ملخص
منذ سقوط نظام صدام حسين، عام 2003، والاقتصاد العراقي يعاني من أزمة هيكلية عميقة، تتمثل في استمرار الاعتماد الكلي على النفط مصدرًا وحيدًا للموازنة العامة، إضافة إلى تفشي الفساد والمحاصصة السياسية والعجز المالي، كما تعاني الدولة العراقية حاليًّا من تراكم الديون الخارجية، وعدم وجود إستراتيجية وطنية لتطوير قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية، فضلًا عن تراجع دور القطاع الخاص في الاستثمار والتنمية. وكل تلك الأزمات تشكل عقبات رئيسية أمام الإصلاح الهيكلي للاقتصاد العراقي.
الكلمات المفتاحية: الإصلاح الاقتصادي، التحديات السياسية، التحديات القانونية، التحديات الإدارية، القطاع الخاص.
Abstract
Since the fall of Saddam Hussein’s regime in 2003, the Iraqi economy has suffered from a deep structural crisis, characterised by continued total dependence on oil as the sole source of the state budget, along with the spread of corruption, political quota-sharing and fiscal deficits. The Iraqi state is also currently burdened with the accumulation of foreign debt and the absence of a national strategy for developing the agricultural and manufacturing sectors, in addition to the declining role of the private sector in investment and development. All of these crises constitute major obstacles to the structural reform of the Iraqi economy.
Keywords: economic reform, political challenges, legal challenges, administrative challenges, private sector.
مقدمة
يعاني الاقتصاد العراقي منذ عقود من أزمة هيكلية عميقة، تعود جذورها إلى الاعتماد الكلي على النفط، وتراكم الإرث الاشتراكي، وانتشار الفساد والمحسوبية. هذه الأزمة تفاقمت بفعل الصدمات الخارجية مثل الحروب والعقوبات الاقتصادية، وتراجع أسعار النفط. ورغم مرور سنوات على سقوط نظام الرئيس صدام حسين، وتبني سياسات إصلاحية متتالية، إلا أن الاقتصاد العراقي ما زال يعاني من أزمة عميقة، يتمثل أبرز ملامحها في استمرار الاعتماد الكلي على النفط، وتفشي الفساد والمحاصصة السياسية والعجز المالي، وتراكم الديون، وعدم وجود إستراتيجية وطنية لتطوير قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية كمصادر دخل بديلة عن النفط، فضلًا عن تراجع دور القطاع الخاص في الاستثمار والتنمية.
ومنذ عام 2014، دخل العراق بأزمة اقتصادية حقيقية، بسبب تضافر إرهاب داعش وتراجع أسعار النفط عالميًّا، وقد تكررت الأزمة الاقتصادية في الربع الأول من عام 2020؛ حيث هددت بانهيار النظام الاقتصادي للبلاد، واضطرت بموجبها حكومة رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، إلى الاقتراض أكثر من مرة، لسد النفقات التشغيلية بما فيها رواتب الموظفين.
في ظل تدهور الأوضاع المالية للعراق، تم تشكيل تحالف دولي في لندن، عام 2020، بهدف دعم الحكومة العراقية في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي طموح، يشمل تعويم العملة وإصلاح النظام الضريبي والجمركي، وذلك للحد من الفساد وتحقيق الاستقرار المالي. وأصدر التحالف حزمة توصيات بينها تعويم العملة العراقية، وإجراء إصلاحات جذرية في النظام الضريبي والجمركي، وبما يضيِّق من قنوات الفساد المستشري في مؤسسات الدولة. وتم تشجيع الحكومة العراقية على إحياء أجندتها للإصلاح الاقتصادي، باستخدام عائدات النفط المتزايدة، للاستثمار في مستقبل العراق على المدى الطويل، وعلى وجه التحديد في مجال تحسين البنية التحتية وتوفير المياه والكهرباء والتنمية البشرية، والتحول إلى مصادر الطاقة البديلة. إلا أن الواضح أن تبني نظام المحاصصة الطائفية والعرقية لتقاسم السلطة، واستشراء الفساد المالي والإداري، وإسناد المناصب السيادية على أساس الولاء الحزبي وليس الوطني، واستمرار المخططات الإقليمية الرامية لبقاء عجلة التخلف في الاقتصاد العراقي، ما زالت تحول دون اتخاذ القرارات الاقتصادية التي تحقق إصلاحات فعلية في بنية الاقتصاد العراقي.
هدف البحث: يسعى هذا البحث إلى تسليط الضوء على واقع الاقتصاد العراقي، وأهم التحديات السياسية والمعوقات القانونية والإدارية التي تواجه جهود الإصلاح الاقتصادي، التي قامت وتقوم بها الحكومات العراقية بعد عام 2003.
أهمية البحث: يهدف البحث إلى بيان أهمية الإصلاح الاقتصادي لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، ومعالجة الهدر في الموارد العامة، وتعزيز النمو الاقتصادي بتقليل الاعتماد على النفط، فضلًا عن توفير بيئة استثمارية آمنة، لتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية، وبما يعزز فرص العمل للشباب وتقليل البطالة، إضافة إلى تطوير نظام إداري شفاف وقادر على مكافحة الفساد.
فرضية البحث: إن القضاء على التحديات السياسية وتقليل العقبات القانونية والإدارية كفيل بتحقيق منهج متكامل للإصلاح الاقتصادي، يؤدي بالنتيجة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي ويخلق نوعًا من الشفافية والتعامل الدولي الآمن مع قطاعات مهمة من الاقتصاد الوطني.
تقسيمات البحث: سيعالج البحث موضوع الإصلاح الاقتصادي وأبعاده وضروراته الواقعية، وأهم التحديات التي تواجهه وفي مقدمتها التحديات السياسية والمتمثلة بالانقسام السياسي وتأثيره على اتخاذ القرارات الاقتصادية. كما سيناقش البحث المعوقات القانونية والمتمثلة بقدم التشريعات الاقتصادية والحاجة لتحديثها، وبما يتوافق مع متطلبات العصر، فضلًا عن غياب التنفيذ الفعال للقوانين الاقتصادية القائمة، بسبب ضعف السلطة السياسية وانقسامها، إضافة إلى تراجع استقلالية القضاء والذي ترك تأثيره على ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.
وأخيرًا يناقش البحث المعوقات الإدارية والمتمثلة بالبيروقراطية والفساد الإداري، ونقص الكفاءات الإدارية بسبب اعتماد شغل المناصب على المحاصصة الحزبية وهجرة الكفاءات الإدارية.
أولًا: الإصلاح الاقتصادي: المفهوم والأبعاد
يُعرَّف الإصلاح الاقتـــصادي بأنه الجهـــود المدروســـة التــي تبـــذلها الدولـــة لمعالجـــة وضـــع میـــزان المدفوعات فیها على الوجه الذي یتماشى مـع تعزیـز فـرص النمـو وزیـادة الكفـاءة فـي اسـتخدام المـوارد. ويكتسب هذا المفهوم أهمية خاصة في الحالة العراقية، نظرًا لما يعانيه الاقتصاد العراقي من اختلالات مزمنة في ميزان المدفوعات واعتماد مفرط على الإيرادات النفطية. ويرتبط الإصلاح الاقتـــصادي بمعالجة اخـتلالات ومـشكلات تحتـاج إلى برنـامج لتـصحیحها، وعلـى رأس هــذه المــشكلات اعتماد الناتج القومي على سلعة واحدة للتصدير، وارتفاع المدیونیــة ومعــدلات التــضخم، واخــتلال الهياكل الإنتاجية وضــعف الإنتاجــية(1)، وهي مظاهر تنطبق إلى حدٍّ كبير على واقع الاقتصاد العراقي خلال العقود الأخيرة، إضافة للمشكلات الاقتصادية المتمثلة بالبطالة وتباين مستوى الدخل بين السكان، وتباين مستويات التنمية الإقليمية، والمشكلات الاجتماعية كالفقر والعنصرية والهجرة والنزوح والتي تعد من أبرز التحديات التي تواجه صنَّاع القرار في العراق. كما يمكن القول: إن الإصلاح الاقتصادي يُعنى بالبدء بعملية إصلاح شاملة تستهدف تحسين أسلوب تعبئة الموارد وتخصيصها، لغرض تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية والحاجة الاجتماعية على وجه أفضل من ذي قبل، من أجل تصحيح المسار الاقتصادي وتحقيق التوازنات الاقتصادية لغرض تحقيق النمو الاقتصادي(2).
ويتمثل أهم الأهداف التي يسعى صنَّاع القرار إلى تحقيقها من وراء البدء بعملية الإصلاح في تطوير القطاع الخاص، وتعزيز الإنتاجية، وتقليص البطالة، ومكافحة الفقر، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحديث البنية التحتية، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتوزيع عادل للثروة وتوطين التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها في زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وخلق مناخات استثمارية آمنة ومناسبة وجاذبة للاستثمارات الاجنبية، وتحقيق العدالة في المستويات المعيشية بين المواطنين عبر دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وفرض الضرائب على ذوي الدخول العالية(3).
وتبرز هذه الأهداف بقوة ضمن الخطط الحكومية المتعاقبة في العراق، خاصة بعد عام 2003، في ظل الحاجة إلى إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس سليمة ومستدامة. وأخيرًا، فإن من أهم اشتراطات الإصلاح الاقتصادي تحسين أداء القطاع المالي والنقدي والمصرفي كونه يشكِّل جوهر الإصلاح الاقتصادي، وهو يهدف إلى إيجاد أنظمة مالية ومصرفية سليمة وتنافسية، تحقق الاستقرار الاقتصادي وتسرِّع من وتيرة التنمية وتمكِّن الاقتصاد من التكيف مع الصدمات الخارجية والاندماج في السوق العالمية(4)، وهو ما يسعى إليه العراق من خلال التشريعات والإصلاحات الجارية في القطاع المصرفي وتحديث السياسات النقدية.
