرقمية شأنها في ذلك شأن المناهج الحاسوبية، لكن، خلافًا لهذه الأخيرة لا تكتفي المناهج الرقمية بها، ولا تستغل البيانات ذات المنشأ الرقمي التي تستقيها من أجل وصف استخدامات الميديا الاجتماعية فحسب، بل تسعى أيضًا إلى تمكين العلوم الاجتماعية من رؤية الظواهر المدروسة بطريقة جديدة(126)، لذا فإنها تُكمِّل غيرها من المناهج التي ذكرناها آنفًا(127)، أي إنها تسد نقائص المناهج الحاسوبية من خلال الأخذ بعين الاعتبار سياق الممارسة الإعلامية، وتُكمِّل المناهج الافتراضية ليس من خلال إعادة الاعتبار للعُدَّة التقنية فقط، بل بالتعامل معها كأداة وموضوع بحث في آن واحد.

ويمكن تلخيص خصائص هذه المناهج فيما يلي:

– خلافًا للمناهج الحاسوبية التي تطبق في مختلف التخصصات العلمية، يقتصر تطبيق المناهج الرقمية -إضافة إلى الافتراضية- على العلوم الاجتماعية والإنسانية. وقد استفاد منها الباحثون في فهم موضوعات الإعلام والاتصال المعقدة في البيئة الرقمية، ولا يلجؤون في الغالب إلى اختراع أدوات رقمية مخصوصة لكل موضوع بحث وأهدافه، بل يُسخِّرون ما هو متوافر منها في شبكة الإنترنت وفي العالم الرقمي لاستقاء البيانات والميتا بيانات وتحليلها وتصنيفها، والكشف عن ترابطاتها(128).

– تدرس هذه المناهج الخوارزميات والطرائق التي توفرها المنصات الرقمية لجمع البيانات والإجراءات التي تتيح للأدوات التقنية إنتاج آثار المستخدمين عبر الخط ونوعيتها، مثل الكشف عن الميتا بيانات (Meta Data) التي لا تظهر في الشاشة، ولا تُفصِح عن ذاتها للمستخدمين العاديين لكونها “مدفونة” في الصور الرقمية وشرائط الفيديو. وتتضمن معلومات عن تاريخ ووقت أخذ الصور أو شريط الفيديو، ومكان التقاطها، وبأي آلة تصوير أو تسجيل، ومن أرسلها، ومن قام بتعديلها، وأين نُشِرت أو بُثَّت. لذا، يمكن أن نعتبر هذه المناهج تطبيقًا لنظرية الوسيط (Medium Theory) لصاحبها جوشوا ميروفتز (Joshua Meyrowitz) المستلهمة من مقولة ماكلوهان: “الوسيلة هي الرسالة”، وتجسد أيضًا المنظومة (Device) التي استخدمها ميشال فوكو (Michel Foucault) من أجل إعطاء بُعد اجتماعي للعتاد التقني؛ إذ رآها أداة للرقابة الاجتماعية والاغتراب(129). وإن كان المعنى المعاصر لمفهوم المنظومة التقنية لا يخفي ما رآه فوكو، فإنه يكشف عن أبعاد أخرى اتصالية وإعلامية واجتماعية يمكن للمناهج الرقمية أن تكشفها، وتخفيها أيضًا، وذلك لأنها تعتمد على الجزء المتاح فقط من الآثار والبيانات المستقاة التي تضعها برامج وتطبيقات وخوارزميات شركات المعلوماتية الكبرى ومالكو المنصات، والذي تضعه في متناول الغير بمن فيهم الباحثون(130). فالكثير من البيانات الرقمية لا تُنتَج من أجل البحث العلمي، بل تُبنى لأغراض تسويقية؛ مما يدعو إلى التساؤل عن ظروف إنتاجها مثلما يوصي بذلك الباحثان، جون فيليب كونتت (Jean Philippe Cointet)، وتوماسو فنتوريني (Tommaso Venturini)(131). وما يثبت هذه الأغراض أن المنصات الرقمية تعمل على تجديد خوارزمياتها باستمرار لعدة أسباب منها التجارية، فصاحب شركة فيسبوك، على سبيل المثال، أجرى تحديثًا على خوارزميات موقعه في 2018 من أجل منح الأولوية للبيانات في المبادلات الشخصية في شريطه الإخباري على حساب نشر وإعادة نشر محتويات وسائل الإعلام.

الجدول 2: خريطة مناهج البحث في السياق الرقمي

الهدف أدوات جمع البيانات موقع موضوع

البحث

تموقع الباحث المرتكزات

البحثية

البراديغم المقاربات
الوصف من خلال القياس الكمِّي

التعميم/ التنبؤ

صحيفة الاستبيان، وتحليل المضمون. خاضع للبحث مستقل عن موضوع البحث. ربط التَّمْثِيل بالكمِّ

 

وضعي  

التقليدية الكمية

الفهم + التأويل

 

استجلاء المعنى

 

الملاحظة بالمشاركة،

والمقابلة،

والمجموعة البؤرية،

والسيرة الذاتية.

المبحوثون

شركاء في البحث.

الباحث جزء من عُدَّة البحث. فهم الظواهر الإعلامية بدراسة كيف تنتج عن دوافع وتصرفات فردية. بنائي- تفهمي

 

 

 

 

 

 

 

 

التقليدية الكيفية

الكشف عن البُعد الأيديولوجي في الخطاب.

الكشف عن العقل الميدياتيكي الأداتي.

الملاحظة

 

المواد الوثائقية

مجتمع البحث كلي مستقل عن الباحث. الباحث مستقل عن موضوع البحث. عدم فصل الميديا عن البناء الاقتصادي والاجتماعي.

 

التحليل الكلياني (Holism).

نقدي
الوصف من خلال القياس.

 

الجمع الآلي للبيانات

بأدوات تنشئها في الغالب(132).

مستقل عن موضوع البحث. الباحث مستقل عن موضوع البحث. ربط التمثيل بالكمِّ.

أتمتة البيانات كقرينة عن الموضوعية وتشخيصها مرئيًّا لاختزالها وتبسيطها.

إلغاء السياق في التحليل.

وضعي

 

تقنو- اقتصادي

 

 

 

الحاسوبية

الفهم- التأويل من خلال التوصيف المكثف والتفصيلي

 

 

استجلاء المعنى

الملاحظة بالمشاركة، والمقابلة عبر الخط، والتعليق على زيارة المواقع الرقمية، والمجموعة البؤرية، وتحليل الخطاب: تحليل المحادثات

والتفكير الانعكاسي.

المبحوثون شركاء في البحث. الباحث جزء من عُدَّة البحث فهم الظواهر الإعلامية من خلال دراسة كيف تنتج عن دوافع وتصرفات فردية.

التثليث مسار للتأكد من مصداقية وصحة نتائج البحث.

بنائي – تفهمي  

 

الافتراضية

الوصف من خلال القياس التأويل + الفهم الجمع الآلي للبيانات، تتملك في الغالب البرمجيات الموجودة.

الملاحظة، والمقابلات عبر الخط وفي الواقع العملي.

موضوع الباحث خاضع، والمبحوثون شركاء في البحث. الباحث مستقل عن موضوع البحث. المزج بين الكمِّ والكيف.

عدم فصل السياق في التحليل.

التثليث مسار للتأكد من مصداقية وصحة نتائج البحث.

وضعي- تفهمي- بنائي  

 

 

 

الرقمية

بيَّنت عيِّنة البحوث التي درسناها أن الحدود الفاصلة بين مناهج البحث المدرجة في هذه الخريطة مفتوحة، مما يسمح بإعادة النظر فيها في المستقبل، خاصة بعد بروز ممارسات بحثية تستند إلى تعددية البراديغمات والمنهجيات والنظريات، مثلما أسلفنا الذكر، وبحوث تحاول الجمع بين المناهج التقليدية، والافتراضية والرقمية(133). ناهيك عن إشادة الباحثين بأهمية توظيف البحوث الحاسوبية مقرونة بالبحوث الكيفية لدراسة سبل الحصول على الأخبار أو الاستعلام عبر الخط من خلال المنصات الرقمية، وذلك لأن ارتباطهما يتيح وصف هذه السبل وقياسها في الوقت ذاته(134).

