تسعى هذه الدراسة لتحليل الخلفية الاقتصادية الاجتماعية لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، وكيف تفسر اندلاعها وفشلها معًا، وكيف كانت نتاجًا لتشوهات النمط الاقتصادي الاجتماعي بآثارها التنموية والمؤسسية، ودور الأبعاد الديمغرافية فيها، وحدودها الموضوعية وأسباب فشلها.

وتتبنى الدراسة مدخل اقتصاد سياسي، بمنهج بنيوي-تاريخي، يربط تأزمات وتشوهات النمط الاقتصادي الاجتماعي الريعي التابع، من فشل تنموي وطغيان فاسد، باتجاهات تطوره الهيكلية طويلة الأجل، وكيف تفاعلت تلك التأزمات والتشوهات مع اتجاهات التطور الاقتصادي الديمغرافي لتنتج الانتفاضة المصرية عام 2011، وكيف أن هذا النمط بتشوهاته كان جزءًا من خلفية فشل الثورة نفسها؛ لغياب القوى الاجتماعية ذات التناقض الإنتاجي، والواعية به كتناقض مع بنية النمط، وليس مع أعراضه التوزيعية ونتائجه المؤسسية فقط.

 

الاضطرابات السياسية في الفكر الاقتصادي

تبدو قضية الاضطرابات والثورات السياسية في الفكر الاقتصادي هامشية إلى حد ما في الأدبيات الاقتصادية عمومًا، لاسيما المُنتمية منها للمدرسة التقليدية الرسمية خصوصًا، والأهم لما يعتور أغلب محاولات تناولها في الاقتصاد من عدم مباشرة تحليلية (كونها خارج الاهتمام الأساسي أغلب الوقت)، وتداخلها مع قضايا أخرى (كنتاج عرضي لمناقشة مسائل أخرى)؛ ما يجعل من بعض ما نطرحه هنا محاولات لن تخلو، ما دمنا مُقيدين بالبحث في حدود الفكر “الاقتصادي”، من بعض التجاوز، وستتمحور مفاتيح “مطاردة” تلك الشذرات العامة، إن صح التعبير، حول قضايا التغير والدورات والأزمات والركود والطفيلية (بوجهيها الاحتكاري والريعي) والفقر وتناحر التوزيع والحروب وما شابه من قضايا مُتصلة بالاضطرابات السياسية عمومًا.

وبصفة عامة، هناك موقفان منهجيان رئيسيان من الاضطرابات السياسية والاجتماعية في الفكر الاقتصادي، الأول: هو الموقف المحافظ الذي ينطلق من تصور “التوازن” على أنه الحالة الطبيعية للنظام الاقتصادي، فيراها كعوامل عارضة دخيلة على النظام تخل بانتظامه الطبيعي وسير عمله، والثاني: الموقف الراديكالي الذي يمركز “التغير” في صلب تحليله للنظام الاقتصادي، فيراه كنتاج تكويني طبيعي لتطوره وحركته، بحيث لا يمكن أن تنفصل عنه، فضلًا عن كونه يفيده ويفكك احتكاكاته ليحقق انطلاقات جديدة.

وبالرجوع في التاريخ نجد قبل الجميع، ابن خلدون العربي يتحدث عن دورات الدول من الندرة والفقر إلى الوفرة والرخاء، من خلال الأجيال الكفؤة، أو “الرجال الأقوياء”، ثم كيف تؤدي تلك الوفرة والرخاء لإضعاف الكفاءة الإنتاجية، بسبب نشأة أجيال أقل كفاءة، أو “الرجال الضعفاء”؛ فيؤدي إلى التدهور والانهيار، وهو ما يصلح خلفية لتحليل الثورات السياسية على خلفية ما يمكن وصفه بدورة الكفاءة الاجتماعية في حيوات الأمم.

ثم نجد لدى “الاقتصاديين الكلاسيكيين”، بدءًا من آدم سميث (Adam Smith) وانتهاءً بجون ستيورات ميل (John Stuart Mill)، قناعة بالركود الحتمي للنظام الرأسمالي في الأجل الطويل، بما يرتبط به من تفسخ اجتماعي واضطراب سياسي، فسميث وريكاردو أكدا حتمية ذلك الركود مع قانون تناقص الغلة، بالأخص في القطاع الزراعي، وتصاعد المُكون الريعي في النظام الاقتصادي الذي يكبح نمو الأرباح والأجور ويفاقم التناحرات التوزيعية، وروبرت مالثوس (Robert Malthus) الذي نظر للأمر من عدسة الديمغرافيا، حيث رأى تفارقًا مُستمرًّا بين النمو السكاني الذي ينمو بمتوالية هندسية، والنمو الاقتصادي الذي ينمو بمتوالية حسابية، لتتزايد الفجوة بينهما دون حلول سوى الاضطرابات من حروب وثورات ومجاعات، وإن دون جدوى سوى العودة لوضع التوازن الكفافي، بينما رأى جون ستيورات ميل أن النمو في الأجل الطويل سيتباطأ، ولم ير في ذلك بأسًا، كونه مال أواخر حياته للدعوة لبعض التحولات الاشتراكية التي تركز على تحسين التوزيع، لا الاستمرار في النمو، وإلا سينهار النظام تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والصدامات الاجتماعية.

في المقابل، نجد لدى “الكلاسيكي النقيض”، كارل ماركس (Karl Marx) ومن تبعه، تنويعة أخرى على ذات النغمة، تحيل ذلك الركود إلى أزمات دورية متتالية ومتفاقمة، ضمن صيرورة تاريخية من ميل معدل الربح العام للتدهور، والاستقطاب المتزايد على صعيدي السلطة والثروة؛ بما يؤجج الصراع الطبقي نتاج التناقض بين طبقة من يملكون ومن لا يملكون؛ فتنفجر الثورات السياسية في إحدى لحظات التأزم التي تتفكك فيها صفوف طبقة من يملكون، ولا يعود النظام حينها قادرًا على تجاوز أزمته، بينما لا تكون طبقة من لا يملكون قد بقي لديها ما تخاف عليه أو تخاف منه!

وضمن الطيف النيوكلاسيكي/الحدي الواسع، نجد فيلفيردو باريتو (Vilfredo Pareto) يضع قانونًا في توزيع الدخل، يفيد بوجود مَيْل موضوعي، يتجسد في معامل كمِّي معين، لتوزيع الدخل متجاوزًا لأية سياسة حكومية لتحسينه؛ ما يخفض فاعليتها في تقليل حدة الفقر أو شدة التفاوت(1)، ما لم يتغير هذا الميل أولًا باتجاه أكثر إيجابية، والذي يمكننا أن نستنتج ببساطة ارتباطه بالنمط الإنتاجي القائم، أو بعلاقات الإنتاج بتعبيرات ماركس، وبشكل يتطلب تغييرًا جذريًّا -قد يدفع للثورة- لهما (النمط والعلاقات)؛ بحيث يغير الميل، أو المعامل الكمي، نفسه.

