مقدمة

إن الحديث عن العلاقة التي تجمع بين الإعلام والرأي العام والأزمات يحيل إلى طبيعة التداخل البنيوي والوظيفي الذي يجعل الإعلام يسعى لتشكيل الرأي العام، أو يسهم في هذا التشكيل أثناء القيام بوظيفته، سواء تم ذلك في الأوضاع العادية أو أثناء الأزمات، وسواء حدثت هذه الأزمات بسبب الفعل الإعلامي (كفعل تضليلي أو تحريضي أو استقصائي) أو بمعزل عنه فوجد نفسه شاهدًا على الأزمة أو جزءًا منها.

ولا شك أن الثابت في هذه العلاقة هو حضور اثنين من أطرافها على الأقل بصورة دائمة، وهذا الحضور لا ينفك يستدعي الطرف الثالث في المجتمعات الحديثة التي يصعب عليها الاستغناء عن خدمات الإعلام، كما يصعب عليها تجنب حدوث الأزمات، واتخاذ القرارات في غياب الرأي العام أو عدم أخذه في الاعتبار.

وإذا كانت وسائل الإعلام في السابق، هي التي تنفرد بتشكيل الرأي العام من خلال انفرادها بالتواصل الإعلامي الذي يستهدف أعدادًا كبيرة من الجماهير، ويستطيع أن يتجاوز الحدود بفضل التكنولوجيا ووسائل النقل، فإن ثورة تكنولوجيات المعلومات والاتصالات أوجدت نوعًا جديدًا من الإعلام المُتعولِم الذي لا تحدُّه الحدود الجغرافية ولا يتأثر ببعدي المكان والزمان؛ كما أنها أوجدت نوعًا جديدًا من التواصل الاجتماعي الذي يتيح لبلايين البشر إمكانية التواصل فيما بينهم وإنتاج الرسائل التواصلية ونشرها بأدوات لا تقل فعالية عن الأدوات التي احتكرتها وسائل الإعلام التقليدية لقرون خلت. وهكذا نجد أن الفتح التواصلي الجديد انعكس على صناعة الرأي العام، وعلى تناول الأزمات التي تحدث في المجتمع وطريقة إدارتها.

يهدف هذا البحث لوضع مقاربة تعيد رسم العلاقة بين الإعلام والرأي العام والأزمات استنادًا إلى أسس تفاعلية اقتضتها مستحدثات التواصل في عصرنا الحالي، وأسس تكاملية تساعد على فهم علاقة الإعلام بالرأي العام في أوقات الأزمات والتأثير والتأثُّر الذي يحدث بين الأطراف الثلاثة، من خلال الاستئناس بإحدى أكبر الأزمات المعاصرة التي تبسط الدليل على طبيعة العلاقة بين الإعلام والرأي العام والأزمات، ألا وهي أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.فمن خلال هذه الأزمة، تتجلى أهمية العلاقة التي تربط بين الإعلام والرأي العام والأزمات، عندما يتفاعل الإعلام مع حادث محدود في المكان والزمان، ويحوِّله إلى أزمة تستأثر باهتمام الجماهير، ويستمر التفاعل حتى ينتج عنه رأي عام يؤثر في اتخاذ القرارات، ويتجاوز ذلك إلى رسم صورة ذهنية يصعب تعديلها وتحسينها. فقد قدمت أزمة مقتل خاشقجي أنموذجًا للتداخل البنيوي والوظيفي لوسائل الإعلام مع الرأي العام والأزمات؛ وأنموذجًا للتفاعل والتكامل الذي يحدث بين هذه الأطراف الثلاثة.

إشكالية البحث

يثير هذا البحث إشكالية تَشَكُّل الرأي العام في ظل التحولات التي يعرفها التواصل الإعلامي في عصرنا الحالي؛ حيث أصبحت وسائل الإعلام أكثر قوة وفعالية من خلال توسُّلها بمستحدثات ثورة تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وأصبح الجمهور ممتطيًا صهوة الفعل الإعلامي من خلال قدرته على الإلقاء والنشر والتفاعل بعد أن كان دوره مقتصرًا على التلقي والتغذية الراجعة المحدودة. وتتضمن هذه الإشكالية تجليات الرأي العام أثناء الأزمات التي تقتضي تواصلًا مخصوصًا يتغيَّا إدارتها وتجاوزها، سواء بالاستعانة بالإعلام أو بأشكال التواصل الإنساني الأخرى.

هكذا تبدو إشكالية البحث في مقاربة العلاقة التي تجمع بين الإعلام-التقليدي أو الجديد أو التقليدي-الجديد والرأي العام والأزمات؛ حيث ينظر البحث إلى هذه العلاقة باعتبارها تفاعلية؛ يتفاعل فيها الإعلام مع أفراد المجتمع حيث تكون الحصيلة تشكيلًا مشتركًا للرأي العام؛ ويتفاعل فيها الإعلام مع الأزمة، أو يتفاعل الإعلام مع الفاعلين في المجتمع الأمر الذي يؤدي إلى بروز أزمة (كما تفعل الصحافة الاستقصائية). وينظر البحث، من ناحية أخرى، إلى هذه العلاقة كعلاقة تكاملية يتكامل فيها دور الإعلام مع دور الجمهور في تشكيل الرأي العام فتكون النتيجة تجاوز الأزمة أو استفحالها، أو تتكامل الأزمة معهما فتعزز دور الإعلام في المجتمع وتقوِّي دور الرأي العام في السياسة واتخاذ القرارات المجتمعية.

ولاختبار الأسس النظرية للتفاعل والتكامل الذي يحدث بين الإعلام والرأي العام والأزمات، يتناول البحث أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، التي تجاوزت -من حيث التناول الإعلامي- مجرد تغطية لمقتل صحافي من بين عشرات الصحافيين الذين يُقتلون كل عام، إلى أزمة عالمية تواجه الدولة السعودية وقيادتها، وتحظى بتغطية إعلامية عالمية مكثفة أسهمت في تشكيل الرأي العام العربي والعالمي.

منهج البحث

يعتمد هذا البحث منهاجًا نوعيًّا يقارب من خلاله العلاقة التفاعلية التكاملية التي تربط بين الإعلام والرأي العام والأزمات، ثم التوسل بأزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وهي أزمة معاصرة، لتحليل الدور الذي قام به الإعلام في تشكيل الرأي العام حول هذه الأزمة، وتبيان المدى الذي وصلت إليه الأزمة في ظل التغطية الإعلامية المكثفة والمتناغمة. والاسترشاد ببعض الإحصائيات التي تقدم المثال الدال على مدى تفاعل بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية مع هذه الأزمة، مع استصحاب دور هذه الوسائل في تشكيل الرأي العام وصناعة القرار على الصعيدين، المحلي والعالمي.

فالظواهر الثلاث التي يتناولها البحث (الإعلام والرأي العام والأزمات) تثير الكثير من الجدل من حيث طبيعتها وتمظهراتها ضمن البيئات والأوقات والسياقات المختلفة، والمعطيات الكمية وحدها لا تفسر كيفية اشتغالها والعلاقات التي تجمع بينها في مختلف المجتمعات الإنسانية. من هنا، تصبح المقاربة النوعية أقرب إلى بسط أرضية ملائمة للتعاطي مع هذه الظواهر في عصرنا الحالي، الذي يتسم بالتعقيد وضعف استقرار المفاهيم من جرَّاء تسارع ظهور المستحدثات التكنولوجية التي قد تُحدث قطيعة إبستمولوجية سريعة.

الإعلام والرأي العام والأزمات: تجاور مفاهيمي

على الرغم من رسوخ مفاهيم الإعلام والرأي العام والأزمات، وتمايزها من حيث الطبيعة أو آليات العمل أو التأثير، إلا أنها تتجاور من خلال العلاقات التي تجمع بينها سواء كانت هذه العلاقات سببية أو وظيفية أو علاقة تمظهر. فإذا كان الإعلام تواصلًا محترفًا يتوجه إلى جمهور عريض، فإن نتيجة تعرُّض هذا الجمهور للرسائل التواصلية الإعلامية، قد يؤدي إلى تشكيل رأي عام، كما أن الإعلام والرأي العام يكثر الحديث عنهما وعن أدوارهما في أوقات الأزمات. وتتضح هذه العلاقات عند النظر الفاحص في التجليات التواصلية للمفاهيم الثلاثة، باعتبار أن التواصل يحيط بكافة المفاهيم ويمنحها وجودها وقوتها وسلطتها المعرفية.

إن تبيان علاقة التجاور التي تجمع بين الإعلام والرأي العام والأزمات، يساعد على فهم الكيفية التي يمكن أن يساهم بها الإعلام في تشكيل الرأي العام؛ والكيفية التي تجعل الرأي العام يعزز من سلطة الإعلام وتأثيره على المجتمع؛ والكيفية التي تجعل الاستهانة بالرأي العام، وإغفال قدرة الإعلام على رقابة ما يجري في الشأن العام، تقود إلى حدوث الأزمات لأن الإعلام قادر على تحويل الأخطاء إلى أزمات من خلال تسليط الأضواء عليها وتزويد المجتمع بالمعلومات والبيانات اللازمة لمساعدته على تشكيل رأي عام حولها والتعبير عنه من خلال وسائل الإعلام.

