مقدمة

تنبني المجتمعات العربية من الناحية الوجدانية على مركزية القرابة كمتلازمة ثقافية وأخلاقية. فبالرغم من التحولات الديمغرافية والاجتماعية التي مسَّت بعضًا من ملامحها العامة، لا تزال هذه البنية تمارس تأثيرات جوهرية على الشخصية القاعدية للإنسان العربي في شتى مجالات الحياة. ويعني ذلك أن الحداثة البيولوجية المرتبطة بانقلاب الوظائف السياسية والاجتماعية للدم لم تنفذ إلى العمق الذي يسمح لها بزحزحة إحداثيات بنى القرابة، وأن المبدأ البيولوجي الذي كشفت عنه الأنثروبولوجيا الانقسامية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ما زال يتولَّى هندسة المعتقدات والمواقف والسلوكيات المحددة للروابط الاجتماعية.

وبصرف النظر عن الأعراض الجانبية للتحديث الاجتماعي على مستوى التقلص العائلي، لا يزال عقد القرابة يُغذِّي الاقتصاد الأخلاقي للعلاقات الاجتماعية. ويبدو أن التغيير الذي طال الاتجاهات الثقافية الجماعية، قد أفضى -كما كان متوقعًا- إلى فردانية قرابية عمودية أضحت اليوم النموذج المهيمن للسيكولوجيا الثقافية. والحال أن هذا النموذج لا يخلو بدوره من التوتر الناتج عن الصراع بين التطلع إلى الحداثة الفردية وسطوة الأخلاق التي يفرضها عقد القرابة، وهو ما ينتج عنه ضرب من الهجانة الثقافية يستعصي أحيانًا على الإحاطة النظرية والأمبريقية.

يُنْظَر عادة إلى الارتباطات العائلية كعماد أساسي للعيش المشترك والعمران البشري. وتقوم وجهة النظر هذه على مصادرة مفادها أن هذه الارتباطات تزيد من قوة الرابط الاجتماعي وتساهم في تكثيف التبادلات بين المجموعات الاجتماعية. ويعتبر الإنسان العادي في هذا المضمار أن استقلالية الأفراد عن المحيط الأسري علامة على الفوضى الاجتماعية والانحطاط الأخلاقي للأفراد. غير أن صلاحية تلك المصادرة تظل موضع تساؤل حينما نأخذ في الحسبان مبادئ التنشئة الأسرية في سياقات ثقافية مختلفة. فقوة روابط القربى لا تستلزم بالضرورة توخي الإيثار والغيرية، خاصة في المجتمعات العاجزة عن إجراء فصل جوهري بين الفضاء المؤسساتي الذي تحكمه العقلانية القانونية، والفضاءات العائلية التي تخضع للغرائز الفطرية.

غير أن الارتباط العائلي لا يطرح تحديات كبيرة أمام السياسات العامة إلا إذا كان مصحوبًا بالتبريرات الأخلاقية المساهمة في تكريس التمايز وتجذير الرأسمال الاجتماعي، وبصيغة أكثر وضوحًا، حين تتسرب تأثيراته عن قصد من فضاءات التقارب الطبيعي إلى مجالات الاقتصاد والسلطة والاجتماع. ولا شك أن التحيز والمحاباة لفائدة مجموعات الانتماء، كمظاهر مألوفة للعائلية، تغزو بشكل مكشوف دواليب الأجهزة البيروقراطية والسياسية من المحيط إلى الخليج. ويؤشر ذلك في الواقع على عدم قدرة الدولة العربية بتشكيلاتها الإثنية والطائفية وثقافتها السياسية المتعددة، على التخلص من دور الجينيالوجيا الجينية في تشكيل الهياكل البيروقراطية منذ النصف الثاني من القرن العشرين. ولا غرو أن وراء ذلك عوامل بنيوية تغذِّي استراتيجيات إرادات الهيمنة التي تراقب الأشخاص والموارد على السواء، ساعية وراء التحكم في كمية الكوناتوس(Conatus) * الضرورية للبقاء في مواقع الصدارة(1).

تبحث هذه الدراسة في صنو خاص من العائلية يُصطلح عليه في أدبيات الأنثروبولوجيا السياسية بالعائلية غير الأخلاقية؛ وهي عبارة عن عقدة ثقافية تقوم على إجراء مفاضلة بين الأفراد في الحياة العامة والخاصة بناء على متغير درجة القرابة، وتقتضي بالمقابل أخذ الحيطة والحذر من الأغيار، بصرف النظر عن أساليب اللباقة السطحية التي تفرضها طقوس التفاعل في مجتمعات يزداد فيها رويدًا رويدًا استعمال أقنعة مزيفة من أجل تدبير التبادلات الاجتماعية بأقل تكلفة.

ينبني البحث على مصادرة ضمنية مفادها أن بنيوية عقد القرابة في الاجتماع العربي، يمنع الفضاءات العامة وعلاقات السلطة من الاشتغال على شاكلة الالتزامات التعاقدية. ولا شك أن هذه المعادلة، منظورًا إليها كبنية ماكروسياسية، تلقي بظلالها على الاتجاهات الفردية للمواطن العربي تجاه قضايا السياسة والحكامة المؤسساتية. غير أنه يجب التنبيه إلى أن ما يعتري المشهد المؤسساتي في بلدان العالم العربي لا يمكن ربطه اختزالًا بالفعالية السببية لبنى القرابة التي لا تشكِّل سوى عامل من بين عوامل أخرى جوهرية.

وتجدر الإشارة إلى أن أولوية المبدأ البيولوجي المؤسِّس للعائلية غير الأخلاقية ليست نتاجًا للبنية السياسية للدولة، ولكنها مبدأ متجذر في البنى الثقافية القاعدية لمجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولا شك أن العوامل الإيكولوجية كالمناخ وكمية الموارد المتوافرة، إضافة إلى التقسيمات الاجتماعية والإثنية واللغوية والعوامل الديمغرافية المتعلقة بأنظمة الزواج، توفر الشروط المثالية لفعالية العائلية غير الأخلاقية. ونثير الانتباه إلى أنه بالرغم من التباين الدلالي بين مفهومي أخلاق العائلية والعائلية غير الأخلاقية، فإننا نستعمل المفهومين بنفس المعنى تقريبًا وذلك بالنظر إلى كون أخلاق العائلية في الاجتماع العربي تنطوي ضمنيًّا على جانب مهم من انتهاك أخلاق التشارك وأخلاق المبادئ منظورًا إليها من زاوية فلسفة جون راولز (John Rawls)(2).

تحاول هذه الدراسة مقاربة العوامل التي تتحكَّم في تباين العائلية غير الأخلاقية في المجتمعات قيد الدراسة وتأثيراتها في مجال الثقافة السياسية. وتتناول دراسة العلاقات الإحصائية بين المتغيرات على المستوى المجتمعي، معتمدة قاعدة متنوعة للبيانات تم تحليلها باستعمال حزمة الأدوات الإحصائية للعلوم الاجتماعية (SPSS) وبرنامج (Process) لتحليل التوسطات التفاعلية بين المتغيرات المختارة.

  1. الإطار النظري والمنهجي للدراسة

يرتبط مفهوم العائلية غير الأخلاقية بشكل وثيق بالبحث الميداني الذي قام به عالم السياسة الأميركي، إدوارد بانفيلد (Edward Banfield)، في إحدى القرى الفقيرة بجنوب إيطاليا. وقد تُوِّجت هذه الدراسة التي أُنجزت بمعية زوجته الإيطالية الأصل، بنشر كتاب موسوم بـ”العائلية غير الأخلاقية: في الأسس الأخلاقية لمجتمع متخلف”(3). وقد اعتمد الباحث منهجًا متكاملًا يجمع بين الإحصائيات الإدارية والملاحظة الإثنوغرافية والدراسة البيوغرافية، إضافة إلى تمرير اختبارات نفسية وإجراء مقابلات مفتوحة مع الأهالي.

