ملخص

تقدم هذه الدراسة تحولات علاقة الأحزاب السياسية المغربية بالاحتجاج في نمطين مبنيين، هما: نمط “الاتصال”، ويمتد زمنيًّا من عام 1934 إلى بدايات التسعينات، ثم نمط “الانفصال”، بدءًا من أواخر التسعينات إلى 2022. ولا يعبِّر هذا التنميط عن مسار خطي بقدر ما حكمته مساع منهجية ممثلة في الفهم والانفتاح على فرضيات تفسيرية كغاية وهدف، ما دامت تمظهرات “الاتصال” و”الانفصال” هذه اختلفت باختلاف السياقات، والنمط الواحد يشمل أصنافًا يمكن التمييز بينها أفقيًّا. ومن أجل تحقيق هذا المسعى، تم الاستناد إلى مقاربة منهجية كيفية تستحضر السياقات السياسية والمعاني التي يضفيها الفاعلون على الأحداث والوضعيات الاحتجاجية، انطلاقًا من إطاراتهم المرجعية.

كلمات مفتاحية: الأحزاب السياسية، الاحتجاج، “الاتصال”، “الانفصال”، المغرب.

Abstract

This study presents two patterns that describe the transformation in the relationship of Moroccan political parties with protest in two built patterns: the connection pattern, which continues from 1934 to the beginning of the 1990s, and the disconnection pattern, starting from the 1990s to 2022.

This pattern doesn’t reflect a complete scheme but it is guided by methodological endeavor represented in understanding and openness to explanatory hypotheses, as long as these dimensions of connection and disconnection differed according to different contexts, and the single pattern includes categories that can be distinguished horizontally. To accomplish this endeavor, we used a qualitative

__________________________________________

د.عادل النجار، باحث في العلوم السياسية، جامعة محمد الخامس، الرباط – المغرب

Adel Anejjar, Researcher in Political Science, Mohammed V University, Rabat – Morocco

methodological approach that focuses on the political contexts and the meanings that actors give to protest events based on their frames of reference.

Keywords : Political Parties, Protest, Connection, Disconnection, Morocco.

مقدمة

ليس من المبالغة أن يوصف الشارع المغربي بأنه لا يهدأ حتى يتحرك من جديد؛ لأن الاحتجاج أضحى ظاهرة مألوفة لا تغيب عن المشهد العام بالمغرب.

شهد الاحتجاج المغربي تناميًا كميًّا ونوعيًّا ملحوظًا منذ ما يزيد عن العقدين من الزمان، فبعد أن كانت الاحتجاجات في حدود 700 وقفة في سنة 2005، بمعدل وقفتين في اليوم، ارتفع هذا العدد إلى 5.000 في 2008، بمعدل 14 فعلًا احتجاجيًّا في اليوم، ليبلغ 8.600 في حدود 2010، أي ما يعادل 23 حركة يوميًّا. وأسهمت التظاهرات الجماعية لحركة 20 فبراير التي كانت أسبوعية تقريبًا في ارتفاع عدد الاحتجاجات سنة 2011. وبعد “الربيع العربي” استمر عدد الاحتجاجات في الارتفاع، فقد وصل هذا العدد سنة 2012 إلى 17.000 احتجاج(1). في حين سجلت سنة 2018 معدلًا وصل إلى 46 شكلًا احتجاجيًّا في اليوم، أي إن عدد الاحتجاجات تضاعف بحوالي 24 مرة مقارنة بسنة 2005(2). أما أماكن الاحتجاج فاتسعت لتشمل الوسط القروي والحضري بنسب متفاوتة، وتأتي المدن الكبرى في المرتبة الأولى بنسبة 50% ما بين 2010 و2013، بعدها المدن الصغيرة بنسبة 24%، ثم احتجاجات الوسط القروي بنسبة 18%، تليها المدن المتوسطة بـ8%(3). علاوة على ذلك، تنوعت مطالب الاحتجاج بين الاجتماعي والقيمي والسياسي، وتوزعت فضاءاته بين الشارع العام والفضاء الافتراضي لشبكات التواصل الرقمي.

يثير تنامي الاحتجاج وتوسعه المجالي إشكالية علاقته بالأحزاب السياسية، باعتبار أن التوسط بين الدولة والمجتمع، وتمثيل الطبقات والفئات الاجتماعية، وعقلنة مطالبها، وتدبير التوترات الاجتماعية، من صميم وظائف التنظيمات الحزبية. وانطلاقًا من كون العلاقة بين الحركات الاحتجاجية والاجتماعية والأحزاب السياسية متعددة الأوجه؛ بحيث يمكن أن يتعاونوا وأن يؤثروا في بعضهم البعض، كما يمكن أن يكون لديهم قضايا ورؤى متضاربة، وكون هذه العلاقة تتأثر بعوامل مختلفة؛ تسعى هذه الدراسة إلى فهم تحولات علاقة الأحزاب السياسية المغربية بالاحتجاج خلال المدة الممتدة ما بين 1934 و2022 والانفتاح على الفرضيات التفسيرية الممكنة. فهذه الإشكالية التي تظهر للوهلة الأولى آنية ومستجدة يصعب فصلها عن سيرورة التطور السوسيولوجي للاحتجاج المغربي، وعن مسار الأحزاب السياسية، وتحولات النسق السياسي عمومًا.

استعنَّا في هذه الدراسة بالنمط المبني لهاورد بيكر (Howard S.Becker)، الذي يرى أن أهمية النمط تتجلى في قدرته على تنظيم الوقائع بطريقة تجعلها قابلة للمقارنة والتفسير، وليس في مدى تلاؤمه مع الواقع(4). كما نجد المنهج الكيفي مناسبًا لدراسة تمظهرات التغير لدى الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، والرؤى التي يحملونها عن الواقع الاجتماعي، والإحاطة بتعقد السلوكات انطلاقًا من مقاربة السياقات التي تجري فيها(5). وانتصارًا للأداء الكيفي، تم الاعتماد على تحليل مضمون معطيات نوعية أخذت من أثر الحركات الاحتجاجية، والاجتماعية، والأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، الموثق كتابة، والمنشور على شبكات التواصل الرقمي والمواقع الإلكترونية. ومن أجل إعادة قراءة الأحداث، وتتبع سلسلة من اللحظات التاريخية التي مرت بها علاقة الأحزاب السياسية المغربية بالاحتجاج، حاولنا تحقيق التكامل بين المستويين “الماكرو” و”الميكرو” للدراسات التي تناولت الظاهرة الاحتجاجية بالمغرب في شموليتها، وتلك التي ركزت على احتجاجات بعينها. وبما أن الحد الزمني للدراسة يمتد عدة عقود، كان من الضروري التركيز على “العينات الكبرى” للاحتجاج المغربي.

تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أجزاء، الأول تأطير نظري لمفهومي الاحتجاج والحزب السياسي، ومختلف الفوارق الموجودة بين الثورة، والتمرد، والحركة الاجتماعية، والاحتجاجية. ويتناول الثاني والثالث قراءة في سيرورة علاقة الأحزاب السياسية المغربية بالاحتجاج والتحولات التي عرفتها منذ 1934 إلى 2022، مع التركيز على أهم الأحداث وسياقاتها. ولغاية الفهم والانفتاح على فرضيات تفسيرية نقترح نمطين مبنيين يصفان تحولات علاقة التنظيمات الحزبية بالاحتجاج، هما: نمط الاحتجاج السياسي (ثانيًا)، ثم نمط الاستقلال الاحتجاجي (ثالثًا).

أولًا: حول الاحتجاج والحزب السياسي

الاحتجاج أصناف عدة مثل التمرد، والعصيان، والخروج، والثورة، والحركة الاحتجاجية، والاجتماعية، وبقدر ما تختلف هذه الظواهر بقدر ما تختلط فيما بينها، مما يفرض محاولة بيان الفوارق القائمة بينها. تثير مفردة الثورة كثيرًا من الالتباس، ونشاطر عزمي بشارة التعريف الذي اقترحه في المجال السياسي: “المقصود بالثورة هو تحرك شعبي واسع خارج البنية الدستورية القائمة، أو خارج الشرعية، يتمثل هدفه في تغيير نظام الحكم القائم في الدولة”(6). بهذا المعنى، تتحقق الثورة إذا تم استبدال النظام والتأسيس لشرعية أخرى مكان القائمة الفاقدة لمبررات وجودها، بينما كل من الحركة الاجتماعية، والاحتجاجية، والتمرد لا يستلزم تحققها على أنها ظواهر استبدال بالنظام؛ لأنها تظهر وتستمر في نطاق النظام القائم، حتى وإن كانت ذات نزوعات ثورية.

ويحيل التمرد إلى أفعال جماعية عنيفة لفئات غير مندمجة اجتماعيًّا، وغالبًا ما يتخذ شكل المواجهة المباشرة مع الأجهزة الإكراهية للدولة. وباختصار، يتميز التمرد بعنفه، وبعفويته، وبسرعة زواله، وبضعف تنظيمه (7)، خلافًا للحركة الاجتماعية والاحتجاجية اللتين تتميزان بالتنظيم والاستمرارية والسلمية.