أولًا: فهم الإعلام

إن الفهم الأفضل للإعلام وميكانيزمات اشتغاله، يبدأ من إدراك أهمية المعرفة التي تنقلها وسائل الإعلام إلى جماهيرها، سواء كانت هذه المعرفة مجرد بيانات أو معلومات أو ارتقت إلى مستوى الأفكار. فالفعل الإعلامي هو فعل معرفي خالص يتجلى في الإخبار بأشكاله المختلفة. هكذا تمكِّن المعرفة المنقولة إلى الجمهور بواسطة الإخبار (المكتوب أو المسموع أو المرئي) من معرفة الأشياء والأحداث، ومن ثم اتخاذ قرارات تتحول إلى سلوك (تأييد- رفض- عدم اكتراث- تَبَنٍّ- تنافس). وبما أن تدفق هذه المعرفة يمكن التحكم فيه، فإن وسائل الإعلام يمكن أن تسهم في حدوث الأزمات أو تجنبها من خلال تقديم ما يقود إلى تشكيل رأي مؤيِّد أو معارض، خاصة إذا كان النظام الصحافي الذي يهيمن على الدولة يسمح بالتعددية الإعلامية على مستويات السياسة التحريرية والأجندة والخطاب الإعلامي.

ولكي نفهم الإعلام، يجب أن نفهم حقيقة السلطة المعرفية التي تجعل المصداقية الإخبارية وموضوعية التناول والالتزام ببقية القيم التواصلية الإعلامية، سبيلًا لاعتماد وسيلة إعلام بعينها كقائد للرأي لا غضاضة في اتِّباعه وتبني رأيه والثقة في دقة توصيفه للأحداث باعتبارها أزمات أو وقائع طبيعية تؤدي إلى خواتيم إيجابية. فقد أصبح الإعلام ضرورة تواصلية لابد منها لضمان سيرورة الدولة، وضمان التناغم والحيوية بين مختلف مكوناتها، حيث تتدفق المعلومات من السلطات الحاكمة تجاه أفراد المجتمع والعكس بالعكس، فيقوم الإعلام بدور التوسط الإيجابي: أي التوسط الذي يجعل الوسيط يؤثر على المحتوى من حيث الكم والنوع وزاوية الرؤية وزاوية العرض أو التقديم. والسبب الرئيس في هذا التوسط، هو صعوبة التواصل المباشر بين مكونات الدولة الحديثة.

وإذا أخذنا في الاعتبار التطور الكبير الذي وصل إليه الإعلام في عصرنا الحالي، حيث دمج بين التقنيات القديمة والجديدة في إعداد محتوى الرسائل الإعلامية وشكلها مستفيدًا من الثورة التواصلية التي أحدثتها شبكة الإنترنت والخصائص والخدمات التواصلية العديدة التي وفرتها شبكة الويب، سنجد أن الإعلام أصبح أكثر قدرة على تشكيل الرأي العام من خلال مجموعة من العمليات التفاعلية التكاملية التي يتم فيها تبادل أدوار الإلقاء والتلقي. فقد بدأت شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي تقترب شيئًا فشيئًا من الممارسات الإعلامية التقليدية (على الأقل من خلال توفير أدوات الاشتغال لأعضائها وفك احتكارها من لدن وسائل الإعلام التقليدية)؛ وبدأت وسائل الإعلام التقليدية تنتفع من التدفق الهائل للمحتوى الإعلامي المُنتَج من لدن أعضاء شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي، من خلال تخفيض معايير جودة الشكل.

ثانيًا: ماهية الرأي العام

لقد بدأ مفهوم الرأي العام في الانتشار في الغرب في القرن الثامن عشر نتيجة لمجموعة من التوجهات التاريخية مثل ازدياد أعداد المتعلمين، ونمو طبقة التجار، وظهور الإصلاح البروتستانتي، وانتشار المؤلفات الأدبية بفضل الطباعة(1). ولكن جذور مفهوم الرأي العام ضاربة في القِدَم، حيث تظهر في الحضارة اليونانية من خلال كتابات أرسطو (في كتابه “السياسة”)، وفي الحضارة الرومانية حيث استخدمت بعض المصطلحات السياسية والقانونية في العصور الوسطى ذات ارتباط بالمفهوم المعاصر للرأي العام(2). ويعود الفضل لجاك نيكير (Jacques Necker)، وزير مالية ملك فرنسا لويس السادس عشر، في الترويج لمصطلح الرأي العام من خلال كتاباته قبل اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789(3).

لقد درج منظِّرو الديمقراطية على اعتبار التصويت القائم على التعبير عن المصالح الذاتية هو المتطلب الرئيس لوجود ديمقراطية حقة. وهذا يتطلب أن يحصل المواطن على المعلومات اللازمة بواسطة وسائل الإعلام، مما يتيح لهذه الأخيرة أن تؤطر هذه المعلومات الأمر الذي يترك أثرًا في تشكيل الآراء. ولكن قد لا يصل هذا التأثير لدرجة التلاعب بالرأي العام(4).

وعلى الرغم من زعم عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي، بيير بورديو (Pierre Bourdieu)، أن الرأي العام الذي تسعى لقياسه مؤسسات استطلاع الرأي العام لا وجود له لأنه يقوم على فرضية وهمية مفادها أن الرأي العام هو حصيلة لتجمع الآراء الشخصية(5)، وأخرى مفادها أن هناك معدلًا عامًّا لهذه الآراء وهو الرأي المتوسط أو “الرأي العام”، بل إن هذه الآراء مصطنعة ويتم التحكم فيها من خلال الأسئلة المطروحة(6)، على الرغم من ذلك يمكن القول: إن الرأي العام ليس موجودًا بكيفية تلقائية أو يتشكَّل بكيفية طبيعية، ولكنه يتم تشكيله من لدن وسائل الإعلام التي تتحكم في تداول البيانات والمعلومات التي تعتبر المادة الخام لتشكيل الرأي؛ كما أنها تضع الأطر اللازمة لشكل المعلومة وكيفية تلقيها وتوظيفها وتحويلها إلى معرفة؛ بل أكثر من ذلك، قد تقوم بتقديم آراء جاهزة قابلة للتبنِّي في عصر تتدفق فيه المعرفة بما يفوق قدرة الإنسان الإدراكية على الاستيعاب والمعالجة، الأمر الذي يسهِّل مهمة الإعلام في القيام بالدور التعهيدي الذي يحوله إلى سلطة نافذة في مجال تشكيل الرأي العام.

إن الرأي العام سلوك تواصلي اجتماعي يقوم على الاصطفاف خلف موقف مرتبط بحدث عام أو ظاهرة. وهذا السلوك التواصلي لا يبرز تلقائيًّا، بل يحتاج إلى تغطية إعلامية للحدث أو الظاهرة تساعد الأفراد على تكوين موقفهم الخاص من خلال البيانات والمعلومات المضمنة في الرسائل التواصلية الإعلامية، أو تقدم لهم موقفًا محددًا وتشجعهم على تبنِّيه (عبر مقالات الرأي أو تكثيف التغطية التي تبرز وقائع بعينها تتسم بالإقناع المنطقي أو التأثير العاطفي).

وعلى الرغم من أن عملية تشكُّل الرأي العام معقدة بسبب حضور العديد من العوامل والمتغيرات الزمانية والمكانية، إلا أن للإعلام دورًا رئيسًا في هذه العملية عندما ينجح في امتحانات المصداقية ويتم اعتماده كمصدر للتواصل الإنساني في شتى مجالات الشأن العام. فالناس يحرِّكهم -تواصليًّا- مزيج القيم والمصالح وغريزة البقاء؛ وهذا يتم من خلال الاجتماع وتوفير حد مقبول من الاتفاق حول بعض الأمور والتعبير عن هذا الاتفاق في صيغة رأي عام ممثل لشريحة لا يستهان بها في المجتمع.

ويمكن القول: إن الرأي العام في الدولة الحديثة لم يعد مجرد موقف لمجموعة من السكان تجاه قضية عامة، بل أصبح أحد الأدوات المهمة في إدارة شؤون الدولة، من شاكلة: تقديم الخدمات، واتخاذ القرارات على الصعيد الدولي، وإدارة الأزمات، وتوطيد العلاقات بين المجتمع والقيادة، وتحقيق التنمية المستدامة.

لقد أحدثت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحولًا كبيرًا في كيفية تشكُّل الرأي العام، حيث كان الدور الأكبر من نصيب وسائل الإعلام التي تلقي برسائلها التواصلية على أفراد الجمهور مستهدفة الوصول إلى رأي عام بعينه، ويتم ذلك من خلال احتكار إنتاج المحتوى الإعلامي ونشره. ولكن هذه الثورة غيَّرت الموازين وأتاحت لأفراد المجتمع إمكانية إنتاج المحتوى الإعلامي ونشره بجهود ذاتية، تجعل عملية تشكُّل الرأي العام عملية جماعية يتاح فيها للكل أن يدلوا بدلائهم ويضعوا لبنة في بناء الرأي العام الذي يستعصي على التلاعب والتزييف الذي كان ممكنًا أيام احتكار وسائل الإعلام للفعل الإعلامي وتحكم الأنظمة السياسية في وسائل الإعلام.