ويتمحور عمل بانفيلد حول فرضية مفادها أن البؤس الاجتماعي الخاص بالقرية الإيطالية يرتبط بشكل جوهري بسيادة روح ثقافية تتميز بالعجز السياسي للأهالي عن التعاون والعمل المشترك من أجل بناء الفعل الجمعي، ما عدا إذا كان الأمر يتعلق بالمصلحة المباشرة للأسرة. وتستقي هذه الروح طابعها غير الأخلاقي من كون معايير الخير والشر، والمباح والمحظور واللائق والمكروه لا تتجاوز في اشتغالها المبدئي الدوائر الاجتماعية التي تحكمها أخلاق القرابة. ويستتبع ذلك أن السعي وراء المصالح المادية المباشرة لأفراد المجتمع يفسر الاهتمام الانتقائي قصير المدى ببعض مظاهر الحياة العامة؛ حيث يغدو السلوك الانتخابي، على سبيل المثال، شكلًا من أشكال المقايضة التي تقدر بالثمن، عوض التعبير عن القناعات السياسية للأفراد. لا مندوحة أن هذه الخصائص المميزة للمناخ النفسي-الاجتماعي ستجعل من الارتباط العائلي الملاذ الوحيد ضد تقلبات الحياة وقسوة الروابط الاجتماعية، وتحصر المبادئ الفضلى في الدوائر العائلية الضيقة.

لقد أسهم هذا العمل ذائع الصيت في إلهام الباحثين في مختلف أنحاء العالم لدراسة الشروط الثقافية للرأسمال الاجتماعي والأخلاق المدنية. والواقع أن الدراسات المتعددة التي تناولت الأبعاد العلائقية لبنيات القرابة في المجتمعات العربية، قد كشفت عن حضور زمرة من الأعراض الشبيهة بمتلازمة العائلية غير الأخلاقية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين المجال العائلي والفضاءات البيروقراطية. وقد شكَّلت مظاهر الغيرة والحذر الاجتماعيين إضافة إلى التنافس والمحاباة العائلية متن الخطاب الأنثروبولوجي الذي تكلف عناء فحص التماسك الاجتماعي المبني على الارتباطات الغريزية. والحقيقة أن الصورة التي نحتها هذا الحقل المعرفي للروابط الاجتماعية في دار الإسلام لا تخلو من الجدية والصرامة العلمية؛ فقد أسهمت طلائع الإثنوغرافيين والأنثروبولوجيين، كل على طريقته، في تحديد الخطوط العامة للسيكولوجيا الثقافية(4) الناتجة عن تبوؤ أخلاق العائلية مكانة الصدارة واشتغالها في الآن نفسه كحماية وكطغيان(5). وتتحدد هذه السيكولوجيا في هيمنة ملمح الشخص الترابطي العاجز عن فك الارتباط مع النموذج المعياري للعائلية، ويشكِّل هذا الملمح منزلة هجينة غير واضحة المعالم حين يتم فحصها من زاوية الاتجاهات الجماعية والفردانية(6).

يرتكز البناء الاجتماعي للنموذج المثالي للشخص في الثقافة الاجتماعية العربية على احترام الحقوق العائلية وخدمة أهداف الارتباطات الغريزية. وبالرغم من الرجَّات التي أسفرت عنها الحداثة في بنيات القرابة لا تزال الرنة الطوباوية للواجبات العائلية تحظى بتقدير اجتماعي رفيع؛ إذ يتوقع معظم الناس أن يتصرف المسؤول في المجالات السياسية والإدارية تصرف القريب لا تصرف البيروقراطي بالمعني الفيبري للكلمة، وهو ما يسمح لمتغيرات القرابة بالاستئثار بقسط وافر من الموارد العامة بشكل غير مشروع، مما يعني أن وراء مظهرها الوجداني الخادع أبعاد أداتية تتجسد في تبادل المنافع والمصالح والخدمات الاجتماعية، مما يجعل منها نمطًا من المحسوبية المؤسَّسة على تمثل للواقع يتوسل فيه بشدة إلى آليات القرابة.

لا يعني هذا بالطبع أن علاقات الولاء والخضوع ترتد في مجملها إلى السجلات الدموية. فإذا كانت العائلة ترعى وتتوسط وتشفع عند الاقتضاء، مقابل الانضباط شبه الانعكاسي لأخلاق لا يمكن التصريح بها ولكن يمكن الإحساس بفعاليتها الحثيثة، فإن الشخص في الثقافة الاجتماعية ليس عائليًّا فحسب، ولكنه كائن ينخرط بالرغم من أنفه في دوائر مترابطة(7) تبتدئ بالأسرة وتنتهي بالسلالة الحاكمة، مرورًا بالدوائر الوسيطة كالقبلية والعرقية والمناطقية والمذهبية. ويجب التنبيه إلى أن القول بسيادة العائلية غير الأخلاقية، لا يجب أن يستفاد منه، وفقًا لتأويل رومانسي، تصور مثالي للعلاقات بين الأقارب، يخلو من الصراعات المفتوحة والخفية.

يوجد وراء المحاباة العائلية نموذج للتنشئة الاجتماعية يهيمن عليه نزوع ثقافي طموح إلى تأكيد الصدارة الاجتماعية للأقارب على حساب الغير. ويستمد هذا النزوع ديناميته من خزان أخلاقي كشف البحث الإثنوغرافي النقاب عن بعض مظاهره التاريخية. والملاحظ أن هذا الخزان لا يزال يشتغل بين ظهرانينا، في غفلة مدهشة عن خطابات العقلنة السياسية التي تبدو أقل انفلاتًا من المنطق الغريزي. إن رب الأسرة المغربي، كما يقول جورج هاردي (George Hardy)، يفعل كل ما في وسعه من أجل نقل أسرار حرفته إلى ابنه اليافع، وإذا حدث أن فشل في مسعاه بسبب تقاعس هذا الأخير، يحمل الأب أسراره معه إلى لحده. ويضيف هاردي في عبارة بليغة: “لو كان باستور مغربيًّا، لتمكن من جني أرباح طائلة، ولكن بعد مماته، سيهلك المجتمع بداء الكلب”(8).

لا تقتصر هذه الخطاطة الأخلاقية على الاجتماع المغربي بتشكيلاته الاجتماعية والإثنية المختلفة، ولكنه يشكِّل، وإن بدرجات متفاوتة، سمة ثقافية للروابط الاجتماعية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط(9). إن العصاب الجماعي الذي يغذِّي هوس المساواة السطحي في المجتمعات العربية لا يعبِّر عن انتقال ثقافي إلى قيم الفردانية الأفقية(10). على العكس من ذلك تمامًا، إنه يعبِّر في العمق عن وسواس جمعي مجبول على ابتغاء التفاضل الاجتماعي. ويمكن للملاحظ أن يجازف بالقول بأن الرغبة الجامحة في تجاوز الأقران تنهل بلا شك من التنشئة العائلية وأخلاقها التنافسية(11). ويبدو أن هجاس الألقاب والسمو، في سياق ثقافة سياسية تشكو من قلة الفرص وتعاني، بشكل مزمن، من انغلاق المنافذ، لا يعبِّر عن الفردانية العمودية التي تفترض استقلالية الأفراد وتطلعهم إلى تأكيد سلطة الذات(12).

صحيح أن أعراض المحاباة العائلية لا تعكس دائمًا، كما هي الحال في الطب، الحالة المرضية التي أسهمت في ظهورها. وبالتالي، فالتوقف عند المستوى السطحي دون التساؤل عن الأسباب الفعلية الكامنة وراءها أشبه بتسجيل أعمى للتصريحات التي يبوح بها المريض، معتقدًا أنها تشكِّل جوهر علَّته(13)؛ وهو ما يتعارض مع تقليد أبوقراط في ضرورة استقصاء باطن الأمور. ينطبق القياس نفسه على العوارض المستعملة كتعبير عن العائلية غير الأخلاقية في المجتمعات العربية. فالمظاهر المتشابهة لا ترتد بالضرورة إلى نفس الأسباب، وهذا ما يطرح معضلة تأويل الأعراض وتكييفها في العلوم الاجتماعية والطب على السواء(14).