الجدول 3: نماذج من البحوث المنجزة وفق المقاربات الكبرى لمناهج البحث في السياق الرقمي

النموذج سؤال البحث عينة البحث أدوات جمع البيانات
المناهج

 

 

 

 

 

 

التقليدية(135)

ما استخدامات الأطفال لشبكة الإنترنت والهاتف المتحرك؟

ما سلوك الأطفال عبر الخط؟

ما تصورهم للمخاطر التي تشكِّلها الإنترنت عليهم؟ وكيف تصرفوا إزاء المخاطر الحقيقية التي واجهتهم؟

 

البحث شمل 29 بلدًا من بلدان الاتحاد الأوروبي

وضمَّ ما بين 26 إلى 36 طفلًا من كل بلد يستخدم الإنترنت- استعمال الكمبيوتر أو الهاتف المتحرك أو الاثنين معًا.

أطفال منحدرون من أسر مختلفة تمثِّل:

مالكي مصانع، وأصحاب مهن حرة، وكوادر سامية، وكوادر متوسطة، وموظفين،

وعمال يدويين.

 

مراجعة الأدبيات عن الإنترنت والأطفال.

استخدام 4 مجموعات بؤرية من كل بلد. يتراوح عدد كل مجموعة ما بين 6 و10، وُزِّعت كالتالي: مجموعتان من الذين تتراوح سنُّهم ما بين 9 إلى 10 سنوات (الأولى خاصة بالذكور والثانية بالإناث(.

ومجموعتان ممن تتراوح سنهم ما بين 11 و14 سنة )الأولى خاصة بالذكور والثانية بالإناث(.

دليل النقاش: شمل 5 محاور، وهي:

– كيفية تعلم استخدام الإنترنت وطرق استخدامها.

– الهاتف المحمول واستخداماته.

– تصور الأطفال لمشاكل ومخاطر استخدام الإنترنت.

– ردود الفعل في حالة التعرض إلى هذه المخاطر.

– معلومات عن نوع المخاطر التي تعرض لها الطفل وكيفية إشعار الغير بها.

 

 

 

 

المناهج الحاسوبية(136)

يتناول البحث استخدام موقع تويتر في سياق برنامج “الحديث الاستعراضي” (Talkshow) من خلال السؤال عن نوع العلاقات التي تقام بين الصحافيين والجمهور في هذا البرنامج عبر الموقع المذكور.

 

 

 

جمع 2314 رسالة -تغريدة وإعادة التغريدة- التي جرى تبادلها مع صحافيي برنامج “الحديث الاستعراضي” الذي يبثه التليفزيون السويدي من خلال “هاشتاغ” البرنامج، وهاشتاغ مذيعة البرنامج خلال الفترة الممتدة من 29 أغسطس/آب إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول 2011. جمع الرسائل وأخذ لقطات مصورة عنها وأرشفتها بواسطة أداة (YourTwapperKeeper)

التي تستقي الهاشتاغات والتغريدات بواسطة الكلمات المفتاحية، وتقدِّم ميتا بيانات عمَّا جمعته.

استخدام برمجية “جيفي” (Gephi) التي تسمج بالاستعراض المرئي الغرافي لرسم شبكة المغردين وتعيين المغردين الأساسيين، وزيارة صفحتهم.

استخدام برنامج (SPSS) لإحصاء التفاعل عبر التغريدات.

استخدام الختم الزمني (Timestamping) لكل تغريدة، أي الربط بين تاريخ ووقت إرسال التغريدة وعلاقتها بحدث أو موضوع أو معلومة.

 

 

 

 

مناهج الإثنوغرافيا الافتراضية(137)

اهتم البحث بظاهرة التراجع عن المواءمة التقنية والإعلامية (De-converging) في قاعات تحرير الصحف من خلال السؤال التالي: كيف استبقت الصحف عملية الرقمنة؟ وكيف أثَّرت هذه الأخيرة على إنتاج الأخبار؟ وكيف أدرك الصحافيون التغيرات التي أحدثتها؟ الملاحظة في قاعتي تحرير الصحيفة الهولندية “دي فولكس كرانت” (deVolkskrant) في أمستردام ولاهاي لمدة ثلاثة أشهر، أي ما يعادل 400 ساعة.

مقابلة معمقة -نصف موجهة- مع 37 صحافيًّا في مختلف مسؤوليات التحرير والإدارة.

معايشة قاعة التحرير: حضور اجتماعات التحرير، والملاحظة، والمقابلة الحرة مع الصحافيين، والمقابلة نصف المقنَّنة، ومراجعة المراسلات الإدارية ومختلف الوثائق المتعلقة باستراتيجية الصحيفة، ومراجعة المناشير والتعميمات الإدارية.

 

 

 

 

المناهج

الرقمية(138)

اهتم البحث بمسألة التشارك في الأخبار كشكل من أشكال التفاعل التي تثيرها الأخبار، وتساءل: لماذا ننشر مادة صحفية على جدار فيسبوك؟ وماذا يعني هذا التصرف مقارنة بأشكال أخرى من التفاعل؟ تحليل التعليقات المنشورة في موقعي (Rue89)،  و(lemonde.fr) عن أحداث الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2012، و18 ألف مادة صحفية سجلها موقع فيسبوك عن هذه الانتخابات.

إجراء مقابلات مع

240 شابًّا تتراوح أعمارهم ما بين 30-35 سنة من مختلف الأوساط الاجتماعية ومن مختلف المناطق السكنية من أجل استطلاع آرائهم.

ملاحظة منظومات اقتسام الأخبار عبر الخط وتطورها التقني من خلال مراجعة الأدبيات.

إجراء مقابلات معمقة، وتشكيل مجموعات بؤرية، واستبيان للاستطلاع الرأي.

استخدام برمجية (ALGOFAL) لجمع أكبر عدد من البيانات عن نشاطات الشباب في شبكة الإنترنت: المدونات الإلكترونية، وموقع فيسبوك، وتويتر من عناوين حساباتهم وحسابات أصدقائهم، وتقديمها في شكل مرئي عبر خرائط تفاعلية.

 

 

خلاصة  

على الرغم من الإرجاء يمكن أن نستخلص مما سبق بعض الدروس الأولية، سنقتصر على أبرزها، وهي كالتالي:

  1. لقد وضعت البحوث الإعلامية في السياق الرقمي حدًّا للجدل العقيم والمتمثل في أيهما أفضل: الدراسات الكمية أم الكيفية؟ لقد تكاملا فعلًا في الميدان بدليل أن المناهج الرقمية أصبحت تسمى المناهج الكيفو-كمية (Quali-Quantitative). فمحاولة تبسيط الممارسات الإعلامية المعقدة وغير المستقرة في البيئة الرقمية عبر الأرقام والنسب والرسوم البيانية تخلُّ بالمعنى ما لم تستكمل بالسؤال عن الأطراف الفاعلة في هذه الممارسات واستجلاء دلالة ما يقومون به من خلال المقابلات المعمقة، ومقابلات المواجهة، وزيارة المواقع الرقمية المعلق عليها، والتوصيف المكثف، والسير ذاتية، وغيرها، وبهذا قلَّصت الفجوة التي كانت قائمة في بحوث الميديا بين القياس والفهم. ويُنتظر أن تقوم البحوث المعاصرة بالقضاء عليها.
  2. يبيِّن تحليل العينة أن البحث في السياق الرقمي وظَّف المفاهيم والأدوات البحثية القائمة لدراسة الظواهر الإعلامية والاتصالية الجديدة من جهة، واستغل الظواهر والاتصالية المعقدة لاقتراح مفاهيم وأدوات جديدة لدراستها مثل: المواجهة الذاتية (self-confrontation)، والزيارة المعلق عليها (commented visit)، والاستسقاط(139)، والسرنديبية (Serendipity)(140)، والقدارة (Affordance)، والقدرة على الفعل والتأثير (Agency)، والمواءمة (Convergence)، وغيرها من المفاهيم التي فتحت مسالك جديدة لفهم الميديا الاجتماعية.
  3. كانت البحوث العلمية في بداية ظهور شبكة الإنترنت تفصل العالم الافتراضي عن العالم الواقعي الفعلي، أي تفصل بين الممارسات في شبكة الإنترنت وعبرها وتلك التي تجري خارجها. لكن هذا الفصل أصبح اليوم غير منتج على الصعيد المنهجي(141)، وأضحى مضرًّا على الصعيد المعرفي، خاصة بعد أن تغلغلت الميديا الرقمية في حياتنا اليومية، وفي مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، وأصبحت تشكِّل جزءًا أساسيًّا منها. ومن أضرار هذا الفصل يمكن أن نشير إلى انصراف بعض البحوث على سبيل المثال إلى التبرير الضمني لممارسات الأشخاص في الميديا الاجتماعية وتحميل العُدَّة التقنية وحدها المسؤولية عن كل الانحرافات التي تلاحَظ في البيئة الافتراضية. هذا دون أن تتكبد مشقة البحث عن قَدارة الميديا الاجتماعية، أي ما تتيحه من إمكانات وفرص الاستخدام وما تفرض من إكراهات، مثلما تقتضي ذلك المناهج الرقمية.