يعتمد نجاح الإصلاح الاقتصادي على مدى قدرة النظام السياسي على وضع رؤية واضحة للإصلاح، وكفاءة الكوادر الفنية المسؤولة عن تنفيذ الإصلاحات، وقبول المجتمع بشكل عام، وخاصة الشرائح الأكثر تأثرًا بالإصلاحات، للتغييرات التي تشملها(5)؛ حيث في الغالب تقف الشرائح الاجتماعية المهمشة والفقيرة بوجه أي عملية إصلاح أو تحول اقتصادي تزيد من معاناتها الاقتصادية، وخصوصًا إذا ارتبطت سياسات الإصلاح بشروط قاسية تفرضها المؤسسات الدولية وفي مقدمتها البنك وصندوق النقد الدوليين(6). وهي تجربة مرَّ بها العراق فعليًّا خلال طلبه الدعم من هذه المؤسسات في مراحل مختلفة.
وقد بات من المعلوم أن نجاح أي سياسات إصلاحية لابد أن يرتبط بسياسات التكيف الهيكلي للاقتصاد الوطني، والتي يفرضها البنك وصندوق النقد الدوليان، عبر الاستشارات الفنية أو القروض المالية التي يقدمها والتي يقابلها التزام الدول بتطبيق مجموعة من القضايا، في مقدمتها: تقليل الإنفاق في القطاع العام، وهيكلة المشاريع العامة المتلكئة، بهدف سدِّ العجز في الموازنة العامة، وإصلاح المؤسسات المالية وفقًا للمعايير الدولية، بهدف فسح المجال أمام دخول الاستثمارات الأجنبية(7)، وهي سياسات طُبِّقت جزئيًّا في العراق مع ما صاحبها من تحديات اجتماعية وسياسية.
وعادة ما تسعى الحكومات من خلال عمليات الإصلاح الاقتصادي إلى تحقيق جملة من الأهداف لعل أهمها:
- معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني والناجمة عن عومل داخلية مثل خفض العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات وتخفيض مستويات المديونية، والتضخم في الأسعار وارتفاع مشكلة البطالة(8).
- معالجة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الوطني والناجمة عن عومل خارجية مثل تراكم الديون الخارجية وعدم القدرة على جدولتها وتذبذب أسعار صرف العملة الوطنية.
- خلق مناخ اقتصادي وسياسي مناسب للاستثمار الأجنبي عبر تقديم تسهيلات ضريبية ورفع معدلات الادخارات المحلية.
- تحسين أداء القطاع العام من خلال ترشيق هيكلته وتحديد توجهاته، وتصفية الشركات المتلكئة، وفسح المجال للقطاع الخاص ليكون شريكًا أساسيًّا في التنمية.
- زيادة كفاءة النظام المصرفي والاستقرار المالي، عبر إدخال الحوكمة وزيادة ربطه بحركة المال والأسواق العالمية.
- القضاء على البطالة ومشكلة الفقر عبر تحسين دخول العوائل الفقيرة، من خلال شبكة الحماية الاجتماعية ودفعات الطوارئ، ورفع مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي(9).
ولابد لأي دولة تتقدم للمؤسسات الدولية بطلب الإصلاح والتكيف الهيكلي للاقتصاد، أن تتعهد بالالتزام بمجموعة من الشروط، أهمها(10):
- تعزيز دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية، من خلال توفير بيئة استثمارية جاذبة وإزالة المعوقات القانونية والبيروقراطية.
- الانتقال إلى اقتصاد السوق، وتشجيع المنافسة الحرة، وإلغاء الدعم الحكومي للأسعار، والعمل على تحقيق التوازن المالي.
- تنفيذ إصلاحات هيكلية في النظام الاقتصادي، بما في ذلك إلغاء الدعم الحكومي وتحقيق الاستدامة المالية.
- إلغاء الحواجز الجمركية وغير الجمركية أمام الواردات، وتشجيع المنافسة بين المنتجات المحلية والمستوردة.
- نقل ملكية الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة إلى القطاع الخاص.
- تبني سياسات تشجع على زيادة الصادرات وتنويع القاعدة التصديرية.
ثانيًا: الإصلاح الاقتصادي في العراق: الأسباب والضرورات
أنتج التغيير السياسي في العراق، عام 2003، واقعًا جديدًا على الاقتصاد العراقي، تمثل بالاتجاه نحو اقتصاد السوق الحرة، عقب عقود طويلة من التأرجح ما بين التخطيط الاقتصادي المركزي ورأسمالية الدولة، والانسحاب من بعض القطاعات الاقتصادية وفسح المجال أمام الاستثمار الخاص وشخصيات أو جهات سياسية معينة(11). وقد فرضت ظروف الحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988، والحصار الاقتصادي الذي فُرض إثر غزو الكويت، عام 1990، شكلًا مؤثرًا من العزلة الاقتصادية عن التطورات الاقتصادية العالمية، تسبب في تبني أنماط اقتصادية رثَّة وهجينة، لم تتمكن من انتشال المواطن العراقي من حالة الفقر والعوز التي عاناها طوال مرحلة الحصار الاقتصادي، ولم تتمكن من تطوير الاقتصاد العراقي ليسهم بشكل فاعل في التنمية الشاملة(12).
وبعد تغيير النظام السياسي، في أبريل/نيسان 2003، باتت عملية تغيير نمط التفكير الاقتصادي، ضرورة أميركية ملحَّة تتماشى مع الشعارات التي رفعها الاحتلال الأميركي حول أحقية الشعب العراقي في الحرية والديمقراطية بعد سنوات من الديكتاتورية والفقر والحرمان(13). وعليه، فرضت سلطات الاحتلال الأميركي، بعد عام 2003، نموذجًا اقتصاديًّا جديدًا في العراق، يعتمد على مبادئ اقتصاد السوق الحرة عبر تحرير الأسواق، وتشجيع الاستثمار الخاص، وخصخصة الشركات الحكومية. كما تم إلغاء العديد من القيود المفروضة على النشاط الاقتصادي؛ مما سمح بدخول الشركات متعددة الجنسيات إلى السوق العراقية(14).
وبهدف تثبيت المنهج الاقتصادي الجديد، انخرطت الحكومة العراقية، بعد عام 2003، في عقد سلسلة من الاتفاقيات مع صندوق النقد والبنك الدوليين، في محاولة لإيجاد حلول جذرية للمشكلات الاقتصادية التي تمثلت بانخفاض إنتاج القطاعات الزراعية والصناعية، واستمرار الريعية الاقتصادية بالاعتماد شبه الكامل على الإيرادات النفطية، وتدهور الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والنقل، وارتفاع الأسعار، وتراجع مساهمة القطاعين العام والخاص في الناتج المحلي الإجمالي. وقد أشار صندوق النقد الدولي في خطاب النوايا الموقع من الحكومة العراقية، بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول 2004، إلى أن: “الاقتصاد العراقي يعاني من آثار عقود من الصراعات، وهيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي والسياسي، وغياب الاستثمار في القطاعات الاجتماعية الحيوية، إضافة إلى أكثر من عقد من العزلة الدولية… ورغم التحديات الأمنية المستمرة، فقد بدأنا بتنفيذ أجندة سياسية طموحة، تشمل تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي؛ مما سيُسهم في تهيئة الانتقال نحو اقتصاد أكثر انفتاحًا على السوق”(15). وقد دفعت أزمة الديون الخارجية، إلى جانب ترهل القطاع العام بسبب البطالة المقنَّعة، الحكومة العراقية للدخول في مفاوضات مع مجموعة نادي باريس لإعادة هيكلة الديون. ونتيجة لهذه المفاوضات، وافقت 19 دولة من أعضاء نادي باريس، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، على إلغاء 80% من ديون العراق المستحقة لها، والتي بلغت 38.9 مليار دولار(16)، على ثلاث مراحل:
- إلغاء فوري بنسبة 30% (حوالي 11.6 مليار دولار).
- إلغاء إضافي بنسبة 30% بعد توقيع العراق برنامجًا مع صندوق النقد الدولي.
- إلغاء نهائي بنسبة 20% بعد إكمال العراق تنفيذ البرنامج بنجاح لمدة ثلاث سنوات(17).
وبذلك، بقي 7.9 مليارات دولار فقط من أصل ديون نادي باريس، تُسدَّد خلال فترة تصل إلى 23 عامًا، مع فترة سماح تبلغ ست سنوات(18). ويُذكر أن هذه الاتفاقية لا تشمل بقية الديون العراقية، والتي بلغ مجملها نحو 120-130 مليار دولار، منها مستحقات لدول خارج النادي مثل دول الخليج والصين(19).
في فبراير/شباط 2018، وبعد عام على تحرير محافظات غرب وشمال العراق من قبضة تنظيم داعش، نظَّمت الحكومة العراقية، بالتعاون مع البنك الدولي، مؤتمر المانحين في الكويت. كان الهدف من هذا المؤتمر هو حشد الدعم الدولي لإعادة إعمار المناطق التي دمرها تنظيم داعش، وتأمين التمويل اللازم لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الأساسية، وتحفيز النمو الاقتصادي. وقد أعلنت الحكومة العراقية عن قائمة تضم 60 مشروعًا ضخمًا تتطلب استثمارات تصل إلى 88 مليار دولار أميركي، تغطي قطاعات مثل الطاقة، والنقل، والإسكان، والمياه والصرف الصحي(20). كان من نتيجة ذلك أن وعد المانحون العراق بتقديم (30) مليار دولار أغلبها على شكل استثمارات وتسهيلات ائتمانية. وقد اشترط المانحون، بما في ذلك مؤسسات دولية كصندوق النقد والبنك الدوليين والوكالات متعددة الأطراف، اتخاذ خطوات إضافية من قبل الحكومة العراقية لضمان تحسين بيئة الاستثمار ومنع استخدام الأموال في غير أهدافها أو تبديدها نتيجة الفساد أو ضعف الكفاءة. وركزت هذه الشروط على ضرورة تبني إجراءات مثل تعزيز الشفافية في المشتريات والمناقصات الحكومية، ورفع كفاءة الحوكمة المالية، وضمان آليات محاسبية فعَّالة(21).