إن أبرز تأثيرات الثورة الرقمية على صناعة الرأي العام وتشكيله، تتجلى في تغيُّر مفهوم قادة الرأي العام (الذين كان يُعتقد أنهم يمثلون حوالي 5% من أفراد المجتمع) بعد أن أصبح في مقدور أي فرد من أفراد المجتمع أن يصبح قائدًا للرأي من خلال نشاطه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقدرته على تحشيد المتواصلين بما يقدمه من محتوى مغاير للمألوف. وتتجلى أيضًا في إمكانية تزييف الرأي العام باستغلال التكنولوجيا الرقمية القائمة على الذكاء الاصطناعي الهادف إلى الحلول محل الفرد. كما تتجلى في عولمة التواصل الإنساني التي تخطت الحواجز المكانية والزمانية، وجعلت المعلومات أكثر انسيابًا وتعددًا من حيث المصادر.

ثالثًا: المفهوم التواصلي للأزمة

يشير مفهوم الأزمة إلى حدوث خطأ أو خلل أو سوء فهم ما، وتفاقم هذا الخطأ ليلحق ضررًا ممتدًّا زمانيًّا. أي إن الأزمة خطأ جسيم ومتعد. ولكي يتفاقم الخطأ ويصبح أزمة، لابد من أن يبرز تواصليًّا من خلال تضخمه عبر الوقت، أو من خلال كشف الإعلام له وتسليط الأضواء عليه، خاصة عندما يرتبط الخطأ بمؤسسة أو شخصية عامة. والأزمة مهما كانت طبيعتها، فهي لا تخرج عن كونها ذات طابع تواصلي، سواء تعلق الأمر بسلوك لفظي أو غير لفظي أو أي عمل آخر مسالم أو عنيف، مباشر أو غير مباشر.

وطالما أن الأزمة نتاج للتواصل الإنساني، فلا يمكن تجنبها بصورة دائمة لأن الأخطاء التواصلية واردة عند البشر، كما أن التواصل الإنساني معقد وتحكمه متغيرات عديدة. وهكذا تبرز مهارات إدارة الأزمة التي يُستعان بها في الاستعداد للأزمات قبل وقوعها، وتجنبها قدر المستطاع، وإن حدثت تكون هناك سيناريوهات جاهزة للتعاطي معها حتى لا تتحول إلى كرة ثلج من حيث تأثيراتها المتراكمة.

بحكم اهتمام وسائل الإعلام بالشأن العام، فأي خطأ من مؤسسة أو شخصية عامة (إذا لم يتم تداركه بحكمة تواصلية ملائمة)، يمكن أن يتحول إلى أزمة من خلال التغطية الإعلامية التي تكون مدفوعة باهتمامات الجمهور وتطلعاته لمعرفة ما يدور. ومعلوم أن الفشل في إدارة الأزمة قد يتسبب في أزمة جديدة أو يفاقم الأزمة الحالية، وهذا مرتبط -إلى حد كبير- بكيفية التعامل مع وسائل الإعلام التي قد تجعل من عدم التعاون معها في كشف الحقائق دليلًا على المسؤولية عن حدوث الأزمة. وهذه التغطية الإعلامية هي ما تؤدي إلى تشكيل رأي عام يُحسب للمؤسسة أو عليها وفقًا لقدرتها على إدارة الأزمة، خاصة فيما يتعلق بالتفاعل مع وسائل الإعلام.

يمكن توصيف الأزمة في علاقتها بالرأي العام إلى: أزمة تؤدي إلى تشكُّل رأي عام حولها؛ ورأي عام يؤدي إلى حدوث أزمة. فالنوع الأول، ينتج عن تسليط وسائل الإعلام الأضواء على أزمة مما يؤدي إلى تعرُّف الجمهور عليها ومتابعة التغطية الشاملة لوقائعها، ومن ثم تشكيل رأي عام حولها. أما النوع الثاني، فيكون عبارة عن رأي عام تشكَّل كرد فعل على قرارات تصدرها مؤسسة ما أو سلوكات تقوم بها ذات تأثير على الجمهور؛ وما تشكَّل من رأي عام يتحوَّل إلى فعل ينتج عنه أزمة للمؤسسة (كمقاطعة أو اعتصام أو إضراب أو اعتداء على أفراد وممتلكات). وهكذا يمكن القول: إن الأزمة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالرأي العام حيث يشتركان في البعد التواصلي، ويشتركان في توسط الإعلام بينهما. وتجدر الإشارة للمساهمة الفعَّالة للإعلام الجديد (بمفهومه الشامل الذي يتضمن شبكات التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية والمدونات والمنتديات وغيرها) في سرعة تشكيل الرأي العام حول أزمة ما، من خلال تبادل المعلومات والأخبار متعددة المصادر؛ الأمر الذي يؤدي إلى حدوث زخم معرفي وانفعالي يسرِّع من عملية تشكُّل الرأي العام.

مقاربة تشكيل الإعلام للرأي العام عند الأزمات

لا شك أن الرأي العام مهم للتعبير عن توجهات المجتمع واهتماماته؛ الأمر الذي يسهل على قيادته اتخاذ القرارات الصائبة والمسنودة. فوفقًا لنظرية ترتيب الأولويات، فإن إبراز بعض القضايا العامة يشكل الأرضية الملائمة للرأي العام الذي يجد طريقه إلى اهتمامات القيادة(7). أي إن الرأي العام الذي تسهم وسائل الإعلام -وفقًا لأجندتها- في تشكيله، يجد اهتمامًا من لدن السلطات، مما يجعل وسائل الإعلام تسهم -بكيفية غير مباشرة- في رسم السياسات العامة وتنفيذها.

وتزداد أهمية الرأي العام عند الأزمات التي تمر بها المجتمعات الدولية أو الدولة أو المؤسسات، لأن الأزمة تحتاج إلى مؤازرة من أجل تجاوزها وتجنب وقوعها مستقبلًا.

وبما أن الرأي العام ليس نتاجًا لحاصل جميع آراء أفراد المجتمع، بل نتاج عملية تشكُّل تحتاج إلى جهود تواصلية قد تتجاوز مستوى الإخبار إلى مستوى الإقناع، فإن الدور الذي يقوم به الإعلام في عملية تشكيل الرأي العام محوري وضروري للوصول إلى مرحلة يتحوَّل فيها الرأي العام إلى سلطة موازية لا يمكن تجاوزها، خاصة عند الأزمات.

تقوم مقاربتنا لتشكيل الإعلام للرأي العام عند حدوث الأزمات على التفاعل الذي يتم بين وسائل الإعلام وجماهيرها، وتكامل الأدوار بينهما. ذلك أن التفاعل والتكامل جاءا بفضل ثورة تكنولوجيات المعلومات والاتصالات التي مكَّنت أفراد المجتمع من ولوج فضاءات التواصل الإعلامي باستخدام الأجهزة الرقمية الشعبية في إنتاج المحتوى الإعلامي ونشره، والتفاعل الندِّي مع ما تنشره وسائل الإعلام المحترفة عبر شبكة الويب؛ مما فتح أبوابًا للتكامل بين الإعلاميين المحترفين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد.

أولًا: تفاعلية الإعلام وجمهوره عند الأزمات

إن الدعوى الرئيسة التي نبسطها في عملية تشكيل الرأي عند الأزمات تقول:

إن عملية تشكيل الرأي العام في المجتمعات الحديثة عند حدوث الأزمات تتخذ طابعًا تفاعليًّا بين الإعلام -بكافة أنواعه وأشكاله ووسائله- والجمهور بحيث تتدفق المعرفة الضرورية لتشكيل الرأي العام في كافة الاتجاهات، تدفق تفاعل وليس تدفق عبور، وصولًا إلى الشكل الذي يتخذه الرأي العام حول الأزمة المعنية.

وهنا، يمكن رصد مجموعة من التفاعلات الممكنة الحدوث:

