ملخص

مصطلح العدالة الانتقالية حديث نسبيًّا ولم يظهر في الصكوك الدولية؛ فلم يرد في ميثاق عالمي ولم يكن محور اتفاقية دولية ولم تتضمنه الأنظمة المنشئة للمحاكم الدولية. يرجع الأصل في مفهوم العدالة الانتقالية إلى الحـق في الإنـصاف والتظلم والتعويض لـضحايا انتـهاكات القـانون الـدولي وانتهاكات حقوق الإنـسان وهو ما ورد في عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية والقرارات الأممية.

العدالة الانتقالية ليست منهجًا واحدًا ولا قالبًا موحدًا فهي تختلف باختلاف البيئات وطريقة المعالجة والهدف منها ومعالجة الأولويات، ولها أبعاد وبرامج ومحاور متعددة تقوم على أساس الانتقال من حالة القمع والاستبداد أو من حالة الصراع أو كليهما معًا إلى الاستجابة لمتطلبات احترام حقوق الإنسان ومعاملة الناس معاملة كريمة تحت سقف القانون.

في سوريا كما في غيرها من البلدان تواجه العدالة الانتقالية، وهي مطلب جماهيري، تحديات جمة، ولها أبعاد حقوقية وسياسية وتشريعية وأخلاقية. سنبيِّن في هذا البحث منطلقات ودواعي العدالة الانتقالية والمعالجات المقترحة.

كلمات مفتاحية: العدالة الانتقالية، جبر الضرر، حقوق الإنسان، القانون الدولي، سوريا.

______________

*الدكتور المحامي محمود بُرهان عَطّور، دكتوراه في القانون الدولي العام من فرنسا.

Dr. Mahmoud Burhan Attour, attorney, holds a PhD in Public International Law from France.

 

Abstract

The term, “transitional justice”, is relatively recent and does not appear in international legal instruments; it is not mentioned in any universal charter, has not been the focus of any international treaty, and is not included in the statutes of international tribunals. The concept of transitional justice stems from the right to remedy, redress and compensation for victims of violations of international law and human rights, as articulated in various international conventions, protocols and UN resolutions.

Transitional justice is not a single methodology or a uniform framework; it differs depending on the context, the approach to addressing past abuses, the intended goals, and how priorities are managed. It encompasses various dimensions, programmes and components, all aimed at transitioning from a state of repression and tyranny – or from conflict, or both – toward fulfilling the requirements of respecting human rights and treating individuals with dignity under the rule of law.

In Syria, as in other countries, transitional justice – though a popular demand – faces numerous challenges and carries legal, political, legislative and ethical dimensions. This study will outline the foundations and justifications for transitional justice and present proposed approaches for addressing it.

Keywords: transitional justice, reparation, human rights, international law, Syria.

مقدمة

مثَّل سقوط نظام الأسد في سوريا لحظة فارقة في تاريخ الشعب السوري، بعد تجربة قاسية ودموية في مواجهة منظومة قمعية أوغلت في دماء وأعراض وأموال السوريين وانتهكت أبسط حقوقهم وحرياتهم. وبمجرد انهيار النظام بدأ الحديث عن الانتصاف للضحايا و”العدالة الانتقالية” وضرورة تفعيل المحاسبة للمتورطين في ارتكاب الجرائم والانتهاكات الجسيمة.

وربما يكون ملف تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا في سوريا الجديدة من أصعب الملفات وأكثرها تعقيدًا وتشابكًا، يعود ذلك لجملة من الأسباب تتلخص في العدد الهائل من الضحايا ومدى القدرة على الإنصاف وجبر الضرر، وتنوع أصناف الانتهاكات والجرائم الجسيمة المرتكبة، وطول فترة الانتهاكات التي تعود لعشرات السنوات، وامتداد الانتهاكات والجرائم على طول وعرض الجغرافيا السورية، وكثرة عدد المتورطين وفرار كبار المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، وكشف الحقيقة والإثبات وكفاءة وأهلية أجهزة إنفاذ القانون للتعاطي مع هذا الملف الضخم والقيام بالإجراءات الواجبة بموضوعية وشفافية، وإرادة الصفح المقبول والمصالحة مع الماضي في سبيل السلم الأهلي والتنمية؛ مما يبين أهمية الموضوع والإشكالية التنفيذية المتعلقة به.