أما عمدة النيوكلاسيك، ألفريد مارشال (Alfred Marshall)، فعلى رفضه للطفرات والثورات في الطبيعة والمجتمع كعالم محافظ، إلا أنه كان يرى إمكانيتها حال عدم التوافق بين الكائن وبيئته أو المجتمع ومحيطه، حيث سيتجه حينها للتدهور والانهيار(2)، أو الانفجار الذي لا يحبه مارشال كاره الطفرات، لكن المُقر بوجودها، والذي يفضل عليها التطور التدريجي ضمن صيرورة عامة من التوازن سواءً داخل الكيان الاقتصادي الاجتماعي، أو في علاقته بمحيطه الأوسع، وهو الموقف الذي يخالفه فيه، من داخل ذات المعسكر التحليلي والأيديولوجي، بعض المؤسسيين مثلًا ممن يرون في الثورات أحيانًا ضرورات لعلاج اختلالات مؤسسية وتجاوز أوضاع عفى عليه الزمن.

ثم من وجهة التطور الاقتصادي الاجتماعي، تأتي مجموعة النظريات المُفسِّرة للدورات الاقتصادية كأحد مُحفزات الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، والتي تتنوع ما بين(3):

  1. نظريات العوامل العرضية المُنفصلة عن النظام الاجتماعي (الرأسمالي)، من نظريات توقعات المستثمرين وتغيرات المعروض النقدي وفوائض الاستثمار وتشوهات توزيعه بين الإنتاج والاستهلاك وسوء تنظيم الائتمان والتضخم المالي لرؤوس الأموال الساخنة.
  2. نظريات العوامل الهيكلية المُتأصلة في ذلك النظام، كتلك المُتعلقة بدورات التجديد والابتكار وتأثيرات تغيرات المُضاعف والمُعجل على الدخل والاستهلاك والاستثمار ونظريات قصور الاستهلاك وإفراط الإنتاج المختلفة، ونرى كيف أن كافة هذه العوامل تُذكَر دومًا كأسباب اقتصادية للاضطرابات السياسية بتوليفات مختلفة بحسب كل حالة.

وعلى مستوى الاتجاهات التاريخية طويلة الأجل، ربما يفاجأ البعض بقول مُنظِّر اقتصادي أكاديمي مُنتم للمدرسة النمساوية، التي تمثل أقصى اليمين الرأسمالي، هو جوزيف شومبيتر (Joseph Schumpeter): إن النظام الرأسمالي ينطوي على اتجاه مُتأصل فيه، يميل به إلى تحطيم ذاته، فيما وصفه بالجدران المنهارة، حيث تتلاشى وظائف الرأسمالي والطبقات الحامية، فضلًا عن الأهم، وهو دمار الإطار المؤسسي للنظام الرأسمالي(4)، وهو ما يعني تفاقم الاضطرابات الاجتماعية والسياسية عبر مسيرة النظام التاريخية، والتي تكون أكثر حدة وقسوة في الأطراف الرأسمالية في العالم الثالث. ولن نتوسع هنا في ذلك الجدل حول مدى استقرار النظام من عدمه مُكتفين بغلبة الرأي المذكور المدعوم بالاتفاق شبه العام حول مشكلة الدورات.

وعلى مستوى الأبعاد الجيوتاريخية العالمية، تعمل التبعية المُعزَّزة عالميًّا، والريعية في الأنظمة المُقيدة والنهبية، مُجتمعتين في تلك الأطراف الرأسمالية، خصوصًا بما تنتجاه من كوربوراتية محاسيبية(5)، على إضعاف النمو ومفاقمة الاستغلال والسعي للريع وسوء توزيع الدخل، فضلًا عن تعميق التخلف المؤسسي والاحتكار الاقتصادي والفساد السياسي والهشاشة تجاه الخارجي؛ ما يتفاعل كله ويفاقم الاضطرابات والانهيارات السياسية.

 

مصر وثنائية الطغيان والعجز

برغم ما يبدو عليه الطغيان السياسي من تناقض حينما يترافق مع عجز اقتصادي، إلا أنه يمثِّل نمطًا واضحًا في الدولة المصرية، وهو ما أسميناه باللفياثان المصري المريض(6). يتسم هذا النمط بقوة قمعية مفرطة لا تتسق إطلاقًا مع عجزه التنموي الصارخ، وتكمن أسباب ذلك بشكل عام في الخلفية السوسيوتاريخية للنمط الاقتصادي الاجتماعي، والإطار الجيوتاريخي الذي يعمِّق اختلالاته، فضلًا عن سمته الريعية بحالتيها العامة والخاصة. ولقد كانت هذه الحالة من “الطغيان العاجز” هي نفسها الخلفية العامة لثورة 25 يناير، وهو ما تسعى هذه الدراسة إلى تناوله من خلال مقاربة أكثر مباشرة، تركز بشكل أكبر على المستويين الاقتصادي والديمغرافي، وبشكل أقل على المستويين الاجتماعي والتاريخي.

إن إشكالية هذه الدراسة، وأسئلتها الأساسية، تدور حول الخلفية الاقتصادية الاجتماعية لثورة يناير، وكيف كانت هذه الخلفية ذاتها، بنتاجاتها واستجاباتها، سببًا ارتكازيًّا في حدود يناير المُسبقة وفشلها شبه الحتمي؛ ومن ثم التمهيد للانقلاب عليها، وصولًا إلى تعميمات أوسع نطاقًا عن حدود الديمقراطية الاجتماعية والسياسية في ظل النمط الاقتصادي الاجتماعي السائد في مصر.

وعليه، ستخوض الدراسة بمنهجية بنيوية تاريخية، في التحليل التطبيقي، الهيكلي طويل الأجل، للحالة المصرية، فتناقش في بندين متتالين طرفي التناقض المصري، من فشل تنموي وطغيان فاسد، تنتقل بعده لمناقشة الخلفية الديمغرافية العامة للانتفاضة المصرية، ثم تعقِّب ببحث طبيعتها كانتفاضة: هل اندلعت كتغيير ضمن نطاق النمط الاقتصادي الاجتماعي أم كانقلاب كامل عليه؟ ودور ذلك في رسم حدودها وآفاقها ونهايتها، لتنتهي بتحليل أكثر عمومية للحدود الموضوعية للديمقراطية الاجتماعية/السياسية الممكنة في ظل النمط المعني، وكيف تقيد آفاق التغيير السياسي ضمنه، وتفرض الانقلاب الكامل عليه كبديل أكثر فاعليةً وجدوى.

العجز التنموي: فشل التنمية الريعية

يعكس التحليل الهيكلي للنمط الاقتصادي الاجتماعي في مصر، منذ السبعينات حتى ثورة يناير وما بعدها، غلبة الطابع الريعي على ذلك النمط، ما يظهر في التكوين القطاعي قُبيل الثورة، الذي غلبت عليه الخدمات بنسبة 49.95% من الناتج المحلي الإجمالي، والصناعة الاستخراجية بنسبة 20.80% منه، مقابل نسب منخفضة للزراعة(7) بما يبلغ 13.16% والصناعة التحويلية بنسبة 16.09% منه(8)، كما يظهر في الطبيعة الريعية لأغلب الموارد الخارجية الأساسية للدولة المصرية، ما بين مُتحصلات قناة السويس، وصادرات البترول والغاز الطبيعي، وعوائد السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، الشهيرة منذ السبعينات بـ”الأربعة الكبار” في موارد مصر الخارجية.