وكشفت البيانات الضخمة درجة تعقد الظواهر الإعلامية والاتصالية في البيئة الرقمية؛ مما يتطلب تعدد النظريات لشرحها وتأويلها وفهمها، وهذا عملًا بمقولة: البيانات الضخمة (Big Data) تقابلها النظرية الضخمة (Big Theory)(142)، ويتطلب هذا التقابل تعددية منهجية، لأنه في ظل التحولات التي تعيشها الميديا والصناعات الإعلامية التي ذكرناها آنفًا أصبح الاعتماد على أحادية المنهج لدراستها دلالة على الانغلاق الذهني والدوغمائية. فمن أجل دراسة مشاهدة الشباب للمواد السمعية-البصرية عبر الخط، على سبيل المثال، جرى توليف مجموعة من المناهج التقليدية والرقمية من أجل الإلمام بهذه المشاهدة والتطرق لمختلف جوانبها والتغلب على حدود كل منهج على حدة(143).

  1. يملك الكثير من المناهج المذكورة أعلاه قدرًا كبيرًا من المرونة والقدرة على التكيف مع سياقات البحث مما يسمح لها بالكشف عن خصوصية موضوعاته، ويدفعها إلى تطليق طموح أصحاب الدراسات الكمية في علوم الإعلام والاتصال والذين كانوا يسعون إلى تعميم نتائج بحوثهم من أجل صياغة قاعدة أو قانون يسمح بالتنبؤ بمستقبل الظاهرة الإعلامية أو الصحفية المدروسة.

إننا نزعم أن كل بحث من البحوث التي شملتها عينة دراستنا يعالج حالة خاصة. فعلى الرغم من النقائص التي قد تشوب الترسانة المنهجية التي استخدمتها إلا أنها تكشف، بهذا القدر أو ذاك، عن خصوصية هذه الحالة. فلا يمكن على سبيل المثال اقتراح وصفة جاهزة لحل أزمة انتقال الصحافة الورقية إلى بيئة الويب بناءً على نتائج البحث الذي يستخدم المناهج التقليدية أو المناهج الحاسوبية وتعميمه على كل الصحف. فتجربة صحيفة “نيويورك تايمز”، على سبيل المثال، للخروج من الأزمة تختلف عن تجربة صحيفة “لوموند” الفرنسية، وتختلف أيضًا عن تجربة صحيفة الغارديان البريطانية(144).

  1. بعد أن ألغت الفصل بين العالمين: الافتراضي والواقعي الفعلي الملموس، أَدْرَجَت مناهج البحث المعاصرة الممارسات الإعلامية في بيئة أوسع، ووضعتها في قلب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وبهذا، ستسهم بفاعلية في تطوير إبستمولوجيا علوم الإعلام والاتصال، بعد أن زودتها بأنظمة معرفية ومفاهيم مستحدثة(145). فالإثنوغرافيا الرقمية أَثْرَتْها بآليات استبصار أنماط التلقي في متخيل المستخدمين والكشف عن أبعاده السيمائية، وزودتها المناهج الحاسوبية بأدوات تحليل مسار تَشَكُّل النص الصحفي وتطوره، ولعلها تساعدها كذلك على الخروج من الامتثال الذي أسقطتها فيه المدرسة الوضعية.

أخيرًا، إن مناهج البحث في السياق الرقمي أَثَّرت في ممارسة البحث العلمي الإعلامي؛ إذ أضحى من الصعوبة بمكان القيام ببحث عن مستخدمي الميديا الاجتماعية وانتشارهم الجغرافي، وأشكال استخداماتهم، على سبيل المثال، أو تفاعلاتهم مع مواقع التواصل الاجتماعي، وعلاقة الصحافي بمستخدمي صفحاته في موقع التواصل الاجتماعي، وأشكال التواصل السياسي عبر الميديا الاجتماعية، ومصادر المعلومات، والتعددية الإعلامية في شبكة الإنترنت وتطور المعجم اللغوي في النص الصحفي المعاصر، وغيرها من الموضوعات، دون الاستعانة بخدمات المختصين في المعلوماتية؛ فجلُّ البحوث التي درسناها في عينتنا تُسْتَهَلُّ أو تُذَيَّلُ بتوجيه الشكر إلى الفني أو المهندس في المعلوماتية الذي ساعد الباحثين على جمع البيانات الرقمية وجسَّد خاصية مرؤئيتها عبر الرسوم البيانية والخرائط السحابية للكلمات، والأسماء، والمصادر، والصحافيين، …إلخ.

لعل ما سبق ذكره يحفز مراكز البحث في البلدان العربية على استدراك التأخر الملحوظ في تطبيق المناهج “الحديثة” في دراسة الميديا؛ فباستثناء بعض الدراسات التعريفية بها(146)، والمحاولات القليلة للاستعانة بها لفهم ممارسات الاتصال في البيئة الافتراضية(147)، لم ينفتح البحث الإعلامي في هذه البلدان على المناهج الحاسوبية والرقمية(148). وبصرف النظر عن كل الانتقادات التي وُجِّهت إلى هذه المناهج مثل، تعزيز ظاهرة “فقاعة التصفية” (Filter Bubble)، و”غرفة الصدى” (Echo Chamber) إلا أنها يمكن لها أن تُقدِّم، على الأقل، بعض المؤشرات عن آراء مستخدمي الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية في هذه القضية أو تلك المسألة انطلاقًا من آثارهم الرقمية في شبكة الإنترنت، بعيدًا عن مراكز استطلاعات الرأي المطعون في استقلاليتها، وتُعرِّي حدود التعددية الإعلامية، وتكشف عن “أوهام” الحديث عن التفاعلية في الصحافة العربية في شبكة الإنترنت، وتنقذ بحوث الجمهور ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية من سطحيتها الامتثالية(149).

المراجع

(1) Hélène Bourdeloie, “Ce que le numérique fait aux sciences humaines et sociales: Épistémologie, méthodes et outils en question,” Revue tic& société, Vol. 7, no. 2, (2ème semestre 2013): 7-38.

(2) Raymond Boudon, Les mathématiques en sociologie, (Paris: PUF, 1971), 7.

(3) Ramón Salaverría, “Digital journalism: 25 years of research,” El profesional de la información, Vol. 28, no. 1, (2019), “accessed October 20, 2021”. https://bit.ly/3rGRxVo.

