ملخص:
تهدف الورقة البحثية إلى إجراء تقييم استكشافي لاتفاق ترسيم الحدد البحرية اللبنانية-الإسرائيلية الذي جرى التوصل إليه بوساطة أميركية في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2022. ولهذا الغرض، تستعين الورقة البحثية بمنهج التحليل الرباعي “سوات” (SWOT Analysis)، ويتضمن أداة تقييم لإطار تحليل إستراتيجي يتم من خلاله دراسة عوامل القوة والضعف في الاتفاق، بالإضافة إلى الفرص التي يتيحها، والمخاطر المحتملة التي يُشكلها. تتألف الورقة من مقدمة وخاتمة وخمسة أقسام رئيسية. يتطرق القسم الأول إلى الاعتبارات المنهجية للورقة، فيما يناقش القسم الثاني جغرافيًّا الصراع شرق البحر المتوسط، ويركز القسم الثالث على النزاع اللبناني-الإسرائيلي على الحدود البحرية، فيما يناقش القسم الرابع نص الاتفاق الذي تم بين الطرفين، ويقوم القسم الخامس بتقديم تحليل رباعي “سوات” لتقييم الاتفاق.
كلمات مفتاحية: لبنان، إسرائيل، شرق المتوسط، الحدود البحرية، الغاز.
Abstract:
This study aims to assess the Lebanese- Israeli maritime demarcation agreement mediated by the United States and finalised in October 2022. To that end, the research paper uses SWOT analysis framework to examine the agreement’s points of strength, weakness, as well as the opportunities it offers and the threats it may pose. The paper is comprised of of five sections. The first section lays out the methodological considerations of the paper. The second section discusses the geography of the conflict in Eastern Mediterranean. The third section focuses on the roots of the Lebanese-Israeli conflict over the maritime borders, while the fourth section zooms in on the content of the agreement between the two parties. The fifth and final section presents a SWOT analysis to evaluate the agreement.
Keywords: Lebanon, Israel, Eastern Mediterranean, maritime borders, gas.
في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2022، وبعد سنوات طويلة من النزاع والتفاوض المتواصل بوساطة أميركية، توصل الجانبان، اللبناني والإسرائيلي، إلى اتفاق يقضي بترسيم الحدود البحرية بينهما، ويسمح للطرفين باستغلال الثروات في باطن البحر على طرفي الحدود بشكل كامل ودون عوائق. ويرسي الاتفاق قواعد التفاهم حول النقاط المختلف عليها، كما يُنشئ مجموعة من المصالح المشتركة التي تتيح استمراريته، ويوفر ضمانات أميركية للطرفين للحفاظ على ما تم التوصل إليه من تسويات مرتبطة بالنزاع.
ويعتبر الاتفاق اللبناني-الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية بينهما واحدًا من أهم الاتفاقات التي عُقدت بين الدول المتنازعة على ترسيم الحدود البحرية واستغلال ثروات باطن البحر في منطقة شرق حوض البحر الأبيض المتوسط.
وتكمن أهمية الاتفاق في شكله ومضمونه وتوقيته، فهو الاتفاق الأول الذي يتم بين دولتين متجاورتين شرق البحر المتوسط، وهو الاتفاق الأول كذلك الذي يتم بوساطة من طرف ثالث في الصراع الجاري شرق البحر الأبيض المتوسط، كما أنه يُعد الاتفاق الأول من نوعه الذي ينص على آلية لإدارة الخلاف بشكل يسمح بتسوية مرضية للطرفين. علاوة على ذلك يُؤمِّن الاتفاق مجموعة من المصالح للوسيط، أي الولايات المتحدة الأميركية، ولمجموعة أخرى من الدول المستفيدة، وهي في الغالب في هذه الحالة، كبار مستهلكي الطاقة، أي الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق بالتحديد، يأتي الاتفاق في توقيت في غاية الأهمية بُعيد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط من العام 2022، أي في وقت يبحث فيه الاتحاد الأوروبي عن تنويع واردات الطاقة لاسيما الغاز بعيدًا عن الاعتماد الكبير على الغاز الروسي. على المستوى الثنائي، يعاني لبنان من انهيار سياسي واقتصادي واجتماعي؛ ما يجعله بأمسِّ الحاجة إلى اتفاق يحيي الآمال في إمكانية استفادته من ثروات الطاقة وتحوله ربما مستقبلًا إلى مُصدِّر للغاز، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى تعزيز موقعها ودورها مُصدِّرًا للطاقة شرق البحر المتوسط وإلى استخدام الغاز ورقة لتعزيز نفوذها وتأثيرها الإقليمي فضلًا عن تسريع عملية التطبيع السياسي والاقتصادي الذي تقوم به بدعم من الولايات المتحدة الأميركية.
ومن هذا المنطلق، تسعى الورقة إلى تقييم الاتفاق الذي تم بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية لترسيم الحدود البحرية بينهما، وهي تتألف من مقدمة وخاتمة وخمسة أقسام رئيسية، يتطرق القسم الأول إلى الاعتبارات المنهجية للورقة، فيما يناقش القسم الثاني جغرافيا الصراع شرق البحر المتوسط، ويركز القسم الثالث على النزاع اللبناني-الإسرائيلي على الحدود البحرية، فيما يناقش القسم الرابع نص الاتفاق الذي تم بين الطرفين في أكتوبر/تشرين الثاني من العام 2022، ويقوم القسم الخامس بتقديم تحليل رباعي (SWOT) لتقييم الاتفاق لناحية نقاط القوة والضعف، بالإضافة إلى الفرص التي يتيحها والتهديدات المحتملة التي يُشكلها.
أولًا: اعتبارات منهجية
- الدراسات السابقة
يُعتبر الصراع على ترسيم الحدود واستغلال الثروات شرق البحر المتوسط من المواضيع التي تعاني من شح في التقييم والنقاش والمعالجة على المستوى الأكاديمي. ولعل العدد المحدود من الأبحاث العلمية المنشورة في دوريات علمية مُحكمة ذات تصنيف عالٍ يعد بمنزلة مؤشر قوي على ذلك. يعود السبب في ذلك -على الأرجح- إلى طبيعة الموضوع، فهو معقد، ومتداخل الاختصاصات (سياسي، دبلوماسي، قانوني، اقتصادي، أمني، جغرافي..إلخ)، ومتشابك المصالح (بين أكثر من طرفين)، وليس له أرضية مرجعية واحدة يُستند عليها أو يُرجع إليها، وهو ما يجعل التحليل صعبًا ومُجهدًا؛ إذ يتطلب البحث تعدد المهارات والتخصصات والخبرات، كما يتطلب متابعة جيدة لمستويات التحليل الثلاث، المحلية والإقليمية والدولية، وأن يكون الباحث على دراية في الحد الأدنى باختصاصين فأكثر، وعلى اطلاع بواقع ورؤية ووجهة نظر ومصالح دولتين على الأقل من دول شرق البحر المتوسط في ملف النزاع بينهما.
معظم الدراسات السابقة عن الصراع شرق البحر المتوسط تتعلق بالخلاف التركي-اليوناني، على اعتبار أنه الأكبر حجمًا والأكثر تأثيرًا، علاوة على كونه الأقدم عمليًّا والأكثر ارتباطًا بشكل وثيق بالوضع القبرصي كذلك. خلال الأعوام الثلاثة الماضية، نُشرت بعض الأبحاث العلمية حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا. مكمن الاهتمام بهذا الموضوع هو أنه لم يكن متوقعًا، كما أن مفاعيله لم تكن محسوبة من قبل عدد من الأطراف شرق البحر المتوسط، ولذلك فقد كان الاتفاق بمنزلة مفاجأة غيَّرت من حسابات بعض الدول، لاسيما اليونان. وبما أن المخرجات العلمية فيما يتعلق بالصراع شرق البحر المتوسط قليلة نسبيًّا، من الطبيعي أن تكون المخرجات العلمية المتعلقة بالنزاع اللبناني-الإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية أقل.
في العام 2013، نشرت مجلة “قانون النفط، والغاز، والطاقة” ورقة بحثية تحت عنوان “استكشافات الغاز والنفط في حوض بلاد الشام: حالة لبنان وإسرائيل” ناقشت الاكتشافات المُستجدة للغاز حينها علاوة على النزاع على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والتعقيدات الناجمة عن هذا النزاع لاسيما من الناحية القانونية(1). وفي العام 2016، نشرت مجلة “دراسات مناطق الحدود” ورقة بحثية تحت عنوان “حقل ليفياثان يُطلق نزاعًا حدوديًّا بحريًّا بين قبرص وإسرائيل ولبنان”، اقترحت رسم الحدود البحرية بين الدول الثلاث بناءً على “قانون البحار” (UNCLOS)، واستخدمت نظريات حل النزاعات لإدارة المصادر والثروات بين الدول الثلاث(2). وفي العام 2019، نشرت “فصلية دراسات عربية” ورقة بحثية تحت عنوان “صراع حول النفط والغاز في البحر المتوسط: التوسع الإسرائيلي في لبنان” ناقشت النزاع بين الطرفين والوساطة الأميركية واحتمال قيام إسرائيل بهجوم ضد لبنان يتحول بشكل سريع إلى نزاع إقليمي(3). كما نشرت دورية “شؤون إسرائيلية” ورقة بحثية تحت عنوان “تحول إسرائيل إلى البحر وتأثيره على السياسة الإقليمية الإسرائيلية”، وهو يناقش تأثير التحول باتجاه سياسة بحرية على السياسة الخارجية للبلاد، وتطوير إسرائيل لاعتمادها الذاتي على الطاقة، وبدءها لنشاطات تحلية المياه على نطاق واسع، والتوسع غير المسبوق للمنصات البحرية الإسرائيلية ولمهامها على علاقات إسرائيل الثنائية مع جيرانها(4).