تُحدَّد الحركة الاجتماعية، إجمالًا، على أنها فعل جماعي منظم ومتضافر، في سبيل الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية لفئة أو أكثر من فئات المجتمع، في حين تسعى الحركة الاجتماعية الجديدة إلى الدفاع عن القيم السائدة، أو وضعها موضع سؤال (8)، بينما تحيل الحركة الاحتجاجية إلى التعبير عن موقف أو قضية معينة، في إطار حركة جماعية، وبواسطة أشكال تعبيرية، توجه عبرها فئة أو فئات اجتماعية رسالة إلى جهة مسؤولة عن التزامات وواجبات تجاه المحتجين(9). ولأن الإطار الزمني لهذه الدراسة مدته طويلة، عرف خلالها المغرب أصنافًا مختلفة من الاحتجاج، مثل الانتفاضات والحركات الاحتجاجية، سنوظف لأغراضٍ منهجيةٍ المفهومَ العامَ للاحتجاج، الذي يشمل كل تلك الأصناف.

قدم علماء السياسة تعاريف متباينة للحزب السياسي، ونذكر هنا تعريف الثنائي جوزيف لاباومبارا (Joseph Lapalombara) وميرون وينر (Myron Weiner) للحزب السياسي باعتباره تنظيمًا مترابطًا من الوحدات الوطنية والمحلية، يسعى إلى تجميع الأنصار، والقيام بعملية صنع القرار عبر الانتخابات، ولـيـس مجرد التأثير على ممارسة السلطة (10). في حين اهتم موريس ديفرجيه (Maurice Duverger) بالبروز التاريخي للأحزاب السياسية، وطبيعة بنيتها، وتصنيفاتها، وميزها عن التنظيمات الأخرى بالسعي إلى ممارسة السلطة (11). أما عند جيوفاني سارتوري (Giovani Sartori)، فالحزب السياسي هو أي تجمع سياسي محدد باسم رسمي، ويشارك في العملية الانتخابية، عبر تقديم مرشحين لولايات سياسية(12)، مركزًا بذلك على الوظائف الانتخابية للحزب السياسي وممارسته لعملية صنع القرار.

على الرغم من انعدام الإجماع على مفهوم الحزب السياسي، إلا أن الأدبيات النظرية تتفق، ولو بشكل ضمني، على كون الأحزاب السياسية مسألة جوهرية في الأنظمة الديمقراطية وحتى في بعض الأنظمة السلطوية(13)، لما تلعبه من أدوار أساسية، سواء أكان في المنظومة التمثيلية الحديثة، أم في التغيير والانتقال الديمقراطي. ويؤكد عدد من الباحثين أن الأحزاب السياسية عرفت تحولات في توجهاتها، وتراجعًا في امتداداتها المجتمعية، وأن منظمات أخرى أصبحت تنافسها على الأدوار التي كانت تحتكرها في الماضي. وذهب آخرون إلى حد القول: إن الأحزاب السياسية أصبحت متجاوَزة.

في الواقع، يتعلق الأمر بالتحديات الراهنة لهذه المؤسسات، ما دام لا يوجد حتى الآن بديل للأحزاب السياسية وللنظام الديمقراطي(14). وتؤكد مسألتان هذا الافتراض. أولًا: لا يزال لهذه التنظيمات حضور سواء في الأنظمة الديمقراطية أو غير الديمقراطية. وثانيًا: يواجه الافتراض القائل بأن الأحزاب السياسية متجاوزة، واستنفدت مبررات وجودها، مأزق الإجابة عن مجموعة من الإشكاليات النظرية والعملية بشأن المنظومة الديمقراطية؛ لأن التنظيمات الحزبية تقترن بها، وتعد إحدى آلياتها التنظيمية التي يستحيل أن تعمل بدونها.

ثانيًا: نمط الاحتجاج السياسي

اختلفت تأصيلات الباحثين في الاحتجاج وتاريخه خلال الدولة السلطانية في تعريفه بين من ينظر إلى ظاهرة “السيبة” (التمرد على السلطة المركزية، وخروج مناطق من سلطتها، تسمى “بلاد السيبة”) على أنها شكل أولي للاحتجاج المغربي، وبين من يعد ذلك استعمالًا لوقائع تاريخية معزولة عن سياقاتها(15). الأمر نفسه استعصى على فهم الكولونياليين الفرنسيين، الذين عاشوا مفارقة الاندهاش والانبهار، لما عجزوا عن فهم كيفية تأليف المغاربة بين الطاعة و”الثورة” (السيبة) في زمن واحد(16). ورغم أن المغرب عرف تاريخيًّا نماذج من التمرد والاضطراب، غير أنه يصعب فصلها عن البنية الانقسامية التقليدية، ولا ترقى إلى مستوى الاحتجاج المنظم، الذي لن يبرز إلا في سياق مواجهة السلطة المستعمرة، ليتحول بعد الاستقلال إلى صراع سياسي بين المؤسسة الملكية، التي هيمنت على الحياة السياسية، وأحزاب الحركة الوطنية الساعية إلى دمقرطة اللعبة السياسية، وتقييد ممارسة السلطة.

  1. بروز الاحتجاج المغربي ببُعد سياسي

قادت النخبة الوطنية خلال بدايات الثلاثينات، بعد إخفاقها في مواجهة الاستعمار عسكريًّا، ثقافة وطنية ضد الحماية داخل فضاء “تجميعي” يمزج بين الأبعاد السياسية والدينية والوطنية. بدأت هذه الثقافة بقراءة “دعاء اللطيف”، عام 1930، بمساجد مجموعة من المدن بعد صدور ما سُمي بـ”الظهير البربري” (اسمه الأصلي الظهير المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف البربرية (الأمازيعية) التي لا توجد بها محاكم شرعية)، احتجاجًا على قرار الحماية. ولم تكن النخبة القائمة بتدبير الاحتجاج سوى النواة الأولى للحركة الوطنية، التي ستؤسس لاحقًا كتلة العمل الوطني(17)، ليولد أول حزب سياسي من رحم أول احتجاج منظم.

أمام اختلال ميزان القوى بين الحركة الوطنية والحماية، وحالة الحصار المعدل بفترات من التسامح المفروض على المغاربة من 1914 إلى 1952 من طرف سلطات الحماية(18)، جعل الوطنيون من الاحتجاج سلاحًا سياسيًّا، ومارسوه بأشكال مختلفة: مقاطعة صلاة الجمعة بعد نفي السلطان محمد الخامس (20 أغسطس/آب 1953)، وإلغاء الاحتفال بعيد الأضحى(19)، ومقاطعة البضائع الفرنسية، وتوزيع منشورات وتعليقها على الجدران، ونشر أغان وطنية للتعبئة وتنمية الوعي الوطني ضد الاضطهاد الاستعماري(20). كما نهج الوطنيون إستراتيجية التظاهر للضغط على الحماية وفرض الإصلاحات، ثم للمطالبة بالاستقلال بعد ذلك.

استغلت النخبة الوطنية فرصة زيارة السلطان لمدينة فاس في الفترة من 8 و11 مايو 1934 للتظاهر ضد الحماية(21)، بينما شهدت عدة مدن في 1936 مثل سلا، وفاس، والدار البيضاء، ووجدة، وتازة، احتجاجات ضد سلطات الحماية إثر اعتقال زعماء كتلة العمل الوطني في نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها(22). وفي 1937، شارك حزبا “كتلة العمل الوطني” و”الحركة القومية” في المظاهرات التي عمَّت عدة مناطق من التراب الوطني، جرَّاء ما يُعرف بـ”ثورة الماء الحلو” في مدينة مكناس خلال شهر ديسمبر/كانون الأول من السنة نفسها، احتجاجًا على تحويل مياه وادي بوفكران لمصلحة المستوطنين الزراعيين، وقد انتهت بنفي الزعيمين علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني(23). وشهدت مدن الرباط، وسلا، وفاس، بين 29 يناير/كانون الثاني و8 فبراير/شباط 1944، احتجاجات عنيفة على اعتقال مجموعة من الوطنيين(24) بعد مدة قصيرة على تقديم حزب الاستقلال وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير/كانون الثاني ثم الحركة القومية في 13 يناير/كانون الثاني.

اتخذ العمل النقابي بدوره صبغة احتجاجية على الاضطهاد الاستعماري؛ لأن الحركة النقابية كانت جزءًا من العمل الوطني منذ ظهورها ابتداء من 1934. فكتلة العمل الوطني كان من مطالبها إقرار حق العمال المغاربة في التنظيم والعمل النقابي(25)، والحزب الوطني عمل بزعامة علال الفاسي بعد انشقاق كتلة العمل الوطني، في 1937، على تأسيس تنظيمات نقابية وطنية، لكن الحماية رفضت ذلك، ليشكِّل الحزب لجانًا لتأطير العمال، وتنمية وعيهم الوطني، ودفعهم إلى المطالبة بحقوقهم(26).

إذا حاولنا رصد الاحتجاج النقابي خلال هذه الفترة، سنجد أنه منذ 1925 تظاهر العمال المغاربة بفرنسا تضامنًا مع المقاومة المسلحة (27). ورغم أن الحماية لم تقر بحق المغاربة في إنشاء منظمات نقابية في 1930، إلا أن العمال المغاربة اتجهوا إلى النشاط النقابي، عبر نضالهم ضد ظروف العمل، والتمييز في الأجور، والتضييق النقابي، وهو ما شكَّل نقطة التقائهم مع الحركة الوطنية (28). ومن ذلك، إضرابات يونيو/حزيران 1936 التي عبَّرت عن سخط العمال من الأزمة الاقتصادية وسياسة سلطات الحماية (29). أما في 1937، فتميز بالنشاط النقابي الكثيف، وبموجة من الإضرابات، انطلقت من فاس، شهر يناير/كانون الثاني، بعد إضراب عمال البناء، لتشمل مجال النقل بمدينة الدار البيضاء، ثم المراكز المنجمية بخريبكة. وفي شهر فبراير/شباط 1937، ظهرت إضرابات أخرى بمجال النقل بالدار البيضاء (30)، واحتجاج الحرفيين بمدينة سلا، قبل أن يعتقل عدد كبير منهم، ويعترفون بعلاقتهم بالوطنيين، وأن هؤلاء من دلهم على طرح مطالبهم النقابية (31).