(4) يمكن أن نذكر على سبيل المثال طريقة (Alceste)، التي ظهرت في 1979 على يد ماكس رينيرت (Max Reinert)، واستُعملت في العلوم السياسية وعلوم الاتصال والإعلام والتسويق وإدارة الأعمال واللسانيات. وتتمثَّل هذه الطريقة في التحليل المفصَّل لمعجم عيِّنة من النصوص المختارة، ومنه يتم تشكيل قاموس الكلمات وجذورها اللغوية، ثم يجري تقطيع النص إلى مقاطع منسجمة تحتوي على عدد كاف من الكلمات، وتصنف هذه المقاطع بتعيين تعارضها القوي. وتسمح هذه الطريقة باستخراج طبقات المعنى التي تشكُّلها الكلمات والجمل الأكثر دلالة، وتمثِّل هذه الطبقات الأفكار والتيمات المسيطرة في عينة النصوص المدروسة التي تبرز في شكل رسوم بيانية وخطية. للتوسع، انظر:

Maryse Marpsat, “La méthode Alceste,” Sociologie, Vol. 1, no. 1, (2010), “accessed November, 12, 2021”. https://bit.ly/3KCoif3.

(5) Catherine Dessinges, Lucien Perticoz, “Les consommations de séries télévisées des publics étudiants face à Netflix: une autonomie en question,” Revue Les Enjeux de l’information et de la communication, no1, (2019): 5-20.

(6) Madeleine Pastinelli, “Pour en finir avec l’ethnographie du virtuel! Des enjeux méthodologiques de l’enquête de terrain en ligne,” Anthropologie et Sociétés, 35(1-2), (2011): 35-52.

(7) Christine Hine, Virtual Methods: Issues in Social Research on the Internet, (New York: Berg Publishers, 2005), 200.

(8) لم نعثر على عبارة في اللغة العربية تتطابق مع (DO-it- yourself) الإنجليزية و(Bricolage) الفرنسية. لذا اضطررنا إلى استعمال كلمة “الترميق”، رغم قناعتنا بأنها لا تتطابق مع الكلمة الأجنبية؛ إذ يقال في اللغة العربية: “رَمَّق العمل أو رَمَّق فيه أي بالغ فيه ولم يُحْسِنْه”، لقد فكرنا في استعمال مصطلح “الاستنهاج” كبديل لـ”الترميق المنهجي”، لكننا تراجعنا حين أدركنا أنه يعني أن ما قام به الباحث من “تدبير” منهجي تحوَّل إلى منهج. وهذا الأمر لا يتطابق مع ما نحن بصدد شرحه، لأن الترميق لم يبلغ درجة المنهج الذي يُعتد به ويرسخ في الممارسة، ويصبح ضمن المناهج التوافقية. وتجنبنا كلمة “الترقيع” لعلمنا المسبق بالتضمين السلبي الذي التصق بها في اللغة العربية والثقافة الشعبية.

(9) Louis-Claude Paquin, “La question de la méthode de la méthodologie en recherche et en recherche-création,” academia.edu, December 2020, “accessed October 21, 2021”. https://bit.ly/3HJuuQM.

(10) انظر على سبيل المثال إلى البحوث الأولى التي أنجزتها الباحثة مادلين بستينيلي على غرف الدردشة في شبكة الإنترنت.

Madeleine Pastinelli, “Ethnographie d’une délocalisation virtuelle: le rapport à l’espace des internautes dans les canaux de chat,” Terminal: technologies de l’information, culture et sociétés, Vol. 79, (1999): 41-60.

(11) لفهم الفرق بين المفهومين اللذين اعتمدنا عليهما في هذا البحث: الإرجاء والاختلاف، في فلسفة جاك دريدا، يمكن العودة إلى:

Charles Ramond, Le vocabulaire de Derrida (France: Ellipses, 2001), 25-28.

(12) Shanyang Zhao, “Metatheory, Metamethod, Meta-Data-Analysis: What, Why, and How?,” Sociological Perspectives 34(3), (1991): 377-390, “accessed September 5, 2021”. https://bit.ly/3tRslhs.

(13) نقلًا عن تشانينج زهو (Shanyang Zhao)، المرجع السابق.

(14) Klaus Bruhn Jensen, “New Media, Old Methods: Internet Methodologies and the Online/Offline Divide,” in Mia Consalvo, Charles Ess, The Handbook of Internet Studies (Oxford: Blackwell Publishing Ltd, 2011), 49.

(15) Noortje Marres, “The redistribution of methods: on intervention in digital social research, broadly conceived,” The Sociological Review, (December 17, 2012): 139–165, “accessed September 5, 2021”. https://bit.ly/343Y2Jv.

(16) Serge Proulx, Julien Rueff, Actualité des méthodes de recherche en sciences sociales sur les pratiques informationnelles (Québec: Centre des études sur les médias, Université Laval, 2018), 132

(17) ترجم البلاغيون (Oxymoron- Oxymore) بالعديد من المرادفات، منها: التضاد، والضديد، والضادة، والإرداف الخلفي، أو التناقض اللفظي، والتناقض الظاهري، والاختلاف الامتناعي، وبضمِّ عبارتين متناقضتين في الظاهر يتحدان ليشكِّلا معنى جديدًا. وقد استعملناه في البحث للتأكيد على التفكير المعقد في العُدَّة التّكنولوجية في الاتصال.

(18) العياشي الفرفار، “المجتمع الافتراضي والتصور الدوركايمي: قراءة في طبيعة التحولات الاجتماعية”، الحوار المتمدن، 16 يونيو/حزيران 2019، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2021)، https://bit.ly/3qUJzZF.

(19) Chris Anderson et al., Post-Industrial Journalism: Adapting to the Present (New York: Tow Center for Digital Journalism, 2012), 76.

(20) Andrew Chadwick, The Hybrid Media System, Politics and Power, (Oxford University Press, 2013), 23.

(21) Virginie Sonet, “Enjeux méthodologiques de l’hybridation des pratiques: le cas de L’audiovisuel sur smartphone,” Les Enjeux de l’Information et de la Communication, no. 17/3A, (2016): 213-224, “accessed September 30, 2021”. https://bit.ly/3Ap01Vb.

(22) José van Dijck, Thomas Poell, “Understanding Social Media Logic,” Media and Communication, Vol. 1 , Issue 1, (2013): 2–14. “accessed November, 23, 2021”. https://bit.ly/3H1jEF9.

(23) Gregory Bateson, Steps to an Ecology of Mind (London: Granada, 1972), 150.

(24) انظر إلى ما قاله آرون بيلهوف (Aron Pilhofe)، مسؤول القسم الرقمي في صحيفة الغارديان البريطانية:

Jérémie Mani, “le journalisme doit être une conversation,” strategies.fr, April 30, 2015, “accessed November 2,2021”. https://bit.ly/3rKkFuP.

(25) يمكن أن نذكر على سبيل المثال، وليس الحصر، منصة (CoveritLive)، التي ظهرت في 2007 وانتشرت في قاعات تحرير الصحف الرقمية في كندا، وبريطانيا، وأميركا، وتسمح بإنشاء واجهة يشارك عبرها الجمهور/المستخدمون في المادة الصحفية لإنتاج نص صحفي يتسم بالتفاعلية والآنية. لمزيد من التفاصيل، انظر:

Steen Steensen, “Cozy Journalism: The rise of social cohesion as an ideal in online, participatory journalism,” Journalism Practice, Vol. 5, no 6, (2011): 687-703. “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3qUdOj8.

(26) Javier Díaz Noce, Why to Study the Internet and Online Journalism, in Ainara Larrondo et al., (Coords.) Shaping the news online: A comparative research on international quality media, (Livros LabCom, 2014), 20.

(27) نقلًا عن:

Werner J. Severin, James W. Tankard, Jr, Communication Theories: Origins, Methods and Uses in Mass Media, 5 ed. (Pearson Education Limited, 2014), 18.

(28) انظر على سبيل المثال:

Mark Deuze, ‘‘Liquid Journalism,’’ Political Communication Report 16 (1), )2016(, ‘‘accessed November, 2021’’. https://bit.ly/3GWRhYR.

(29) للاطلاع على النموذج الذي اعتمد عليه أندرياس فغليس لدراسة النشر العبر ميديا، انظر:

Andreas Veglis, ‘‘Journalism and Cross-media Publishing: The Case of Greece,’’ in Eugenia Siapera, Andreas Veglis, Global Online Journalism, (Wiley & Sons, Ltd, 2012), 209-230.

