يعالج البحث إشكالية تداخل مفهوم الإرهاب ومفهوم الجريمة السياسية، وذلك بحكم الباعث السياسي الذي تتقاسمه الجريمتان؛ فالمضمون السياسي للجريمة السياسية هو ما شكَّل تاريخيًّا موضوع خلاف بين الدول الأوروبية. ويقترح البحث تأسيسًا نظريًّا لمفهوم الجريمة السياسية، وسياق اشتباكه مع مفهوم الإرهاب الذي أثَّر بدوره على الأدوار الوظيفية للمفاهيم؛ الأمر الذي حتَّم تدخل القانون من أجل عملية الفرز والتدقيق. ولجأ البحث إلى تاريخ المفاهيم لتتبُّع ورصد سياقات نشوئها وتحليل تطوراتها بهدف عزل الأفعال المكوِّنة للجريمة الإرهابية عن هدفها السياسي. كما يسعى البحث إلى تقديم رؤية علمية فيما يتصل بالعلاقة بين الجريمة السياسية والإرهاب في العالم العربي من خلال حالتي لبنان والعراق.
كلمات مفتاحية: الجريمة الإرهابية، الجريمة السياسية، الإرهاب، النظام العام، القانون الجنائي، السياسية الجنائية، الباعث السياسي.
The study treats the problem of the overlapping of the concepts of terrorism and political crime due to the political motive that the two share. The political content of political crime is what historically constituted a subject of dispute between European countries. The research proposes a theoretical basis of the concept of political crime, and the context of its clash with terrorism, which in turn affected the functional roles of concepts. This necessitated the intervention of the law for the screening and auditing process. The research resorted to the history of concepts to track the contexts of their emergence and analyse their developments in order to separate the actions that make up the terrorist crime from their political objective. It also seeks to provide a scientific vision of the relationship between political crime and terrorism in the Arab world, using Iraq and Lebanon as examples.
Keywords: Terrorist Crime, Political Crime, Terrorism, Public Order, Criminal Law. Criminal Policy, Political Motives.
مقدمة
لازمت فكرةُ الحق الطبيعي في العدل والحرية تاريخَ البشرية وطموحها نحو تحقيق مجتمع قائم على العدل والإنصاف، وعكست معركة طويلة وصراعًا عنيفًا بين الطبقة الحاكمة وطبقة المحكومين. فإذا كان الإنسان قد خاض صراعات عنيفة مع الطبيعة في فجر الإنسانية، فإنه خاض صراعات أعنف مع الحكام والملوك في ظل نشوء الدول عبر العصور بسبب طغيان هؤلاء. وهو الطغيان الذي تجسد من خلال أنظمتهم الجائرة القائمة على تصنيف الناس إلى أحرار وعبيد، مالكين ومملوكين. كان الحكَّام في الغالب يدعون إلى سلطتهم وسيادتهم غير المحدودة باعتبارها مستمدة من الإرادة الإلهية، فيُقهر الإنسان باسم السلطة الإلهية، ويُمنع أبسطَ حقوقه الإنسانية، وكل من عارض الحاكم يعتبر مارقًا وخارجًا عن سلطة الدولة، وبالتالي يُعد منحرفًا سياسيًّا أو مجرمًا سياسيًّا “يستحق” أقصى العقوبات بما في ذلك عقوبة القتل والإعدام، كما قد يُتهم بالإرهاب وبزعزعة النظام العام دون دليل أو إثبات.
لقد تطور المفهوم التاريخي للجريمة السياسية في علاقة وطيدة بمفهوم الإرهاب وجرائم النظام العام؛ حيث إن المجرم السياسي كان يزعج النظام السياسي القائم بأفكاره وطموحاته الخارجة عن السياق السياسي العام في الأنظمة الشمولية الأوروبية. فكثيرًا ما عانى “المنحرف السياسي” مع أنظمة القمع والتسلط، بل كان يُرَحَّل بين الدول طبقًا لاتفاقيات دولية إلى حدود نهاية القرن 18 وبداية القرن 19؛ حيث أصبح يستفيد من امتيازات شكَّلت ثمرة لتطور مفهوم الجريمة السياسية؛ ففي العام 1815، سَيَسُنُّ المشرِّع البريطاني قانون حق اللجوء إنقاذًا لمن يحمل وصف “المجرم السياسي” من بطش الأنظمة المتسلطة. وبعدها ستسير باقي الدول الأوروبية على نفس النهج. وفي العام 1869، ألغت إسبانيا عقوبة الإعدام، كما ألغت فرنسا بدورها عقوبة الإعدام حين يتعلق الأمر بالجريمة السياسية، في 26 فبراير/شباط 1884(1).
على هذا الأساس تداخل مفهوم الإرهاب ومفهوم الجريمة السياسية، في ظل غموض الخلفية السياسية لكل من الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية. ويسعى البحث إلى إبراز الحدود الفاصلة بين المفهومين خدمة للفكر والفقه القانونيين، والوصول إلى مفهوم إجرائي ووظيفي للإرهاب يسعف الممارسة القضائية في التنزيل السليم للمفهوم.
- اعتبارات منهجية
أ- إشكالية البحث وفرضيته
إن الجريمة السياسية هي جريمة مصطنعة ومختلقة(2)، أي إنها اصطناعية وغير طبيعية، يختلقها النظام السياسي الحاكم لمواجهة معارضيه بالرغم من أن ما يُقدِم عليه المعارض السياسي قد لا يشكِّل أي تهديد لسلامة المجتمع أو لأخلاقه وضميره الجمعي، بل قد يريد الازدهار والخير لمجتمعه، كما أنه مستعد للتضحية بنفسه من أجل ذلك. وعليه، كانت الأنظمة السياسية تلصق تهم الإرهاب وزعزعة النظام العام بالمختلفين معها، بالرغم من إدراكها أنهم ليسوا كما تصوِّرهم، وأن الدافع وراء اتهامهم سياسي صرف وليس شيئًا آخر.
لقد شكَّلت مفاهيم الإرهاب والجريمة السياسية تاريخيًّا عناصر لمنظومة قانون جنائي يخدم الدولة على حساب الفرد المواطن، وتُقدِّم للدولة سندًا شرعيًّا وقانونيًّا لقمع المعارضين وإسكات الأفواه التي لا تنضبط للخط السياسي المحدد سلفًا، لكن مع بروز المفكر الإيطالي، سيزار بيكارياCesare Beccaria) )(3)، الذي استلهم أفكار فلسفة الأنوار في القرنين السابع عشر والثامن عشر، حيث ستبدأ عملية لَبْرَلة نسق القانون الجنائي الكلاسيكي المبني على الانتقام والثأر انتصارًا لمنظومة قانونية جنائية عصرية تدافع عن أَنْسَنَة العقوبة وفصل السلطات والدور الحقيقي للدولة(4).
إن “المجرم” السياسي تعرَّض عبر التاريخ لأقصى العقوبات، مثل عقوبة الإعدام والقتل، في غياب تام لشروط المحاكمة العادلة بمعناها المسطري المعاصر. لكن مع مرور الوقت، أصبح “المجرم” السياسي يتمتع بوضعية خاصة بحكم التطور الذي عرفته الثقافة السياسية في أوروبا، وهي التي كانت في السابق تستعدي المعارض والمزعج السياسي. وبعد الثورة الفرنسية، التي شكَّلت نقطة تحول مركزي في تاريخ البشرية، تعالت أصوات مطالبة بالمشاركة في الحكم، ووضع حدٍّ لتغوُّل الدولة على الشعب، وهو ما أكسب “المجرم” السياسي موقعًا متميزًا في منظومة القيم السياسية لما بعد الثورة، وبالتالي نال اعترافًا رسميًّا برمزيته الاجتماعية بناء على دافعه السياسي، رغم تبنِّيه خيار العنف لقلب النظام السياسي القائم أو تغييره. وبعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان رجال القانون والسياسيون منشغلين بمفاهيم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية(5)، برز نقاش فقهي قانوني حول المضمون السياسي للجريمة الإرهابية من جهة، والجريمة السياسية من جهة ثانية؛ حيث إن الدافع إلى الجريمة الإرهابية يُحتمل أن يكون هو نفسه الدافع إلى الجريمة السياسية. وعليه، قد يحق للإرهابي الاستفادة من نفس الامتيازات التي يستفيد منها المجرم السياسي. من الطبيعي القول: إن الإرهابي يبقى إرهابيًّا، ولا يمكن التساهل معه تحت أي مبرر كان، لكن من الناحية المنهجية والعلمية ليس من شأن هذا كله وضع المشكلة على سكة الحلِّ، بل يجعل الموضوع/الإشكال أكثر صعوبة، خصوصًا عندما نحاول إفراغ الجريمة الإرهابية من محتواها السياسي وكذا التدقيق في توصيف الجريمة السياسية.
