ملخص:
تتناول الدراسة الإشكالات المهنية والسياسية في الإعلام المصري خلال نحو ست سنوات ونصف؛ هي فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي أو بالأحرى سيطرته على مقاليد الأمور (يوليو/تموز 2013- ديسمبر/كانون الأول 2019). ويعتمد البحث المنهجَ الوصفي التفسيري، وأداتيْ الملاحظة والمقابلات المعمقة لجمع البيانات، بهدف الوصول لنموذج حاكم للعلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام، مسترشدًا بنظرية الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية.
كلمات مفتاحية: الإعلام المصري، السيسي، مصر، مهنية، تمويل الإعلام.
Abstract:
This study delves into professional and political issues in Egyptian media during Abdel Fattah El-Sisi’s presidency (July 2013-December 2019). It adopts an explanatory descriptive approach, and uses data collected by observation and in-depth interview tools to build a model that can describe the relationship between the regime and media, guided by the media system dependency theory.
Keywords: Egyptian Media, El-Sisi, Egypt, Professionalism, Media Funding.
مقدمة
لم يكد وزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي، ينهي خطابه الذي أعلن فيه عزل الرئيس، محمد مرسي، في الثالث من يوليو/تموز 2013، حتى اسودَّت شاشات القنوات الداعمة للأخير. فكانت عبارة السيسي “حفظ الله مصر وشعبَها الأبِيَّ العظيم” آخر ما تابعه المصريون على تلك القنوات، وكان مشهد وقوف الرجل ببزَّته العسكرية مع عدد من قيادات الجيش والرموز المدنية آخر ما شاهدوه. وبعد أقل من ساعة بدأت القنوات المؤيدة للانقلاب في بث مشهد القبض على عشرات الصحفيين من داخل قنواتهم التي تمت مداهمتها بقوات أمن مدجَّجة بالسلاح، ليدخل الإعلام المصري -وبطريقة دراماتيكية- مرحلة جديدة تراجعت فيها مساحة الحرية التي تمَّ اكتسابها عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، واختفى حتى التوازن الشكلي في الأداء الإعلامي الذي كان سائدًا في عهد الرئيس حسني مبارك، لدرجة جعلت البعض يتندَّر معتبرًا فترة حكم مبارك “مرحلة ليبرالية” إذا ما تمت مقارنتها بنظام حكم السيسي.
وخلال مقابلات معمقة أجراها الباحث مع عينة الدراسة، أشار عدد من الإعلاميين إلى أن السيسي -ومن خلفه الجيش- يعتقد أن ثورة يناير اندلعت ليس بسبب انخفاض سقف الحريات في عهد مبارك، ولكن لأنه ارتفع أكثر مما ينبغي. لذلك قرَّر أن ينخفض بالسقف لـ”الحدود الآمنة”، خاصة في مجال الإعلام الذي أظهر السيسي طوال الوقت اهتمامًا خاصًّا به، بعدما عاين بنفسه الدور الذي لعبته الصحف والقنوات ومواقع الإنترنت في عملية الإطاحة برئيسين قبله.
لقد اعتبر الرئيس عبد الفتاح السيسي أن الإعلام قادر على تشكيل وعي حقيقي للمواطنين، وهو “الأهم من أي شيء آخر”، وقال: إن الرأي العام يتمُّ تشكيله بنسبة 90% من خلال الإعلام(1). لذلك أطلق يد الأجهزة الأمنية لتسيطر على وسائله بشكل لم تشهده البلاد من قبل، لدرجة أن اللواء عباس كامل، مدير المخابرات العامة والمدير السابق لمكتب السيسي وأحد رجاله المقربين، أصبح يُعرف في الوسط الصحفي بـ”رئيس تحرير مصر”(2)، بل إن الرقابة وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي حذَّر السيسي من استخدامها في “الترويج للكذب”، حيث صادق في صيف 2018 على قانون أقرَّه البرلمان يتيح للسلطات محاسبة أصحاب المواقع الإلكترونية الشخصية والمدونات وحسابات مواقع التواصل التي يتجاوز عدد متابعيها الخمسة آلاف، ومعاقبتهم بالسجن والغرامة في حال مخالفة القانون.
وقد أدى هذا الاهتمام الكبير الذي أبدته السلطة الحالية في مصر بمجال الإعلام، والمناخ السياسي السائد في البلاد، إلى ممارسات -تستحق تسليط الضوء عليها- تتعلق بعمليات تمويل وسائل الاتصال، والسياسات الإعلامية، والأداء المهني، وتأثير كل ما سبق على المناخ العام الذي تعمل فيه وسائل الإعلام في واحدة من أهم دول المنطقة وأكثرها تأثيرًا.
- الإطار المنهجي والنظري للدراسة
أ- إشكالية الدراسة
تكمن مشكلة البحث في حالة التحكُّم التي عاشها -ولا يزال- الإعلام المصري خلال السنوات الست الماضية، ومحاولات السلطة “أَمْنَنَة” هذا القطاع سواء عبر التشريعات القانونية أو من خلال سيطرة الأجهزة الأمنية على وسائله، واتساع دائرة الرقابة التي شملت أيضًا الفضاءات الرقمية بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي. وتستدعي هذه الحالة استكشاف طبيعة الإشكاليات المهنية والسياسية التي اكتنفتها، والبحث في أنماط الملكية وتأثيرها في طبيعة الخطاب، وتحديد المراحل التي مرت بها الحالة الإعلامية، مع محاولة وضع نموذج حاكم للعلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام في مصر، ورصد أداء تلك الوسائل، والدور الوظيفي الذي تقوم به في بنية النظام الحاكم، وإلقاء الضوء على البدائل المتاحة سواء من خارج البلاد عبر وسائل الإعلام المرئية والإلكترونية، أو حتى من خلال مساهمات الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ب- أهداف الدراسة
تهدف الدراسة إلى:
– تحديد طبيعة الإشكالات المهنية والسياسية التي اكتنفت الحالة التي عاشها –ولايزال- الإعلام المصري بين عامي 2013 و2019.
– تحديد أنماط الملكية لوسائل الإعلام المصري ومعرفة تأثيرها على طبيعة الخطاب.
– تحديد المراحل التي مرت بها الحالة الإعلامية في مصر خلال الفترة المدروسة.
– وضع نموذج حاكم للعلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام في مصر، وتسليط الضوء على أداء تلك الوسائل، والدور الوظيفي الذي تقوم به في بنية النظام الحاكم.
– استكشاف البدائل المتاحة سواء من خلال الإعلام المعارض الذي يُبَث من الخارج، أو حتى من خلال مساهمات الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ج- منهج الدراسة وأدواتها
اعتمد الباحث في مقاربته لمشكلة البحث وأبعادها على المنهج الوصفي التفسيري بهدف عرض المسار الذي سلكه الإعلام المصري خلال فترة البحث، وتحليل وتفسير الحالة التي وصل إليها، واستنتاج الأسباب التي أدت إلى ذلك. ولا يكتفي المنهج الذي استخدمه الباحث بالوصف فقط، بل يتجاوزه إلى منهج التفسير الذي يشرح العلاقات بين الظواهر الاجتماعية ويربط بين العوامل والعناصر المكوِّنة لها، ويجيب عن السؤال: لماذا؟ فيبحث عن الأسباب والتفسيرات(3).
واستخدم الباحث الملاحظة أداة منهجية لجمع البيانات والمعطيات الخاصة بمجتمع الدراسة الذي يشمل بيئة الإعلام المصري على مستوى القنوات التليفزيونية والإذاعات والصحف ومواقع الإنترنت. كما استخدم لجمع المعلومات أسلوبَ المقابلة المعمقة -عبر الهاتف- مع ستة صحفيين مصريين (أحدهم يعمل بالصحافة الورقية، والثاني بالصحافة الإلكترونية، وآخران في الصحافة التليفزيونية، بالإضافة إلى صحفيين مصريين تليفزيونيين يعملان خارج البلاد)، في الفترة ما بين 1 و31 ديسمبر/كانون الأول 2019. وتمت المقابلات عن طريق الهاتف، واستمرت كل مقابلة لمدة ساعة على الأقل، فيما بلغ طول إحدى المقابلات مع صحفي تليفزيوني نحو 3 ساعات كاملة. وتركزت أسئلة المقابلة على تصنيف المراحل التي مرَّ بها الإعلام المصري خلال فترة البحث، والتغيرات التي طرأت عليه، وأهم سمات كل مرحلة. كما ركزت الأسئلة على طبيعة التمويل، وشكل العلاقة بين الصحفيين والإدارة، وطبيعة التغيرات التي طرأت على الهياكل الإدارية، وأساليب ومستوى تدخلاتها في السياسات التحريرية، وذلك بهدف تأطير الإشكالات المهنية والسياسية التي اكتنفت الحالة الإعلامية في فترة الدراسة، ووضع نموذج حاكم للعلاقة بين السلطة ووسائل الإعلام في مصر.
د- مجتمع الدراسة
يشمل مجتمع الدراسة جميع وسائل الإعلام المصرية المرئية والمطبوعة والإلكترونية، وذلك خلال الفترة الممتدة لنحو ستة أعوام ونصف العام؛ تبدأ من تاريخ عزل الرئيس محمد مرسي من الحكم ووصول الجيش إلى السلطة في يوليو/تموز 2013، وتستمر طوال فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتنتهي في ديسمبر/كانون الأول من العام 2019.