أما فيما يتعلق بالاتفاق اللبناني-الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية، فقد تم اعتماده في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2022، ولذلك فهو يُعتبر حديثًا جدًّا، ولم تصدر على حدِّ علم الباحث أية دراسة أكاديمية عن هذا الشأن بعد في أي من الدورات العلمية المحكمة المعروفة ذات التصنيف العالي. ولذلك، تأمل الورقة في أن تكون مساهمة علمية ذات قيمة في هذا المجال وأن تساعد على ردم الفجوة المتعلقة في مناقشة الموضوع على المستويين المنهجي والموضوعاتي.
- منهج التحليل الرباعي (SWOT)
تستعير الورقة البحثية منهج التحليل الرباعي المعروف باسم “سوات” (SWOT)، والذي يُستخدم في الأصل على نطاق واسع في قطاع الأعمال، وتقوم بتطبيقه على الموضوع مثار التحقيق هنا في الاتفاق اللبناني- الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية بينهما. يُستخدم منهج التحليل الرباعي SWOT منذ عقود طويلة جزءًا من عملية تحليل موقف معين أو وضع ما، ويُوظَّف كذلك أداة رئيسية للتعامل مع الأوضاع الإستراتيجية المُعقدة بحيث يسعى إلى تقليل كمية المعلومات وتكثيفها بهدف تحسين عملية اتخاذ القرار المتعلقة بالوضع قيد الدراسة(5). ويُعتمد التحليل الرباعي بشكل أساسي في قطاع إدارة الأعمال، لكن سرعان ما تمت استعارة أداة التحليل الإستراتيجي هذه من هذا القطاع لتدخل بعدها في عدد آخر من المجالات من بينها السياسة والشؤون الدولية. ومصطلح SWOT هو عبارة عن مختصر لأربع مفردات رئيسية هي: Strengths، وتعني نقاط القوة. Weakness، وتعني نقاط الضعف. Opportunities، وتعني الفرص المتاحة. Threats، وتعني التهديدات المحتملة، وفي بعض الأحيان تستخدم التحديات (C) بدلًا منها.
ويتضمن تحليل SWOT أربعة مجالات تتموضع في مصفوفة ضمن نطاقين أساسيين، عادة ما يتم تقسيمها إلى البيئة الداخلية وتضمن عناصر القوة والضعف، والبيئة الخارجية وتتضمن الفرص والتهديدات. ولنموذج التحليل الرباعي SWOT عناصر قوة بالتأكيد، لكن لديه حدود أيضًا(6). من ميزات منهج التحليل الرباعي: البساطة في الطرح، وسهولة الفهم والمعالجة؛ إذ إنه لا يتطلب تعقيدات كمية أو معادلات رياضية أو خلافه، كما يمكن تطبيقه على وحدات متنوعة من اتفاقات، وأفراد، وكيانات، ومجموعات، ودول…إلخ، ويمكن توظيفه لتطوير إستراتيجية أو لتقييم إستراتيجية، أو لتحقيق أهداف. علاوةً على ذلك، من الممكن تحويله بسهولة إلى إطار مرئي أو إنفوغراف، كما يمكن نقل أفكاره ونتائجه بشكل سريع وسهل إلى أكبر عدد من المهتمين. يرتبط استخدامه بشكل أكبر بالمعلومات النوعية وليس الكمية. من السلبيات التي من الممكن أن تُؤخذ عليه هو أنه قد يدفع باتجاه تعميم النتائج بشكل يغطي على التفاصيل المهمة. من الممكن للانطباعات، والانحيازات، والخيارات الشخصية أن تؤثر عليه، لكن إذا ما تم استخدام المنهج بطريقة صحيحة، فقد يؤدي إلى نتائج مهمة. شهد منهج التحليل الرباعي عدة محاولات لتطويره أداةً للتحليل الإستراتيجي، وتم إدخال الكثير من التعديلات عليه كالترجيح والترتيب والتعليق على العوامل المختلفة التي تشكل قوائم أو مصفوفات SWOT(7). سنستخدم منهج التحليل الرباعي SWOT في هذه الورقة لتقييم الاتفاق اللبناني-الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية بينهما لناحية نقاط القوة والضعف، بالإضافة إلى الفرص التي يتيحها والتهديدات المحتملة التي يُشكلها.
ثانيًا: جغرافيا الصراع شرق البحر المتوسط
- أهمية حوض شرق البحر المتوسط
في عام 2010، أجرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية تقديرات لما يحتويه حوض شرق البحر المتوسط من ثروات طبيعية، وخرجت بنتيجة مفادها أن الساحل الشرقي الذي يشكِّل القسم الأكبر من حوض شرق البحر المتوسط، يحتوي على كمِيات هائلة من احتياطي النفط والغاز غير المكتشَفة، تُقدَّر بقُرابة 122 تريليون م٣ من الغاز، و107 مليارات برميل من النفط(8). حظيت هذه التقديرات بأهمية متزايدة بعد أن تم اكتشاف العديد من حقول الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط خلال العقد الماضي. وتسارعت عمليات الاستكشاف بعد نجاح الكونسورتيوم الذي تقوده شركة “نوبل إنرجي” الأميركية في اكتشاف حقل “تمار”، في العام 2009، قبالة ساحل إسرائيل، ومع توالي الاكتشافات (انظر الجدول رقم 1) أصبحت دول المنطقة أكثر اهتمامًا بالبحث عن النفط والغاز كما أصبحت الشركات الأجنبية أكثر اهتمامًا بالاستثمار للقيام بأعمال الاستكشاف. وقد أدى اكتشاف حقول “تمار” و”ليفياثان” قبالة سواحل إسرائيل، و”أفروديت” قبالة سواحل قبرص، وحقل “ظُهر” العملاق قبالة سواحل مصر إلى تحفيز باقي الدول على تسريع عمليات ترسيم الحدود والاستكشاف، فدخلت جميع دول المنطقة في سباق محموم، نظرًا لما يمكن أن يشكِّله الغاز المكتشف من نقطة تحول في المعطيات الاقتصادية والطاقوية لهذه البلدان، كما دفعت التقديرات المتعلقة بحجم الثروات التي يكتنزها حوض شرق المتوسط، الشركات الأجنبية التابعة للقوى الكبرى إلى التنافس أيضًا فيما بينها لحجز حصة لها، وهو الأمر الذي استتبع تدخلًا أجنبيًّا أكبر في المنطقة(9).
جدول رقم (1): أبرز الاكتشافات المتعلقة بالغاز في شرق البحر المتوسط
اسم الحقل | سنة الاكتشاف | المكان | تقدير الكميات الممكن استخراجها (مليار متر٣) |
غزة مرين | 2000 | أراضي السلطة الفلسطينية | 30 |
تامار | 2009 | إسرائيل | 280 |
ليفياثان | 2010 | – | 620 |
تانين | 2012 | – | 34 |
كاريش | 2013 | – | 51 |
رويي | 2014 | – | 90 |
أفروديت | 2011 | قبرص | 140 |
ظهر | 2015 | مصر | 850 |
المصدر: ECEGA
ولا تقتصر أهمية منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط على الحيز الجغرافي المباشر الذي تقع فيه وإنما على المحيط الجيوبوليتيكي الأوسع الذي تشكل قلبه، والذي يضم حوالي 47% من احتياطي النفط و41% من احتياطي الغاز في العالم. علاوةً على ذلك، يشكِّل البحر الأبيض المتوسط نقطة وصل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وهو ما يزيد من قيمته كعقدة اتصالات ومواصلات بحرية وتجارية لدول المنطقة، وكشريان حيوي للتجارة العالمية عبر مضائق السويس والبوسفور وجبل طارق(10). وترفع هذه التقديرات من آمال دول المنطقة التي تراهن على أن اكتشاف النفط والغاز قد يغير على الأرجح من واقعها الاقتصادي وربما من دورها الجيوسياسي ويحولها إلى لاعب صاعد في لعبة الغاز.
معظم دول شرق البحر المتوسط هي دول مستهلكة للطاقة وتعتمد تقليديًّا، وبشكل رئيسي، على واردات الطاقة من الخارج، وغالبًا ما شكَّل ذلك -ولا يزال يشكِّل- عبئًا عليها من ناحيتين على الأقل: الأولى: هي أمن الطاقة لديها؛ إذ يُستورد النفط أو الغاز من عدد محدود من الدول؛ ما يجعلها رهينة لخيارات سياسية ضيقة، مع إخفاق في تنويع مصادر الطاقة لديها. أما الثانية، فتتمثل في الأمن الاقتصادي؛ إذ يشكل استيراد النفط والغاز عبئًا ماليًّا عليها وعلى مواطنيها، غالبًا ما يصبح مشكلة مستعصية إثر التصاعد المستمر في أسعار النفط والغاز، مع ما يستتبعه ذلك من مشكلات أو انعكاسات اقتصادية على موازنة الدولة وعلى باقي القطاعات.
ومثلها، تراهن كبرى الدول المستهلكة للغاز على أن اكتشافات الغاز من شرق البحر المتوسط ستساعدها على تنويع وارداتها وتقلل من اعتمادها على الغاز الروسي خاصة عندما نتحدث عن الكتلة الأوروبية التي تشكل السوق الأكبر قدرة على استيعاب واردات الغاز العالمية والأقرب جغرافيًّا كذلك إلى منطقة شرق البحر المتوسط. علاوةً على ذلك، تبحث شركات الغاز والنفط العالمية عن استثمارات جديدة وأسواق جديدة لتحقيق المزيد من المكاسب والأرباح وتتطلع إلى منطقة شرق البحر المتوسط كواحدة من المواقع غير المستثمَرة بشكل كامل بعد والتي تحمل معها آمالًا بتحقيق المزيد من المكاسب والأرباح (انظر الخريطة رقم 1).