  1. الإخبار عن وقوع الأزمة: وقد يتم بواسطة إحدى وسائل الإعلام أو أحد أفراد الجمهور في ظل تنامي ظاهرة صحافة المواطن حيث يعمد مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي إلى مشاركة ما يشهدونه من وقائع أحداث مع غيرهم. وما أن يُلقى أول خبر عن وقوع الأزمة، حتى تتوالى الأخبار -متعددة زوايا التغطية- مستندة إلى ما سبقها ومعززة لها ومصححة لما ورد فيها من بيانات ومعلومات. فوسائل الإعلام لم تعد تكتفي بمصادرها الخاصة في الإخبار عن وقوع الأزمات، بل أصبحت تتابع الكم الهائل من الرسائل التواصلية القادمة من جمهور المتواصلين عبر شبكات التواصل الاجتماعي في شكل نصوص وصور ومقاطع فيديو وبث مباشر للوقائع، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي المتزايد لمحركات البحث التي تراقب عادات ممارسة البحث عبر الويب وتفضيلاته فتقرِّب ما يتوافق معها وتمنحها أولوية الظهور عند زيارة أحد مواقع شبكات التواصل الاجتماعي.
  2. الاصطفاف حول الأزمة: ونعني به، الانقسام إلى مؤازرة أو مناهضة أو حياد. تتضمن الأزمات المؤسسية، على الصعيد التواصلي، ثلاثة مكونات: الجهة صاحبة الأزمة، والإعلام، والجمهور. وتحدث داخل كل مكوِّن تفاعلات تؤدي إلى الاصطفاف. كما تحدث تفاعلات أخرى بين هذه المكونات تتعلق بالاصطفاف. ففيما يتعلق بالجهة صاحبة الأزمة، فقد تسمح البيئة بالانقسام إلى جماعة تضم المتسببين في الأزمة ومن يناصرهم، وجماعة أخرى متضررة من الأزمة، وتتبنى كل منهما رأيًا يسعى لاستقطاب الآخرين من أجل تشكيل رأي عام. وهناك وسائل الإعلام التي تتأثر بملكيتها وسياساتها التحريرية وأجندتها التي تجعلها تصطف بأن تسلِّط الأضواء على الأزمة بطريقة تؤدي إلى تفاقمها، أو تدافع عنها من خلال التركيز على الجزء المملوء من الكأس، أو تنكر الوقائع والحقائق، أو تغض الطرف عن تغطية الأزمة في مسعى لحجب المعلومات عن الجمهور أو لتفادي الحرج الناتج عن الدفاع عن الباطل. وأخيرًا نجد اصطفاف الجمهور الذي يتفاعل مع مصادر المعلومات المختلفة، ويتفاعل مع الجهة صاحب الأزمة وفقًا لارتباطاته ومصالحه معها، ويتفاعل داخليًّا بين أفراده، وتكون النتيجة: جمهورًا يكوِّن رأيًا يفاقم الأزمة؛ وجمهورًا يكوِّن رأيًا يتعاطف مع الجهة صاحبة الأزمة؛ وجمهورًا لا يبالي.
  3. المحاججة: وتشمل الحجج التي تلقيها وسائل الإعلام في توصيفها لحدث ووقائع مخصوصة بأنها أزمة، من خلال الإخبار والتعليق وإبداء الرأي وانتقاء بعض الوقائع والأفراد والتركيز عليها؛ والحجج التي تدافع بها المؤسسة عن نفسها (سواء بإنكار حدوث الأزمة، أو إنكار وصف الحدث بأنه أزمة، أو الاعتراف بالأزمة)، والتي تظهر من خلال التغطية الإعلامية الموالية أو التعددية التي تنشر الرأي والرأي الآخر، أو الحجج التي تقدمها إدارة الإعلام والعلاقات العامة بالمؤسسة عبر مطبوعاتها وموقعها عبر الويب وحساباتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ والحجج التي يستند إليها الجمهور في اتخاذ موقفه من الأزمة، وسواء استقاها من وسائل الإعلام أو من الأقران أو من مشاهداته المباشرة لوقائع الأزمة؛ والتفاعلات الحجاجية التي تتم بين الأطراف الثلاثة: سواء تعلق الأمر بدحض الحجج أو تبنِّيها جزئيًّا أو كليًّا أو رفضها دون الإتيان ببديل.

ثانيًا: تكاملية الإعلام وجمهوره عند الأزمات

لقد تغيَّر مفهوم الجمهور بعد ظهور الإعلام الجديد، الذي أعلى من شأن التفاعلية وسمح للجمهور بنشر رسائلهم التواصلية عبر القيام بدور الملقي كاملًا وأجبر الإعلامي المحترف على الاعتراف بالمحتوى الإعلامي الذي يقدمه أفراد الجمهور بغضِّ النظر عن الجودة التقنية والفنية. وهكذا لم يعد الدور الرئيس للجمهور ينحصر في التلقي، بل صار يشارك وسائل الإعلام المحترفة في إنتاج المحتوى الإعلامي ونشره (عبر شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي والمنصات الإعلامية الأخرى كالمدونات والمنتديات والمواقع الشخصية).

إن التجليات الجديدة للإعلام، التي تطغى عليها التفاعلية وتبادل الأدوار بين وسائل الإعلام والجمهور، تدفعنا نحو القول بالتكامل بين الفاعلين الإعلاميين والفاعلين الاجتماعيين، خاصة عند حدوث الأزمات حيث تتعاظم أهمية الرأي العام الذي قد يحدد مصير المؤسسة أو الجهة صاحبة الأزمة. ومن أبرز مظاهر هذا التكامل بين الإعلام والجمهور في عملية تشكيل الرأي العام عند حدوث الأزمات، ما يلي:

  1. تكامل المراسلين: ويتم من خلال قيام العديد من أفراد الجمهور بدور المراسل لوسيلة الإعلام عبر تغطية بعض الوقائع التي يصعب على المراسل المحترف حضورها (خاصة في الأزمة التي تحدث في أماكن متعددة وبكيفية متزامنة).
  2. منح دور الملقي لبعض الفاعلين الاجتماعيين: تقوم بعض وسائل الإعلام باستعراض الرسائل التواصلية لبعض الفاعلين الاجتماعيين، والتي تظهرهم كقادة للرأي العام (تغريدات، أو مقاطع فيديو، أو تدوينات).
  3. الاعتماد على الإعلام في تشكيل الرأي العام: أما من ناحية الجمهور، فإن المحتوى الذي يستخدم في اتخاذ موقف أو التعبير عن رأي، غالبًا ما يتم أخذه من وسائل الإعلام انطلاقًا من خبرتها ومصداقيتها.
  4. الاعتماد المتبادل على الحجج المُدافِعة عن الرأي العام: إذ تستطيع وسيلة الإعلام أن تبرز ردود الفعل السلوكية التي تجسد رأيهم العام تجاه الأزمة (كالتظاهر الإسفيري عبر التويتر من خلال وصول الوسوم إلى مستوى التريند؛ أو التظاهر الفعلي؛ أو تقديم رسائل الاحتجاج أو التضامن). بينما يعتمد الفاعلون الاجتماعيون على المحتوى الوارد في تغطيات وسائل الإعلام في التعبير عن الرأي العام (صور فوتوغرافية ومقاطع فيديو وعناوين وبيانات ومعلومات رقمية).

الإعلام وتشكيل الرأي العام خلال الأزمات

يتضح من خلال المقاربة التفاعلية والتكاملية لتشكيل الإعلام للرأي العام عند حدوث الأزمات، أن الإعلام يهتم بالرأي العام ويستند إليه في تبرير الدور الرئيس الذي يكافح من أجل القيام به في الدولة الحديثة، وهو الدور الذي يؤهله للظهور بمظهر السلطة الرابعة. لذا، تطوِّر وسائل الإعلام أدوات اشتغالها التي تمكِّنها من تشكيل الرأي العام وفقًا للأنظمة السياسية والصحافية السائدة. فوسائل الإعلام غالبًا ما تستهدف الرأي العام الداخلي والرأي العام الخارجي بخطابين إعلاميين مختلفين؛ وتنوع طرق تقديمها للمحتوى الإعلامي (من خلال الأخبار والتقارير والتغطيات المباشرة والمقابلات والاستطلاعات والتحقيقات والمقالات وأعمدة الرأي)؛ وتعرف كيف تطبِّق سياساتها التحريرية من خلال كثافة التغطية وطول مدتها. وكما بيَّن والتر لبمان (Walter Lippmann)، قبل حوالي قرن من الآن، فإن وسائل الإعلام تمارس قدرًا من الرقابة والخصوصية على المعلومات التي تقدمها إلى جمهورها، بحيث تُرِيه ما ترغب في أن يراه(8). فهي لا تحدد للجمهور ما يتلقاه من أحداث فقط، بل كيف يتلقى تلك الأحداث، وكيف يفهمها، وفي إي إطار يمكن تحليلها(9).

وقد أوضحت بعض الدراسات أن هناك تأثيرًا قويًّا لوسائل الإعلام في بروز الشؤون الخارجية والاهتمام بها من لدن الجمهور. ذلك أن التعرُّف على الأحداث التي تتم خارج النطاق الجغرافي، يتم من خلال تغطية وسائل الإعلام لهذه الأحداث، الأمر الذي يقود إلى تشكيل الرأي العام(10). كما اتضح أن المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام بإمكانها أن تُشرعِن تصرفات الأقوياء، ومن ثم تسهِّل عملية التغيير على المستوى الجمعي، أو تحد من تصرفات الأشخاص التي تعتبر محورية للتغيير الاجتماعي الأوسع(11)، أي إنها تستطيع أن تشكِّل الرأي العام الذي يقود إلى الفعل، أو الرأي العام الذي يؤدي إلى الامتناع عن الفعل. ويمكن القول: إنه أصبح مقبولًا، على نطاق واسع، أن ما نعرفه عن العالم -خارج نطاق تجاربنا الشخصية- يتم تنسيقه وتشكيله من لدن وسائل الإعلام سواء كانت مطبوعة أو مسموعة أو مرئية(12). وبيَّنت دراسة أميركية أن وسائل الإعلام تقوم بتجسير الفجوة المعلوماتية بين القادة والجماهير في الأزمات (خاصة الصراعات العسكرية)، بحيث تكون الفجوة شاسعة في بداية الأزمة، ومع مرور الوقت تقدم وسائل الإعلام المزيد من المعلومات التي تجعل الجمهور على دراية بالأزمة مثله مثل القادة(13). وأوضحت دراسة أخرى عن أزمة المهاجرين إلى أوروبا، أن وسائل الإعلام الأوروبية أثَّرت في الرأي العام وفي السياسات المتبعة تجاه الهجرة من خلال تقاريرها الإخبارية والصور التي عرضتها عن المهاجرين وطريقة وصفها للمهاجرين ووصمها لهم(14).