ه- الإطار النظري
عمل الباحث على استخلاص نموذج حاكم يصف طبيعة الدور الوظيفي الذي تضطلع به وسائل الإعلام في نظام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، مستندًا على فروض نظرية الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية (Media System Dependency Theory)، كإطار نظري يمكنه التعامل مع الحالة الإعلامية المصرية، خاصة أن النظرية تصلح للتعامل مع المجتمعات التي تعيش حالة غير ديمقراطية كما هي الحال في مصر. وتفترض النظرية التي وضع فروضها الباحثان، ساندرا بول روكيتش (Sandra Ball-Rokeach) وميلفين دي فلور (Melvin Defleur)، أن هناك حاجة متبادلة بين النظم الموجودة في المجتمع (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) ووسائل الإعلام، فبينما تعتمد النظم على الإعلام في إيصال المعلومات وتوجيه الرأي العام، فإن وسائل الإعلام تعتمد على النظم في التمويل ووضع المعايير التي تعمل بها، حيث إنها لا تعمل في الفراغ(4). وسيُبيِّن الباحث ذلك بالتفصيل لاحقًا عندما يُحلِّل النموذج الحاكم للعلاقة بين نظام الحكم والإعلام.
و- الدراسات السابقة
هناك العديد من الدراسات التي تناولت علاقة وتأثير النظام المصري الحالي على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، مثل دراسة يزيد صايغ “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري”(5)، ودراسة محمد فتح الله عن “العلاقة بين الفساد والتنمية الاقتصادية بالتطبيق على الاقتصاد المصري”(6)، لكن ليس يسيرًا العثور على دراسات تتناول علاقة النظام بوسائل الإعلام وتأثيره في البيئة الإعلامية خلال السنوات الماضية.
– من الأبحاث التي تناولت تلك الحالة، دراسة شحاتة عوض: “الأزمة بين السلطة والصحافة في مصر: علاقة متناقضة”، وسلَّط خلالها الضوء على واقع الحريات الصحفية في مصر والقيود المفروضة على الصحافة، وذلك من خلال الأزمة التي نشبت بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، عام 2016، بسبب اقتحام قوات الأمن للنقابة للقبض على صحفيين دعوا للمظاهرات المناهضة لتنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وكشفت الدراسة عن معضلة في العلاقة بين السلطة والصحافة، فبينما تسعى السلطة لأن تكون الصحافة بوقًا للنظام ومساندة للحكومة وداعمة لقرارتها، فإنها في الوقت نفسه لا تتورَّع عن قمع الصحفيين وتعمُّد إهانتهم وتشويه صورتهم لدى الرأي العام(7).
– دراسة أخرى أجراها أسامة الرشيدي بعنوان: “مصر: السياسات الإعلامية بعد 3 يوليو/تموز 2013″، رسم خلالها خارطة لملكية الإعلام المصري وسياساته الإعلامية منذ عزل الرئيس محمد مرسي في صيف 2013، وحتى نهاية الفترة الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسي في ربيع 2018. كما كشف عن الدور الذي يلعبه الإعلام في تحقيق سياسات النظام، والآليات التي يتم استخدامها لتنفيذ هذه المهمة(8).
– من الدراسات ذات الصلة بموضوع البحث تلك التي أجرتها رشا عبد الله وعنونتها بـ”الإعلام المصري في خضم الثورة”، وأشارت إلى أن مصر لا تزال تعاني من وجود “قطاع إعلامي سلطوي”، وقيود على حرية التعبير رغم أن البلاد حظيت بفرصة إصلاح في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير، لكن لم يتم استغلال هذه الفرصة بشكل جيد(9).
– وعن دور وسائل الإعلام المصرية في التمهيد للانقلاب، كشفت دراسة فاطمة العيساوي عن حالة “تواطؤ” بين العديد من وسائل الإعلام المصري، وخصوصًا البرامج الحوارية، وبين النظام السياسي الحالي في مصر بهدف الانقلاب على الحالة التي أنتجتها ثورة 25 يناير والتعتيم فيما بعد على انتهاكات حقوق الإنسان(10). وعلى نفس المنوال نسجت آلاء عبد الرحمن في دراستها: “دور وسائل الإعلام في زيادة العنف السياسي في عمليات التغيير السياسي: مصر نموذجًا”، ورأت أن وسائل الإعلام زادت من مساحة العنف السياسي في مصر خلال المرحلة الانتقالية التي امتدت من إسقاط الرئيس حسني مبارك إلى ما بعد تسلم عبد الفتاح السيسي الرئاسة في مصر(11).
ورغم أن الدوريات الغربية غصَّت بالدراسات الخاصة بالحالة المصرية والعربية عمومًا في أعقاب الربيع العربي، إلا أن هذا الاهتمام تراجع بشدة بعد صعود قوى الثورات المضادة، وباستثناء عدد قليل من الباحثين -الكثير منهم عرب- فإننا لا نجد اهتمامًا يذكر بالحالة الإعلامية العربية والمصرية لاسيما بعد 2013. ومن هذه الدراسات البحث الذي أعدَّه عمرو حمزاوي “نظريات المؤامرة والسرديات الشعبوية: حول تقنيات حكم الجنرالات المصريين”، والتي كشفت عن استخدام “حكم الجنرالات” للإعلام في نشر سرديات شعبوية بهدف تبرير العنف وانتهاكات حقوق الإنسان والقبضة الأمنية وتبرير عملية القضاء على حالة الانفتاح الديمقراطي التي شهدتها البلاد بعد ثورة يناير(12).
- وسائل الإعلام بعد يوليو/تموز 2013: مسارات السيطرة
لقد كانت مصر رائدة في مجال الإعلام منذ أواخر القرن التاسع عشر، وظلت معظم صحفها ذات ملكية خاصة طوال العهد الملكي. وبعد أن أسَّس الجيش المصري بقيادة الضباط الأحرار الجمهورية وقضى على مَلَكية أسرة محمد علي، بقيت الصحافة تحت الرقابة لسنوات قبل أن يتم تأميمها في العام 1960، لتؤول ملكيتها للاتحاد القومي، والاتحاد الاشتراكي بعد ذلك، وهو التنظيم السياسي الوحيد وقتها، والذي كان يرأسه جمال عبد الناصر نفسه. وبعد أن سمح الرئيس أنور السادات بالتعددية الحزبية (منابر في سنة 1976 ثم أحزاب في سنة 1977) صدرت في عهده أربع صحف حزبية، وهي: الأحرار، ومصر، والأهالي، والشعب. وفي العام 1980، صدر قانون سلطة الصحافة الذي نصَّ على وجود الصحف الخاصة، المملوكة لشركات تعاونية أو مساهمة، ثم خُفِّفت شروط تأسيسها في عهد الرئيس حسني مبارك بالقانون الصادر عام 1996. وفي العقد الأخير من حكم مبارك سُمِح بإطلاق العديد من الصحف والقنوات الخاصة المملوكة في معظمها لرجال أعمال موالين للنظام.
وبعد أن اندلعت ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، ارتفع سقف الحرية إلى مستويات غير مسبوقة، واستمر -رغم بعض التضييقات هنا وهناك- خلال فترة حكم المجلس العسكري، ثم في العام الذي حكم فيه أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا، محمد مرسي، بل كان يتم توجيه السباب للرئيس ولجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها بشكل صريح في وسائل الإعلام التي كان أغلبها مملوكًا لرجال أعمال نشؤوا في كنف نظام مبارك. ورغم أن الوضع الاقتصادي كان متراجعًا في تلك الفترة إلا أن تدفق الاستثمار في مجال الإعلام بدا استثناءً لدرجة أثارت علامات استفهام؛ إذ إن عدد الفضائيات التي جرى إطلاقها خلال الأشهر الثلاثة من مارس/آذار إلى مايو/أيار 2011 بلغ 22 قناة فضائية(13).
وفي الثالث من يوليو/تموز 2013، أطاح الجيش بحكم الرئيس محمد مرسي بعد مظاهرات واسعة انطلقت في جميع محافظات البلاد قبلها بأيام. واستهل الجيش حكمه بإغلاق جميع وسائل الإعلام المؤيدة للرئيس المعزول واعتقال الصحفيين العاملين فيها(14)، ثم انتهج طريقًا عنيفًا في التعامل مع الإعلام من خلال ما يشبه التأميم سواء كان ذلك في القنوات التليفزيونية أو الصحف أو مواقع الإنترنت، وذلك عبر ثلاث مراحل امتدت ما بين 3 يوليو/تموز 2013 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2019 (وقت كتابة البحث)، وتفصيلها كما يلي:
– المرحلة الأولى: توحيد الصفوف (الأصوات)
بعد إغلاق كافة القنوات الفضائية الداعمة لمحمد مرسي، والتي كان من الممكن أن تعارض الانقلاب عليه -حيث لم يُتَحْ لها المجال لتعارض من الأساس- أصبح إعلام الصوت الواحد سيِّد الموقف على المستوى التليفزيوني. وقبل نهاية العام 2013، كانت السلطات قد أغلقت المجال أمام الصحف الرافضة لنظام الحكم الجديد، ومن بينها صحيفة “الحرية والعدالة” التابعة لحزب جماعة الإخوان المسلمين إثر مداهمة مقرها في 25 ديسمبر/كانون الأول على خلفية تصنيف الإخوان جماعة إرهابية وحظر أنشطتها. ووثَّق تقرير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان مقتل 7 صحفيين خلال العام الأول بعد الانقلاب(15) وتم اعتقال العشرات، حتى احتلت مصر المرتبة الثانية بعد الصين على قائمة الدول الأكثر اعتقالًا للصحفيين في 2015(16).