الخريطة رقم (1): جانب من الشركات الدولية العاملة شرق البحر المتوسط
المصدر: Gefira
- النزاعات المتداخلة شرق البحر المتوسط
يتميز الصراع على ترسيم الحدود وثروات شرق البحر المتوسط بتداخل أبعاده المختلفة السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية مع بعضها البعض، وهو ما يجعله صراعًا مُعقدًا وقابلًا للاشتعال لاسيما مع كثرة اللاعبين المعنيين به محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، فضلًا عن وجود خلل كبير في توازن القوى بين أطراف الصراع بالإضافة إلى مصالح اقتصادية ضخمة للمنخرطين فيه.
وبالرغم من أن النزاع على ترسيم الحدود كان حاضرًا خلال العقود الماضية إلا انه لم يحظ بأهمية عالية لدى الدول المعنية حينها، وظل شبه مُجمد إلى حدٍّ بعيد إلى أن بدأت اكتشافات الغاز وسارعت بعض الدول إلى ترسيم حدودها بشكل أحادي وإلى دعوة شركات المسح والتنقيب عن النفط والغاز والبدء باستخراج وتصدير الغاز دون التنسيق مع الدول المعنية؛ ما أدى إلى اشتعال التنافس والنزاع بين دول شرق حوض البحر المتوسط. وبسبب تعدد المرجعيات القانونية وآليات ترسيم الحدود (انظر الجدول رقم 1)، علاوةً على التفاوت في موزين القوى والدعم الدولي لبعض البلدان على حساب الأخرى، تفاقم الصراع بين دول شرق حوض البحر المتوسط لاسيما خلال السنوات القليلة الماضية.
جدول رقم (1): اختلاف مواقف الأطراف شرق البحر المتوسط
من اتفاقية قانون البحار (UNCLOS)
الدولة | الموقف من اتفاقية قانون البحار (UNCLOS) | ملاحظات |
سوريا | غير عضو | لم توقع ولم تصادق عليها |
لبنان | عضو | |
فلسطين | عضو | فلسطين بصفتها مراقبًا غير عضو في الأمم المتحدة |
إسرائيل | غير عضو | لم توقع ولم تصادق |
مصر | عضو | |
ليبيا | غير عضو | لم تتم المصادقة على الاتفاقية |
اليونان | عضو | – |
جمهورية قبرص (اليونانية) | عضو | – |
تركيا | غير عضو | لم توقع ولم تصادق |
القبارصة الأتراك | غير عضو | دولة قبرص التركية غير معترف بها، ولكن القبارصة الأتراك مكون أساسي وأصيل من أهل الجزيرة. |
الولايات المتحدة | غير عضو | أميركا ليست دولة من دول شرق البحر المتوسط لكن لها نفوذ كبير في المنطقة وموقف من النزاعات فيها، يتعارض في كثير من الأحيان مع حقيقة أنها ليست عضوًا في اتفاقية قانون البحار. |
المصدر: من إعداد الباحث
وتعتبر الخطوات الأحادية التي قامت جمهورية قبرص (اليونانية) باتخاذها منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين السبب الأساسي في اتساع نطاق المشاكل الحدودية وما يتصل بها من نزاعات تتعلق باستكشاف واستثمار واستخراج الثروات من باطن حوض شرق البحر المتوسط. لكن، وبسبب الوضع الخاص الذي تتمتع به قبرص داخل الاتحاد الأوروبي، والدعم السياسي غير المحدود لها، غالبًا ما يتم تجاهل هذه النقطة والتركيز على التداعيات بدلًا من الأسباب.
احتدمت المشاكل بشكل أساسي عندما قامت قبرص بتوقيع اتفاقيات ترسيم حدودية مع مصر، ولبنان، وإسرائيل متجاهلة حقوق القبارصة الأتراك؛ ما أفضى إلى دخولها في نزاع معهم. ويعتبر القبارصة الأتراك، وهم مكون أصيل من مكونات الجزيرة وسكانها، أن ثروات الجزيرة يجب ألا تكون حكرًا على طرف، حتى لو لم يكن هناك اعتراف بجمهورية قبرص التركية في الشطر الشمالي من الجزيرة، فثروات الجزيرة ملك لجميع أبناء الجزيرة ولا يجوز استغلالها من طرف واحد بمعزل عن الطرف الآخر.
إجراءات قبرص الأحادية تسببت أيضًا بمشكلة مع تركيا، فضلًا عن المشكلة التركية-اليونانية. وتعتبر تركيا أن المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها قبرص اليونانية تتداخل مع الجرف القاري التركي ومع المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها (لم يتم الإعلان عنها رسميًّا). وترى أنقرة أن إرساء المناقصات على الشركات الأجنبية للبحث والتنقيب عن الغاز في هذه المنطقة غير قانوني، لأنه ينتهك حقوقها. علاوةً على ذلك، هناك نزاعات أخرى على ترسيم الحدود البحرية بين كل من اليونان وليبيا، وتركيا واليونان، ومصر وليبيا، وسوريا ولبنان، وإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، ولبنان وإسرائيل. وتعود هذه الخلافات بشكل أساسي إما إلى اختلاف المرجعية القانونية والآليات التقنية في ترسيم الحدود، وإما إلى غياب آلية لحل النزاع، وإما إلى الخلل في موازين القوى حيث تمتعت إسرائيل بالإضافة إلى اليونان وقبرص بدعم لا محدود وغير مشروط تاريخيًّا من القوى الدولية لاسيما الولايات المتحدة في حالة إسرائيل، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة اليونان وقبرص، وهو ما عقَّد من معادلات الصراع شرق البحر المتوسط وعرقل من جهود تسويته بشكل عادل بين الدول المتصارعة.
جدول رقم (2): إجراءات شرق البحر المتوسط
الفاعلون | الإجراء | ملاحظات | |
2003 | قبرص-مصر | اتفاق ترسيم حدود بحرية | اعترضت عليه تركيا والقبارصة الأتراك |
2007 | قبرص-لبنان | اتفاق ترسيم حدود بحرية | اعترضت عليه تركيا والقبارصة الأتراك+ لم يصادق لبنان عليه |
2010 | قبرص-إسرائيل | اتفاق ترسيم حدود بحرية | اعترض عليه كل من تركيا والقبارصة الأتراك ولبنان |
2013 | إسرائيل-قبرص-اليونان | تعيين خط أنابيب “إيست ميد” | يفترض به أن ينقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر جزيرة كريت واليابسة اليونانية. يمر في حال إنشائه في منطقة بحرية تعود إلى الجانب التركي، بحسب وجهة النظر التركية |
2015-2018 | الاتحاد الأوروبي | تمويل دراسة حول خط أنابيب “ايست ميد” | – |
2019 | مصر- إسرائيل- قبرص- اليونان- إيطاليا- الأردن- السلطة الوطنية الفلسطينية | تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط | استبعد المنتدى دول شرق المتوسط الآتية: لبنان، وسوريا، وتركيا، وليبيا، والقبارصة الأتراك. |
2019 | تركيا-ليبيا | اتفاق ترسيم حدود بحرية | اعترضت اليونان وقبرص. مصر اعترضت كذلك، لكنها قالت إن الاتفاق لا يؤثر سلبًا على مصالحها. |
2020 | مصر-اليونان | اتفاق ترسيم حدود بحرية | اعترضت تركيا وليبيا على الاتفاق. رغم اعتراض الجانب التركي، إلا أنه ذكر أن الاتفاق لم يدعم نظرية اليونان بشأن الترسيم مع تركيا؛ مما يعني أن مصر تركت الباب مفتوحًا للتفاهم مع أنقرة. |
2020 | مصر-إسرائيل- اليونان-قبرص- الأردن-السلطة الوطنية الفلسطينية- إيطاليا-فرنسا (مراقبون: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)
| تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة للغاز | استبعد المنتدى دول شرق المتوسط الآتية: لبنان، وسوريا، وتركيا، وليبيا، والقبارصة الأتراك. |
2022 | لبنان-إسرائيل | ترسيم الحدود البحرية | تم بوساطة أميركية، وقد يتطلب تعديلات على الاتفاقات اللبنانية والإسرائيلية مع قبرص. |
2022 | مصر | ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا من طرف واحد | اعترضت عليه ليبيا على اعتبار أنه يستقطع جزءًا من المياه الليبية، علاوةً على الجزء الذي تدعي اليونان أنه تابع لها. الجانب التركي اعتبر أن الترسيم الأحادي لا يخرق خط الترسيم التركي-الليبي. دعت أنقرة مصر وليبيا إلى التفاوض السريع. |
المصدر: من إعداد الباحث
ثالثًا: النزاع اللبناني-الإسرائيلي
- خلفية عن النزاع الحدودي البحري
يعود الخلاف على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في جزء كبير منه إلى الإجراءات التي قامت بها قبرص، والتي نجم عنها اتفاقيات ثنائية منفصلة مع عدد من دول شرق البحر المتوسط؛ مما أدى إلى تداخل بين الحدود البحرية المرسومة بناء على هذه الاتفاقيات، وإلى انتهاك حقوق عدد من الدول من بينها لبنان. ولأن لبنان لا يعترف بوجود إسرائيل وفي حالة حرب معها منذ عقود تتخللها هُدَن بعضها قصير والآخر طويل الأجل، حالت هذه المعطيات بالإضافة إلى تعقيدات أخرى دون التوصل إلى تفاهم بين الطرفين. في 17 يناير/كانون الثاني 2007، توصلت قبرص ولبنان إلى اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما. تضمن الاتفاق في مادته الأولى (الفقرتين 4 و5) ومادته الثالثة إشارة إلى ضرورة أن يبلغ أي طرف منهما الآخر ويستشيره أولًا في أي خطوة من شأنها أن تؤثر على الإحداثيات المشار إليها(11).