إن الوعي بهذه المعضلة يفسح المجال لأخذ التباينات الخاصة بالعوامل الإيكولوجية والاقتصادية والثقافية في الحسبان؛ وهو ما يعني أن محددات العائلية كما تراءت لـ”بانفيلد” في جنوب إيطاليا غير قابلة للإسقاط على الجغرافية الثقافية للعالم العربي بمشاربها المتعددة. فالبحث في جينيالوجيا أخلاق المحاباة ذات المصدر القرابي وانعكاساتها السياسية والمؤسساتية يجب أن يندرج في التاريخ الاجتماعي-الثقافي والبيولوجي السحيق للمجتمعات العربية. وستتم مقاربة هذا التاريخ بمتغيرات بيولوجية وديمغرافية وثقافية أبعد، قدر المستطاع، عن السرد المثالي الذي طالما ميَّز التعامل مع التاريخ المتبخر للشعوب.

تنطلق منهجية الدراسة من خلفية مفادها أن متلازمة المحاباة العائلية في المجتمعات العربية، منظورًا إليها من زاوية محدداتها، هي سليلة عقدة ثقافية-أخلاقية تتجاوز البناء الفينومينولوجي للعالم المعيش، بما يقتضيه ذلك من اختيارات عقلانية أو دوافع أكسيولوجية، لتضرب بجذورها في سطوة عوامل بنيوية تتجسد في الاقتصاد والبيولوجيا والمناخ والثقافة. وتجدر الإشارة إلى أن تحليل المعطيات يسلك مرحلتين متكاملتين:

أ- المرحلة الأولى: تتعلق بدراسة التأثير الذي تمارسه المتغيرات المستقلة في تباين أخلاق المحاباة العائلية على المستوى المجتمعي. وفي هذا الإطار، تم إدراج البيانات الخاصة بـ180 دولة من بينها 15 بلدًا عربيًّا. ويتعلق الأمر بالمغرب، والجزائر، وتونس، وموريتانيا، وليبيا، ومصر، والسودان، واليمن، والسعودية، وسوريا، ولبنان، والعراق، والأردن، وعُمان، والكويت.

ب- المرحلة الثانية: تشمل دراسة التأثير الذي تمارسه أخلاق العائلية على المتغيرات السياسية التابعة كما يوضحها الجدول أسفله. ويتعلق الأمر بالديمقراطية الفعلية والفعل الاحتجاجي والديمقراطية التوزيعية وغيرها من المتغيرات السياسية. وتسمح نتائج الدراسة بانكشاف أحد العوامل الكابحة للانتقال الديمقراطي في البلدان العربية وتقدير الوزن السلبي الذي يرهن من خلاله مستقبل الوجودية السياسية ويمنع تفتق طاقات التغيير الاجتماعي والسياسي. وتغطي البيانات قيد الدراسة العوامل الثقافية والديمغرافية والإيكولوجية والاقتصادية والسياسية.

 

جدول رقم (1) يوضح متغيرات الدراسة

 

العوامل الإيكولوجية

وفرة مصادر المياه الباردة(15)  
قلة/وفرة الأوبئة الفتاكة(16)
البعد الجغرافي عن أصل الجنس البشري(17)
 

المتغيرات السوسيولوجية والثقافية والاقتصادية

أخلاق العائلية(18)
قيم التحرر والفردانية(19)
التقدم الصناعي والتكنولوجي(20)
 

 

المتغيرات السياسية

 

الديمقراطية الفعلية(21)
العدالة التوزيعية(22)
الفعل الاحتجاجي(23)
شكل النظام السياسي(24)
الرعب السياسي(25)

وقد تم اعتماد قاعدة معطيات المؤتمر الاقتصادي العالمي لسنة 2016 حول عدد الأقارب الذين يشتغلون في المؤسسات الاقتصادية لبناء متغير أخلاق العائلية(26)، لكن بالنسبة لبعض الدول العربية التي تعتمد في اقتصادها على العمالة الأجنبية تم اللجوء إلى معطيات البحث الدولي حول القيم (World Values Survey)**. ويكشف الجدول أسفله نتائج التحليل العاملي الاستكشافي وطبيعة البنود المختارة كأفضل تعبير متاح عن المتغير المركزي لهذه الدراسة. وقد تم حساب المعدلات الوطنية لأخلاق العائلية من خلال إجابات المبحوثين على أسئلة الاستبيان الخاص بالبحث الدولي؛ حيث توضح العوامل المستخرجة مكونات المتغير المدروس. وتصل نسبة التباين الإجمالي إلى ما يقارب 63.30%.

يبيِّن التحليل العاملي أن العائلية غير الأخلاقية تنبني على ثلاثة عوامل؛ تشمل: الحذر من الغير، والتنشئة على الارتباط، وأهمية العائلة. وتعبِّر القيم المندرجة تحت كل عامل عن درجة تشبع البنود بكل عامل على حدة.

جدول رقم (2) يبرز نتائج التحليل العاملي لبنود العائلية غير الأخلاقية

م  

البنــــــــــــــــــود

العوامل الأساسية (%)
الحذر من الغير التنشئة على الارتباط أهمية العائلة
1 الاعتقاد بأن الآخرين قد يستغلونك 0,868
2 عدم وضع الثقة في معظم الناس 0,866
3 تربية الناشئة على الخضوع 0,771
4 رفض استقلالية أفراد الأسرة 0,736
5 العائلة مهمة جدًّا 0,745
6 الأصدقاء غير مهمين في الحياة 0,744
نسبة التباين المُفَسِّرَة 25.90% 18.90% %18.50

 

  1. التباين في أخلاق العائلية: الجذور البعيدة لفينومينولوجيا محاباة الأقارب

تضرب أخلاق العائلية، كممارسة ثقافية واجتماعية، بجذورها في العديد من العوامل البنيوية التي يمر تأثيرها عبر منظومات القيم المرتبطة بالفقر والندرة الاقتصادية وشظف العيش؛ ولا تتحول هذه الأخلاق بين عشية وضحاها، بل تبقى رهينة مبدأ الاستقلالية الوظيفية الذي يضمن استمرارها حتى خارج الظروف المادية التي مهدت لنشأتها، مما يعني أن استمرار عقد القرابة الذي يُغَذِّيه المبدأ البيولوجي لا ينكفئ بسهولة إلى الوراء تحت تأثير التحديث المؤسساتي والاجتماعي، وهو ما تؤشر عليه حالة المحاباة في المجتمعات العربية.

1.2. المحاباة العائلية في العالم العربي: أوج في زمن الحداثة السائلة

تستفحل ظاهرة العائلية في المجتمعات العربية بشكل ملموس. وبالرغم من كونها تنتمي إلى العوالم الخفية للسياسة التحتية للحاكمين والمحكومين على السواء، فإنها تنكشف بشكل سافر على مستوى الممارسات اليومية في الفضاءات العامة. وقد أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تعرية هذه الممارسات على الملأ في معظم الدول العربية، وذلك من خلال التلصص حول التدخلات الخفية للمسؤولين العموميين وكشف خيوطها الدقيقة. والملاحظة المثيرة للانتباه أنه يندر وجود مسؤولين سياسيين أو إداريين بدون أقرباء في مؤسسات الدولة العربية. ويعبِّر ذلك في الحقيقة عن طبيعة الفساد الذي ينخر الأجهزة السياسية والبيروقراطية في العالم العربي(27). ويبدو أن هذه المعضلة الأخلاقية والثقافية تستشري في قطاعات الاقتصاد والإدارة والسياسة ولا تستثني أيضًا فضاء الجامعات والبحث العلمي الحافلة بالنخب المثقفة. ويُعْزَى ذلك إلى استثمار المحاباة العائلية من أجل الحصول على الألقاب المدرسية الضرورية لولوج الوظائف العامة. أما المجال السياسي، فيشكِّل بدون أدنى شك، مستنقعًا لأخلاق العائلية، بصرف النظر عن طبيعة الأطياف المتنافسة.