ومنذ اللحظة الأولى عمل النظام الجديد على “توحيد الصفوف” على مبدأ “إمَّا معنا أو ضدنا”، وأصبحت الأصوات المعارضة تُوصَم بالخيانة. فأغلق قنوات -معظمها مؤيد للتيار الإسلامي الذي انتمى إليه الرئيس المعزول- مثل: مصر 25، والناس، والحافظ، وأمجاد… إلخ، وصحفًا مثل: الحرية والعدالة، والشعب … إلخ. وأصبح استخدام الأساليب الدعائية هو السائد، وركز الإعلام على تمجيد الجيش وقائده وزير الدفاع آنذاك، الفريق عبد الفتاح السيسي، وشَيْطَنَة جماعة الإخوان المسلمين، والمؤيدين للرئيس المعزول. وبات الشعب بحسب التصنيف الجديد ينقسم إلى: الشعب المصري (المؤيدون) والشعب الآخر (المعارضون)، وأصدر النظام التصريحات بل وحتى الأغاني التي تبث وتروج هذا المعنى.
وخلال أسابيع كان الخطاب قد أصبح متطابقًا تقريبًا في معظم القنوات الحكومية والخاصة، لتنتهي فترة الحرية الإعلامية التي شهدتها البلاد بعد ثورة 25 يناير. ومع الوقت أسهمت السلطة في خلق رأي عام يعادي الصحفيين ويرى فيهم خطرًا داهمًا، حتى صُنِّفت مصر واحدة من أكثر البلدان قمعًا لحرية الصحافة في العالم(17).
وخلال مقابلة أجراها الباحث مع إعلامي مصري على صلة بمراكز اتخاذ القرار في البلاد، قال: إن السيسي استلهم استراتيجيته الإعلامية من التجربة الروسية التي طبَّقها الرئيس فلاديمير بوتين عندما تولى مقاليد الحكم، حيث قلَّل عدد وسائل الإعلام بشكل كبير من خلال عمليات دمج وإغلاق تهدف إلى منع “الفوضى الإعلامية” والسيطرة على المجال العام بشكل كامل. وفي مصر، أضاف النظام على هذا إغلاق منافذ التمويل الخارجي -ومعظمها خليجي- بحيث لم تَعُدْ تَصُب في حسابات الوكلاء المصريين من الإعلاميين ورجال الأعمال، وأصبحت تتجه مباشرة إلى خزائن أجهزة المخابرات. وبدلًا من أن تدير الأجهزة الأمنية و”السيادية” الإعلام عن طريق وسطاء لهم خبرة في هذا المجال، أصبحت الإدارة تتم بشكل مباشر عن طريق ضباط في الأجهزة الأمنية وحتى العسكرية، لدرجة أن المتحدث باسم القوات المسلحة كان يمارس عملية توجيه الإعلاميين بنفسه بعد أن يتلقى التعليمات من اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي وقتها ورئيس جهاز المخابرات في وقت لاحق، بحسب تسريب تمت إذاعته في مطلع 2015(18).
وأحيانًا، كانت تخرج إشارات من النظام -بحسب صحفي يعمل في منصب مرموق بإحدى القنوات الخاصة رفض الكشف عن اسمه- تفيد بأن أطرافًا داخله وصلت إلى قناعة مفادها أن مصر ليست في حاجة إلى كل هذه الترسانة الإعلامية، وأن النظام ليس مضطرًّا إلى بذل الكثير من المجهود في عملية إقناع الشعب؛ حيث منطق القوة هو السائد أولًا، وثانيًا: لأنه لم يعد هناك منطق يمكن أن يبرر للشعب الظروف الصعبة التي يعيشها. كما أن الصحف -بما فيها الحزبية- تصدر أحيانًا بنفس العناوين، لدرجة أن رئيس الوزراء السابق، شريف إسماعيل، قال: “كأننا نرى جريدة واحدة بطبعات مختلفة”(19). وإذا كانت “التعليمات” تصل من الجهات الأمنية للجميع بنفس الصيغة، فلم يعد هناك معنى للتنوُّع؛ حيث يكفي وجود منصات قليلة لإيصال الرسائل التي أصبحت تشبه التعليمات الموجهة للجنود من قادتهم عبر جهاز الشؤون المعنوية في الجيش. وبناء على ما سبق، قرَّر النظام تقليص أدواته الإعلامية عن طرق الإغلاق تارة والدمج أخرى وتقليل النفقات ثالثة.
وفي هذه الأجواء، أبدى قطاع من الإعلاميين -يضم بعض أشد مؤيدي النظام- تَبَرُّمَهُم من طريقة إدارة ملف الإعلام، وبدأ العديد منهم في الاختفاء من الشاشات على مراحل، مثل محمود سعد ويسري فودة وباسم يوسف وخيري رمضان وأسامة كمال ودينا عبد الرحمن وتامر عبد المنعم وعماد أديب وجابر القرموطي، واسْتُبْعِد بعضهم مثل وائل الإبراشي ولميس الحديدي لفترة قبل عودتهم، وحتى توفيق عكاشة صاحب قناة الفراعين المقرَّبة من النظام، التي روَّجت بقوة لتظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 التي سبقت انقلاب 3 يوليو/تموز. كما اختفى صحفيون وكتَّاب رأي مشهورون أمثال عمرو حمزاوي ويحيى حسين عبد الهادي وعلاء الأسواني…إلخ. وبالتوازي مع ذلك، بدأ النظام في تشكيل “أذرع إعلامية” جديدة، حسب تعبير السيسي في التسريب الذي بثته شبكة رصد الإخبارية في أكتوبر/تشرين الأول 2013(20).
وطبقًا للدستور الجديد الذي تم إقراره في العام 2014 أُلغيت وزارة الإعلام(21)، والمجلس الأعلى للصحافة، واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وحلَّ محلَّها “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام” الذي تتبع له الهيئة الوطنية للصحافة (لإدارة المؤسسات الصحفية التابعة للدولة، وتنظيم عمل المؤسسات الأخرى)، والهيئة الوطنية للإعلام (لإدارة المؤسسات التليفزيونية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة). وقد أدى هذا في النهاية إلى فرض السيطرة الكاملة على الإعلام في البلاد، من خلال إيقاف هذه الهيئات لبرامج، ومنع ضيوف من الظهور، وسحب تراخيص مؤسسات إعلامية، وإقرار غرامات مالية على أخرى، وحجب مواقع إلكترونية، تخطى عددها حسب تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير 500 موقع مع نهاية 2017(22)، ووصل العدد إلى آلاف في 2019(23)، من بينها مدى مصر والمشهد ومصر العربية والجزيرة نت…إلخ. كما تم تقديم بلاغات للنائب العام المصري ضد إعلاميين بعينهم. وتحوَّل الأمر في وقت لاحق إلى التضييق وملاحقة الأعمال الدرامية من خلال “لجنة الدراما” التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بل وصل الأمر إلى مداهمة الشرطة لأحد مواقع التصوير، وهو ما أدى إلى توقف عدة شركات إنتاج خاصة(24).
وفي المقابل، تغاضت هذه الهيئات الرقابية عن انتهاكات إعلامية واضحة -تتضمن السب والقذف والترويج للإشاعات- يرتكبها إعلاميون داعمون للنظام. وحتى نقابة الصحفيين المصرية التي تُعَدُّ المدافع الأهم عن حقوقهم، اقتحمتها قوات الأمن، في مايو/أيار 2016، بعد مظاهرات رافضة لاتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، واعتقلت صحفيين كانوا معتصمين بداخلها. ومع نهاية 2017، كانت مصر قد احتلت المرتبة الـ161 (من إجمالي 180 دولة) في التصنيف العالمي لحرية الصحافة(25).
أما وسائل الإعلام الأجنبية فتولَّت التعامل معها “الهيئة العامة للاستعلامات” التي تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، بعدما كانت تتبع وزارة الإعلام المُلغاة، حيث عملت الهيئة على مهاجمة وسائل إعلام عالمية مثل صحف “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” وشبكة “بي بي سي” التي تم حجب موقعها الإلكتروني في وقت لاحق، ووكالة رويترز والعديد من الصحف والقنوات والوكالات العالمية لمجرد نقل أخبار يرى النظام أنها “تسيء” لسمعة البلاد(26).
واللافت أن هذه المرحلة لم تشهد فقط محاولة السيطرة على الحاضر والمستقبل، بل وصل الأمر إلى العمل على محو الماضي القريب الذي شهد مساحة حرية غير مسبوقة بين عامي 2011 و2013، حيث حُذِف أرشيف برامج كاملة مِنْ على موقع يوتيوب كما فعلت قناة “سي بي سي” (CBC) مع برنامج “أبلة فاهيتا”، وقناة “أون تي في” (ONTV) مع برنامج “آخر كلام” للإعلامي، يسري فودة، و”الصورة الكاملة” للإعلامية، ليليان داود، بالإضافة إلى الأرشيف الكامل للقنوات التي أُغلقت عقب 3 يوليو/تموز، مثل: مصر 25، والناس، والحافظ وغيرها.