إن الفرضية التي تؤسِّس للدراسة هي أن الصعوبات المفهومية ينبغي ألا تنسينا الأدوار الوظيفية للمفاهيم، خصوصًا في مجال الممارسة القانونية والقضائية، وأن من شأن ذلك ألا يعيق تدقيق المفاهيم وعزل بعضها عن بعض؛ ففصل مفهوم الجريمة الإرهابية عن الجريمة السياسية ضروري لحسم الغموض، وهو أمر لا غنى عنه من أجل صياغة سياسة جنائية عقلانية وفعالة لمواجهة ظاهرة الإرهاب. وعلى الرغم من أن الجريمة الإرهابية تشترك مع الجريمة السياسية من حيث الباعث السياسي، إلا أن الأولى تُعرف باستعمال العنف من أجل تغيير شكل النظام السياسي، وهذا هو سبب تجريمها قانونًا، بخلاف الجريمة السياسية التي لا يجري فيها اللجوء للعنف بالضرورة، وقد تتجلى فقط في المعارضة السياسية أو الاختلاف مع النظام الحاكم؛ الأمر الذي يحرم الإرهابي من امتيازات “المجرم” السياسي. فمجرم الرأي أو المعارض السياسي يتعيَّن ألا يخضع لأي عقاب، لأنه لا يستعمل العنف، لكن على أساس ألا يدعو إلى استعماله. أما جريمة الحق العام فباعثها غير سياسي، ويكون الهدف من ورائها تحقيق مصلحة خاصة من خلال الإضرار بمصالح الجماعة.
ب- منهج البحث
يستعين البحث في استقصاء الفرضية بالعودة إلى تاريخ المفهوم والحفر في بنياته، دون أن يغفل الالتباس والتداخل الذي عرفه مفهوم الإرهاب في علاقته بالجريمة السياسية وجرائم النظام العام. لذلك يعتمد الباحث المنهج التاريخي بنَفَس تحليلي؛ حيث إن الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالمفاهيم لا تُفهَم فقط بالنظر إليها في واقعها الحالي، وإنما أيضًا بالنظر إلى صيرورتها التاريخية، وتتبُّع تطورها في المراحل اللاحقة. ومن ثم نحاول في بحثنا هذا العودة إلى سياق الأحداث السياسية والاجتماعية، التي عرفتها أوروبا في إطار الثورة على الأنظمة الاستبدادية والشمولية، لتقصِّي نشأة وتطور المفهوم.
- أركيولوجيا المفهوم
ظهر مفهوم الجريمة السياسية في الحقبة الليبرالية في القرن 19، لكن الانحراف السياسي بمعناه العام والممارَس ضد الحاكم، أو ضد مؤسسات الدولة، هو قديم قِدَم التجمعات البشرية التي عرفت ظاهرة السلطة(6). لقد نال المعارض/”المجرم” السياسي عقوبات قاسية من طرف الحاكم على مَرِّ التاريخ وإلى حدود القرن 18 وأوائل القرن 19، إلى أن اخترق مفهوم الجريمة السياسية منظومة القيم الاجتماعية والسياسية في أوروبا بغية تمييزها عن باقي الجرائم.
ويرى أفلاطون أن “المجرم” السياسي يسعى إلى خلخلة بنية القيم السائدة في المجتمع، ودفع الناس إلى العصيان والخروج للاحتجاج على الوضع القائم، فهو غالبًا ما يكون وراء عدم استقرار النظام الاجتماعي(7)، بل كان الرومان يعتبرونه عدوًّا للأمة(8). وقد ظهرت مجموعة من الجماعات الإرهابية في القرون الوسطى، مثل جماعة الحشاشين في القرن الحادي عشر والثاني عشر(9)، وجماعة السيكاري (Sicarii)(10) التي كانت تقوم بأفعال تخريبية أثناء الاحتفالات العامة إلى جانب القتل وحرق المنازل وتدمير الموارد الطبيعية(11).
إن التجمعات البشرية التقليدية عُرفت بوحدتها وتجانسها؛ فقَدَرها واحد، إن في حياتها أو مماتها، ولم تشهد ما يُعرف حاليًّا بالمجال العام والمجال الخاص(12)؛ حيث كان هذان المجالان متداخلين بشكل عضوي، وأي طرف يسعى إلى التشويش على هذه الوحدة يُنْعَت بأبشع النعوت، سواء من طرف الحاكم أو الأفراد، حتى وإن كان هذا المزعج يريد خدمة مصالح جماعته.
وتنبغي الإشارة في هذا السياق إلى أن الدِّين لعب دورًا محوريًّا في هذا التناغم والانسجام الذي عرفته الجماعة البشرية قبل ظهور الدولة العلمانية الحديثة(13)؛ حيث عمل الدِّين على تعزيز أواصر الوحدة بين الأفراد وتجريم الاختلاف والتعدد. فكل من أساء للدين كأنما أساء للجماعة، فهو رمز قوتها وكبريائها، والسلطة الرمزية التي تختزل صورة الجماعة. وعملت الملكيات الحاكمة في أوروبا الكنسية وفي جل ربوع المعمورة على استثمار مجال الدين من أجل مواجهة كل من يعارض دين المجتمع، الذي هو دين الدولة ورمز هيبتها؛ إذ أحكمت الدولة سيطرتها على العقول لتفرض مجموعة من القوانين والتشريعات، في ظل مناخ اجتماعي مساعد لا يقبل تعدد الأديان واختلافها، لأن من شأن ذلك أن يُحدث انهيارًا في بنيان الدولة القائمة على الوحدة والتجانس. وعليه، فقد مهَّد هذا المناخ بشروطه وترتيباته المتقدمة لظهور أول الاستعمالات لمفهوم الجريمة السياسية.
في المقابل، فإن انتقاد الأديان ومواجهة بعضها لبعض لا يعتبر جريمة بالمرة في الدولة العلمانية، حتى وإن أثار امتعاض الناس. فالعودة إلى حفريات المفهوم من شأنها أن تساعد في تحديد جذور مفهوم الجريمة السياسية رغم الصعوبات المنهجية التي تعترض البحث في ذلك، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بظاهرة تاريخية يتقاطع فيها السياسي بالاجتماعي والديني من جهة، وفي ارتباط تاريخي بجريمة انتهاك حرمة شخص الملك(14) من جهة ثانية، وإن كانت هذه الجريمة لا تهمُّنا منهجيًّا في هذا البحث، بقدر ما تعنينا الخيوط التي تربطها بالجريمة السياسية وكذلك بالجريمة الإرهابية، لاسيما أن مفهوم الجريمة السياسية تطوَّر تاريخيًّا في تفاعل مع تلك المفاهيم؛ فتاريخ المفهوم موضوع دراستنا هو تاريخ سياسي أكثر منه قانوني.