(30) يقصد بالزمنية الوقت الذي تظل فيه المادة الصحفية مرئية في موقع الصحيفة أو واجهته دون أن تتقادم وتفقد قيمتها الإعلامية الآنية وتختفي أو تؤرشف في الموقع. انظر:

Javier Díaz Noci, “Why to Study the Internet (and Online Journalism),” in Ainara Larrondo et al., Shaping the news online, 40.

(31) من بين الاجتهادات، نذكر على سبيل المثال التحليل الذي قام به الباحث جيرمان لوركا عباد لأبرز 25 موقعًا إعلاميًّا في البلدان التالية: فرنسا، بريطانيا، الأرجنتين، أميركا، البرازيل. انظر:

Germán Llorca Abad, “Quality News Websites: International Online Media Evaluation Quality News Websites: International Online Media Evaluation,” in Ainara Larrondo et al., Shaping the news online, 63-77.

(32) Dominique Maingueneau, “Genres de discours et web : existe-t-il des genres web?,” in Christine Barats (dir), Manuel d’analyse du Web en Sciences Humaines et Sociales (Paris: Armand Colin, 2013), 84.

(33) انظر على سبيل المثال إلى تحليل مضمون الأخبار السائلة في الصحف السويدية عبر الخط الذي قام به ميكائيل كارلسون.    Michael Karlsson, “Charting the liquidity of online news: Moving towards a method for content: analysis of online news,” the International Communication Gazette 74(4), (2012): 385–402, “accessed October 27, 2021. https://bit.ly/35jt2Gg.

(34) مفهوم نحته الكاتب أكسل برونز من إدغام كلمتين: الإنتاج والاستخدام للدلالة على بروز ممارسة إعلامية يتبادل فيها المنتج والمستخدم الأدوار ويتناوبان عليها واتخذ منه عنوانًا فرعيًّا لكتابه:

Axel Bruns, Blogs, Wikipedia, Second Life, and Beyond: From Production to Produsage (Peter Lang, 2008), 418.

(35) للاطلاع على النموذج المقترح لتحليل النص المتشعب الإخباري في شبكة الإنترنت، انظر:

Ainara Larrondo Ureta, Javier Díaz Noci, hypertextual Structure of online News:  A Comparative Research on Quality Media,” in in Ainara Larrondo et al., Shaping the news online, 249-299.

(36) انظر على سبيل المثال:

Nguyen Trung Kienn, “Contemporary social interaction: How communication technologies alter Goffman’s dramaturgical model?,” Ho Chi Minh City Open University Journal of Science, no.5 (1), (2015): 54-65. “accessed November 1, 2021”. https://bit.ly/3nSwfTM.

(37) Rejoice seleman, Theories of mass communication, academia.edu, “accessed October 31,2021”. https://urlz.fr/gJoN.

(38) Bruhn Jensen, “New Media, Old Methods,” 49.

(39) انظر على سبيل المثال:

Joshua M. Scacco et al., “Digital divisions: Organizational gatekeeping practices in the context of online news,” The Official Research Journal of the International Symposium on Online Journalism, Vol. 5, no. 1, (spring 2015): 106-123. “accessed October 30, 2021”. https://bit.ly/3GVS0cM.

(40) انظر على سبيل المثال:

Danka Ninkovic-Slavnic, “Agenda setting in the world of online news: New questions for new environment,” Communication and Media 11(36), (2016), “accessed November 17, 2021”. https://bit.ly/3rKnmMZ.

(41) انظر على سبيل المثال: نصر الدين لعياضي، “التفكير في عدة التفكير، مراجعة نقدية لنظرية الاستخدامات والإشباعات في البيئة الرقمية”، مركز الجزيرة للدراسات، 24 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021)، https://bit.ly/3KDQ6iZ.

(42) انظر على سبيل المثال، كمال حميدو: “التواصل الاجتماعي والنشاط السياسي في الحراك الجزائري: من دوامة الصمت إلى دوامة التعبير”، مجلة لباب (مركز الجزيرة للدراسات، العدد 3، 2019)، ص 49-99.

(43) انظر على سبيل المثال:

Pablo Boczkowski, Understanding the development of online newspapers: Using Computer-Mediated Communication Theorizing to Study Internet Publishing,” New Media & Society.  Vol. 1, Issue 1, (1999): 101-126. “accessed October 30, 2021”. https://bit.ly/3GX6hWF.

(44) نصر الدين لعياضي، “ماذا بقي من نظرية التلقي لدراسة الميديا الرقمية؟”، مركز الجزيرة للدراسات، 23 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2021)، https://bit.ly/33J3Rwc.

(45) انظر على سبيل المثال:

Eugenia Siapera, Lia-Paschalia Spyridou, “The Field of Online Journalism: A Bourdieusian Analysis,” in Eugenia Siapera, Andreas Veglis, The handbook of global Online Journalism (John Wiley & Sons, 2012), 77-98.

(46) انظر على سبيل المثال:

Maria Francesca Murru, “New media – new public spheres? An analysis of online shared spaces becoming public agoras,” in Nico Carpentier et al., Communicative  approaches to politics: The Intellectual work of 2009 ECREA European Media and communication doctoral summer School, (Tartu University Press, 2009),141-156.

(47) Nick Couldry, “Mediatization: What is It?” in Nico Carpentier et al., Media Practice and Everyday Agency in Europe, (lumière, 2014), 35.

(48) للاطلاع على تشغيل الوساطة الميدياتيكية في بحوث الإعلام في البيئة الرقمية، يمكن الرجوع إلى:

Eliane Fernandes Azzari, “Endangered languages, social subjects and mediatization: the case of Wikitongue,” International Journal of Innovation Education and Research, Vol. 7, no. 8, (2019), “accessed November 18, 2021”. https://bit.ly/3fPPcSz.

(49) Salaverría, “Digital journalism,” op, cit.

(50) Gabriel Barbulet, “Social Media: A pragmatic Approach: Contexts & Implicatures, 2nd World Conference on Educational Technology Researches,” Procedia, Social and Behavioral Sciences, no. 83, (July 2013): 422-426.

(51) انظر على سبيل المثال:

Karlsson, “Charting the liquidity of online news,” op, cit.

(52) Salaverría, “Digital journalism,” op, cit.

(53) انظر على سبيل المثال:

Ursula Plesner, “An actor-network perspective on changing work practices: Communication technologies as actants in newswork,” Journalism 10 (5), (2009): 604-626, “accessed October 5, 2021”. https://bit.ly/32qPITO.

(54) Rodney Benson, “From Heterogeneity to Differentiation: Searching for a Good Explanation in a New Descriptivist Era,” researchgate.net, (2017), “accessed November 2, 2021”. https://urlz.fr/gJoR.

(55) Severin, Tankard, Communication Theories, 38.

(56) Roger Filder, Mediamorphosis: understanding new media, (Sage Publications, 1997), 29.

(57) للاطلاع على مختلف التوجهات النظرية في سوسيولوجيا الاستخدام للعدة السوسيوتقنية، انظر:

Alexandre Coutant Jean-Claude Domenget, “Un cadre épistémologique pour enquêter sur les dispositifs sociotechniques d’information et de communication,” in Hélène Bourdeloie, David Douyère, Méthodes de recherche sur l’information et la communication, (France: Mare & Martin,2014), 270.

(58) Anshelm Strauss, Quantitative Analysis for Social Scientifics (New York: Cambridge University Press, 1993), 12.

(59) Salaverría, “Digital journalism,” op, cit.

(60) لدراسة هذا الموضوع، استعانت الطالبة أنيجلا مين-شيا لي بالنظرية المتجذرة في أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه.

 Angela Min-Chia Lee, How Fast is Too Fast? Examining the Impact of Speed-Driven Journalism on News Production and Audience Reception, (Ph.D. of Philosophy Faculty of the Graduate School, The University of Texas at Austin, 2014), 119.

(61) Hervé Dumez, “Les trois risques épistémologiques de la recherche qualitative (Réponse à Marie-José Avenier et Catherine Thomas),” Le Libellio d’AEGIS, Vol. 8, no. 4, (Hiver 2012): 29-33.