كما أكد المانحون أهمية زيادة مصادر الدخل البديلة لتمويل الخزينة العامة، وهي نقطة حرجة في العراق الذي يعتمد بشكل شبه حصري على العوائد النفطية. وشمل ذلك مقترحات لتحفيز الاستثمار في القطاع السياحي، لاسيما المناطق ذات القيمة التراثية والطبيعية الكبيرة، وتشجيع تحويلات العائدين العراقيين من الخارج أو المغتربين وتحويل جزء منها إلى داخل العراق كمصدر للدخل والاستثمار، بالإضافة إلى فكرة إنشاء صندوق سيادي محلي، ليكون بديلًا داعمًا لاستقرار الاقتصاد الوطني بعيدًا عن تقلبات النفط(22). وكما كانت عليه الحال مع المشاريع الخدمية ومشاريع البنى التحتية التي مُوِّلَت سابقًا من حكومة الولايات المتحدة أو الحكومة العراقية منذ عام 2003. فقد بقي تطبيق الإصلاحات في القطاع العام والقطاع المالي، بالإضافة إلى الحفاظ على مستوى مقبول من الاستقرار أمرًا بعيد المنال نتيجة الانقسام السياسي واستفحال الفساد، ونقص الكفاءات، وعدم الاستقرار الأمني، وعدم وجود رؤية اقتصادية موحدة وواضحة تنقذ البلاد من واقعه المتراجع(23).
غياب الهوية الاقتصادية
لقد كان تعزيز الشراكة مع المجتمع الدولي بهدف الحصول على الدعم الفني اللازم للإصلاح الاقتصادي، ضمن أولويات الحكومات العراقية بعد عام 2003، بهدف تحقيق استقرار المؤسسات المالية والمصرفية وإتاحة الفرصة أمام المؤسسات الدولية لإعداد خطط وبرامج للإصلاح الاقتصادي تتماشى مع متطلبات الاقتصاد الحديث، وفي مقدمتها تقليل الاعتماد على النفط مصدرًا وحيدًا للاقتصاد، وتقليص النفقات في الموازنة العامة، فضلًا عن تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وتبسيط الإجراءات الإدارية ودعم القطاع الخاص الوطني كشريك أساسي في التنمية وبما يدفع إلى توفير فرص للعاطلين عن العمل وتقليل البطالة والفقر(24). ولكن في الحقيقة فإن عمليات الإصلاح الاقتصادي في العراق كانت معقدة وصعبة، حسب وصف رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي(25)، فبالرغم من مرور أكثر من عقدين على التغيير في العراق، فإن شكل الاقتصاد العراقي لم يستقر حتى الآن على هوية واضحة ومستقلة، فالسمات الغالبة على هذا الاقتصاد لا تزال تمزج بين اشتراكية الماضي ورأسمالية الحاضر، في توليفة غريبة قد تستمر لعقود قادمة، بسبب وجود الكثير من المعوقات والتحديات المالية والسياسية والأمنية والإدارية والتشريعية، التي أخَّرت كثيرًا عملية إصلاح الاقتصاد الوطني والنهوض به مرة أخرى(26)، فالأزمات السياسية والأمنية ما زالت تعصف بالبلاد، والعمليات الإرهابية التي جرت في العراق خلَّفت عشرات الآلاف من القتلى الأبرياء، ودمرت الأسواق وفجَّرت المحلات، وأوقفت النشاطات الاقتصادية والتجارية العامة والخاصة، مما حرم الملايين من الشباب الخريجين من فرص العمل فارتفعت نسبة الفقر في العراق إلى حدود مخيفة(27).
وقد زاد احتلال تنظيم داعش لثلثي أراضي العراق وتهجير ما يزيد عن أربعة ملايين مواطن وحرق مزارعهم وأملاكهم، وتفجير ونهب الأملاك العامة من بنوك ومصانع ومزارع، في زيادة مؤشرات التراجع الاقتصادي، وأسهم انتكاس أسعار النفط في الأسواق العالمية في تراجع إيرادات الخزينة العامة للدولة، كونها تعتمد بشكل أساس على النفط؛ مما اضطر الحكومة لتبني إجراءات تقشفية مؤثرة، منها: اتباع نظام الادخار الإجباري لنصف مرتبات الموظفين، وبدء السحب النقدي من احتياطيات العملة الصعبة، وإلغاء الصرف على الكثير من المشاريع الصناعية والزراعية، وإيقاف شمول العوائل الفقيرة بشبكة الحماية الاجتماعية(28)، والاعتماد على سياسة الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ حيث أعلن وزير المالية، هوشيار زيباري، في 30 مارس/آذار 2016، أن الصندوق وافق بعد مفاوضات جرت في العاصمة الأردنية، عَمَّان، على إقراض العراق 18 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، بهدف دعم الميزانية العامة والبدء بمشاريع تنموية(29)، في حين أشار المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر صالح، إلى أن تلك القروض أُعطيت وفق شروط محددة، أهمها: تقييد مصروفات الحكومة وتعديل بعض سياساتها الاقتصادية وفي مقدمتها وقف التعيينات في القطاع الحكومي لمدة خمس سنوات(30).
على الرغم من الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة العراقية، إلا أن الغضب الشعبي انفجر في مختلف المحافظات، ولاسيما في الجنوب حيث شهدت محافظتا البصرة والناصرية احتجاجات واسعة. كان هذا الغضب مدفوعًا بالفساد المستشري، وتردي الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، وارتفاع معدلات البطالة، وعدم وجود فرص متساوية. وقد طالبت الاحتجاجات بتغيير النظام السياسي أو تعديل مساره الديمقراطي، ومحاسبة الفاسدين، وتحسين الخدمات، وتوفير فرص العمل للشباب(31).
وإزاء ضعف الحكومات العراقية اللاحقة في معالجة الأزمات الاقتصادية والمالية المستفحلة، كانت احتجاجات وتظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، في بغداد، الأعنف من بين عمليات الاحتجاج التي مارسها الشعب العراقي ضد السياسات الحكومية، فقد راح ضحيتها ما يزيد عن 2000 قتيل، و28 ألف جريح، تلخصت مطالبهم في تحسين الواقع المعيشي للطبقات الفقيرة، وإصلاح الواقع الاقتصادي للبلاد، من خلال إعادة تشغيل المصانع المتوقفة واستيعاب العاطلين عن العمل، وتنشيط ودعم القطاع الزراعي، ووقف الفساد المالي المستشري في مؤسسات البلد ومحاسبة السياسيين الفاسدين، ووقف نزيف العملة المهربة إلى الخارج ، وتحسين الخدمات المصرفية(32).
لقد عجَّلت هذه الاحتجاجات بعملية الإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي، ولكنها لم تغير من الواقع السياسي والاقتصادي الهش، الذي ظل يعانيه العراق -ولا يزال- في ظل حكومة مصطفى الكاظمي، وخَلَفه، محمد شياع السوداني، فحتى لو كانت هناك جدية من بعض الحكومات العراقية في مكافحة الاختلالات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد العراقي، إلا أن العقبات الأساسية التي تواجه عملية التعافي والإصلاح للاقتصاد العراقي استمرت وفي مقدمتها، بالطبع، الفساد والاعتماد المفرط على النفط كسلعة أساسية في تمويل الموازنة العامة للدولة؛ مما يضع الاقتصاد العراقي في قلب التقلبات وعدم الاستقرار في أسعار النفط العالمية(33). ولا شك أن كل هذه الاختلالات تُظهر مدى هشاشة النظام الديمقراطي الذي أقيم في العراق بعد عام 2003، وضعف مؤسساته وعدم قدرته على الانتقال بالبلاد إلى واقع اقتصادي ومعيشي أفضل مما كان سائدًا قبل عام 2003.
والواضح أن هناك إجماعًا داخل النظام السياسي ما بعد 2003، على بقاء الواقع الاقتصادي القائم على الفساد والمحاصصة والزبائنية السياسية والريعية في الاقتصاد العراقي. ففي الاقتصاد الريعي تلعب الحكومة دورًا مهيمنًا في تحديد السياسات الاقتصادية وتوزيع الثروة؛ مما يضعف القطاع الخاص ويعزز الفساد؛ إذ غالبًا ما تكون الشراكات بين القطاع الخاص والحكومة مشبوهة وتخدم مصالح فئة قليلة. بالإضافة إلى ذلك، يهيمن الاقتصاد غير الرسمي على الأنشطة الاقتصادية؛ مما يعقِّد عملية التخطيط الاقتصادي ويصعِّب محاربة الفساد. هذا الوضع يؤدي إلى توزيع غير عادل للدخل، واعتماد اقتصادي هش، وتقويض للمؤسسات الديمقراطية الناشئة(34).
ثالثًا: طبيعة المعوقات السياسية للإصلاح الاقتصادي
شكَّل قيام نظام سياسي مستند على المحاصصة الطائفية والقومية، وما تمخض عنه من صراع سياسي وحزبي على السلطة، وانتشار للميليشيات وللسلاح المنفلت، أساسًا لتدهور الأداء الحكومي في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال الاقتصادي؛ حيث أسهم هذا النظام في زيادة الاستقطاب السياسي وارتفاع مؤشرات الفساد المالي والضعف الإداري، وتقويض سياسات الإصلاح الاقتصادي؛ مما أعاق خطط التنمية الوطنية(35)، وعطَّل أي توجه حقيقي لمعالجة الخلل البنيوي في الاقتصاد العراقي.
