معالجات معقمة للقضايا الإقليمية والدولية

من العراق شرقًا إلى المغرب غربًا، ومن وقائع إستراتيجيات التوازن بين العثمانيين والبريطانيين في قطر أواسط القرن التاسع عشر إلى دراسة طبيعة العلاقة بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في القرن الحادي والعشرين، يحاول العدد الجديد من لباب أن يعالج طائفة واسعة من القضايا الجيوسياسية والتاريخية والاقتصادية ذات البُعد الإستراتيجي في العلاقات الاقليمية والدولية.

في دراسة بعنوان “إستراتيجيات التوازن في العلاقة بالعثمانيين والبريطانيين على عهد الآباء المؤسسين لدولة قطر (1851-1949)”، يعود الباحثان إلى تحليل إستراتيجيات التوازن في علاقة الآباء المؤسسين لدولة قطر: الشيخ محمد بن ثاني (1788-1878)، والشيخ جاسم بن محمد (1827-1913)، والشيخ عبد الله بن جاسم (1871-1957)، مع الإمبراطوريتين العثمانية والبريطانية. تشرح الدراسة محدِّدات الموضوعية لتلك الإستراتيجيات، وهي: السياق التاريخي، والقيود الجغرافية، وموازين القوة، وحجم الأخطار، مع إبراز العوامل الذاتية، كالبراعة القيادية، والقُربَى الثقافية. كما تكشف الدراسة عن الموجِّهات الأساسية لتلك العلاقات، وهي: الولاء الجزئي المتحفِّظ، والتمسُّك باستقلال القرار، والمرونة التكتيكية، ثم تربط الحاضر بالماضي، كاشفة عن الجذور التاريخية للسياسة الخارجية في دولة قطر الحديثة.

في دراسة ثانية ضمن السياق الاقتصادي بعنوان “الآثار غير المباشرة للرسوم الجمركية الأميركية على دول مجلس التعاون الخليجي”، تناول الباحث الآثار المباشرة وغير المباشرة للرسوم الجمركية التي أعلنتها الإدارة الأميركية، في أبريل/نيسان 2025، وشملت 180 دولة، من بينها دول مجلس التعاون الخليجي. وتوقعت الدراسة أن لهذه السياسة هدفين رئيسين، هما: الحد من وتيرة الصعود الاقتصادي الصيني، وتعزيز السيطرة على تجارة الغاز المسال في الأسواق العالمية.

ووجدت الدراسة أن آثارًا متفاوتة نجمت عن القرارات الأميركية على دول مجلس التعاون الخليجي. فبينما يمكن لدول مجلس التعاون احتواء الأثر المباشر نتيجة محدودية فائضها التجاري مع الولايات المتحدة، فإن الآثار غير المباشرة تمثل تحديًا أكبر بالنظر إلى انعكاساتها على توازنات السوق العالمية ومصالح المنطقة.

في دراسة ثالثة كانت موضوع الغلاف لهذا العدد، درس الباحث طبيعة العلاقات الدولية من خلال علاقة الأمم المتحدة بالمنظمات الإقليمية، وهل هي شراكة تكاملية أم تنافس دولي.

تناولت الدراسة العلاقة بين منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها والمنظمات الإقليمية على أساس الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة الذي تضمن ضرورة التعاون مع المنظمات الإقليمية لتسوية النزاعات المحلية إلا أن العلاقة بين الطرفين لم تخلُ من فترات التنافس والصراع على النفوذ. تركزت الدراسة على التطورات والتحديات العالمية الحديثة في التعاون الإقليمي، مثل: الإرهاب، والهجرة، والتغير المناخي، والمخدرات، والأوبئة، والأزمات الإنسانية، التي تتطلب تعزيز التنسيق بين المستويات الدولية والإقليمية. وأظهرت تجارب عملية أن التعاون يمكن أن يكون فعالًا رغم وجود تحديات في توزيع المسؤوليات والاحتفاظ باستقلالية المنظمات الإقليمية. كما تناولت الدراسة مفهوم الإقليمية وتطورها في الفكر الدولي، فهو لا يقتصر على العوامل الجغرافية فقط، بل يشمل أيضًا الروابط الثقافية والتاريخية والمصالح السياسية والاقتصادية المشتركة بين الدول. وصنَّفت الدراسة المنظمات الإقليمية وفقًا لأغراضها العملية، سواء أكانت دفاعية أم اقتصادية أم سياسية، مع تسليط الضوء على التداخل بين المجالات والتحديات التي تواجهها نتيجة الاختلاف في الأجندات الوطنية والتفاوت الاقتصادي بين الدول الأعضاء. وتطرقت إلى أبرز التحديات التي تعوق فاعلية المنظمات الإقليمية، مثل ضعف الالتزام السياسي، والتدخلات الخارجية، والبيروقراطية الإدارية، وعدم استدامة التمويل، وغياب التنسيق الكافي. وتبين الدراسة أهمية تعزيز التنسيق الداخلي والتعاون مع الأمم المتحدة لتحقيق استجابة أكثر فاعلية للتحديات الإقليمية.