(62) Marie-Caroline Heïd, “Modèle qualitatif pour l’analyse de pratiques émergentes contemporaines: le cas du journalisme participatif,” Recherches qualitatives, Hors Série, no. 15, (2013): 270-289.

(63) انظر:

Eric George, L’analyse des mutations médiatiques: Une ouverture nécessaire des perspectives de recherche? XVIIe Congrès de la Société des Sciences de l’Information et de la Communication: “Au cœur et aux lisières des SIC”, (Dijon, 23-25 juin 2010): 48-53.

(64) Jeffrey C. Alexander, Performance and Power, (UK: Polity Press, 2011), 32.

(65) انظر: ديفيد ميليز، “الفوائد المتبادلة بين الإثنوغرافيا وتحليل الخطاب في السياق الرقمي”، في ميلاني ميليت وآخرون، ترجمة نصر الدين لعياضي، مناهج البحث في السياق الرقمي: توجه رقمي، قيد الطبع، ص 103-118.

(66) Dominique Bouillier, sociologie du numérique, 2ém éd.  (Armand Colin, 2014), 229.

(67) فلورنس ميليراند وآخرون، “إعادة توزيع المناهج في سياق رقمي: نقد خريطة المناهج”، في ميلاني ميليت وآخرون، مناهج البحث في السياق الرقمي، مرجع سابق، ص 39.

(68) كلمة يابانية مركبة من (e) وتعني صورة، و(moji) التي تعني رمزًا أو حرفًا. استُخدمت في المراسلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي صفحات الويب للتعبير عن موقف أو حالة شعورية. وقد ساد استخدامها في كل لغات العالم رغم الحمولات الثقافية التي تتضمنها الرسوم والصور والتي لا يتطابق بعضها مع بعض الثقافات واللغات.

(69) انظر:

Franck Rebillar, “L’étude des médias est-elle soluble dans l’informatique et la physique? À propos du recours aux digital methods dans l’analyse de l’information en ligne,” Question de communication, no. 20, (2011): 353-376.

(70) Chris Anderson, “The End of Theory: The Data Deluge Makes the Scientific Method Obsolete,” Wired, June 23, 2008, “accessed November 2, 2021”. https://bit.ly/3GYSlLv.

(71) Simon Lindgren, “Hacking social science for the age of the datafication,” Journal of Digital Social Research, Vol. 1, no. 1, (2019): 1–9, “accessed September 3, 2021”. https://bit.ly/3FY99RJ.

(72) Danah Boyd, Kate Crawford, Six provocations à propos des big data, Trad. Laurence Allard et al., Symposium, “Une décennie avec internet,” Oxford Internet Institute, September 21, 2011, “accessed November 2, 2021”. https://urlz.fr/gJoS.

(73) Ibid.

(74) نذكر منهم على وجه الخصوص تلك التي تحتكر أضخم قدر من البيانات المختلفة وتشكِّل مصدر دخلها الأساسي، وهي: فيسبوك ومنصاته واتساب وإنستغرام، وأمازون، وأيربناب، وعلي بابا غروب، وآبل، وبوكينغ. كوم، ولينكدن، وميكروسوفت، وتويتر، وإيبر، وياهو…

(75) لتوضيح هذا التأثير، يمكن الإشارة إلى أن مسؤولي التحرير في صحيفة “سلايت” (Slate) الإلكترونية، التي تصدر في نيويورك، يأخذون بعين الاعتبار نتائج القياس التي يكشف عنها محرك “شارتبيت”؛ إذ تدخَّل على سبيل المثال إلى توجيه الصفحات الثقافية إلى الكتابة عن المسلسلات التليفزيونية التي تحظى بعدد أكبر من النقرات من المواد التي تنشر عن حفلات “الأوبرا”. بينما يوجه مسؤولو صحيفة (Rue 89)، التي تصدر في باريس، نحو الكتابة عن متابعة الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، من طرف العدالة وفضائح رجال السياسة الفرنسيين بناء على نتائج قياس المتابعة التي يقدمها محرك غوغل أنالتكس. انظر:

Gilles Bastin, “Le public et ses algorithmes,” laviedesidees.fr, November 22, 2021, “accessed November 25, 2021”. https://bit.ly/3s6Nnqb.

(76) Dominique Boullier, “Les sciences sociales face aux traces du big data,” Revue française de science politique, Vol. 65, no. 5-6, (2015): 805-828.

(77) Marres, “The redistribution of methods,” op, cit.

(78) ميلاني ميليت وآخرون، مناهج البحث في السياق الرقمي، مرجع سابق، ص 26.

(79) المرجع السابق، ص 33.

(80) Proulx, Rueff, Actualité des méthodes de recherche en sciences sociales sur les pratiques informationnelles, 7.

(81) محمد سبيلا، نوح الهرموزي، موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفة، (المغرب، المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، 2017)، ص 528.

(82) نتجت هذه الخريطة عن إجراء مقابلات مع 24 باحثًا ناطقًا باللغة الفرنسية من علم الاجتماع والاتصال وعلم الإدارة والذين مارسوا البحث في السياق الرقمي، فما أدلوا به يمثِّل تجاربهم.

(83) Marres, “The redistribution of methods,” op, cit.

(84) انظر على سبيل المثال، البحث التالي الذي اكتفي باستخدام صفحة فيسبوك للوصول إلى مجتمع البحث، ثم أجرى مقابلات معهم عبر المسنجر:

Nabila Bestandji, “Analyse discursive des représentations de “l’Algérie”, du “nous” de “l’autre” et de “l’ailleurs” dans les discours des haragas,” Revue Aleh (langue, médias et société), no. March 8, 2021, “accessed November 13, 2021”. https://bit.ly/3AsAkTq.

(85) انظر على سبيل المثال:

Wilson Lowrey et al., “Predictors of Convergence Curricula in Journalism and Mass Communication Programs,” Journalism and Mass Communication Educator, Vol. 60, no. 1, (Spring 2005): 32-46.

(86) للاطلاع على البحوث التي كيَّفت المناهج التقليدية في البيئة الرقمية، انظر:

Steve Schneider, Kristen Foot, “The Web as an Object of Study,” New Media & Society, 6(1): 114-122.

 (87) هان جياوي وآخرون، نقلًا عن روب كيتشن، ثورة البيانات المفتوحة والبنى التحية للبيانات والنتائج المترتبة عنها، ترجمة محمد بن أحمد الغوري، (السعودية، مركز البحوث والدراسات، 2018)، ص 183.

(88) من بين التطبيقات وبرامج المعلوماتية ومحركات البحث التي تعتمد عليها المناهج الحاسوبية، نذكر على سبيل المثال والتوضيح فقط، لأنه يتعذر حصرها كلها: بوابة “ستاتيستا” (Statista)، وخدمة “غوغل أناليتيكس” (Google Analytics) المختصة في تعقب حركة زوار المواقع الرقمية في شبكة الإنترنت، و”أليكسا” (Alexa) التي تقدم معلومات عن شعبية المواقع في شبكة الإنترنت وزوارها، ومنصة (Yahoo Clues) التي تقدِّم بيانات تكشف آنيًّا عمَّا هو أكثر انتشارًا لدى الجماعات خلال اليوم والشهر والسنة الماضية مصنَّفًا حسب السن والجنس. وبرنامج (ATLAS.ti) و(NVivo) لجمع البيانات وتحليلها، ومنصة (Ngram Viewer) التي ترصد تواتر كلمة أو كلمات في النصوص خلال فترة معينة، وتتبُّع تزايد شهرة بعض الأشخاص وتراجعها حلال فترة من الزمن. ومحرك (Search Engine Land) الذي يقدم إحصائيات عن توارد الكلمات المفتاحية، و(Twitter Analytics) الذي يقوم بتحليل التغريدات وانتشارها، وأداة (NodeXL) التي تُعد إضافة لبرنامج (Microsoft Excel) لاستخراج البيانات الشبكية من مواقع التواصل الاجتماعي وإظهار تلك البيانات بشكل مرئي، وبرمجية بولتوسكوب (Politoscope) التي تمثِّل أرضية رقمية مفتوحة بمناسبة الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت في 2017 لجمع التغريدات السياسية في موقع تويتر وتحليلها…إلخ.