ويمكن هنا أن نبرز أهم نقاط التأثير المباشر للمحاصصة السياسية على عملية إصلاح الاقتصاد العراقي:
- ضعف الحوكمة وتفشي الفساد
لقد انفردت الأحزاب والكتل السياسية التي حكمت العراق بعد عام 2003، باستغلال نظام المحاصصة، لتوزيع المناصب والامتيازات بينها، بناءً على الانتماءات الطائفية أو القومية بدلًا من الخبرة والكفاءة والنزاهة، وقد دفع ذلك إلى استشراء المحسوبية والفساد وتخادم واضح بين الأحزاب للتغطية على الفاسدين بغضِّ النظر عن الانتماء الطائفي والقومي. وقد أدى الفساد وتراكم المظالم الشعبية وعدم الكفاءة وغياب أي وسيلة للانتصاف، إلى توفير بيئة خصبة لنمو الإرهاب في العراق وتفكيك التلاحم المجتمعي مع الدولة(36).
و(المحاصصة) هي الوصف الذي عُرفت به العملية السياسية في العراق بعد الغزو الأميركي وسقوط النظام السابق، عام 2003، وجاءت مفردة (المحاصصة) من توزيع (حصص) السلطة والنفوذ في مرافق الدولة بين المكونات المختلفة داخل المجتمع العراقي، على وفق آلية سياسية فرضتها سلطة الاحتلال الأميركية هي (التوافق)، وهي آلية سياسية معروفة للحكم، لكنها في حالة العراق، لم تطبَّق بطريقة مناسبة، وتعرَّض نظام المحاصصة بكامله الانتقادات الشديدة من داخل النظام السياسي ذاته ومن خارجه لسوء إدارته والاحتيال عليه. وقد تسببت (المحاصصة) بمشكلات جوهرية في بناء الدولة ووحدة المجتمع من بينها تسلم شخصيات فاسدة وغير مهنية مناصب عليا في الدولة العراقية، وهيمنة المحسوبية والفساد وتقاسم الموارد والنفوذ بين قوى السلطة، على حساب التنمية الاقتصادية الحقيقية؛ مما انعكس على تصاعد السمعة السيئة للوضع السياسي والإداري للعراق على المستوى العالمي.
وقد ذكرت الممثلة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، في تقريرها إلى مجلس الأمن الدولي، في أغسطس/آب 2022: (إن الطبقة السياسية والحاكمة في بغداد فشلت حتى الآن في وضع المصلحة الوطنية فوق أي شيء آخر… وإن المصالح الحزبية والخاصة تُبعد الموارد عن استثمارات مهمة في التنمية الوطنية)(37).
ولا ينكر المسؤولون العراقيون وجود فساد مستشر في مفاصل الدولة المختلفة وصل إلى المؤسسات الأمنية؛ فقد كشف رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، في سبتمبر/أيلول 2014، عن وجود نحو 50 ألف جندي وهمي في سجلات وزارة الدفاع العراقية يتلقون رواتبهم دون أن يكون لهم وجود على أرض الواقع، واعتبر أن “أخطر فساد ما هو موجود في المؤسسة الأمنية”(38). وفي أغسطس/آب 2015، كشف عادل عبد المهدي، الذي كان يشغل حينها منصب وزير النفط، أن الموازنات العراقية منذ 2003 ولغاية 2015 بلغت 850 ملیار دولار، وأن الفساد في العراق أهدر 450 ملیار دولار، مضيفًا أن استغلال المناصب من جانب المسؤولين لمصالح خاصة كلَّف الدولة 25 ملیار دولار(39). ولا شك أن السبب الأول لانتشار الفساد إنما يكمن في غياب الحوكمة والرقابة على الأداء وضعف تطبيق القانون؛ الأمر الذي دفع إلى تراجع مستويات التنمية.
- الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي
بعد الغزو الأميركي، عام 2003، تصاعدت أعمال الإرهاب التي نفذتها جماعات مسلحة مختلفة؛ مما أدى إلى تفجير مصانع وأسواق ومنشآت اقتصادية وقتل وإعاقة آلاف المواطنين، وفقدان مصادر أرزاقهم. هذه الظروف أجبرت أيضًا الكثير من رجال الأعمال والمستثمرين على إيقاف نشاطاتهم الاقتصادية وأعمالهم التجارية والهجرة إلى إقليم كردستان أو خارج العراق، مثل مئات الآلاف أو الملايين من العراقيين، بحثًا عن ملاذات آمنة، وجرى بالتالي تسريح آلاف العمال مما أسهم في زيادة نسب البطالة والفقر وخلق ضغطًا على سوق العمل وارتفاعًا في معدلات الجريمة والفقر والتسول(39).
أما من بقي من سكان المناطق المضطربة أمنيًّا، فقد اختاروا العزوف عن العمل خوفًا من القتل أو التهجير، وأرغمت الظروف المعيشية الصعبة، والإغراءات المالية، وضعف المصدات الأيدلوجية، بعضًا من الشباب الفقراء على الانضمام للتنظيمات المسلحة بحثًا عن مصدر رزق مستدام(40). وإزاء الفراغ الذي خلَّفته هجرة الصناعيين والمستثمرين والرأسماليين، نمت في العراق طبقة اقتصادية طفيلية استغلت أوضاع العنف والفوضى، تعتاش على المكاسب السريعة والصفقات التجارية المشبوهة ومن أموال الفساد المالي الضخمة، وتشكلت غالبية هذه الطبقة من شخصيات غير معروفة في الوسط التجاري والمالي، ولكنها انخرطت في علاقات مشبوهة مع الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة بهدف الحصول على عقود في مجالات اقتصادية معينة تدرُّ مكاسب مالية وفيرة، دون أن تنتج عوائد تنموية(41). والمتفحص للواقع الاقتصادي والتجاري في العراق، يجد أن أكثر العقود والاستثمارات تتركز في مشاريع سريعة الربح، كالمطاعم والفنادق والبنوك الخاصة والمجمعات السكنية، والتي غالبًا ما يكون للأحزاب والجماعات المسلحة دور مباشر في تنفيذها وإدارتها عبر مكاتبها الاقتصادية، وإذا نشب خلاف بين الأطراف، يُحسم في الغالب عبر المواجهات المسلحة. وقد أدى استمرار العنف والإرهاب والصراع على السلطة إلى أزمات سياسية لا يزال العراق يعاني آثارها حتى اليوم(42). كل ذلك أسهم في خلق بيئة غير مستقرة طاردَة للاستثمار، وأضعفت قدرة الدولة على التخطيط الاقتصادي واتخاذ قرارات اقتصادية طويلة الأمد أو تنفيذ إصلاحات هيكلية مؤثرة في الاقتصاد العراقي.
- ضعف الحمائية التجارية
تسبب ضعف وربما غياب قوانين وإجراءات الحمائية الاقتصادية، في تراجع الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي، وانهيار المشاريع الخاصة المتوسطة، وخسارة المشاريع الحكومية الكبيرة، وغياب الاستثمار في هذه المجالات، والتركيز بدلًا من ذلك على ميادين الترفيه الاستهلاكي والخدمات.
وقد كان من بين مظاهر غياب الحمائية، فتح الأسواق العراقية للمنتجات الأجنبية بكافة أصنافها، وفي المقدمة منها المنتجات الواردة من تركيا وإيران، دون الاهتمام في كثير من الأحيان بالنوعية. لقد كان استمرار واقع الفوضى الاقتصادية في العراق مفيدًا للدول المصدِّرة من أجل استدامة تصدير منتجاتها إلى السوق العراقي المنهك(43).
وقد بلغت صادرات تركيا إلى العراق 13 مليار دولار أميركي، عام 2024، فيما قام العراق بتصدير ما يعادل نحو 1.83 مليار دولار أميركي إلى تركيا في نفس العام وفقًا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية (COMTRADE)، وقد شملت واردات العراق من تركيا قائمة واسعة من المنتجات، لكن ما جاء على رأس قائمة الواردات، كان اللؤلؤ والأحجار الكريمة والعملات المعدنية، وبمبلغ يزيد عن مليار دولار(44). إن الخلل في الميزان التجاري بلغ أكثر من 11 مليار دولار لصالح تركيا، لكنه عدا ذلك اشتمل أيضًا على منتجات غذائية واستهلاكية لم يكن من المعقد إنتاجها داخل العراق.
أما التبادل التجاري بين العراق وإيران، فقد وسَّعت إيران حضورها السياسي والاقتصادي في العراق منذ العام 2003 وأصبحت صادرات الطاقة ركيزةً أساسيةً لهذا النفوذ. فمن صادرات غير نفطية متواضعة بلغت 145 مليون دولار عام 2005، تضخمت صادرات إيران السلعية إلى العراق إلى 11.9 مليار دولار عام 2024؛ ما يُمثل 20٪ من إجمالي صادراتها غير النفطية. ويستثني هذا الرقم صادرات الكهرباء والغاز الطبيعي إلى العراق العام الماضي، والتي بلغت حوالي 3 مليارات دولار. واقترب إجمالي صادرات إيران إلى العراق من 130 مليار دولار على مدى 20 عامًا -أي ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي للعراق وثلث الناتج المحلي الإجمالي لإيران لعام 2024. في غضون ذلك، ظلت الواردات الإيرانية من العراق ضئيلة -بضع عشرات الملايين من الدولارات سنويًّا قبل العقوبات الأميركية على إيران في عام 2018-، ولم تصل إلا مؤخرًا إلى حوالي 500 مليون دولار، وهو رقم لا يزال هامشيًّا مقارنة بصادرات طهران(45).