لقد انعكس كل ذلك على ضعف الهياكل الإنتاجية بمُجملها؛ وكان من جملة تداعياته ما يلي:

  1. ضعف الإنتاج السلعي المحلي واختلال هياكل الطلب والعرض؛ فزيادة للواردات على الصادرات؛ تخلق عجزًا تجاريًّا مُزمنًا في ميزان المدفوعات.
  2. ضعف القيم المُضافة في الاقتصاد؛ ومن ثم الموارد المالية العامة المُستخلصة منها؛ فغدت الإيرادات الحكومية أقل من نفقاتها باستمرار؛ لتخلق عجزًا ماليًّا مُزمنًا أيضًا.
  3. تفاعل العجزين ولَّد عجزًا نقديًّا مُزمنًا كذلك انعكس على سعر الصرف؛ لينعكس بدوره سلبًا عليهما، فضلًا عن آثاره الهيكلية على تخصيصات الاستثمار، ومستوى المعيشة…إلخ.

ونتيجة لسياسات اللبرلة، انخفض الاستثمار العام، دون تعويضٍ موازٍ من الاستثمار الخاص؛ فانخفض الاستثمار الكلي بالمُحصلة من 33.37% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1975، إلى 19.5% منه عام 2010؛ ما ظهر في الضعف النسبي لمُعدل التكوين الرأسمالي، الذي بلغ حوالي 26% فقط خلال الفترة (1965 -2010)(9).

وحيث انخفض الاستثمار الكلي؛ ومن ثم الإمكانات الكلية لتوليد الوظائف، كما تَشَوَّه توزيعه لصالح القطاعات الخدمية على حساب القطاعات السلعية، أي لصالح القطاعات ذات معدلات التشغيل الأقل كمًّا وكيفًا؛ كان حتمًا أن ينخفض المعدل الصافي لخلق الوظائف الجديدة اللائقة؛ ما تجلى في الفجوة السلبية بين معدل نمو التشغيل ومعدل نمو قوة العمل، حيث بلغ متوسط النمو السنوي للأول 2.6%، وللثاني 2.8% خلال الفترة 1980-2005، مع تذبذب كبير في مرونة التشغيل (أي مدى انعكاس النمو الاقتصادي على خلق فرص العمل)، لكن في مستوى متدن نسبيًّا، لم يتجاوز 0.46، خلال معظم الفترة ما بين الثمانينات وثورة يناير(10)، علمًا بأنه، حتى بمستواه المذكور، يتضمن انحيازًا لأعلى بما يتجاوز حقيقة الواقع؛ لتضمُّنه معايير قياس منحازة لأسفل في مسوح وتقديرات البطالة الرسمية في مصر(11)، ولتضمنه نسبة عالية من التشغيل غير الرسمي(12) والبطالة المُقنَّعة.

لقد تسبب ضعف الإنتاج السلعي بالنسبة للطلب الاستهلاكي عليه سواء بشكل مباشر أوغير مباشر، وكذلك من حيث الكم والكيف؛ في ارتفاع نسبة المُكوِّن الاستيرادي في إشباع الطلب المحلي، خصوصًا في سلة السلع الاستهلاكية الأساسية، فانخفض متوسط اكتفائنا الذاتي من جميع السلع الغذائية الحيوية مثلًا لأقل من 45%(13)؛ فتزايدت الفجوة بين الأسعار (ذات المُكون الدولي المرتفع) والأجور (ذات الأساس المحلي المنخفض)، خصوصًا مع ما تعانيه الأخيرة من جمود في مواجهة ارتفاع الأسعار عمومًا(14) نتيجة وضعية فائض العمل الهائل والتركيب الاحتكاري للاقتصاد والسلطوي للحكومة.

وقد أثَّرت غلبة نمط الاستيراد على استيراد التضخم بحد ذاته، وكانت النتيجة المنطقية لكل ذلك انخفاضًا للدخول الحقيقية كصافي قوة شرائية؛ وبالتالي زيادة معدلات الفقر، علاوةً على ارتفاع درجة الانكشاف على التأثيرات الخارجية، ما ظهر بشكل خاص -ولأهميته في سياق نقاشنا الحالي- في آثار أزمات الغذاء على أوضاع المعيشة والاستقرار السياسي، بما تجلَّى في التزامن المدهش بين ارتفاع أسعار الغذاء (وارتفاع معدلات الفقر بخمس وثلاث درجات مئوية على التوالي(15)) في ربيع 2008 وشتاء 2011 من جهة، والاضطرابات السياسية في 6 أبريل/نيسان 2008 و25 يناير/كانون الثاني 2011 من جهة أخرى(16).

وبصفة عامة، لم تنعكس مُعدلات النمو العالية قُبيل الثورة -التي يتشدق بها الاقتصاديون الشكليون قصيرو النظر- إيجابًا على أوضاع المعيشة أو سلبًا على مدى انتشار الفقر، فتذكر دراسة عن البنك الدولي(17) أنه خلال الفترة 2005-2008، لم يبق بعيدًا -ولو بالكاد- عن خط الفقر سوى 45% من السكان، فيما هبط الـ55% الباقون تحته لفترة ما على الأقل؛ فلم يكن نموًّا احتوائيًّا داعمًا للفقراء والطبقة الوسطى، فزادت نسبة الفقراء إلى إجمالي السكان بمعيار فقر الدخل(18) من 3.6 إلى 4.8% وفقًا لخط الفقر المُدقع، ومن 19.6 إلى 25.2% وفقًا لخط الفقر الأدنى، ومن 40.5 إلى 48.2% وفقًا لخط الفقر الأعلى، بين عامي 2004 و2011 فقط.

ولا عجب أن عزَّز هذا النمو الريعي/غير الاحتوائي سوءَ توزيع الدخل، فانخفض نصيب حقوق الأجور في الناتج المحلي الإجمالي، لصالح حقوق الملكية (الأقلوية بطبيعتها) من 40% أوائل الثمانينات إلى 26% عام 2011(19)، وأن يتسبب عدم المساواة وحدها في خسارة مؤشر التنمية البشرية لمصر عام 2010 لفارق نسبي يبلغ 24%، من 0.644 للمؤشر العادي إلى 0.489 للمؤشر المُعدل بدرجة عدم المساواة (وذلك بالمقارنة بخسارة 6% فقط في الدول ذات درجات عدم المساواة المنخفضة)(20)؛ ما ظهر في توزيع معدلات الرضا عن الحياة، حيث اتجهت على مستوى فئاتها الثلاثة للتدهور، فانخفضت نسبة من “ازدهروا”، وإن بشكل طفيف، ومن “يكافحون” بنسبة معتبرة، لصالح زيادة نسبة من “يعانون” بما يقرب من الضعف(21).