نستعرض في هذا البحث مفاهيم قانونية تتعلق بالعدالة الانتقالية وتجارب لها والعدالة الجنائية على أساس المسؤولية الجنائية الشخصية، ونبيِّن مفهوم الانتصاف للضحايا وسيادة القانون ومنع الإفلات من العقاب على مستوى القضاء الوطني بالتكامل مع القضاء الدولي عن الجرائم الجسيمة والانتهاكات الممنهجة المرتكبة على نطاق واسع في سوريا والتحديات التي تواجهها، فحتى الآن لم يُقر نظام قانوني نستطيع معه محاكمة نظام سياسي عن جرائم ارتُكبت في عهده وتبقى المسؤولية الجنائية مسؤولية شخصية باعتبار أن الممارسات يقوم فيها أفراد سواء من تلقاء أنفسهم أم بناء على توجيهات وأوامر من مرؤوسيهم والمسؤولين عنهم.

قبل ذلك نتحدث بعجالة عن انطلاق الثورة السورية من ثورات الربيع العربي بمواجهة الطغيان لنظام شمولي مستبد توارث السلطة في دولة نظام الحكم فيها جمهوري من المفترض أنه يقوم على أساس اختيار الشعب لحاكمه، لكنه منطق الجبر والاستيلاء على السلطة بالقوة دون اعتبار لمصلحة الدولة ولا حقوق الشعب، بل إن رئيس النظام حنث باليمين الدستورية الذي أقسم فيه على صيانة النظام الجمهوري ورعاية حقوق الشعب وحرياته والحفاظ على سيادة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية(1)، فيترتب عليه الاتهام بجريمة الخيانة العظمى(2) إضافة للجرائم الأخرى كونه القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة(3) التي ارتكبت الانتهاكات الجسيمة بحق الشعب السوري ويتحمل رئيس النظام المسؤولية الأولى عن الاتهام والمحاكمة.

وقد جاءت خطة البحث مقسمة إلى مطلب تمهيدي وستة مطالب موضوعية ثم الخلاصة كما يلي:

  • مطلب تمهيدي تناول انطلاق الثورة السورية وأهدافها.
  • المطلب الأول (العدالة الانتقالية) من حيث: النشوء، والمفهوم والمرجعية، والتعريف، والتطرق لتجارب دولية فيها.
  • المطلب الثاني (العدالة الجنائية الدولية) تناول: المسؤولية الجنائية الشخصية دوليًّا، ودور المحاكم الدولية في تحقيق العدالة، والقضاء الوطني والعالمي.
  • المطلب الثالث (مبدأ الانتصاف للضحايا وسيادة القانون) وتناول: الانتصاف للضحايا، ومن ثم سيادة القانون.
  • المطلب الرابع (منع الإفلات من العقاب دوليًّا) وتضمَّن: دور المنظمات الدولية في بيان الموقف بشأن الإفلات من العقاب في سوريا، وتوصيف حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال حكم النظام البائد.
  • المطلب الخامس (المرجعية القانونية للحالة السورية بشأن العدالة الانتقالية) جاء فيه: كشف الحقيقة وتحقيق العدالة، والتعاون لتحقيق العدالة، ووسائل مساعدة في تحقيق العدالة الانتقالية، وتحديات تواجه العدالة الانتقالية، وإستراتيجيات في العدالة الانتقالية.
  • المطلب السادس (العدالة والمصالحة المجتمعية) تناول: موقف الشرع الحنيف، ومتطلبات السلم الأهلي.