(89) نقلًا عن:

Karen Ross, Virginia Nightingale, Media and Audiences: New Perspectives (Maidenhead: Open University Press, 2003), 158.

(90) Dominique Boullier, “Vie et mort des sciences sociales avec le big data,” La nouvelle revue des sciences sociales, no. 4, (2015): 19-37.

(91) Bruhn Jensen, “New Media, Old Methods,” 49.

(92) Danah Boyd, Kate Crawford, “Critical questions for big data: Provocations for a cultural, technological, and scholarly phenomenon,” Information, Communication & Society, Vol. 15, (2012): 662–679.

(93) Stefan Schmidt, “Les 3 V du Big Data : Volume, Vitesse et Variété,” Le Journal du Net, May 31, 2015, “accessed November 10, 2021”. https://bit.ly/3AIZZHX.

(94) يُستخدم مصطلح الختم الزمني (horodatage- timestamping)، انظر كيفية توظيفه في هذا البحث:

Anders Olof Larsson, “Tweeting the Viewer- Use of Twitter in a Talk Show Context,” Journal of Broadcasting & Electronic Media 57(2), (2013): 135-152.

(95) Bertrand Bathelot, “5V du big data definitions,” marketing.com, December 1, 2016, “accessed November 10, 2021”. https://bit.ly/3AweRJt.

(96) “Lumière sur… les 6V du Big Data,” September p, 2016, “accessed November 10, 2021”. https://bit.ly/3AweXAP.

(97) Proulx, Rueff, Actualité des méthodes de recherche en sciences sociales sur les pratiques informationnelles, 61.

(98) Boullier, “Les sciences sociales,”: 805-828.

(99) Bruhn Jensen, “New Media, Old Methods,” 52.

(100) Pierre Bourdieu, “L’opinion publique n’existe pas”, Les temps modernes, no. 318, (1973): 1292-1309.

(101) Emmanuel Marty et al., “A multifaceted study of online news diversity: issues and methods,” in Ramón Salavería, Diversity of Journalisms, Proceedings of the ECREA Journalism Studies Section and 26th International Conference of Communication (CICOM) at University  of Navarra, Pamplona, (4-5 July 2011), 228-242.

(102) Jerry Muller, The tyranny of metrics (Princeton University Press, 2018), 3.

(103) مرض إدراكي يُعرِّفه الطبيب السويسري المختص في مرض الأعصاب، بيتر بروغر (Peter Brugger)، بأنه نوع من الإدراك التلقائي الذي يستخرج الدلالة من ظواهر لا علاقة بينها، أي منح معنى مخصوص للأحداث العادية والمألوفة من خلال إقامة علاقة بين الأشياء دون مبرر.

(104) Danah Boyd, Crawford Kate, “Six Provocations for Big Data: A Decade in Internet Time: Symposium on the Dynamics of the Internet and Society,” papers.ssrn.com, September 21, 2011, “accessed November 10, 2021”. https://bit.ly/3r2iuDZ.

(105) Eglantine Schmitt, Explorer, visualiser, décider: un paradigme méthodologique pour la production de connaissances à partir des big data, (thèse de doctorat en épistémologie, L’Université de technologie de Compiègne, Paris, 2018), 289.

(106) انظر على سبيل المثال: غبريال سيلفا موتا درموند، “علبة نتفليكس السوداء: تشكيل الاستخدامات بالواجهات والخوارزميات”، في ميلاني ميليت وآخرون، مناهج البحث في السياق الرقمي، مرجع سابق، ص 275- 290.

(107) Alvaro Pires, “De quelques enjeux épistémologiques d’une méthodologie générale pour les sciences sociales,” classiques.uqac.c, (2007): 29. “accessed November, 20, 2021”. https://bit.ly/3AsIGKM.

(108) عبد الرحيم العطري، “العلم الاجتماعي ضدًّا على “الكاست المعرفي”: من التناص الاجتماعي إلى التداخل التخصصي، مجلة إضافات (العدد 17و18، شتاء وربيع 2012)، ص 138-155.

(109) Alex Mucchielli, “Pour des recherches en communication,” Communication et organisation, no. 10, (1996), “accessed, November 6, 2021”, https://bit.ly/35nI2mz.

(110) التسمية التي أطلقها كل من كريستين هين، وسيرج برولكس، وجوليان رويف، انظر:

كريستين هين، “إثنوغرافيا الجماعات في شبكة الإنترنت والميديا الاجتماعية: الإجراءات، والتنوع، والإمكانات”، في ميلاني ميليت وآخرون، مناهج البحث في السياق الرقمي، مرجع سابق، ص 77-102.

(111) Sarah Pink et al., Digital Ethnography: Principles and Practice, 1st ed. (SAGE Publications Ltd, 2015), 310.

(112) Éric Vernette et al., “Identification d’un leader d’opinion: état des controverses,” 28ème Congrès Afm (Association Française du Marketing, Brest -France, Vol. 28, (2012), “accessed September 30, 2021”. https://bit.ly/3tUhC64.

(113) Matt Carlson et al., “Journalism Studies and its Core Commitments: The Making of a Communication Field,” Journal of Communication, Vol. 68, Issue 1, (February 2018): 6–25.

(114) Karen O’Reilly, Ethnographic Methods (London: Routledge, 2005), 3.

(115) Elisenda Ardévol and Edgar Gómez-Cruz, “Digital Ethnography and Media Practices”, in Angharad Valdivia, The International Encyclopedia of Media Studies, (John Wiley & Sons, 2014), 4051-4071.

(116) Pastinelli, “Pour en finir avec l’ethnographie du virtuel!,” op, cit.

(117) Pink et al., Digital Ethnography, 17.

(118) Proulx, Rueff, Actualité des méthodes de recherche en sciences sociales sur les pratiques informationnelles, 7.

(119) نذكر على سبيل المثال التويتنوغرافيا (Twitnography)، التي وضع جون فيليب غلان وألكسندرا فيلون أسسها كتخصص علمي في 2009 وتبنَّاه العديد من الباحثين. يدرس هذا التخصص التدوين المصغر (microblogging)، ويتسم بكونه لا يبحث عن جماعة بعينها بل الأفراد من جماعات مختلفة تتقاطع عبر التغريدات التي يصل عددها إلى آلاف التغريدات في الثانية مما يجعل الباحث عاجزًا عن نسخها أو تحميلها دون الاستعانة بواجهة برمجة موقع تويتر (API) التي تمكِّنه من النفاذ إليها. لذا يقال: إن هذا النمط الإثنوغرافيا أبسط، وأسرع، وأقل كلفة وأقل تطفلًا من النموذج التقليدي. انظر:

Vernette et al., “Identification d’un leader d’opinion: état des controverses,” op, cit.

(120) نقلًا عن:

Bruhn Jensen, “New Media, Old Methods,” op, cit, 53.

(121) نقلًا عن:

Dominique Cardon, “Pourquoi l’internet n’a-t-il pas changé la politique?,” tinyurl.com, October 7, 2010, “accessed October 25, 2021”. https://bit.ly/33Phyd1.

(122) Hine, Virtual Methods, 1.

(123) Anh Ngoc Hoang et al., “Explorer les méthodes en ligne pour des terrains hors ligne,” Terminal, no. 129, (2021), “accessed November 8, 2021”. https://bit.ly/3KHuSAT.

(124) Richard Rogers, “Digital Methods for Web Research,” ResearchGate, (May 2015): 1-22, “accessed October 26, 2021”. https://bit.ly/3nVFfHJ.

(125) Richard Rogers, Digital Methods (UK: The MIT Press, 2013), 24.

(126) Proulx, Rueff, Actualité des méthodes de recherche en sciences sociales sur les pratiques informationnelles, 43.

(127) Ibid, 68.