رصد جون واتربوري (John waterbury)، منذ ما يزيد عن أربعين سنة، طبيعة التحالفات العائلية العابرة للأحزاب السياسية المغربية والتي تخدم استراتيجيات الحفاظ على التمايزات الاجتماعية، مع ما يستلزم ذلك من مصالح مادية ورمزية رفيعة(28)، وهي المعاينة نفسها التي توصل إليها علي بن حدو في دراسة قيمة حول نخب المملكة(29). وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2016، فرض قياديو الأحزاب السياسية أقرباء لهم من الشباب والنساء في اللائحة الوطنية لكي يستفيدوا بأقل تكلفة من الأصوات المحصَّلة على مستوى اللوائح المحلية. وقد انخرط الإسلاميون بدون تردد في هذه المعادلة وذلك سيرًا على نهج الأطياف السياسية الأخرى.

إن السعي نحو الثراء وتكديس الثروة في العالم العربي يسلك طرقًا ملتوية تنطلق من السياسة في اتجاه الاقتصاد. وقد سجل الملاحظون أن الانفتاح الذي عرفه الاقتصاد السياسي في البلدان العربية قد شهد صعودًا مرضيًّا للسلطة الاقتصادية للأقرباء وأصهار صانعي القرار، في الوقت الذي يضرب فيه طوق جبائي-بيروقراطي شديد على ذوي المبادرات الحرة(30). ويسهم الاستثمار المؤسساتي لأخلاق العائلية في صناعة النخب التي تتصرف بالوكالة وتتبادل الخدمات والمنافع. وغالبًا ما تستغل هذه النخب النفوذ السياسي لصانعي القرار لتتملص من الضرائب وتستفيد من الريع وتحتكر مجالات ومواقع تغري بالثراء السريع. وهو ما يعني أن الدولة كتجسيد للعقل والمشاعر المدنية تعترضها صعوبات فينومينولوجية جمة تتجلى في تصورها من طرف المجموعات الاجتماعية والسياسية كمجال رحب لمحاباة الأقارب، من خلال إسناد المناصب لفائدة زمر تفتقد إلى الإرادة الأخلاقية في التغيير. ومما لا شك فيه، أن هذه العقدة الثقافية-السياسية قد أعاقت تشكيل الدولة في صدر الإسلام على أسس غير تلك المرتبطة بالنوازع الفطرية(31). ويبدو أن فشل قيام الدولة بالمعني الهيجلي في هذه الجغرافية الثقافية يعود إلى نزوع المجتمعات السياسية العربية نحو إخضاع التطور المؤسساتي لمقتضيات المنطق الجيني(32).

إن احتمال وجود أقرباء في المؤسسات العامة، وكذا في المؤسسات الاقتصادية الخاصة بالمجتمعات العربية، يتجاوز بشكل لا جدال فيه المجتمعات الأخرى، وهو ما تكشف عنه نتائج تحليل التباين الأحادي الذي تحتل فيه أخلاق العائلية وضعية المتغير التابع.

شكل رقم (1) يوضح تباين أخلاق العائلية حسب المجتمعات

تؤكد نتائج التباين وجود فروق جوهرية دالَّة بين المجتمعات العربية ومجتمعات أميركا اللاتينية والمجتمعات الغربية فيما يخص المعدلات المحصل عليها على مقياس العائلية (F=42.41 ; p<0.001). وتدل هذه الفروق على وجود اختلافات ثقافية في التعامل مع الأقارب في الفضاءات والمؤسسات العامة؛ حيث تتربع المجتمعات العربية بدون منازع على المعدلات العليا، وهو ما يجعل منها مجتمعات للمحاباة العائلية دون أدنى شك.

وتحتل كل من موريتانيا واليمن ومصر والسودان المراتب المتقدمة على سلم هذه العقدة، بينما ترجع المراتب الأخيرة للبحرين والمغرب وتونس والأردن ولبنان وسوريا وتتموقع السعودية والجزائر والعراق والكويت في الوسط. ولكن هذه الفروقات الملاحظة تكتسي دلالة ضعيفة في معظم الأحيان، مما يعني أن المحاباة العائلية تشكِّل خاصية ثقافية مشتركة بين المجتمعات العربية قيد الدراسة. وتكشف هذه النتائج عن إحدى البنيات الثقافية المهيكلة للاجتماع في المجتمعات العربية وتعبِّر عن فشل تيارات الحداثة في إلحاق الرضوض بالعلاقات التي تجمع الإنسان العربي بأقاربه.

شكل رقم (2) يبيِّن ترتيب المجتمعات العربية حسب أخلاق العائلية

2.2. الجذور البنيوية للعائلية غير الأخلاقية: من الأصل الجغرافي للجنس البشري إلى قيم التحرر

يُنظر إلى الثقافة في التقليد الأنثروبولوجي كمجموعة من الحلول التي يبتدعها الإنسان لمواجهة المشاكل التي تطرحها الأنساق الإيكولوجية بمكوناتها المختلفة (33). والواقع أن المحاباة العائلية، كعقدة ثقافية، لا يمكن فصلها عن هذا الطرح كما سنبيِّن ذلك لاحقًا اعتمادًا على الاختبارات الإحصائية. وإذا كانت الثقافة تتوسط العلاقة بين العوامل البنيوية وأنماط من الاتجاهات حيال مجموعات الانتماء، فإن دراسة هذه العلاقة من الناحية الجينيالوجية يستلزم ربطها بمؤثرات خارجية موغلة في القدم ومستمرة في الحاضر المعيش (34). فقد انتبه الباحثون إلى دور المناخ في التكريس الاجتماعي للمحاباة العائلية ويعزون ذلك إلى تأثيره غير المباشر في تشكيل منظومة القيم الترابطية (35) وكذا ما يسميه ريتشارد داوكينز (Richard Dawkins) بـ “الجين الأناني”(36).

يسهم المناخ في تباين التهديدات والمخاطر التي تحدق ببقاء الجنس البشري؛ فندرة الحاجيات الضرورية للعيش عادة ما ترتبط بطبيعة المناخ الذي تُعَرِّض قساوتُه الحارة أو الباردة الجنسَ البشري لمختلف أنواع العوز(37). وينتج عن ذلك أنماط من السيكولوجيا الثقافية تتميز بالتنافس الشديد حول الموارد مع انتشار مشاعر الحيطة والحذر، مما يدفع الأفراد إلى التمسك بالمجموعات التي تضمن التقارب الطبيعي، وهو ما يشكِّل مجالًا خصبًا لمحاباة الأرحام.

إضافة إلى عامل المناخ، تسهم الأنساق الإيكولوجية الفقيرة في تكريس هذه المتلازمة الثقافية من خلال تكثيف المخاطر المحيطة بالبقاء على وجه البسيطة. لذلك من المفترض أن تكون المجتمعات القاطنة بالمناطق القاحلة والخاضعة لقساوة المناخ أكثر استعدادًا من غيرها لتشجيع متلازمة العائلية غير الأخلاقية وذلك كاستراتيجيات ثقافية لضرورة التعاضد والتضامن الضيق في سياقات عدوانية.

وبناء على ما سبق، ستشكِّل التوليفة بين المناخ المعتدل ووفرة الموارد، الشرط الإيكولوجي المثالي لنشأة منظومات قيمية مغايرة للعائلية غير الأخلاقية. ولا غرو أن مؤشر وفرة مصادر المياه الذي صممه كريستيان ويلزل (Christian Welzel)(38) لدراسة السوابق الإيكولوجية المؤهلة للتقدم التكنولوجي يُعَدُّ خير مُعبِّر عن التوليفة سالفة الذكر. يتكون هذا المؤشر من ثلاثة متغيرات، نوردها باقتضاب كما يلي:

  1. مناخ يميل إلى البرودة نسبيًّا.
  2. تساقطات مستمرة على طول الفصول.
  3. وجود أنهار قابلة للملاحة بشكل دائم.

يُنظر من الناحية الثقافية والاقتصادية إلى وفرة مصادر المياه الباردة كعامل مساعد على الثروة الزراعية والفلاحية بأقل تكلفة ممكنة؛ حيث تصبح الحاجة إلى العائلة الممتدة من أجل السيطرة على الموارد غير ضرورية، وهو ما يعني أن فرص تشكُّل سلطة سياسية تراقب الأفراد من خلال احتكار المياه والموارد تكاد تكون ضعيفة. إن الأمن الاقتصادي الذي تسمح به وفرة مصادر المياه يسهم في بناء بنية سياسية لا تحتاج إلا قليلًا لإعمال متلازمة الأخلاق العائلية. تبيِّن نتائج تحليل التباين الأحادي وجود فروق دالَّة بين المجتمعات فيما يتعلق بمؤشر مصادر المياه. ويُظهر الشكل موقع المجتمعات العربية المنخفض مقارنة بالمجتمعات الغربية.