 

مطلب تمهيدي: انطلاق الثورة السورية وأهدافها

مع انطلاق ثورات الربيع العربي في عدد من البلدان العربية بدأت الثورة السورية بمطالبات طلابية بسيطة مقلدة لما يحدث حولها بكتابات على جدار “اجاك الدور يا دكتور” واجهها النظام بقسوة بالغة لطلاب وأطفال استشهدوا تحت التعذيب (6)، وكذلك حصل مع شباب وشابات من الطلبة، فتأججت مطالبات جماهيرية سلمية تدعو للاقتصاص لضحايا القمع، قابلها النظام بكثير من القسوة، وبدلًا من الاستجابة لهذه المطالبات أو التفاعل معها أو استيعابها، جابهها النظام بالحل الأمني والقوة المفرطة، فتحولت تلك المطالبات السلمية شيئًا فشيئًا إلى حمل السلاح للدفاع عن الذات والأعراض بالتزامن مع انشقاقات لعسكريين وموظفين عموميين احتجاجًا على استخدام النظام للسلاح ضد المتظاهرين السلميين.

عانى السوريون طويلًا في عهدي الأب والابن من القمع والاستبداد وسطوة الأجهزة الأمنية على مقدرات حياتهم ومن تغييب حقوقهم وامتهان كرامتهم وإهدار حرياتهم التي نصَّت عليها الدساتير المتعاقبة والالتفاف على معيشتهم ومستقبلهم في بلدهم وموطنهم مع غياب مزمن للعدالة الاجتماعية. لقد انتشر الفساد (7) والمحسوبية على كافة الأصعدة، ولذلك جاءت المطالبات باحترام الحقوق وبصون كرامة السوريين وتحقيق متطلبات التنمية والعيش الكريم والإصلاح أهدافًا أساسية للحراك الثوري في بواكيره، لكنه ما لبث أن تحول إلى المطالبة بإسقاط النظام وبالحرية، بعد إقدام النظام على مواجهة المطالبات السلمية بالكثير من القمع والانتهاكات الجسيمة حيث اتُّهمت الأجهزة العسكرية والأمنية السورية مبكرًا بأعمال تشكل جرائم ضد الإنسانية وثقتها تقارير دولية(8).

استخدم النظام كافة أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية حتى وصل الأمر إلى استخدام السلاح الكيماوي(9) وإلقاء البراميل المتفجرة عشوائيا على المدنيين العزل(10)، أوغل النظام البائد في دماء السوريين بالزج بوحدات الجيش العربي السوري والأجهزة الأمنية مستخدما الأسلحة التي دفع ثمنها الشعب من عرقه وجهده ووجهت نحو صدور الناس الذين قتلوا وهجروا من بيوتهم وقراهم وبلداتهم، اضطر السوريون للنزوح نحو مناطق أكثر أماننا وعبر الحدود نحو دول الجوار وأصقاع العالم المختلفة ولملايين الناس المهجرين، استعان النظام بالمليشيات الطائفية واستدعى قوات غازية أجنبية للدفاع عنه بمواجهة شعبه فانفرط العقد الاجتماعي للحكم وأصبح مطلب التغيير لا يقبل التغيير.

لقد تسبب طول أمد الثورة، والحجم الهائل للضحايا والدمار الذي لحق بالمدن والممتلكات، والعدد الضخم من اللاجئين والنازحين الذي أُرغموا على ترك ديارهم تحت القصف أو التهديد، بنشوء عدد كبير جدًّا من المظالم، ومظاهر الاستبداد والقمع الممنهج، استمرت حتى لحظة هروب رأس النظام، بشار الأسد، من دمشق، فجر الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وانتصار الثورة بعد نحو 14 عامًا منذ بدايتها.

