ملخص

تسببت السياسات الإسرائيلية المنبثقة من الأيديولوجية الصهيونية والمتمظهرة بالحاجات الأمنية تجاه الفلسطينيين وأرضهم، في إحداث تغيرات جيوسياسية وتحولات في علاقات الإنسان بالأرض، بما وافق ذلك من استيطان وتهجير وتهويد واعتداءات، ورغم أن تطبيق الأيديولوجية والحاجات الأمنية مركب متناقض، إلا أن “إسرائيل” تتكيف معه وتحاول احتواءه.

وتتناول هذه الدراسة مفهوم وتاريخ الأمننة والأيديولوجية الصهيونية، وتناقش العلاقة بين سياسات الاستعمار الاستيطاني الإحلالي والأمننة، وتقارن موازين القوى بين “إسرائيل” والفلسطينيين. وانتهت إلى أن الخطاب الإسرائيلي يضفي البعد الأمني على سياساته، لابتداع ذرائع لتطبيقها، بتصدير رواية بأن الفلسطينيين يمثلون مصدرًا للتهديد، وأن “إسرائيل” تعيش وسط محيط عربي معاد، وبذلك تستمر في فرض الأيديولوجية على الأرض تحت غطاء الحاجات الأمنية؛ أي إن “إسرائيل” توظف الأمن أداةً بيد الأيديولوجية.

كلمات مفتاحية: الأمننة، الصراع، “إسرائيل”، الفلسطينيون، الصهيونية، الاستعمار الاستيطاني الإحلالي.

Abstract:

The Israeli policies, stemming from Zionist ideology and manifested as security needs vis-a-vis the Palestinians and their land, have caused geopolitical changes and transformations in human-land relationships.

_______________________________

* حمزة إبراهيم حسن محيسن، باحث في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، غـــزة-فلسطين

Hamza Ibrahem Hasan Mehesin, Researcher in the Israeli-Palestinian conflict, Gaza-Palestine.

These changes include settlement, displacement, Judaization, and aggressions. Despite the complex and contradictory nature of applying ideology and security needs, Israel adapts to it and attempts to contain it.

This study explores the concept and history of securitization and Zionist ideology. It discusses the relationship between colonial settlement policies and securitization and compares the power dynamics between “Israel” and Palestinians. The study concludes that the Israeli discourse adds a security dimension to its policies, inventing justifications for their implementation by propagating a narrative that portrays Palestinians as a threat and Israel as living in a hostile Arab environment. Consequently, Israel continues to impose its ideology on the land under the guise of security needs, effectively utilizing security as a tool in the hands of ideology.

Keywords: Securitization, “Israel”, Palestinians, Zionism, substitutional settler colonialism.

مقدمة

وفق الأيديولوجية الصهيونية، فإن “إسرائيل” ليست مجرد “دولة” كبقية دول العالم، بل هي مشروع مستمر ومستدام، وظهرت مشروعًا استعماريًّا، استيطانيًّا، إحلاليًّا، زاحفًا بلا توقف؛ أي إن مشروع “الدولة اليهودية” لم يكتمل؛ وبذلك أصبح “إقليمها” و”حدودها” عبارة عن كيان متحرك، بناءً على سياسة إستراتيجية توسعية، تستند في أساسها على المرحلية والقضم التدريجي، أي إن “إسرائيل” لا تزال مستمرة التأسيس. كذلك يعد الاحتلال الصهيوني/الإسرائيلي نظام احتلال هجين، ومنظومة سيطرة متعددة الأبعاد من حيث التطبيق، يدمج بين مكونات ثلاثة، وهي: الاستيطان، والاستعمار، والإحلال. وإذا ما أُخضع الفكر الصهيوني وتطبيقاته للقياس والتحليل، فإننا نجد الصراع العربي/الفلسطيني-الصهيوني/الإسرائيلي في فلسطين قائمًا على الوجود، الذي يستهدف الفلسطينيين في “إسرائيل” (المناطق المحتلة سنة 1948)، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، وهكذا يكون جوهر المشروع واحدًا، وإن اختلفت تطبيقاته.

وقد سخَّرت منظومة السيطرة الصهيونية/الإسرائيلية، وما زالت تسخِّر، ما يفيدها من الأمن والقانون الدولي؛ لتبرير تحقيق غاياتها، فتفاعلت وتعاملت معها بناءً على تفسيراتها الخاصة، والتي تناقض ما يجُمِع عليه معظم فقهاء الأمـن والقانون. ونظرًا لأهمية الضفة الغربية بما فيها “القدس الشرقية” في العقيدة الصهيونية؛ فقد عملت “إسرائيل” على إضفاء البعد الأمني على السياسات المتعددة والمتنوعة، أي إنها صبغت هذه السياسات والتطبيقات بالصبغة الأمنية، فأغلب الخطاب السياسي والاقتصادي الموجَّه من “إسرائيل” نحو الضفة الغربية بما فيها القدس، أخذ البعد الأمني أولويةً فيه.

وبذلك، تم تحويل الخطاب عن حالة تطبيقات الاستعمار، الاستيطاني، الإحلالي، إلى التركيز على أبعاد الخطر والتهديد الذي يمثله الفلسطينيون؛ فالأمـن وفقًا لمفهوم الأمننة، ليس حقيقة موضوعية مسلمًا بها، وإنما هو نتاج لعمليات اجتماعية محددة. ووفقًا لهذه الرؤية، أصبحت المناطق المحتلة سنة 1967، والداخل المحتل سنة 1948، مسرحًا لتطبيق الأيديولوجية الصهيونية عبر توظيف الخطاب الأمني، أي إن الأمن الإسرائيلي أصبح أداةً لتطبيق الأيديولوجية. وتتلخص أطروحة هذه الدراسة في أن “إسرائيل” توظف “نظرية الأمننة” القائمة على نسج خطاب وسياسات أمنية انتقائية، تدَّعي فيها أنها أقلية مهدَّدة (مع أنها في حالات أخرى تدَّعي أنها تمثل أغلبية)؛ لأجل إفراغ الحيز الفلسطيني من أهله، وبسط مطلق سيطرتها على الأرض.

تتناول هذه الدراسة أثر الأمننة في تطبيق الأيديولوجية الصهيونية القائمة على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، وفي سبيل ذلك تستعرض مفهوم وتاريخ الأمننة والأيديولوجية الصهيونية وتأطيراتها النظرية، كما تناقش مركبات نظرية الأمننة وإسقاطاتها في واقع حالة الصراع العربي/الفلسطيني-الصهيوني/الإسرائيلي في فلسطين، عبر توضيح العلاقة بين سياسات الاستعمار الاستيطاني الإحلالي والأمننة، وتعرض مقارنةً للأمن الإسرائيلي مقابل الفلسطينيين بموازين القوى. وأخيرًا، تروم الدراسة فهم تطبيقات “إسرائيل” للأمننة وتقييمها بشكل شمولي.

  1. استهلال نظري: مفهوم وتاريخ الأمننة والأيديولوجية الصهيونية

    • مفهوم الأمننة: في المخيال والواقع الإسرائيلي

يعني مصطلح “الأمننة” إضفاء البعد الأمني على قضية ما؛ ليجعل منها مصدرًا للخطر أو التهديد، وارتبطت مداخل الأمننة المختلفة بمدرسة كوبنهاغن (Copenhagen School)(1)، ومن أهم أعمدتها باري بوزان (Barry Buzan) وأول ويفر (Ole Weaver) وغيرهم. وترمي الأمننة إلى تجاوز النقاش الدائر بين أولئك الذين يرون أن التهديد هو قضية موضوعية، ومجموعة أخرى تذهب إلى أن التهديد قضية ذاتية، يحددها الشخص بحسب إدراكه وتفاعله، فمدرسة كوبنهاغن ترى وجوب النظر إلى الأمن على أنه فعل خطابي، والقضية الرئيسة فيه ليست الجدل حول ما إذا كان التهديد موضوعيًّا، أو ينطلق من اعتبارات ذاتية، بل الطريقة التي تُبنى بها بعض القضايا اجتماعيًّا، ويشير الفعل الخطابي إلى أن النطق بكلمة أو بمصطلح، فحسب، يعني أن فعلًا قد وقع، فالنطق بكلمة “أمن” قد يُنظر إليه على أنه فعل يستحضر للذهن مختلف القضايا العسكرية والسياسية والاقتصادية البيئية المرتبطة بالأمن(2).

ويعرِّف أعضاء مدرسة كوبنهاغن مفهوم الأمننة بأنه: العملية التي يعلن من خلالها أحد الفاعلين (ممثل الحكومة أو السلطة) عبر خطاب رسمي للجماهير، عن أن قضية أو مشكلة ما تعد تهديدًا مباشرًا ووجوديًّا لأحد الموضوعات المرجعية للأمن. ووفق هذه المدرسة، تم التوسع في قطاعات الأمن، وبالتالي التوسع في الموضوع المرجعي للأمن(3). وبناءً على هذا التعريف، يمكن النظر إلى الأمن باعتباره “فعلًا خطابيًّا”؛ فبمجرد أن يعلن أحد المسؤولين في الحكومة عبر خطاب موجه للجماهير، عن أن قضية أو مشكلة ما هي مشكلة أمنية، فإنها تصبح كذلك. ولقد عبَّر “أولي ويفر” بقوله: “يصبح شيء ما مشكلة أمنية، متى أعلنت النخب الحاكمة ذلك”(4).

وترى مدرسة باريس (Paris School)(5)، وهي مدخل آخر للموضوع، أن الأمننة تتحقق من خلال “الممارسة”، وعلاقات القوة التي تبني تصور الخطر. ويشير بوزان وويفر ودي وايلد (De Wilde)، إلى أن الأمننة هي عرض قضية ما على أنها تمثل خطرًا يمس البقاء؛ الأمر الذي يتطلب اتخاذ تدابير طارئة، ويسوِّغ اتخاذ إجراءات سياسية خارج نطاق المعتاد، وتهدف الأمننة إلى الإسراع في تطبيق إجراءات سياساتية استثنائية، بعد الإعلان عن أن القضية القائمة تمثل تهديدًا للبقاء. وهذا الخطاب يعطي السلطة الحق في استخدام إجراءات استثنائية لتأمين بقائها، وبذلك تنتقل القضية من مجال السياسة العامة إلى مجال سياسة الطوارئ. ويعد المدى الذي يشمل القضايا القابلة للأمننة مفتوحًا، فبعض الدول سعت لأمننة الدين، وأخرى لأمننة الثقافة، بينما عمدت أخرى إلى أمننة قضايا الهجرة أو البيئة، ومن القضايا التي تعرضت للأمننة المكثفة قضية “الإرهاب”(6).