شكل رقم (3) يوضح تباين معدلات وفرة المياه حسب المجتمعات

لكن ثمة سؤال يتعلق بطبيعة الأفق التأويلي الذي يجب أن يندرج فيه فهم النتائج: ما الذي يجعل المجتمعات العربية تحتل ذلك الموقع المتدني على مستوى هذا المتغير الإيكولوجي؟

يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال الرجوع إلى المسافة التي قطعها الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ انطلاقًا من غرب إفريقيا التي شهدت حسب الدراسات العلمية ظهور الإنسان العاقل (39). وهو ما يعني أن استفادة المجتمعات من مصادر المياه رهين بالمسافة الجغرافية التي قطعها أسلافهم انطلاقًا من إثيوبيا إلى موطنها الحالي (40). ومما لا يدع مجالًا للشك، أن الشعوب التي ستشكِّل لاحقًا المجتمعات العربية قد ظلت تتحرك أفقيًّا على نفس خطوط العرض التي تتموقع عليها تقريبًا إفريقيا الشرقية، ويعني هذا أنها لم تبرح إلا قليلًا النطاق المناخي ذاته. فقد قلَّ توجُّهها إلا نادرًا تجاه الشمال؛ حيث يرتفع شيئًا فشيئًا احتمال التعرض لتباين المناخ، وبالتالي الوصول إلى المناطق التي تحفل بمصادر المياه الباردة. ويبيِّن الشكل (رقم 4) الفروق بين المجتمعات فيما يخص المسافة الجغرافية عن القرن الإفريقي؛ حيث يتضح أن الشعوب العربية لم تبرح إجمالًا الخطوط الجغرافية الأفقية وذلك بالرغم من طابع الغزو الذي ميَّز الفتوحات الإسلامية.

شكل رقم (4) يبيِّن المسافة الجغرافية عن الأصل البشري

هناك نمط آخر من الأمن الوجودي الذي تسمح به وفرة مصادر المياه الباردة ويتعلق بقلة الأوبئة؛ فالمناخ البارد نسبيًّا ووفرة المياه الجارية، تشكِّل عائقًا أمام تشكُّل وانتقال العدوى. وتسهم هذه العوامل في تواصل الأفراد وانفتاح بعضهم على بعض عوض التقوقع حول المجموعات الدموية مخافة الإصابة بالأمراض الفتاكة (41). ويوضح الرسم البياني رقم (5) أن المجتمعات العربية تقع ضمن المناطق الأكثر عرضة لسطوة الأوبئة؛ مما يفرض عليها اللجوء إلى أشكال للتنظيم الاجتماعي ومنظومات من القيم من أجل الحفاظ على البقاء. ويُعَدُّ الارتباط المجالي والوجداني بالأقرباء والتوجس من الغرباء أهم هذه الاستراتيجيات على الإطلاق.

شكل رقم (5) يوضح توزيع التعرض للأوبئة حسب المجتمعات

إن الأمن الاقتصادي والوجودي المرتبط بالمناخ ووفرة الموارد وقلة التعرض للأوبئة القاتلة يوفر الشروط المثالية للتقدم الصناعي والتكنولوجي؛ فمن المتوقع أن تُبْدِي المجتمعات التي تتوفر فيها مشاعر الإحساس بالأمن استعدادًا أكثر من غيرها للتقدم الصناعي، وهو ما تكشفه نتائج تحليل التباين (الشكل رقم 6)؛ حيث تسجل المجتمعات العربية معدلات متدنية مقارنة بالمجتمعات الغربية. ولا غرو أن التحولات الاجتماعية والثقافية المصاحبة للتقدم التكنولوجي تنعكس على البنيات الاجتماعية والمنظومات القيمية على السواء، مساهِمة بذلك، عبر مسار طويل، في النزوع نحو قيم الاستقلالية والانعتاق من رقابة الجماعاتية.

شكل رقم (6) يظهر تباين التقدم الصناعي حسب المجتمعات

إن هذا المسار الطويل الذي يضرب بجذوره في عصور ما قبل التاريخ قد بدأ يتخذ مضمونًا قيميًّا ترتخي معه أخلاق العائلية كمنتوج مباشر لبروز متلازمات ثقافية تميز المجتمعات المعاصرة إلا أن المجتمعات العربية لا تزال تتمسك بالعنصر البيولوجي سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي، وهو ما يفسر إلى حد بعيد سبب تخلفها.

إن ارتفاع منسوب العائلية غير الأخلاقية في المجتمعات العربية يرتبط بشكل مباشر بضعف قيم الانعتاق والاستقلالية وإفلاس مضمون الأخلاق الناتجة عنها. كما أنها تنحدر بشكل غير مباشر من سلسلة من المتغيرات البنيوية التي تمارس تأثيرها عبر وساطة القيم الثقافية. ويوضح الشكل رقم (7) مختلف العلاقات التوسطية التي تنتهي إلى أخلاق العائلية، حيث تم تصميمها وفق نموذج أندرو هايس (Andrew Hayes) حول التوسط التسلسلي (42).

 

شكل رقم (7) يبيِّن نتائج التوسط التسلسلي بين المتغيرات المؤثرة في أخلاق العائلية

تؤكد النتائج التي تم التوصل إليها بواسطة هذه التقنية ضلوع المسافة الجغرافية عن أصل الجنس البشري ووفرة مصادر المياه الباردة في تخفيض حدة العائلية غير الأخلاقية بشكل غير مباشر وذلك عبر وساطة السلسلة المكونة من قلة المخاطر المتعلقة بالأوبئة والتقدم التكنولوجي وقيم الاستقلالية الفكرية والأخلاقية. ويبدو واضحًا من خلال النتائج أن قيم التحرر (الاستقلالية) تمارس تأثيرًا عكسيًّا مباشرًا على متلازمة العائلية غير الأخلاقية، بحيث تسهم بشكل لافت للنظر في تقلص اللجوء الاجتماعي إلى هذه المتلازمة. ويعني ذلك أن المجتمعات التي تعرف انتشارًا كبيرًا لهذا الصنو من القيم تميل إلى التصرف وفق أخلاق كونية لا دموية خاصة في المجالات العامة. غير أن هذه القيم لا تأتي من الفراغ ولا تنزل من السماء، ولكنها ترتبط بالثورات الصناعية والتقدم التكنولوجي ومنظومات التحضر التي تلعب دورًا لا يستهان به في تغيير العقليات والأنماط الثقافية. ويبدو أن هذه المتغيرات الوسيطة تتدخل أيضًا بشكل فعال في التأثير في متلازمة العائلية غير الأخلاقية إضافة إلى مفعولها غير المباشر. ويوضح الشكل أعلاه نتائج التوسط التسلسلي بين المتغيرات قيد الدراسة.

  1. الانعكاسات السياسية لأخلاق العائلية: الأخلاق كتقويض للديمقراطية في العالم العربي

تندرج العائلية غير الأخلاقية ضمن السجلات المتنوعة للنوازع الفطرية، وتميل عادة إلى الاشتغال وفق نمط من السياسة التحتية التي تظل نسبيًّا طي الكتمان، لكنها لا تستطيع الفرار من الازورار الاجتماعي الذي يلاحق بدون رحمة فضائحيتها المنبوذة من زاوية أخلاق المبادئ. بالطبع، ليست انعكاساتها من الزاوية السياسية مرغوبًا فيها بشكل قصدي، وإنما تأخذ عادة صبغة الأضرار الجانبية غير المتوقعة كما هو الأمر في التقليد السوسيولوجي عند رايمون بودون (Raymond Boudon) (43). فالسلوكات المطبوعة بأخلاق العائلية في المجتمعات العربية لا تنفك، دون أن تدرك ذلك على الوجه الصحيح، تنتج آثارًا كابحة لتفعيل مؤشرات الحداثة السياسية في العالم العربي، وهو ما يظهر بشكل جلي عند فحص مفاعيل هذه المتلازمة الثقافية على المستوى الديمقراطي.