خلَّف النظام المخلوع دولة شبه منهارة وشبه مقسمة، بعلاقات متوترة مع دول الجوار، وبفقر مدقع للأغلبية العظمى من الشعب بكافة مكوناته، وتردي الخدمات أو انعدامها، وضعف الرواتب مع قوة شرائية منخفضة للغاية، وإرث ثقيل من انتهاكات الحقوق والتعدي على الحريات، من جرائم ارتكبها النظام البائد بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع قبل وخلال الثورة، ومن بينها جرائم القتل والاعتقال والتعذيب والتغييب والتشريد إلى جرائم ترقى إلى مصاف جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية مع سياسة متعمدة انتهجها النظام في عدم المحاسبة والإفلات من العقاب، وعشرات الآلاف من الضحايا مما يقتضي إعادة الاعتبار لهم وإقامة العدالة.

 

المطلب الأول: العدالة الانتقالية

  1. نشوء العدالة الانتقالية

أرجع البعض ظهور العدالة الانتقالية إلى نهاية الحرب العالمية الثانية(11) ومحاكمات نورنبرغ وطوكيو، ويبدو أن ذلك غير دقيق لأسباب منها أن المصطلح لم يرد في النظام الأساسي لتلك المحاكم، كذلك فإن الصراع لم يكن داخليًّا بل كان بين قوى عالمية ودول متقاتلة بالإضافة إلى أن محاكم الحرب العالمية الثانية التي أسست لمبدأ العدالة الجنائية الدولية بهدف المحاسبة عن الجرائم الجماعية كانت تمثل إرادة الدول المنتصرة في الحرب وهي التي أقرت النظام الأساسي لتلك المحاكم، وإن شابه بُعد انتقامي؛ إذ لم تكن بحاجة لوضع معايير قد تصيبها هي في الممارسات التي تمت إبَّان الحرب ولم تكن تعتمد على ادعاءات شخصية.

هدفت تلك المحاكم إلى ترسيخ السلم في بعده الأخلاقي من خلال محاكمة وإيقاع الجزاء على أشخاص من كبار المسؤولين في الجانب المنهزم من الحرب وهو من غايات العدالة الانتقالية، ولذلك يمكن القول: إن العدالة الانتقالية بإحدى غاياتها نشأت في تلك الحقبة من الزمن وإن لم تُسَمَّ بهذا الاسم. غير أن مصطلح العدالة الانتقالية يبدو على الأغلب، كما ذهب البعض الآخر، إلى أن إطلاقه كان في تسعينات القرن الماضي من قبل أكاديميين أميركيين(12) ، بدافع معالجة الحالة التي نشأت بعد انهيار منظومة الدول الشيوعية. ولكن الواقع يشير إلى أنه لم يجر تطبيق فعال لهذا المصطلح في مثل هذه الدول، وهناك من يشير إلى شمول إنصاف الضحايا في بعض دول أميركا الجنوبية خلال الربع الأخير من القرن الماضي كمرحلة في العدالة الانتقالية(13).

  1. مفهوم ومرجعية العدالة الانتقالية

مصطلح “العدالة الانتقالية” حديث نسبيًّا؛ ذلك أنه لم يرد في الصكوك الدولية سابقًا، على أنه يمكن إرجاع الأصل في هذا المصطلح إلى (الحـق في الانـصاف والتظلم والتعويض لـضحايا انتـهاكات القـانون الـدولي وانتهاكات حقوق الإنـسان). هذا الحق ورد في عدد مـن الـصكوك الدوليـة؛ فقد أشارت المادة 3 من اتفاقية لاهاي المتعلقـة بقـوانين الحـرب البريـة وأعرافهـا المؤرخـة في 18 أكتوبر/تــشرين الأول 1907، إلى “لزوم التعويض في حال الإخلال بأحكامها“، ونصَّت المـادة 8 مـن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 “لكلِّ شخص حقُّ اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصَّة لإنصافه الفعلي من أيَّة أعمال تَنتهك الحقوقَ الأساسيةَ التي يمنحها إيَّاه الدستورُ أو القانونُ”، وكذلك المــادة 2/3/أ مــن العهــد الــدولي الخــاص بــالحقوق المدنيــة والسياسية 1966 “بأن تكفل الدول توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد…”. أيضًا المادة 6 من الاتفاقية الدولية للقـضاء علـى جميـع أشـكال التمييـز العنـصري 1965 “تكفل الدول الأطراف لكل إنسان داخل في ولايتها حق الرجوع إلي المحاكم الوطنية وغيرها من مؤسسات الدولة المختصة لحمايته ورفع الحيف عنه على نحو فعال …”، والمــادة 14 مــن اتفاقيــة مناهــضة التعــذيب وغــيره مــن ضــروب المعاملــة غير الإنسانية أو المهينة أو العقوبــة القاســية 1984 “تضمن كل دولة طرف، في نظامها القانوني، إنصافَ من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب …”، وأوردت المادة 75 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998 أحكامًا تتعلق بجبر الضرر ورد الحقوق والاعتبار والتعويض، كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 2005، قرارًا بشأن المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الإنصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي(14).