 

الطُغيان الفاسد: ليبرالية المحاسيب الريعية

كما كان للنمط آثاره الاقتصادية الاجتماعية، كانت له آثاره المؤسسية السياسية التي لا تقل أهمية، بل والتي مثَّلت رافدًا قائمًا بذاته في صياغة باقي آثاره، ما تجسد فيما بات يشيع تسميته اختصارًا وتبسيطًا بـ”رأسمالية المحاسيب”، التي تعززت بديناميات الحالة الريعية العامة للنمط، أو “ريعية الممارسات”(22)، كما وجدت أرضيةً ملائمة لازدهارها في الميراث التاريخي “العائلاتي” لمصر(23)، والاحتكارية المبكرة للرأسمالية المصرية منذ ما قبل يوليو/تموز 1952 نفسها(24)، وبتعزيز مما يُعرف في أدبيات العلوم الاجتماعية بـ”تبعية المسار”(25)؛ فكان التشوه البنيوي لعملية اللبرلة في مصر، بحيث اتخذت طابعًا محاسيبيًّا بيروقراطيًّا فاسدًا من البداية، حتى بمعايير تلك اللبرلة نظريًّا، ما يتسق مع ما تؤكده الأدبيات من أن الأوضاع المؤسسية في البلدان المُتخلفة هى ما تصوغ التطبيق الفعلي لبرامج التحديث المُستوردة(26).

وقد ذكر الكاتب الصحفي الشهير، محمد حسنين هيكل، وهو رمز شبه رسمي لا يمكن التشكيك في انتمائه لدواليب الدولة المصرية العتيدة، في كتابه “خريف الغضب”، أن سياسة الانفتاح أنتجت استقطابًا حادًّا في توزيع الموارد والثروات داخل المجتمع المصري ما بين حفنة صغيرة من 150 ألفًا من القطط السمان، وأربعين مليونًا من المصريين(27)، ما يعني احتكار أقلية لا تتجاوز 0.003 من الشعب للسلطة السياسية والثروة الاجتماعية؛ ما مثَّل أرضية ملائمة تمامًا لاستمرار وتعميق حالة احتكار الموارد والثروات وتداخل السلطة والثروة، حتى في ظل دعاوى اللبرلة والتحرير والمنافسة، التي انتهت بسيطرة سبع عائلات فقط على نصف قيمة مؤشر EGX 30، الذي يمثِّل أهم ثلاثين شركة بالبورصة المصرية، في يوليو/تموز 2010(28).

ويضرب الدكتور محمود عبد الفضيل أمثلة أكثر ميكروية/ملموسية على الحالة الاحتكارية العامة لرأسمالية المحاسيب المصرية تلك قبل الثورة مباشرة، فيذكر مدى السيطرة الاحتكارية في بعض الأسواق المحورية، كسوق الحديد والصلب التي تسيطر فيها ثلاث شركات من إجمالي اثنتين وعشرين شركة على أكثر من 90% من إنتاج الحديد في مصر، وسوق الإسمنت التي تسيطر فيها أربع شركات أجنبية على حوالي 87% من إجمالي الإسمنت المصري، وأسواق استيراد السلع الغذائية الأساسية بمعيار حصة الخمسة الكبار من القطاع الخاص في السوق، كالسكر (70%)، والمشروبات (63%)، والكاكاو (46%)، واللحوم (37%)، والألبان (30%) كأمثلة(29).

هذه الحالة الاحتكارية المحاسيبية، تخنق نمو الأسواق وتطور التقنية والإنتاجية وتعمِّق سوء توزيع الدخل وتزيد الفقر، فضلًا عن تعزيز “متلازمة الفساد (المؤسسي) والاستبداد (السياسي)”، واستمرار ضعف القطاع الخاص وعجزه عن تكوين قوى منظمة في مواجهة بيروقراطية الدولة القوية ذات الصبغة الشرقية الطاغية(30)، رغم ما حققه من تصاعد في نفوذ بعض أجزائه ضمن معادلة السلطة، لا في مواجهتها(31)؛ فيتجه للمحاسيبية كصيغة آمنة ومضمونة للتعامل في أسواق النمط المحكومة بإرادة تلك البيروقراطية(32)، ضمن سياق عام من الفساد السياسي والمؤسسي (وضع مصر في المرتبة الـ98 عالميًّا من مجموع 178 دولة على مؤشر مدركات الفساد عام 2010، وبمجموع 3.7 فقط من إجمالي 10 درجات للمؤشر(33))، وهو ما يعمِّق بمُجمله أزمة النمط ونتاجاته التنموية والمؤسسية كمًّا وكيفًا، خصوصًا في مرحلة أفوله وجفاف منابع وفرته الزائفة، مع تراجع العوائد الريعية في مُجمل المنطقة مع تدهور أسعار النفط وتراجع الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط نسبيًّا.

الطلب على الثورة: ديمغرافيا الانتفاضة المصرية

بلغت الزيادة السكانية خلال الفترة 1960-2010 حوالي 200%، بالزيادة من 26 مليون إلى 79 مليون نسمة تقريبًا(34)، زادت ضمنها نسبة الشباب(35)؛ لتدخل مصر ما يُعرف بمرحلة “الهبة الديمغرافية” كوصف إيجابي، أو “التورم الشبابي” كوصف سلبي.

وقد كان لذلك ثلاثة انعكاسات رئيسية، أولها: انخفاض متوسط نصيب الفرد من المساحة الزراعية من 0.25 فدان عام 1961 إلى 0.11 فدان عام 2010(36)، وثانيها: ارتفاع الطلب على فرص العمل وتجاوزه معدل التشغيل الجديد على ما سبق بيانه، أما ثالثها فهو ارتفاع الكثافة السكانية والضغط على المساحة العمرانية؛ ما عمَّق من الطابع الريعي لقطاع الإسكان والعقارات، الذي مثَّل الضغط السكاني عليه، والفوائض الريعية، مع الخلفية التاريخية لتفضيل الأرض في ثقافة زراعية كالثقافة المصرية، أرضية موضوعية لتعزيز الميل للاكتناز والمضاربة فيه، خصوصًا مع السياسات الحكومية الانتهازية -قصيرة النظر- في هذا الصدد.

ومن خلال النظر في هيكل البطالة في مصر إبَّان الثورة، نلاحظ غلبة العنصر الشبابي المتعلم عليه، حيث مثَّل الشباب في الفئة العمرية (20 -24 سنة) نصف العاطلين عن العمل إبَّان الثورة، كما بلغ المتعلمون تعليمًا جامعيًّا حوالي 43% من إجمالي هؤلاء العاطلين(37)، مثَّلوا القوة المحركة للثورة كقوة تمرد واعية، شكَّلت الفارق في تأثير البطالة على الاستقرار السياسي في مصر، تلك البطالة التي لم تتغير نسبتها بشكل كبير، بل تغير هيكلها بالأساس(38) باتجاه غلبة العنصر الشبابي الذي يتزايد حتمًا في المرحلة الثانية من عملية “التحول السكاني”(39)، خصوصًا في نسخته المتطاولة في مصر كدولة متُخلفة مُختلة التطور الاقتصادي-الديمغرافي(40) (وارتكاسيته الجزئية اتساقًا مع تراجعية النمط نفسه بتراجع تصنيعيته وتباطؤ تحضره(41))، ذلك العنصر الشبابي الذي كان دائمًا عنصرًا مشتركًا بين كافة الثورات الكبرى، بما فيها ثورات القرن العشرين في البلدان النامية(42).