ليس هناك مفهوم واحد للديمقراطية في أدبيات علم السياسة، وبالرغم من التنافر الذي يميزها، توجد هناك منطقة وسط حقوقية تكاد تكون مقامًا مشتركًا للأطروحات النظرية المعاصرة. ويتعلق الأمر بأولوية المشاركة السياسية من جهة، مع ما يقتضي ذلك من قوانين ومؤسسات تمثيلية وتداولية، ومركزية احترام الحرية والاستقلال الذاتي للأفراد في حياتهم الخاصة من جهة أخرى. وبناء على هذه العناصر، تم التمييز بين الديمقراطية الشكلية والديمقراطية الفعلية. وقد حظيت هذه الأخيرة باهتمام نظري وأمبريقي في البحث السياسي، تجسَّد بالتحديد في المحاولات المتعددة لبناء نموذج يميل إلى الشمول ويسمح بتغطية مختلف العناصر الكفيلة بجعل الديمقراطية تضع نصب أعينها تحرير كينونة الإنسان من القوى الخفية والعلنية للتسلط (44). وسنعتمد في دراسة العلاقة بين المتغيرات قيد الدراسة على التصور الإجرائي الذي صاغه ويلزل وإنكلهارت بخصوص مفهوم الديمقراطية الفعلية (45)، وهو التصور الذي يجعل منها مؤشرًا مركبًا من العناصر التالية: مدى الاحترام الفعلي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، ونزاهة النخب الحاكمة، وانتخابات حرة ونزيهة، ووجود مؤسسات وقوانين ناجعة تضمن التحقق الفعلي للعناصر سالفة الذكر.

ولكن هذا الاختيار لا يبدو البتة كافيًا؛ إذ نعتقد بأن العلاقة بين أخلاق العائلية والديمقراطية الفعلية ليست علاقة مباشرة فحسب، ولكنها تمر أيضًا عبر آليات غير مباشرة. وقد قادنا الحدس في هذه النقطة بالذات إلى طرح عامل زواج الأقارب كمتغير توسطي، وذلك باعتبار أن أخلاق العائلية من شأنها تمهيد الطريق لبروز اقتصاد تبادلي للزيجات يتوخى الوفاء للارتباطات المجالية والاجتماعية المسنودة بأنثروبولوجيا الوظائف الدموية. وقد اكتشفنا بعد ذلك دراسة قيمة تستعمل طريقة النمذجة البنائية في دراسة العلاقة غير المباشرة بين العوامل الاقتصادية والثقافية والإيكولوجية من جهة ومستوى الديمقراطية من جهة أخرى وذلك عبر وساطة زواج الأقارب. وتوفر هذه الدراسة معطيات كمية تغطي معظم المجتمعات العربية (46).

إن إدراج زواج الأقارب كمتغير وسيط في دراسة العلاقة بين أخلاق العائلية والديمقراطية الفعلية يكتسي تبريره من تصلب الثقافة الفطرية المبنية على التقارب الطبيعي في المجتمعات العربية. ولعل استمرار زواج الأقارب (47) يُعَدُّ خير تعبير ديمغرافي على التشبث الشديد بهذه الثقافة. ويبدو أن أطروحة ويليام روبرتسون سميث (William Robertson) (48) حول العلاقة بين القرابة والزواج لا تزال تتمتع براهنيتها في مجتمع يستثمر كثيرًا في المظاهر الفيزيقية للحداثة دون أن يمس ذلك الاستثمار في الجواهر الجوانية للحياة النفسية (49). ويذهب سميث بعيدًا بالقول: إن تقديس التآخي شبه الدموي والإيمان بأسطورة الجد المشترك يشكلان دليلًا على عدم قدرة الثقافة العربية على تصور الوحدة والنظام الاجتماعيين خارج مقولات القرابة (50)، لذلك تبدو المواقف والسلوكيات المرتبطة بها في انسجام عجيب مع الفهم الاجتماعي للقانون. وهو ما سجله لورانس راوزن (Lawrence Rawson) مع أحد مستجوَبيه المغاربة (51).

تجد هذه الأطروحات صداها في نتائج الاختبارات الإحصائية؛ إذ إن فينومينولوجيا القرابة لا تنفك تتعارض مع الأسس السيكولوجية والثقافية للديمقراطية الفعلية في المعنى الذي أشير إليه سلفًا. إنها تشتغل كَمِعْوَل ينسف بقساوة نزاهة النخب ويفتك بالحقوق والحريات الأساسية، فضلًا عن تحايله حيال مهماز الشكلانية المؤسساتية. وتشير النتائج -كما مُبَيَّن في الشكل رقم (8) – إلى أن أخلاق العائلية تمارس مفعولًا مباشرًا على إضعاف إمكان الديمقراطية الفعلية؛ حيث إن زيادة العائلية بدرجة واحدة، تفقد معه الديمقراطية الفعلية مقدار 14 درجة. من جهة أخرى، يمر التأثير غير المباشر عبر منظومة زواج الأقارب التي تسهم زيادتها بمقدار درجة واحدة في خسارة الديمقراطية الفعلية لسبع درجات، وهو ما يعني بلغة الإحصاء أن الديمقراطية الفعلية تفقد إجمالًا ما يقارب 22 نقطة حينما تتقدم أخلاق العائلية بنقطة واحدة.

شكل رقم (8) يوضح تأثير العائلية في الديمقراطية الفعلية عبر زواج الأقارب

يصبح الأمر أكثر سوءًا حينما نقارن المجتمعات العربية بالمجتمعات الأخرى؛ حيث يتخذ منحنى الديمقراطية الفعلية اتجاهًا تنازليًّا ملحوظًا (انظر الشكل رقم 9). وبينما تفقد الديمقراطية الفعلية .363 درجات في علاقتها السببية المباشرة بأخلاق العائلية في المجتمعات غير العربية تأخذ هذه العلاقة أبعادًا مرضية تصل حد انخفاض المتغير التابع بمقدار 21 درجة في المجتمعات العربية:

شكل رقم (9) يبيِّن مقادير معاملات الانحدار في الديمقراطية الفعلية بدلالة العائلية حسب المجتمعات

من أجل التأكد من صلاحية هذه النتائج، تم اللجوء إلى تصنيف الأنظمة السياسة المرتبطة بالمجتمعات قيد الدراسة إلى أربعة أصناف: الأنظمة الديمقراطية الفعلية، والأنظمة الديمقراطية الشكلية، والأنظمة الديكتاتورية العقلانية، وأخيرًا الأنظمة الأوتوقراطية غير العقلانية. وباستعمال تقنية التحليل العاملي التقابلي المبني على المسافة الإقليدية، تم فحص مدى وجود ارتباط دال من الناحية الإحصائية بين مستويات أخلاق العائلية وطبيعة النظام السياسي، وهو ما يسمح بالكشف عن فعالية المكبوتات الاجتماعية والثقافية في تشكيل طبيعة الأنظمة السياسية؛ إذ من المتوقع أن يتميز الاستبداد المبني على الموروث بمستويات عالية من أخلاق العائلية الضيقة. وإذا كانت النتائج تسير وفق أفق انتظارنا في هذا الاتجاه، فإن ذلك يدحض بشكل لا جدال فيه محاولات إسباغ صفة السلطوية الجديدة ذات التوجهات الديمقراطية على بعض الكيانات السياسية العربية، وينسف في العمق المجهودات التي يبذلها مثقفو السلطة في صناعة فينومينولوجيا سياسية جمعية تتطلع إلى المستقبل بوعود زائفة. يسقط هؤلاء فيما يُسمَّى بـ “البرهان بناء على تضخيم إنجازات السلطة”، ويؤسسون لتفاؤلية ساذجة يطبعها تجاهل مطبات الواقع السياسي. لا يحكون عن الجوانب البنيوية لاشتغال منظومة التسلط بمزيد من الصدق، وتتراوح آراؤهم بين الإنكار الانتهازي للحقيقة والإنكار غير الشعوري الهادف إلى التغاضي عن التَّمَثُّل الشقي لمبدأ الواقع واستبدال إرضاء رغبات مثالية به، كما يقول فيبي كرامر (Phebe Cramer) (52). ويوضح عالم النفس التحليلي، مصطفى صفوان، في هذا الشأن “صرنا أمة مستعدة لأن تُهَلِّل لأي من عصف به جنون العظمة (الميجالومانيا)، مدعيًا أنه الأوحد الذي سيُقَوِّم المُعْوَجَّ من جديد. إنها أمة تنتظر مجيء المنقذ، إلا أنها لن تجني شيئًا غير خيبات أمل متكررة”(53).