واستفادت “إسرائيل” من أمننة “الإرهاب” على نحو واسع؛ إذ صدَّرت رواية صبغت المقاومة الفلسطينية بصبغة الإرهاب، كذلك عملت على أمننة العديد من القضايا، كان من أهمها أمننة تطبيق الأيديولوجية الصهيونية القائمة على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، بادعاء أن الوجود الفلسطيني “خطر يهدد البقاء”؛ ما حدا بها إلى اتخاذ إجراءات استثنائية تتجاوز الوسائل العادية في التعامل مع “الخطر”، منها البعد العسكري العنيف في فرض الوقائع على الأرض.

وتتشكل عملية الأمننة من أربعة عناصر أساسية، وهي: أولًا: فاعل الأمننة (من يقوم بالفعل الخطابي، مثل رئيس الحكومة أو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية)، فعندما تصف القيادة أو النخب السياسية مشكلةً ما بأنها مشكلة أمنية، فإنها تصبح مشكلة أمنية، وهذا هو المقصود بكلمة “فعل خطابي”، وهذه النقطة تعد واحدة من العناصر الرئيسة لمفهوم خطاب الأمننة. ثانيًا: التهديد (قضية انتقلت إلى مستوى التهديد الوجودي من خلال الفعل الخطابي، مثل الديمغرافيا الفلسطينية)، وهنا قد يكون التهديد ماديًّا أو معنويًّا. ثالثًا: المهدِّد (كيان يشكل تهديدًا، ويحتاج للتعامل معه بوسائل وتدابير غير عادية، مثل المقاومة الفلسطينية ورغبتها في التحرر من الاحتلال). رابعًا: الجمهور المستهدف (بأفعال الكلام، مثل الجمهور الإسرائيلي أو الرأي العام العالمي)، ويقصد به إقناع الجمهور بأن قضية معينة هي قضية أمنية، وتمثل له تهديدًا وجوديًّا(7).

ومن هذا المنظور؛ فإن التطبيق الإسرائيلي للأمننة مرتبط بالمدرستين (مدرسة كوبنهاغن ومدرسة باريس)؛ إذ إن الاحتلال الإسرائيلي عمل، وما زال يعمل، على أمننة الفعل الأيديولوجي على المستوى “الخطابي”؛ لإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بأن “الممارسة” لتطبيق أيديولوجية الاستعمار الاستيطاني الإحلالي على الأرض تحظى بشرعية ما؛ الأمر الذي أعطى فضاءً للإسراع والاستمرار والتعمق في سياسات الاحتلال تجاه الوجود العربي/الفلسطيني.

واستنادًا على فهم نظرية الأمننة، ننتقل لقراءة مصطلح “الأمن”؛ لنجده الأكثر حضورًا وهيمنة في مناحي الحياة كافة في “إسرائيل”، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فالدولة قامت في خضم الصراع العربي-الصهيوني، منشغلة بتهديد وجودها، بدءًا بشرعية هذا الوجود، ونهاية بإخفاق العرب في تنفيذ خطتهم المتعلقة بوضع حدٍّ لهذا الوجود بالوسائل العسكرية، وهي تعيش منذ تلك المرحلة حالة إدراك؛ لكونها قامت على أنقاض شعب آخر لم يسلِّم بوجودها، لا هو ولا الشعوب العربية(8).

ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، سنة 1979، وما تلاها من تحولات جيوسياسية إقليمية، برزت علامات استفهام بشأن سياسات “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ فباسم الأمن وضروراته، أقيمت مستوطنات إسرائيلية على أنقاض عشرات القرى العربية/ الفلسطينية المهجرة، وباسم الأمن تقوم “إسرائيل” بقتل المواطنين العرب سواءً داخل “إسرائيل” أو خارجها، وتحت شعار الأمن تضرب أي هدف عربي حيوي؛ بحجة كونه يمثل خطرًا على بقائها ووجودها(9)، وباسم الأمن تمنع “إسرائيل” قيام دولة فلسطينية، علمًا بأن السلطة الفلسطينية وافقت على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح؛ ما يسقط الحجة الأمننية عن ذلك(10)!

وعندما يحتدم النقاش الأيديولوجي والسياسي حول مصير المناطق المحتلة سنة 1967 مثلًا، فإنه لا يكفي اليمين الإسرائيلي أو القوى الدينية أن تعدِّد الاعتبارات الأيديولوجية والدينية لإقناع الجمهور الإسرائيلي؛ فهو يخسر المعركة أمام الرأي العام إذا اكتفى بها، ولذلك، نلاحظ في أدبياته وخطابه السياسي والإعلامي جمعًا مركبًا وغير مبدئي بين العنصر الأيديولوجي الداعي لعدم جواز التخلص من الأرض، والعنصر الأمني القائل بعدم جدوى دفع “إسرائيل” الأرض ثمنًا لسلام وهمي، وأنه لا خيار سوى استمرار الحرب، وهو مركب متناقض؛ لأن المتمسك بالأرض أيديولوجيًّا غير مستعد للتخلي عنها حتى لو كان الفلسطينيون جاهزين للسلام، لكن اليمين الإسرائيلي يتحمل هذا التناقض ويتكيف معه ويحاول احتواءه، حتى تتكامل الحجج الأمنية مع الحجة الأيديولوجية(11)؛ وهذا يعني أن الأمن أصبح أداةً بيد الأيديولوجية(12).

ويبرر خطاب الحكومة الإسرائيلية أي انتهاك واعتداء على الفلسطينيين بأنه لأسباب أمنية، ولا يمكن إنكار أن “إسرائيل” توظف خطابها الأمني في مواصلة هجومها الاستيطاني في الضفة الغربية، وتعمل على إبقاء الحالة الاستيطانية دائمة ومستمرة، فوفقًا لمنظمة “يش دين” (Yesh Din) الإسرائيلية العاملة في مجال حقوق الإنسان، إن هذا النظام القائم في الضفة الغربية لا علاقة له بالأمن، وتحقيقًا وتطبيقًا لهذه الأيديولوجية تقوم “إسرائيل” بتنفيذ المشروع الاستيطاني الضخم، وهو العامل الذي غيَّر الوضع في الضفة الغربية منذ عقود، ولهذا الغرض تستولي على موارد الأرض وتمنع التنمية الفلسطينية، ولهذا الغرض تقسم الناس (المستعمِر والمستعمَر) حسب انتمائهم القومي في منح الحقوق والامتيازات، وتوضح “يش دين” أنه صحيح أن “بعض” الاعتبارات الأمنية وراء جزء من السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، لكنها ليست السبب الرئيس(13).

ووفقًا للباحث الإسرائيلي، عومر تسنعني (Omer Tsinani)، فإن الحجج الإسرائيلية القائمة على الأمن تختلط إلى حد كبير بعناصر أيديولوجية، وأثير نقاش حقيقي تجاه المبادئ فيما يتعلق بمسألة الأمن بين الطرفين، فـ “الحل الأمني” هو اختراع لا أساس له في الواقع؛ إذ إن هذا ليس ادعاءً أمنيًّا حقيقيًّا؛ بالتالي تستخدم “إسرائيل” الادعاءات الأمنية غطاءً لهدف أيديولوجي لخداع “الطرف الآخر”، إلى جانب تعميق الاستيطان في جميع أنحاء الضفة الغربية(14). وسواءً أتعلق الأمر بأمن سكان “إسرائيل” أم بأمن المستوطنين، فقد عملت الحجج الأمنية في كثير من الأحيان من خلال سياسة تعرِّف جميع الفلسطينيين على أنهم خطر أمني، بحكم عرقِهم وأصلهم القومي، وليست سياسة معدة خصيصًا وفقًا للمصالح الأمنية(15).

واستنادًا على ذلك، يعمل الخطاب الإسرائيلي على أمننة سياساته الاستعمارية الاستيطانية الإحلالية، عن طريق صياغة جمع مركب بين الأيديولوجية والأمن، لتبرير انتهاكاته واعتداءاته بأنها لحاجات أمنية، وبذلك يستمر في فرض الوقائع وتطبيقها على الأرض الفلسطينية، بأقل قدر ممكن من الانتقاد الدولي والقانوني لسياساته، ورغم أنه مركب متناقض، إلا أن “إسرائيل” تتكيف معه وفق علاقاتها الدولية والإقليمية.

  • من الإستراتيجية إلى الحجة الأمنية

بدأ الاستيطان في الأراضي المحتلة سنة 1967 من منطلقات وذرائع أمنية؛ إذ في السنة نفسها عرض يغآل ألون (Yegaal Alon)(16)على طاولة الحكومة الإسرائيلية مبادرة لتسوية واسعة النطاق خارج الخط الأخضر، وكان اقتراح ألون إقامة مستوطنات في المناطق المحيطة بالقدس وشرق الضفة الغربية؛ من أجل معالجة مشكلة “الخاصرة الضيقة” في وسط “إسرائيل”، والتهديد العسكري العربي من الشرق؛ مما يعوق أي هجوم بري. وكان من المفترض إنشاء المستوطنات اليهودية في مناطق سكانها الفلسطينيون قليل، والهدف الآخر للخطة هو فرض وقائع على الأرض استعدادًا للمفاوضات المستقبلية مع العرب حول المناطق المحتلة سنة 1967(18). كما ركزت رؤية أريئيل شارون (Ariel Sharon) -عندما كان وزيرًا للزراعة سنة 1977- على الاستيطان في قمم الجبال والمرتفعات في الضفة الغربية، من أجل تحقيق تفوق إسرائيلي، عسكريًّا وأمنيًّا، في أي مواجهة، وأيضًا بهدف تحقيق التفوق الاستعماري والهيمنة على المستعمَر العربي الفلسطيني، وإبقائه تحت مجهر المراقبة والمعاقبة(19).