وفي المقابل -وفقًا للنظام الصحافي السائد- نجد أن وسائل الإعلام الرئيسة قد تقوم بدور غير مبرر في قيادة الرأي العام وتشكيله. فقد بيَّنت دراسة حول مدى عقلانية وسائل الإعلام الصينية الرئيسة في قيادة الرأي العام، أنها تخلَّت عن المعايير المهنية عند تقديمها للأخبار الحصرية؛ الأمر الذي أدى إلى تغيير اتجاه الرأي العام؛ وقامت بتنميط الجمهور من خلال تغطيتها الإعلامية؛ وقامت هذه الوسائل بوضع فرضيات ذاتية مسبقة أثرت على طريقة تقديمها للوقائع الأمر الذي أدى إلى تأييد الأطراف المتصارعة بكيفية غير عقلانية؛ وتغطية الأزمات بكيفية غير مهنية؛ بالإضافة إلى ضعف التحقق من الإشاعات قبل نشرها(15).

أولًا: الإعلام وتشكيل الرأي العام في أزمة مقتل خاشقجي

لعل أبرز مثال معاصر لدور الإعلام في تشكيل الرأي العام أثناء الأزمات، هو قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، التي تسببت في أزمة للمملكة العربية السعودية سرعان ما تحولت من أزمة دولية بين السعودية وتركيا (مكان تنفيذ الجريمة) أو السعودية والولايات المتحدة (مكان إقامة خاشقجي وعمله بصحيفة الواشنطن بوست) إلى أزمة عالمية تخاطب فيها وسائل الإعلام جمهورًا عالميًّا، وتخلق جوقة عالمية من وسائل الإعلام المتناغمة في إبقاء الأزمة في طليعة أجندتها وأجندة الجماهير.

تُبيِّن هذه الأزمة تراكم القدرات التي تمتلكها وسائل الإعلام من أجل تشكيل الرأي العام وتوجيهه، عندما تتوفر الدوافع والمعطيات التي تبرر تركيز وسائل الإعلام على أزمة ما والسير بها بعيدًا، لدرجة أن تتحول وسائل الإعلام من فاعل تواصلي ينقل الرسائل التواصلية ويساعد على تدفقها، إلى فاعل سياسي يحاصر السياسيين بالحقائق والرأي العام، ويؤثر -من ثم- في القرارات التي يتم اتخاذها.

لقد شكَّل مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، أزمة غير مسبوقة في التاريخ الحديث بسبب المفارقات والأمور غير المألوفة التي صاحبتها؛ الأمر الذي ساعد وسائل الإعلام على لفت انتباه الجمهور العالمي، وسهَّل عليها تشكيل رأي عام يدين عملية القتل ويعمِّق الأزمة التي تواجهها الدولة السعودية. ومن أبرز الأمور غير المألوفة في هذه الأزمة، نذكر:

  1. ارتُكبت هذه الجريمة في حق صحافي. وهذا الصحافي يكتب في أشهر صحيفة على مستوى العالم، وهذا كفيل بحشد الإعلام في مواجهة المملكة العربية السعودية؛ الأمر الذي يفاقم الأزمة التي حلَّت بها.
  2. لم يكن الصحافي جمال خاشقجي محسوبًا على المعارضة الصريحة للسلطات السعودية أو تلك التي تناصب نظام الحكم العداء وتسعى لتغييره، بل يمكن تصنيفه مواليًا منتقدًا لبعض السياسات وفقًا لما يتيحه الحد الأدنى من حرية التعبير. وعلى الرغم من ذلك تم التخلص منه بواسطة القتل (مما يعتبره البعض أقرب إلى جزاء سنمار، باعتباره صحافيًّا مهنيًّا متمكنًا يُحسب لفائدة الدولة السعودية).
  3. تم تنفيذ جريمة القتل داخل مقر القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية، وهذا أمر مناف للأعراف الدبلوماسية ولكافة التشريعات الدولية.
  4. تمت العملية بكيفية تثير أعلى درجات العواطف والمشاعر المستنكرة، حيث تم تنفيذ عملية القتل بعد التعذيب والتمثيل بالجثة وإخفائها من خلال تفاصيل مرعبة.
  5. كانت العملية مدعاة للسخرية من حيث التستر عليها، أو تبريرها والدفاع عنها من قبل السلطات السعودية؛ الأمر الذي مكَّن وسائل الإعلام من تقديمها كحدث لافت للأنظار.
  6. كانت المفارقة الكبرى هي ارتباط هذه الأزمة ببلد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين، والتناقض القيمي الواضح الذي لا يمكن تبريره أو الدفاع عنه.
  7. التناقض الصريح والارتباك في إدارة الأزمة من لدن السلطات السعودية، خاصة من خلال التصريحات وتقديم الروايات المتعددة التي يعارض بعضها بعضًا، وغياب السلوك الإيجابي الذي يساعد على إدارة الأزمة والتخلص منها.
  8. الضرر البالغ الذي ألحقته العملية بالصورة الذهنية الإيجابية للمملكة العربية السعودية، والذي يجعل القرار بتنفيذ العملية أشبه بالانتحار مقارنة بالأضرار التي يمكن أن تحدث لسمعة المملكة إن بقي خاشقجي حيًّا.
  9. الصعوبة البالغة التي واجهها الإعلام التعبوي والموالي في إدارة الأزمة تواصليًّا، حيث اضطر في البداية لتجاهل الأزمة (على أمل أن تمر مرور الكرام دون أن تؤثر على الرأي العام العالمي). كما تجسدت الصعوبة في قوة الإعلام الآخر الذي كشف الأزمة وساعد على تفاقمها من خلال التغطية المكثفة وتشكيل الرأي العام العالمي.

وتداخلت الاعتبارات السياسية، وتعقيدات العلاقات التي تجمع بين المملكة العربية السعودية والدول المعنية بالأزمة، وتم استدعاء الأزمات التي مرت بها المملكة في السنوات الثلاث الأخيرة مضافًا إليها أزمات بداية القرن الحادي والعشرين، ليجد الإعلام غير الموالي ما يكفي لتشكيل رأي عام يضع أزمة مقتل خاشقجي ضمن سياق يؤدي إلى رسم صورة ذهنية سلبية يصعب تغييرها.

ثانيًا: الرأي العام العربي ومقتل خاشقجي

على الرغم من أن أزمة مقتل خاشقجي محسوبة على العالم العربي، إلا أن دور الإعلام العربي في تشكيل الرأي العام بخصوص هذه الأزمة كان محدودًا على صعيد عدد الوسائل الإعلامية المشاركة بسبب تأثير المملكة العربية السعودية على الأنظمة الصحافية العربية من خلال علاقاتها مع أنظمة الحكم العربية.

وتكاد قناة الجزيرة الإخبارية تنفرد بتشكيل الرأي العام العربي في هذه القضية عبر تغطيتها للأزمة من ناحية الكم والكيف. فقد كانت الجزيرة المصدر الرئيس للمحتوى الإعلامي الذي تستند إليه وسائل الإعلام العربية التي سمحت لها أنظمتها الإعلامية السائدة بالمساهمة في تشكيل الرأي العام المحلي حول هذه الأزمة. وكما يتضح من خلال الجدول رقم 1، فإن موقع الجزيرة نت نشر خلال شهرين من الأزمة قرابة الألف مادة إعلامية بمعدل حوالي 16 مادة في اليوم؛ الأمر الذي يجعل هذه الأزمة في صدارة الأجندة التحريرية لشبكة الجزيرة.

جدول رقم (1) يوضح تغطية موقع الجزيرة نت لأزمة مقتل خاشقجي خلال الشهرين الأولين (2 أكتوبر/تشرين الأول – 2 ديسمبر/كانون الأول 2018)

م القسم عدد المواضيع
1 الأخبار 756
2 مدونات 132
3 البرامج 75
4 ميدان 26
5 رياضة 5
6 المعرفة 3
7 الموسوعة 1
المجموع 998

كما أن قناة الجزيرة نشرت 914 مقطع فيديو عبر قناتها في اليوتيوب عن أزمة مقتل خاشقجي خلال شهرين (6 أكتوبر/تشرين الأول – 6 ديسمبر/كانون الأول 2018)، بمعدل حوالي 15 مقطع فيديو في اليوم.