تبيِّن نتائج التحليل التقابلي الثنائي (الشكل رقم 10) وجود ارتباط بليغ بين أنظمة الديمقراطية الفعلية والمستويات المنخفضة من أخلاق العائلية. وتتعارض هذه الأنظمة على هذا المستوى مع الأنظمة المستبدة غير العقلانية التي تسجل معدلات مرتفعة على مقياس العائلية غير الأخلاقية، وهو ما يفيد بأن الأنظمة الأخيرة لا تزال تحافظ حتى آخر رمق على النوازع الفطرية التي كانت في الماضي أساسها الجينيالوجي. والحق أن الأنظمة العربية، بالرغم من الاختلافات السطحية، تنتمي في مجملها إلى حيز الأوتوقراطيات المؤسَّسة على الموروث، وهو ما تؤكده المعدلات الفائقة لأخلاق العائلية لدى المجتمعات العربية كما تم توضيحه سلفًا. وتميل الأنظمة الديمقراطية الشكلية إلى المزاوجة بين المعدلات المتوسطة والمنخفضة لمتلازمة أخلاق العائلية. إلا أن ما يثير الانتباه في النتائج هو حالة الأنظمة السلطوية العقلانية التي تأخذ مسافة دالة عن مختلف درجات أخلاق العائلية. تؤكد هذه النتائج أطروحة خوان لينز (Juan Linz) حول الكفاءة كمعيار لاستقطاب النخب في الديكتاتوريات العقلانية (54)، وذلك عكس ما يجري في الاستبداد الشرقي، مع ما يتطلبه الاستثناء في هذا الشأن.

شكل رقم (10) يوضح نتائج التحليل العاملي التقابلي بين أخلاق العائلية وطبيعة الأنظمة السياسية

لا تقتصر العواقب الوخيمة لأخلاق العائلية على الديمقراطية الفعلية وتشكيل طبيعة الأنظمة السياسية فحسب؛ لكنها تمتد أيضًا إلى توفير غطاء أخلاقي-اجتماعي لممارسة الرعب السياسي وإحجام المقاومة العلنية ضد السلطات القائمة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وإذا كان بإمكاننا التشبث بتعريف للسلطان كتحكم في الأشخاص والموارد، فإنه يبدو منطقيًّا أن تسهم أخلاق العائلية في إجهاض مجهودات العدالة التوزيعية للموارد والرساميل المادية والرمزية. وكما في السابق، تلعب محاباة الأقارب دورًا لا يستهان به في المعادلات البنيوية التي تربط أخلاق العائلية بالمتغيرات السياسية المستقلة.

 

شكل رقم (11) يُظهر العلاقة بين العائلية والمتغيرات السياية

خلاصـــة

في المجتمعات التي تتأرجح على عتبة الانتقال الديمقراطي لا تكفي الهندسة المؤسساتية والقانونية لتحصين الاجتماع السياسي من اعتناق الثقافة غير الديمقراطية. فالمواطنة كعماد للديمقراطية إنما تترعرع في خضم ثقافة سياسية أشبه بمزروعات البستان التي تتطلب السقي والشذب والعناية المستمرة. ويستلزم ذلك أن ضعف المشاعر المدنية المبنية على المساواة والنزاهة والعمومية يشكِّل مركَّب نقص يصعب معه استبطان أخلاق الحداثة السياسية.

والواضح أن العائلية تؤثِّر بشكل لافت للنظر على المتغيرات المرتبطة بجوهر الديمقراطية الفعلية وتمنع انبثاق الشروط القيمية والثقافية الضرورية التي تجعل الأفراد والجماعات يتخلون تدريجيًّا عن النوازع الفطرية لفائدة المشاعر المدنية المضادة للفساد المؤسساتي والبيروقراطي. وإذا كانت هذه الدراسة قد سلَّطت الضوء بما فيه الكفاية على الجذور البعيدة للعائلية غير الأخلاقية، فإنها بالمقابل قد أغفلت عوامل أخرى بسبب محدودية المعطيات المتوافرة. ومما لا شك فيه أن إغفال العامل الديني يشكِّل إحدى النقائص الأساسية؛ فقد افترض الباحثان أن خطاب المؤسسات الدينية حول ذوي القربى يحمل دلالات أنثروبولوجية ليست في منأى عن أخلاق العائلية، وتساءلا حول ما إذا كانت هناك علاقة بين عدد المسلمين في المجتمعات المختلفة وتباين درجات أخلاق العائلية، لكنهما وجدا أن أحسن طريقة للتحقق من وجود العلاقة المفترضة تكمن في فحصها على المستوى الفردي، أي بين التوجهات الدينية للأفراد ومدى استبطان أخلاق العائلية. والحال أن بحث المسألة في هذا المسلك يقع خارج سياق هذه الدراسة.

 

المراجع

* يُقصد بـ “الكوناتوس” بالمعنى اللاتيني الجهد المبذول. وقد استعمله باروخ سبينوزا (Baruch Spinoza) في فلسفته للدلالة على الجهد المبذول قصد الحفاظ على الذات وضمان استمرارها. وقد وظَّفه الباحثان بالمعنى الذي يخصه به بيير بورديو (Pierre Bourdieu)، أي نزوع النخب الاجتماعية نحو الحفاظ على مراتبها ورصيدها من الرساميل الاجتماعية الثمينة.

(1) Bourdieu, P. Practical Reason: On the theory of Action, (Stanford University Press, Stanford, 1998), p. 19.

(2)Rawls, J. A. theory of justice, (Massachusetts, Harvard University Press, Cambridge, 1999).

(3) Banfield, E. C. The Moral Basis of a Backward Society, (The Free Press, New York, 1958).

(4) Gregg, G. S.  Middle East, A cultural psychology, (Oxford University Press, Oxford, 2005).

(5) Joseph, S. “The Family as Security and Bondage: A Political Strategy of the Lebanese Urban Working Class”, in Helen, S (ed.) Towards a Political Economy of Urbanization in Third World Countries, (Oxford University Press, New Delhi, 1982), pp. 151-171.

(6) Joseph, S. (ed). Gender and Citizenship in the Middle East, (Syracuse University Press, New York, 2000).

(7) Geertz, H. “The meaning of family ties” in Geertz, C et al (eds), Meaning and order in Moroccan society: Three essays in cultural analysis, (Cambridge University Press, Cambridge, 1979).

(8) Hardy, G. L’âme marocaine à partir de la littérature française, (Bulletin de l’enseignement public, Gallica, 1926), p. 25.

(9)  Leca, J & Schemeil, Y., “Clientélisme et Patrimonialisme dans le Monde Arabe”, International political Review, (Vol. 4, N. 4, 1983), pp. 455-495

(10) Welzel, C. “Individual Modernity”, in Dalton, R & Klingemann, H-D (eds) The Oxford Handbook of political Behavior, (Oxford University Press, Oxford, 2007), pp. 185-204.

(11) Khuri, F. Tents and pyramids: Games and Ideology in Arab culture from backgammon to autocratic rule, (Saqi, London, 1990), pp. 11-12.

(12) Schwartz, S. H. “Basic human values: their content and structure across countries”, in Tamayo, T & Porto, J. B (eds), Valores e comportamento nas organizações [Values and behavior in organizations], (Petrópolis Brazil, Vozes, 2005), pp. 21-55.

(13) Terray, A. La politique de la caverne, (Paris : Seuil, 1990), p. 92-93.

(14) Bourdieu, P. La misère du monde, (Edition du Seuil, Paris,1993), p. 1452.