لقد استنفد الدين أدوراه في وحدة الدولة والمجتمع بعد صيرورة العَلْمَنَة التي عرفتها المجتمعات الأوروبية، وسلسلة الثورات التي انطلقت من بريطانيا وفرنسا؛ إذ ظهر مونتيسكيو مشكِّكًا في مضمون الجريمة السياسية، معتبرًا إياها فضفاضة وغير دقيقة؛ حيث إن من خصائص التجريم والعقاب مراعاة مبدأ الشرعية(15) والدقة في صياغة القاعدة القانونية الجنائية. وقد مهَّد مونتيسكيو بأفكاره التي انطلقت مع عصر الأنوار لظهور مؤسِّس القانون الجنائي في حُلَّته الحديثة وهو الإيطالي سيزار بيكاريا صاحب الكتاب الشهير “في الجرائم والعقوبات”(16).
- سيزار بيكاريا والجريمة السياسية
أكد الفقيه القانوني والأخصائي في علم الجريمة، سيزار بيكاريا، في كتابه الشهير الذي يحمل عنوان: “في الجرائم والعقوبات”(1764) أن تبرير العقاب على أُسُس عقلانية يعني تقليل العنف كمًّا وكيفًا إلى حدوده الدنيا في المجتمع، غير أن هذه القاعدة لم تكن لتقتصر على العنف المرتبط بالجرائم بين الأفراد، وإنما شملت أيضًا العنف الذي تستتبعه ردود الأفعال على الجرائم من قِبَل السلطات العامة، أو من بعض الجهات الخاصة التابعة لها. كان هدف بيكاريا هو تنظيم حق العقاب، واجتثاث جذور كل صور الانتقام والثأر وكل أشكال العنف المرتبطة بالمعتقد.
إن أبرز ما ميَّز فلسفة القانون الجنائي في عصر الأنوار هو ظهور هذا الكتاب الذي أطلق نقاشًا فقهيًّا مهمًّا حول مبدأ الشرعية، ومن ثمراته المطالبة بالقاعدة القانونية المجردة والصياغة الدقيقة للنصوص الجنائية ضمانًا لاستقرار المراكز القانونية بعيدًا عن العبارات الفضفاضة والمرنة(17)، التي تسمح بامتداد الحماية الجنائية إلى جميع الأفعال والنتائج المراد تجريمها دون أن يشكِّل النص القانوني عائقًا لملاحقة تلك الأفعال والنتائج. كما ارتفعت أصوات تنادي بإسقاط جريمة انتهاك حرمة شخص الملك، وتقنين الأفعال الجرمية، وتدوين الجرائم في قوانين مجردة وواضحة، وإسقاط عقوبة الإعدام بالنسبة للجرائم المرتبطة بأمن الدولة. وتعزَّز هذا المنحى مع الموجات الجديدة للانتقالات السلمية نحو الديمقراطية في العالم بعد أن تم الاعتراف بالحق في الثورة السلمية ضد الغطرسة والطغيان.
إن فلسفة الأنوار الجنائية ضَخَّت نَفَسًا جديدًا في منظومة القيم الجنائية التقليدية التي تعتبر الحاكم أو الملك مركز اهتمامها بدل المواطنين وحقوقهم وحرياتهم. وفي ظل هذه التحولات أصبح المجرم السياسي يتمتع بوضع اعتباري خاص مقارنة مع باقي الجرائم؛ حيث إن مُحَرِّك هذه الجريمة هو سياسي صرف يرتبط بهموم الناس وطموحاتهم بعيدًا عن المصالح الشخصية والفردية. وفي هذا السياق، أُسْقِطَت عقوبة الإعدام ومجمل العقوبات القاسية في حق من يعتبر مجرمًا سياسيًّا مع إمكانية خفض العقوبة والاستفادة من امتيازات متصلة بالمعاملة داخل السجون.
لقد مثَّلت المدرسة الكلاسيكية في القانون الجنائي إذن، ثورة مزدوجة؛ أولًا: ثورة ضد قسوة العقوبات، وثانيًا: ثورة ضد شطط القضاة، وكان أكبر مظهر لهذا الشطط هو حق القضاة سابقًا في تحديد ما يعتبر جرائم، دون معقب، وحقهم في إيقاع الجزاء الذي يريدون بدون أن يتقيَّدوا بقائمة دقيقة من العقوبات الموضوعة بشكل مسبق.
من هنا، يمكن التأكيد أن سياق فلسفة الأنوار المنتصرة لقيم الثورة الفرنسية سمح بتحديد وتدقيق مفهوم الجريمة السياسية، وعزلها عن جريمة انتهاك حرمة شخص الملك؛ حيث أصبحت الجرائم السياسية -في سياق تطور الأحداث- ذات مضمون مختلف تحت اسم جرائم أمن الدولة، مثل حمل السلاح ضد الدولة، والتجسس، والمس بسلامة الدولة سواء الداخلية أو الخارجية…إلخ.
ويقترح الفقيه الفرنسي، جورج فيدال (Georges Vidal)، تمييز الجريمة السياسية عن جرائم الحق العام بناء على الباعث السياسي الذي يحضر في الأولى ويغيب في الثانية(18)؛ حيث إن علاقة الباعث، التي تقر بنظرية ظروف التخفيف، تُعد من أهم النظريات القانونية للمدرسة الكلاسيكية الجديدة. أما الإيطالي أوجينيو فلوريان (Eugenio Florian)، فقد ربط تطور فقه الجريمة السياسية بدينامية البناء الديمقراطي للدولة، حيث لا يمكن الحديث عن الجريمة السياسية في ظل وجود نظام سياسي ديمقراطي(19)، ما عدا إن تعرضت مؤسسات الدولة الديمقراطية للاعتداء، مثل الانقلابات العسكرية ضد أنظمة ديمقراطية ونخب حاكمة منتخبة من طرف الشعب. كما قسَّم العالم القانوني، جيرمي بنثام (Jeremy Bentham)، الجرائم؛ إلى جرائم خاصة، وجرائم عامة، وأخرى شبه عامة. فالجرائم العامة هي التي تُرْتَكَب في حق مجموع الناس وينتج عنها خطر يهدد الجماعة، أما الجرائم الخاصة فيرتكبها الأفراد في حق بعضهم البعض، والجرائم شبه العامة يختلط فيها هذا وذاك(20). وهناك جرائم ترتكب في حق الحاكم والحكومة والشرطة والدِّين والسيادة، وهي أفعال ترتبط كلها بالعصيان والتمرد، وتشويه سمعة الحاكم، والاتفاق على قلب نظام الحكم أو تغيير شكله(21).
وقد حاولت التشريعات أن تضع معيارًا لتحول الجريمة العادية إلى جريمة إرهابية عبر إشارتها إلى ضرورة وجود علاقة عَمْدِية بمشروع فردي أو جماعي(22) يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة العنف أو التخويف والترهيب. وعليه، فالجريمة الإرهابية قد تكون جريمة عادية، لكن باندراجها في إطار مشروع إرهابي تتحول إلى جريمة إرهابية.
عمومًا، لا تتولى القوانين تحديد تعريف للجريمة السياسية، فالمسألة بيد الفقه الذي اعتمد معيارين للتمييز:
– المعيار الشخصي(23): تكون الجريمة سياسية إذا كان الباعث سياسيًّا.
– المعيار الموضوعي(24): تكون الجريمة سياسية إذا كانت المصلحة المحمية جنائيًّا سياسية (الجنايات والجنح ضد أمن الدولة).
والباعث قد يختلف بين المشاركين والمساهمين في الجريمة الواحدة، فهو معطى يرتبط بالأشخاص، أما المصلحة المحمية جنائيًّا فهي معطى موضوعي. وعلى الرغم من مطالبة مفكري عصر الأنوار بأَنْسَنَة العقوبة، سواء تعلق الأمر بالمجرم السياسي أو بمجرم الحق العام، إلا أن الجريمة السياسية ونظرًا لخطورتها على أمن الدولة احتفظت بالعقوبات القاسية المخصصة لها، بما فيها عقوبة الإعدام، وذلك إبَّان الثورة الفرنسية المنتصرة لقيم الحرية والعدل والمساواة وحق مقاومة الديكتاتوريات، كما تم التنصيص على ذلك في الإعلان الشهير لحقوق الإنسان. وخلال ما سُمِّي بـ”عهد الإرهاب” بفرنسا، في فترة ماكسيمليان روبسبيير (Maximilien Robespierre)، سُنَّ قانون “براديال” (Pradial) في 10 يونيو/حزيران 1794، الذي جرى بمقتضاه التراجع عن مجموع الضمانات والامتيازات التي كان يتمتع بها مرتكب الجريمة السياسية، بدعوى إرباك مسيرة المد التحرري للثورة من طرف أعدائها(25)، ما مهَّد لتصفية عدد كبير من المعارضين السياسيين والمختلفين مع النهج الثوري لروبسبيير، فدخل الإخوة الأعداء في معارك تصفية حلَّت فيما بينهم إلى أن تمت تصفية روبسبيير نفسه.