ومن الوجهة الجغرافية، استقرت نسبة الحضر في مصر منذ أواسط السبعينات حتى ثورة يناير/كانون الثاني 2011 عند مستوى 43% تقريبًا من السكان(43)، بما يعكس من جهة تباطؤ التصنيع وضعف توليد فرص العمل الحديثة في القطاعات الحضرية منذ بدأت سياسات الانفتاح الاقتصادي، ومن جهة أخرى -مع غلبة العنصر الشبابي المُتعلم على المُكون البشري للثورة(44)- الطابع الحضري لثورة يناير/كانون الثاني، الذي يؤكده الضعف النسبي للمشاركة الريفية الأقل تعليمًا “الأكثر عنفًا” -بطبيعتها- في الثورة، مقابل مركزية الميادين “الكرنفالية” -غالبًا- في المراكز الحضرية الكبرى في فاعلياتها ورمزياتها.

أما من الوجهة التاريخية، أي بوضع التحول الديمغرافي ضمن سياق التطور الاقتصادي الاجتماعي المصري، فقد كانت مصر قد تجاوزت ما يُعرف بـ”المصيدة المالثوسية” -حيث يكون صافي الفارق بين معدلات نمو السكان ونمو الناتج ضئيلًا بشكل يُضعف معدل نمو متوسط الناتج للفرد؛ ومن ثم يُبقي مستوى معيشة أغلبية السكان عند مستوى الكفاف أو البقاء تقريبًا- خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين، والمُفارقة هنا أنه كما تتضمن تلك المصيدة اندلاع اضطرابات سياسية، فإن الخروج منها يصاحبه كذلك اشتعال اضطرابات مماثلة، ما أسماه البعض بمصيدة الهروب من المصيدة، أو ما نفضِّل تسميته بـ”مصيدة الهروب من مالثوس”، وهكذا يمكن اعتبار 25 يناير بشكل ما أحد اضطرابات الهروب من هذه المصيدة(45)، والتي يمكن تفسيرها جزئيًّا باتساع مساحة الطبقة الوسطى في المجتمع الذي تجاوز أوضاع الكفاف، مع انسداد آفاق نموها وتحسن أوضاعها في ذات الوقت.

ثورة على السفينة الغارقة: إنقاذ للنمط أم انقلاب عليه؟

بجمع خيوط كل ما سبق، من أبعاد سوسيواقتصادية كالفشل التنموي والطغيان المحاسيبي بكافة تفاصيلهما ونتائجها من جهة، وأبعاد ديمغرافية -كارتفاع لنسبة المُكون الشبابي في المجتمع عمومًا وفي بطالته خصوصًا وكثافة حضرية عشوائية وتجاوز للمصيدة المالثوسية- بكل نتائجها من جهة أخرى، تتكون لدينا صورة عامة عن الخلفية التي حفزت اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والتي حددت دراسة للبنك الدولي(46) “مظاهرها” بثلاث قضايا أساسية مسؤولة عن عدم الرضا عن الحياة في المنطقة العربية عمومًا، أو ما أسمته “التنمية عير السعيدة”، وهي: مستوى المعيشة وسوء أوضاع سوق العمل والفساد، ما أكدته المسوح الإمبريقية لأسباب الثورة ودوافع المشاركين فيها بشكل أشمل، حيث تصدرت قضايا: (1) سوء الوضع الاقتصادي (بنسبة 64% من المشاركين)، و(2) مواجهة الفساد (64%)، و(3) العدالة الاقتصادية والاجتماعية (57%)، و(4) الحريات السياسية والمدنية (42%)، فضلًا عن قضايا أخرى مثل تحقيق الكرامة (29%)، وهيمنة القانون (16%)، وأخيرًا الاعتراض على السياسات المؤيدة للغرب (8%)(47).

لكن هذه المطالب لا تعكس بشكل واضح طبيعة الحراك نفسه تاريخيًّا، سواء من جهة طبيعته كحراك “تقدمي” واع بذاته تاريخيًّا (أي بمشكلاته الأساسية)، ولا يتعارض مع الاتجاهات الموضوعية للتغير الاجتماعي أو إنه كان مجرد حراك “اعتباطي” غير واع بذاته (متعلق فقط بالمظاهر الفرعية)، تتفاوت نتائجه بحسب تقاطعاته العرضية مع تلك الاتجاهات الموضوعية.

الواقع أن الإجابة على هذا السؤال بشكل ملموس، لا يمكن أن تنفصل عن فهم منطق النمط الاقتصادي الاجتماعي الريعي نفسه، حيث لدينا نمط يتسم بـ”حالة مراوحة انهيارية في المكان لغياب القوى الاجتماعية المُتبلورة التي تمتلك مشروعًا مُستقلًّا لإعادة هيكلة نمط الإنتاج باتجاه إنتاجي تنموي يعبِّر عن مصالحها المشتركة، وما كان الربيع العربي في جوهره الاجتماعي، وبغضِّ النظر عن مشروعية مطالبه “الوليمية” من جهة، والمُشوهَة بالخطاب الليبرالي السائد من جهة أخرى، سوى حالة اعتراض “توزيعية”، كان لابد أن تفشل، قادتها الطبقة الوسطى على “تراجع الحصة في الريع” (أي اعتراضًا توزيعيًّا-تداوليًّا أو ثانويًّا على مستوى البنية المؤسسية)، مع تراجع الرخاء النسبي للطفرة النفطية وتطبيق سياسات النيوليبرالية، لا جزءًا من تناقض اجتماعي ضمن بنية إنتاجية؛ لأن البنية الإنتاجية أضعف وأكثر هشاشة وهامشية من أن تنتج صراعًا اجتماعيًّا “إنتاجيًّا” (أي اعتراضًا توزيعيًّا-إنتاجيًّا أو أوليًّا على مستوى البنية الإنتاجية) من الأساس(48)؛ ما يعني أن انتفاضات الربيع العربي، بما فيها ثورة يناير/كانون الثاني المغدورة، لم تكن سوى اعتراض ضمن منطق النمط، لا ثورة عليه؛ ما قيَّد آفاقها من البداية وحكم عليها بالفشل الموضوعي (المُتعلق بالبنى ودينامياتها)، ناهيك عن تعثرها الذاتي (المُتعلق بالتفاعلات السياسية والمؤسسية).

لم تمتلك ثورة يناير/كانون الثاني كتلة اجتماعية مُتبلورة حول مثلًا مشروع برجوازي لتحرير قطاعات رأس المال الإنتاجية من قطاعاته الريعية، أو مشروع عمالي للانقلاب على سلطة رأس المال في مجموعها، أو أي من هذه الكتل المُتمحورة حول تناقض “إنتاجي” يمس البنية الإنتاجية، بل جل ما في الأمر، انتفاض شتات وشظايا مُتفرقة من الطبقة الوسطى والطبقات الدنيا التي فقدت معظم الفتات الذي كانت تناله من الإنفاق العام فترة الوفرة الريعية، وفقًا لـ”التوافق الناصري” على احتكار السياسة مقابل توزيع المنافع.