وقد وُضع “مشروع ألون” على أساس الافتراض بأن سكان المستوطنات -إذا لزم الأمر- سيساعدون الجيش الإسرائيلي على وقف جيوش “العدو” حتى تعبئة وحدات الاحتياط التي تشكل أغلب القوات المقاتلة، وهذه الفكرة كانت شائعة جدًّا في تلك الأيام؛ إذ أثناء القتال في المستوطنات من المفترض أن يعمل المستوطنون على شكل مجمعات محصنة تؤخر وتعيق تقدم الجيوش العربية، ولكن في العقود الأخيرة تغيرت نظرية الدفاع عن “إسرائيل”، ولا يوجد حاليًّا أثر لهذا المفهوم في خطط الجيش الإسرائيلي، كما أوضح اللواء غادي شامني (Gadi Shamni)، اللواء السابق في القيادة المركزية الإسرائيلية، في مقابلة أجراها سنة 2016؛ إذ قال: “المسألة الأمنية ليس لها علاقة بالموضوع… نحن نعرف كيف نحمي الدولة حتى دون اللجوء إلى المستوطنات”(20).

وبعد ما سمي بـ”الانقلاب السياسي” في “إسرائيل”، سنة 1977، وسيطرة حزب الليكود على الحكم، بدا الخطاب الرسمي أقرب إلى استخدام المبررات الأيديولوجية-الدينية لعملية توسع الاستيطان في الأراضي المحتلة؛ كون الضفة الغربية -وفق رؤية الحزب- هي “أرض الآباء والأجداد وأرض التوراة”، ويرى قادته أن “أرض إسرائيل الكاملة” هي من حقهم، وواجب ديني استعمارها. أما بشأن الفلسطينيين، فإن خطاب حزب الليكود، تاريخيًّا، يدور حول الحديث عن كيان ما دون الحكم الذاتي، من دون سيادة على الأرض، باعتبار أن الأرض هي “أرض إسرائيل” (إيرتس يسرائيل)، وهذا ما تم إقراره في قانون أساس الدولة القومية، سنة 2018(21).

وطوال سنوات ما بعد اتفاق أوسلو سنة 1993، كان الوضع على الأرض يروي قصة مختلفة؛ إذ غيرت “إسرائيل” الضفة الغربية إلى درجة من العسير النكوص عنها بسهولة، منتهكة بذلك المبادئ الأساسية لقوانين الاحتلال، واستغلت الأراضي ومواردها لتلبية احتياجاتها الخاصة، وتصرفت “إسرائيل” في الضفة الغربية بصفتها دولة ذات سيادة وليست قوة احتلال، وقامت بإجراء تغييرات إستراتيجية على الأرض وفي مجالات الحياة كافة، بما في ذلك سياسة الأراضي، وتطوير البنى التحتية، والتخطيط والبناء والتشريع، والضرائب، وزراعة أراضي الضفة لتلبية احتياجاتها الاقتصادية، وشجعت قطاع الأعمال على استغلال الموارد الطبيعية، بما فيها المياه الجوفية(22).

ويتزامن ذلك مع ضغط المستوطنين على الحكومة الإسرائيلية لتبني سياسة رسمية لتوسيع المستوطنات، مع إبعاد وتهجير الفلسطينيين عن أراضيهم قسرًا، فقد قدم رؤساء المستوطنات اقتراحًا بأن أراضي المستوطنات: “يجب أن تشمل جميع مناطق التخطيط في المستوطنات والمجالس الاستيطانية، زيادةً على احتياطي أرضي مناسب”. وأنه من أجل أنشاء حزام أمني ومناطق خاضعة للسيطرة حول المستوطنات ونحوها، ستحتل الحكومة الإسرائيلية الأراضي وفقًا للاحتياجات الأمنية للمستوطنات، وفي الوقت ذاته ستمنع البناء العربي/الفلسطيني خارج المناطق السكانية الفلسطينية(23).

يمكن القول، بأن الاستيطان في الأراضي المحتلة سنة 1967 بدأ فعلًا من منطلقات أمنية، في إطار التجهيز للمواجهة مع الجيوش العربية المهدِدة لـ”إسرائيل” من الشرق، في محاولة لإيجاد عمق إستراتيجي يمكن الجيش الإسرائيلي من حشد وتعبئة قواته الاحتياطية، وفي الوقت نفسه، برز لدى “إسرائيل” توجه يرى أن الضفة الغربية أكثر ارتباطًا بالعقيدة اليهودية؛ بالتالي لا يمكن التخلي عنها من منطلقات أيديولوجية، وبذلك تمكنت “إسرائيل” من أمننة أيديولوجية الاستيطان، أي إن الاستيطان لا يعمل لخدمة الأمن، بل الأمن يعمل لخدمة الاستيطان؛ وذلك لأن الاستيطان يتمركز في عمق الأيديولوجية الصهيونية.

  • في عمق الأيديولوجية الصهيونية

ينبع فهم وإدراك اليهود الصهاينة لفكرة الوجود في “إسرائيل”، من الاعتقاد بأن “أرض إسرائيل” هي ملك لـ “شعب إسرائيل”، وهذا الحق مجمَع عليه عند نسبة كبيرة من الإسرائيليين، ولكن من الواضح أنه متجذر في نابلس والخليل وبالتأكيد في القدس، أكثر منه في تل أبيب وحيفا، لذلك فإن التخلي عن الضفة الغربية (التي يسمونها يهودا والسامرة) سيضر بشرعية مكانة اليهود في جميع أنحاء “أرض إسرائيل”، وليس في الضفة الغربية فحسب(24).

وفي هذا الصدد، يقول يعكوف عميدرور (Yaakov Amidror): “إن أولئك الذين لا يعد هذا الحق مطالبة تاريخية لهم، بل ينبع من مفهوم ديني، من الواضح أنه في الجانب الديني لا أحد لديه المقدرة على التنازل عن الأرض التي منحها الله لشعب إسرائيل”؛ ووفقًا لهذا الفهم، فإن علاقة الإسرائيليين بالأرض أقوى وأكثر عمقًا مما تبدو عليه النظرة السطحية. ووفقًا لما جاء في التوراة، فإنه لا يمكن لـ “شعب إسرائيل” أن يمنح حكمًا أو سيادة لشعب “أجنبي” في “أرض إسرائيل”(25). وقد زعم موشيه ديان (Moshe Dayan)، رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، والوزير فيما بعد، في كتابه “المنتصر يأكل السيف” الصادر سنة 1981 بقوله: “إن الضفة الغربية هي وطننا، وحتى لو لم يتم تطبيق السيادة الإسرائيلية عليها، فإننا يجب ألا نوافق على تسليمها لسيادة حكومة أجنبية [أي الفلسطينيين]”(26).

وادعى وزير “الدفاع” الإسرائيلي السابق، موشيه يعلون (Moshe Ya’alon)، في مقدمة كتابه “احتياجات إسرائيل الأمنية لتسوية سياسية مع الفلسطينيين”: “إن إسرائيل تركز على الحقوق القومية والتاريخية لشعب إسرائيل على أرض إسرائيل…”، وهذا يوضح العنصر والسياق التاريخي والحواري للحجج المتعلقة بالأمن والحدود، وبالتالي الاستيطان. وذهبت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية من حزب الليكود، تسيبي حوتوبيلي (Tzipi Hotovely)، إلى أبعد من ذلك، وأزالت الغطاء عن السياسات الإسرائيلية، عندما اشتكت من أن “إسرائيل” على مدار 25 سنة لم تدافع عن المشروع الاستيطاني أيديولوجيًّا، ولكن الحجة كانت لأسباب أمنية فحسب، وبذلك تركت “إسرائيل” الساحة للرواية الفلسطينية القائلة إنها أرض محتلة(27).

وتعد سياسة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي هي السياسة العملية أو التنفيذية لمفهوم الصهيونية، فهي ترمي إلى زيادة عدد سكان “إسرائيل”، والسيطرة على المياه في الأراضي المحتلة، ودفع السكان العرب إلى النزوح عن أرضهم، بما يمكِّن من توسيع النطاق الجغرافي للاستيطان، ويمهد بالتالي لمزيد من التوسع، وهي الإطار الجامع للأحزاب الإسرائيلية كافة، سواءً أكانت في السلطة أم في المعارضة(28). ويمكن القول: إن الاستيطان والمستعمرات والمستوطنين هم جزء من بنية الدولة وفكرها وممارساتها وتخيلاتها وطموحاتها ورؤيتها لمستقبلها؛ أي إن الاستيطان ثابت، وليس متحولًا في المشروع الاستيطاني الصهيوني(29).

ويرى الدكتور أمل جمال، أنه لا توجد إمكانية لفصل هوية الدولة الإسرائيلية، كما هي معرَّفة قانونيًّا وسياسيًّا، عن حركة الاستيطان والتوسع، وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين. بمعنى أن مشروع الدولة لم يكتمل بعد، فهي حتى الآن لم تعرف حدودها السياسية، ولم تعرِف تمامًا من هم مواطنوها، والجمعية التأسيسية لم تنهِ عملها بعد؛ إذن تعد “إسرائيل” دولة في طور التأسيس المستمر، تعيش كأنها ثورة مستمرة، وتعيش كأنها دائمًا في لحظة “الخلق” الأولى(30).

ووفقًا للدراسات المتخصصة بالاستعمار الاستيطاني، يوجد فرق منهجي بين الاستعمار والاستيطان والإحلال؛ إذ يهدف الاستعمار “الكلاسيكي” إلى الحصول على الموارد واستغلال المواد الخام، وليس على الاستيطان والبقاء في الأرض، وبموجب الاستعمار الاستيطاني، فإن المستعمِر جاء ليبقى ويبني مشروعه في “البلد الجديد”، أما الإحلال، فيعمل على تهجير العرب/الفلسطينيين وإحلال اليهود بدلًا منهم؛ وعليه فإن نظام الاستعمار الإسرائيلي الهجين جاء ليتعمق، وليسيطر على البلد بالكامل، ويبدل معالمه بشكل تام. وضمن هذا المنطق، فإن السكان الأصليين يمثلون عامل إعاقة أمام مشروعه، ولذلك يتبنى سياسة تقوم على محو وجودهم، وإن كان ذلك بدرجات وأساليب متنوعة(31).