لقد تسبب هذا الخلل في الاستيراد وغياب الحمائية وسوء المناخ الاستثماري المحلي والخارجي في ضرب النشاط الاقتصادي في العراق وتعطيله، لاسيما في القطاع الزراعي والصناعي. ومما لا شك فيه أن استمرار دخول البضائع الإيرانية أسهم في ضرب النشاط الاقتصادي في العراق وتعطيله، لاسيما في القطاع الزراعي والصناعي، وهو أمر خطير زاد من جيوش العاطلين عن العمل والمهجَّرين، ورفع من حالة الفقر بين آلاف الأسر المزارعة، وأبطأ من تقدم أي عملية إصلاح اقتصادي حقيقية(46).
- غياب الرؤية الإستراتيجية لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية
الإصلاحات الاقتصادية تتطلب رؤية إستراتيجية موحدة وإرادة سياسية بعيدة عن الصراعات السياسية. وفي ظل نظام المحاصصة، يتم تسييس الكثير من القرارات الاقتصادية مما أخَّر تنفيذ الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد العراقي، مثل تحسين نظام الضرائب، وتطوير البنية التحتية، وإصلاح القطاع العام. لقد بقيت الرؤى السياسية للأحزاب في الغالب هي الحاكمة في إدارة الاقتصاد العراقي، على حساب التوجهات الاقتصادية التي تخدم مصالح الشعب العراقي بشكل عام. لقد أعلنت الدولة التخلي عن التخطيط المركزي وجعلت من التنافس الحر آلية لإدارة الاقتصاد، ولكن نجد على أرض الواقع أن الدولة لا تزال تمارس الدور الرئيس في إدارة الاقتصاد، دون شراكة حقيقية مع القطاع الخاص؛ مما يعني عدم وجود إصلاح اقتصادي حقيقي؛ إذ لا تزال الدولة تهيمن على إنتاج النفط بشكل كامل، ولا توجد رؤية إستراتيجية لاستثمار الطفرة النوعية في أسعار النفط لتنمية القطاعات الأخرى ولا حتى التفكير في استثمار الأموال الفائضة في صناديق سيادية تخدم الأجيال المقبلة(47). ويشير تقرير المرصد الاقتصادي للعراق لعام 2023، والذي حمل عنوان “الضغوط تعاود الظهور: التعافي في العراق على المحك”، إلى أنه ما لم يتم إجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد العراقي، فإن نموذج التنمية الذي يعتمد بشكلٍ أساسي على النفط في العراق، سيعاني معاناة شديدة؛ إذ إن غياب الرؤية الإستراتيجية لتنويع مصادر الدخل بعيدًا عن مداخيل النفط، وتفعيل قطاع الزراعة والصناعة واستثمار حقول الغاز، وتفعيل نظام الضرائب، وتقليل فجوات الفقر عبر تخفيض مرتبات الدرجات العليا ودعم الطبقات الفقيرة، ومنع السياسيين والبرلمانيين من توظيف مناصبهم للحصول على امتيازات واستثمارات عقارية ومالية، كفيل بالحد من مخاطر الصدمات النفطية والضغوط التضخمية والآثار المتزايدة لتغير المناخ وزيادة تقلب أسعار السلع الأولية؛ مما قد يفاقم الاتجاهات الحالية نحو الفقر، ويزيد من انعدام الأمن الغذائي(48).
- العلاقات المتوترة مع إقليم كردستان
أدى التطبيق غير المتوازن للفيدرالية إلى توسيع الفجوة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، الذي يدير قطاع النفط والمالية بشكل منفصل؛ مما أخلَّ بوحدة الموارد والسياسات الاقتصادية. فقد رفض الإقليم لسنوات تسليم حصته من الصادرات النفطية لبغداد، مع الإصرار على الحصول على حصته من الموازنة الاتحادية. هذا التنازع المستمر خلق اختلالًا في التخطيط الاقتصادي ومنع تبني رؤية وطنية موحدة للإصلاح. كما أضعف الثقة بالمركز وأدى إلى تكرار الأزمات المالية ولاسيما أزمة تسليم عائدات البترول المصدَّر من حقول الإقليم، وأزمة تمويل رواتب موظفي الإقليم من قبل الحكومة الاتحادية(49).
- تفشي الفساد في قطاع النفط والموارد
يعتمد العراق في إيراداته العامة بشكل كبير على صادرات النفط. إلا أن إصلاح قطاع النفط وتقليل الاعتماد عليه، بات يخضع لرؤية الأحزاب السياسية، سواء في توزيع المناصب داخل وزارة النفط وشركاتها النفطية العاملة، أو بتحريك ميليشيات مسلحة للهيمنة على بعض الحقول النفطية في بعض المناطق غير المستقرة أمنيًّا، والسيطرة على حركة التصدير(50). وقد باتت السيطرةُ على الموارد النفطية والغازية وإدارتها أحدَ أوجُه التنافس والصراع المعقدة بين الأحزاب السياسية والميليشيات في العراق، وإحدى أهم أدوات الإثراء والفساد في هذا القطاع؛ مما يحرم العراق من الاستفادة القصوى من ثرواته الطبيعية ويؤدي إلى هدر الموارد، ويمنع أي إصلاح حقيقي لهذا القطاع الحيوي(51).
- عدم التنسيق بين السياسات الاقتصادية
مما لا شك فيه أن المحاصصة السياسية تؤدي إلى انقسام في السياسات الاقتصادية؛ حيث إن كل حزب أو مجموعة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة. هذا التشتت في السياسات يؤثر سلبيًّا في القدرة على تنسيق الجهود بين الوزارات المختلفة؛ مما يؤدي إلى تضارب السياسات وضعف الأداء الاقتصادي العام، وضعف تنفيذ المشاريع التنموية الإستراتيجية، خصوصًا في مجالات مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. والمشهد العراقي مليء بالشواهد على تضارب السياسات الاقتصادية وتعارضها، فعلى سبيل المثال، لا تزال عملية حوكمة القطاع المصرفي، وتحديث الخدمات المصرفية، والقيام بالوساطة المالية، وتعزيز الشراكة مع المؤسسات المالية الدولية، تواجه عقبات متعددة ولا تستطيع الحكومة السيطرة عليها، كون عملية الحوكمة ستعيق عمليات غسيل الأموال وتهريب العملة التي تمارسها بعض الجهات السياسية المتنفذة عبر بوابة بيع العملة، كما أن أصول بعض المصارف متحصلة بالأساس من الفساد المالي والإداري(52). وهذا ما انعكس في ضعف النشاط المصرفي وتراجع دور المصارف في التنمية الاقتصادية.
- ضعف الدعم للقطاع الخاص
في ظل هيمنة الدولة على قطاعات كثيرة من الاقتصاد، يعاني القطاع الخاص في العراق من عزلة وتهميش، ففي ظل الوضع الأمني المتدهور والتنازع السياسي بين الأحزاب، وقلَّة الموارد البشرية المؤهلة والمدربة، وانتشار البيروقراطية، فإن قدرة القطاع الخاص على أن يكون شريكًا فاعلًا في التنمية تبقى محدودة، كما أن تدهور البنية التحتية، وعمليات تهريب رؤوس الأموال، وضعف الدعم الحكومي لبيئة اقتصادية تنافسية، واستئثار الأحزاب والجماعات المسلحة بالعقود والمشاريع، يزيد من عزلة القطاع الخاص الوطني، ويفسح المجال لصعود طبقة اقتصادية رثَّة وطفيلية تهيمن على القطاع الخاص لمصالح شخصية وفئوية، ودون هوية تنموية وطنية(53). ويعاني القطاع الصناعي الخاص الذي يضم أكثر من 50 ألف وحدة مصنعية وفي صفوفه قرابة 750 ألف عامل صناعي، من التعطيل شبه الكامل؛ حيث يعمل بأقل من 10 في المئة من نشاطاته وطاقاته التصميمية، يقابله قطاع عام صناعي هو الآخر عاطل بنسبة 80 في المئة ويضم أكثر من نصف مليون عامل؛ مما يبيِّن حجم التهميش الذي يعانيه القطاعان، الخاص والعام، على حدٍّ سواء في التنمية وحل مشكلات البطالة والفقر في العراق(54).
- توزيع غير عادل للثروات
لقد فرض نظام المحاصصة الحزبية والقومية، رؤيته على واقع الاقتصاد العراقي؛ إذ تمخض عنه توزيع غير عادل للثروات والموارد، فتم تفضيل بعض المناطق على حساب أخرى. فعلى سبيل المثال، استأثرت بعض المحافظات بمشاريع إستراتيجية في قطاع التعليم والصحة والبنى التحتية، في حين بقيت مناطق ومحافظات أخرى مهمشة لاعتبارات سياسية وحزبية؛ مما خلق فجوات تنموية واضحة، وأسهم في بروز بؤر للفقر والبطالة تجاوزت الحدود المعقولة. وقد دفع ذلك إلى حالة متصاعدة من الاحتقان الاجتماعي وأسهم في تباطؤ عملية التنمية الإقليمية المتساوية(55).
رابعًا: المعوقات القانونية والإدارية للإصلاح الاقتصادي
1- المعوقات القانونية
يواجه الإصلاح الاقتصادي في العراق العديد من المعوقات القانونية التي تعيق تحقيق أهداف التنمية والاستقرار الاقتصادي. ومن أبرز تلك المعوقات:
أ- ضعف الإطار القانوني والتشريعي: فالعراق يعاني من عدم استقرار في نظامه التشريعي بسبب التغييرات السياسية المتتالية؛ مما جعل إصدار وتنفيذ القوانين الاقتصادية والمالية أمرًا معقدًا. وإصدار قوانين جديدة بات يخضع لمساومات سياسية وضغوط حزبية، وهناك نقص في وجود قوانين جديدة تنظم الاقتصاد، مثل قوانين تخص الشركات، والضرائب، والاستثمار.