في هذه الصيغة الكوربوراتية، غلب الوجه الدولتي على الشعبوي، وقد سادت فترة حكم أنور السادات، ومكنت لاستمرارها واستمرار وجهها الشعبوي، رغم تناقضه مع منطق “الانسحاب الانفتاحي” للدولة من النشاط الاقتصادي، فوائضُ الريع التي ظلت تتدفق على مصر بكميات كبيرة بدءًا من منتصف السبعينات، لكنها ما لبثت أن تدهورت سريعًا، حتى كانت مصر على حافة الإفلاس أواخر الثمانينات (الذي لم تتجاوزه سوى بصفقات سياسية)، لكن دون تغيير لمنطق التدهور البطيء للنمط غير المُستدام المُنطوي على تناقض ما بين دولة إنفاق اجتماعي (مُتصاعد العبء المُطلق وإن انخفض نسبيًّا)، ونمط تنمية ريعي غير مُنتج (مُتدهور الريوع دونما زيادة موازية في الإنتاج)(49).

لا عجب في افتقاد هذا الشتات لرؤية أو استراتيجية واضحة بعيدًا عن الشعارات العامة الفضفاضة عن “العيش والحرية والعدالة الاجتماعية”، وانقسامه لاحقًا على خلافات “هُوياتية” الطابع، لا “اجتماعية”  المحتوى، وعدم إدراكه لتناقضاته الاجتماعية، سواءً الرئيسية أو الفرعية، أو الاستراتيجية والتكتيكية، أو الداخلية والخارجية، بما في ذلك نخبه ذاتها، المعنية بتلك المسؤولية بالأساس، والتي قدمت أحد أسطع أمثلة الجهل السياسي العام، ناهيك عن الثوري والاستراتيجي، في التاريخ.

فكانت نتيجة هذه “الغرائزية السياسية” التي تنطلق من المطلبية المباشرة التكتيكية لا الرؤية البنيوية الاستراتيجية، أن كانت آفاق قوى الثورة في الحقيقة ضمن النمط “الريعي/الرعوي”(50) القائم، المُتناقض غير المُستدام، دون وعي بالاتجاهات الموضوعية القاضية بإسقاط رعويته (إنفاقه الاجتماعي المحدود) أو بتصفية ريعيته (أي تحويله سوسيواقتصاديًّا)؛ فلا هي دفعت لتخفيف تناقضاته بالتحالف مع القوى التي قد يعنيها ذلك، ولا هي سعت للانقلاب عليه بإنهاء سلطة القوى المُستفيدة منه؛ فمهدت بنفسها الطريق للضبط السياسي الذي يحقق الاتساق بين المستوى المؤسسي-السياسي والمستوى السوسيو-اقتصادي، من خلال الانقلاب الذي جاء لتخفيف تناقضات النمط، بتصفية رعويته، باستكمال العملية الطويلة البطيئة لاستبعاد الفئات الاجتماعية التي أصبحت عبئًا عليه، خصوصًا مع هزيمتها سياسيًّا بتصفية ثورتها.

 

الديمقراطية المحدودة لرأسمالية ريعية تابعة

رغم تعدد وتشعب وجوه الظاهرة الديمقراطية، إلا أنها تتمحور “في التحليل الأخير” حول توزيع الناتج الاجتماعي بمعناه العام بين القوى الاجتماعية في بلد ما، أو في الأقل يمثِّل توزيع الدخل والثروة قضيتها الأولى، ويقتضي اجتهادنا السابق في الموضوع(51) أن لها حدين أساسيين للتوزيع: حدًّا أدنى هو حد “الكفاف الاجتماعي” للمُنتجِين المباشرين (100% استغلال)، وحدًّا أعلى هو حد “التجديد الاجتماعي” البسيط للإنتاج (صفر% استغلال)، ويمكن أن تتواجد بينهما توليفات شبه لا نهائية من أنماط التوزيع الاقتصادي/الديمقراطية الاجتماعية للناتج الاجتماعي بين القوى الاجتماعية، تتحدد التوليفة الفعلية منها بتفاعل القوانين الموضوعية لعمل النمط مع توازن القوى الاجتماعية، ما يقوم على عديد من العوامل، أهمها: نمط الإنتاج نفسه، وآليات تجديده اجتماعيًّا، وتكويناته المؤسسية، والتراث السياسي للمجتمع، وموقعه من النظام الدولي(52).

ويشير تطبيق النموذج الذي تم بناؤه على أساس النظرية السابقة، نموذج “ماركس-باريتو للديمقراطية الاجتماعية”، إلى ضيق نطاق الديمقراطية الاجتماعية المُحتمَلة موضوعيًّا في الرأسماليات الريعية التابعة محدودة التصنيع؛ حيث مع تزايد تأثير عناصر “المِلكية والدولة والتداول” ضمن البنية الريعية(53)، تعمل الأخيرة:

  1. من جهة على ضعف حجم الناتج وضعف الإنتاجية الكلية وارتفاع معامل رأس المال/الناتج؛ (وبالتالي انخفاض سقف “الحد الأعلى” الخاص بتجديدها الاجتماعي).
  2. ويعمل الطابع التابع لها على ضعف معدلات تبادلها الدولي (وبالتالي الارتفاع النسبي لكلفة كفافها الاجتماعي، أي ارتفاع “الحد الأدنى” الخاص بكفافها الاجتماعي).
  3. ومن جهة ثانية، على ضعف البنية المؤسسية وتمركز البيئة السياسية. وبالجملة، انحياز توازن القوى السياسية لصالح الفئات المالكة على حساب الفئات العاملة.

وهذا الضيق الموضوعي لحدود الديمقراطية الاجتماعية ضمن رأسمالية ريعية تابعة كالرأسمالية المصرية، يقيد الإمكانات الموضوعية لتحول ديمقراطية ليبرالي في مصر؛ حيث يستحيل تقريبًا الجمع بين رسملة بهذه الصيغة الريعية التابعة ودمقرطة اجتماعية، ومن ثم سياسية، واسعة النطاق؛ إذ يتعارض التجديد الاجتماعي للأولى مع توسيع الثانية، كما يمتنع توسيع الثانية جديًّا دون تصفية الأولى نهائيًّا، وبناء نمط اقتصادي اجتماعي جديد بشبكة مصالح مختلفة، يحقق التحول الصناعي والاستقلال الاقتصادي والعقلانية المؤسسية.

وفي خضم هذا التناقض المركزي كان مقتل ثورة يناير/كانون الثاني التي لم تَعِ تحديها التاريخي الأساسي (باستهداف بنية النمط، لا أعراضه وحواشيه)؛ فعُوقبت بالتصفية لصالح حماية النمط وسلطته على حساب الديمقراطية، لا تصفية النمط والمصالح المرتبطة به لحساب توسيعها.

هكذا، كان الربيع العربي، بهامشيته لا جوهريته (باستهدافه التوزيع المؤسسي لا الإنتاجي)، وبارتكاسيته لا تقدميته (بانتفاضه ضمن النمط لا عليه)، حركة محكومًا عليها بالفشل مُقدمًا؛ بكونها ضد الاتجاهات الموضوعية للحركية الاجتماعية الغالبة (في ضوء استمرار النمط لا تغييره)؛ فعاجلته “ارتدادات البقاء”، أي قوى الاستمرار، لتغلب “امتدادات القضاء”، أي قوى التغيير، لتباغته بانقلاب صيفي، ويصبح ربيعًا على حافة الصيف.