ونظرًا إلى القدسية الخاصة للأماكن التي جرى احتلالها منذ سنة 1967، مثل “القدس الشرقية” والخليل، يشير كثير من الباحثين الإسرائيليين إلى أنه لم يجرِ الاكتفاء، مثلما هو مفترض، بطرح الأسئلة السياساتية عن مصير المناطق المحتلة بلغة الحسابات العملية، مثل موازين القوى، والميزانيات، والوضع الدولي، والضرورات الأمنية، فقد أصبحت الأسئلة تصاغ بلغة دينية عما إذا كان يحق لأحد من الساسة الإسرائيليين “التنازل” عن مناطق مقدسة لـ”الشعب اليهودي” منحها الله لشعبه المختار! فتحول الربانيم -رجال الدين اليهودي- من مجرد قيادة روحية دينية إلى قيادة سياسية تبتُّ في الأمور السياساتية المصيرية. كذلك بدأت الصهيونية حركةً علمانية تعتقد أنها تستطيع أن توظف الخطاب الديني من أجل مشروع علماني قومي، لتجد بعد حوالي قرن من الزمن أن القوى الدينية القومية توظف إنجازاتها هي ضمن مشروع ديني، أي إن الصهيونية بدأت تستعمل الدين وسيلة، وبعد قرن يبدو أن المؤسسة الدينية تستعمل الدولة نفسها وسيلة(32).

وبناءً على ما سبق؛ يمكن القول: إن “إسرائيل” عبارة عن كيان لا يزال في طور النشوء، متحرك لا يعرف السكون، وذي حدود مرنة لا تعرف الثبات، بناءً على سياسة إستراتيجية توسعية، تسير وفق أهداف وأفكار صهيونية بعيدة المدى، تستند في تطبيقها على الأرض على أمننة الخطاب السياساتي؛ في محاولة لأن يكون تطبيق الأيديولوجية الصهيونية القائمة على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي على الأرض العربية الفلسطينية تطبيقًا شرعيًّا، بدون أن تقترب “إسرائيل” من تفسير العلاقة بين سياساتها الاستعمارية وتطبيقاتها الأمننية!

  1. العلاقة بين سياسات الاستعمار الاستيطاني الإحلالي والأمننة

    • العلاقة بين المستوطنات والأمننة: أسطورة الإسهام الأمني للمستوطنات

إن الحجة التي تثار مرارًا وتكرارًا في قضية الاستيطان، هي الإسهام الأمني للمستوطنات في أمن “إسرائيل”، وجذور الحجة واضحة بالنظر إلى أن الصهيونية منذ بدايتها خلقت علاقة وثيقة بين الاستيطان والدفاع؛ إذ إن الحجة القائلة إن المستوطنات ضرورية لأمن “إسرائيل” يُستمع لها بشكل رئيس من طرف القادة والسياسيين، وفي هذا السياق، نشر مركز مولاد الإسرائيلي، سنة 2017، دراسة شاملة فحصت العلاقة بين المستوطنات وأهميتها لأمن “إسرائيل”، ومن البيانات التي استُعرِضت ظهر أن الاستيطان لا يسهم في الأمن بأي شكل من الأشكال؛ بل يشكِّل عبئًا أمنيًّا ثقيلًا على الجيش الإسرائيلي(33).

ويُظهر أعضاء كبار في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وجود شبه إجماع في هذه الأيام أنه حتى لو كانت فكرة المستوطنات تسهم في تحقيق الأمن في الماضي، فهي اليوم تفتقر إلى أي شرعية أو صلاحية؛ لأنه باختصار، أصبحت المستوطنات حاليًّا نقطة ضعف عسكرية؛ لأنها هدف سهل للهجوم، ويصعب الدفاع عنها؛ إذ إن حماية المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في قلب الأراضي الفلسطينية تزيد من التحديات الأمنية للجيش الإسرائيلي وقدرته على حمايتهم(34).

ووفقًا للباحث الإسرائيلي، أفيشاي بن ساسون-جورديس (Avishai Ben Sasson-Gordis)، فإن الحجة الأمنية عن المستوطنات سقطت بعد اختفاء التهديد التقليدي من الشرق، فقد كان الهدف الأساس للسيطرة على الضفة الغربية هو خلق منطقة عازلة من شأنها تأخير الهجوم العربي العراقي أو الأردني من الشرق، بعد أن قدَّرت الحكومة الإسرائيلية أهمية العمق الإستراتيجي الذي يسمح بمسافة آمنة، لكن بسبب التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، لم تعد هذه الجيوش تهدد “إسرائيل”؛ إذ وقعت الأردن اتفاقية سلام مع “إسرائيل”، سنة 1994؛ كذلك الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003؛ ما حيَّد الدولتين رسميًّا عن الصراع، أما التهديد الرئيس الذي لا يزال يواجه “إسرائيل” فهو التهديد الصاروخي الإيراني، بحكم طبيعته، ولكن التعامل مع تهديد الصواريخ لا علاقة له بالسيطرة على الضفة الغربية(35).

وجاء في دراسة أعدها معهد تامي شتاينمتز (Tami Steinmetz) لدارسات السلام، أن الضرر الذي أحدثه وجود الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية يتفاقم بسبب سياسة الاستيطان المتزايدة، زيادة على الصعوبة التي تفرضها المستوطنات؛ إذ إنها تخلق عبئًا سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا على “إسرائيل”، فالمستوطنات لا توفر الأمن لـ “إسرائيل”، ولكنها تجبر الجيش على حراسة المناطق بشكل مستمر على حساب الاستعداد العسكري للحرب القادمة(36). وجاء في دراسة لهيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch): “إن طموح إسرائيل في حماية المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية وداخل إسرائيل من التهديد الذي تشكله الهجمات التي تشنها المنظمات الفلسطينية المسلحة، لا يبرر الحجج الأمنية، ولا علاقة له بالأمن”(37).

والسؤال المحوري هنا: كيف تضر المستوطنات بالأمن الإسرائيلي؟ فيأتي الجواب بأن المستوطنات تعمل على إطالة خط الدفاع الذي يتعين على الجيش الإسرائيلي تأمينه. وفي تقدير إسرائيلي، فإن الخط الفاصل بين “إسرائيل” والضفة الغربية أطول بخمس مرات على الأقل مما يمكن أن يكون بدون المستوطنات، ويترتب على ذلك أن الحاجة إلى حماية المستوطنين الإسرائيليين في قلب المناطق الفلسطينية تثقل وتستنزف إمكانيات الجيش الإسرائيلي بشكل كبير(38).

وفي تقدير آخر، لا يمكن حساب الطول الدقيق للخط الدفاعي الإسرائيلي حول مستوطنات الضفة الغربية، ومع ذلك، يمكن للمرء أن يفهم أن طول الخط الأخضر حوالي 320 كم، في المقابل يبلغ طول الجدار الفاصل الذي يتجاوز الخط الأخضر في كثير من المناطق حوالي 700 كم، أي أكثر من مرتين، والجيش لا يحمي الخط الأخضر، بل يحمي الجدار الفاصل، زيادةً على أن التقدير الأول لم يشمل بقية المحاور، ولا حتى الطرق غير الممهدة(39).

وترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن التهديد الرئيس الذي ستواجهه “إسرائيل” في الضفة الغربية، في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور، ليس لجيش تقليدي من إحدى دول المنطقة، ولكن من التنظيمات الفلسطينية، لذلك فأضرار المستوطنات على أمن “إسرائيل” يجب قياسها مقابل هذا السيناريو؛ إذ أضرت المستوطنات بالمصالح الأمنية، فقد أدى طول خطوط الدفاع، إلى احتياج كم كبير من القوات المطلوبة للدفاع عن المستوطنات؛ للحفاظ على أمن المستوطنين الذين يعيشون في قلب منطقة “معادية” وهي الضفة الغربية(40).

ووفقًا لغادي شامني: “إذا لم توجد مستوطنات، فلا مبرر لوجود الجيش الإسرائيلي، السبب في وجود الجيش؛ أن هناك مستوطنين إسرائيليين بحاجة إلى حماية”. وفي يونيو/حزيران 2016، على سبيل المثال، صرَّح مسؤول كبير في وزارة الدفاع الإسرائيلية بأنه: “يوجد الكثير من التجهيزات المطلوبة للحرب ضد حزب الله، لكن المشكلة هي أننا مقيدون في قدرتنا على التدريب والتطوير؛ لأن جزءًا كبيرًا من إعداد قواتنا متموضع في الضفة الغربية”(41).

ويشتمل مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي على مكونات غير عسكرية عدة، منها الوضع الدولي وسيادة القانون والتماسك الاجتماعي؛ وبذلك فإن مشروع الاستيطان يضر بشكل كبير بكل هذه المتغيرات، فالمستوطنات هي السبب الرئيس للتدهور الشديد في مكانة “إسرائيل” في العالم، وقدرتها على تحقيق بعض أهدافها على الساحة الدولية؛ حيث يسود الإجماع على أن المستوطنات والجدار الفاصل تشكل انتهاكًا للقانون الدولي، وكل ذلك يأتي مع أن القيادة السياسة في “إسرائيل” مدركة أن أمنها وبقاءها يعتمد على الدعم الدولي(42).

تمكنت “إسرائيل” عبر خطابها من أمننة سياساتها المنبثقة من أيديولوجية الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، باختلاق حجة الإسهام الأمني للمستوطنات في الدفاع، بيد أن الواقع يشير إلى أنه لا علاقة بين الاستيطان والأمن، بل إن الاستيطان يشكِّل عبئًا أمنيًّا وعسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا على “إسرائيل”، ويظهر ذلك الهدف من الاستيطان بأنه هدف أيديولوجي، ومع ذلك تتحمل “إسرائيل” عبء الاستيطان في سبيل التمسك بالأيديولوجية.