وفي المقابل، نجد أن قناة العربية (السعودية) بدأت تناولها لأزمة خاشقجي بعد يومين من مقتله في القنصلية، أي في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2018؛ إذ لم ينشر موقع العربية نت أية مادة إعلامية عن الأزمة خلال يومي 2 و3 أكتوبر/تشرين الأول 2018. وبلغ عدد المواضيع الإعلامية التي نشرها الموقع 439 موضوعًا خلال شهرين (من 2 أكتوبر/تشرين الأول إلى 2 ديسمبر/كانون الأول 2018) بمعدل حوالي 7 مواضيع في اليوم؛ وحوالي ثلث هذه المواضيع (150 مقالًا) عبارة عن مقالات رأي تدافع عن الموقف السعودي من الأزمة. كما نشرت العربية عبر قناتها في اليوتيوب 140 مقطع فيديو خلال الشهرين الأولين من أزمة مقتل خاشقجي، أي حوالي 15% من عدد الفيديوهات التي نشرتها الجزيرة عن الأزمة في الفترة ذاتها. وهذا يبين -من حيث الكم- أن الجزيرة أكثر سعيًا لتشكيل الرأي العام العربي حول أزمة مقتل خاشقجي، حيث سيطرت على المشهد من خلال مكتبها ومراسليها المرابطين في مواقع الأحداث في تركيا (أمام مبنى القنصلية السعودية بإسطنبول، وأمام بيت القنصل، ومن العاصمة أنقرة…)؛ ونظرائهم في الولايات المتحدة؛ فضلًا عن تصدر الأزمة لأجندة برامجها التي يتم إعدادها وتنفيذها من المقر. وفي المقابل، فإن أول صور مباشرة تنقلها العربية من أمام القنصلية السعودية في إسطنبول كانت يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2018(16)، بعد أن اتبعت استراتيجية التأثير في الرأي العام من خلال التجاهل ومهاجمة وسائل الإعلام التي تنشط في تغطية الأزمة (الجزيرة -على الصعيد العربي- والإعلام الأميركي والغربي).

هكذا، يمكن أن نخلص إلى أن إخفاق وسيلة الإعلام في القيام بدورها في تشكيل الرأي العام، سواء من خلال التقاعس عن تغطية الأزمات أو تغليب الأجندة التي تتعارض مع المهنية أو اللجوء إلى الأخبار الكاذبة، يؤدي إلى فقدان الثقة في الوسيلة ومن ثم يؤدي إلى إضعاف دورها في تعزيز الوعي السياسي عند المواطنين فتفقد وظيفتها الرقابية باعتبارها سلطة رابعة(17).

ثالثًا: الرأي العام العالمي واغتيال خاشقجي

حظيت أزمة مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، باهتمام كبير من لدن وسائل الإعلام العالمية الرئيسة، وفي مقدمتها وسائل الإعلام الغربية الرئيسة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية، فضلًا عن الإعلام التركي الذي انتقلت به الأزمة إلى مصاف العالمية من حيث قدرته على الانفراد بالقصص الإخبارية الحصرية التي يحصل عليها من السلطات التركية التي تحقق في الجريمة.

وقد تمكنت هذه الأزمة من أن تفرض نفسها على أجندة الإعلام العالمي لفترة طويلة انطلاقًا من غرابة أحداثها، وطريقة إدارتها من لدن الجانب السعودي، وعلاقتها المباشرة بالإعلام (المقتول إعلامي، ودخول صحيفة الواشنطن بوست الأميركية كطرف معني بالأزمة باعتبار المقتول أحد كتَّابها، واعتماد الإعلام التركي كقناة لتسريب تفاصيل جريمة القتل)، وعلاقتها بولي العهد السعودي.

لكل ذلك تحولت أزمة مقتل خاشقجي إلى قضية رأي عام عالمي ذات ارتباط وثيق بالصورة الذهنية السلبية للإنسان العربي والمسلم المقرونة بالإرهاب (في طريقة تنفيذ الجريمة) وغياب حرية التعبير. وأبرز دليل على تحولها إلى قضية رأي عام عالمي، أثرها على صناع القرار في بعض الدول الديمقراطية التي اتخذت مواقف تراوحت بين سن تشريعات سلبية تجاه التعامل مع السعودية، خاصة في مجال بيع الأسلحة، والتنديد بالجريمة ومطالبة السلطات السعودية بالكشف عن مرتكبيها ومحاسبتهم. وتأتي الولايات المتحدة الأميركية في مقدمة الدول التي أسهم الإعلام بالإضافة إلى السلطتين التنفيذية والتشريعية في تحويل أزمة مقتل خاشقجي إلى قضية رأي عام.

  1. الإعلام الأميركي ومقتل خاشقجي

هناك شبه اتفاق بين الباحثين والمهتمين بقوة الإعلام الأميركي وقدرته على التأثير داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقد دلَّل على هذه القوة هربرت شيللر (Herbert Schiller) في كتابه: “المتلاعبون بالعقول”، عندما بيَّن أن الإعلام الأميركي يأتي في صدارة المؤسسات الأميركية التي توجِّه العقول من خلال تبنِّيها لأسطورتين من بين الأساطير الخمسة المؤسسة لهذا التوجيه، وهما أسطورتا “الحياد” و”التعددية الإعلامية”(18). وربط شيللر أسطورة التعددية الإعلامية بوهم حرية الاختيار المتاحة للمتلقي من خلال الكم الهائل لوسائل الإعلام الأميركي التي توحي بأن هناك تعددًا وتنوعًا في المحتوى المُلقى للجمهور، إذ قال: “إن وهم حرية الاختيار، فيما يتعلق بالإعلام، أكثر انتشارًا في الولايات ا لمتحدة من أي مكان آخر في العالم. ويتعزز هذا الوهم من خلال الميل -الذي يعمد المسيطرون على الإعلام إلى المحافظة على استمراره- إلى الخلط بين وفرة الكم الإعلامي وبين تنوع المضمون”(19).

لقد اهتمت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة (الصحف والقنوات التليفزيونية الكبرى ووكالات الأنباء) بقضية مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، وحوَّلتها إلى أزمة ذات ارتباط بالسلطات الأميركية، ومن ثم أصبحت قضية رأي عام داخلي من خلال كثافة التغطية الإعلامية. ولابد من التذكير هنا بأهمية الرأي العام في الولايات المتحدة الأميركية. فقد بيَّنت العديد من الدراسات أن هناك أدلة قوية على تأثير الرأي العام في الولايات المتحدة على السياسات الحكومية في مختلف المستويات(20).

ومن أبرز منطلقات اهتمام الإعلام الأميركي باغتيال خاشقجي، نذكر ما يلي:

أ – العلاقة المهنية التي تجمع خاشقجي بصحيفة الواشنطن بوست.

ب – علاقة الرئيس الأميركي بالقيادة السعودية.

ج – محاولات الرئيس الأميركي احتواء الأزمة، انطلاقًا من العلاقة المخصوصة التي تربط الولايات المتحدة بالسعودية في عهده.

د – العداء بين الرئيس دونالد ترامب ووسائل الإعلام الأميركية الرئيسة.

هـ – انتهاك عملية الاغتيال للقيم الأميركية (وعلى رأسها حرية التعبير).

و – بشاعة الاغتيال واستدعاء أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.

دفعت هذه المنطلقات الإعلام الأميركي إلى تناول أزمة مقتل خاشقجي تناولًا شاملًا تعددت فيه فنون التحرير الإعلامي (قصص إخبارية وافتتاحيات ومقابلات ومقالات رأي وأعمدة ورسوم معلوماتية…)، وتعددت فيه الوسائط التواصلية (نصوص وصور ومقاطع فيديو). كما أنها حققت انفرادات صحافية من خلال تتبع خيوط الجريمة التي مرت من الولايات المتحدة وما تم رصده من لدن الأجهزة الأمنية الأميركية. فكانت الحصيلة زخمًا إعلاميًّا متواصلًا ومتناغمًا فيما بين الوسائل الإعلامية الأميركية، وذلك ما تبينه أرقام التغطية الإعلامية لأبرز الصحف والقنوات التليفزيونية الأميركية، (انظر: الجدول رقم 2).

جدول رقم (2) يبيِّن تغطية الإعلام الأميركي لأزمة مقتل خاشقجي خلال الشهرين الأولين (2 أكتوبر/تشرين الأول – 2 ديسمبر/كانون الأول 2018)

م الوسيلة الإعلامية عدد المواضيع المعدل اليومي
1 الواشنطن بوست 961 16
2 قناة سي إن إن 598 8.6
3 قناة فوكس 466 7.8
4 النيويورك تايمز 456 7.6
5 الوول ستريت جورنال 258 4.3

لقد قادت التغطية المكثفة لأزمة مقتل جمال خاشقجي إلى لفت أنظار العالم للمخاطر التي يتعرض لها الصحافيون، الأمر الذي تُوِّج باختيار مجلة تايم الأميركية لخاشقجي وثلاثة صحافيين وصحيفة أميركية باعتبارهم شخصية العام 2018، وقد أسمتهم “حراس الحقيقة”(21).

ومن أمثلة اهتمام الإعلام الأميركي بأزمة مقتل خاشقجي والسعي إلى تحويلها لقضية رأي عام أميركي وعالمي، ما صرح به ناشر صحيفة الواشنطن بوست ورئيسها التنفيذي، فريد ريان (Fred Ryan)، حول موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من مقتل الصحافي السعودي؛ حيث اعتبر هذا الموقف خيانة للقيم الأميركية الراسخة التي تحترم حقوق الإنسان، وحمَّل الكونغرس الأميركي مسؤولية الحفاظ على هذه القيم والمصالح(22). ويبيِّن هذا التصريح أن الأمر، بالنسبة لصحيفة الواشنطن بوست يتعدى مجرد تغطية إخبارية لحدث، بل هي طرف في هذا الحدث من خلال العلاقة المهنية التي تربطها بخاشقجي (مقرونًا بالعلاقة المتوترة بين الرئيس الأميركي وأبرز وسائل الإعلام الرئيسة في الولايات المتحدة). وقد عبَّر عن المأزق الذي وضعت فيه السعودية نفسها مع الإعلام الأميركي -ممثلًا في الواشنطن بوست- الصحافي الأميركي، جو سكاربورو (Joe Scarborough)، في برنامجه الصباحي “جو مورنينغ” (Joe Morning) الذي تبثه قناة إم إس إن بي سي (MSNBC)؛ حيث هدد السعودية بأن الواشنطن بوست سوف تلاحقها بالحقائق، بسبب مقتل خاشقجي، من خلال مجموعة من الصحافيين الغاضبين(23).