في فترة لاحقة، وبعد التسامح الفعلي للحماية مع انخراط العمال المغاربة في النقابات الفرنسية ابتداء من 1943، ارتبط العمل النقابي للعمال المغاربة بالحزب الشيوعي المغربي وحزب الاستقلال بدرجات متفاوتة؛ لأن الحزبين عملا على توظيف العمل النقابي وربطه بالعمل الحزبي (32). وقد نجح حزب الاستقلال بشكل كبير في استقطاب العمال، خلافًا للحزب الشيوعي المغربي، رغم مساهمته المهمة في النشاط النقابي.

وصل تنظيم العمال والنقابيين المغاربة المنخرطين في النقابة العامة للشغل منذ 1947 درجة متقدمة، وأخذت تتكاثر المظاهرات والمناسبات التي كان العمال يواجهون فيها السلطات الاستعمارية(33)، وتميز عام 1948 بسلسلة من الإضرابات، بدأت بالإضراب الكبير لعمال السكك الحديدية في مارس/آذار للمطالبة بالزيادة في الأجور، وإقرار الحق النقابي للجميع، تلاه إضراب الموظفين في الشهر نفسه، وإضرابات عمال التعدين في أبريل/نيسان، ثم إضرابات في مراكز الفوسفات، ما بين 22 أبريل/نيسان و23 مايو/أيار، التي قوبلت بالعنف من سلطات الحماية(34). ولعبت النقابات دورًا أساسيًّا في هذه الإضرابات، ورافقها فعالية ومشاركة حزب الاستقلال والحزب الشيوعي، ودعم السلطان محمد الخامس (35).

وتصاعد المد النقابي والوعي الوطني، فكانت التجمعات العمالية في مايو/أيار 1951 مناسبة للمطالبة بإلغاء معاهدة الحماية (1912) باعتبارها الطريق الوحيد للاستجابة لمطالب العمال، وتحقيق الاستقلال الوطني (36). وفي 18 يناير/كانون الثاني 1952، انطلقت احتجاجات من الدار البيضاء إثر مقتل الزعيم النقابي التونسي، فرحات حشاد، وضد رفض مطالبة السلطان بالاستقلال، واجهتها سلطات الحماية بالعنف، مع اعتقال الآلاف من النقابيين المنتمين لحزب الاستقلال والحزب الشيوعي المغربي(37). هكذا توجت الدينامية النقابية بتأسيس أول نقابة وطنية مستقلة، الاتحاد المغربي للشغل في 1955. لاحقًا، تراجع النضال السياسي السلمي، وعاد الوطنيون إلى حمل السلاح، واستمروا على هذا المنوال إلى غاية حصول المغرب على الاستقلال في أكتوبر/تشرين الأول 1956.

قبل الاستقلال، كانت الاختيارات والتوجهات العامة للبلاد من القضايا المؤجلة حزبيًّا، ولم يكن العمل النقابي منصبًّا على المطالب الفئوية والقطاعية فحسب، كما لم توجد بعد سلطة سياسية مسؤولة يُحتج عليها سوى الحماية.

  1. الاحتجاج في سياق بناء “الدولة الوطنية”

بعد نجاح المؤسسة الملكية في التحكم في المسار التطوري للمجال القروي، والحد من دور نخبه الاجتماعية، لتفادي أي توترات محتملة، وتضخم سكان المدن بفعل الهجرة القروية(38)، تراجع الاحتجاج بالمجال القروي مقارنة مع فترة النضال من أجل الاستقلال، مع بروز احتجاج اتخذ في علاقته بالفاعلين السياسيين شكل التسييس المتبادل من طرف السلطة السياسية وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى غاية السبعينات، التي شهدت متغيرات سياسية جديدة. أما السياق السياسي فتميز بالتوتر الحاد، ومحاصرة السلطة للمجتمع والتنظيمات السياسية، فلم تكن السلطة تتوانى عن الاعتقال والتعذيب. وباختصار، دخل المغرب بعد سنوات قليلة من الاستقلال فيما سُمي في الخطاب السياسي والحقوقي بسنوات “الجمر والرصاص”.

أمام الحصار المفروض عليه، لجأ الحزب إلى إستراتيجية توظيف الاحتجاج والإضراب لمواجهة السلطة السياسية، وظل يرى في الاحتجاج تعبيرًا عن تناقضات النظام السياسي واختياراته، بينما استغلت السلطة فترات الاحتجاج والإضراب لإضعاف الأحزاب المعارضة عن طريق القمع والاعتقالات. من أمثلة العلاقة السابقة ما شهده عام 1959 بعد تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في 6 سبتمبر/أيلول 1959، من احتجاج مجموعة من المقاومين السابقين الذين أصروا على مقابلة الملك شخصيًّا لمطالبته بتحسين ظروفهم، وعدم مغادرة القصر الملكي بالرباط قبل ذلك، وتضامن معهم الحزب، على أساس أن عدم الاستجابة لمطالبهم “اضطهاد لهذه الفئة”، لترد السلطة بحجز جريدة الحزب واعتقال بعض أعضائه(39).

بعد إسقاط حكومة عبد الله إبراهيم، في مايو/أيار 1960، ورئاسة الملك للحكومة، لجأ الحزب إلى تكثيف الاحتجاج عبر دفع نقابة الاتحاد المغربي للشغل إلى خوض الإضرابات. من ذلك إضراب، في 6 يونيو/حزيران 1961، بجهة سوس ماسة، والدار البيضاء، وطنجة، تلاه إعلان الاتحاد النقابي للموظفين والجامعة الوطنية للتعليم عن الإضراب، في 19 يونيو/حزيران 1961، وجامعة موظفي وعمال البريد، في ديسمبر/كانون الأول 1961، مع استمرار إضرابات التجار والصنَّاع الصغار والإضرابات القطاعية في النقابات التي يوجد بها أعضاء الحزب(40). وقد ساند الإضرابات، وحاول إضفاء الطابع السياسي عليها، وأصدر، يوم 20 يونيو/حزيران، بيانًا جاء فيه: “إن السبب الحقيقي في تدهور الحالة ببلادنا سواء أكان في الميدان السياسي أم الاقتصادي والاجتماعي والإداري، يرجع إلى أن الحكم الفردي أخذ صبغته النهائية بصفة واضحة”(41). وكل ذلك في إطار الضغط الذي حاول الحزب ممارسته على السلطة السياسية.

إثر دخوله في مواجهة شبه شاملة مع النظام السياسي، أشار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى تبنيه “الخيار الثوري”(42)، واستغل الحزب الحملات الانتخابية التي شارك فيها والقدرات الخطابية لقادته للاحتجاج على السلطة. كما حدث في 15 مايو/أيار 1963، لما نظم الحزب بالدار البيضاء تجمعًا انتخابيًّا قرأ فيه المهدي بن بركة عبارة تضمنها بيان أصدره الحزب في 2 مايو/أيار 1963، جاء فيها: “لا سبيل لإصلاح النظام الاقطاعي الرجعي القائم وعلاجه وتركيزه، لا مجال للتهادن، فأحرى الانسياق معه، بل لا دواء له غير زواله”(43).

دعمت نقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الحزب في صراعه مع النظام السياسي، لأنها كانت بمنزلة قطاع مواز للحزب منذ المؤتمر الرابع للمنظمة، في أغسطس/آب 1959، ويظهر ذلك جليًّا في مساندة المنظمة الطلابية للحزب خلال حكومة عبد الله إبراهيم وبعد إسقاطها، في 1960، ودعوتها إلى “النضال الجماهيري”، في 1961، على منوال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية(44). وبعدما لوح بما سماه “الخيار الثوري” ستتناغم النقابة الطلابية تمامًا مع الصراع المعتاد بين الحزب والسلطة السياسية، لتدعو في مؤتمرها الثامن المنعقد، في فاتح أغسطس/آب 1963، بشكل صريح إلى “العمل على إسقاط النظام”(45). وكما هو معلوم، فالمنظمة الطلابية -سترتبط لاحقًا بالحركة الماركسية- من أبرز الحركات ذات الطبيعة الاحتجاجية خلال تلك الفترة، نظرًا للسياق الخارجي المحفز خاصة بعد حركة 1968 بفرنسا.

نظرًا لضيق هوامش التعبير العلني، لم تشهد تلك الفترة احتجاجات كثيرة، باستثناء لجوء الحزب إلى دفع النقابة للإضراب، واحتجاجات نقابة الطلبة ذات الارتباط الوثيق بالحزب داخل فضاء الجامعة، واستغلال الحملات الانتخابية التي شارك فيها الحزب لإعلان معارضته للسلطة السياسية، والاحتجاجات ذات الطبيعة التضامنية مع القضايا الخارجية. هكذا وجب انتظار شهر مارس/آذار 1965 لتندلع الاحتجاجات العنيفة بالشارع العام.