  • جدار الفصل العنصري والتهويد وعلاقتهما بالأمننة

 بنَت “إسرائيل” جدار الفصل العنصري، ليقوم بدور الحاجز الفيزيائي الذي يمنع الفلسطينيين من دخول الأراضي المحتلة سنة 1948، وأقيم أغلبه في الأراضي المحتلة سنة 1967، وشكَّل أداةً لسلب مزيد من الأراضي. ويعوق الجدار حركة الفلسطينيين اليومية؛ إذ تصبح المناطق الواقعة بينه وبين خط الرابع من يونيو/حزيران 1967 -الذي كان يفصل “إسرائيل” عن الضفة الغربية- مناطق عسكرية مغلقة، وتبلغ 10 في المئة من مساحة الضفة الغربية. ويسير الجدار على الخط الأخضر بنسبة 20 في المئة، ويمر ما تبقى داخل أراضي الضفة الغربية(43).

ووفقًا لدراسة أعدها غيرشون هاكوهين (Gershon Hacohen)(44): “الجدار الفاصل هو قاطرة وقودها سياسي أيديولوجي، والسكة الحديدية هي الأمن”، وأردف: “نجح مؤيدو الجدار [من الإسرائيليين] في خلق وعي سياسي زائف لرؤية الجدار على أنه أمني، في حين تأسس موقف المعارضين باعتباره مدفوعًا بالأيديولوجية والأجندة السياسية”. وفي العقدين الأخيرين، استُغلَّت قضية الأمن وشعور الإسرائيليين بالقلق، وغذَّى هذا الشعور القائم على فكرة عدم القدرة على توفير الأمن القياداتُ السياسيةُ والأحزاب ذات المصلحة، وهو ادعاء كاذب (وفق هاكوهين)، استُغل من أجل جلب الشخصيات الأيديولوجية التي لا تريد الانسحاب من الضفة الغربية(45).

بيد أن الاعتبارات الأمنية في تحديد مسار الجدار الفاصل تعلقت بإمكانية التوسع المستقبلي للاستيطان، وفي هذا السياق أورد هاكوهين في دراسته، مثالًا يعبِّر عن الحالة الأيديولوجية المستترة بالحجج الأمنية في تحديد مسار الجدار، عبر الاطلاع على الالتماس المقدم من مجلس استيطاني في الضفة الغربية في منطقة “بَتير”؛ إذ ادعى الملتمسون أن المسار الذي أنشأته قوات الأمن، سيُلحق الضرر بـ”مناطقهم الزراعية”، ومن ناحية أخرى أكدت “الدولة” ومسؤولوها أن استكمال مسار الجدار “كما هو” ضروري لسد ثغرات تسلل “الإرهابيين” إلى مدينة القدس، وبعد الاستماع إلى حجج الأطراف، أمرت المحكمة “الدولة” بإجراء مزيد من التفكير في طبيعة الترتيبات الأمنية في “المنطقة الإشكالية”، وبعد إعادة التقييم، قررت “الدولة” أنه بالإمكان إجراء عدة تغييرات على مسار الجدار الفاصل. علمًا بأنه في معظم الحالات قبلت محكمة العدل العليا الإسرائيلية حجة “الدولة” بأن المستوطنات تخدم احتياجات عسكرية وأمنية ملحَّة، وسمحت لها بالاستيلاء على أراض خاصة لإقامتها(47).

وبناءً على ذلك، يمكن القول: إن استعداد “الدولة” لإجراء تغييرات بعيدة المدى في طبيعة مسار جدار الفصل العنصري وموقعه -مع أن إسرائيل تعد ذلك خطرًا أمنيًّا- لا يسعه إلا أن يثير التساؤل: كيف يمكن التنازل عن مبادئ أمنية مركزية في الأمن القومي الإسرائيلي؟ ويوضح هذا المثال، وغيره كثير، أن مشروع الجدار هو تطبيق لأيديولوجية أكثر من كونه “مشروعًا أمنيًّا”، وأن الجدار أُسِّس “في البداية” ليكون بمنزلة حدود سياسية غطي بالاعتبارات الأمنية، في توظيف واضح للأمننة.

وفي الوقت الذي كان فيه قرار بناء الجدار الفاصل ناضجًا، كان القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية هو إطلاق عملية “السور الواقي”، سنة 2002؛ لدرء خطر العمليات الاستشهادية(48)؛ وهذا يسقط الحجة الأمنية عن إقامة الجدار، لأنه لو كان هدفه أمنيًّا، لما شنَّت “إسرائيل” عملية “السور الواقي” للقضاء على منفذي العمليات الاستشهادية في الضفة الغربية، وبذلك يتضح أن “إسرائيل” أمننت بناء الجدار في محاولة للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية.

وعمل قسم التاريخ في ركن العمليات في الجيش الإسرائيلي في يونيو/حزيران 2004، أي بعد حوالي عامين من بدء بناء الجدار الفاصل، على استشراف بعض التحديات التي سيتعين على مشروع الجدار الفاصل مواجهتها مستقبلًا، ونشر دراسة تاريخية لـ”خط موريس” (Morice Line)، وهو السياج الذي بناه الفرنسيون على الحدود التونسية-الجزائرية خلال فترة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ومما جاء في الدراسة، أنه من المهم دراسة نماذج تاريخية مماثلة يمكن استخلاص دروس ذات صلة بواقع اليوم منها، وأوضحت الدراسة أنه أمكن العثور على مثال لمحاولة التعامل مع تهديد “العصابات والإرهاب” من خلال سياج أمني في تاريخ الحرب الفرنسية في الجزائر فترة الخمسينات، وخلصت الدراسة إلى أن النشاط الدفاعي لـ”خط موريس”، رغم كلفته، طُوِّرت تكتيكات مختلفة ومتنوعة للتغلب عليه، مثل حفر الأنفاق تحته(49).

وننتقل بالتوازي مع الحالة الجزائرية إلى الحالة الفلسطينية، لنسأل السؤال نفسه: هل منع الجدار الفاصل عمليات المقاومة الفلسطينية؟ يجيب غيرشون هاكوهين: بأنه لا جدال في أن الانخفاض الكبير في العمليات الاستشهادية هو نتيجة لعملية “السور الواقي”، زيادة على استمرار النشاط المكثف للجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) في الضفة الغربية، أي إن المعركة المفتوحة والمستمرة التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد عناصر المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية منذ عملية “السور الواقي”، هي من ألحقت ضررًا كبيرًا بقدرات المقاومة الفلسطينية، ولم يكن سبب ذلك هو الجدار الفاصل(50).

ويقارن الجيش الإسرائيلي بين الجدار الفاصل في الضفة الغربية والجدار الفاصل الذي يحيط بقطاع غزة (في بعض مناطق القطاع يوجد جدار فاصل فوق الأرض، وسياج فاصل على كامل الحدود، وجدار تحت الأرض بعمق يصل إلى 70 مترًا على كامل الحدود)، أي إنه في كلتا الحالتين بُنِي جدار فاصل، وأصبح قطاع غزة محاطًا بالجدار والسياج الفاصل، زيادة إلى الجدار تحت الأرض؛ لكن في قطاع غزة لم يمنع هذا الجدار عمليات المقاومة، واستمرت حركة حماس في تنفيذ عمليات عسكرية، وإطلاق الصواريخ؛ أي إنه من الناحية العملية لم يوقف الجدار الفاصل عمليات المقاومة، وبالتالي لم يحقق الأمن، وكل ما حققه في أحسن الأحوال أنه أجبر المقاومة الفلسطينية على تغيير تكتيكاتها لكي تتلاءم مع الواقع الجديد، وابتكرت أساليب جديدة وذكية للتغلب عليه(51)، كما تغلبت المقاومة الجزائرية على خط موريس الفرنسي.

ويمكن القول: إن المستوى السياسي والأمني والعسكري في “إسرائيل” لديهم قناعة بناءً على دراساتهم وتجاربهم بأن الجدار الفاصل لم ولن يحقق الأمن؛ إذ جرى التغلب عليه بأساليب وتكتيكات عديدة على امتداد الصراع مع الفلسطينيين، لكن “إسرائيل” عبر سياساتها تسوِّق حجتها الأمنية لتبرير تمددها في الأراضي الفلسطينية، مدفوعةً بالأيديولوجية والأجندة الاستيطانية الإحلالية.

فضلًا عن ذلك، تواصل “إسرائيل” محاولاتها الحثيثة لتهويد القدس (محو الهوية العربية الإسلامية وإضفاء الطابع اليهودي على المكان)، وتركيز الوجود اليهودي فيها على حساب السكان الفلسطينيين، باتباع سياسات تغطي مناحي الحياة كافة، من تكثيف الاستيطان، وتمزيق التواصل بين الأحياء الفلسطينية، وتكثيف مصادرة المباني وإحلال سكان يهود فيها، إلى مد الطرق والأنفاق والجسور وخطوط القطار، وأسرلة التعليم، وترافق ذلك مع تشريعات وقوانين تحاول مأسسة ذلك، وتقدر بعض التقارير أن 22% من مساحة البلدة القديمة هُوِّدت(52).

وسعت “إسرائيل” إلى أمننة حركة الفلسطينيين من وإلى المسجد الأقصى المبارك، استعدادًا لتقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا، على ضوء تجربتها في تقسيم المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، تمهيدًا لإقامة “هيكل سليمان” على أنقاض أو بجانب المسجد الأقصى. ففي صيف سنة 2017، على سبيل المثال، اندلعت ما سميت “هبَّة البوابات الإلكترونية”، إثر قيام السلطات الإسرائيلية بتركيب بوابات إلكترونية على أبواب ومداخل المسجد الأقصى، هدفها الظاهر هو الفحص الإلكتروني للفلسطينيين(53)، مع السماح لليهود باقتحام المسجد الأقصى، وأداء طقوس تلمودية تحت حماية الجيش والشرطة الإسرائيلية.

ويشي ذلك بأن الاحتلال الإسرائيلي طبَّق الأمننة عن طريق تقييد الحركة من وإلى المسجد الأقصى عبر بواباته الإلكترونية وإجراءاته الأخرى؛ ما فرض إجراءات أمنية قاسية على الفلسطينيين تنطلق من دوافع أيديولوجية-دينية، في محاولة للاستفراد بالأقصى؛ للتمكن من محو عروبة وإسلامية المكان ثم تهويده. في الوقت الذي تتفوق فيه “إسرائيل” بموازين القوى على الفلسطينيين بكامل قواهم.