تثير التغطية المكثفة لوسائل الإعلام الأميركية لأزمة مقتل خاشقجي، عند البعض، مدى انتقائية الإعلام الغربي بصفة عامة والأميركي بصفة خاصة في تغطية الأحداث وتسليط الضوء عليها. فعلى سبيل المثال، بدت صحيفة النيويورك تايمز بعد مقتل خاشقجي، وكأنها تكتشف لأول مرة مسؤولية السعودية عن الحرب الدائرة في اليمن وما خلَّفته من أزمات(24). فقد دفعت أزمة خاشقجي الإعلام الأميركي والغربي إلى تأزيم الصورة الذهنية للمملكة العربية السعودية من خلال استدعاء كافة الملفات والأزمات السابقة للبرهنة على الموقف القوي من الأزمة الحالية ومبررات تحويلها إلى قضية رأي عام عالمي. بالإضافة إلى دخول هذا الإعلام كأحد الفاعلين في الأزمة من خلال مقاطعة كبريات المؤسسات الإعلامية الأميركية لمنتدى “دافوس الصحراء” الذي انعقد في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018 في العاصمة السعودية الرياض(25).

  1. عولمة خاشقجي

إلى أي مدى أصبح اسم خاشقجي مشهورًا على الصعيد العالمي بعد أزمة مقتله في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية؟ ربما يفيدنا غوغل بمؤشرات عن الإجابة من خلال بحثه عبر شبكة الويب. فكما يظهر في الجدول رقم 3، لقد ورد ذكر خاشقجي ملايين المرات خلال الفترة ما بين مقتله في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018 والثاني من ديسمبر/كانون الأول 2018. واتخذ هذا الورود طابع الكثافة والتعدد على مستوى اللغات سواء في صيغة أخبار أو مقاطع فيديو.

جدول رقم (3) يوضح ورود اسم خاشقجي عبر الويب خلال الشهرين الأولين (2 أكتوبر/تشرين الأول – 2 ديسمبر/كانون الأول 2018)

م طبيعة الورود التكرار
1 في كل اللغات 8150000
2 في اللغة الإنجليزية 1960000
3 في اللغة العربية 1760000
4 مقاطع الفيديو (بالإنجليزية) 428000
5 مقاطع الفيديو (بالعربية) 412000
6 الأخبار (بالإنجليزية) 627000
7 الأخبار (بالعربية) 592000

ولا شك في أن شبكات التواصل الاجتماعي قامت بدور رئيس في هذا الرواج بفضل بلايين المتواصلين عبرها، وميلهم نحو تمرير الرسائل التواصلية التي يقوموا بإنتاجها أو استنساخها أو تصلهم من جهة صديق أو جهة مُعلِنة.

أما البحث عن الصور الفوتوغرافية، فيسفر عن ملامح قصة مصورة تحكي أزمة خاشقجي والشخصيات والجهات الفاعلة فيها (انظر الشكل رقم 1)؛ الأمر الذي يبرز إلى أي مدى تتداول الفضاءات الإعلامية الوقائع والأحداث والمواقف المرتبطة بهذه الأزمة.

شكل رقم (1) يبين ورود صور خاشقجي عبر الويب خلال الشهرين الأولين (2 أكتوبر/تشرين الأول – 2 ديسمبر/كانون الأول)(26)

إن الورود المكثَّف لاسم خاشقجي بعد مقتله في القنصلية السعودية بإسطنبول، يجد له عدة تبريرات تتمثَّل في غرابة الحدث ووحشية تنفيذ الجريمة وعبثية التستر عليها، لدرجة أنها أصبحت هدفًا للسخرية من خلال تأليف النكات ورسم الكاريكاتيرات (انظر الشكل رقم 2)، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو الساخرة (خاصة استخدام المنشار في تقطيع الجثة على أنغام الموسيقى).

شكل رقم (2) يوضح ورود رسوم كاريكاتورية عن مقتل خاشقجي عبر الويب خلال الشهرين الأولين (2 أكتوبر/تشرين الأول – 2 ديسمبر/كانون الأول 2018)(27)

وتكمن أهمية هذا النوع من التناول الإعلامي في تشكيل الرأي العام ورسم الصورة الذهنية، في اعتماده على المبالغة وتوظيف الثيمات والأفكار ذات الطابع الأدبي والدرامي والفلسفي والديني والثقافي التي قد ترسخ في الوجدان وتصبح ضمن المنظومة الإدراكية التي يتم استدعاؤها كلما ورد اسم المملكة العربية السعودية في سياق انتقادي. والأخطر في الأمر، أن شبكة الويب تحتفظ بالبيانات والمعلومات والوثائق التي تمر عبرها في فضاءات متعددة يصعب التحكم فيها، وكل محاولة للبحث عبر هذه الشبكة قد تأتي بالمطلوب في لمح البصر حتى وإن عفا عليه الدهر، وهذا أمر يخالف فكرة النسيان التي يمكن المراهنة عليها في محو آثار الأزمات الكبرى مثل التي نتجت عن مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي.

رابعًا: التفاعل والتكامل بين الإعلام والرأي العام وأزمة مقتل خاشقجي

رأينا، من خلال نماذج من وسائل الإعلام العربي والأميركي، كيف أن الإعلام تفاعل مع حادث مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، وسلَّط عليه الأضواء حتى بدا الحادث أزمة تخطت الحدود الدولية الضيقة (المملكة السعودية وتركيا) لتتخذ طابعًا عالميًّا من خلال اهتمام الولايات المتحدة وكندا وأبرز دول الاتحاد الأوروبي. إن الأرقام الواردة في الجدول رقم 3 تشير إلى الاهتمام الذي حظيت به حادثة مقتل خاشقجي في الإعلام العالمي الذي تعكس شبكة الويب قدرًا كبيرًا مما يدور فيه. ولا شك أن الطريقة الأكثر شيوعًا للتفاعل الإيجابي للإعلام مع الأحداث تتم من خلال التغطية التي هي نتاج السياسة التحريرية والأجندة؛ وكلما زادت هذه التغطية كمًّا ونوعًّا، برهنت على زيادة التفاعل مع الأحداث المعنية.

ومن ناحية أخرى، فإن التفاعل بين الإعلام وحادث مقتل خاشقجي حوَّل هذا الحادث إلى أزمة واجهت الدولة السعودية، ولفتت إليها أنظار العالم من خلال العلاقة المركبة التي تجمعها بالحادث والأطراف المعنية به والأطراف المعنية بالسعودية باعتبارها دولة مهمة.

وهناك وجه آخر للتفاعل أتى كنتاج للتفاعل بين الإعلام وأزمة مقتل خاشقجي، ونعني به الرأي العام الذي هو حصيلة إلقاء وسائل الإعلام بمجموعة من الرسائل التواصلية الإعلامية إلى جماهيرها، وهي رسائل تتناغم في إدانتها للحادث وتنديدها ببشاعته وانحيازها للمقتول باعتباره صحافيًّا شهيرًا. وساعد الإعلام في توجيهه للرأي العام، الطريقة التي أدارت بها الدولة السعودية الأزمة، وضعف الإعلام الموالي لها في خلق توازن بين الرأي والرأي الآخر (راجع المقارنة بين تغطية الجزيرة والعربية لمقتل خاشقجي الواردة في فقرة “الرأي العام العربي ومقتل خاشقجي”، أو تغطية العربية مقارنة بتغطية الواشنطن بوست).

ويمكن التدليل على تفاعلية الرأي العام مع أزمة مقتل جمال خاشقجي، من خلال الوقفات الاحتجاجية التي تم تنظيمها في بعض البلدان التي تكفل حرية التعبير عن الرأي؛ والمقاطعة التي قامت بها بعض المؤسسات والشخصيات العالمية لمنتدى دافوس الصحراء الذي نُظِّم في العاصمة السعودية، الرياض، وكان السبب الرئيس للمقاطعة هو الأزمة؛ والقرارات التي اتخذتها بعض الدول -متأثرة بقادة الرأي في المؤسسات التشريعية- لمعاقبة السعودية من خلال إيقاف بيع الأسلحة أو الحد منه.

أما الجانب التكاملي بين الإعلام والرأي العام وأزمة مقتل خاشقجي، فيمكن رصده من خلال التغطية الإعلامية الشاملة التي تكاملت فيها أدوار الإعلام التقليدي مع الإعلام الجديد (مشتملًا على الصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي والويكيبيديا والمدونات والمنتديات وغيرها)؛ وتكاملت فيه أدوار وسائل الإعلام (خاصة التركية والأميركية والبريطانية) مع الأجهزة الأمنية من خلال التسريبات الإعلامية التي هدفت إلى تحويل الأزمة إلى قضية رأي عام، حيث اتبعت هذه التسريبات التدرج الذي يهدف إلى شد انتباه الجماهير والتأثير في مواقفها بكيفية تراكمية.