- الإرهاب والتحولات الدولية
إن واقع التحولات الدولية التي شهدتها أوروبا كانت أكبر مما يحصل داخل فرنسا، بفعل ارتفاع منسوب الوعي السياسي المتحرر من قبضة الملكيات والكنيسة. فقد أصبح بإمكان المجرم السياسي طلب حق اللجوء السياسي إلى بلد آمن تُحْفَظ فيه كرامته الإنسانية، ويُعبِّر داخله عن أفكاره وقناعاته السياسية بشكل حر. ووُقِّع اتفاق السلام بين فرنسا وإسبانيا وبريطانيا، عام 1802، وأُسْقِطَت بموجبه الجريمة السياسية من لائحة الجرائم الموجبة للترحيل. وفي 1815، دشَّنت بريطانيا مسلسل إلغاء اتفاقيات ترحيل المجرمين السياسيين بين الدول وتبعتها بلجيكا ثم باقي الدول الأوروبية التي تشبَّعت بقيم الحرية والاختلاف كأحد العناوين البارزة لفلسفة الأنوار السياسية. وفي نفس السياق، صادقت مجموعة من الدول الأوروبية على قانون اللجوء، وكانت بريطانيا سبَّاقة في هذا الإطار. أما إسبانيا فصادقت هي الأخرى على قانون اللجوء، في 4 ديسمبر/كانون الأول 1855، حيث لا يمكن ترحيل الشخص الذي قام بأفعال تُصنَّف في بلده ضمن دائرة الجرائم السياسية(26).
إن التحول الأساسي الذي حصل ارتباطًا بمفهوم الإرهاب هو ما وقع لنابليون الثالث بعد محاولة اغتياله؛ الأمر الذي دفع بلجيكا إلى سَنِّ قانون ترحيل جديد، في 22 مارس/آذار 1856، وبمقتضى هذا القانون لا يمكن القول: إننا أمام جريمة سياسية أو جريمة مرتبطة بها عندما يتعلق الأمر باغتيال أو محاولة اغتيال رئيس دولة أجنبية أو أحد أفراد عائلته، بل إننا أمام جريمة القتل العمد أو محاولة القيام بذلك. وفي سياق هذه التحولات الدولية الجديدة، خصوصًا بعدما بدأ الإرهابيون في استغلال قانون حق اللجوء لتنفيذ عمليات إرهابية عابرة للدول، انطلقت مسيرة عزل مفهوم الإرهاب عن مفهوم الجريمة السياسية من طرف مجموعة من الدول التي فرضت عقوبات قاسية على الأفعال الإرهابية(27).
ويربط مارينو باربيرو (Marino Barbero) ظهور مفهوم الإرهاب ببيان اللجنة المركزية للثورة بسان بطرسبورغ الروسية، في أبريل/نيسان 1862(28). ودعا هذا البيان بشكل صريح إلى خوض حرب مقدسة ضد نسق النظام التقليدي الأوروبي، ودعم خيار المواجهة بالعنف في كل أنحاء أوروبا. لقد تم تنفيذ عمليات ثورية عنيفة نهاية القرن 19، مما أثار غضب الرأي العام والحكومات؛ حيث بدأت هاته الأخيرة تفكر ولأول مرة في سَنِّ قوانين لمواجهة هذه الآفة الجديدة. وبعد ذلك انطلق مسلسل المصادقة على قوانين مواجهة الإرهاب في مجموع أنحاء أوروبا. وهو نفس الاتجاه الذي تكرس خلال الموجة الثالثة(29) لظاهرة الإرهاب، حيث شهد العالم الموجة الأولى نهاية القرن 19، والثانية في سياق مواجهة الاستعمار(30) وبوادر توجه تقرير المصير (رغم ما يثيره وصف حركات مقاومة الاستعمار بذلك الوصف من رفض كبير في الدول التي تعرضت لوحشية الاستعمار وجرائمه الكثيرة). في حين ارتبطت الموجة الثالثة بظهور تيارات استقلالية أو انفصالية متعددة (بحسب زاوية النظر) تمارس العنف كخيار لتحقيق أهدافها، ويمكن حصر أبرز هذه التيارات الانفصالية في الآتي:
– حركة “إيتا” في إسبانيا: وهي منظمة تطالب بانفصال منطقة الباسك عن إسبانيا وفرنسا وإقامة دولة قومية مستقلة، وقد تأسست عام 1959، وعرفت سنوات الستينات والسبعينات من القرن العشرين أوج أنشطتها(31).
– المنظمات الكورسيكية المطالبة بالانفصال عن فرنسا: وتشمل “جيش التحرير الوطني الكورسيكي”، و”العمل من أجل نهضة كورسيكا”، و”الألوية الثورية الكورسيكية”.
– جيش التحرير الوطني الأيرلندي والجيش الجمهوري الأيرلندي: وهي تنظيمات كانت تكافح من أجل استقلال إيرلندا الشمالية عن بريطانيا وتوحيد شطري إيرلندا. وقد نفذت هذه التنظيمات عمليات عنف كثيرة، أهمها محاولة اغتيال رئيسة وزراء بريطانيا ومطاردة أفراد الجيش البريطاني.
– القوات المسلحة للتحرر الوطني لبورتوريكو: وهي منظمة تطالب باستقلال بورتوريكو عن الولايات المتحدة الأميركية.
– المنظمات السيخية المتطرفة بالهند: حيث يطالب السيخ المتطرفون بالانفصال عن الهند وإقامة دولة مستقلة. وأهم عمليات هذه المنظمات اغتيال رئيسة وزراء الهند، أنديرا غاندي(32).
- أوجه الإرهاب المختلفة
أ- المنظمات اليمينية الفاشية(33)
تنتشر هذه المنظمات في ظل الأنظمة الديكتاتورية وفي كنف المجتمعات الديمقراطية معًا؛ حيث تنصب أهدافها ضد اليسار والأجانب. والملاحظ أن السلطات لا تكترث أحيانًا لأعمالها ولا لمن يقف خلفها بالتمويل والتوجيه. وقد شهدت الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية في الآونة الأخيرة تزايدًا في نشاط هذه المنظمات؛ حيث وجهت أعمالها الإرهابية ضد الأجانب وخصوصًا العرب والأفارقة(34).
وفي إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، ارتفعت مؤخرًا أصوات فاشية تنادي بطرد المهاجرين والانسحاب من الاتحاد الأوروبي وعملة اليورو، وهو أمر قد تستغله العناصر الإرهابية لتنفيذ مخططاتها. ونشير هنا إلى أن وسائل الإعلام تحاول أن تخفي أو تقلِّل من أهمية العمليات الإرهابية التي تمارسها هذه العناصر مقابل تضخيم عمليات قوى التطرف الأخرى.
إن غالبية الأنظمة الديكتاتورية الفاشية تُنْشِئ بالموازاة مع قواتها المسلحة وأجهزة مخابراتها منظمات إرهابية خاصة، يتركز دورها حول خلق حالة من الرعب بين السكان؛ الشيء الذي يمنح أجهزتها القمعية المبرر الكافي للتدخل أو إعلان حالة الطوارئ والقيام بحملة اعتقالات مفتوحة تحت ذريعة الحفاظ على النظام العام.