تعد انتفاضة 23 مارس/آذار 1965 من أكثر الاحتجاجات التي تعرضت للتأويلات السياسية؛ إذ تعلل السلطة السياسية لجوؤها إلى العنف بضرورة حفظ النظام وحماية الدولة، بينما وظفت الحركة الماركسية الانتفاضة لبناء شرعيتها السياسية، وإن كانت الحركة لم توقد شرارة الانتفاضة ولا أشرفت على تنظيمها؛ لأنها نشأت بعد الانتفاضة وليس قبلها. ورغم أن العوامل التي يمكن أن تفسر اندلاع الاحتجاج العنيف متعددة، يبقى العامل السياسي حاضرًا، خاصة في سياق سلطوي تميز بالمجابهة والصراع بين السلطة والمعارضة التي حرصت على أن يكون لها امتداد في صفوف فئات مختلفة، بما فيها الطلبة والتلاميذ.

جاءت الانتفاضة في جو سياسي متوتر، بعدما توالت مجموعة من الأحداث السياسية: إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في 1960، ثم تبني الاتحاد الوطني للقوات الشعبية “الخيار الثوري”، ومقاطعة الحزب للاستفتاء على أول دستور في 1962، فاعتقال ومحاكمة قادة الحزب في 1963، ثم تقديم أحزاب المعارضة لملتمس الرقابة ضد الحكومة في 1964، وأخيرًا، اختفاء المهدي بن بركة في 1965.

تواصلت إستراتيجية التوظيف السياسي للاحتجاج مع انتفاضة 23 مارس/آذار، لما أعلنت نقابة الاتحاد المغربي للشغل، في 28 مارس/آذار، أن الانتفاضة تتجاوز قطاع التعليم، لتشمل الإشكالات السياسية والمؤسساتية، وتعبِّر عن “إرادة الطبقة العمالية […] للنضال بجميع الوسائل من أجل تغيير راديكالي لاتجاه السياسة الوطنية ومناهج الحكومة”(46). أما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فقد ساند موقف النقابة، وأعلن، في 31 مارس/آذار، أن “كل العمال يدركون اليوم: أن الحقوق الشرعية للطبقة العمالية لا يمكن ضمانها إلا بإيجاد تصور سياسي واقتصادي واجتماعي قادر على الاستجابة لما تطمح له كل الجماهير الشعبية”(47). أما الحزب الشيوعي المغربي فكانت الانتفاضة “تعبيرًا جماهيريًّا وعفويًّا ضد عدم إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية[…] واختلال في موازين القوة لصالح الإقطاع”(48). وعلى المنوال نفسه، طالب الفريق النيابي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية داخل البرلمان بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في الأحداث، لكن الحكومة لم تسمح لها بزيارة مدينة الدار البيضاء.

موازاة مع توظيف المعارضة السياسي للانتفاضة، لجأت السلطة إلى القمع الحاد، واستغلت الحدث لاعتقال أعضاء من الحزب الشيوعي المغربي، والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب. أما الملك، الحسن الثاني، فوجَّه خطابًا شديد اللهجة إلى الأساتذة، في 29 مارس/آذار 1965، أي في اليوم الموالي لبيان الاتحاد المغربي للشغل، وقبل يومين من بيان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

عرف المغرب، بعد انتفاضة 23 مارس/آذار 1965، وقائع جديدة غيَّرت من مسار الأحدث، وأثَّرت على طبيعة الاحتجاج، وعلى علاقته بالأحزاب السياسية.

  1. الاحتجاج “الراديكالي” و”المتنكر”

اتخذ الاحتجاج السياسي شكلًا جديدًا خلال السبعينات، في سياق تميز بانغلاق سياسي شبه تام، وتنامي القمع الحاد، الذي وصل إلى أقصى درجاته. أما حزبيًّا، فقد انفصل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن نقابة الاتحاد المغربي للشغل في 1972، ودخل رفقة الأحزاب المعارضة في “توافق وطني” حول قضية الصحراء مع المؤسسة الملكية.

أسهمت المتغيرات الجديدة في تراجع الاحتجاج النقابي-الحزبي إلى غاية نهاية السبعينات، مقابل بروز احتجاج “راديكالي” واحتجاج “متنكر” بتعبير جيمس سكوت (James Scott).

طبع هذه المرحلة احتجاج “راديكالي” لأعضاء المعارضة غير المؤسساتية داخل المعتقلات والسجون لمقاومة العقاب الشديد الذي لجأت إليه السلطة السياسية، على الإضراب عن الطعام، ورفض الاعتراف؛ مما أدى إلى وفاة بعض المحتجين، كما حدث لسعيدة المنبهي، من منظمة “إلى الأمام” بعد إضرابها عن الطعام. ونتج عن ارتفاع عدد المعتقلين والمختطفين بروز حركة عائلات المعتقلين والمختطفين، في 1972، التي لجأت إلى الاحتجاج عن طريق التظاهر والاعتصام أمام السجون والإدارات(49). وإلى حدود اليوم، لا تزال امتدادات هذه الحركات تستحضر احتجاج أعضائها و”تضحياتهم” باعتبارها إرثًا رمزيًّا على شكل ذكرى سياسية، صور، شعارات، مقولات، وغيرها.

على غرار العمل السياسي السري، ساد احتجاج يجمع بين الطابع المباشر والضمني، وتجلى هذان الشكلان من الاحتجاج في انتشار الكتابات والرموز على الجدران داخل فضاءات المدارس والجامعات، والأغنية والرواية الاحتجاجيتين(50). وتشترك هذه الأشكال من الاحتجاج في بعدها السياسي، وفي تأثرها بالسياق السياسي السائد، الذي صاغ الرأي العام الوطني.

  1. النقابية السياسية وإستراتيجية توظيف الاحتجاج

عقد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤتمره الاستثنائي في 1975، ليبرز الحزب مرة أخرى فاعلًا في الصراع السياسي، وإن بشكل جديد. ولملء الفراغ الذي خلَّفه الانفصال عن نقابة الاتحاد المغربي للشغل تم تأسيس نقابة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1978(51). ومنذ البداية، برزت النقابة الفتية نقابة سياسية للحدِّ من عدم الانسجام بين العمل النقابي والسياسي، الذي شهدته الفترات السابقة(52).

طبع نهاية السبعينات إلى بداية التسعينات شكلان مترابطان من الاحتجاج، هما: الإضراب بشقيه القطاعي والعام، والانتفاضات الحضرية العنيفة، التي لعبت النقابة فيها دور المعبئ للاحتجاج، والحزب دور المسيس. ومن أبرز هذه الاحتجاجات انتفاضتا 1981 و1990.

استمرت الإضرابات والاحتجاجات القطاعية، والطلابية، والتلاميذية طيلة الفترة الممتدة ما بين 1879 و1981، وكان لنقابة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل، ومنظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، دور مهم في التعبئة(53). وأمام تصاعد وتيرة الإضرابات، فتحت الحكومة باب الحوار مع النقابات، غير أن الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل تجاهلت المفاوضات، ونظمت في 10 و11 أبريل/نيسان 1979 إضرابًا في قطاعي التعليم والصحة؛ الأمر الذي تزامن مع الثورة الإيرانية، ليتخذ الإضراب طابعًا سياسيًّا؛ إذ طالب المضربون برحيل شاه إيران من المغرب، قبل أن تلجأ السلطة إلى اعتقال عدد كبير من أعضاء النقابة(54).

تُوِّجت سلسلة الإضرابات القطاعية والطلابية بانتفاضة 1981، وعودة الاحتجاج العنيف، والاتهامات المتبادلة بين السلطة السياسية والمعارضة بشأن مسؤولية كل طرف على الأحداث. فبعد الزيادة في أسعار المواد الأساسية، طالبت الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل “بالتراجع الفوري عن كل الزيادات في الأسعار في ظرف أسبوع” ووعدت باللجوء إلى الإضراب في حالة عدم الاستجابة لهذا المطلب(55). أما الاتحاد الاشتراكي فدعا بدوره، في 16 يونيو/حزيران، عبر فريقه النيابي داخل البرلمان، إلى إلغاء الزيادات(56). ولأن الحكومة لم تتراجع عن قرارها، نفذت النقابة إضرابًا عامًّا، يوم 20 يونيو/حزيران، لمدة 24 ساعة.

نظرًا للسياق الاجتماعي المشحون، والتعبئة الميدانية التي تقوم بها الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، أتبع الإضرابَ انتفاضة حضرية بالدار البيضاء، في 20 يونيو/حزيران 1981، واحتجاجات عنيفة في مدن أخرى منها العاصمة الرباط، خلَّفت خسائر كبيرة واعتقال عدد من أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي والكونفيدرالية الديمقراطية للشغل وإغلاق مقرات التنظيمين.

حمَّلت الحكومة مسؤولية الأحداث العنيفة للحزب والنقابة(57)، بينما تبنى الاتحاد الاشتراكي الإضراب، ورأى في الأحداث “نتيجة لتعثر التجربة الديمقراطية، وفشل الاختيارات الرسمية في مختلف المجالات”(58). ومن جهته، صرح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بأن الانتفاضة نتيجة “للسياسة اللاشعبية المتبعة منذ الاستقلال”(59).