ورغم كل ما سبق إلا أن السيسي لم يكن راضيًا عن أداء الإعلام “الموالي”؛ الأمر الذي دفع النظام للانتقال إلى المرحلة الثانية في تعامله مع الإعلام، وهي مرحلة السيطرة الكاملة والتملك المباشر، بدلًا من الوضع القديم المعتمد على وجود أطراف داعمة متمثِّلة في رجال الأعمال الموالين والقنوات الممولة مباشرة من دولة خليجية، وأخرى تُدار من قبل جهات داخل الدولة مشكوك في ولائها جزئيًّا، أو على الأقل لا تتلقى الأوامر وتنفذها بشكل حرفي.
– المرحلة الثانية: السيطرة بالتملك
بعد أن تخطى نظام عبد الفتاح السيسي مرحلة تكميم الأفواه في الداخل، وتمكَّن من السيطرة بشكل كامل على وسائل الإعلام، انتقل لمرحلة التملك المباشر لتلك الوسائل. وبدأت هذه المرحلة بعد عامين من وصول السيسي لسدة الحكم، وبالتحديد منتصف 2016، وأصبحت أكثر وضوحًا في النصف الثاني من 2017، قبيل ترشحه لفترة رئاسية ثانية، وتغيير الدستور بهدف تمديد فترة حكمه في وقت لاحق، حيث استحوذت شركة “إعلام المصريين” التي ترأَّس مجلسَ إدارتها رجل الأعمال، أحمد أبو هشيمة، نجل اللواء حمدي أبو هشيمة، والذي يعمل كواجهة لأجهزة سيادية(27)، على مجموعة قنوات “أون تي في”، وقنوات “سي بي سي”، وصحيفة “صوت الأمة”، بالإضافة إلى مواقع اليوم السابع، ودوت مصر، وانفراد، وعين المشاهير، ومجلتي “إيجيبت توداي” و”بيزنس توداي”، فضلًا عن شركات “بريزنتيشن سبورت” و”مصر للسينما”، وأخرى مختصة بالإنتاج الإعلامي والإعلان والتسويق والعلاقات العامة.
ومع نهاية 2017، باع أبو هشيمة -المقرب من رئيس الأركان السابق، محمود حجازي- أسهمه في شركة “إعلام المصريين” إلى شركة “إيجل كابيتال” المملوكة بشكل مباشر للمخابرات العامة(28)، وتترأسها داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة وزوجة طارق عامر محافظ البنك المركزي، والتي لم يكن لها علاقة قوية بالإعلام. واستحوذت “إيجل كابيتال” أيضًا على شبكة راديو النيل، التي تُدير إذاعات “ميجا” و”هيتس” و”نغم” و”شعبي”.
وبدورها، استحوذت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المملوكة أيضًا لجهاز المخابرات العامة، على شركة “إعلام المصريين” وشاركت في ملكية عدد من المنصات الإعلامية على مدار سنوات، من بينها مجموعة قنوات الحياة، و”أون تي في”، وحصة حاكمة من مجموعة “سي بي سي”، بالإضافة لشركات بريزنتيشن، و”بي أو دي” للعلاقات العامة، بجانب صحف اليوم السابع وصوت الأمة وعين والوطن والدستور وموقع مبتدأ(29). بالإضافة إلى مجموعة قنوات “دي ميديا” المالكة لراديو 9090 ومجموعة قنوات “دي إم سي” (DMC)، وهي شركة ظهرت مطلع 2017 بميزانية ضخمة، وترأسها ضابط المخابرات السابق، طارق إسماعيل، مدير حملة السيسي في الانتخابات الرئاسية عام 2014، ويوجد ضمن مجلس إدارتها اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي سابقًا ورئيس جهاز المخابرات العامة الحالي(30)، كما أن زوجة كامل كانت مديرة مسؤولة في الشركة، قبل أن تغادر المنصب في وقت لاحق. أما ابنته فقرَّر الدفع بها كمذيعة في راديو 9090 المملوك للشركة، ثم في تليفزيون “سي بي سي”(31). ورغم افتقادها للمؤهلات اللازمة، فإنها حصدت لقب “أفضل مذيعة راديو” للعام 2018(32).
وفي سبتمبر/أيلول 2017، تمَّ الإعلان عن بيع شبكة قنوات الحياة إلى شركة “تواصل” المملوكة لشركة “فالكون”، وهي شركة خدمات أمنية يديرها اللواء خالد شريف، وكيل المخابرات الحربية الأسبق والمدير السابق لقطاع الأمن في اتحاد الإذاعة والتليفزيون(33).
ولم يسلم مجال الدراما من سيطرة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية؛ حتى إن شهر رمضان الذي وافق شهر مايو/أيار من العام 2019، شهد عرض 25 مسلسلًا فقط، 15 منها أنتجتها شركة سينرجي التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية(34)، وبرز بقوة اسم المنتج تامر مرسي، مؤسس الشركة الذي ترأس مجلس إدارة “إعلام المصريين”، واحتكر الإنتاج والتوزيع في سوق الدراما التليفزيونية.
نخلص مما تقدم إلى أن هذه الشركات مملوكة لأجهزة المخابرات ويُدِيرها ضباط سابقون، قدَّرتهم بعض المصادر الصحفية بالعشرات(35). ولم يُعْرَف عن تلك الشركات أو عمَّن يديرونها خبرة سابقة بالإعلام. وحتى عندما تمت الاستعانة بخبير إعلامي شهير مثل أسامة الشيخ -الذي تولى رئاسة عدة مؤسسات إعلامية من بينها الاتحاد المصري للإذاعة والتليفزيون- ليصبح رئيسًا لشركة إعلام المصريين، لم يستمر في منصبه سوى شهرين قبل أن يقدم استقالته.
ومن بين الوجوه العسكرية البارزة التي شاركت في إدارة المشهد الإعلامي، العميد محمد سمير، ضابط المخابرات الحربية والمتحدث الرسمي السابق باسم القوات المسلحة، الذي تولى إدارة قناة العاصمة(36). كما سرَّبت صحيفة “نيويورك تايمز” مكالمات هاتفية لضابط مخابرات مصري يدعى أشرف الخولي؛ يعطي تعليمات لعدد من المذيعين والفنانين بشأن الطريقة التي يجب أن يعالجوا بها قضية إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل(37).
وقد أدى اندفاع قطاع من العسكريين نحو سوق الإعلام المربح إلى سلبيات كثيرة، كما يتضح من قيام شركة “النيل الوطنية للملاحة” بإنتاج الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية والمقاطع الموسيقية. غير أن التركيز على الدعاية وضعف جودة الكثير من وسائل الإنتاج الإعلامي التجاري التي تسيطر عليها الهيئات العسكرية أثَّرا بشدة على جدواها؛ فبحلول أواخر عام 2018، كانت تلك الهيئات تخفض عدد الموظفين من أجل خفض التكاليف وتبحث عن مشترين من أجل الخروج من القطاع(38).
ورغم كل ما سبق، لا يزال عدد قليل من رجال الأعمال الموالين للنظام موجودين على الساحة الإعلامية مثل محمد أبو العينين، مالك قنوات “صدى البلد”، وحسن راتب، مالك قناة “المحور”، وطارق نور، مالك قناة “القاهرة والناس”، وأحمد بهجت، مالك قناة “دريم” الذي أعلن نهاية عام 2018 عن دخول “إحدى جهات الدولة” كشريك في القناة، بالإضافة إلى قناة ” MBCمصر” المملوكة لرجل أعمال سعودي، وقناة “تن” (TEN) المملوكة لمستثمر إماراتي.
وشهدت هذه الحقبة (حقبة السيطرة بالتملك) الإطاحة بشخصيات إعلامية مؤيدة للنظام ومقدمي برامج مشهورين، وتغييرهم بوجوه أخرى جديدة أكثر تأييدًا وولاءً، لكنها -وبحسب خبير إعلامي اشترط عدم الكشف عن اسمه- لا تمتلك الكفاءة والكاريزما التي كان يتمتع بها المطاح بهم.
وقد أدى تركيز الإعلام في يد شركات تابعة لأجهزة المخابرات بشكل مباشر إلى توحيد الرسالة الإعلامية تقريبًا، حتى وصل الأمر -بحسب اثنين من العاملين في قنوات فضائية مصرية أجرى الباحث مقابلة معهما- إلى تكوين فريق مركزي للإعداد يشرف على برامج “التوك شو” وهي الفكرة التي فشلت عند تطبيقها، وبات التحكُّم في المحتوى يتم عن طريق رسائل نصية عبر تطبيق “واتساب” من مكتب المقدم أحمد شعبان، مدير مكتب اللواء عباس كامل، وهي رسائل مسؤول عنها مجموعة من الضباط الصغار بالإضافة إلى عدد من شباب البرنامج الرئاسي الذين يعملون من داخل جهاز المخابرات العامة. وقد أدت هذه الإجراءات -بحسب صحفي سابق في إحدى القنوات التابعة للنظام- إلى حالة من الغضب في صفوف الصحفيين، واستقالة عدد منهم.