  1. الأمن الإسرائيلي مقابل الفلسطينيين: موازين القوى

    • الجيش الإسرائيلي مقابل الفلسطينيين

يفترض حاييم رامون (Haim Ramon)، وهو عضو كنيست سابق عن حزب العمل، أنه ستنشب حرب مع الفلسطينيين، ويتساءل: أي نوع من الحروب ستكون؟ ثم يجيب: الجيش الإسرائيلي بكل قدراته، مقابل 3000–4000 عنصر من حركة حماس في الضفة الغربية غير مجهزين بأي شيء؟ إذا كان الفلسطينيون يشكلون أي تهديد لي، فسأحتل الضفة الغربية خلال أربع وعشرين ساعة، وكيف أعرف ذلك؟ لأن هذا ما فعلته في عملية “السور الواقي”، استعدت السيطرة على المنطقة، وانهارت السلطة الفلسطينية في يوم واحد. وقال للصحفي آري شافيت، إنه متمسك بإمكانية انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية في نموذج مشابه لما تم تنفيذه في خطة فك الارتباط عن غزة، سنة 2005 (انسحاب إسرائيلي بدون اتفاق)، وقد أطلَق عليها اسم “خطة الانطواء”(54).

ووفقًا لوثيقة إستراتيجية الجيش الإسرائيلي، التي وزعت على الجمهور الإسرائيلي لأول مرة سنة 2015، والتي تضمنت توجيهات مشروطة بخصوص الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وأكدت على الطبيعة الإشكالية للاعتماد المفرط على القوة العسكرية في سياق غير متكافئ مقابل الضفة الغربية، والحاجة إلى تحسين الحوار بين الجيش والمستوى السياسي، ولا تتضمن الوثيقة تقريبًا أي إشارة إلى وجود تهديد وجودي ينطلق من الضفة الغربية(55). وفي السياق، يقول غادي شامني: “إنه لا يوجد أي مبرر أمني لاستمرار احتلال الضفة الغربية(56).

وحذر درور شالوم (Dror Shalom)، الرئيس السابق لقسم الأبحاث والتحليل في ركن الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي: “لا تزال إسرائيل تسيطر عسكريًّا على ملايين الفلسطينيين، بدون إعطائهم أي من حقوقهم، وتحقيق أي من تطلعاتهم الوطنية، وإن أي فحص تاريخي… يُظهر بشكل لا لبس فيه أن الشعوب والمجتمعات لا تبقى تحت الاحتلال العسكري لفترة طويلة دون محاولة التحرر منه”(57).

ووفقًا لدراسة أعدها موقع “قادة من أجل أمن إسرائيل”: “لا يمكن استئصال المقاومة الفلسطينية بالإجراءات الأمنية وحدها، مهما كانت حازمة وشاملة؛ فقد شنَّت إسرائيل ثلاث حروب على قطاع غزة (وبعدها عدوان 2021)، ولم تهزم حركة حماس، ومنذ عقود و”إسرائيل” تحارب موجات الإرهاب في الضفة الغربية باستخدام جميع أساليب الحرب، ولم تتمكن من القضاء عليها”(58).

وتذهب تقديرات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أنه كلما تسارع إضعاف السلطة الفلسطينية، ازدادت حاجة الجيش للوجود بشكل أكبر في الضفة الغربية، لأن فصائل ومجموعات المقاومة الفلسطينية ستملأ ذلك الفراغ(59). وطوال الفترة من 2010-2020، اتسم الواقع الإسرائيلي بمستوى عال نسبيًّا من الأمن الشخصي للمستوطنين في الضفة الغربية، فالجيش الإسرائيلي والشاباك يحبطان عمليات المقاومة بشكل فعال، عن طريق التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. وبحسب أحد رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فقد حوفظ على الأمن خلال العقد الماضي في الضفة الغربية بفضل جهود السلطة الفلسطينية، على الرغم من احتمالات التصعيد التي تحوم فوق المنطقة منذ سنوات(60).

وقد شهد رؤساء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا على المزايا الكبيرة للتعاون الأمني، ففي اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، في يوليو/تموز 2016، قال رئيس جهاز الشاباك السابق، نداف أرغمان (Nadav Argaman): “يوجد تنسيق أمني وثيق مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وإنهم يعملون بشكل مكثف ضد نشطاء حماس في الضفة الغربية”. ووفقًا لمصادر أمنية إسرائيلية فإن الأجهزة الأمنية للسلطة مسؤولة عن إحباط حوالي 30 إلى 40 في المئة من عمليات المقاومة التي تُحبط كل سنة في الضفة الغربية. وقد قال الكولونيل مايكل ميلستين (Mykel Milstein)(61): “إن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ذو فائدة كبيرة، ويساعد الطرفين في التغلب على مختلف التحديات”(62).

يروج الخطاب الإسرائيلي إلى وجود تهديدات أمنية كبيرة تنطلق من الضفة الغربية، بالتزامن مع تطبيق ممارسات أمنية متواصلة على الفلسطينيين؛ لكن الوقائع والشواهد تنسف أي ادعاء إسرائيلي بوجود تهديدات ومخاطر حقيقية تندفع من الضفة؛ إذ ينطلق الجيش الإسرائيلي والشاباك من خارج مراكز المدن في الضفة، وتتكفل أجهزة أمن السلطة بالضفة من الداخل بتوفير الأمن للإسرائيليين، وذلك ينفي الحجج الإسرائيلية القائمة على الأمننة، والتي تشكِّل المحرك لسير واستمرار الاستعمار الاستيطاني بأشكاله.

وبخصوص قضية “حل الدولتين”، يقول يعكوف عميدرور: “يبالغ اليمين بشكل كبير في مخاطر قيام دولة فلسطينية مستقلة، الحقيقة أن دولة إسرائيل قوية وستكون أقوى بعشر مرات من أي دولة فلسطينية ستقام، وبعض المخاوف من هذه الدولة حتى لو كانت معادية؛ هو مبالغ كثيرًا فيها، ويتم إذكاؤها بالنوايا كجزء من محاولة تخويف الإسرائيليين. في النهاية، فإن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، حتى لو كانت معادية، لن تهدد وجود دولة إسرائيل”(63). وفي دراسة شاملة نشرها معهد راند (RAND) حول موضوع الدولة الفلسطينية، ورد فيها أن الدولة الفلسطينية “الناجحة” هي التي ستوفر الأمن لسكانها الفلسطينيين ولسكان “إسرائيل” والمنطقة(64).

وفي دراسة أجرتها الدكتورة شيرا إيفرويل (Shira Everwel) وإيفان جوتسمان (Evan Gottsman)، نُشرت في يناير/ كانون الثاني 2020، وكانت استنتاجات الدراسة مبنية على المقابلات مع كبار المسؤولين في المستوى السياسي والأمني في “إسرائيل” والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، بمقارنة جميع البدائل، بما في ذلك استمرار الوضع الراهن، اتضح أن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب “إسرائيل”، لن يحدِث أضرارًا للأمن القومي الإسرائيلي، بل من المتوقع أن يحسِّنه؛ إذ لا تواجه “إسرائيل” أي تهديد أمني وجودي من الفلسطينيين، فهم وفقًا للتقديرات الإسرائيلية، ليس لديهم أسلحة تقليدية أو غير تقليدية بإمكانها تحدي القوة العسكرية الإسرائيلية(65). ووفق دراسة أعدها موقع “قادة من أجل أمن إسرائيل”، إن الجزء الأكبر من المشكلة ناتج عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي والسيطرة على ثلاثة ملايين فلسطيني، وممارسة أساليب تعكس في نتائجها الإذلال، والفقر المدقع، واليأس، وانعدام الأمل في مستقبل أفضل، وهذه النتائج تتعمق مع مرور الوقت(66).

ويثار هنا تساؤل: ألم تسهم “إسرائيل” بعملياتها العسكرية واعتداءاتها على امتداد المناطق المحتلة في إقناع الفلسطينيين بضرورة المقاومة والكفاح على الأقل للدفاع عن النفس؟ ألم تعبِّر “إسرائيل” عن رغبتها بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم المحتلة واستعادة “أرض إسرائيل الكاملة”؟

ويجيب المحامي الإسرائيلي، ميخائيل سفراد (Mikhail sfarad)، بأن حالة المواجهة منخفضة الوتيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية هي نتيجة العنف الإسرائيلي الموجه ضدهم، الهادف إلى دفعهم للنزوح خارج أراضيهم والسيطرة عليها، وكذلك منعهم من التنمية، وتظهر البيانات التي جمعتها منظمة “يش دين” الإسرائيلية، على مدار سنوات، الإهمال الشديد للفلسطينيين؛ إذ لا يتوافر لهم أي نوع من الحماية مقابل جرائم وانتهاكات المستوطنين، إضافةً للتغييرات المستمرة في المنطقة واستيلاء المستوطنين على الأرض بحماية الجيش الإسرائيلي، والتي تحصل غالبًا على موافقة قانونية بعد فترة(67).

وهكذا يدل استعراض السياسات الإسرائيلية القائمة على أمننة تجريد الفلسطينيين من أراضيهم من خلال “العنف الرسمي” أولًا، و”العنف غير الرسمي” ثانيًا، (وهو عنف المستوطنين اليهود)، وفي ضوء أن “إسرائيل” لا تواجه أي تهديد أمني وجودي مقابل الفلسطينيين، ومع تقديرها لأن قيام الدولة الفلسطينية سيوفر الأمن؛ يدل على أن “إسرائيل” تستغل ذلك لتطبيق أيديولوجيتها، وذلك ناتج عن شعور “إسرائيل” بتفوقها المنبثق من تعزيز قدراتها العسكرية؛ ما مكَّنها من القدرة على فرض إرادتها نسبيًّا على العرب والفلسطينيين.