وهناك التكامل القائم على الاستشهاد المتبادل بالأقوال والمواقف التي تصدر من وسائل الإعلام وقادة الرأي العام، والتي تجلت بوضوح في تصريحات بعض أبرز أعضاء الكونجرس الأميركي لوسائل الإعلام، حيث تستشهد هذه التصريحات بما ورد في الإعلام الأميركي والتركي من تسريبات أمنية وتحقيقات وقصص إخبارية عن تفاصيل مقتل خاشقجي وكيفية التستر على الحادث.

خاتمة

إن مقاربتنا للعلاقة التفاعلية التكاملية التي تجمع بين الإعلام والرأي العام والأزمات تبيِّن أن هذه الأطراف -عندما تلتقي معًا- تشكِّل وجهًا ثلاثي الأبعاد لظاهرة تواصلية إنسانية في مكان وزمان مخصوصين؛ إذ لا يمكن الفصل بين الإعلام والرأي العام، أو الإعلام والأزمات، أو الرأي العام والأزمات، ولا يمكن لأي منهم أن يستغني عن الآخر. فوسائل الإعلام لم تعد محتكرة للفعل التواصلي الإعلامي فتتستر على الأزمة (وفقًا لأجندتها، أو من جرَّاء الضغوط التي تمارَس عليها)؛ وأفراد المجتمع ليس بمقدورهم تشكيل رأي عام في غياب التواصل الإعلامي الذي تقوم به وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة أو صحافة المواطن.

لقد أرسى الإعلام في القرون الماضية مجموعة من الأسس المهنية والفنية والأخلاقية التي تجعل من التواصل الإعلامي ضرورة لا غنى عنها في المجتمعات الحديثة. وقد أثبتت فورة التواصل الاجتماعي الرقمي التي اجتذبت إليها بلايين البشر أن الإعلام لا يزال يحتفظ بقدراته ومهاراته الكبيرة في مجال معالجة البيانات والمعلومات والأفكار التي تستخدم كمادة خام لتشكيل الرأي العام؛ وأن الأزمات تبرز أهمية الإعلام في المجتمعات الحديثة.

أما الأزمة التي تطرقنا إليها، فهي تبرهن على الضرر البالغ الذي يمكن أن ينتج من معاداة الجهات التي تتورط في الأزمات للإعلام والاستهانة بقدراته على الفعل، طالما أن فعله مجرد فعل تواصلي. وهذا قول فاسد، لأن التواصل هو أساس كل فعل في هذه الحياة، والتكنولوجيا الرقمية تزيد من تمكين وسائل الإعلام تواصليًّا وتُمِدّها بذاكرة لا تقهر.

لا تزال أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي تتفاعل، ولا تزال تداعياتها تترى، الأمر الذي يجعلها أنموذجًا لمزيد من الدراسات النوعية والكمية في مجالات الرأي العام والتأثير الإعلامي وإدارة الأزمات. ونأمل، من خلال هذه الدراسة، أن تسهم المقاربة التفاعلية-التكاملية التي تم اقتراحها في إجراء مزيد البحوث التي تكشف الديناميكيات التي تصاحب التناول الإعلامي للأزمات، وكيف يؤدي هذا التناول إلى تشكيل الرأي العام ورسم الصور الذهنية في عصر العولمة التواصلية.

المراجع

(1) Price, Vincent, The Public and Public Opinion in Political Theories, In Wolfgang Donsbach, The Sage Handbook of Public Relations Research, (Sage, Los Anglos, 2008), p.12.

(2) Ziolkowski, Janusz, Democracy, Public Opinion and Media, In Democracy, Reality and Responsibility, Vatican City: Pontifical Academy of Social Sciences, Acta 6, 2001, p.175, (Visited on 15 December 2018):

http://www.pass.va/content/dam/scienzesociali/pdf/acta6/acta6-ziolkowski.pdf

(3) Watanabe, Morio, Public Opinion and Mass Media, GOVERNMENT AND POLITICS (Oxford, UK: Eolss Publishers), (Vol. 1, 2004), p. 2, (Visited on 15 December 2018):

 http://www.eolss.net/sample-chapters/c04/e6-32-03-04.pdf

(4) Matthes, Jörg, Mass media and public opinion: Manipulating or enlightening? Paper presented at the 9th Dialogue on Science, 13-15 October 2010 in Engelberg, Switzerland, p. 14-15, (Visited on 25 October 2018):

https://bit.ly/2QkZmvb

(5) لقد عرَّف رائد العلاقات العامة، إدوارد لويس بيرنيس (Edward L. Barneys)، قبل حوالي قرن، الرأيَ العام بأنه: “النتيجة الإجمالية لآراء الأفراد الذين يشكِّلون المجتمع أو مجموعة ضمن المجتمع”.

Barneys, E. L. Crystallizing Public Opinion, (Liveright Publishing Corporation, New York, 1923), p. 61.

(6) بورديو، بيير، لا وجود للرأي العام، في: مسائل في علم الاجتماع، ترجمة هناء صبحي، (هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أبوظبي، 2012)، ص 365-382.

(7) McCombs, Maxwell, The Agenda-Setting Role of the Mass Media in the Shaping of Public Opinion, 2011, p. 17, (Visited on 24 October 2018):

https://bit.ly/2F7NTwT

(8) Lippmann, W. Public Opinion, (The Macmillan Company, New York, 1922), p. 28-29.

(9) قيراط، محمد، تشكيل الوعي الاجتماعي: دور وسائل الإعلام في بناء الواقع وصناعة الرأي العام، (مكتبة الفلاح، الكويت، 2007)، ص 14.

(10) Soroka, Stuart N., Media, Public Opinion, and Foreign Policy, Press/Politics, (Vol. 8, No. 1, winter 2003), p. 42-43.

(11) Happer, Catherine and Philo, Greg, The Role of the Media in the Construction of Public Belief and Social Change, Journal of Social and Political Psychology, (Vol. 1, No. 1, 2013), p. 333, (Visited on 15 December 2018):

http://eprints.gla.ac.uk/95393/1/95393.pdf

(12) Fields, Barry, School Discipline Coverage in Australian Newspapers: Impact on Public Perceptions, Educational Decisions and Policy, Paper presented at the annual conference of the Australian Association for Research in Education (AARE), University of Melbourne, 28 November – 2 December 2005, p. 3, (Visited on 15 December 2018):

https://core.ac.uk/download/pdf/11039769.pdf

(13) Baum, Matthew A. and Potter, Philip B.K., The Relationships Between Mass Media, Public Opinion, and Foreign Policy: Toward a Theoretical Synthesis, Annual Review of Political Science, (Vol. 11, 2008), p. 42, (Visited on 24 October 2018):

https://sites.hks.harvard.edu/fs/mbaum/documents/BaumPotter_AnnualReview2008.pdf

(14) Kosho, Joana, Media Influence On Public Opinion Attitudes Toward The Migration Crisis, International Journal of Scientific & Technology Research, (Vol. 5, Issue 5, May 2016), p. 90.

(15) Zhao, Zuowei, The Study of Public Opinion Guidance and Media Rationality of Mainstream Media in the Media Convergence Environment, Advances in Social Science, Education and Humanities Research, (Vol. 124, 2017), p.1003, (Visited on 15 December 2018):

https://www.atlantis-press.com/proceedings/iccessh-17/25878764

(16) صور مباشرة من أمام القنصلية السعودية في إسطنبول، يوتيوب، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 15 ديسمبر/كانون الأول 2018):

(17) Marwick, Alice and Lewis, Rebecca, Media Manipulation and Disinformation Online, (Data & Society Research Institute, 2017), p. 45, (Visited on 24 October 2018):

https://datasociety.net/pubs/oh/DataAndSociety_MediaManipulationAndDisinformationOnline.pdf

(18) شيللر، هـ، المتلاعبون بالعقول: كيف يجذب محركو الدمى الكبار في السياسة والإعلان ووسائل الاتصال الجماهيري خيوط الرأي العام، ترجمة عبد السلام رضوان، (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، مارس/آذار 1999)، ص 16-18، 25-31.

(19) المرجع السابق، ص 26.

(20) Shapiro, Robert Y., Public Opinion and American Democracy, Public Opinion Quarterly, (Vol. 75, No. 5, 2011), p. 1003.

(21) Felsenthal, Edward, The Choice, Time Magazine, (Visited on 17 December 2018),

http://time.com/person-of-the-year-2018-the-guardians-choice/

(22) Wash Post PR, Washington Post Publisher and CEO Fred Ryan statement on Jamal Khashoggi, (WashPost PR Blog, 20 November 2018), (Visited on 17 December 2018):

https://wapo.st/2Rvndgh

(23) Morning Joe, Sleaze Merchants’ Work to Smear Jamal Khashoggi, MSNBC, 19 October 2018, (Visited on 19 December 2018):

https://bit.ly/2GQCdBa

(24) Cartalucci, Tony,  Western Media “Discovers” Saudi Atrocities in Wake of Khashoggi Fallout, New Eastern Outlook, 10 November 2018, (Visited on 5 December 2018):

https://bit.ly/2To3rAA

(25) Safi, Marlo, Why Is Western Media Only Now Confronting Saudi Crimes?, National Review, 13 October 2018, (Visited on 5 December 2018):

https://bit.ly/2RwTLXe

(26) https://bit.ly/2SAkzTQ

(27) https://bit.ly/2TpSyhL