وبعد كل هذه المجهودات للسيطرة على الإعلام، والأموال الطائلة التي تم ضخها في المجال، والتغييرات الإدارية وإعادة الهيكلة للوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، اكتشف النظام أنه فشل بشكل كبير في المعركة الإعلامية، وأن صحفه وقنواته أصبحت عبئًا عليه بدلًا من أن تخدمه، ليس على المستوى المضمون وكسب الرأي العام فقط، ولكن أيضًا على المستوى المالي، حيث تحوَّلت القنوات والمواقع الرابحة إلى منصات خاسرة بسبب ضعف خبرات “المديرين الجدد” وسوء إدارتهم، وهو ما دفع النظام للانتقال إلى المرحلة الثالثة.
– المرحلة الثالثة: معاينة الأضرار وإنقاذ الموقف
لقد كان واضحًا أن الإعلام المصري في ظل حكم السيسي خسر الكثير خلال معركته أمام وسائل إعلام عربية ودولية، وأخرى معارضة تبث من الخارج، بل فشل في إطلاق قناة إخبارية روَّج لها الرئيس نفسه في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، على اعتبار أنها ستكون قناة إخبارية عالمية لمواجهة شبكة الجزيرة، في إشارة إلى قناة “دي إم سي نيوز” (DMC NEWS)(39).
غير أن الضربة الأقوى التي تلقاها النظام كانت عندما فشل في مواجهة موجة الدعاية المضادة التي أطلقها الفنان والمقاول المصري، محمد علي، في 2 سبتمبر/أيلول 2019، وبلغت ذروتها في الدعوة إلى تظاهرات استجاب لها البعض جزئيًّا، في 20 سبتمبر/أيلول من نفس العام. هذه الموجة أقنعت النظام -أخيرًا- بأن ترسانته الإعلامية تحتاج إلى إعادة النظر في استراتيجية تشغيلها. كما أقنعت داعمي النظام الخليجيين (والإماراتيين خصوصًا) بأن الأوضاع يجب أن تتغير.
ومن الأمور التي دفعت النظام لمراجعة أداء الإعلام، الفاتورة العالية التي يدفعها، والتي قال السيسي إنها وصلت إلى 6 مليارات جنيه (نحو 380 مليون دولار)، في حين أنه لا يقدم مردودًا يستحق كل هذه الأموال(40). في حين وصلت ديون الصحف القومية وحدها إلى 19 مليار جنيه (نحو 1.2 مليار دولار) في خريف العام 2017(41). وهنا قرَّر النظام -وداعموه الخليجيون- أنه قد آن الأوان ليس فقط للتضحية بالشحم الزائد عن حاجة الجسم (الإعلامي)، بل يجب الاقتطاع من اللحم نفسه.
وبالفعل، تعرَّض المشهد الإعلامي لهزات دراماتيكية، ففي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ألقت قوات الأمن القبض على ياسر سليم، الضابط السابق بالمخابرات ونائب رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات إعلام المصريين، الشهير بإمبراطور الإعلام(42). كما بدأ الإماراتيون في الانسحاب من السوق، فأغلقوا قناة “تن” (ثم أعادوها للعمل في وقت لاحق)، ونصحوا بإبعاد شخصيات محددة من إدارة المشهد الإعلامي، خصوصًا رئيس المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، ومدير مكتبه، المقدم أحمد شعبان، إلى جانب إبعاد نجل الرئيس، محمود السيسي، والتحقيق في إهدار أكثر من مليار جنيه (نحو 36.7 مليون دولار) حصلت عليها الأجهزة المصرية كمنحة إماراتية لإطلاق شبكة “دي إم سي” التي تضم ست قنوات لم يُطلَق منها سوى قناتين توقفت إحداهما بعد أشهر(43). كما أشارت مصادر صحفية إلى احتمال نقل إدارة ملف الإعلام إلى عسكريين نافذين من داخل النظام(44).
- محددات الخطاب الإعلامي في ظل نظام حكم السيسي
يمكن اختصار المحددات الرئيسية التي انتهجها النظام المصري لإنتاج خطابه خلال السنوات الستة ونصف السنة الماضية في ثلاث كلمات، هي: التأييد، والتحريض، والتلقين؛ حيث التشابه الكامل الذي يصل إلى خروج عناوين الصحف بشكل متطابق، وعبارات المذيعين التي تُعاد نصًّا في قنوات مختلفة، والتأييد الشامل وغير المشروط للنظام، والتحريض ضد كل من يعارضه أو حتى لا يرضى عنه النظام.
أولًا: التأييد
بعد أن فرض النظام سيطرته بشكل مباشر على وسائل الإعلام، لم يَعُد الهامش الذي يتحرَّك فيه الصحفيون والإعلاميون واسعًا كما كانت عليه الحال في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني، ولا حتى محدودًا كما كانت الحال في عهد مبارك، حيث لم يصبح أمامهم سوى التأييد، والتأييد المطلق، كما تقتضي “الأعراف العسكرية”. وبحسب صحفي في إحدى القنوات التابعة للمجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، فإن الإعلاميين الذين تعوَّدوا على إظهار أنفسهم محايدين إلى حدٍّ ما ليكتسبوا قدرًا من المصداقية، تمت تنحيتهم بشكل كامل لمصلحة آخرين “يؤيدون بشكل فجٍّ” كل قرارات النظام؛ حيث تعاملت معهم الإدارة الجديدة بمنطق “كل شيء أو لا شيء”.
وقد أيدت وسائل الإعلام النظام في جميع القضايا سواء المهمة منها، مثل: الأداء الاقتصادي، وإنشاء عاصمة إدارية جديدة، وتعديل الدستور، واستيراد الغاز من إسرائيل…إلخ، أو غير المهمة مثل، تغيير أسماء بعض القرى والمناطق، أو استضافة فعاليات فنية أو رياضية…إلخ. ومن أبرز البرامج التي دأبت على تأييد النظام: “على مسؤوليتي” لمقدمه أحمد موسى على قناة صدى البلد، و”الحكاية” لمقدمه عمرو أديب على قناة إم بي سي مصر، و”بالورقة والقلم” لمقدمه نشأت الديهي على قناة “تن”، وعدد من البرامج التي قدَّمها الإعلامي البارز، وائل الإبراشي، في عدة قنوات منها القناة الأولى الحكومية.
ثانيًا: التحريض
في بداية حكمه، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي مخاطبًا وسائل الإعلام: “مُهِم أوي تساعدونا في معركتنا” لتوحيد مصر، وأكد في بيان الانقلاب أهمية “وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام”، لكن شيئًا من هذا لم يحدث، بل بدأ الرجل حكمه بإغلاق كل المنابر غير المؤيدة له، وشنَّت المنصات الإعلامية المصرية حملة تحريض واسعة لم تقف عند رافضي الانقلاب العسكري كما حدث مع أغنية “إحنا شعب وانتو شعب” التي وصفتهم بأنهم شعب آخر، له “رب” مختلف “لينا رب وليكو رب”(45)، بل امتدت لتطول شركاء 3 يوليو/تموز، وجانبًا ممن تم اختيارهم ضمن لجنة الخمسين لكتابة الدستور الجديد في 2014، بل وحتى عسكريين قرروا أن يخوضوا الانتخابات الرئاسية ضد السيسي كما حدث مع رئيس الوزراء الأسبق، الفريق أحمد شفيق، الذي حُدِّدت إقامته، ورئيس الأركان الأسبق، الفريق سامي عنان، والعقيد بالجيش، أحمد قنصوة، اللذين وُضعا في السجن.
والتحريض عادة ما يكون مصحوبًا بالتخوين لكل من يمارس حقه في الانتقاد والمعارضة، وهو ممارسة شبه يومية يقوم بها الإعلاميون على القنوات والصحف المصرية، فحدث ذلك في العديد من المواقف، لدرجة أن أحمد موسى، مقدم البرامج المقرب من السلطة، وصف المعترضين على التفريط في جزيرتي تيران وصنافير بـ”الخونة والعملاء”(46)، فيما نشرت صحيفة اليوم السابع قصيدة للشاعر إسلام خليل تحت عنوان “بِعْت نفسك بكام يا خاين؟” وصف فيها العديد من معارضي النظام من تيارات مختلفة بالخيانة(47). ووصل الأمر للتحريض ضد مواطنين عرب وأجانب، بل وعرض مقاطع مصورة لهم وهم تحت الاعتقال تشمل “اعترافات” بالدعوة لتظاهرات في مصر، وأفرجت عنهم السلطات في وقت لاحق(48). وقد حذَّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مارس/آذار 2018، الإعلاميين من أن يسمحوا بـ”الإساءة للجيش والشرطة”، معتبرًا أن ذلك يوازي “الخيانة العظمى”(49). وهو ما يتطور بالطبع إلى الاستهداف والاعتقال كما حدث مع الصحفي بموقع “هافينغتون بوست” العربي، معتز ودنان، بعد أن أجرى مقابلة مع الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة، الذي أُودِع السجن أيضًا.
ثالثًا: التلقين
في تسريب صوتي تمَّ بثه في يناير/كانون الثاني 2015، وجَّه اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي وقتها ورئيس جهاز المخابرات في وقت لاحق، كلامه للعقيد أحمد علي، المتحدث باسم القوات المسلحة، قائلًا: “عايزين بقية الإعلاميين بتوعنا يقولوا…”، مُمْلِيًا عليه توجيهات بعينها، وطالبه بإيصالها للإعلاميين بهدف توجيه الرأي العام(50). كما أن عناوين الصحف كثيرًا ما تخرج متشابهة لحد التطابق، بما في ذلك الصحف الحزبية والخاصة، حيث تلاشت الحدود تقريبًا بين خطاب الصحف بأنواعها المختلفة. ومن أمثلة العناوين المكررة، عنوان “مصر تستيقط” الذي تصدَّر الصفحات الأولى لأكثر من 10 صحف في مارس/آذار 2015(51)، و”جيش مصر مركز الثقل الحقيقي للمنطقة” الذي تكرَّر أيضًا في عدة صحف قومية وخاصة، في سبتمبر/أيلول 2019، وعنوان “يقظة الأمن”، في ديسمبر/ كانون الأول 2017(52).