وفي دراسة بعنوان “الدبلوماسية الذكية ودورها في تعزيز الأمن الوطني لدولة قطر: دراسة تحليلية”، تناولت الباحثة مفهوم الدبلوماسية الذكية من خلال تحليل دورها كأداة إستراتيجية لتعزيز الأمن الوطني القطري، وذلك في سياق إقليمي ودولي يتسم بعدم الاستقرار وتزايد التهديدات غير التقليدية. وتستند الدراسة إلى نظرية الواقعية الجديدة بوصفها إطارًا مفسرًا لسلوك الدول الصغيرة؛ حيث توضح كيف استطاعت قطر توظيف أدوات الدبلوماسية الذكية لبناء نفوذ سياسي وأمني يتجاوز وزنها الجغرافي والديمغرافي. واعتمدت الدراسة منهجًا وصفيًّا تحليليًّا، مستندة إلى أدوات دراسة الحالة. واستعرضت أثر هذه الأدوات في دعم الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأمن الوطني، كما بيَّنت كيف أسهمت الدبلوماسية الذكية في تحييد التهديدات الخارجية من خلال بناء شراكات دولية متوازنة، وتعزيز الشرعية الدولية، وتفعيل الردع غير العسكري. وتخلص الدراسة إلى أن النموذج القطري يمثل إطارًا تطبيقيًّا يمكن أن يُحتذى لفهم الكيفية التي يمكن من خلالها للدول الصغيرة تطوير إستراتيجيات أمن وطني مرنة، تستند إلى أدوات دبلوماسية ذكية تتجاوز منطق القوة الصلبة.

وفي حقل الاقتصاد السياسي، تناولت دراسة بعنوان “الإصلاح الاقتصادي في العراق بين التحديات السياسية والمعوقات القانونية والإدارية” الأزمات الهيكلية العميقة في الاقتصاد العراقي منذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، تتمثل في استمرار الاعتماد الكلي على النفط مصدرًا وحيدًا للموازنة العامة، إضافة إلى تفشي الفساد والمحاصصة السياسية والعجز المالي، كما تعاني الدولة العراقية حاليًّا من تراكم الديون الخارجية، وعدم وجود إستراتيجية وطنية لتطوير قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية، فضلًا عن تراجع دور القطاع الخاص في الاستثمار والتنمية. وكل تلك الأزمات تشكل عقبات رئيسية أمام الإصلاح الهيكلي للاقتصاد العراقي.

ومن المغرب، تناول بحث بعنوان “تحولات اليسار المعارض بالمغرب: ملامح الأفول داخل النسق السياسي”؛ ما اعتبره الباحث مظاهر تراجع قوى اليسار، بشقيها، التقليدي والجديد، في المملكة المغربية، ويقارن ما آلت إليه أوضاعها حاليًّا بما كانت عليه في فترات ازدهارها، لاسيما في النصف الأول من القرن العشرين، حينما كانت آنذاك تعد القوة الأبرز بين قوى وتيارات المعارضة السياسية ذات القاعدة الجماهيرية الواسعة.

ويحلِّل البحث العوامل التي أسهمت في هذا التراجع، ويتساءل عن مدى ارتباطه بضعف قدرة اليسار المغربي على تطوير أطروحاته النظرية بما يتلاءم والتحولات العالمية من جهة، وديناميات التغيير الذي شهده النظام السياسي المغربي من جهة ثانية.

في زاوية (قراءة في كتاب)، يتناول هذا العدد كتابًا بعنوان “الإبداع في التعقيد العسكري، والتصميم، والعوامل المربكة للنظم التقليدية، وقوات الدفاع”، وهو كتاب يسلّط الضوء على التحولات في طبيعة الحروب وأنواع الأسلحة خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالماضي؛ إذ أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة والهجمات السيبرانية تُستخدم في التخطيط وانتقاء الأهداف وتوجيه الضربات، محدثةً خسائر مادية وبشرية كبيرة في صفوف العدو. وقد استطاعت بعض الجيوش، خاصة في الدول المتقدمة، أن تتطور وتتكيف وتعيد هيكلة نفسها لتواكب هذا التقدم، بينما بقيت جيوش أخرى على فكرها القديم وهيكلها التقليدي؛ لا تستطيع أن تواكب العصر أو تلحق بمتغيراته، وأضحت عُرضةً في أي مواجهة عسكرية لأن تُمنى بخسائر جسيمة. من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب، الذي خصصه مؤلفاه للإجابة عن أسئلة كثيرة، من بينها: كيف تتطور الجيوش التقليدية؟ وما الذي تحتاجه من أجل تحقيق ذلك، سواء على مستوى الثقافة المؤسسية، أو إعادة الهيكلة والتنظيم، واستحداث برامج تدريب جديدة؟ وما بينهما من أفكار وتصورات ورؤى وتوصيات احتشدت بها فصول هذا الكتاب.