(15) Gallup, J. L., Mellinger, A. & Sachs, J., “Geography Datasets”, 2010. (Visited on: 13 September 2018):

http://hdl.handle.net/1902.1/14429%20UNF:5:SnYwMY387RxYcu3OxaSFgA

(16) Murray, D. R & Schaller, M., “Historical prevalence of infectious diseases within 230 geopolitical regions: a tool for investigating origins of culture”, Journal of Cross-Cultural Psychology, (Vol. 41, N. 1, 2010), pp. 99-108.

(17) Welzel, C., Freedom Rizing: Online Appendix, 2013, pp.108-111. (Visited on: 14 September 2018):

 www.cambridge.org/welzel

(18) World Economic Forum: The Global Competitiveness Report, 2016–2017, (Visited on: 10 October 2018):

http://www3.weforum.org/docs/GCR2016-2017/05FullReport/TheGlobalCompetitivenessReport2016-2017_FINAL.pdf

(19) Kistler, D.; Thöni, C & Welzel, C., “World Values Survey Response and Behavior: Emancipative and Secular Values Predict Cooperation, Protection of Property and Pro-Social Behavior”, World Values Research, (Vol. 8, N. 3, 2015), pp. 101-122.

(20) World Bank’s knowledge index (KI), (Visited on: 28 September 2018):

http://info.worldbank.org/ etools/kam2/KAM_page5.asp

(21) راجع في هذا الشأن:

 Alexander, A., Inglehart, R. & Welzel, C., “Measuring Effective Democracy: A Defense”, International Political Science Review, (Vol. 33, N. 1, 2012), pp. 41-62.

Alexander, A. & Welzel, C., “Measuring Effective Democracy: The Human Empowerment Approach”, Comparative Politics, (Vol. 43, 2011), pp. 271-289.

(22) Vanhanen, T. The Limits of Democratization: Climate, Intelligence, and Resource Distribution, (Washington Summit Publishers, Augusta, GA, 2009).

(23) Welzel, C.  Freedom Rising: Human Empowerment and the Quest for Emancipation, (Cambridge University Press, Cambridge, 2013), pp. 257-258. Typology is available in annual measures for most countries of the world from 1981 to 2010.

(24) Source: Index invented and documented in Welzel, Freedom Rising (2013: 222-225), (Visited on: 14 November 2018):

www.cambridge.org/welzel (Online Appendix, pp. 66-70).

(25) Gibney M, Wood, R &Cornett, L., “The Political Terror Scale”, 2008, (Visited on:  14 November 2018):

Available at: www.politicalterrorscale.org

(26) The Global Competitiveness Report, op.cit.

** تقوم جمعية المسح الدولي حول القيم، التي يوجد موقعها بالولايات المتحدة، ببحوث كل سبع سنوات حول مختلف بلدان العالم. وتهم مجالات البحث الاتجاهات في مجالات السياسة والدين والأخلاق. للتوسع، انظر المعطيات على الموقع الآتي:

http://www.worldvaluessurvey.org/wvs.jsp

(27) Sidan, Y. M & Thornberry, J., “Nepotism in the Arab World: An Institutional Theory Perspective”, Business Ethics Quarterly, (Vol. 23, N. 1, 2013), pp. 69-96.

(28) Waterbury, J. The commander of the faithful: the Moroccan political elite. A study in segmented politics, (Columbia University Press, New York, 1970).

(29) Benhaddou, A. Les élites du royaume, Enquête sur lřorganisation du pouvoir au Maroc, (Riveneuve éditions, Paris, 2009).

(30) Mazaheri, N., “The Saudi Monarchy and Economic Familism in an Era of Business Environment   Reforms”, Business and Politics, (Vol. 15, N. 3, 2013), pp. 295-321.

(31) الجابري، محمد عابد، العقل السياسي العربي: محدداته وتجلياته، (مركز دراسات الوحدة العربية، الدار البيضاء، 2000)، ط 4.

(32) Fukuyama, F. The Origins of Political Order: From Prehuman Times to the French Revolution, (Farrar, Straus, Giroux, New York, 2011), p. 311.

(33) Matsumoto, D. “Culture, context and behavior”, Journal of Personality, (Vol. 75, N. 6, 2007), pp. 1285-1319.

(34) Schwartz, S. H. “Causes of culture: National differences in cultural embeddedness”, In Gari, A & Mylonas, K (eds.), Quod erat demonstrandum: From Herodotus’ ethnographic journeys to cross-cultural research, (Pedio Books Publishing, Athens, Greece, 2009), pp. 1-11.

(35) Triandis, H. C. Individualism and collectivism, (Westview, Boulder: CO, 1995).

(36) Dawkins, R., The Selfish Gene, (Oxford University Press, Oxford & New York, 30th anniversary edition, 1989).

(37) Van de Vliert, E., “Climato-Economic Origins of Variation in Ingroup Favoritism”, Journal of Cross-Cultural Psychology, (Vol. 42, N. 3, 2011), pp. 494– 515.

(38) Welzel, Freedom Rising: Human Empowerment and the Quest for Emancipation, op.cit, p. 336.

(39) Oppenheimer, S., Out of Eden: The Peopling of the World, (Robinson, London, 2004).

(40) Gallup; Mellinger; Sachs, “Geography Datasets”, op.cit

(41) راجع في هذا الشأن:

 Fincher, C. L.; Thornhill, R.; Murray, D. R & Schaller, M. “Pathogen prevalence predicts human cross-cultural variability in individualism/collectivism”, Proceedings of the Royal Society, Biological science, (Vol. 275, N. 1640, 2008), pp. 1279-1285.

Chiao, J. Y.; & Blizinsky, K. D., “Culture gene coevolution of individualism-collectivism and the serotonin transporter gene”, Proceedings of the Biological Sciences, (Vol. 277, N. 1681, 2010), pp. 529-537.

Sherman, P.W & Billing, J., “Darwinian gastronomy: why we use spices”, BioScience, (Vol. 49, N. 6, 1999), pp. 453-463.

 Low, B.S., “Marriage systems and pathogen stress in human societies”, Am. Zool, (Vol. 30, 1990), pp. 325-339.

(42) Hayes, F. A., Introduction to mediation, moderation and conditional process analysis: A regression-based approach, (The Guilforg Press, New York, 2013).

(43) Boudon, R. Essais sur la théorie générale de la rationalité, (Presses universitaires de France, coll. “Quadrige Essais Débats”, Paris, 2007).

(44) Welzel, C & Alexander, A., “Measuring Effective Democracy: The Human Empowerment Approach”, World Values Research, (Vol. 1, N. 1, 2008), pp. 1-34

(45) Inglehart, R & Welzel. C, Modernization, Cultural Change, and Democracy, (Cambridge University Press, New York, 2005).

(46) Woodley M.A & Bell, E., “Consanguinity as a Major Predictor of Levels of Democracy: A Study of 70 Nations”,  Journal of Cross-Cultural Psychology, (Vol. 20, N. 10, 2012), pp. 1– 18.

(47) Todd, E & Courbage, Y., A convergence of civilisations: The transformation of Muslim societies around the world, (University of Colombia Press, New York, 2009), pp. 52-54.

(48) Smith, W.R., Kinship and Marriage in Early Arabia, (Cambridge University Press, Cambridge, 1885), pp. 60-61.

(49) صفوان، مصطفى، لماذا العرب ليسوا أحرارًا؟، ترجمة مصطفى حجازي، (دار الساقي، بيروت، 2012).

(50) Smith, Kinship and Marriage, op.cit, pp.50-51

(51) Rosen. L., “Understanding Corruption”, The American Interest, (Vol 5, N. 4, 2010), pp. 1-5.

(52) Cramer, P. The development of defense Mechanisms: Theory, research and assessment, (Springer-Verlag, New York, 1991), p. 54

(53) صفوان، لماذا العرب ليسوا أحرارًا؟، مرجع سابق، ص 69.

(54) Linz.  J, “An Authoritarian Regime: Spain”, in Allardt, E & Littunen, Y., Cleavages, Ideologies and Party Systems, (The Westermarck Society, Helsinki, 1964), pp. 374-381