وأكد ثلاثة صحفيين، أحدهم يعمل في صحيفة خاصة والآخران في قنوات فضائية داعمة للنظام، وجود مجموعتين على تطبيق واتساب يتم من خلالهما توجيه الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام المصرية، إحداهما تُدِيرها المخابرات العامة وتحمل اسم “رؤساء التحرير”، والثانية تُدِيرها وزارة الداخلية. وأشار أحد الصحفيين، الذين أُجريت مقابلات معهم، إلى أن رؤساء التحرير في غرف أخبار قنوات “دي إم سي” يحتاجون إلى ضوء أخضر من ضباط مخابرات يرتدون ملابس مدنية موجودين على الدوام في أستديوهات القنوات، وذلك قبل إذاعة أية برامج إخبارية أو رياضية أو حتى ترفيهية. ما سبق أكدته وكالة رويترز للأنباء؛ حيث ذكرت أن السلطات عيَّنت رقباء في القنوات التليفزيونية للإشراف على ما يُذاع؛ الأمر الذي دفع رئيس تحرير إحدى الصحف الكبرى لأن يقول: إن لمدير المخابرات العامة، عباس كامل، وضباطه سيطرة مُحْكَمَة ومباشرة على ما تنشره وسائل الإعلام(53).
وقد أدت استراتيجيات التأييد والتحريض والتلقين تلك إلى إنتاج شكل مُشَوَّه من الإعلام، حيث فقدت شرائح واسعة من المصريين الثقة في وسائل الإعلام المحلية، خاصة الرسمية منها(54)، وهو ما جعلها تفقد الكثير من فاعليتها وتأثيرها في توجيه الرأي العام؛ إذ بدت صحف وقنوات ومواقع النظام كأنها “يرقة” تعجز عن نسج شرنقتها، التي لن تنطلق فراشة إلا منها.
- النموذج الحاكم للعلاقة بين نظام الحكم والإعلام
من بين العديد من الأطر النظرية التي يمكن أن تشرح الحالة الإعلامية في مصر، نجد أن أكثرها مناسبة -خاصة عندما نتحدث عن العلاقة بين الإعلام والنظام القائم- هي نظرية الاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية (Media System Dependency Theory)، وهي نظرية تفترض أن وسائل الإعلام كما أنها تمثِّل مصدرًا للمعلومات التي يعتمد عليها الأفراد والمجموعات والنظم الاجتماعية لتحقيق أهدافها، فإنها في المقابل تعتمد على موارد تتحكَّم فيها النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى، ويمكن وصف ذلك بمفهوم “الاعتماد المتبادل”؛ حيث يصعب فهم طبيعة أدوار وسائل الإعلام وتأثيرها ما لم يتم فهم طبيعة الاعتماد المتبادل والترابط الوثيق بينها وبين الأنظمة الأخرى(55)؛ فعناصر السلطة تكمن في المال والقوة وأيضًا المعلومات(56). ومن فرضيات النظرية التي وضعها كل من ساندرا بول روكيتش وميلفين دي فلور، أن نظام وسائل الإعلام يُعَدُّ جزءًا من النظام الاجتماعي، وأن تأثيرها لا يحدث بمعزل عنه.
ويقدم راي إلدون هيبرت (Ray Eldon Hiebert) ومجموعة باحثين نموذجًا يوضح العلاقة بين وسائل الإعلام والنظم السياسية والاقتصادية وغيرها من النظم السائدة في المجتمع، ويشير إلى وجود علاقة تبادلية بين وسائل الإعلام وهذه النظم، حيث تخلق نظم المجتمع الإعلام وتؤثر في اتجاهاته، فيما يقوم الإعلام بوظائف متعددة تعمل على إعادة تشكيل هذا المجتمع الذي يخلق النظم المشكِّلة للإعلام، وهكذا يتم تبادل التأثير في عملية جدلية مستمرة ودائمة(57).
شكل رقم (1) يوضح نموذج هيبرت للنظم الإعلامية
ومن بين كل العوامل السابقة، فإن الفلسفة السياسية الحاكمة للمجتمع ربما تكون العنصر الأكثر تأثيرًا في النظام الإعلامي بمجتمع ما، بسبب الضغوط المادية التي تمارسها القوى السياسية على وسائل الإعلام(58)، خاصة في بلد مثل مصر، يمارس فيه النظام الحاكم منذ صيف 2013، أشكالًا متنوعة من الضغوط على وسائل الإعلام؛ الأمر الذي يمنح نظرية الاعتماد قدرة تفسيرية عالية في هذا الظرف.
فمن الناحية الاقتصادية، أصبح الإعلام -باعتباره صناعة- مكلفًا للغاية، بسبب اعتماده على التكنولوجيا المتطورة، وحتى الإعلانات التي يمكن أن تمنحه قدرًا من الاستقلالية تخضع لاعتبارات سياسية ويمكن التحكُّم فيها من قِبَل النظام، خاصة في دولة مثل مصر يتحكَّم نظامها السياسي في الاقتصاد بشكل كبير ويمكنه أن يمنح هؤلاء ويمنع آخرين. ومع دخول الجيش بقوة في مجال الاقتصاد وتراجع حصة رجال الأعمال من السوق(59)، تأثرت سوق الإعلانات بشكل ملحوظ. كما أن النظام تخطى كل هذا وأصبح يموِّل الإعلام ويملكه بشكل مباشر، ليكسر القواعد التي تخلقها السوق في الأجواء الطبيعية. بالإضافة إلى أن العمل الإعلامي يحتاج إلى قدر من الحرية يسمح بتحرك المراسلين واستضافة جميع أطياف الشعب والمشاركة في مناقشة القضايا المهمة بل والحساسة دون الخوف من تداعيات ذلك من وقف وإغلاق واعتقال للصحفيين وملاحقة للممولين…إلخ، عبر الطرق الرسمية وغير الرسمية. لذلك، فإن إنشاء وسيلة إعلام في مصر بعيدًا عن يد النظام أصبح أمرًا غير متصور، لا من ناحية التمويل، ولا من ناحية منح التراخيص والسماح بالعمل بشكل مستقل والحديث بقدر من الحرية يسمح بنجاح المؤسسة الإعلامية.
ومن خلال كل ما سبق، يمكن أن نضع نموذجًا حاكمًا للعلاقة بين النظام الحالي في مصر، ووسائل الإعلام التابعة له، لكن ذلك يحتاج إلى أن نوضح أولًا الشكل الذي كانت عليه حال وسائل الإعلام في عهد الرئيس الأسبق، حسني مبارك، حيث كانت تتنوَّع إلى حكومية تحصل على تمويل مباشر من الدولة، ويتم السيطرة على المضمون الذي تقدمه تمامًا، وأخرى خاصة يموِّلها رجال الأعمال الموالون للنظام، وبذلك فهي مُمَوَّلَة من النظام لكن بشكل غير مباشر، ويحظى مضمونها بقدر من الحرية، ضمن السقف المسموح به سياسيًّا وتحت أعين وإشراف الأجهزة الأمنية. أما الإعلام المعارض فكان تمويله خليطًا من الأحزاب المعارضة (التي تحصل على جانب من تمويلها من الدولة نفسها)، ومن أطراف معارضة تحصل على أموالها من مصادر أخرى يسمح بها النظام، سواء كانت من أطراف داخلية أو عربية أو حتى غربية. وكل ما سبق يأتي ضمن منظومة إعلامية تدفع الجمهور بشكل مباشر أو غير مباشر لتأييد النظام أو على الأقل البقاء ضمن منظومته، وتُدِرُّ الكثير من الأموال التي تسمح بازدهار الوسائل الإعلامية، وبالتالي النظام السياسي الذي يتحكَّم بدوره في النظام الاقتصادي، لتكتمل بذلك دائرة التأثير المتبادل بين النظام السياسي المتحكم في الاقتصاد من جهة، والمؤسسات الإعلامية الموجودة على الساحة والتي تؤثر في المجتمع وتدعم النظام من جهة أخرى.
شكل رقم (2) يبرز نموذج لعلاقة الإعلام بالسلطة في عهد حسني مبارك
لكن في ظل نظام حكم عبد الفتاح السيسي، وبدلًا من أن تُدِير الأجهزة الأمنية و”السيادية” الإعلام عن طريق وسطاء لديهم الخبرة الكافية لتسيير الأمور، أصبحت الإدارة تتم بشكل مباشر عن طريق ضباط في الأجهزة الأمنية وحتى العسكرية، ووصل الأمر إلى أن جانبًا من المفاوضات مع الإعلاميين كانت تُجرى في مقر جهاز المخابرات(60). ولم تعد هناك فروق تُذْكَر في المضمون ما بين الإعلام الحكومي والخاص بل وحتى الحزبي؛ حيث تمت السيطرة على الجميع بشكل كامل ومباشر. ويقول هشام قاسم، الخبير الإعلامي المصري المعروف: إن الأجهزة الأمنية تعمل في مجال الإعلام الآن بغرض واحد هو التحكُّم الكامل في الرسائل الإعلامية عبر شرائها من المنبع وعدم الاكتفاء بتعاون ملَّاك وسائل الإعلام أو الضغط عليهم. ويضيف: “ليست هناك أي خطط للربح أو حتى تفكير في قابلية هذه الوسائل الإعلامية للربح، وإنما هو مجرد تدافع لشرائها استجابة لتكليف معلن من رئيس الجمهورية بالوصول إلى مستوى الاصطفاف الإعلامي الكامل وراء القائد كما كان الحال في عهد جمال عبد الناصر”(61).