المراجع

(1) نايهانز، جورج، تاريخ النظرية الاقتصادية.. الإسهامات الكلاسيكية 1720-1980، ترجمة: صقر أحمد صقر، (المكتبة الأكاديمية، القاهرة، 1997)، ص 293.

(2) سكريبانتي، إرنستو؛ زاماني، ستيفانو، “فلسفة ألفريد مارشال الاجتماعية”، ترجمة: مجدي عبد الهادي، الحوار المتمدن، (العدد 4253، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2013)، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2018):

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=383488

(3) عبد الهادي، مجدي، “الدورات الاقتصادية.. مسح جدلي مُوجز”، الحوار المتمدن، (العدد 5144، 24 أبريل/نيسان 2016)، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2018):

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=514761

(4) أ. شومبيتر، جوزيف، الرأسمالية والاشتراكية والديمقراطية، ترجمة: حيدر حاج إسماعيل، (المنظمة العربية للترجمة، بيروت، مارس/آذار 2011)، ص 285- 304.

(5) مما ناقشناه بمزيد من التفصيل في مواضع أخرى، منها:

عبد الهادي، مجدي، “اللفياثان المريض.. ثنائية الطغيان السياسي والعجز التنموي للدولة المصرية”، مجلة لُباب للدراسات الاستراتيجية والإعلامية، مركز الجزيرة للدراسات، (العدد صفر، نوفمبر/تشرين الثاني 2018، الدوحة)، ص 276-283.

(6) المرجع السابق.

(7) وهو الانخفاض الذي كان يمكن أن يكون طبيعيًّا ومقبولًا تمامًا في حالة الزراعة تحديدًا، وفقًا لاتجاهات التغير الهيكلي التاريخية المعروفة، لو كان مقترنًا بارتفاع معتبر في إنتاجية القطاع؛ الأمر الذي يكذبه التضخم الكبير للفجوة الغذائية.

(8)  البنك الدولي، مؤشرات التنمیة الدولیة:

https://databank.albankaldawli.org/data/source/world-development-indicators

(9) مجدي عبد الهادي، محمد، “تحليل وتقييم اتجاهات النمو الاقتصادي في مصر خلال الفترة 1961-2010″، المجلة المصرية للدراسات التجارية، كلية التجارة بجامعة المنصورة، (المجلد 41، العدد 3، 2017، المنصورة)، ص 263-265.

(10) الأهواني، نجلاء؛ المغربل، نهال، “كثافة التشغيل في نمو الاقتصاد المصري مع التركيز على الصناعات التحويلية”، المركز المصري للدراسات الاقتصادية، (ورقة عمل رقم (130)، مارس/آذار 2008، القاهرة)، ص 18.

(11) المرجع السابق، ص 19.

(12) Ikram, Khalid, “The Egyptian Economy 1952–2000.. Performance, Policies and Issues”, Routledge studies in Middle Eastern economies, (Routledge, 2006), p. 114-115.

(13) فاروق، عبد الخالق، “الاقتصاد السياسي للثورة المصرية”، مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام، (المجلد 13، العدد 49، يناير/كانون الثاني 2011، القاهرة)، ص 52.

(14) Al-Nashar, Sara B. Nominal Wage and Price Dynamics in Egypt: An Emprical Analysis, The Egyptian Center for Economic Studies (ECES), (ECESWP 163-E, September 2011), p. 23.

15)) Korotayev, Andrey; Zinkina, Julia, “Egyptian Revolution: A Demographic Structural Analysis”, ENTELEQUIA, (No. 13 (primavera 2011)), p. 155.

(16) Ibid, p. 157.

(17) Daniela, Marotta; Ruslan, Yemtsov; Heba, El-Laithy; Hala, Abou-Ali; Sherine, Al-Shawarby, “Was Growth in Egypt Between 2005 and 2008 Pro-Poor? From Static to Dynamic Poverty Profile”, World Bank, (Policy Research working paper, No. WPS 5589), 2011.

(18) العيسوي، إبراهيم، “العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية.. مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها”، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، أبريل/نيسان 2014)، ص 350.

(19) نور الدين، محمد، “حول الخلفية الاقتصادية والاجتماعية لثورة 25 يناير”، الطليعة 21، (العدد (1)، شتاء 2012، القاهرة)، ص 82.

(20) العيسوي، “العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية.. مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها”، مرجع سابق، ص 349.

(21) Elena, Ianchovichina, Eruptions of Popular Anger.. The Economics of the Arab Spring and Its Aftermath, MENA Development Report; (World Bank, 2018), p. 68.

(22) عبد الهادي، اللفياثان المريض، مرجع سابق، ص 280.

(23) العزوني، سيد، “عائلات تحكم مصر.. تتوغل في الحكومة وتحتكر السلطة”، arabianbusiness، 19 مايو/أيار 2008، (تاريخ الدخول: 5 يناير/كانون الثاني 2018):

https://arabic.arabianbusiness.com/politics-economics/society/2008/may/19/6347

(24) مجدي عبد الهادي، محمد، التغير الهيكلي والنمو الاقتصادي في مصر خلال الفترة (1961-2010م).. دراسة تحليلية، رسالة ماجستير، (كلية التجارة بجامعة المنصورة، مصر، 2017م)، ص 50.

(25) Mahoney, James, “Path Dependence in Historical Sociology”, Theory and Society, (29 (4), 2000), p. 507–548.

(26) بادي، برتران، الدولة المُستوردة.. تغريب النظام السياسي، ترجمة: لطيف فرج، (مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة، 2017).

(27) هيكل، محمد حسنين، خريف الغضب.. قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات، (مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة الأهرام، القاهرة، 1988)، ص 183.

(28) Roccu, Roberto, The political economy of the Egyptian revolution.. Mubarak, economic reforms and failed hegemony, (Palgrave Macmillan, 2013), p 64.

(29) عبد الفضيل، محمود، رأسمالية المحاسيب.. دراسة في الاقتصاد الاجتماعي، (الهيئة المصرية العامة للكتاب (مشروع مكتبة الأسرة)، القاهرة، 2012)، ص 75-92.

(30) عبد الهادي، اللفياثان المريض، مرجع سابق، ص 269-270.

(31) حقق رجال الأعمال نصيبًا متزايدًا في مقاعد مجلس الشعب عبر الدورات الثلاثة الأخيرة من حكم مبارك، فحصلوا على 12% منها في انتخابات 1995، ثم 17% منها في انتخابات 2000، ليصلوا إلى 22% منها في انتخابات 2005، انظر: سليمان، سامر، النظام القوي والدولة الضعيفة.. إدارة الأزمة المالية والتغيير السياسي في عهد مبارك، (الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2013، (2006))، ص 255.

(32) Sabry, Mohamed Ismail, “Cronyism as an Outcome of Institutional Settings..The Case of pre-2011 Egypt”, Topics in Middle Eastern and African Economies, Proceedings of Middle East Economic Association, (Vol. 20, Issue No. 1, May 2018).