  • تطوير القدرات العسكرية الإسرائيلية: بين الضرورة والأيديولوجية

يتساءل مشكِّكون إسرائيليون: ماذا لو تجدد التهديد التقليدي القادم من الشرق في المستقبل؟ الإجابة هي أنه في ذلك الحين لن تكون السيطرة الأرضية الدائمة على الضفة الغربية ضرورية، كما أوضح نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، موشيه كابلينسكي (Moshe Kaplinsky): “القدرات النارية والاستخباراتية المتقدمة التي بناها الجيش الإسرائيلي في العقود الأخيرة قادرة على وقف تقدم القوات المدرعة العربية قبل وقت طويل من وصولها لحدود إسرائيل”، وأوضح أيضًا: “مفهوم الاستيطان الذي يخدم الأمن عفا عليه الزمن، ففي العقود الأولى من إقامة الدولة، لم نكن نمتلك التكنولوجيا المتاحة لنا اليوم”(68).

ويعد الجيش الإسرائيلي من الجيوش القوية على مستوى العالم؛ إذ تحتل “إسرائيل” المرتبة الثامنة عشرة في ترتيب جيوش العالم حسب تصنيف “GFP” المستند على قياس قوة النار(69) بناءً على كمية الأسلحة المختلفة، بما في ذلك الطائرات والدبابات والقطع البحرية. وترى “إسرائيل” نفسها بأنها أقوى دولة في الشرق الأوسط، وقد تضاهيها أو تتفوق عليها القوة العسكرية لكل من مصر وتركيا وإيران من حيث الكم والعدد، لكن “إسرائيل” ترى أن قوة تدريب جيشها ومعداته وتقنياته، زيادة على امتلاكها الأسلحة النووية، جعل منها قوة مؤثرة لها وزنها الإقليمي(70).

ومن الأدلة على أهمية وتأثير القدرات العسكرية الإسرائيلية، أنه منذ عودة بنيامين نتنياهو (Benjamin Netanyahu) للحكم سنة 2009، لم تُعِد “إسرائيل” مليمترًا واحدًا من الأرض للفلسطينيين، وفقد الفلسطينيون إمكانية إقامة دولة، ووقَّعت أربع دول عربية اتفاقيات سلام/تطبيع (مع أنها دول لم تخض حروبًا مع إسرائيل)، ولا تمتلك إيران قنبلة نووية، بينما قامت “إسرائيل” بتحديث قدراتها الإستراتيجية بشكل كبير (أسراب F-35، وقدرة الضربة الثانية بالغواصات النووية، وتطوير مفاعل ديمونا النووي…)(71).

وبخصوص القدرات العسكرية الإسرائيلية، يقول رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو في كتابه “مكان تحت الشمس”: “إن السلام الذي تستطيع دولة إسرائيل أن تتوقع الحصول عليه، هو “سلام الردع” فقط، أي تسويات سلمية منوطة بقدرة إسرائيل على ردع الطرف الثاني عن خرق هذه التسويات، وشن حرب جديدة عليها. فالسلام مع مصر، شأنه شأن اتفاق السلام مع الأردن، تحققا نتيجة اعتراف زعيمي هاتين الدولتين بعدم وجود احتمال لوحدة عربية قادرة على إلحاق الهزيمة بإسرائيل في ساحة الحرب”(72).

ويتعين توضيح ما يعتقده يعكوف عميدرور، بأن “إسرائيل” ستدفع ثمن تجاهل المجتمع الدولي، وستنهار في النهاية؛ لأنها لا تحظى بدعم دولة واحدة في مطالبها؛ إذ لا توجد دولة واحدة اليوم تعتقد أن الفلسطينيين لا يستحقون ممارسة حق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة، أو تعتقد أن لـ “إسرائيل” الحق في الضفة الغربية، ولا يوجد زعيم أجنبي واحد يعتقد ذلك!(73).

إن الجرد التحليلي لمستوى القدرات العسكرية الإسرائيلية، يوضح منطقًا عمليًّا بأن إمكانيات الجيش الإسرائيلي في الدفاع عن “إسرائيل” بدون الاستيطان في الضفة الغربية، هو أكثر جدوى، وأقل كلفة، وأكثر نفعًا، بيد أن “إسرائيل” تؤمنن الوجود والتوسع الاستيطاني مدفوعةً بحسابات أيديولوجية تشكل المرتكز الأساس لما تصبو إليه “الدولة اليهودية” وهو تحقيق “الحلم الصهيوني” في قلب المنطقة العربية، علمًا بأن “إسرائيل” تسيطر عسكريًّا على غور الأردن شرقًا، وبذلك تحيط بالضفة الغربية من جميع الاتجاهات، وهكذا تكون الضفة تحت طوق حصار دائري لا يمكن الدخول إليه أو الخروج منه سوى وفق ما يرتئيه الجندي الإسرائيلي المتمركز على إحدى البوابات أو الحواجز!

خلاصات ونتائج

  • تعبِّر حالة الصراع العربي/الفلسطيني – الصهيوني/الإسرائيلي في فلسطين بوضوح عن مسارعة “إسرائيل” في تطبيق الأيديولوجية الصهيونية المتمثل جوهرها في الاستعمار الاستيطاني الإحلالي؛ إذ قامت “إسرائيل” بتوظيف الأمننة منهجيًّا، والتي تشير إلى إضفاء البعد الأمني على تطبيق الأيديولوجية الصهيونية، وهو ما جعل من هذا التطبيق مبررًا للكثيرين، وصدر رواية أن الفلسطينيين يشكلون مصدرًا للتهديد، وبذلك أعطت “إسرائيل” لنفسها ذرائع استخدام وسائل استثنائية، ومحرمة قانونيًّا للتعامل مع وجود الفلسطينيين، وطردهم من حيزِهم الجغرافي.
  • تمكنت “إسرائيل” من أمننة قضية الاستيطان عن طريق خلق حجة الإسهام الأمني للمستوطنات في الدفاع، لكن الواقع يشير لأنه لا علاقة بين الاستيطان والأمن، بل إن الاستيطان يشكل عبئًا أمنيًّا وعسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا على “إسرائيل”، وبذلك يظهر الهدف من الاستيطان بأنه هدف أيديولوجي، ومع ذلك تتحمل “إسرائيل” عبء وأكلاف الاستيطان في سبيل التمسك بتطبيق أيديولوجية الاستعمار الاستيطاني الإحلالي.
  • معظم السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وأرضهم، لا تتعلق بأي شكل من الأشكال بالوضع الأمني، والتي تشكل أساس ما يقع على الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة و”إسرائيل” من سياسات، فلا علاقة لتطبيق نظام قانوني مزدوج يطبق فيه قانون على الإسرائيليين وقانون آخر على الفلسطينيين بالأمن، والمصادرة الهائلة للأراضي، والتهجير القسري المستمر للسكان الفلسطينيين من أراضيهم لا علاقة له بالأمن، والاعتداءات والإغلاقات للمسجد الأقصى المبارك لا علاقة لها بالأمن، ومنع قيام دولة فلسطينية على أساس مقاربة حل الدولتين لا علاقة له بالأمن، ومنع التنمية الفلسطينية وتخصيص الأراضي العامة للإسرائيليين فحسب لا علاقة له بالأمن، ومحاربة النشاط السياسي غير العنفي، وتعريف جرائم التحريض بشكل لا يسمح عمليًّا بأي انتقاد للنظام السياسي الإسرائيلي، والاعتقالات الإدارية على نطاق واسع لفلسطينيين غير متربطين بالعمل المقاوم، كل ذلك لا علاقة له بالأمن.
  • لا تواجه “إسرائيل” أي تهديد أمني وجودي من الفلسطينيين، فليس لديهم أسلحة تقليدية أو غير تقليدية بإمكانها تحدي القوة العسكرية الإسرائيلية.
  • إن القراءة الموضوعية لمستوى القدرات العسكرية الإسرائيلية، توضح أن إمكانيات الجيش الإسرائيلي في الدفاع عن “إسرائيل” بدون الاستيطان في الضفة الغربية، هو أكثر جدوى، بيد أن “إسرائيل” تؤمنن الوجود والتوسع الاستيطاني مدفوعةً بحسابات أيديولوجية.
  • لا تحظى أمننة “إسرائيل” لسياساتها بشرعية مطلقة، سواء أكان ذلك ممن يقف في صف المشروع الصهيوني/الإسرائيلي أم في صف القضية الفلسطينية، ولا حتى في “إسرائيل” التي تصنف المناطق المحتلة عام 1967 بأنها مناطق متنازع عليها، أي لا شرعية مطلقة لوجودها عليها حتى من منظورها هيَ.

 

 

 

المراجع

(1) مدرسة كوبنهاغن: تعود التسمية إلى الأجندة البحثية لمجموعة من الباحثين الأكاديميين في “معهد كوبنهاغن لأبحاث السلام” في الدنمارك، المنشأ سنة 1985، وأول من أطلق عليها هذه التسمية هو “بيل ماك سويني” (Bill McSweeney)، سنة 1996، في إشارة منه إلى الإسهامات النظرية لكل من “باري بوزان” و”أول ويفر” وآخرين. تستخدم المدرسة نهجًا نقديًّا للدراسات الأمنية، يكمن جوهره في طريقة التفاعل مع العديد من القضايا الأمنية بالاعتماد على أفكار الأنطولوجيا البنائية في مجال العلاقات الدولية، وتنظر إلى التهديدات التي تتعرض لها الدول باعتبارها أمورًا يتم إنشاؤها اجتماعيًّا. بالة عمار، “إسهامات مدرسة كوبنهاغن في توسيع مفهوم الأمن: من الأمن العسكري إلى الأمني المجتمعي”، مجلة الحقوق والحريات (جامعة خنشلة، الجزائر، المجلد 10، العدد 02، 2022)، ص 1161؛ Scott Nicholas Romaniuk, Copenhagen School. https://shorturl.at/eqDU7

(2) Rens van Munster, “Securitization”, Oxford Bibliographies, 28/9/2020, (25/4/2023), https://shorturl.at/fhyA2

(3) خالد كاظم أبو دوح، “الأمننة”، أوراق السياسات الأمنية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2021، (15 أبريل/نيسان 2023)، ص 1، https://shorturl.at/EOSU4

(4) المرجع السابق.