ب- منظمات اليسار المتطرف
تُعد هذه المنظمات التي اختارت نهج العنف مثيرة للجدل والاهتمام من قبل السياسيين، وذلك لوجود تنسيق فيما بينها. وتتحدد أهداف هذه المنظمات في تحطيم النظام الرأسمالي بكل مؤسساته، فالخيار المسلح بالنسبة لها خيار استراتيجي من أجل ربح معركة الصراع الطبقي وحق الأجيال الصاعدة في بيئة نظيفة، والحد من هيمنة التكنولوجيا على الطبيعة والإنسان. ويربط الباحثون ظهور منظمات اليسار المتطرف بالحركة الفوضوية التي شهدتها أوروبا في النصف الثاني من القرن 19، لكن يمكن القول: إن هاته المنظمات، سواء في إيطاليا أو فرنسا أو ألمانيا، تعبِّر عن الجو الذي ساد أوروبا، وخصوصًا فرنسا أثناء الثورة الطلابية 1968، حيث طرح الطلاب بشكل عنيف الأزمة التي يعيشها الجيل الجديد، وهو جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي يطالب بدور فعال في الحياة الاجتماعية والسياسية في ظل الأزمة التي بدأت المجتمعات المتقدمة صناعيًّا تعاني منها.
ويمكن ردُّ أسباب تصاعد هذا التيار اليساري المتطرف إلى يأس الشباب الأوروبي من المراهنة على الأحزاب الشيوعية واليسارية التي أصبحت تمارس نشاطها ضمن القنوات الشرعية التي وفرتها الأنظمة الديمقراطية الغربية، وتخليها عن العنف كخيار استراتيجي من أجل إقامة ديكتاتورية البروليتاريا. وعليه، دخلت هاته المجموعات في علاقات مع بعضها البعض على الصعيد الدولي لتشكِّل ما يسمى بـ”أممية الإرهاب”(35) بهدف خوض حرب كونية مفتوحة ضد النظام الليبرالي. وأبرز هذه الجماعات اليسارية المتطرفة هي:
– الألوية الحمراء في إيطاليا: تشبَّع قادة هذه المنظمة بروح ثورة 1968، وما طرحته من أفكار لعبت دورًا أساسيًّا في توجهاتهم الأيديولوجية والسياسية. ويرجع ظهور هذا المنظمة إلى عام 1970 في ميلانو، وقام منظِّرها، ريناتو كورسيو (Renato Curcio)، بدور محوري في خروج المنظمة للوجود، وفي تشكيل جبهة أممية لقوى اليسار المتطرف(36). وقد ساعده في ذلك، بلا شك، الوضع السياسي غير المستقر في إيطاليا وقتها.
– الجبهة الألمانية للجيش الأحمر: وهي إحدى المنظمات اليسارية المتطرفة، بدأت أعمالها في أبريل/نيسان 1968، وكانت عبارة عن مجرد مجموعة من الأفراد حين نفذ أبرز مؤسسيها، أندرياس بادر (Andreas Baader)، عملية إحراق مجمعيْن تجاريين كبيرين في مدية فرانكفورت، وقد اعتُقِل أفراد المجموعة التي نفذت العملية بمن فيهم بادر نفسه. وفي مايو/أيار 1970، قادت أولريكي ماري ماينهوف (Ulrike Marie Meinhof)، رفيقة بادر ومُنظِّرة الجماعة، هجومًا على المعتقل الذي يقبع فيه بادر، ونجحت في إنقاذه، وعلى إثر ذلك وجهت الجماعة نداء لتشكيل ما أسمته وقتها: “الجبهة الألمانية للجيش الأحمر”(37).
– منظمة العمل المباشر في فرنسا: في الوقت الذي قلَّ فيه نشاط جماعات العنف في إيطاليا وألمانيا الغربية، برزت منظمة جديدة في فرنسا تسمى منظمة العمل المباشر، وترتبط هذه الجماعة بحركات يسارية من خارج فرنسا، كما تصنَّف كأخطر وأقوى حركات اليسار المتطرف الممارِسة للعنف في فرنسا نهاية السبعينات.
ج- الحركات “الجهادية”
تسعى الحركات الجهادية نحو العودة إلى الوراء، أي إلى المجتمع الذي قاده النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، متبنية في ذلك خيار العنف ومفتقدة للوعي بحركة التاريخ. وهي بهذا المعنى حركات سلفية، لكن ليس كل السلفيين جهاديين بالطبع(38)، فضبط الخريطة الذهنية والفكرية لهاته الحركات ضروري لتجنب السقوط في الخلط.
ويرى الكثير من المراقبين في الغرب أن تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” لا يأخذان بعين الاعتبار التتابع المنطقي للحقب الزمنية، ولا يأخذان في الحسبان تغيُّر الأحوال والشروط الاجتماعية. فسكان المناطق التي سيطرت عليها التنظيمات الإرهابية يواجهون خيارات تتلخص في اعتناق العقيدة السلفية الجهادية أو الهرب أو الإعدام(39). ووصف اللاجئون السوريون والعراقيون حكم تنظيم الدولة بأنه لا يختلف كثيرًا عن حركة طالبان.
في سياق هذه التحولات، برز نقاش فقهي قانوني لتحييد الجريمة السياسية، ووضع نقطة فصل بين الجريمة السياسية والأفعال الإرهابية حتى لا يستفيد الإرهابي من امتيازات المجرم السياسي الذي أصبح له وضع اعتباري خاص في ظل صيرورة تحول الأنظمة الملكية الأوروبية إلى ملكيات دستورية. وللتمييز بين الجريمة السياسية والجريمة الإرهابية يمكن الرجوع للمعايير التالية:
– الجريمة الإرهابية تتقاسم مع الجريمة السياسية الباعثَ السياسي، إلا أن الأولى تُعَرَّف باستعمال العنف من أجل تغيير شكل النظام السياسي أو جزء منه، وهذا هو سبب تجريمها قانونًا. أما الجريمة السياسية التي لا يتم اللجوء فيها ضرورة إلى العنف، بل قد تتمظهر سواء على مستوى المعارضة السياسية أو الاختلاف مع النظام الحاكم؛ الأمر الذي يحرم الإرهابي من امتيازات المجرم السياسي؛ حيث إن مجرم الرأي والمختلف مع النظام السياسي يجب ألا تطوله العقوبات المنصوص عليها في المدوَّنة الجنائية، لأنه لا يستعمل العنف، لكن على أساس ألا يحرض على استعمال العنف أو يدعو إلى ذلك.
– الجريمة السياسية تُلحق أضرارًا بهيئات الدولة بغية تغيير شكلها أو إسقاطها وتعويضها بهيئات ومؤسسات أخرى توافق الخيارات السياسية والفكرية للمجرم السياسي. في حين أن الجريمة الإرهابية تلحق أضرارًا بمجموع المؤسسات الضرورية للعيش المشترك، سواء على مستوى المِلكية أو الأسرة أو كل مفاصل المجتمع. وتستهدف الجريمة الإرهابية زعزعة الاستقرار، سواء على مستوى المجتمع أو على مستوى الدولة، متوسلة في ذلك العنف كخيار، بغية إثارة الانتباه إلى أجندة أو تصورات معينة.
– أضرار الجريمة السياسية محدودة في الزمان، في حين أن أضرار الجريمة الإرهابية دائمة. وتعبِّر الأولى عن مطالب سياسية مزعجة، أو محرجة للنظام السياسي القائم، لكنها لا تلجأ إلى العنف لتلحق أضرارًا بالمجتمع، بل إن أضرارها تلحق مؤسسات الدولة فقط. فهي أضرار محدودة، كما يمكن تجاوزها بعد تلبية المطالب السياسية لأصحابها. أما الثانية، فأضرارها تثرك آثارًا بالغة في النفوس لما لها من تداعيات ممتدة في الزمان، سواء على المستوى المادي أو على المستوى السيكولوجي.
– الجريمة السياسية تستهدف دولة واحدة فقط، في حين أن الجريمة الإرهابية تستهدف مجموع الدول(40)، وهو ما يضفي على الظاهرة الإرهابية البعد الدولي، ويدعو الجميع إلى الانخراط في معركة مواجهة كل ما من شأنه الإضرار بالسلم العالمي.