(128) نذكر منها على سبيل المثال: برامج العنكبة (Web crawler) أو زاحف الويب، وبرامج تقشير البيانات (scraping)، أي استخراجها من شبكة الإنترنت وتحليلها، ومرتب محتويات المواقع بطريقة تعاونية مع المستخدمين “فولكسونومي” (Folksonomy)، والختم الزمني (timestamping) وسحابة الوسوم (Tag cloud) للتمثيل المرئي للبيانات، وخوارزميات ترتيب الصفحات والمواقع (PageRank).

(129) Hugues Peeters et Philippe Charlier, “Contributions à une théorie du dispositif,” Revue Hermès 25, (1999): 15-23.

(130) Bonnie S. Brennen, Qualitative Research Methods for Media Studies, 2 ed. (Routledge, 2017), 23.

(131) Tommaso Venturini,   Jean-philippe cointet, “Méthodes Digitales approches quali/quanti des données numériques,” Réseaux, no. 188, (2014): 9-21, “accessed November 5, 2021”.  https://bit.ly/3tV5FNx.

(132) من باب التوضيح، نشير إلى أن الباحثين، نووي غومنت ومازيار باناهي وديفيد شافلارياس، اخترعوا برمجية (Politoscope) لرسم الحياة السياسية الفرنسية، وتوجهات الناخبين الفرنسيين عشية الانتخابات الرئاسية في 2017. انظر:

Noé Gaumont, Maziyar Panahi, David Chavalarias, “Reconstruction of the socio-semantic dynamics of political activist Twitter networks-Method and application to the 2017 French presidential election,” PLoS ONE 13(9): e0201879. “accessed November 3, 2021”. https://bit.ly/3tTNjMR.

(133) يمكن أن نذكر على سبيل المثال البحث الذي أنجزته كل من كريستين توير، وفلورنس ميليراند، ونينا ديوك، عن مشاهدة الشباب للمواد السمعية البصرية عبر الخط واستعانت بالمنهج التقليدي والافتراضي والرقمي، في ميلاني ميليت وآخرون، مناهج البحث في السياق الرقمي، مرجع سابق، ص 137-152.

(134) هذا ما أشار إليه الباحثون الذين شملهم العمل الذي أنجزه كل من سيرج برولكس وجوليان رويف، “إثنوغرافيا الجماعات في شبكة الإنترنت والميديا الاجتماعية”، مرجع سابق، ص 39.

(135) Commission Européenne, OPTEM, “Internet plus sur pour les enfants, étude qualitative dans 29 pays européens,” Rapport de synthèse, (May 2007), 76, “accessed November 3, 2021”. https://bit.ly/3qZ4aMs.

(136) Olof Larsson, “Tweeting the Viewer,” 135-152.

(137) Klaske Tameling, Marcel Broersma, De-converging the newsroom Strategies for newsroom change and their influence on journalism practice,” The International Communication Gazette 75(1): 19-34.

(138) أخذنا النموذج الذي قدمه الباحثان، سيرج برولكس وجوليان رويف، “إثنوغرافيا الجماعات في شبكة الإنترنت والميديا الاجتماعية”، مرجع سابق، ص 114-126، والمتمثل في أطروحة الدكتوراه التالية بعد أن قمنا بمراجعتها:

Irène Bastard, De proches en pages, de pages en proches: Exploration et réception des informations en ligne (Thèse de doctorat, Paris, Télécom Paris Tech, 2015), 444.

(139) الاستسقاط: مصطلح في علم النفس يدل على الربط التعسفي بين بعض الأحداث أو الأشياء المنفصلة عن بعضها، ولا تملك أي قاسم مشترك، لتحميلها معنى جديدًا غير كامن فيها.

(140) “السرنديبية”، تعني “الحادث السعيد” أو “المفاجأة السارة”، التي تحدث أثناء العثور بالصدفة على شيء طيب أو مفيد دون نية البحث عنه.

(141) Bruhn Jensen, “New Media, Old Methods,” 44.

(142) James P. Crutchfield, “The dream of theory,” Wires Wiley Interdisciplinary review, Vol. 6, Issue 2, (March/April 2014): 75-79. “accessed November 15, 2021”. https://bit.ly/3fXvYdQ.

(143) انظر: كريستين توير وآخرون، “ممارسات المشاهدة عبر الخط لدى الشباب: مناهج تقليدية وافتراضية ورقمية”، في ميلاني ميليت وآخرون، مناهج البحث في السياق الرقمي، مرجع سابق، ص 137-152.

(144) للنظر إلى اختلاف تجارب الصحف الثلاث، راجع:

David-Julien Rahmil, Moins d’articles, plus de journalistes et plus d’audience: la formule gagnante du journal, Le Monde, April 5, 2020, “accessed November 15, 2021”. https://urlz.fr/cl9t.

(145) نذكر منها على سبيل المثال: التناص (Intertextuality)، وما بين الميديا (Intermediality)، والعبر ميديا (Trans media)، والتفاعلية (Interactivity)، والوجود في كل مكان (ubiquity)، والآنية الإعلامية (Immediacy)، والقدارة (The Affordance)، والسرنديبية (Sérendipité) وتعني الحصول على شيء دون البحث عليه، وغيرها.

(146) انظر على سبيل المثال: محجوبة قاقو، “المجتمع الافتراضي وإشكالية تحديد منهج البحث السوسيولوجي: نحو بناء نموذج لدراسة التفاعلات الإلكترونية بواسطة الحاسوب”، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، (الأكاديمية العربية، المجلد الثامن، العدد 29، صيف 2019)، ص 89- 113.

(147) انظر على سبيل المثال:

– Nadia Hachemi Kemouche, Bahia Laradi Alliouche, “La stratégie de contenu digital pour susciter la participation d’une communauté de marque en ligne: “Exploration netnographique”,” Revue des sciences Sociale et Humaines, Vol. 21, no. 2, (December 2020): 785-802.

– Sara Berrached, Mohamed Cherchem, “Impact du Bouche à Oreille électronique Sur L’intention D’achat: Cas du Consommateur Algérien: Exploration Netnographique” Revue algérienne d’économie et gestion, Vol. 14, no. 2, (2020): 408-426

(148) توجد بعض الاستثناءات القليلة جدًّا التي حاولت الاقتراب من هذه المناهج، نذكر منها دراسة عبد الوهاب بوخنوفة، والتي استعمل فيها برنامج (MAXQDA2020) لتحليل النصوص الخاصة بمحتوى مساق: أخلاقيات الإعلام في الجامعات العربية والوقوف على مفرداته ومخرجاته. انظر: “واقع تدريس أخلاقيات الإعلام في الجامعات العربية، مناهج قديمة لبيئة إعلامية جديدة”، بحث غير منشور.

(149) بيَّنت الدراسة التي قامت بتحليل موقع الصحف الجزائرية في شبكة الإنترنت أنه لا يمكن إسقاط خاصية التفاعلية بمختلف أبعادها على هذه الصحف، وكشف استخدامها لمحرك “أليكسا” (Alexa.com) عن حقائق مذهلة حول متصفحيها/قرائها، مثل أن سنَّ المستخدمين يتراوح بين 34- 64 سنة! وهذا خلافًا للأفكار المسبقة عن عزوف كبار السن عن قراءة الصحف الرقمية لتمسكهم بالطبعة الورقية، بل يثبت عزوف أغلب الشباب عن قراءة هذه الصحف على الويب، وأن قسمًا كبيرًا من متصفحيها يقيم خارج الجزائر، وأن معدل ما يتصفحونه لا يزيد عن أربع صفحات من الصحفية، والوقت الذي يخصصونه لكل صفحة يتراوح بين دقيقتين و46 ثانية للصفحة!، وأن عدد متصفحي موقع صحيفة الوطن، أكبر الصحف الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية، من الإناث أكثر قليلًا من الذكور رغم أن محتواها ذكوري! …إلخ.

انظر: نصر الدين لعياضي، “الصحافة الجزائرية في بيئة الويب: إرهاصات التغيير”، المجلة الجزائرية للعلوم الاجتماعية والإنسانية، (جامعة الجزائر 3، العدد 6، يونيو/حزيران 2016)، ص 171-193.