بسبب أحداث 1981 وما نتج عنها من خسائر واعتقالات، تراجع الاحتجاج عن طريق الإضراب، ودخلت أحزاب الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، والاستقلال، في مسلسل الإعداد والمشاركة في الانتخابات المحلية لـ10 يونيو/حزيران 1983 والتشريعية لـ14 سبتمبر/أيلول 1984، وما يرتبط بها من إشكاليات(60). كما بدأت العلاقة بين المعارضة والمؤسسة الملكية تصبح أقل توترًا من المرحلة السابقة. وخلافًا لاحتجاج 1981، لم ترتبط انتفاضة 1984 بأي إضراب نقابي، ولم يُعبِّئ لها هذه المرة لا الحزب ولا النقابة، بل بدأت بإضراب واحتجاج التلاميذ، وسرعان ما شمل فئات اجتماعية مختلفة، وعمَّ عدة مدن(61). ثم إن السلطة لم تحمِّل المسؤولية لهذه التنظيمات، في الوقت الذي حمَّل النظام جماعات المعارضة غير الحزبية، سواء أكانت اليسارية (منظمة إلى الأمام)، أم الإسلامية (منظمة الشبيبة الإسلامية)، المسؤولية وبعض الأحزاب السياسية(62). بينما أصدرت منظمة “إلى الأمام”، في 21 يناير/كانون الثاني، بيانًا تعزو فيه المظاهرات والإضرابات إلى رفع أسعار المواد الغذائية. وفي بيان آخر، انتقدت المنظمة ما أسمته “القوى السياسية المتواطئة مع السلطة” في إشارة إلى الأحزاب السياسية(63). وفي اليوم الموالي لبيان منظمة “إلى الأمام”، وجَّه الملك الحسن الثاني، في 22 يناير/كانون الثاني 1984، خطابًا شديد اللهجة إلى المتظاهرين، رأى فيه أن الانتفاضة مؤامرة بين جهات داخلية وخارجية.

مع بداية التسعينات، وفي سياق ساد فيه النقاش حول الإصلاح السياسي والدستوري، دخل حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في تنسيق وعمل مشترك، وقدما رفقة باقي الفرق البرلمانية للمعارضة (التقدم والاشتراكية، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي) ملتمس الرقابة ضد الحكومة، يوم 14 مايو/أيار 1990. ونقابيًّا، دعت الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب في بيان مشترك إلى إضراب عام، يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 1990(64). وعلى غرار سنة 1981، نتج عن الإضراب انتفاضة حضرية وأعمال عنف في عدة مدن. هذا وكان قرار الإضراب واردًا أزيد من سنة، وسبقته حملة إعلامية واسعة انخرطت فيها صحافة الأحزاب المعارضة من أجل توفير شروط إنجازه(65). ويعد الإضراب العام رمزًا على التوتر، ويكاد يعني اندلاع الانتفاضة والاحتجاجات العنيفة.

وفر الاتحاد الاشتراكي الغطاء السياسي للإضراب، واتهم فريق الحزب داخل البرلمان الحكومة بالمسؤولية عن الأحداث لانتهاجها سياسات تفقيرية، وتهميشها المؤسسات الديمقراطية، ورفضها الحوار، وعدم تجاوبها مع مطالب النقابات، وطالب الحزب بفتح تحقيق في الأحداث(66)، في حين حمَّل أيضًا حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وحزب الاستقلال المسؤولية للحكومة(67). من جانبهما، أعلنت الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب أن الإضراب عرف استجابة واسعة تفوق نسبة 80%، وأن السلطات الحكومية تتحمل “المسؤولية الكاملة” في “الاشتباكات الدامية بين عموم الجماهير وقوات الأمن”(68).

والمؤكد أن احتجاج سنة 1990 جزء من إستراتيجية الضغط على السلطة من طرف الأحزاب المعارضة من أجل تحقيق مكاسب سياسية، فالاتحاد الاشتراكي خلال مؤتمره الوطني الخامس، المنعقد في أبريل/نيسان 1989، طالب بتعديل الدستور، ودعا إلى “العمل الموحد” بين “القوى الحية في البلاد”(69). وبعد أشهر قليلة من الإضراب، أعلنت أحزاب المعارضة، في 17 مايو/أيار 1992، عن تشكيل الكتلة الديمقراطية، وطالبت بمجموعة من الإصلاحات.

ثالثًا: نمط الاستقلال الاحتجاجي

بعدما تميزت الحياة السياسية بالمغرب منذ فجر الاستقلال بالتقاطب السياسي، اتسمت نهاية التسعينات بتراجع النضال الجماهيري المرتبط بالتنظيمات الحزبية بانخراط أغلب مكونات الكتلة الديمقراطية في تجربة حكومة “التناوب”، مع ما أفضى إليه ذلك من ضمور دورها في التعبئة النضالية للشارع. ودخل الاحتجاج مرحلة جديدة، سواء من حيث المضمون والمطالب، أو من حيث علاقته بالأحزاب، والنقابات، والسلطة السياسية.

  1. اقتحام الفاعلين الجدد للساحة الاحتجاجية

عرف المغرب خلال التسعينات انفتاحًا سياسيًّا نسبيًّا، وتغيرت نظرة المواطنين للسياسة؛ إذ لم تعد كما كانت في السابق، مجالًا صعب الولوج، بل أصبحت بشكلٍ ما مادة يومية للمواطنين(70). بصفة عامة، تراجعت إلى حدٍّ ما مظاهر الانغلاق السياسي شبه التام الذي ميز الفترات الماضية.

في سياق المتغيرات الجديدة للنسق السياسي، الذي تتحرك الحركات الاحتجاجية والاجتماعية داخله، تحول الإضراب العام إلى “ذكرى تاريخية” وشيء لا يلفت الانتباه، ولم تعد منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لتناقضاتها الداخلية قادرة على الفعل الاحتجاجي المنظم. وحزبيًّا، قبل جزء مهم من المعارضة بقيادة الاتحاد الاشتراكي الإشراك في السلطة بحصة شكلية، ومراجعة منظورها للإصلاح السياسي. بالمقابل، ظهر فاعلون جدد على الساحة الاحتجاجية مكان الاحتجاجات العنيفة بقيادة المعارضة الحزبية وامتداداتها النقابية والطلابية.

هكذا برزت حركات اجتماعية ذات نزعة احتجاجية كانت خلال فترة الاحتجاج السياسي تابعة للأحزاب السياسية أو متواضعة من حيث حضورها، مثل الحركة النسائية التي تشكلت بوادرها الأولى داخل التنظيمات الحزبية المعارضة، قبل أن تستقل عنها، والحركة الإسلامية التي انتقلت من “الدعوة” و”الوعظ” إلى الاحتجاج العلني. ويسري الأمر نفسه على الحركة الأمازيغية التي عرفت خلال التسعينات دينامية مهمة في سيرورة تطورها، أفضت إلى تنويع أساليب عملها بين الاحتجاج في الشارع العام والعمل الثقافي والامتداد الجمعوي، قصد الضغط على السلطة للاستجابة لمطالبها. فضلًا عن حركات المعطلين حاملي الشهادات التي تطالب بالحق في الشغل.

في الوقت الذي يتنافس فيه الفاعلون الجدد على احتلال الفضاء العام، تبين أن المعارضة الحزبية التي لا تراهن على اللعبة الانتخابية غير قادرة على مسايرة التزايد المستمر لكثافة الاحتجاج، وامتداده الجغرافي، وتعدد مطالبه، ولا على توظيفه سياسيًّا كما في فترة الاحتجاج السياسي؛ لأنها لم تتمكن من مواكبة التحولات السياسية والاجتماعية المتسارعة، لتتموقع على هامش الحقل السياسي.

  1. حركة 20 فبراير: التنظيمات الحزبية على محك الاختبار

في سياق “الربيع العربي”، ظهرت البوادر الأولى لما سيسمى لاحقًا بـ”حركة 20 فبراير”، لما طرحت مجموعات شبابية مطالب سياسية واجتماعية واقتصادية للنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي. وحاولت هذه المجموعات في البداية تجاوز الاختلافات الأيديولوجية بين الفرقاء السياسيين وتشكيل حركة مستقلة.

لاحقًا، انضمت التنظيمات السياسية والحقوقية والنقابية المعارضة إلى الحركة في إحدى مراحل تشكلها (حزب النهج الديمقراطي، الحزب الاشتراكي الموحد، جماعة العدل والإحسان، الحركات الأمازيغية، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، بعض فصائل وطلبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل…)، فضلًا عن بعض المنتسبين إلى أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والعدالة والتنمية. ورغم أن الحركة نجحت في تشكيل نوع من التنظيم وآليات للتنسيق، من قبيل الجموع العامة، المجلس الوطني، التنسيقيات المحلية، واللجان الوظيفية، إلا أنها كانت، وفقًا لعبد الرحمن رشيق، تبحر دون بوصلة، وتحاول الحفاظ على توازنات هشة بين المكونات الحزبية والسياسية المتنافرة(71)؛ الأمر الذي أثَّر على فاعلية الحركة، ومنح الفرصة للسلطة السياسية لإعادة ترتيب أوراقها وتوجيه الأحداث لمصلحتها.

إن حركة 20 فبراير حركة سياسية، بناء على نوع المطالب المعلنة، والحضور المهم للتنظيمات المعارضة باختلاف مرجعياتها الأيديولوجية. كما لعبت الأحزاب والتنظيمات المشاركة فيها دورًا مهمًّا في تأطير وتوجيه الاحتجاج، وتدبير مواجهة السلطة. وإذا أردنا موضعة حركة 20 فبراير ضمن سيرورة الاحتجاج المغربي، فهي بتناقضاتها الداخلية تمثل عودة السياسي إلى الفضاء الاحتجاجي، عبر نقاش طبيعة السلطة السياسية والتعاقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع. أما وظيفة الوساطة التي حاولت الأحزاب والتنظيمات السياسية المشاركة في الحركة القيام بها، فيظهر أنها عكست إشكالات أخرى، مثل عدم قدرة هذه القوى على تدبير اختلافاتها، والاتفاق على برنامج سياسي بديل أو أهداف واضحة.