(33) علام، أشرف، “مصر الـ11 عربيًّا والـ98 عالميًّا في مؤشر “مُدركات الفساد 2010″، المصري اليوم، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2010، (تاريخ الدخول: 7 يناير/كانون الثاني 2019):

https://www.almasryalyoum.com/news/details/92546

(34) الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الكتاب الإحصائي السنوي، أعداد مختلفة.

(35) تصل التقديرات لنسبة الشباب بالمعنى الواسع ما بين 15 و40 سنة إلى حوالي 50% من المجتمع المصري عام 2010. انظر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الكتاب الإحصائي السنوي لسنة 2011م، ص 25.

(36) مجدي عبد الهادي، محمد، التغير الهيكلي والنمو الاقتصادي في مصر، مرجع سابق، ص 131.

(37) Korotayev & Zinkina, Egyptian Revolution, op, cit, p. 167-168.

(38) Ibid, p. 168.

(39) Ibid, p. 165.

(40) وفقًا لنظرية رمزي زكي يرتبط الانفجار السكاني الذي تعانيه الدول المتخلفة بصفة عامة، ومنها مصر، بنشأة حالة التخلف (الهيكلي) في تلك الدول، والتدخل الاستعماري فيها بآثاره السلبي منها والإيجابي، فكانت “العوامل التي أدت إلى تخفيض معدل الوفيات من طبيعة خارجية، بينما العوامل التي أسهمت وما زالت تسهم في رفع معدل المواليد، من طبيعة داخلية، فضلًا عن أن العوامل الخارجية ذات تأثير نشط في إبقاء العوامل الداخلية المؤدية لارتفاع معدل المواليد… فقد استطاعت الدول الرأسمالية أن تعمل من خلال نشاطها داخل الدول المتخلفة، على تخفيض معدل الوفيات خلال فترة وجيزة، ولكنها عملت من ناحية أخرى وبنفس القوة باستغلال الدول المتخلفة وتطويق التطور فيها؛ ومن ثم الإبقاء على الظروف الاقتصادية والاجتماعية المسبِّبة لارتفاع معدل المواليد”، وهو تفسير يتوافق بشكل معقول مع تصور مدخل التغير الهيكلي للترابط بين عمليات التصنيع والتحضر والتحول السكاني الذي يتبناه الباحث ويؤكد من خلاله على دورها -في إطار من علاقة تأثير وتأثر جدلية- في صياغة نمط النمو؛ ما فرض بعضًا من التفصيل للتفسير المذكور هنا؛ كونه يؤكد “هيكلية” و”تاريخية” هذا الاحتجاز أو التطاول الديمغرافي، واستمرارية تأثيره حتى يومنا هذا؛ باستمرار أسبابه الهيكلية من جهة، وبتعميقه لمشكلات النمط؛ فإدامته من جهة أخرى. لمزيد من التفاصيل، انظر:

رمزي زكي، المشكلة السكانية وخرافة المالتوسية الجديدة، عالم المعرفة 84، (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1984م)، ص 333 و334.

(41) لعل مصر من البلدان القليلة التي عاود معدل النمو السكاني فيها التصاعد بعد انخفاضه لأسباب غير الحرب، وذلك عندما انخفض معدل النمو السكاني بها من 2.6% قبل الستينات، إلى 2.52% خلال الفترة 1960-1966 (وهو انخفاض على بساطته، إلا أنه يعكس الأثر الإيجابي لجهود التصنيع والتحضر على انخفاض معدل النمو السكاني بالنسبة لفترة زمنية محدودة كهذه)، ثم عاود الصعود لاحقًا مع تراجع التصنيع وركود التحضر منذ طُبقت سياسات الانفتاح الاستهلاكي أواسط السبعينات، ليصل أواسط الثمانينات إلى 2.75%، قبل أن يعود للانخفاض اتساقًا مع الاتجاهات التاريخية المنطقية (وإن لأسباب لا علاقة لها بنجاح جهود التصنيع والتحضر مما لسنا في محل تناوله). انظر:

مجدي عبد الهادي، التغير الهيكلي والنمو الاقتصادي في مصر، مرجع سابق، ص 131.

(42) Korotayev & Zinkina, Egyptian Revolution, op, cit, p. 166.

(43) الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الكتاب الإحصائي السنوي 2011، ص 29.

(44) لا غرابة في العداء الصارخ لممثلي السلطة تجاه مجانية التعليم، فضلًا عن إجراءات التدمير المُمنهج لها عبر عقود.

(45) Korotayev & Zinkina, Egyptian Revolution, op, cit, p. 159.

(46) Efstratia, Arampatzi; Martijn, Burger; Elena, Ianchovichina; Tina, Röhricht; Ruut, Veenhoven, Unhappy Development..Dissatisfaction with Life on the Eve of the Arab Springe, World Bank, (Policy Research Working Paper No. 7488, November 2015).

(47) Ianchovichina, Elena, Eruptions of Popular Anger, op, cit, p. 8.

(48) محمد، كريم، “كيف نفهم الصراع في العالم العربي؟.. الباحث مجدي عبد الهادي يجيب”، (حوار)، حفريات، 23 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 7 يناير/كانون الثاني 2019):

https://bit.ly/2SRmF1S

(49) ما يتجلى بشكل خاص في الأزمة المالية المتفاقمة لمصر، والتي تندرج ضمن ما وصفه نزيه الأيوبي بـ”الأزمة المالية للأقطار الطرفية التي تتلخص في كونها أزمة ناشئة عن تناقض بنيوي في جزء منه، وظرفي في جزء آخر منه، بين منطق الدولتية ومنطق الشعبوية”، اللذين يمكن تعيينهما في الحالة المصرية في التناقض بين منطقي الدولتية الساداتية والشعبوية الناصرية. انظر:

الأيوبي، نزيه، تضخيم الدولة العربية.. السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط، ترجمة: أمجد حسين، (المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2010)، ص 759.

(50) بوصف سامر سليمان في كتابه “النظام القوي والدولة الضعيفة”، للنمط، كنمط يعتمد على موارد ريعية، ويقدم رعاية اجتماعية.

(51) اكتفينا هنا بعرض شديد الإيجاز في حدود خدمة التحليل، لكن لمزيد من التفاصيل، انظر:

عبد الهادي، مجدي، “حدود ديمقراطية الاستغلال.. لماذا تفشل حركات الديمقراطية الاجتماعية؟”، مرايا، كتاب غير دوري، (العدد (8)، ديسمبر/كانون الأول 2018، القاهرة).

(52) وهو “الإطار الجيوتاريخي” للنمط، حيث كلما كان الأخير أكثر استقلالًا واعتمادًا على الذات؛ زادت إمكانات الديمقراطية، وكلما كان أكثر تبعية واعتمادًا على الخارج؛ انخفضت إمكاناتها، انظر:

عبد الهادي، “اللفياثان المريض”، مرجع سابق، ص 270-272.

(53) عبد الهادي، “حدود ديمقراطية الاستغلال”، مرجع سابق، ص 39-40.