لذلك، فإن “نموذج الاعتماد” الذي بناه الرئيس عبد الفتاح السيسي مع وسائل الإعلام، أقرب لأن يكون نموذجًا خطيًّا؛ حيث يعتمد الإعلام بشكل كلي على النظام في تمويله، وفي تحديد المسار الذي عليه أن يسلكه، بينما لا يستفيد النظام كثيرًا من أداء وسائل الإعلام التي يموِّلها ويشرف عليها.
شكل رقم (3) يظهر نموذج لعلاقة الإعلام بالسلطة في ظل حكم السيسي
وتعكس استراتيجية السيسي وصفقات الاستحواذ التي أجراها عدم ثقته في رجال الأعمال الذين تمرَّسوا على العمل في المجال منذ عهد مبارك، ولا حتى بالإعلاميين الذين دافعوا عن نظامه بقوة ودعموا الانقلاب الذي جاء به للسلطة، وهو ما وضع العديد من علامات الاستفهام حول إمكانية نجاح النموذج الذي بناه في المستقبل، بعد أن فشل خلال السنوات الست الماضية.
- مواقع التواصل وإعلام الخارج كبديل
صحيح أن الكثير من وسائل الإعلام في مصر يقع تحت سيطرة السلطة بشكل أو بآخر؛ مما يجعلها أسيرة لهذه السلطة كمصدر من مصادر التمويل، وأيضًا في غنى مؤقت عن سيطرة المنتجين والموزعين والمُعْلِنين(62)، إلا أن هذه السلطة كثيرًا ما تعتمد في الحصول على الأموال التي تنفقها على الإعلام من بعض الأنظمة الخليجية الداعمة. وقد تراجع الاستثمار الخليجي في الإعلام المصري بعد أن تم “تحجيم” وتدارك تداعيات ثورة 25 يناير/كانون الثاني من قبل نظام الحكم، ولم يعد حماس بعض الأنظمة الخليجية للاستثمار في الإعلام المصري كما كان في السابق؛ حيث أغلق نظام السيسي المجال العام وتراجعت موجة الربيع ومعها دور الإعلام في التأثير في المشهد السياسي، فشهدت السنوات الماضية عمليات دمج وإغلاق للعديد من وسائل الإعلام.
كما أن الانتشار الواسع لمواقع التواصل على الإنترنت أدى لتراجع زخم الإعلام التقليدي، وقلَّل من تأثيره، وأعطى قوة للجمهور الذي أصبح يملك القدرة على النقد والتفنيد لكل ما يبثه هذا الإعلام، وأصبح الخبر الذي تنشره منصة تقليدية عبر حساباتها على مواقع التواصل يفقد الكثير من تأثيره بسبب التعليقات التي يكتبها رواد هذه المواقع، ويفندون خلالها ما يرون أنه “ادعاءات” يمكن أن تبثها وسائل الإعلام المرتبطة بالنظام.
ومما قلَّل أيضًا من أهمية سيطرة النظام بشكل كامل على وسائل الإعلام في داخل مصر، انطلاق العديد من وسائل الإعلام المهتمة بالشأن المصري من خارج البلاد، فبعد أن أغلق النظام القنوات غير الموالية للانقلاب في 2013، عادت قناة مصر 25 للبث مجددًا من العاصمة اللبنانية تحت اسم “أحرار 25″، قبل أن يتم إغلاقها بضغوط من الحكومة المصرية في 8 فبراير/شباط 2014؛ لتعود للبث من تركيا باسم “مصر الآن”، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، لتُغلَق مرة أخرى في غضون عام. وفي مارس/آذار 2016، عادت جماعة الإخوان المسلمين لتأسيس قناة “وطن”، كما قررت إطلاق قناة فضائية دعوية باسم “دعوة”.
وبالتزامن، ظهرت عدة قنوات مصرية معارضة في الخارج، ومن تركيا تحديدًا، بتمويل رجال أعمال عرب، مثل: قناة “الشرعية”، وقناة “رابعة” التي تحولت إلى قناة “الثورة”، في مايو/أيار 2015، لكنها لم تستمر طويلًا. غير أن أهم مشروعين ظهرا بجانب قناة وطن كانا قناتي “مكملين” التي بدأت البث في 11 فبراير/شباط 2014، وقناة “الشرق” التي انطلقت بدورها من إسطنبول، في أبريل/نيسان 2014(63). وقد حظيت قنوات المعارضة في الخارج بشعبية واسعة، فبحسب تقرير لشركة إبسوس العالمية للأبحاث، فإن قناة “مكملين” كانت ضمن القنوات الأكثر مشاهدة في مصر خلال شهر رمضان لعام 2016؛ الأمر الذي أثار حفيظة النظام المصري وأذرعه الإعلامية(64). وتكرر الأمر في 2017 مع قناة الشرق، حيث حصلت القناة على المركز الرابع من بين القنوات الإخبارية الأكثر مشاهدة في مصر، بحسب تقرير لشركة إبسوس أيضًا تداولته الصحف المصرية(65).
وخلال مقابلة معمقة أجراها الباحث مع صحفي يعمل في جريدة ورقية داخل مصر، فإن النظام منزعج بشدة من النقد الموجه لأدائه عبر وسائل التواصل ووسائل الإعلام التي تبث من الخارج، حيث يعتقد النظام -وفي هذا جانب من الحقيقة- أن تفسير الأحداث والخطابات يكون أحيانًا أهم من الأحداث والخطابات نفسها.
خـاتمــة
لقد بدا واضحًا أن الإعلام المصري تضرر بشدة من تسلط النظام على مفاصله، عبر التحكُّم في مصادر التمويل ومصادرتها، وعبر تقييد الحريات، وتشديد الرقابة باستخدام ضباط ليس لديهم دراية كافية بالمجال، ويتعاملون مع الصحفيين باعتبارهم “عساكر في كتيبة” بحسب تعبير صحفي سابق في إحدى القنوات التي يملكها جهاز المخابرات، الأمر الذي أدى إلى أن يقرر العديد من الكفاءات الصحفية تغيير مجال العمل خلال السنوات الماضية. ومع الوقت تدهور المضمون الإعلامي الذي اعتمد على “التأييد والتحريض والتلقين”، ليصبح مشابهًا لنظيره في ستينات القرن الماضي (وهو أمر افتخر به السيسي عندما قال: إن “الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر، كان محظوظًا، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه”(66))، كما فَقَد الجمهور الكثير من ثقته فيما تقدِّمه القنوات والصحف المحلية، لتتضرر بذلك سوق الإعلام التي تُعتبر صناعة تدرُّ مليارات الجنيهات سنويًّا.
باختصار، فإن حالة الإعلام المصري قدَّمت نموذجًا خطيرًا لاستخدام السلطة غير الرشيد للإعلام؛ الأمر الذي أضرَّ بعملية الاتصال وبالجمهور وحتى بالنظام الحاكم نفسه، في بلد يُعَدُّ واحدًا من أهم بلدان المنطقة في مجال الإنتاج الصحفي والتليفزيوني والسينمائي، وعلى المستوى السياسي أيضًا.
ويبقى أن احتمال تحسن أداء الإعلام المصري في المستقبل المنظور أمر وارد، بشرط أن يمتلك النظام -باعتباره المتحكم شبه الوحيد في وسائل الإعلام- الإرادة الحقيقية لإحداث التغيير، وهو أمر ليس عليه دلائل قوية حتى الآن. لكن ضغوط سوق الإنتاج الإعلامي، بالإضافة إلى حاجة النظام إلى تحسين صورته أمام الرأي العام، قد تدفعه إلى السير في طريق الإصلاح الصعب والمكلف، سياسيًّا على الأقل.
المراجع
(1) “لقاء المشير عبد الفتاح السيسي مع كبار الإعلاميين”، صدى البلد، 4 مايو/أيار 2014، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2PT6wbN.
(2) “السيسي يوسع حملة التضييق لتشمل خصمًا جديدًا.. المسلسلات التليفزيونية”، رويترز، 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/35s7mCR.
(3) باسم سـرحان، طرائـق البحـث الاجتماعي الكميـة، ط 1 (بيـروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص 73.
(4) Melvin Lawrence DeFleur, Everette E. Dennis, Understanding Mass Communication )Boston: Houghton Mifflin, 1981).
(5) يزيد صايغ، “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري”، مركز كارنيغي، 14 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/36Ifsrc.
(6) محمد فتح الله، “دراسة تحليلية للعلاقة بين الفساد والتنمية الاقتصادية بالتطبيق على الاقتصاد المصري”، (رسالة ماجستير، جامعة الزقازيق، مصر، 2016).