صادقت قبرص على هذا الاتفاق، لكن لبنان لم يصادق عليه. وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2008، قرر مجلس الوزراء اللبناني تأليف لجنة لإعادة دراسة مسودة مشروع الاتفاق الموقع مع قبرص وترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية. وضعت اللجنة، في أبريل/نيسان 2009، حدود المنطقة اللبنانية بشكل منفرد نظرًا لتعذر التفاوض مع إسرائيل وسوريا، وأدى ذلك إلى استحداث نقطة 23 جنوب النقطة 1 باتجاه إسرائيل، والنقطة 7 شمال النقطة 6 باتجاه سوريا (انظر الخريطة رقم 2)، وتم تحديثها وإيداع الإحداثيات لدى الأمم المتحدة، في يوليو/تموز 2010، وأكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه(12).
في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، توصلت قبرص إلى اتفاق لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع إسرائيل أيضًا، واعتمد الاتفاق على النقطة رقم 1 الواردة في الاتفاق القبرصي-اللبناني جنوب لبنان كحدود للمنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل من جهة لبنان، وأدى ذلك عمليًّا إلى دخول إسرائيل حوالي 860 كلم2 داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة التي أعلن عنها لبنان سابقًا(13) (انظر الخريطة رقم 2).
الخريطة رقم (2): المساحة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل بعيد الاتفاق القبرصي–الإسرائيلي
وقبيل بدء التفاوض اللبناني-الإسرائيلي بوساطة أميركية
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات
رفض لبنان هذا الاتفاق واعترض عليه لدى الأمم المتحدة، كما طالب قبرص بتعديله بما يحفظ حقوقه في منطقته الاقتصادية الخالصة ويمنع الاعتداء عليها، على اعتبار أنه لم يُستشر كما ينص عليه الاتفاق اللبناني-القبرصي ولم يوافق على هذا الأمر. ردَّ الجانب القبرصي بأن لبنان لم يصادق أصلًا على الاتفاق الموقع معه، وأنه ليس بوارد تعديل الاتفاق مع إسرائيل، وأن على بيروت أن تحل مشكلتها الآن مع إسرائيل من خلال التفاوض الثنائي معها. وفي 1 أكتوبر/تشرين الأول 2011، أصدر لبنان مرسوم تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية بشكل منفرد، وأودع الإحداثيات لدى الأمم المتحدة يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وهو ما اعترضت عليه إسرائيل وسوريا معًا في وقت لاحق(14). ومع اتجاه كل من لبنان وإسرائيل إلى اتخاذ خطوات أحادية، والاستعداد لتثبيت الحدود البحرية من خلال استصدار تراخيص الاستكشاف، واكتشاف إسرائيل المزيد من حقول الغاز، ازدادت الهوة بين الطرفين، وبدا أن النزاع في طريقه إلى الاشتعال ما لم يتدخل طرف ما للمساعدة على التوصل إلى حل.
- جهود الوساطة(15)
عادةً ما تُحل الخلافات على المستوى الدولي بشأن ترسيم الحدود عبر واحدة من الآليات التالية: إما المفاوضات المباشرة، وإما التحكيم، وإما الوساطة. وبما أنه ليس من الممكن اللجوء إلى مفاوضات مباشرة نظرًا لعدم وجود علاقات دبلوماسية بين الطرفين، وبما أن التحكيم لم يكن متاحًا نظرًا لغياب الأرضية المشتركة في اللجوء إلى التقاضي الدولي، فضلًا عن عدم وجود توافق بينهما على الذهاب إلى محكمة دولية، فإن الوساطة كانت الخيار الوحيد المتاح عمليًّا للطرفين لتسوية الخلاف الناشئ بينهما على ترسيم الحدود شرق البحر المتوسط. تعود جهود الوساطة الأساسية في ملف النزاع على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل إلى العام 2012، ويمكن إيجازها في أربع مراحل أساسية تولت الولايات المتحدة مهمة القيام بها، وهي:
1- مرحلة فريدريك هوف: عيَّنت الولايات المتحدة آنذاك المبعوث الخاص السابق إلى سوريا ولبنان، فريدريك هوف، للقيام بمهام الوساطة بين الطرفين والمساعدة على التوصل إلى حل للخلاف بينهما. اقترح هوف تقسيم المنطقة المتنازع عليها مؤقتًا بين لبنان وإسرائيل، وذلك بنسبة ثلثين لصالح لبنان وثلث لصالح إسرائيل وفق ما عُرف باسم خط هوف، إلا أن مقترحة رُفض (انظر الخريطة رقم 3).
2- مرحلة عاموس هوكشتاين(16): في العام 2013، اقترح هوكشتاين، مساعد وزير الطاقة الأميركي، رسم خط أزرق بحري مُؤقت على غرار الخط الأزرق البري المرسوم بين لبنان وإسرائيل، على أن تبقى المنطقة المتنازع عليها والملاصقة للخط من الجهتين خارج عمليات الاستكشاف والتنقيب إلى أن يتم الاتفاق على ترسيم نهائي للحدود البحرية، إلا أن مُقترحه رُفض.
3- مرحلة ديفيد ساترفيلد: بدأت هذه المرحلة من التفاوض على “آلية التفاوض” بشكل فعال في العام 2019، وبدا أنها مدفوعة بحاجة لبنان إلى التنقيب عن النفط والغاز، ولذلك تم طرح مقترح لبناني حول آلية التفاوض، حمله ديفيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى إلى إسرائيل. كان لبنان يريد تلازم مساريْ ترسيم الحدود البحرية والبرية، وأن تجرى المفاوضات برعاية الأمم المتحدة ودعم الولايات المتحدة في مقر قيادة قوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) في الناقورة جنوب لبنان، وأن يكون التفاوض مفتوحًا زمنيًّا. أما إسرائيل فكانت تريد التفاوض على الترسيم البحري فقط، وأن يتم في الخارج (أوروبا أو أميركا)، وأن يكون محددًا بفترة زمنية قصيرة. تم تحقيق تقدم كبير في هذه المرحلة.
4- مرحلة ديفيد شنكر: تسلم شنكر مهامه خلفًا لساترفيلد، في يونيو/حزيران 2019، وشهدت هذه المرحلة الاختراق الأبرز مع التوصل، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، إلى “اتفاق الإطار” الذي يحدد إطار التفاوض وآلياته حول النزاع. وفق هذا الاتفاق، ستكون المباحثات غير مباشرة بين الطرفين، اللبناني والإسرائيلي، بوساطة وتسهيل من أميركا ورعاية من الأمم المتحدة، وذلك في المقر الأممي بالناقورة اللبنانية على الحدود مع إسرائيل. جرى الاتفاق أيضًا على أن يُصار إلى بحث مسألة الحدود البرية بشكل منفصل. لم تدم المحادثات في هذه المرحلة طويلًا، ووسع الجانب اللبناني مطالبه خلالها إلى النقطة رقم 29 بعدما كان يطالب بالنقطة رقم 23 (انظر الخريطة رقم 3).
5- مرحلة جديدة عاموس هوكشتاين: في شهر يونيو/حزيران من العام 2022، دعا لبنان الولايات المتحدة الأميركية إلى استئناف وساطتها وذلك في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد مع تل أبيب بعد أن قامت إسرائيل بإرسال سفينة إلى حقل كاريش الذي يعتبر لبنان أنه يقع في منطقة متنازع عليها(17). وافقت إدارة جو بايدن الأميركية على إرسال مستشار أمن الطاقة، عاموس هوكشتاين، إلى لبنان للعب دور الوساطة مجددًا(18). وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، استطاع الوسيط الأميركي إقناع الطرفين، اللبناني والإسرائيلي، بالموافقة على اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما ضمن صفقة تنهي الخلاف على هذا الملف وتضمن مصالح الطرفين حسب ما أعلن كل منهما، وتسمح لهما بمواصلة الجهود لاستخراج الغاز(19).
خريطة رقم (3): المناطق المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل
وحدود اتفاق ترسيم الحدود بين الجانبين
المصدر: وكالة الأناضول للأنباء
رابعًا: اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل 2022
- مضمون الاتفاق
يتألف نص الاتفاق الرئيسي لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من مقدمة وأربعة أقسام رئيسية بالإضافة إلى عدد من الملحقات(20). يضم القسم الأول 5 نقاط أساسية، ويتعلق بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وفق الإحداثيات الواردة فيه، ويؤكد على أن الاتفاق يُرسي حلًّا دائمًا ومنصفًا للنزاع البحري القائم بينهما. يتضمن هذا القسم إشارة إلى أنه لن يتم المساس بوضع الحدود البرية بانتظار إمكانية ترسيمها مستقبلًا مع التأكيد على الخلاف في وجهات النظر القانونية فيما يتعلق بتداعيات الترسيم البري على الحدود البحرية. كما يتضمن إشارةً إلى ضرورة ابلاغ الأمم المتحدة بالإحداثيات الجديدة للترسيم البحري من قبل الطرفين على أن تحل محل أي إحداثيات سابقة تم تقديمها إلى الأمم المتحدة وأن يُصار إلى إبلاغ الولايات المتحدة بإنجاز هذه الخطوة(21).
أما القسم الثاني من الاتفاق، فهو يضم 7 نقاط، ويوضح حقوق وواجبات الطرفين فيما يتعلق بالمنطقة التي تقع جزئيًّا في القطاع رقم 9 اللبناني، وجزئيًّا كذلك في القطاع رقم 72 الإسرائيلي، والمشار إليها باسم “المكمن المحتمل” ]يُسمي لبنان هذه المنطقة التي تقع في الطرفين: حقل قانا[ (انظر الخريطة رقم 4). ينظم هذا القسم شروط الاستكشاف لآفاق هيدروكربونية محددة ومحتملة في المكمن المذكور، ويحدد الشروط والمواصفات المتعلقة بالمُشغِّل (الشركة/الشركات) التي ستعمل في المكمن المحتمل. في هذا القسم إشارة أيضًا إلى أن إسرائيل ستحصل على تعويض من مشغل البلوك رقم 9 لقاء الحقوق العائدة لها من أي مخزونات محتمَلة في المكمن المحتمل. وأكد القسم على أن تطوير كامل المكمن المحتمل سيكون حصريًّا لصالح لبنان، ولن تقوم إسرائيل بممارسة أي حقوق لجهة تطوير المخزونات الهيدروكربونية الواقعة في المكمن المحتمل، كما أنها لن تعترض على أي أنشطة ترمي إلى تطوير المكمن المحتمل أو تتخذ أي إجراءات من شأنها تأخير تنفيذ الأنشطة دون مسوغ(22).