كشفت حركة 20 فبراير أن الفاعلين الجدد (الشباب المستقلون، الحركة الإسلامية، الحركة الأمازيغية) استطاعوا التمرس على احتلال الفضاء العام، وأن تأثيرهم قد يتجاوز تأثير الأحزاب السياسية المعارضة، لضعف قدراتها التعبوية وامتداداتها المجتمعية.

بعد سنة 2011 ازدادت وتيرة الاحتجاج كما سبقت الإشارة إلى ذلك. ولعل أبرز ما ميز الفضاء الاحتجاجي منذ 20 فبراير هو حراك الريف وحركة “أكال للدفاع عن حق الساكنة في الأرض والثروة”.

  1. حراك الريف يرفض الأحزاب السياسية

تميز حراك الريف، الذي بدأ في 2016 بعد مقتل شاب سمَّاك من مدينة الحسيمة شمال المغرب داخل شاحنة لجمع النفايات، بعلاقته المتوترة مع الأحزاب السياسية باختلاف توجهاتها، فقد رفضها منذ البداية ورأى فيها مجرد “دكاكين سياسية”، وأعلن قادة الحراك في أرضيتهم المطلبية أنهم بعيدون عن أي تصور حزبي أو سياسي كيفما كان نوعه(72). لكن رغم استقلالية قيادة الحراك، واحتكارها توجيه الاحتجاج، ظلت الأحزاب المعارضة، وجماعة العدل والإحسان، والحركات الأمازيغية، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تصدر بيانات تضامنية مع الحراك، مع تنظيمها لاحتجاجات بمدن أخرى، في إطار ما سُمي بـ”تنسيقيات دعم حراك الريف”.

اتسمت علاقة الحراك بالأحزاب السياسية المعارضة بالتضامن، والدعم، والمشاركة، في الوقت الذي يؤكد قادة الحراك باستمرار استقلالهم عن جميع القوى السياسية، وحديثهم، تارة، عن “الدكاكين السياسية” بصيغة الجمع، وتارة أخرى، عن “دكاكين أحزاب الحكومة”(73). في المقابل، تصادمت أحزاب الأغلبية الحكومية مع الحراك، لما وصف ممثلوها الحراك بالانفصال، وأن له ارتباطًا بجهات خارجية، في تصريح للقناة الأولى والثانية عقب لقاء مع وزير الداخلية في 14 مايو/أيار 2017، قدم خلاله تقريرًا عن حراك الريف(74). من جهته، قال ناصر الزفزافي -أبرز قادة الحراك: إن تصريحات ممثلي هذه الأحزاب “أوامر تلقتها” وإن “دور الدكاكين السياسية هو نسف الحراك والحركات الاجتماعية”(75). واستمر قادة الحراك في مخاطبة المؤسسة الملكية، ورفض أي وساطة، سواء أكانت من طرف الحكومة والأحزاب المشكِّلة لها، أم من بعض المؤسسات الدستورية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

يكشف تصادم الأحزاب السياسية التي كانت توظف الاحتجاج في مرحلة سابقة، مثل الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية مع حراك الريف، مستوى التحول الذي طرأ على علاقة هذه التنظيمات بالاحتجاج والسلطة السياسية، وعلى الأدوار التي كانت تلعبها في الماضي، بعدما انتقلت، من المجابهة والتصارع، إلى الاندماج السلبي في الدولة. ولعل ذلك من بين ما يفسر عدم تمييز قادة الحراك بين هذه التنظيمات والسلطة السياسية، وجمعهم في خانة واحدة تحت مسمى “المخزن”، واختيارهم مخاطبة المؤسسة الملكية.

  1. حركة “أكال”

بدأت حركة “أكال”(76) في التشكل بعد تجربة حركة 20 فبراير(77)، إلا أن الحركة لم تعرف دينامية احتجاجية وتنظيمية كبيرة إلا سنة 2018، بعد تنامي إشكالية الرعي غير المنظم بجهة سوس ماسة، وما خلَّفه من تصادمات عنيفة بين المواطنين المتضررين والرعاة الرحل. وفي بيانها الصادر في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حددت الحركة مجموعة من المطالب التي تحتج من أجلها(78)، تشمل مجالات التشريع والقانون، وتدبير الغطاء النباتي، والسياسات العامة للدولة تجاه المجال القروي.

تحاجج الحركة في التعبير عن مطالبها بالمرجعية الدولية لحقوق الإنسان، الممثلة في المواثيق والآليات الدولية، خاصة المتعلقة بالحقوق الثقافية واللغوية وحقوق الشعوب الأصلية، زيادة على مرجعية أيديولوجية ممثلة في خطاب الحركة الأمازيغية، الذي يدور حول إشكالات الهوية والأرض والسياسات العامة للدولة. ويمكن هنا التأكيد على أن حركة “أكال” تعبير عن تحول في مجالات نشاط الحركة الأمازيغية، من التركيز على العمل الثقافي ودسترة اللغة الأمازيغية، إلى الاهتمام بمجالات وقضايا أخرى لم تكن في الماضي ضمن أولوياتها، مثل: الأرض، والمجال الغابوي، والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.

تميزت علاقة حركة “أكال” بالأحزاب السياسية على غرار حراك الريف بالتوتر، فرغم أن الأحزاب السياسية الحكومية لم تتصادم مع المحتجين هذه المرة، إلا أن الحركة تقدم نفسها على أنها حركة احتجاجية مستقلة عن جميع القوى السياسية والمؤسسات الرسمية. وعقب اقتراع 8 سبتمبر/أيلول 2021 الخاص بالانتخابات التشريعية والجماعية، صرَّح الناطق الرسمي باسم الحركة بأن الأحزاب السياسية إما “متواطئة مع السلطة” أو “غير مبالية بقضية الأرض”، وأن “لا حزب يمثل المنطقة” (جهة سوس ماسة)(79). ودعت الحركة عبر ناطقها الرسمي إلى إلغاء الأصوات، معللة ذلك بكون الأحزاب السياسية أقصت قضية الأرض من برامجها السياسية، وأنها لم تعارض القانون رقم 113.13 المتعلق بالترحال الرعوي وتهيئة وتدبير المجالات الرعوية والمراعي الغابوية(80).

وجهت الحركة نقدًا حادًّا للأحزاب السياسية، خاصة الممثَّلة في مجالس الجماعات الترابية والغرفة الفلاحية بجهة سوس ماسة، واصفة إياها عبر بياناتها بـ: “تجار الانتخابات”، و”الأحزاب الإدارية”، و”الزوايا السياسية”، و”الدكاكين السياسية”، و”التنظيمات المخزنية”(81). وقبل أولى مسيراتها الاحتجاجية الوطنية بالدار البيضاء، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعلنت الحركة أن “كل لافتات الجمعيات مقبولة شريطة انسجامها مع المطالب المعلنة للمسيرة”، مقابل “رفض لافتات الأحزاب السياسية وكل من يسعى إلى ركوب المسيرة لأغراض سياسية وانتخابية”(82).

بيد أن الحركة أعادت إنتاج سلوك المذكرة لدى الأحزاب السياسية، الذي لجأت إليه الحركة الأمازيغية في فترات سابقة، لما قدمت إحدى تنسيقياتها الفرعية مذكرة تتضمن مجموعة من المطالب إلى حزب التقدم والاشتراكية بعد اجتماع بين ممثلي الطرفين داخل البرلمان يوم 23 مايو/أيار 2022(83). ومن جهتها، ظلت الأحزاب السياسية المعارضة (النهج الديمقراطي، أحزاب فيدرالية اليسار سابقًا) تصدر بيانات داعمة لاحتجاجات الحركة، وتدعو أعضاءها إلى المشاركة فيها، فيما ساندت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الحركة، وانخرطت في ديناميتها الاحتجاجية.

خاتمة

عبر هذا الرصد والتتبع “للعينات الكبرى” للاحتجاج المغربي، وموضعتها في سياقاتها، يتضح أن تحولات علاقة الأحزاب السياسية المغربية بالاحتجاج تنقسم عمومًا إلى نمطين أساسيين، هما: نمط “الاتصال”، بدأ منذ الظهور المتزامن والعضوي للأحزاب السياسية والاحتجاج العام 1934، ليستمر بأشكال مختلفة، مع بروز فاعلين حزبيين واختفاء آخرين، وتغير السياقات، وتوالي الأحداث، إلى غاية أواخر التسعينات، ثم نمط “الانفصال” بعد ذلك. وبطبيعة الحال لا يعبِّر التنميط السابق عن مسار خطي لعلاقة الأحزاب السياسية بالاحتجاج، ما دامت تمظهرات “الاتصال” و”الانفصال” هذه اختلفت باختلاف السياقات، والنمط الواحد يشمل أصنافًا يمكن التمييز بينها أفقيًّا.