(7) شحاتة عوض، “الأزمة بين السلطة والصحافة في مصر: علاقة متناقضة”، مركز الجزيرة للدراسات، 26 مايو/أيار 2016، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2M3SeE2.
(8) أسامة الرشيدي، “مصر: السياسات الإعلامية بعد 3 يوليو 2013″، المعهد المصري للدراسات، 28 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/35xnPpu.
(9) رشا عبد الله، “الإعلام المصري في خضم الثورة”، مركز كارنيغي، 16 يوليو/تموز 2014، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://f24.link/YEBm9.
(10) Fatima El Issawi, “The role of Egyptian media in the coup,” (University of Essex, 2014), “accessed December 30, 2019”, https://bit.ly/3bdxdkX.
(11) آلاء عبد الرحمن، “دور وسائل الإعلام في زيادة العنف السياسي في عمليات التغيير السياسي: مصر نموذجًا“، (رسالة دكتوراه، جامعة النجاح الوطنية، الضفة الغربية، 2017).
(12) Amr Hamzawy, “Conspiracy theories and populist narratives: On the ruling techniques of Egyptian generals,” Philosophy & Social Criticism, 44(4), (2018): 491-504.
(13) شحاتة عوض، “أزمة الإعلام الخاص بمصر: أكبر من مجرد ضائقة مالية”، مركز الجزيرة للدراسات، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/35vw4SV.
(14) “القبض على العاملين بقناة “مصر25”: بعد بيان السيسى”، اليوم السابع، 3 يوليو/تموز 2013، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2RYimEj.
(15) “شهداء الصحافة في مصر منذ ثورة يناير والإفلات من العقاب”، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2tsA5tr.
(16) “الصين ومصر تسجنان أعدادًا قياسية من الصحفيين”، لجنة حماية الصحفيين، 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2tibTcT.
(17) عوض، “الأزمة بين السلطة والصحافة في مصر”، مرجع سابق.
(18) “تسريب مكتب السيسي: الأذرع الإعلامية عباس كامل مع أحمد علي”، عربي 21، 19 يناير/كانون الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://f24.link/26ouH.
(19) “جريدة واحدة بطبعات مختلفة”، الأخبار اللبنانية، 11 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/3abbTw4.
(20) “السيسي: المتحدث العسكري عامل جذب مهم للسيدات”، رصد، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2013، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2Pt3gVC.
(21) في ديسمبر/كانون الأول 2019، تمَّ تعيين أسامة هيكل وزير دولة للإعلام، بحيث أصبح وزيرًا بلا وزارة.
(22) “قرار من جهة مجهولة.. عن حجب مواقع الوِب في مصر”، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 1 فبرير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2rVgP7b.
(23) “آلاف المواقع تُحجب عشوائيًّا في مصر”، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 15 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2rKsMNc.
(24) “السيسي يوسع حملة التضييق لتشمل خصمًا جديدًا.. المسلسلات التليفزيونية”، مرجع سابق.
(25) “التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2017″، مراسلون بلا حدود، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://rsf.org/en/ranking/2017.
(26) لمزيد من التفاصيل، انظر مبحث “الإجراءات العقابية” في دراسة أسامة الرشيدي، “مصر: السياسات الإعلامية بعد 3 يوليو 2013″، مرجع سابق.
(27) “تفاصيل استحواذ المخابرات العامة على إعلام المصريين”، مدى مصر، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2rUGTPN.
(28) المرجع السابق.
(29) “تحركات جديدة في الإعلام: تنقلات للمذيعين.. وإلغاء الإعداد المركزي”، المنصة، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2r01Us7.
(30) “انفراد بالمستندات.. مدير مكتب السيسي عضو مجلس إدارة ومؤسس بشبكة DMC”، الخليج الجديد، 8 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019(: https://bit.ly/2M2u7pz.
(31) “كيف أصبحت ابنة رئيس المخابرات أفضل مذيعة في مصر؟”، الجزيرة مباشر، 25 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://f24.link/Ri8LH.
(32) “عودة إلى زمن مبارك: الإعلام في قبضة المـخابرات”، الأخبار اللبنانية، 15 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/36LStM9.
(33) “شركة فالكون.. إمبراطورية أمنية تمددت نحو الإعلام”، الجزيرة نت، 10 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2LZQQSQ.
(34) “السيسي يوسع حملة التضييق لتشمل خصمًا جديدًا.. المسلسلات التليفزيونية”، مرجع سابق.
(35) “عربي21” ترصد بالأسماء.. 35 جنرالًا يتحكمون بـ”إعلام السيسي”، عربي21، 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2ElroTQ.
(36) “العميد محمد سمير.. من المتحدث العسكري لإدارة قناة العاصمة”، بوابة الشروق، 15 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/34u1ZC2.
(37) “Tapes Reveal Egyptian Leaders’ Tacit Acceptance of Jerusalem Move,” New York times, January 6, 2018, “accessed December 30, 2019”, https://nyti.ms/2PSWE1S.
(38) يزيد صايغ، “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري”، مرجع سابق.
(39) “من مصر للعالم كله.. السيسي يعلن إطلاق قناة إخبارية عالمية قريبًا”، صدى البلد، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2PsjyOB.
(40) “السيسي: الإعلام يكلفنا 6 مليارات جنيه ومردوده 3 مليارات فقط”، صدى البلد، 21 يوليو/تموز 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2Praidm.
(41) “رئيس “الوطنية للصحافة”: ديون المؤسسات القومية بلغت 19 مليار جنيه”، اليوم السابع، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2017، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/35r2DS8.
(42) “القبض على إمبراطور الإعلام المصري.. والتهمة غريبة”، إيلاف، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/34pzfdp.
(43) “غضب إماراتي على الإعلام المصري: الانسحاب قريب؟”، الأخبار اللبنانية، 4 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2RXvhq0.
(44) المرجع السابق.
(45) أنشودة “إحنا شعب وانتو شعب”، يوتيوب، 10 سبتمبر/أيلول 2013، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2M2Wd3J.
(46) “أحمد موسى: متظاهرو “جمعة الأرض” خونة وعملاء”، فيتو، 16 أبريل/نيسان 2016، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://f24.link/pV0zd.
(47) “بعت نفسك بكام يا خاين.. قصيدة جديدة لإسلام خليل لفضح العملاء والخونة”، اليوم السابع، 1 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://f24.link/qHk9d.
(48) “اعترافات لأشخاص أجانب وعرب يقومون بتصوير ارتكازات أمنية ونقل المعلومات عن مصر والتحريض ضدها”، برنامج الحكاية، يوتيوب، 24 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2020): https://f24.link/QCGMH.
(49) “الرئيس السيسي: الإساءة للجيش والشرطة خيانة عظمى.. ولن أسمح لأحد بالإساءة”، 1 مارس/آذار 2018، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2svKR1o.
(50) “شاهد تسريب مكتب السيسي عن الإعلاميين كاملًا”، عربي 21، 19 يناير/كانون الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/3bgTUV5.
(51) “مانشيت “مصر تستيقظ الآن” في 11 جريدة.. صحافة دي ولا احتفال؟”، مصراوي، 16 مارس/آذار 2015، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://f24.link/7H80a.
(52) “الجيش مصدر الثقل”… المانشيت الموحد يعود مجددًا للصحف المصرية”، العربي الجديد، 15 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://f24.link/nHBtc.
(53) “السيسي يوسع حملة التضييق لتشمل خصمًا جديدًا.. المسلسلات التليفزيونية”، مرجع سابق.
(54) “هل فقد الشباب العربي الثقة في الإعلام الرسمي؟”، بي بي سي، 25 يونيو/حزيران 2019، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bbc.in/34yrguY.
(55) Melvin Lawrence DeFleur, Sandra Ball-Rokeach, Theories of Mass Communication (New York: Longman Inc, 1989), 240-253.
(56) Alvin Toffler, Power shift: Knowledge, Wealth, and Power at the Edge of the 21st Century (New York: Bantam Books, 1990).
(57) Ray Eldon Hiebert, et al., Mass Media: An Introduction to Modern Communication (New York: David McKay Company, 1974).
(58) محمد عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، ط 3 (القاهرة، عالم الكتب، 2004) ص 207.
(59) يزيد صايغ، “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري”، مرجع سابق.
(60) “كاتبة تكشف اجتماع المخابرات بها لتغير موقفها من السيسي”، القدس العربي، 21 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2RYBAcR.
(61) “تفاصيل استحواذ المخابرات العامة على إعلام المصريين”، مرجع سابق.
(62) عبد الحميد، نظريات الإعلام واتجاهات التأثير، مرجع سابق، ص 201.
(63) محمد مرسي، “سوسيولوجيا إعلام الثورات العربية بالمهجر: الوظائف وسرديات الخطاب”، مركز الجزيرة للدراسات، 12 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2suazDr.
(64) “إبسوس تضع مكمِّلين الإخوانية ضمن الأعلى مشاهدة في رمضان”، الوطن، 11 يونيو/حزيران 2016، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2PuBOXm.
(65) “كارثة في تقرير “إبسوس”.. المشاهد المصري يشاهد قنوات معادية للنظام في مصر”، الفجر، 2 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2tpPxq5.
(66) “السيسي: عبد الناصر كان محظوظ (محظوظًا)”، المصري اليوم، 5 أغسطس/آب 2014، (تاريخ الدخول: 30 ديسمبر/كانون الأول 2019): https://bit.ly/2YUWyuB.