خريطة رقم (4): حدود حقل قانا الذي يقع في الجانبين، اللبناني والإسرائيلي، من الحدود البحرية
والذي تم إعطاؤه إلى لبنان وفق الاتفاق
المصدر: “لورينت توداي” عن الجيش اللبناني
وفيما يتعلق بالقسم الثالث الذي يضم 4 نقاط، فهو يتعلق بالثروات التي من الممكن اكتشافها مستقبلًا على طرفي الحدود وآلية تفادي الاختلاف بشأنها خاصة إذا كان العمل على التطوير أو التنقيب أو الاستخراج قرب الحدود البحرية قد أدى إلى سحب جزء من التراكمات أو المخزونات الواقعة في الجزء التابع للطرف الآخر من خط الحدود البحرية أو استنفادها أو خفض منسوبها، على أن يتم ذلك من خلال الاستعانة بالولايات المتحدة الأميركية، وذلك بغرض التوصل إلى تفاهم حول منح الحقوق والطريقة التي يمكن بها التنقيب عن أي تراكمات أو مخزونات وتطويرها بأعلى قدر من الفاعلية(23).
أما القسم الرابع، فيتألف من نقطتين: الأولى: تحدد آلية حل النزاعات بين الأطراف مستقبلًا بشأن تفسير هذا الاتفاق وتطبيقه؛ حيث تحتفظ الولايات المتحدة بالدور الرئيسي في هذا المجال، وتتضمن إقرارًا بإدراك الطرفين أن الولايات المتحدة تعتزم بذل قصارى جهدها في العمل معهما على المساعدة في تهيئة جو إيجابي وبنَّاء، والمحافظة عليه لعقد النقاشات وتسوية أي خلاف بنجاح وبأقصى سرعة ممكنة. أما النقطة الثانية، فتتعلق بآلية دخول الاتفاق حيز التنفيذ. وتتضمن الملحقات بالاتفاق نماذج للمراسلات التي من المفترض أن يتم اعتمادها، وهي: (أ) مذكرة الجانب اللبناني المقترَحة إلى الأمم المتحدة، (ب) مذكرة الجانب الإسرائيلي المقترَحة إلى الأمم المتحدة، (ج) الرد المقترح من الطرفين إلى الولايات المتحدة، (د) الإخطار النهائي المقترَح من حكومة الولايات المتحدة (يُرسَل إلى الطرفين في الوقت نفسه)(24).
- استثنائية الاتفاق
تم الاتفاق بين طرفين لا يتمتعان بعلاقات دبلوماسية؛ فلبنان لا يعترف رسميًّا بوجود إسرائيل، والطرفان في حالة حرب منذ العام 1948، تتخللها هُدَن بعضها قصير والآخر طويل الأجل. ومن هذا المنطلق، فإن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين هو اختراق في واقع العلاقات بينهما، وإن تم ذلك بشكل غير مباشر وعبر وساطة أميركية. كما أن محاولة بعض اللبنانيين (الرئيس اللبناني السابق وحزب الله على وجه التحديد) التقليل من أهمية الأمر والنفي التام لوجود عملية تطبيع لا تغير من الواقع المستجد ولا من حقيقة أن الاتفاق خلق أرضية من المصالح المشتركة للطرفين ومن الممكن أن يتم البناء عليه مستقبلًا وإن لم يُقِر لبنان بالاعتراف بإسرائيل بشكل رسمي أو يسمي التطور الذي حصل بشكل علني بأنه تطبيع.
الاتفاق اللبناني-الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية بينهما هو الأول الذي يتم بين بلدين متجاورين في شرق البحر المتوسط؛ إذ عادة ما تلجأ الدول المتجاورة إلى ترسيم حدودها بشكل أحادي بسبب الخلافات بينها، كما أن الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها خلال العقدين الماضيين لترسيم الحدود البحرية بين عدد من الدول شرق البحر المتوسط تمت بين بلدان متقابلة وليست متجاورة. وتعد آلية التوصل إلى الاتفاق فريدة من نوعها بالنظر إلى العنصر الأول الذي تطرقنا إليه، وهو ما يجعل اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل شرقي البحر المتوسط الأول من نوعه الذي يتم عبر وساطة من طرف ثالث.
وقد تبدَّى من طبيعة المفاوضات وسرعة التوصل إلى اتفاق، أشاد به الطرفان، أن هناك دوافع أصيلة وظروفًا موضوعية كانت حاضرة بقوة لدى لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية؛ وهو الأمر الذي أدى إلى تسهيل مهمة الوسيط نسبيًّا وإلى التوصل إلى تسوية يمكن لكل طرف أن يقوم بتسويقها بالشكل الذي يناسبه، وبتفسيرها على أنها انتصار استطاع من خلاله تأمين مصالحه.
كان لبنان قد شهد في العام 2019 انتفاضة شعبية ضد السلطة الحاكمة، تبعها انهيار اقتصادي غير مسبوق على الإطلاق ما أدى إلى انهيار سعر صرف العملة المحلية (الليرة)، وتخلف لبنان عن سداد ديونه، وحصل فراغ حكومي، ووقع انفجار هائل، في أغسطس/آب 2020، أدى إلى تدمير ميناء بيروت وجزء كبير من الواجهة البحرية ومقتل 200 مواطن وجرح وتشريد الآلاف، وارتفاع المديونية العامة للبلاد إلى حوالي 100 مليار دولار مع بداية العام 2022. ومع قرب انتهاء العام 2022، كان لبنان يستعد لدخول البلاد في حالة شلل سياسي غير مسبوقة مع شغور السلطة التنفيذية وفراغ في موقعي رئاسة الجمهورية والحكومة؛ إذ إن ولاية الرئيس الدستورية تنتهي مع نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، أما الحكومة، فهي في موقع حكومة تصريف أعمال. ولهذه الأسباب بالتحديد، تعجل رئيس الجمهورية التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل قبيل انتهاء ولايته الدستورية.
في المقابل، كانت إسرائيل خلال الفترة الممتدة من 2019 وحتى عام 2022، تعزز من موقعها ودورها شرق البحر المتوسط مع تحولها من مستورد للغاز إلى مصدِّر له. ترافق ذلك مع انضمامها إلى منتدى غاز شرق البحر المتوسط، في يناير/كانون الثاني 2019، وتوقيع اتفاقية مع الأردن وأخرى مع مصر لتصدير الغاز في ديسمبر/كانون الأول 2019، واتفاقية مع قبرص واليونان في يناير/كانون الثاني 2020 لإنشاء أنبوب “إيست ميد” لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا مرورًا بهما، واتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، في يونيو/حزيران 2022، لزيادة صادرات الغاز إلى أوروبا.
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير/شباط 2022، رأت إسرائيل في التطورات الإقليمية والدولية فرصة سانحة للاستثمار في دورها كمُصدِّر صاعد للطاقة شرق البحر المتوسط، وفرصة كذلك لتسريع عملية التطبيع الجارية مع العديد من الدول في الشرق الأوسط، وكلتاهما تفترضان تسريع عمليات استكشاف واستخراج وتصدير الغاز، وهو أمر غير ممكن من دون ترسيم الحدود مع لبنان. علاوةً على ذلك، فإن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لبيد، كانت تحضِّر للانتخابات المقبلة في نوفمبر/تشرين الأول 2022، ولذلك فقد كانت تستعجل التوقيع على الاتفاق قبل إجراء الانتخابات التشريعية.
وقد أكد كل من الجانبين، اللبناني والإسرائيلي، أن الاتفاق ضَمِنَ حقوقهما كاملة وسيحقق الاستقرار في المنطقة ويتيح استثمار الموارد بشكل فوري. وبحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي، لبيد، هناك إجماع نادر لدى كافة أجهزة الأمن حول حيوية هذا الاتفاق، وهو يُعتبر بمنزلة إنجاز دبلوماسي نادر يتضمن اعتراف لبنان باتفاق خطي مكتوب بإسرائيل، واحتفاظ تل أبيب بحقل “كاريش” كاملًا، والحصول على 17% من الأرباح الناجمة عن حقل “قانا”، بالإضافة إلى الاحتفاظ بحرية التصرف في مواجهة حزب الله والتهديدات الصادرة عن الشمال. ولهذا، فإن الاتفاق يضمن، بحسب لبيد، كامل مصالح البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية ويحقق الاستقرار ويخفف من احتمال اندلاع صراع مع لبنان(25).
أما الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون، فقد اعتبر الاتفاق إنجازًا تاريخيًّا وأن الجانب اللبناني حصل على حقوقه كاملة ولم يتنازل عن كيلومتر واحد من مياهه وأنه أضاف إليها حقل قانا كاملًا، كما اعتبر الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، ما حصل في اتفاق ترسيم الحدود البحرية انتصارًا كبيرًا للبنان وشعبه وللمقاومة(26). وفي حين لفت عون إلى أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان يُعد عملًا تقنيًّا لا يتضمن أي أبعاد سياسية، وليست له أي مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول الأخرى، قال نصر الله: إنه ليس هناك أساس للحديث عن تطبيع، على اعتبار أن المفاوضات في ملف الترسيم كانت جميعها غير مباشرة ولم يلتق الوفدان، اللبناني والإسرائيلي، تحت سقف واحد، مضيفًا أن الاتفاق الموقع لترسيم الحدود البحرية “ليس معاهدة دولية ولا اعترافًا ولا تطبيعًا مع إسرائيل”(27).