ب- القيود على الاستثمار الأجنبي: رغم صدور قانون الاستثمار في العراق رقم 13 لسنة 2006، وغيره من القوانين المساندة، لجذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن تلك الاستثمارات لا تزال بطيئة ومحصورة في قطاع النفط والغاز والكهرباء. وما زال هناك الكثير من العقبات القانونية التي تحكم دخول المستثمرين الأجانب إلى العراق، كما أن القوانين يشوبها التعقيد وهي تكرس البيروقراطية ولا تقدم حوافز حقيقية للمستثمرين الأجانب، إضافة إلى أن القوانين تفتقر لآليات خاصة بعمل المصارف الأجنبية؛ مما يحد من تدفق الاستثمارات(56).
ت – التضخم في القوانين الضريبية: يعاني العراق من ضعف كفاءة السلطة التشريعية في سَنِّ قوانين واضحة ومتوازنة للضرائب وبعيدة عن المغالاة، وقد فشلت في ضمان حقوق المكلفين وحقوق الدولة، وتعاني السلطة القضائية من بطء عمليات البتِّ والتقاضي في المنازعات المتعلقة بالضرائب، كما أن الإدارة الضريبية في العراق تعاني من ضعف تأهيل الموظفين وضعف جدارتهم بسبب نقص عمليات التدريب اللازمة، كما أن عددًا كبيرًا من القوانين والأنظمة الضريبية متداخلة مما يعقد عملية فرض الضرائب ويخلق فرصًا للتهرب الضريبي(57). ولهذا يلاحظ فشل النظام الضريبي في العراق في تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وهو ما يعيق الإصلاحات الاقتصادية.
ث- التحديات القضائية: ضعف الجهاز القضائي والبيروقراطية في المحاكم العراقية يؤثر سلبيًّا على تنفيذ العقود وحل النزاعات الاقتصادية. ومن غير الممكن تحقيق نمو اقتصادي مستدام إذا كانت بيئة الأعمال غير مستقرة من الناحية القانونية، كما أن بيئة الاستثمار المحلي والأجنبي تواجه عقبات قانونية أهمها أن الشروط الواردة في قانون الاستثمار المعدل ما زالت مجحفة بحق المستثمرين الأجانب، ولاسيما فيما يتعلق بحق تملك المشروع الاستثماري(58).
ج – التشريعات المالية والمصرفية: القوانين المصرفية والمالية في العراق تحتاج إلى تحديث لتتماشى مع المعايير الدولية، ولاسيما في مجال الحوكمة والتي تضمن وجود سلطة رقابية فعالة على جميع أعمال المصارف الحكومية والخاصة، وتقييم عمل المصارف والشركات المالية وتوجيهها إلى المخاطر المحتملة، وتصحيح حالات القصور في الوقت المناسب، وهذا الأمر ما زال ضعيفًا في العراق الأمر الذي مكَّن الكثير من المصارف الأهلية من الإفلات من الرقابة، والعمل بالسوق السوداء والتي تتضمن تهريب العملة وغسيل الأموال والدخول في أعمال مشبوهة تضر بالاقتصاد الوطني، دون اعتبار للقوانين والتشريعات الوطنية. ولا شك أن تلك الإجراءات غير القانونية تعيق تقدم القطاع الخاص ويزيد من الهيمنة الحكومية على الاقتصاد(59).
2- المعوقات الإدارية
يعاني العراق من تحديات إدارية كبيرة تؤثر بشكل مباشر في قدرة الدولة على تحسين الأداء الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. ولعل أبرز المعوقات الإدارية التي تعرقل الإصلاحات الاقتصادية في العراق تتمثل في التالي:
أ- الفساد الإداري: وهو يعد أحد أكبر العوامل التي تعيق الإصلاحات الاقتصادية في العراق. فهو يؤدي إلى هدر الموارد المالية داخل المؤسسات الحكومية، ويعيق تنفيذ المشاريع الاقتصادية ويُضعف فعالية السياسات الاقتصادية. كما أنه يعزز من المحسوبية ويعرقل العدالة في توزيع الفرص والموارد. ووفقًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024، فإن العراق جاء في المرتبة 140 في مؤشرات الشفافية من مجموع 180 دولة. وتعد هذه المرتبة الأفضل نسبيًّا خلال العقدين الماضيين؛ حيث كان العراق يحل في مراتب متأخرة في المقاييس الدولية للشفافية والنزاهة، وهو ما يؤشر إلى تحسن في نتائج جهود محاربة الفساد، لكنها تظل غير كافية وتؤكد أن هذه الجهود ما زالت تشكل تحديًا كبيرًا(60).
ب- البيروقراطية والروتين الإداري: تُعد البيروقراطية من أهم الأسباب التي تحد من قدرة القطاع العام على اتخاذ قرارات سريعة وفعالة؛ إذ غالبًا ما يتسم الجهاز الإداري بالجمود وانغلاق العاملين وهبوط مستوى الإنجاز، فضلًا عن تعدد وتداخل الصلاحيات، كما أن عملية الحصول على التصاريح والموافقات أو تراخيص الاستثمار تتسم بالبطء الشديد بسبب الإجراءات الروتينية المعقدة. وهو ما يؤدي إلى تأخير تنفيذ المشاريع التنموية ويزيد من التكاليف(61).
ت. ضعف القدرات الإدارية والكوادر المؤهلة: امتاز العراق بوجود جهاز إداري كفء وفعال، كون أغلب الذين تسلموا المسؤوليات الإدارية هم من حملة الشهادات العليا وممن تدربوا على الإدارة والمهارات القيادية، ولكن سياسات الإبعاد والاجتثاث التي مورست بعد عام 2003 ضد الكوادر الإدارية أسهمت في تقاعد وهروب آلاف الشخصيات خارج العراق، مما أثَّر في مستوى الإدارة. وقد أسهم نظام المحاصصة السياسية في وضع شخصيات غير مؤهلة أو وغير مدربة في مواقع القيادة الإدارية العليا والوسيطة فضلًا عن المواقع الأخرى، فضلًا عن أنهم دون خبرات أساسية في مجال تخصصهم، أو في مجالات التخطيط الإستراتيجي، وإدارة المشاريع، أو تطبيق تقنيات الحوكمة الجيدة؛ ما أثَّر على قدرة الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية بشكل فعَّال(62).
ث. ارتباط الإدارة بالانتماءات السياسية: فرض نظام (المحاصصة) وضع المواقع الإدارية ومناصبها العليا والوسطى رهينة للتوزيع على أساس الانتماء الحزبي أو الطائفي؛ حيث يرشح الزعماء الحزبيون الممثلون للمكونات الطائفية المختلفة في مستهل عمل كل حكومة مرشحيهم للمناصب الوزارية والإدارية العليا، ويكون ذلك مرهونًا بولاء المرشح للجهة أو الشخص الذي قام بترشيحه في المقام الأول وليس للدولة.
لقد تسبب ذلك في أن يكون معظم الموظفين في القطاع العام سببًا مباشرًا في شيوع ظاهرة الفساد، وتسبب بخلل واسع في كفاءة المخرجات الإدارية وسرعة الإنجاز والتميز، وغياب العمل الجماعي، وهو ما أثَّر في ضعف المستوى العام للإدارة وقدرتها على اتخاذ القرارات المستقلة، وتحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة(63).
ج. تدني مستوى الشفافية والمساءلة: أسهم نظام المحاصصة في العراق، في ضعف المساءلة والشفافية في إدارة الأموال العامة، ولعب خضوع المؤسسات القضائية للمحاصصة، دورًا في تمادي السياسيين والإداريين في إساءة استخدام الأموال العامة، وهدر ملايين الدولارات في مشاريع وهمية، ولاسيما في المحافظات؛ حيث أسهم ضعف الرقابة في تمادي مجالس المحافظات في استغلال المال العام لمصالح شخصية وحزبية؛ وهو ما قوض أي عملية إصلاح للقطاع الاقتصادي(64).
ح. التوزيع غير العادل للموارد: غالبًا ما تعاني بعض المناطق في العراق من نقص الموارد بسبب سوء إدارة وتوزيع الميزانيات، خاصة في المناطق التي تعرضت للصراعات أو النزاعات. وقد زاد التوزيع غير العادل للموازنات بين المحافظات والأقاليم من تفشي ظاهرة الفقر، وخلق فجوات اقتصادية ضخمة بين المحافظات، وعرَّض آلاف الشباب لمخاطر البطالة واحتمالات الانضمام للجماعات الإرهابية أو الهجرة خارج العراق أو العمل في أعمال متدنية. إن فشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق تنمية متوازنة وتوزيع عادل للثروة بين المحافظات، أدى إلى عدم قدرة بعض المناطق على تنفيذ مشاريع تنموية، وأثَّر على نمو الاقتصاد الوطني بشكل عام(65).
خ. النقص في الحوكمة المحلية: ضعف الحوكمة المحلية في المحافظات العراقية أعاق القدرة على تنفيذ المشاريع التنموية بشكل فعال؛ إذ إن بعض المحافظات تفتقر إلى القدرة على إدارة المشاريع الكبيرة بسبب ضعف جهازها الإداري أو ضعف التعاون مع الحكومة المركزية. وبالتالي، لا يمكن التعويل على المحافظات والأقاليم في أي توجه حقيقي للإصلاح الاقتصادي(66).
خاتمة
تواجه عملية الإصلاح الاقتصادي في العراق تحديات ومعوقات متعددة بعضها يعود إلى جوانب سياسية، وبعضها الآخر يستند إلى عقبات قانونية وإدارية معقدة. فعلى المستوى السياسي، تؤثر الانقسامات الطائفية والسياسية والتنافس على السلطة بشكل كبير على الاستقرار السياسي؛ مما أعاق اتخاذ القرارات الاقتصادية الجريئة والمستدامة. في حين تعلقت المعوقات القانونية بضعف التشريعات الاقتصادية وقوانين الاستثمار، بالإضافة إلى صعوبة تطبيق القوانين بشكل عادل وفعال. أما على المستوى الإداري، فإن الفساد المستشري والبيروقراطية الثقيلة وضعف الكوادر المدربة تمثل تحديات رئيسية في تحسين الأداء الحكومي وتنفيذ المشاريع التنموية.