(5) مدرسة باريس: تعود جذور التسمية إلى بداية السبعينات تحت تأثير المنظِّريْن الفرنسيين، ميشال فوكو (Michel Foucault) وبيار بوردييه (Pierre Bourdieu) وغيرهما، ومثَّلت كتاباتهم الدستور الذي اهتدى به كثير من كبار هذه المدرسة وممن اعتنقوا مبادئها. تقوم المدرسة على فرضية مفادها: أن الجهاز المهيمن والمتحكم في كافة السياسات من الإجراءات البيروقراطية التقليدية الروتينية وحتى السياسات الأمنية المتخصصة هو الحكومة، وإن السياسات الأمنية لا يمكن فصلها عن سياقها الحكومي، وهي تعطي وزنًا نسبيًّا أكبر للممارسات الأمنية على حساب الجوانب الخطابية أو الأساليب الكلامية. (عادل علي، “نظريات الأمننة في مجال العلاقات الدولية: من مدرسة كوبنهاجن ونحو نظرية اتصالية مقترحة لدراسة الأمننة”، مجلة السياسة والاقتصاد (جامعة الإسكندرية، مصر، المجلد 15، العدد 14، 2022)، ص 581 – 582.

(6)  Barry Buzan, Ole Wæver & Jaap de Wilde, Security: A New Framework for Analysis, (London, Lynne Rienner Publishers, 1998), p 23 – 24.

 (7) Christian Kaunert and Ikrom Yakubov,” Securitization: The Routledge Handbook of Justice and Home Affairs Research”,(2017), p 32, https://shorturl.at/rxzGO

(8) عزمي بشارة، من يهودية الدولة حتى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية (القاهرة، دار الشروق، 2005)، الباب الثاني، ص 90.

(9) عبد السلام ابراهيم بغدادي، مفهوم الكيان الصهيوني للأمن القومي، (العراق، وزارة الثقافة والإعلام، 1985)، الفصل الثاني، ص 73.

(10)  Ali Younes, “PA proposes demilitarised state as counterproposal to Trump plan”, ALJAZEERA, 27/6/2019, (19/3/2023), https://shorturl.at/yzJKS

(11) بشارة، من يهودية الدولة حتى شارون، ص 103 – 104.

(12) عومر تسنعني، من إدارة الصراع إلى إدارة التسوية: مفهوم الأمن الإسرائيلي والدولة الفلسطينية (تل أبيب، مركز مولاد لتجديد الديمقراطية، ومركز تامي شتاينمتز لدراسات السلام باللغة العبرية، 2018)، ص 12، https://shorturl.at/bgBHT

(13) منظمة يش دين، “الاحتلال الإسرائيلي وجريمة الفصل العنصري في الضفة الغربية”، موقع منظمة يش دين باللغة العبرية، 9 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 12 مايو/أيار 2023)، https://shorturl.at/mHO48

(14) تسنعني، من إدارة الصراع إلى إدارة التسوية، ص 24.

(15) هيومن رايتس ووتش، “تمييز إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، موقع هيومن رايتس ووتش باللغة العبرية، 2010، ص 4،  https://shorturl.at/lKRW3

(16) يغآل ألون: على الرغم من أنه شغل منصب وزير العمل، إلا أنه يعد شخصية أمنية، واستندت خطته، المعروفة باسم “مشروع ألون”، على المفهوم الصهيوني الداعي لتحقيق “الحق التاريخي” لليهود في “أرض إسرائيل”.

(17) أفيشاي بن ساسون – جورديس، الأمن القومي في المستوطنات، (القدس، مولاد – مركز تجديد الديمقراطية باللغة العبرية، 2017)، ص 8، https://shorturl.at/iuFO1

(18) المرجع السابق، ص 7.

(19) منير فخر الدين (رئيس التحرير)، دليل إسرائيل العام 2020 (بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2021)، ص 943.

(20) جورديس، الأمن القومي في المستوطنات، ص 11–12.

(21) فخر الدين، دليل إسرائيل العام 2020، ص 943.

(22) ميخائيل سفراد، الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وجريمة الفصل العنصري: فتوى قانونية، (موقع منظمة يش دين باللغة العبرية، 2020)، ص 27، https://shorturl.at/vAMU7

(23) أوفير فويرستين، سرقة الأرض: منع وصول الفلسطينيين إلى الأراضي المحيطة بالمستوطنات، (بتسيلم: مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة باللغة العبرية، 2008)، ص 28، https://shorturl.at/hBGU7

 (24) يعكوف عميدرور، مقاربات حل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، (مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية باللغة العبرية، 2017)، ص 16، https://shorturl.at/ghlH4

(25) المرجع السابق، ص 17.

(26) تسنعني، من إدارة الصراع إلى إدارة التسوية، ص 70.

(27) المرجع السابق، ص 24، 70.

(28) عدنان حسين، التوسع في الإستراتيجية الإسرائيلية، (بيروت: دار النفائس، 1989)، ص 20 – 24.

(29) فخر الدين، دليل إسرائيل العام 2020، ص 942.

(30) المرجع السابق، ص 65، 942.

(31) فخر الدين، دليل إسرائيل العام 2020، ص 17 – 18.

(32) المرجع السابق، ص 44

(33) عومر عيناف، الأمن في واقع دولتين، (مولاد: مركز تجديد الديمقراطية باللغة العبرية، 2020)، ص 35، https://shorturl.at/flH68

 (34) المرجع السابق.

(35) جورديس، الأمن القومي في المستوطنات، ص 9 – 11.

(36) تسنعني، من إدارة الصراع إلى إدارة التسوية، ص 36.

(37) هيومن رايتس ووتش، تمييز إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، (موقع هيومن رايتس ووتش باللغة العبرية، 2010)، ص 4، https://shorturl.at/qPV58

(38) المرجع السابق، ص 15-16.

(39) المرجع السابق.

(40) جورديس، الأمن القومي في المستوطنات، ص 14، 18.

(41) المرجع السابق.

(42) المرجع السابق، ص 23؛ ومجلس الأمن والسلم، المستوطنات لا تعني الأمن، (مجلس الأمن والسلم باللغة العبرية، 2012)، د.ص، https://shorturl.at/dsCM6

(43) فخر الدين، دليل إسرائيل العام 2020، ص 919.

(44) غيرشون هاكوهين: لواء سابق في الجيش الإسرائيلي وباحث مشارك في مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية.

(45) غيرشون هاكوهين، الجدار الفاصل، السياج الأمني، الحدود السياسية، تحت غطاء أمني، (مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجية باللغة العبرية، 2018)، ص 14–19، https://shorturl.at/uHNWY

(46) شاؤول أريئيلي، منطقة التماس وحاجز الفصل 2002–2022، موقع شاؤول أريئيلي باللغة العبرية، د. ت، https://shorturl.at/svNT3

 (47) هاكوهين، الجدار الفاصل، السياج الأمني، الحدود السياسية، تحت غطاء أمني، ص 13، 32، 33.

(48) المرجع السابق، 21.

(49) المرجع السابق، 23.

 (50) المرجع السابق، ص 25.

(51) المرجع السابق، ص 29.

(52) هنيدة غانم (محرر)، تقرير مدار الإستراتيجي 2018، (رام الله، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية-مدار، 2018)، ص 46.

(53) وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية – وفا، “يوميات إغلاق المسجد الأقصى 2017″، 17 يوليو/تموز 2017، (8 مارس/آذار 2023)، https://shorturl.at/hlOY2 ؛ ماذا يعني التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى وكيف يسعى الاحتلال لفرضه؟، الجزيرة مباشر، 30 مايو/أيار 2022، (تاريخ الدخول: 8 مارس/آذار 2023)، https://shorturl.at/nzN07

(54) هاكوهين، الجدار الفاصل، السياج الأمني، الحدود السياسية، تحت غطاء أمني، ص 19.

(55) موقع الجيش الإسرائيلي، إستراتيجية جيش الدفاع الإسرائيلي، أغسطس/آب 2015، https://shorturl.at/lyFIP

(56) تسنعني، من إدارة الصراع إلى إدارة التسوية، ص 26–27.

(57) عيناف، الأمن في واقع دولتين، (مركز تجديد الديمقراطية بالعبرية)، نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ص 13.

(58) قادة من أجل أمن إسرائيل، تغيير قواعد اللعبة: مخطط لتحسين الوضع الأمني والسياسي في إسرائيل، (موقع قادة من أجل أمن إسرائيل بالعبرية)، د.ت، ص 14، انظر: https://www.cis.org.il/securityfirst/

(59) أودي ديكل، انهيار السلطة الفلسطينية لن يوقف الإرهاب، (معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بالعبرية)، 31 يناير/كانون الثاني 2023، ص 2، انظر: https://www.inss.org.il/he/publication/saturday-terror/

(60) عومر عيناف، الأمن في واقع دولتين، ص 7، 23.

(61) مايكل ميلستين: عمل مستشارًا للشؤون الفلسطينية لدى منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية في الفترة 2015–2018، ورئيسًا للساحة الفلسطينية في ركن الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي.

(62) عيناف، الأمن في واقع دولتين، ص 23–24.

(63) عميدرور، مقاربات حل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، ص 26–27.

(64) تسنعني، من إدارة الصراع إلى إدارة التسوية، ص 52–68.

(65) عيناف، الأمن في واقع دولتين، ص 7، 29، 30.

(66) قادة من أجل أمن إسرائيل، تغيير قواعد اللعبة: مخطط لتحسين الوضع الأمني والسياسي في إسرائيل، (موقع قادة من أجل أمن إسرائيل باللغة العبرية)، د.ت، ص 12، https://shorturl.at/elAC7؛ الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فلسطين في أرقام، مارس/آذار 2022، ص 15، https://pcbs.gov.ps/Downloads/book2653.pdf

(67) ميخائيل سفراد، الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وجريمة الفصل العنصري، ص 25، 40.

(68) جورديس، الأمن القومي في المستوطنات، ص 12.

(69) 2023 Military Strength Ranking, GFT- Annual ranking, (2023), https://www.globalfirepower.com/countries-listing.php

 (70) Paul Rogers, No matter how powerful Israel’s military becomes, it still can’t win,15/5/2021, (12/4/2023), https://shorturl.at/enzGX

 (71) ألوف بن، إنجازات نتنياهو كانت تخطئ إسرائيل، هآرتس باللغة العبرية، 14 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 15 مارس/آذار 2023)، https://shorturl.at/duNU0

(72) نتنياهو، مكان تحت الشمس، ص 375.

(73) عميدرور، مقاربات حل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، ص 25.