وتحدث الطرفان عن ضمانات تم الحصول عليها لإنجاز الاتفاق، فيما وصف الجانب الأميركي، الذي قام بجهود امتدت في الجولة الأخيرة من المفاوضات عدة أشهر، الاتفاق بالتاريخي، مشيرًا إلى أنه سيجلب موارد طاقة جديدة ليس للبلدين فحسب، وإنما للأسواق الدولية أيضًا. كما هنَّأ الرئيس الأميركي الطرفين على التوصل لهذا الاتفاق مُبديًا دعمه لهما. وشدَّد هوكشتاين على أن الولايات المتحدة ستواصل عملها كضامن للاتفاق حتى بعد التغييرات التي ستحصل في لبنان وإسرائيل(28)، وأن الاتفاق يوفر الاستقرار على جانبي الحدود، ويصب في مصلحة الطرفين، وأن أي انتهاك للاتفاق من قبل أي طرف، سيؤدي في نهاية المطاف إلى خسارة الطرفين(29).
خامسًا: تحليل “سوات” الرباعي SWOT
- نقاط القوة (S)
هناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل هو اتفاق قوي وقابل للصمود، لعل أبرزها:
- الاتفاق مُوقع من قبل رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وقد تم الاطلاع على تفاصيله من قبل الجهات المعنية في لبنان وإسرائيل أثناء المفاوضات، وإعداد المسودة النهائية، وبعد الانتهاء من صياغة الاتفاق، وهو ما يعني أنه اتفاق قوي ويحظى بالقبول لدى الطرفين.
- صياغة الاتفاق تسمح لكل طرف من الأطراف المعنية بتسويقه على أنه انتصار لصالحه، يضمن حقوقه، ولا يترتب عليه تقديم أي تنازلات، ويتيح له استغلال الثروات في باطن البحر مباشرة ودون الحاجة إلى ترتيبات مستقبلية أو مرتبطة بأي جانب.
- الاتفاق يخدم المصالح المباشرة لكلا الطرفين، لكن الأهم أنه يخلق مساحة مشتركة من المصالح للطرفين أيضًا بحيث يجعل استمرارية تنفيذ الاتفاق مرهونة باستمرار اتفاق الطرفين على المصالح المشتركة، وهو ما يحفزهما على الإبقاء على هذا الحيز من الأرضية المشتركة والمصالح المشتركة وربما تعزيزها مستقبلًا.
- ضمانات الوسيط الأميركي للطرفين، ووجود مصلحة مباشرة لواشنطن في نجاح الاتفاق نظرًا للدور الذي من المتوقع أن تلعبه شركات التنقيب عن النفط والغاز الأميركية في المنطقة، والمكاسب التي من الممكن أن تجنيها واشنطن من تثبيت الاتفاق على المستوى الجيوسياسي والجيواقتصادي والجيوأمني تصب في صالح تمتين الاتفاق.
- الاتفاق يسمح بإنشاء شبكة مصالح إضافية للعديد من الأطراف على المستوى الإقليمي والدولي، ما من شأنه أن يوسع من دائرة الدول الداعمة له والتي لديها مصلحة في الحفاظ على الاتفاق واستمراريته، ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي والشركات المعنية به، كشركة “توتال إنرجي” الفرنسية، وشركة “إيني” الإيطالية التي تمتلك أعمالًا واسعة شرق البحر المتوسط والمعنيتان بشكل أساسي بالاتفاق المتعلق بإعطاء إسرائيل حصة من أرباح “المكمن المحتمل” في حال تطويره، بالإضافة إلى شركة إنرجيان اليونانية التي تعمل على تطوير حقل “كاريش” الإسرائيلي.
- نقاط الضعف (W)
وبموازاة مؤشرات القوة التي سبق ذكرها، هناك بعض المؤشرات على وجود نقاط ضعف في الاتفاق، قد تخلق بعض المشاكل مستقبلًا، خاصة إذا ما تغيرت المعطيات والظروف، من بينها:
- الاتفاق لا يحظى بإجماع لدى الجانبين، اللبناني والإسرائيلي؛ إذ على الرغم من المصادقة الرسمية على الاتفاق من قبل الرئيس اللبناني ورئيس الحكومة الإسرائيلية، إلا أن الاتفاق تعرض لانتقاد شديد في البلدين ولقي معارضة من شرائح مختلفة سياسية وشعبية. ففي لبنان، بدت شريحة واسعة من اللبنانيين غير مؤيدة لهذا الاتفاق على اعتبار أنه يقر بتنازل السلطات اللبنانية وحزب الله عن مساحة من مناطق سيادية لبنانية تمتد حتى الخط 29، وخسارة لبنان القسم المتنازع عليه مع حقل كاريش وعشرات إن لم يكن مئات مليارات الدولارات. في إسرائيل، اعتبر رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو (أصبح مجددًا رئيسًا للوزراء بعد الانتخابات التي جرت في أعقاب الاتفاق)، أن الاتفاق تنازل عما أسماه حقوق إسرائيل دون مناقشة في الكنيست أو تفويض قانوني، ووعد بعدم الالتزام بالاتفاق بعد توليه رئاسة الحكومة، لكنه عاد بعد فوزه في الانتخابات، وأكد أنه لن يلغيه، بل سيراجعه وإذا وجد فيه عيوبًا سيصححه “بطريقة مسؤولة”(30).
- بعض فقرات الاتفاق نصت على إمكانية النظر في تعديلات مستقبلية إذا ما جرى ترسيم الحدود البرية وتجميد الجزء المختلف عليه من الحدود البحرية عند اليابسة اللبنانية. هذا يعني أن هناك احتمالًا ولو كان ضئيلًا في أن يتم فتح الموضوع مستقبلًا. وبقدر ما يعتبره البعض مدخلًا لتفاهم مستقبلي، فقد يكون كذلك سببًا لنزاع جديد بينهما.
- على الرغم من أن الاتفاق نص على أنه يُرسي حلًّا دائمًا ومنصفًا للصراع على ترسيم الحدود بين الطرفين، اللبناني والإسرائيلي، شرق البحر المتوسط، إلا أن الظروف التي عُقد خلالها سهلت إلى حد كبير التوصل إليه، وبما أن الظروف غير ثابتة أو مستقرة، فهذا يعني أن تغيرها قد يؤثر مستقبلًا على المصالح المشتركة للطرفين وتاليًا على الاتفاق، سيما أن هناك ما يتيح إعادة مناقشة بعض النقاط كما سبق وذكرنا. حزب الله بالتحديد، أشار في تصريح لأمينه العام إلى أن الاتفاق لا يعتبر اتفاقية أو معاهدة، ولذلك فإن مثل هذا التوصيف قد يفتح الباب مستقبلًا أمام التملص من الاتفاق عند انتفاء الحاجة إليه أو عند تغير الأوضاع التي أدت إلى التوصل إليه.
- بالرغم من أن الاتفاق يتيح للطرفين، اللبناني والإسرائيلي، المباشرة في عملية الاستثمار والاستكشاف والتنقيب والاستخراج، إلا أن البنية التحتية القانونية والفنية واللوجستية لفعل ذلك متوافرة لدى إسرائيل وجاهزة منذ زمن، في حين أن الجانب اللبناني يحتاج إلى سنوات حتى يبدأ فعليًّا برؤية انعكاسات هذا الاتفاق. وعليه، فإن الفارق الزمني هو لصالح إسرائيل، فإذا لم يستفد لبنان عمليًّا من هذا الاتفاق، فتأخرت النتائج، أو تأجلت عوائد الاستثمار لسبب أو آخر بعد عدة سنوات، فقد يفقد الاتفاق أهميته وتنتفي المصالح المشتركة التي بنيت عليها.
- الفرص التي يتيحها الاتفاق (O)
استنادًا إلى أهمية الاتفاق وعوامل القوة السابق ذكرها، فإن الاتفاق يتيح عددًا من الفرص لعدد من الأطراف المعنية به بشكل مباشر أو غير مباشر، لعل أبرزها:
- يتيح الاتفاق إمكانية استغلال الثروات شرق البحر المتوسط بشكل أكبر، وأسرع؛ ذلك أن الخلافات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين الدول المتخاصمة غالبًا ما تكون العامل الأول والأكثر أهمية في منع حصول ذلك. ومع انتفاء عامل أساسي من عوامل تعطيل استكشاف، والتنقيب عن، وتصدير الغاز في جزء مهم من شرق حوض البحر المتوسط، أصبح الطريق سالكًا أمام إسرائيل ولبنان لفعل المزيد في هذا الجانب.
- سيفتح الاتفاق الباب -على الأرجح- أمام المزيد من الدول الواقعة شرق البحر المتوسط لإجراء اتفاقات ترسيم حدود بحرية سواءً تلك التي تمتلك حدودًا بحرية مع لبنان وإسرائيل، أو التي لا تمتلك حدودًا مع الجانبين ربما. هناك حافز أكبر طبعًا للدول التي تمتلك حدودًا مع لبنان وإسرائيل، لاسيما قبرص، لفعل ذلك، إذ إن الاتفاق اللبناني-الإسرائيلي سيجبر قبرص على تعديل الاتفاق السابق مع إسرائيل، كما أنه سيفتح الباب أمام اتفاق جديد مع لبنان. ربما يشجع الاتفاق اللبناني-الإسرائيلي أيضًا كلًّا من سوريا ولبنان على إجراء ترسيم مماثل للحدود البحرية بينهما سيما أنهما يعانيان من مشاكل مشابهة. سوريا، كما هي الحال بالنسبة إلى إسرائيل، ليست عضوًا في قانون البحار، وتدَّعي أن إعلان لبنان ترسيم حدوده البحرية من جانب واحد ينتهك مساحة بحرية تابعة لها. بُعَيدَ الاتفاق اللبناني-الإسرائيلي، تواصل الطرفان، اللبناني والسوري، لفتح ملف ترسيم الحدود البحرية، وقد اتفق الطرفان على تشكيل وفود رسمية لمتابعة الموضوع دون الحاجة إلى وسيط(31)، لكن لم يحصل أي تقدم في هذا الملف بعد(32).