للتمكن من التغلب على هذه المعوقات، يحتاج العراق إلى إصلاحات شاملة على كافة الأصعدة، تتضمن إصلاح النظام السياسي، وتعزيز سيادة القانون والهوية الوطنية، وتطوير العمل التشريعي، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وحوكمة الأداء الإداري للمؤسسات الحكومية، فضلًا عن تبني إستراتيجية وطنية قوية ترتكز على التنسيق الفعَّال بين السلطات وتجاوز الانقسامات السياسية وهي خطوات ضرورية لضمان قدرة العراق على بناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة التحديات المستقبلية وتحقيق التنمية المستدامة.
وعليه، تقدم الدراسة مجموعة مقترحات وحلول للتغلب على المعوقات التي تواجه عملية الإصلاح الاقتصادي في العراق. فعلى الصعيد السياسي، لابد من الخروج من نفق المحاصصة السياسية بين الأحزاب والتي انعكست بآثارها على مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتسببت بانتشار ظواهر الفساد المالي والإداري وغياب الرؤية أو الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح الاقتصادي، إضافة إلى الحد من تأثير الولاءات السياسية والطائفية على تعيينات المناصب الإدارية، وتشجيع المنافسة على أساس الكفاءة وليس على أساس الولاء الحزبي. أما على المستوى الإداري، فلابد من البدء بتفعيل القوانين الخاصة بمكافحة وتطوير أنظمة الشفافية والمراقبة الداخلية، وتبسيط الإجراءات الإدارية الحكومية من خلال الرقمنة وتدريب الكوادر البشرية على الأساليب الحديثة في الإدارة العامة والحوكمة الرشيدة. أما على صعيد التغلب على المعوقات القانونية فلابد من العمل على تحديث القوانين الاقتصادية بما يتماشى مع التطورات الاقتصادية العالمية، وإصلاح النظام القضائي والإداري وتأهيله لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في إدارة المال العام، إضافة إلى تطوير التشريعات لتكون أكثر وضوحًا وتقديم حوافز أفضل للمستثمرين الأجانب، إضافة إلى تطوير النظام الضريبي وتطبيقه بفعالية لضمان العدالة الاقتصادية، وتطوير قوانين العمل بحيث تصبح أكثر مرونة وتواكب التطورات الاقتصادية مع الحفاظ على حقوق العمال.
إن المقترحات المقدمة في هذه الخاتمة تظهر إدراكًا شاملًا لطبيعة التشابك البنيوي بين السياسة والاقتصاد والإدارة في الحالة العراقية. فعلى الصعيد السياسي، تمثل الدعوة إلى إنهاء نظام المحاصصة الطائفية والحزبية مقاربة جوهرية نحو تأسيس بيئة سياسية مستقرة وفاعلة، وهي شرط بنيوي لأي إصلاح اقتصادي طويل الأمد؛ إذ ثبت أن استمرار المحاصصة يؤدي إلى تقييد مؤسسات الدولة، وتفريغ مواقع صنع القرار من الكفاءات الفنية؛ ما يُعمِّق من أزمة الفساد ويقوِّض فرص النمو.
أما على المستوى الإداري، فإن التركيز على تفعيل الشفافية والرقمنة يعكس فهمًا لدور المؤسسات في تعزيز كفاءة الإنفاق العام وتسهيل بيئة الأعمال. فالرقمنة، إلى جانب تطوير رأس المال البشري، يمثلان بعض الأدوات الحديثة لمكافحة البيروقراطية والفساد الإداري، كما يسهمان في بناء جهاز إداري قادر على تلبية متطلبات الاقتصاد المعاصر.
وفي الجانب القانوني، فإن التوصيات المتعلقة بتحديث القوانين الاقتصادية وتطوير النظام القضائي والضريبي تُعد استجابة مباشرة لحاجة العراق إلى بيئة قانونية واضحة وآمنة لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي. كما أن التأكيد على مرونة قوانين العمل وتحديثها يتكامل مع هدف خلق سوق عمل ديناميكي ومنتج، وهو ما يُعد ضرورة لتحقيق العدالة الاقتصادية وتخفيض معدلات البطالة.
وفي جانب الإصلاح المالي نجد أن هناك خللًا بيِّنًا في إدارة الموارد المالية العامة أسهم في تفاقم العجز الاقتصادي والاعتماد المفرط على الريع النفطي. وفي هذا السياق، تقترح الدراسة مجموعة من الإجراءات المحورية، تتمثل في إعادة هيكلة النظام الضريبي بما يحقق التوازن بين تعظيم الحصيلة المالية للدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز التنمية الاقتصادية. ويتطلب ذلك إجراءات متنوعة في مقدمتها توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين أدوات التحصيل، ومعالجة التهرب الضريبي، دون تحميل الطبقات الفقيرة أعباء إضافية. فضلًا عن إلغاء أو تقليص النفقات العامة غير المنتجة اقتصاديًّا والتي تشكِّل عبئًا على الموازنة العامة، وتفتح بابًا للهدر والفساد المالي ولاسيما تلك التي تُخصص لمؤسسات أو جهات ذات طابع ديني أو عسكري غير خاضعة للرقابة المالية الصارمة، مثل اعتمادات الوقفين السني والشيعي، وبعض بنود موازنات هيئة الحشد الشعبي، وتحسين شبكة الحماية الاجتماعية بحيث تشمل الطبقات الفقيرة والهشة حصرًا، وإزالة ملايين المتجاوزين على الشبكة.
ولعل من المهم في موضوع الإصلاح المالي، توجيه الاقتراض الداخلي والخارجي نحو القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة، بدلًا من استخدام القروض لتمويل العجز الجاري في الموازنة العامة. ذلك أن الاستخدام التنموي للقروض يعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على توليد الدخل وفرص العمل، في حين أن القروض الاستهلاكية تزيد من عبء الدين العام دون مردود اقتصادي فعلي.
إن القيمة المضافة في هذه المقترحات تكمن في كونها لا تقتصر على معالجة أعراض الأزمة، بل تتناول أسبابها الجذرية، وتقدم رؤية للإصلاح تتجاوز الحلول التقنية إلى إعادة هيكلة المنظومة السياسية والإدارية والقانونية بما يضمن انطلاقًا تنمويًّا حقيقيًّا ومستدامًا.
وأخيرًا، فإن الخروج من الأزمة الاقتصادية العراقية يتطلب إرادة سياسية قوية، وإصلاحات هيكلية جذرية، وتعاونًا دوليًّا؛ إذ يجب على الحكومة العراقية أن تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن تعمل على بناء اقتصاد متنوع وقوي، قادر على الصمود أمام الصدمات الداخلية والخارجية.
المراجع
(1) حيدر عليوي الساعدي، الإصلاح الاقتصادي ودوره في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر: دراسة حالة العراق، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية، المجلد 10، العدد 33، جامعة الكوفة، 2015، ص 70.
(2) خالد روكان عواد، الإصلاح الاقتصادي في العراق بعد عام 2003: التجربة والتحديات، مجلة الجامعة للعلوم الإنسانية، المجلد 19، العدد 1، جامعة دهوك، 2015، ص 60.
(3) متدى عثمان علي، المشاكل والتحديات الاقتصادية التي يعاني منها العراق واعتماد الحل الاستثماري كنموذج للمعالجة، مركز حمورابي، بغداد، 2024، ص 3.
(4) سحر قاسم محمد، الآليات الواجب توفرها لانتقال العراق من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق، البنك المركزي العراقي، المديرية العامة للإحصاء والأبحاث، قسم الاقتصاد الكلي والسياسة النقدية، ديسمبر/كانون الأول 2011.
(5) خالد روكان عواد، مصدر سبق ذكره، ص 60.
(6) بسنت عبد الحميد، سياسات صندوق النقد الدولي في الدول المأزومة: إنقاذ أم إغراق؟، موقع مركز الحبتور للأبحاث، 10 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول 2 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/ucfWB
(7) المصدر نفسه.
(8) وزارة التخطيط، تقرير الاقتصاد العراقي، دائرة السياسات الاقتصادية والمالية، قسم السياسات الكلية وبناء النماذج الاقتصادية، 2022، ص 1.
(9) ستار جبار عمران، منهجية الإصلاح الاقتصادي في العراق: دراسة تحليلية، مجلة الإدارة والاقتصاد، السنة 42، العدد 120، بغداد، 2019، ص 487.
(10) منير الحمش، العولمة ليست الخيار الوحيد، الأهالي للطباعة والنشر، دمشق، 1998، ص 73. (11) شذى خليل، هوية النظام الاقتصادي العراقي وسعر صرف الدينار، مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، عمان، في 1 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول 2 يونيو/حزيران 2025)، https://rawabetcenter.com/archives/157180
(12) د. مهند حميد مهيدي، آفاق الإصلاح الاقتصادي في العراق، سلسلة إصدارات مركز البيان للدراسات، بغداد 2022، ص 4.
(13) سؤدد فؤاد الألوسي، الغزو الأميركي للعراق: حقائق وأرقام، دار المعتز، بلا مكان نشر، 2012، ص 225.
(14) د. كريم سالم حسين، الإصلاح الاقتصادي في العراق ما بعد عام 2003: رؤية مستقبلية، سلسلة إصدارات مركز البيان للدراسات، بغداد 2018، ص 9.