– إن الأفعال المكوِّنة للجريمة الإرهابية أفعال جرمية تستوجب العقاب مثلها مثل الجريمة السياسية، مع اختلاف في الهدف والغاية من الفعل الجرمي لكل منهما. فإذا كان الهدف من وراء الجريمة الإرهابية هو زعزعة الأمن العام وبنيات الدولة والمجتمع، فإن الغاية من الجريمة السياسية هي قلب نظام الحكم وتغيير شكله أو جزء منه. وهو ما دفع جزءًا عريضًا من السياسيين وفقهاء القانون الجنائي إلى تبني نظرية المحرِّك السيكولوجي للجريمة(41) ذات الأصل الليبرالي من أجل عزل الجريمة السياسية عن الجريمة الإرهابية بدل النظرية الموضوعية(42) أو النظرية المختلطة(43). والواقع أن المحرك السيكولوجي للجريمة هو محدد أساسي في عملية الإحاطة بالمفهوم واجتناب الخلط؛ حيث إن ذلك سيشجِّع الكثيرين على تبني الدعوة إلى وقف العقوبات غير الإنسانية في حق “المنحرف” السياسي وتمتيعه بشروط خفض العقوبة خلافًا لمرتكب الأفعال الإرهابية.
- تدويل مفهوم الإرهاب
بدأ تدويل مفهوم الإرهاب بعد اغتيال ملك يوغوسلافيا، ألكسندر الأول، ووزير الخارجية الفرنسي، لويس بارتو، في مدينة مرسيليا، عام 1934، من طرف الثوري البلغاري فلادو تشيرنوزيمسكي (Vlado Chernozemski). وكما حصل نهاية القرن 19، انطلق مرة أخرى مسلسل المصادقة على قوانين مواجهة الإرهاب؛ فصادقت ليتوانيا على قانون مواجهة الإرهاب، في 8 فبراير/شباط 1934، ثم كوبا في 6 مارس/آذار 1934، ثم إيرلندا في 4 أبريل/نيسان 1934، ورومانيا في 6 أبريل/نيسان 1934، ثم بلغاريا في 4 سبتمبر/أيلول 1934، ثم إسبانيا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1934، والبرازيل في 4 أبريل/نيسان 1935، ثم جمهورية الدومينكان في 7 أبريل/نيسان 1935، وسويسرا في 21 يونيو/حزيران 1935، ثم السويد في 1 يوليو/تموز 1936، ثم اليونان في 16 سبتمبر/أيلول 1936(44)؛ حيث يظهر أن مجموع هذه الدول كانت واعية بأنها أمام ظاهرة عابرة للحدود، وبالتالي عليها التصرف بشكل عاجل وآني دون انتظار.
أما على المستوى الدولي، فقد عيَّن مجلس عصبة الأمم عام 1935 لجنة خبراء مكلفة بإعداد أرضية الندوة الدولية لمواجهة الإرهاب، وهو ما أسفر عن معاهدتَيْ جنيف، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1937، للوقاية ومواجهة الإرهاب من جهة، وخلق محكمة جنائية دولية من جهة ثانية. ورغم توقيع هاتين المعاهدتين من طرف أربع وعشرين دولة، فإنه لا أحد من هذه الدول صادق عليها، وذلك راجع إلى الظروف التي عرفها العالم جرَّاء الحرب العالمية الثانية. وبعد فوز الحلفاء وتأكيد رغبة الجميع في العيش بسلام، عاد مفهوم الإرهاب من جديد إلى الواجهة، خصوصًا بعد ظهور منظمات إرهابية في مواقع مختلفة من دول العالم. وهو ما دفع الدول إلى التفكير في ضرورة إيجاد مفهوم موحد للإرهاب. لكن الصعوبات والعوائق السياسية(45) حالت دون الوصول إلى هذا الطموح؛ حيث انتصرت مصالح الدول والأيديولوجيات بدل المصلحة الكونية المشتركة في العيش في سلام وأمن، كما يقول الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانط (Immanuel Kant)(46).
وفي سياق آخر، عرفت منظمة الأمم المتحدة بين عامي 1970 و1980 نقاشات طويلة لم تستطع من خلالها توحيد مفهوم الإرهاب بحكم الاختلاف حول استخدام العنف في سياق الصراع من أجل الحرية وتقرير المصير. ورغم إقرار المجتمع الدولي بمخاطر الأعمال الإرهابية، وتوقيع العديد من الاتفاقيات، فضلًا عن القرارات والتوصيات الصادرة عن الأمم المتحدة، إلا أن إقرار مفهوم موحد ودقيق للإرهاب اعتراه الكثير من العقبات والصعوبات بفعل التباين في المواقف والمصالح والأيديولوجيات من جهة، وبفعل تعقيدات الظاهرة الإرهابية نفسها واختلاف وتعدد أشكالها وصورها من جهة ثانية، خصوصًا أنها قد تتداخل أحيانًا مع مفاهيم المقاومة المسلحة والتحرر الوطني وحق تقرير المصير.
إن الغموض الكبير الذي يتسم به مفهوم الإرهاب أدى إلى الإحساس بالقلق الشديد تجاه هذه الظاهرة؛ الأمر الذي دعا إلى الاستمرار في محاولة البحث عن تعريف للأعمال الإرهابية يمكن في ضوئه الانطلاق إلى تحديد أساليب المواجهة والوقوف بحزم في مواجهة هذه الآفة المهدِّدة للأمن والسلم الدوليين. ويمكن إرجاع هذا الغموض إلى غياب إطار مرجعي أممي متفق عليه يحدد العناصر الدقيقة التي تشكِّل مفهوم الإرهاب وما يرتبط به من مفاهيم أخرى، وهو ما من شأنه أن يضبط محددات كل مفهوم على حدة، ومن ثم الوصول إلى تحديد تعريف جامع مانع للإرهاب وللأعمال الإرهابية يكون بعيدًا عن أي توظيف سياسي من أي طرف كان.
وإدراكًا لهذه المقاربة من طرف المجموعة الدولية في إطار الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، فقد بذلت جهودًا كبيرة للوصول إلى خارطة طريق تحدد المعايير والخصائص المميزة للأعمال الإرهابية بغية تدقيق مفهوم الإرهاب. لكن وإلى حدود اليوم، ما زال طموح الوصول إلى تعريف موحد للإرهاب بعيدًا عن السياسة أمرًا بعيد المنال بسبب حالة الاستقطاب والتجاذب التي يعرفها العالم.
- المنطقة العربية بين الإرهاب والجريمة السياسية
تعتبر المنطقة العربية حالة نموذجية للتداخل الذي يعرفه النقاش حول الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية، ولطالما عانت هذه المنطقة من هذا التداخل وعدم الوضوح الذي يلف هذا الموضوع. وسنقتصر هنا على نماذج ذات دلالة من الحالتين اللبنانية والعراقية.
يعيش لبنان حالة من عدم الاستقرار ناتجة عن عوامل يتداخل فيها السياسي والإرهابي، كاغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، مثلًا(47). وقد شكَّل موضوع الاغتيالات في لبنان واحدًا من موضوعات الصراع بين فرقائه المختلفين. وإذا كان يمكن تصنيف جريمة اغتيال رفيق الحريري باعتبارها جريمة سياسية بامتياز، فإن توسلها بفائض من العنف الدموي جعل الجميع يتفق على كونها جريمة إرهابية كذلك، رغم الاختلاف في تحديد المسؤول عن تلك الجريمة وطبيعة المستفيد منها، باختلاف مواقع الفرقاء وانتماءاتهم الطائفية والسياسية. وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على حالات كثيرة من الاغتيال السياسي التي عرفها لبنان قبل حادث اغتيال الحريري، مثل اغتيال معروف سعد أو الزعيم الاشتراكي، كمال جنبلاط، أو الوزير، طوني سليمان فرنجية، أو المفتي، حسن خالد، أو رئيس الحكومة الأسبق، رشيد كرامي، وغيرهم.