بناء على ما سبق، يمكن تقديم ثلاث فرضيات تفسيرية لهذا التحول النوعي، تدور حول الآتي:

  • في سيرورة تفاعله مع محيطه الخارجي، من جهة، وحفاظه على تحصنه الذاتي ومنطقه الداخلي، من جهة أخرى، شهد الحقل السياسي المغربي دينامية مهمة خلال الفترة المدروسة، تتجلى في تحوله، من الانغلاق السياسي شبه التام، إلى الانفتاح السياسي النسبي، مع ظهور فاعلين جدد مثل الحركة الإسلامية والأمازيغية والحركة الحقوقية.
  • تعيش التنظيمات الحزبية المغربية، بما فيها المعارضة، إشكالات ذاتية متعددة، تتعلق بتعطيل المنهجية الديمقراطية في اشتغالها الداخلي وتنظيم هياكلها وفي علاقات أفرادها، مما يؤدي إلى عدم تجدد التنظيمات الحزبية وأحيانًا تفككها، وانكفائها على شؤونها الداخلية، على حساب القضايا المجتمعية، ويؤثر هذا المعطى بالضرورة على علاقة التنظيمات الحزبية بالحركات الاجتماعية والاحتجاجية.
  • يعرقل هيمنة المؤسسة الملكية على مفاصل الحياة السياسية المغربية واحتكارها للقرار السياسي على المستوى العملي، عبر التدخل الفعلي في مختلف المجالات، ورفضها أي وساطة تتجاوز الحدود التي تمكِّنها من الهيمنة، ولجوئها إلى إضعاف الأحزاب السياسية المعارضة، تارة، وتهميشها ومحاولة استقطابها، تارة أخرى، عبر آليات مختلفة وفق السياقات السياسية (تكريس الوثائق الدستورية لهامشية الأحزاب السياسية، تسويق رواية سلبية عنها…)، ممارسة الأحزاب السياسية لوظيفة الوساطة بين الدولة والمجتمع وقيامها بتأطير الفئات المحتجة وعقلنة مطالبها والتعبير عنها.

المراجع

(1) عبد الرحمن رشيق، الحركات الاحتجاجية في المغرب: من التمرد إلى التظاهر، ترجمة الحسين سبحان، (الرباط، منتدى بدائل المغرب، 2014)، ص 38.

(2) المجلس الوطني لحقوق الإنسان، “التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2019: فعلية حقوق الإنسان ضمن نموذج ناشئ للحريات”، (الرباط: المجلس الوطني لحقوق الإنسان، 2020)، ص 26.

(3) رشيق، الحركات الاحتجاجية في المغرب، ص 39.

(4) مادلين غراويتز، مناهج العلوم الاجتماعية، ترجمة سام عمار، ط1 (دمشق، المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر، 1993)، ص 82.

(5) جمال فزة، حسن أحجيج، البحث الكيفي في العلوم الاجتماعية: نظريات وكيفيات، ط 1 (مراكش، فضاء آدم للنشر والتوزيع، 2019)، ص 51.

(6) عزمي بشارة، في الثورة والقابلية للثورة، ط1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012)، ص 29.

(7) رشيق، الحركات الاحتجاجية في المغرب، ص 10.

(8) عبد الرحمن رشيق، المجتمع ضد الدولة: الحركات الاجتماعية وإستراتيجية الشارع بالمغرب، ترجمة عز الدين العلام، (الدار البيضاء، منشورات ملتقى الطرق، 2021)، ص 39-40.

(9) الحبيب إستاتي زين الدين، الحركات الاحتجاجية في المغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية، ط 1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، ص 27-28.

(10) أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث، سلسلة عالم المعرفة 117، (الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1978)، ص 17.

(11) للاستزادة، راجع: موريس ديفرجيه، الأحزاب السياسية، ترجمة علي مقلد وعبد المحسن سعد، (القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2011).

(12) Émilie Van haute and Nicolas Sauger, “Partis Politiques et Systèmes Partisans,” in Manuel de Science Politique, ed. C. Roux and E. Savarese (Bruxelles: Bruylant, 2018(, 49.

(13) رونالد ألفارو ريدوندو، “هل الأحزاب السياسية في تراجع؟ المساهمات الأخيرة في الحقل، ترجمة محمد ضريف”، مجلة تكامل للدراسات والأبحاث متقاطعة المعارف (مركز تكامل للدراسات والأبحاث، المغرب، العدد 1، 2021)، ص 151.

(14). Stefano Bartolini and Peter Mair, “Challenges to Contemporary Political Parties,” in Political Parties and Democracy, ed. Larry Diamond and Marc F. Plattner )Baltimore: The Johns Hopkins University Press, 2001(, 342.

(15) إدريس بنسعيد، مقدمة للحركات الاحتجاجية بالمغرب: مؤشرات الاحتقان ومقدمات السخط الشعبي، عبد الرحيم العطري، سلسلة دفاتر وجهة نظر 14، (الدار البيضاء، منشورات دفاتر وجهة نظر، 2008)، ص 10.

(16) نور الدين الزاهي، “المغاربة والاحتجاج”، وجهة نظر (د.ن، المغرب، العدد 19-20، 2003)، ص 11.

(17) محمد ضريف، الأحزاب السياسية المغربية 1934-1975، (الدار البيضاء، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، 1993)، ص 21-34.

(18) روبيرت ريزيت، الأحزاب السياسية في المغرب، ترجمة محمد ضريف ومحمد كرامي ومحمد شقير، (الدار البيضاء، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، 1992)، ص 45.

(19) حسن رشيق، سيدي شمهروش: الطقوسي والسياسي في الأطلس الكبير، ترجمة عبد المجيد جحفة ومصطفى النحال، (الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، 2010)، ص 10.

(20) علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، ط 1 (القاهرة، مطبعة الرسالة، 1948)، ص 173.

(21) محمد القبلي وآخرون، كرونولوجيا تاريخ المغرب: من عصور ما قبل التاريخ إلى نهاية القرن العشرين، ط 1 (الرباط، المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، 2012)، ص 184.

(22) عبد اللطيف أكنوش، تاريخ المؤسسات والوقائع الاجتماعية بالمغرب، ط 1 (الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، 1989)، ص 139.

(23) أحمد تفاسكا، تطور الحركة العمالية في المغرب: 1919-1939، ط 1 (بيروت، دار ابن خلدون، 1980)، ص 158.

(24) القبلي وآخرون، كرونولوجيا تاريخ المغرب، ص 193.

(25) عبد اللطيف المنوني، محمد عياد، الحركة العمالية المغربية: صراعات وتحولات، سلسلة المعرفة الاجتماعية، ط 1 (الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، 1985)، ص 18.

(26) الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، ص 235-237.

(27) المرجع السابق، ص 146.

(28) المنوني، عياد، الحركة العمالية المغربية، ص 32.

(29) تفاسكا، تطور الحركة العمالية في المغرب، ص 164.

(30) ألبير عياش، الحركة النقابية في المغرب، ترجمة نور الدين سعودي، ط 1 (الدار البيضاء، دار الخطابي للطباعة والنشر،1988)، ج 1، ص 185-189.

(31) العربي واحي، “المقاومة السياسية بسلا خلال الثلاثينات”، (بحث قدم في ندوة المقاومة المغربية ضد الاستعمار 1904-1955: الجذور والتجليات، أكادير، 13-14-15 نوفمبر/تشرين الثاني 1991).

(32) ريزيت، الأحزاب السياسية في المغرب، ص 53-55.

(33) “بصدد نشأة الظاهرة النقابية بالمغرب”، وجهة نظر (د.ن، المغرب، العدد 6، 2000)، ص 24.

(34) ألبير عياش، الحركة النقابية بالمغرب، ترجمة نور الدين سعودي، ط1 (الدار البيضاء، مجلة “أمل” للتاريخ والثقافة والمجتمع،1997)، ج 2، ص 139-170.

(35) فارس أشتي، “الجذور التاريخية للحركات الاحتجاجية في البلدان العربية”، في الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي (مصر-المغرب-لبنان-البحرين-الجزائر-سوريا-الأردن)، تحرير: عمرو الشوبكي، ط 2، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2014)، 119.

(36) الطيب بن بوعزة، ميلاد الحركة النقابية العمالية الحرة بالمغرب، ترجمة عبد الله رشد، (الدار البيضاء، دار النشر المغربية، 1992)، ص 55-56.

(37) أشتي، “الجذور التاريخية للحركات الاحتجاجية في البلدان العربية”، ص 120.

(38) ريمي لوفو، الفلاح المغربي المدافع عن العرش، ترجمة محمد بن الشيخ، سلسلة أطروحات وبحوت جامعية 2، ط 1 (الدار البيضاء، منشورات وجهة نظر، 2011)، ص 4.

(39) محمد عابد الجابري، في غمار السياسة فكرًا وممارسة، سلسلة مواقف 1-4، ط 1 (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2009)، ج 1، ص 128-135.

(40) تجذر الإشارة إلى أن الاتحاد النقابي للموظفين ألغى الإضراب المقرر تنفيذه بعد فتح الحكومة باب الحوار؛ مما أدى إلى توتر علاقة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالاتحاد المغربي للشغل، حيث عمل الحزب على توظيف الإضراب من أجل الضغط على السلطة بعد رفض انتخاب مجلس تأسيسي والاتجاه نحو احتكار المؤسسة الملكية للسلطة التأسيسية لوضع الدستور. انظر: محمد عابد الجابري، في غمار السياسة فكرًا وممارسة، سلسلة مواقف 5-8، ط1 (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2009)، ج 2، ص 39-48.

(41) المرجع السابق، ص 42.