(15) International Monetary Fund – Letter of Intent by the Iraqi Authorities, September 24, 2004. (viewed: 10-8-2025): https://www.imf.org/External/NP/LOI/2004/irq/01/index.htm
(16) Paris Club Official Statement on Iraq, 21 November 2004 (viewed: 10-8-2025): https://clubdeparis.org/en/communications/press-release/iraq-21-november-2004-3697
(17) White House Archive on Iraq Debt Relief, Dec 2024, (viewed: 10-8-2025): https://tinyurl.com/9m26ww6s
(18) IMF Staff Report on Iraq, 2005, (viewed: 10-8-2025): https://tinyurl.com/ur2k6y2e
(19) UK Parliament Statement on Iraq Debt Relief, 17 Oct 2006, (viewed: 10-8-2025): https://hansard.parliament.uk/Commons/2006-10-17/debates/06101762000017/Iraq
(20) مؤتمر الكويت… 88 مليار دولار تكلفة إعادة إعمار العراق، صحيفة الشرق الأوسط، في 12 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/JHsz8
(21) Donors pledge $30bn for Iraq’s post-ISIL reconstruction, 14 Feb 2018, (viewed: 10-8-2025): https://www.aljazeera.com/economy/2018/2/14/donors-pledge-30bn-for-iraqs-post-isil-reconstruction
(22) UN envoy: Iraq’s new leaders must keep fighting corruption, February 3, 2023. (viewed: 10-8-2025): https://english.aawsat.com/home/article/4135366/un-envoy-iraq%E2%80%99s-new-leaders-must-keep-fighting-corruption
(23) HARITH HASAN, Beyond Security: Stabilization, Governance, and Socioeconomic Challenges in Iraq, Atlantic Council, Issue Brief, July 2018 (Viewed: 6/7/2025): https://www.atlanticcouncil.org/wp-content/uploads/2018/07/Beyond_Security-_Stabilization_Governance_and_Economic_Challenges.pdf
(24) Ibid.
(25) العبادي: الإصلاح الاقتصادي أصعب الإصلاحات وإيراداتنا وصلت إلى نصف ما نحتاجه، موقع الاقتصاد نيوز، بغداد، 15 مايو/أيار 2016، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/4xKYC
(26) زياد الهاشمي، الاقتصاد العراقي.. رحلة التعافي في زمن التحديات، الجزيرة نت، 27 مايو/أيار 2024، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/WK5y8
(27) مايكل نايتس، خفايا السيئات، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 8 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2025)، https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/khfaya-alsyyat
(28) بدء تطبيق إجراءات تقشفية في العراق لمواجهة عجز كبير في الميزانية، القدس العربي، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/avp5Y
(29) وزير المالية في عمان لاستكمال مباحثات العراق مع صندوق النقد الدولي، السومرية، 9 سبتمبر/أيلول 2016، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/YpIPB
(30) العبادي: الإصلاح الاقتصادي أصعب الإصلاحات وإيراداتنا وصلت إلى نصف ما نحتاجه، مصدر سبق ذكره. (31) د. سيف حيدر الحسيني، الحراك الاحتجاجي في العراق: حلم الديمقراطية من النكوص إلى الانبعاث، مركز الرافدين للحوار، النجف 2023، ص 99.
(32) دهام محمد العزاوي، الحراك الشعبوي والأوليغارشية المستبدة، مركز الرافدين للحوار، النجف 2022، ص 23.
(33) يحيى حمود حسن، دراسات في الاقتصاد العراقي، دار الساقي، لندن، 2012، ص 126.
(34) HARITH HASAN, Op.Cit.
(35) رهاد علاء الدين، دولة تتهاوى: فشل أمن العراق ونظامه السياسي، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 2 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/dwlt-tthawy-fshl-amn-alraq-wnzamh-alsyasy
(36) مهند العزاوي، متلازمة الطائفية والفساد في العراق، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 7 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/mtlazmt-altayfyt-walfsad-fy-alraq
(37) الفساد يستنزف العراق.. ما حجمه وما دور الحكومة في محاربته؟ موقع الجزيرة نت، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/YfjAV
(38) العبادي: 50 ألف مجند وهمي بالجيش العراقي، الجزيرة نت، 1 ديسمبر/كانون الأول 2014، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://rb.gy/woijbf
(39) Asmara Yaseen, Effects of Terrorism on Labor Mark: A Case Study of Iraq, Topics in Middle Eastern and African Economies proceedings of Middle East Economic Association, Vol. 21, Issue No. 1, May 2019, p.132.
(40) دهام محمد العزاوي، الإرهاب وهجرة الأقليات الدينية من العراق، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 20، المجلد 7، 2023، ص 225.
(41) Asmara Yaseen, Op.Cit., p.102.
(42) دنيا جواد، الإرهاب في العراق: دراسة في الأسباب الحقيقية، مجلة العلوم السياسية، العدد 43، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، 2011، ص 29.
(43) محمود الشمري، ما هي أضرار العراق من أزمة المياه مع إيران؟ إيران واير، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://iranwire.com/ar/reports/100250/
(44) Trading Economics, Turkey Exports to Iraq, (Viewed 21/8/2025): https://tradingeconomics.com/turkey/exports/iraq. See Also: Trading Economics, Turkey Imports from Iraq, (Viewed 21/8/2025): https://tradingeconomics.com/turkey/imports/iraq
(45) Dalga Khatinoglu, The Strategic Implications of Iran’s Shrinking Economic Leverage in Iraq, Middle East Forum Observer, May 7, 2025, (Viewed 21/8/2025): https://tinyurl.com/c4drvkdw
(46) دينا كمال مراد، النفوذ الإيراني في العراق بعد الاحتلال الأميركي لها، المجلة العلمية، العدد 69، كلية التجارة، جامعة أسيوط، 2020، ص 82.
(47) عصام حاكم، الإصلاح الاقتصادي في العراق الاختلالات، الأسباب، الحلول، ندوة علمية أقامها مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، مدينة كربلاء، 12 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://fcdrs.com/economical/1328
(48) في غياب الإصلاحات، مكاسب الطفرة النفطية في العراق معرضة للتراجع، مجموعة البنك الدولي، 31 يوليو/تموز 2023، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2025)، https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2023/07/31/without-reforms-iraq-s-oil-boom-could-turn-to-bust
(49) إقليم كردستان العراق يفشل في الاستقلال الاقتصادي، مقال منشور في موقع مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، 18 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2025)، https://rawabetcenter.com/archives/160379
(50) “الإقليم المدلل” يواصل سرقة نفط العراق.. مليشيا ثابت تفضح خطة بارزاني، المعلومة، 23 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/fd0JN
(51) ديار ي صالح، مصطفى حسن، صراع حقول النفط والغاز في المناطق المتنازع عليها في العراق، مركز الإمارات للسياسات، 15 يوليو/تموز 2022، (تاريخ الدخول: 12 يونيو/حزيران 2025)، https://tinyurl.com/bvmnhhhu
(52) عزوف مجتمعي وعدم مواكبة للتطورات.. القطاع المصرفي العراقي في تدهور، الجزيرة نت، 19 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/1b6CE
(53) محمد حسين، مسار التنمية الضائع في العراق يسلط الضوء على ضرورة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي لا تحظى بتأييد شعبي، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 8 مايو/أيار 2024.
(54) القطاع الخاص في العراق مغيب رغم تعاقب الحكومات والمسؤولين، إندبندنت عربية، 4 سبتمبر/أيلول 2021، (تاريخ الدخول: 12 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/xxNqK
(55) استمرار تهميش السنة يدمي العراق أكثر، الجزيرة نت، 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 12 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/sRuVL
(56) لماذا أصبح الاستثمار في العراق بوابة للفساد؟، الجزيرة نت، 12 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/yQY9s
(57) زينب علي عبدي وأحمد سليمان الصفار، المشكلات الإدارية والقانونية والمالية في النظام الضريبي العراقي، مجلة العلوم الإنسانية لجامعة زاخو، المجلد 11، العدد 2، كلية الإدارة والاقتصاد، يونيو/حزيران 2023، ص 296.
(58) حسنين العبيدي، الاستثمار الأجنبي في إطار قانون الاستثمار الأجنبي، 4 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 18 يونيو/حزيران 2025)، https://lawyers.gov.iq/
(59) أمانة مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، المبادئ الأساسية للرقابة المصرفية الفعالة (مبادئ بازل الأساسية)، صندوق النقد العربي، 2014، ص 71.
(60) للمزيد حول مؤشرات مدركات الفساد للعراق ولمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2024، انظر: موقع منظمة الشفافية الدولية، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2025)، https://www.transparency.org/
(61) يونس يوفرمة وآخرون، أمراض البيروقراطية في التنظيم الإداري، جامعة مولاي إسماعيل، الجزائر، بلا تاريخ، ص 6.
(62) فوزي علاوي الطائي، الإدارة الفاشلة، جامعة المستقبل، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/Erj6a
(63) هندرين أشرف نعمان، المحاصصة السياسية ومدى انسجامها مع مقومات الحكم الرشيد، مجلة الأكاديمية العربية في الدنمارك، العدد 24، السنة الثانية عشرة، 2020.
(64) مجالس المحافظات.. الغنائم تطغى على الخدمات، موقع المسلة، 25 مايو/أيار 2024، (تاريخ الدخول: 19 يونيو/حزيران 2025)، https://shorturl.at/JJSl4
(65) أحمد صباح مرضي، التنمية المكانية غير المتوازنة وتأثيرها في مظاهر الحرمان في محافظة المثنى، مجلة مداد الآداب، كلية الآداب، الجامعة العراقية، 2020، ص 390.
(66) المصدر نفسه.
* د. دهام محمد العزاوي، أستاذ مساعد، جامعة الفلوجة، العراق
*Dr. Daham Mohammed Al-Azzawi, Assistant Professor at the University of Fallujah, Iraq.