أما فيما يخص العراق، فهناك جرائم سياسية، وحركات إرهابية تمكنت من اقتطاع أجزاء من التراب الوطني العراقي في جو من الترويع العام المسترسل. وهناك شواهد وأفعال كثيرة لهذه الحوادث الإرهابية؛ فمثلًا اغتيال رجل الدين، محمد باقر الحكيم، في تفجير كبير بمرقد الإمام علي في النجف اعتُبر عملية إرهابية فقط لأن الضحية ينتمي إلى تيار مكَّنته أوضاع الغزو الأميركي المستجد للعراق من مكانة تجعل سرديته أكثر نفاذًا، في حين أن أحداث الأنبار، والفلوجة، واغتيال الصحفية، أطوار بهجت، أثناء تغطيتها لتفجير ضريح العسكريين في سامراء، واغتيال قيادات انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019 في الجنوب… وعمليات إجرامية أخرى ينخرط فيها بعض أطراف الصراع السياسي الداخلي ذات الارتباط بأطراف خارجية(48)، لم يتم اعتبارها عمليات إرهابية فقط لأن ضحاياها ينتمون لمكوِّن آخر يتمثَّل في العرب السُّنَّة أو ينتمون لشباب (شيعي) يفكر خارج صندوق الانتماء الطائفي التقليدي ويمارس حريته خارج قيود ذلك الانتماء.
إن جرائم القتل المنتشرة بين الجماعات السياسية، ترتبط سواء في العراق أو لبنان بوجود اتجاهات داخلية وخارجية تنفذ عمليات انتقامية تطول سياسيين وناشطين وصحفيين لأسباب تتعلق ببناء مشهد سياسي محدد يكون فيه إرهاب الآخر عنصرًا مؤثرًا في العلاقة مما يتيح فرض المواقف والقرارات والرؤى السياسية.
هناك نماذج كثيرة توضح الخلط بين المفهومين موضوع البحث، سواء تعلق الأمر بالعالم العربي، مثلما نجد في ليبيا وسوريا والجزائر، أو في الغرب مثل إيرلندا وإسبانيا التي تعيش أزمة الانفصال في جهة كتالونيا، والتي ما زال القضاء ينظر إليها كجريمة سياسية. كل هذه النماذج تسعف في وضع تمييز ضروري بين الجريمة الإرهابية والجريمة السياسية. إضافة إلى ذلك، ففي أغلب الحالات، حينما تحصل جريمة ضد مسلم بالساحات العامة في أوروبا، أو ضد مجموعة من المسلمين بمسجد وهم يؤدون الصلاة، توصف بنعوت تجعل منها جرائم الحق العام. لكن، إذا نُفِّذت الجريمة من طرف مسلم أيًّا يكن، فإنها توصف بالإرهاب. وهو ما نجد صداه في العالم العربي؛ إذ يتم ربط الإرهاب بالدين الإسلامي في محاولة لتشويهه، بدل ربط الأحداث وتفسيراتها بالجانب السياسي الذي يبقى المفسِّر الأكبر لها.
وانطلاقًا من كل ذلك، يعتبر مفهوم الجريمة السياسية من أكثر المفاهيم إثارة للجدل بين رجال القضاء، وفي القوانين الوطنية، وذلك لصعوبة الفصل بين الأفعال ذات المضمون السياسي وباقي الأفعال المرتبطة بالجرائم العادية، ناهيك عن التداخل بينها وبين الأفعال الإرهابية.
إن عملية توظيف مفهوم الإرهاب في الصراع والتدافع بين الدول والجماعات، تشكِّل أداة أساسية لفهم دينامية العلاقات الدولية. هكذا تتهم الولايات المتحدة إيران بدعم الإرهاب في لبنان واليمن مثلًا، وإيران تتهم واشنطن بدعم الإرهاب في سوريا والعراق. كما تنعت إسرائيل حركات المقاومة في فلسطين (حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية…) بالإرهاب، بينما تعتبر هذه الجماعات نفسها حركات تحرر وطني. لذلك يعتبر مفهوم الإرهاب من أكثر المفاهيم السياسية والقانونية قلقًا في مجال علم السياسة، وهذا راجع بالأساس إلى تهرُّب المنتظم الأممي من تقديم تعريف لمفهوم الإرهاب يحدد معناه بوضوح ويعزله عن مفاهيم أخرى قد ترتبط وتلتقي معه في توسل العنف طريقًا، مثل مفهوم التحرر الوطني ودعوات الاستقلال ومناهضة الاحتلال والاستعمار الأجنبي.
خلاصة
اختلط مفهوم الجريمة السياسية تاريخيًّا بمفهوم الإرهاب، وذلك بحكم الباعث السياسي الذي تتقاسمه الجريمتان. فالمضمون السياسي للجريمة السياسية هو ما كان موضوع خلاف بين الدول، نظرًا لمجموعة من الاعتبارات أشار إليها البحث، أهمها الاعتبار السياسي؛ حيث إن الاتفاق على مضمون الجريمة السياسية يلزم الدول بضرورة التعاون والتنسيق بينها فيما يخص تسليم المجرمين وتبادل المعلومات، وهو ما يعنى أن مصالح جهات كثيرة قد أصبحت مهددة. هذا بالضبط ما دفع الدول إلى إفراغ الجريمة الإرهابية من مضمونها السياسي لتسهيل عملية التصدي لها قانونيًّا ومسطريًّا.
وكما يرى جزء من الفقه في القانون الجنائي اليوم، نعتقد أن الجريمة الإرهابية تبقى جريمة سياسية رغم كل الظروف والحيثيات بحكم الهدف الذي تسعى إليه المجموعات الإرهابية باستمرار، والمتمثل في زعزعة أركان النظام العام، وتغيير شكل النظام السياسي القائم، وهو هدف سياسي صرف(49). هذا بالرغم من أن الديمقراطيات الحديثة وفرت سبل المشاركة السياسية في السلطة وإمكانيات تغيير النظام السياسي بالطرق السلمية.
لكن يمكن القول: إن المحرك السياسي لكل من الجريمة السياسية والجريمة الإرهابية لا يمكن أن يُسقط عن أذهاننا أهمية عزل الأفعال المكونة للجريمة الإرهابية عن هدفها السياسي، حتى وإن كان الهدف من ورائها تغيير بنية الدولة ومؤسساتها أو جزء منها. إن الأهمية المنهجية الناتجة عن هذا العزل هي بالغة التأثير، حيث إنها تمكن رجال القانون والممارسين القضائيين من التحرر من الخلفية السياسية للجريمة الإرهابية، والتي بمقتضاها قد يستفيد الإرهابي من وضعية “المنحرف” السياسي، كحق اللجوء مثلًا. كما تمكِّن المشرع من سَنِّ سياسة جنائية فعالة وذات أسس عقلانية لمواجهة الظاهرة الإرهابية، وتجعل من معاقبة كل الأفعال التي تدخل في إطار المشروع الإرهابي أمرًا متاحًا. فهذا الأخير، لا يمكن إنجازه إلا في إطار جماعة من الأفراد، تشمل المنظِّر والمخطط، والمشارك، والمساهم، والمتعاون.
إن الحركات الإرهابية المتطرفة لا تندرج ضمن الحركات التي تشتغل في الفضاء السياسي الرسمي، بقدر ما تندرج ضمن الحركات التي تحمل مشروعًا ينازع مشروع الدولة القائمة، متوسلة في ذلك بأدوات العنف والتخريب والدمار. فهي تيارات تحاول الالتصاق بشرائح اجتماعية تتماهى مع خطابها وأيديولوجيتها، وتُقدِّم نفسها باعتبارها بديلًا عن الدولة. كما أن الأفعال المرتبطة بالجريمة الإرهابية قد لا تأخذ دائمًا لبوسًا سياسيًّا واضحًا، بحكم استهدافها أحيانًا لمصالح خاصة ترتبط بالحق العام للمجتمع، كالتخريب والحرائق دون أن يوحي ذلك بالباعث السياسي وراءه. وعليه، لا يمكن أن تعتبر هذه الجرائم مثل باقي جرائم الحق العام، لأن مرتكب الأفعال الإرهابية وإن كان له هدف يتعدى المصلحة الذاتية الضيقة، فهو يسعى إلى زعزعة بنيات الدولة والمجتمع بأدوات غير مشروعة.