- قد يشجع الاتفاق دولًا أخرى على اعتماد نفس صيغة التفاوض لناحية وجود وسيط، أو حتى نفس صيغة الاتفاق. هناك الكثير من نزاعات ترسيم الحدود شرق المبحر المتوسط القائمة بسبب غياب آلية متفق عليها لحل النزاع، علمًا بأن الوساطة هي الآلية الأكثر سهولة ربما مقارنة بالآليات الأخرى، وبالإمكان تطبيقها على حالات مثل النزاع بين تركيا واليونان، وهو النزاع الأكبر والأكثر أهمية شرق البحر المتوسط؛ حيث فشل الطرفان حتى الآن في حل خلافهما بسبب المطالب اليونانية المُبالغ فيها، والدعم الكامل والمُطلق وغير المشروط الذي تتمتع به اليونان من قبل الاتحاد الأوروبي وأميركا في كل الظروف؛ الأمر الذي يُقوض من إمكانية التوصل إلى حل.
- بالنسبة إلى إسرائيل، الاتفاق مع لبنان هو أكثر من مجرد اتفاق لترسيم الحدود؛ إذ تعتقد تل أبيب أنه بمنزلة اعتراف لبناني بها، اعتراف قد يفتح المجال واسعًا لاحقًا أمام المزيد من الخطوات التي من الممكن أن تفضي إلى درجة أكبر من “تطبيع الأمر الواقع” في العلاقات من بينها باب ترسيم الحدود البرية الذي تُرك مفتوحًا بحكم الاتفاق الموقع. وإن كرر الجانب اللبناني إنكاره وجود تطبيع، وشدَّد على أن الاتفاق لا يعني اعترافًا بإسرائيل أو تطبيعًا معها، إلا أنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن الاتفاق يخلق مساحة من المصلحة المشتركة بين لبنان وإسرائيل والمرتبطة بالترسيم والتنقيب والاستخراج وربما لاحقًا التصدير المشترك للغاز أو ربما العضوية المشتركة في نفس المنظمة المعنية. كما تتوقع إسرائيل أن يحقق الاتفاق نوعًا من الاستقرار مع لبنان ويحيد حزب الله ويخفف من اعتماد لبنان على إيران مستقبلًا. وفي هذا السياق، فإن الاتفاق قد يوسع من عملية التطبيع الجارية بين إسرائيل وعدد من الأنظمة العربية، بحيث يتم إدماج إسرائيل في المنطقة ليس من الناحية السياسية فقط، وإنما من الناحية الاقتصادية أيضًا مع الاتجاه الجاري إلى زيادة اعتماد عدد من الدول العربية على الغاز الإسرائيلي.
- بالنسبة إلى لبنان، يشكِّل الاتفاق مع إسرائيل فرصة لانتشال الاقتصاد اللبناني من أزمته العميقة وانهياره المالي. وإن كان استكشاف واستخراج الغاز يحتاج إلى وقت، إلا أن الاتفاق يرفع من فرص لبنان أيضًا في الحصول على مساعدات دولية بدعم أميركي، كما أنه يسمح لشركات التنقيب عن النفط والغاز بالعمل بحرية وسهولة مع انتفاء المشاكل الحدودية، مما يسرِّع من حظوظ لبنان في الاستفادة من ثروات النفط والغاز في حال تجاوز مشاكله وانقساماته الداخلية. علاوة على ذلك، فإن الاتفاق يخلق حالة من المصالح المشتركة بين الطرفين من بينها الحاجة إلى تحقيق الاستقرار للسماح بالاستمرار في الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز. فضلًا عن ذلك، فإن الاتفاق ينص على ضرورة دفع عوائد لإسرائيل، وإن كان ذلك يرتبط بشكل مباشر بالشركة المنقبة عن النفط والغاز في الشطر اللبناني من الحدود البحرية مع إسرائيل، إلا أنه يعني وجود رابطة مالية واقتصادية غير مباشرة مع لبنان أيضًا على اعتبار أن شركة التنقيب المعنية (توتال الفرنسية وإيني الإيطالية في هذه الحالة)(33) ستدفع لإسرائيل من حصتها التي تحصل عليها من العمل في المنطقة البحرية اللبنانية. وتعني هذه المعطيات أنه ستكون هناك مصلحة في عدم اندلاع حرب بين الطرفين، أو حصول تصعيد أمني كبير، أو توترات عسكرية لأن ذلك سيعني بشكل تلقائي تعطيل العمل في مشاريع استخراج وتصدير الغاز، إلا في حال كان هناك تفاهم غير معلن على استبعاد هذا القطاع في حال حصول تصعيد، وهو أمر محتمل من الناحية النظرية.
- بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يعزز الاتفاق من مصالح واشنطن شرق البحر المتوسط، ومن وجودها المباشر من خلال دورها الدبلوماسي والسياسي، أو من خلال دور شركاتها التي من المتوقع أن تحصل على حصة من المشاريع لاحقًا إلى جانب الشركات الاوروبية سيما أن الاتفاق نص في القسم الثاني، الفقرة الثالثة، على استبعاد الشركات سيئة السمعة أو الخاضعة لعقوبات دولية -والتي غالبًا ما يُقصد بها الشركات الإيرانية والروسية وربما الصينية أيضًا- من العمل في المنطقة رقم 9 التي تم منحها للبنان على الحدود البحرية مع إسرائيل.
- بالنسبة إلى الأوروبيين، وعلى الرغم من أنهم غير مذكورين بالنص في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، إلا أنهم قد يكونوا الرابح الأكبر منه إذا ما استبعدنا الأطراف المنخرطة بشكل مباشر فيه. مع اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، دفع اعتماد أوروبا على الغاز الروسي إلى البحث عن مصادر جديدة لتنويع الواردات وتقليص الاعتماد على موارد الطاقة الروسية. وفي هذا السياق، يبرز حوض شرق البحر المتوسط مصدرًا أساسيًّا من مصادر التنويع في واردات الغاز، ولذلك عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقية مع إسرائيل ومصر لزيادة صادرات الغاز إلى أوروبا في يونيو/حزيران 2022(34)، ويبحث عن مزيد من الحلول مما من شأنه أن يعطي أهمية أكبر لغاز شرق البحر المتوسط.
- الاتفاق سيقوي على الأرجح من علاقة إسرائيل مع مصر فيما يتعلق بتسييل وتصدير الغاز. فبسبب زيارة قدرة إسرائيل على استخراج وتصدير المزيد من الغاز، ستكون هناك حاجة إلى قدرة أكبر على التسييل عبر المنصات المصرية. لكن في المقابل، قد يسرع هذا الاتفاق أيضًا من التفاوض حول إعادة تفعيل مشروع خط أنابيب إسرائيل-تركيا عبر قبرص وذلك لأن الاعتماد الكامل على مصر للتسييل هو أكثر كلفة من الناحية المالية وأكثر استهلاكًا للوقت. وفي حال تفعيل التفاوض على هذا الخط، فسيُعد ذلك بمنزلة ضربة قاضية لمشروع إيست ميد اليوناني. أخيرًا، من الممكن أن يفتح الاتفاق الباب أمام لبنان وأعضاء آخرين للانضمام إلى منظمة غاز شرق المتوسط.
- المخاطر المحتملة للاتفاق (T)
بموازاة عوامل القوة والضعف والفرص التي يتيحها الاتفاق للأطراف المنخرطة فيه وتلك المستفيدة منه بشكل مباشر أو غير مباشر، يحمل الاتفاق معه عددًا من المخاطر على أكثر من صعيد، لعل أهمها:
- يعزز الاتفاق من عمليات التطبيع الجارية بين إسرائيل والأنظمة العربية وهو ما يزيد من الضغط باتجاه عمليات التطبيع. ولأن جزءًا من عملية التطبيع الإقليمية الجارية بدعم أميركي تقتضي دمج إسرائيل اقتصاديًّا في المنطقة وزيادة اعتماد الدول العربية على تل أبيب لاسيما في أمن الطاقة والأمن الاقتصادي، سيربط ذلك عمليًّا الدول العربية بإسرائيل ويجعلها تحت رحمتها، وقد كان العام 2020 عامًا مفصليًّا في هذا المجال(35)؛ إذ بدأت إسرائيل تصدير الغاز لأول مرة إلى كل من الأردن ومصر وذلك وفق اتفاقيتين منفصلتين حولتاها من مستورد إلى مُصدر للطاقة لأول مرة على الإطلاق، بموجب الاتفاق مع الأردن، سيتم تصدير نحو 45 مليار متر مكعب من الغاز من حقل “ليفياثان” إلى عمان، على مدار 15 عامًا(36)، أما الاتفاق مع مصر، فقد قضى بتصدير إسرائيل حوالي 7.2 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًّا، لمدة 15 عامًا(37).
في العام 2021، وقَّعت كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان اتفاقًا لإعادة إحياء ما يسمى بـ”خط الغاز العربي” لتزويد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الأردنية. وهناك من أشار إلى أن الغاز الذي يصل إلى كل من سوريا ولبنان وفق هذا الاتفاق هو في حقيقة الأمر غاز إسرائيلي. تعزز الموافقة الأميركية على هذا المشروع -بالرغم من العقوبات المفروضة على نظام الأسد- من المؤشرات التي تشير إلى أنه غاز إسرائيلي وأن الهدف هو دمج إسرائيل اقتصاديًّا في المنطقة ضمن مخطط التطبيع الأوسع لربط الدول العربية بها(38).
فضلًا عن ذلك، فإن شركات الطاقة الإسرائيلية بدأت بالحصول على عقود في قطاع الطاقة في عدد من الدول العربية من بينها على سبيل المثال مصر والمغرب. ولعل شركة الطاقة الإسرائيلية “نيوميد إنرجي” التي تلعب دورًا مهمًّا في اتفاق تصدير الغاز إلى مصر تعد أبرز مثال على هذا التوجه الجديد؛ حيث كانت الشركة قد أعربت عن خطط لها للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة مصر(39). كما وقَّعت الشركة الإسرائيلية، في العام 2022، اتفاقية مع وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، وشركة “أداركو إنرجي”، في المغرب، لمدة 9 سنوات وذلك للبحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي وإنتاجه في الصحراء المغربية(40).
- اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل سيُعزز على الأرجح من موقع ودور إسرائيل على حساب الدول العربية لأنه يمنح تل أبيب أهمية إضافية لدى الغرب بصفتها لاعبًا جديدًا وصاعدًا في ميدان الطاقة؛ مما قد يدفع الأوروبيين إلى غض النظر عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وعن سياسة الأنظمة الشمولية في المنطقة طالما أن ذلك سيؤمِّن لها تنويع وارداتها من الغاز وتقليل الاعتماد على موارد الطاقة الروسية والحصول على كميات جديدة من الغاز بأسعار رخيصة نسبيًّا مقارنة بالغاز الروسي.
- ومع أن الوساطة الأميركية هي عامل قوة للاتفاق في هذه المرحلة كما سبقت الإشارة، إلا أن أي تحول مستقبلي في موقف الولايات المتحدة من الاتفاق، أو انحياز في التطبيق لصالح إسرائيل، أو عدم التزام بالاتفاق، أو ربما حتى الانسحاب من الاتفاق والتخلي عنه، سيعرِّضه على الأرجح إلى الانهيار. ومع أن هذا الاحتمال ضعيف جدًّا الآن، ولا توجد مصلحة أميركية لفعل أي من هذه الأمور، إلا أنه لا يمكن استبعاده بشكل مطلق مستقبلًا، على الأقل من الناحية النظرية، وذلك بالاعتماد على سوابق أميركية، ليس آخرها الاتفاق النووي الإيراني، واتفاقية باريس للمناخ وغيرها.
- تغير موازين القوى، أو المعطيات التي أدت إلى التوصل إلى هذا الاتفاق، أو حتى حصول خيبة أمل لدى الجانب اللبناني إذا ما تبين لاحقًا أن المناطق التي حصل عليها بالقرب من خط ترسيم الحدود مع إسرائيل لا تحتوي على ثروات نهائيًّا، أو ربما تحتوي بشكل محدود جدًّا على بعض الثروات لكن بشكل لا يعكس الآمال والتوقعات التي كانت قائمة، فقد يهدد ذلك مصير الاتفاق مستقبلًا.
خاتمة
يشير تحليل “سوات” الرباعي إلى أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يتمتع بنقاط قوة ويتيح العديد من الفرص بالمقارنة مع نقاط الضعف التي يعاني منها والمخاطر التي قد يفرضها خلال المرحلة اللاحقة. ويوفر الاتفاق العديد من المزايا التي ترقى به إلى مرتبة التسوية؛ إذ استطاع كل من الطرفين تسويقه على أنه انتصار لصالحه نجح من خلاله تحقيق مصالح البلاد العليا. وبالرغم من إصرار السلطات اللبنانية -بما في ذلك حزب الله- على أن الاتفاق ليس تطبيعًا للعلاقات مع إسرائيل، إلا أنه يخلق أرضية من المصلحة المشتركة التي تربط استمرارية الاتفاق باستمرار المصلحة المشتركة للطرفين والتي تعزز بدورها من الالتزام الثنائي به. وإن لم يحقق الاتفاق السلام بين الطرفين، علنًا على الأقل، إلا أنه سيُخفف على الأرجح من احتمالات وقوع حرب مفتوحة بينهما نظرًا للاعتبارات سابقة الذكر وتلك التي جرى ذكرها في الورقة، ويشمل ذلك بطبيعة الحال حزب الله. لكن في المقابل، من المهم جدًّا مراقبة المعطيات التي أدت إلى التوصل للاتفاق كما هي الحال بالنسبة إلى موقف الضامن والوسيط، أي الجانب الأميركي؛ ذلك أن أي تحول جوهري في هذه المعطيات من شأنه أن يؤثر سلبًا على الاتفاق وعلى إمكانية استمراره مستقبلًا.
المراجع
(1) انظر:
Ehab Abu Gosh and Rafael Leal-Arcas, “Gas and Oil Explorations in the Levant Basin: The Case of Lebanon and Israel, Oil, Gas & Energy Law Intelligence”, vol. 11, no. 3, (April, 2013): 1-31.
(2) راجع:
Eduardo Wassim Aboultaif, “The Leviathan Field Triggering a Maritime Border Dispute
Cyprus, Israel, and Lebanon”, Journal of Borderlands Studies, vol. 32, no. 3, (2016): 298-304.
(3) راجع:
Ibrahim G. Aoudé, “Conflict Over Oil and Gas in the Mediterranean: Israeli Expansionism in Lebanon”, Arab Studies Quarterly, vol. 41, no. 1, (2019): 95- 110.
(4) راجع:
Yael Teff-Seker, Aviad Rubin & Ehud Eiran, “Israel’s ‘turn to the sea’ and its effect on Israeli regional policy”, Israel Affairs, vol. 25, no. 2, (2019): 234-255.
(5) انظر:
Marilyn M. Helms and Judy Nixon, “Exploring SWOT analysis –
where are we now? A review of academic research from the last decade”, Journal of Strategy and Management
vol. 3, no. 3, (2010): 215-251
(6) انظر:
David W. Pickton and Sheila Wright, “What’s SWOT in strategic analysis?”, Strategic Change, vol. 7, no. 2, (1998): 101–109.
(7) راجع:
Adam J. Koch, “SWOT Does not Need to be Recalled: It needs to be enhanced”, University of West Georgia, 2001. (Accessed: November 17, 2022).
(8) راجع:
C.J. Schenk et al., “Assessment of Undiscovered Oil and Gas Resources of the Levant Basin Province, Eastern Mediterranean”, U.S. Geological Survey, 12 March 2010, p. 2.
(9) علي باكير، ” اللعبة الكبرى: جيوبوليتيك التنافس على الغاز شرق المتوسط”، منتدى السياسات العربية، نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022)،
(10) علي باكير، “النزاع على الغاز في شرق المتوسط ومخاطر الاشتباك”، مركز الجزيرة للدراسات، 19 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022)،
(11) علي باكير، “رقعة الشطرنج اللبنانية-الإسرائيلية: النزاع على الحدود والغاز شرق المتوسط”، مركز الجزيرة للدراسات، 5 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022)،
(12) نفس المرجع السابق.
(13) نفس المرجع السابق.
(14) نفس المرجع السابق
(15) نفس المرجع السابق
(16) للاسم ألفاظ متعددة، منها: آموس هوكستين، آموس هوشتاين، وآموس هوكشتاين.
(17) راجع:
“As Israel moves to drill natural gas, Lebanon urges US envoy to end maritime dispute”, Times of Israel, 6 June 2022. (Accessed: November 27, 2022)
(18) راجع:
“Lebanon to invite US to mediate Israel maritime border talks”, Aljazeera, 6 June 2022. (Accessed: November 29, 2022).
(19) راجع:
“Special Presidential Coordinator Hochstein’s Travel to Lebanon and Israel”, U.S. Department of State, 26 October 2022. (Accessed: December 1, 2022).
(20) راجع:
“Full Text: Final Version of Israel-Lebanon Maritime Border Deal”, Haaretz, 12 October 2022. (Accessed: December 6, 2022).
(21) Ibid
(22) Ibid
(23) Ibid
(24)Ibid
(25) “يائير لابيد يوقع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان”، وكالة الأناضول، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 10 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(26) “بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية.. بايدن يهنئ إسرائيل ولبنان ونصر الله يعتبر ما حدث انتصارًا كبيرًا”، الجزيرة نت، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 11 ديسمبر/ كانون الأول 2022)،
(27) نفس المرجع السابق.
(28) “من دون صور للوفدين ولا مصافحات.. اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل يدخل حيز التنفيذ”، يورونيوز، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 12 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(29) “لبنان وإسرائيل توقعان اتفاق ترسيم الحدود البحرية”، تايمز أوف إسرائيل، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 13 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(30) The Netanyahu Doctrine: An in-depth regional policy interview, Al-Arabiya, 15 Dec. 2022. Viewed 24 Dec. 2022:
(31) “عون يتفق مع الأسد على ترسيم بحري قريب”، الأخبار، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 14 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(32) “مصدر: سوريا تلغي زيارة وفد لبناني لمناقشة ترسيم الحدود البحرية”، صحيفة الشرق الأوسط، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 15 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(33) “شركة “توتال إنرجي” و”إيني” توقعان اتفاقية إطار مع إسرائيل بشأن حقل غاز قانا”، آي 24 نيوز، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 15 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(34) راجع:
“EU, Israel and Egypt sign deal to boost East Med gas exports to Europe”, Reuters, 15 June 2022. (Accessed: November 17, 2022).
(35) عبد الله العقرباوي، “تطبيع برائحة الغاز.. هكذا تُحول إسرائيل مشاريع الطاقة إلى أداة للنفوذ في محيطها العربي”، الجزيرة ميدان، 30 يناير/كانون الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 14 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(36) “إسرائيل تعلن بدء تصدير الغاز إلى الأردن”، العربي الجديد، 1 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 16 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(37) راجع:
“Israel Gas Partners to Change Egypt Deal to Avert Supply Halt”, Bloomberg, 24 July 2019. (Accessed: December 13, 2022).
(38) خالد خليل، “الغاز الإسرائيلي.. يغذي شرايين نظام الأسد وحزب الله”، تليفزيون سوريا، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 13 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(39) “نيوميد.. أول شركة إسرائيلية تمتلك أصولًا للنفط والغاز في مصر”، الطاقة، 29 سبتمبر/أيلول 2022، (تاريخ الدخول: 17 ديسمبر/كانون الأول 2022)،
(40) راجع:
“Israeli company in Moroccan natural gas deal”, I24 News, 6 December 2022. (Accessed: December 20, 2022).