(42) قدَّم المهدي بن بركة، في مايو/أيار 1962، إلى الكتابة العامة لحزب الاتحاد الوطني القوات الشعبية عقب المؤتمر الوطني الثاني للحزب تقريرًا حمل اسم “الخيار الثوري بالمغرب”، يتضمن تقييمًا لعمل الحزب خلال المراحل السابقة وأفق اشتغاله واختياراته في المستقبل. انظر: المهدي بن بركة، الاختيار الثوري في المغرب، ط 2 (بيروت، دار الطليعة، 1966). كما أصدرت الأمانة العامة للحزب، في 2 مايو/أيار 1963، بيانًا عن انتخابات مجلس النواب، جاء فيه: “إن قرارنا هذا لا يمكنه أن يترك مجالًا للبس أو التأويلات المغرضة، ما دام الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو المنظمة الثورية التي تواجه النظام الإقطاعي الفردي بالعداء الصريح […] إننا نعلم أن هذه المعارك ليست إلا جانبًا من جوانب نضالنا الثوري”. انظر: “بيان الكتابة العامة للحزب في 2 مايو/أيار 1963″، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، 27 أغسطس/آب 2016 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://2u.pw/2jkbTSs9.

(43) الجابري، في غمار السياسة فكرًا وممارسة، ج 2، ص 74-75.

(44) محمد ضريف، الحركة الطلابية المغربية: قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب 1956-1996، ط 1 (الدار البيضاء، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، 1996)، ص 47-49.

(45) المصطفى بوعزيز، “الحركة النقابية الطلابية المغربية واليسار الجذري”، في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: النشأة المسار والمآل، تحرير: عبد الصمد بلكبير، ط 1 (الدار البيضاء، مركز محمد بن سعيد آيت إيدر للأبحاث والدراسات، 2017)، ص 194-195.

(46) عبد الغني أبو هاني، “الحركات النقابية والإضرابات الحضرية والصراعات السياسية في المغرب”، وجهة نظر (د.ن، المغرب، العدد 19-20، 2003)، ص 36.

(47) المرجع السابق، ص 37.

(48) عزيز خمليش، الانتفاضات الحضرية بالمغرب: دراسة ميدانية لحركتي مارس 1965 ويونيو 1981، (الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، 2005)، ص61.

(49) عبد العزيز بناني، “الظروف التاريخية لنشأة وتطور الحركة المغربية لحقوق الإنسان”، في قضايا التحول الديمقراطي في المغرب مع مقارنة بمصر والأردن، (القاهرة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2001)، ص 99.

(50) حول هذا الصنف من الاحتجاج الذي عرفه المغرب خلال السبعينات، انظر على سبيل المثال المراجع التالية: محمد شقير، النص الغنائي بالمغرب بين بناء الدولة وتمجيد السلطة، ط 1 (الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، 2012)، أحمد شراك، الكتابة على الجدران المدرسية: مقدمات في سوسيولوجيا الشباب والهامش والمنع والكتابة، ط 1 (الرباط، دار التوحيدي للنشر والتوزيع، 2009)، عبد الحميد عقار، “ثقافة السبعينات خطاطة أولى”، نوافذ (د.ن، المغرب، العدد 37-38، 2008).

(51). Ghassane Lamrani, L’USFP Crise Passagère ou Prémisses d’un Déclin Annoncé ? Sociologie Électorale de l’Union Socialiste des Forces Populaires )Casablanca: Itissalat Sabou, 2009(, 82.

(52) يتجلى ذلك بوضوح في بيانها التأسيسي الصادر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1978 الذي جاء فيه: “يجب أن تناضل الطبقة العاملة بجانب الفئات الشعبية الأخرى من أجل تصفية الجو السياسي وتوسيع الحريات الديمقراطية وذلك بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين إلى أرض الوطن وبفرض الحقوق النقابية وتوسيعها”. انظر: الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، صمود واستمرار: بيانات ونداءات الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل 1978-2000، ط 1 (الدار البيضاء، الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، 2000)، ج 1، ص 14.

(53) لتراجع في موضوع الإضرابات والاحتجاجات خلال هذه الفترة: عبد الحميد عقار، “جدول بأهم النضالات الجماهيرية خلال سنتي 1979-1980″، الجسور (د.ن، المغرب، العدد 1، 1981)، ص 44-52. وانظر أيضًا: عبد الحميد عقار، “جدول بأهم النضالات الجماهيرية خلال يناير-يونيو 1981″، الجسور (د.ن، المغرب، العدد 2 ،1981)، ص 178-183.

(54) أبو هاني، “الحركات النقابية والإضرابات الحضرية والصراعات السياسية في المغرب”، ص 38.

(55) الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، صمود واستمرار، ص 93.

(56) خمليش، الانتفاضات الحضرية بالمغرب، ص 79.

(57) المرجع السابق، ص 81.

(58) المرجع السابق، ص 85.

(59) المرجع السابق، ص 87.

(60) للاستزادة، راجع: بيرنابي لوبيس كارسيا، الانتخابات المغربية منذ 1960 إلى الآن: دراسة علمية موثقة، سلسلة تعريبات، ترجمة بديعة الخرازي، ط 1 (الدار البيضاء، منشورات الزمن، 2009)، ص 132-209.

(61). Mounia Bennani-Chraïbi, Partis Politique et Protestation au Maroc 1934-2020 (Rennes: Presses Universitaires de Rennes, 2021(, 132.

(62) عصام الرجواني، الديناميات الاحتجاجية بالمغرب: دراسة للسلوك الاحتجاجي للحركات الإسلامية-جماعة العدل والإحسان نموذجًا، (أطروحة دكتوراه، جامعة محمد الخامس،2020)، ص 166.

(63) سارة فايز، الأحزاب والقوى السياسية في المغرب، (لندن، رياض الريس للكتب والنشر، 1990)، ص 146-147.

(64) الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، صمود واستمرار، 339-340.

(65) المصطفى بوعزيز، الوطنيون المغاربة في القرن العشرين: الارتباط العضوي بين السياسي والاجتماعي 1873-1999، (الدار البيضاء، إفريقيا الشرق، 2019)، ج 1، ص113.

(66) خمليش، الانتفاضات الحضرية بالمغرب، ص 112.

(67) المرجع السابق، ص 112.

(68) الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، صمود واستمرار، ص 354-355.

(69) “بيان المؤتمر الخامس 1989″، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، 20 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://2u.pw/UCUYBq11.

(70) عز الدين العلام، “الدولة والحرية: حالة المغرب”، مركز تكامل للدراسات والأبحاث، 15يونيو/حزيران 2021 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، .https://2u.pw/BdQgRAd

(71) رشيق، الحركات الاحتجاجية في المغرب، ص 32.

(72) عمر إحرشان، “حراك الريف: السياق والتفاعل والخصائص”، سياسات عربية (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، العدد 21، 2018)، ص 79.

(73) صرح أحد أبرز قادة الحراك، ناصر الزفزافي، في حوار له مع موقع الأول وفي معرض إجابته عن سؤال: “هل تعتبر فيدرالية اليسار والنهج الديمقراطي وجماعة العدل والإحسان دكاكين سياسية؟” بأن الحراك “لا يقبل بجميع الإطارات كيف ما كانت”، معللًا ذلك بالحفاظ على استقلالية الحراك، وتجنب “تهمة” أن قوة سياسية توجه الاحتجاج. انظر: “حوار.. الزفزافي يقول كل شيء عن حياته وعن إلياس ولماذا يستفرد بالحراك ولماذا ظهر رفقة الحراس”، الأول، 20 مايو/أيار 2017 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://2u.pw/lQjkExAw.

(74) أصدرت أحزاب التحالف الحكومي (العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التقدم والاشتراكية)، يوم 14 مايو/أيار 2017، بيانًا لا يتضمن ما صرح به ممثلوها سابقًا، ومما جاء فيه أن “أحزاب الأغلبية تؤكد على أهمية التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية بما يحقق حاجات الساكنة والتنمية والعيش الكريم”. انظر: “أحزاب الأغلبية الحكومية تخرج ببلاغ رسمي حول حراك الحسيمة”، دليل الريف، 15 مايو/أيار 2017 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://2u.pw/fx2yONDT.

(75) “رد المناضل ناصر الزفزافي على الحكومة/الانفصال/الريف”، Youtube، 25 مايو/أيار 2017 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)،  . https://2u.pw/TkVDHbFC

(76) “أكال” كلمة أمازيغية تعني الأرض.

(77) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع المحفوظ فارس، أحد مؤسسي الحركة، 15 يونيو/حزيران 2021، المغرب.

(78) بيان صادر عن حركة “أكال”، الصفحة الرسمية للحركة على الفيسبوك، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://2u.pw/OMx5kFWW.

(79) تصريح حمو حسناوي الناطق الرسمي لحركة “أكال”، الصفحة الرسمية للحركة على الفيسبوك، 5 سبتمبر/أيلول 2021 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://2u.pw/oFzP3Q.

(80) المرجع السابق.

(81) تكررت هذه العبارات في البيانات الصادرة عن الحركة وتنسيقياتها الفرعية خلال الفترة الممتدة ما بين 2018 و2022.

(82) بيان صادر عن حركة “أكال”، الصفحة الرسمية للحركة على الفيسبوك، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)، https://2u.pw/S2nVUe.

(83) بلاغ صادر عن حركة “أكال”، الصفحة الرسمية للحركة على الفيسبوك، 23 مايو/أيار 2022 (تاريخ الدخول: 7 أبريل/نيسان 2024)،  .https://2u.pw/RN630W