المراجع
(1) Carmen Lamarca Pérez, Tratamiento Juridico del Terrorismo (Madrid: Centro de Publicaciones del Ministerio de Justicia, Secretaria General Técnica, 1985), 54.
(2) Ebile Nsefum Joaquín, El Delito de Terrorismo, Su concepto (Madrid: Editorial Montecorvo, 1985), 14.
(3) سيزار بيكاريا (1738-1794): فقيه قانوني وفيلسوف وأخصائي في علم الجريمة وسياسي، صاحب كتاب “في الجرائم والعقوبات” الذي صدر عام 1764. وهو كتاب معروف يعتبر مؤسسًا للقانون الجنائي المعاصر، كُتِب في الأصل باللغة الإيطالية، وتمت ترجمته فيما بعد إلى مجموعة من اللغات.
Cesare Beccaria, Dei delitti e delle pene, (Livorno: Marco Coltellini, 1764).
(4) Santiago Mir Puig, Derecho Penal, Parte General, 10º ed. (Barcelona: Editorial Reppertor, 2015), 115.
(5) Nsefum Joaquín, El Delito de Terrorismo, Su concepto, 21.
(6) Lamarca Pérez, Tratamiento Juridico del Terrorismo, 55.
(7) جيمس أور، الجمهورية: تحليل كتاب “الجمهورية” لأفلاطون، ترجمة هنادي مزبودي، (بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر، 2017)، ص 51.
(8) عطاف الطاهر، السياسة الجنائية في مجال مكافحة جرائم الإرهاب، (الرباط، مطبعة البيضاوي، 2009)، ص 14.
(9) إمام حسانين خليل، “الإرهاب والبنيان القانوني للجريمة: دراسة نقدية”، المجلة الجنائية القومية (المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المجلد 43، العدد 3، 2000)، ص 7.
(10) السيكاري: جماعة يهودية انبثقت عن طائفة الزيلوت (Zealot) التي مارست أعمالها التخريبية ضد الحكم الروماني، وتميزت باستخدام وسائل غير تقليدية للقتال ضد الرومان؛ حيث كانت تستخدم سيوفًا قصيرة تسمى “سيكا”، ومنها اشتق اسم الجماعة؛ إذ كانوا يخفون سيوفهم تحت عباءاتهم.
(11) حسانين خليل، “الإرهاب والبنيان القانوني للجريمة”، مرجع سابق، ص 5.
(12) Lamarca Pérez, Tratamiento Jurídico del Terrorismo, 49.
(13) Ibid, 50.
(14) Miguel Artola et all., Historia de España. Tomo XXVI, la España de Fernando VII (Madrid: Espasa-Calpe, 1968), 615. Mariano Ruíz Funes, Evolución del Delito Político (México: Hermes, 1945), 161. Alicia Fiestas Loza, Los Delitos Políticos (1808-1936), (Salamanca: Graficas Cervantes, 1977), 25.
(15) محمد الإدريسي العلمي المشيشي، المسطرة الجنائية، الجزء الأول: المؤسسات القضائية، (الرباط، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، 1991)، ص 19.
(16) Lamarca Pérez, Tratamiento Jurídico del Terrorismo, 53.
(17) Ibid, 51.
(18) Georges Vidal, Cours de Droit Criminel et de Science pénitentiaire, 6ª ed. (Paris: Rousseau, 1921), 106-107.
(19) Lamarca Pérez, Tratamiento Juridico del Terrorismo, 36-64.
(20) Jeremy Bentham, Tratado de legislación Civil y Penal, por E. Dumont, traducción de Ramón Salas, Villalpando, Madrid, 1821, nueva edición de Editora Nacional, Madrid, 1981, Tomo II, Capítulos I y II, 226.
(21) Ibid, 454.
(22) بعض التشريعات كالتشريع المغربي والفرنسي تتحدث عن المشروع الفردي والجماعي بخلاف التشريع الإسباني الذي يثير فقط المشروع الجماعي ويشترط على الأقل شخصين.
(23) Lamarca Pérez, Tratamiento Jurídico del Terrorismo, 61.
(24) Ibid, 59-60.
(25) Ibid, 53.
(26) Ibid, 56.
(27) Ibid, 59.
(28) Barbero Marino, Los delitos de bandolerismo, rebelión militar y terrorismo regulados por el Decreto de 21 de septiembre de 1960 (Universidad de Valladolid, 1972), 277-278.
(29) Uriarte Edurne.Terrorismo y Democraciatr as el 11 de Marzo, Editorial Espasa Calpe, Madrid. 2004. P 84.
(30) Ibid, 105.
(31) Ibid, 105-106.
(32) إبراهيم أبراش، “العنف السياسي بين الإرهاب والكفاح المشروع”، مجلة الوحدة، (المغرب، العدد 67، أبريل/نيسان 1990)، ص 91.
(33) يمكن أن نجازف بالقول: إن الحركات اليسارية المتشددة نالت اهتمامًا أكثر من طرف الباحثين مقارنة باليمين المتطرف.
(34) ما يوضح هذا هو مسلسل العنف الذي يطول الأميركيين الأفارقة في فترة الأخيرة، وحالة العنف والعنف المضاد جرَّاء مقتل داونت رايت (Daunte wright)، في 11 أبريل/نيسان 2021.
(35) أبراش، “العنف السياسي بين الإرهاب والكفاح المشروع”، مرجع سابق، 92.
(36) المرجع السابق، ص 93.
(37) المرجع السابق، ص 93.
(38) حركة الدعوة والتبليغ العالمية هي مثلًا حركة سلفية لكنها ليست جهادية.
(39) لوريتا نابوليوني، الدولة الإسلامية داعش، ترجمة سامر كروم، (بغداد، الفرات للنشر والتوزيع، 2015)، ص 44.
(40) Nsefum Joaquín, El Delito de Terrorismo, Su concepto, 18.
(41) Enrico Ferri, Principios de derecho criminal, Trad. J.A. Rodríguez muñoz, (Reus, Madrid: 1933), 568.
(42) Pellegrino Rossi, Traité de droit pénal, Tome I, 4ª ed. (Paris: Guillaminn, 1892), 61.
(43) Cobo Del Rosal Manuel, Tratado de Derecho Penal Español, Parte General, (Madrid: Centro de estudios superiores de especialidades, 2008), 529.
(44) Nsefum Joaquín, El Delito de Terrorismo, Su concepto, 20.
(45) Henri Lévy-Bruhl, Les Délits Politiques, (Paris: Revue française de sociologie, 1964), 131.
(46) Alfonso Ruiz Miguel, Una filosofiadelderecho en modelos históricos, )Madrid: Editorial Trotta, edición revisada, 2009(, 241.
(47) أُحدثت المحكمة الخاصة بلبنان في خطوة أولى من نوعها لإحداث محاكم جنائية دولية لمحاكمة جرائم الإرهاب، وكان ذلك نتيجة الاتفاق بين هيئة الأمم المتحدة ولبنان بغطاء قانوني من مجلس الأمن بعد تسجيل فراغ قانوني على مستوى المؤسسات اللبنانية للمصادقة على هذا الاتفاق. وأُنشِئت هذه المحكمة بعد مقتل رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، وواحد وعشرين شخصًا من مرافقيه. وامتد مجال اختصاص المحكمة ليشمل الجرائم الإرهابية المرتكبة بين 1 أكتوبر/تشرين الأول 2004 و12 ديسمبر/كانون الأول 2005.
(48) نابوليوني، الدولة الإسلامية داعش، مرجع سابق، ص 33.
(49) Manuel Cancio Meliá, Los delitos de Terrorismo, Estructura típica e injusto, (Madrid: Editorial Reus, 2010), 139-137.