  1. تعريف العدالة الانتقالية

رغم عدم الوضوح القانوني فقد تعددت تعريفات العدالة الانتقالية والتي جاءت حديثًا بالتركيز على الممارسة؛ فقد ذكر الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن، في أغسطس/آب 2004، أن العدالة الانتقالية هي “كامل نطاق العمليات والآليات التي يبذلها المجتمع لتفهُّم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة وقد تتضمن الآليات القضائية وغير القضائية على حدٍّ سواء مع تفاوت مستويات المشاركة الدولية أو عدم وجودها مطلقًا ومحاكمات الأفراد والتعويض وتقصي الحقائق والإصلاح الدستوري وفحص السجل الشخصي للكشف عن التجاوزات والفصل أو اقترانهما معًا”(15). أما المركز الدولي للعدالة الانتقالية فيذكر أن “العدالة الانتقالية تشير إلى كيفية استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصارخة لحقوق الإنسان، وهي تطرحُ بعضًا من أشد الأسئلةِ صعوبةً إنْ في القانون أم السياسة أم العلوم الاجتماعية، وتجهدُ لحسمِ عددٍ لا يُحصَى من الجدالات، إن العدالة الانتقالية تُعنى، أولًا، بالضحايا، قبلَ أي اعتبارٍ آخر”(16) ؛ وهو ما عرَّفتها به قوانين بعض الدول ذات العلاقة(17)، وذكر آخرون أن العدالة الانتقالية هي “مجموعة التدابير التي تتبع من أجل إعادة تطبيع الأوضاع الحقوقية والسياسية والاجتماعية والمؤسسية في بلد من البلدان التي عاشت أو تعيش أوضاعًا غير مستقرة نتيجة حروب أهلية أو أحكام استثنائية”(18). العدالة الانتقالية بهذا المعنى هي تطبيق لسياسة احترام حقوق الإنسان من خلال سبل في تقصي الحقائق والملاحقة القضائية وجبر الضرر وتذكر الضحايا وإنصافهم وإيقاع الجزاء على المتورطين لإنفاذ حكم القانون ممن انتهك حقوق الإنسان لضمان معايير في السلم الأهلي وإصلاح الأجهزة الحكومية وإعادة إطلاق مسيرة التنمية وعدم التكرار، فهي انتقال من الاستبداد والصراع وشيوع انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب إلى حالة الاستجابة في الحرص على السلام المستدام ومعاملة الناس معاملة كريمة تحت سقف القانون، وهي بهذا المعنى لا تتعارض مع النصوص التي ترد عادة في الدساتير والقوانين والمواثيق الدولية.

  1. تجارب دولية في العدالة الانتقالية

العدالة الانتقالية عملية طويلة ومعقدة تحدث في بيئات مختلفة التنوع. لذلك لا يوجد نموذج مرجعي ولا حلول جاهزة أو قالب واحد يمكن تعميمه. فالمقاربة الواقعية للقضايا وقدرات التعامل معها تتطلب تحديد الأولويات وإن كانت تتشارك في أبعاد كثيرة ومنطلقات تتمحور بظروف انتهاكات حقوق الإنسان وذلك تبعًا للسياق الجغرافي والسياسي الذي يتم النظر إليه، ويجب أن تأخذ في الاعتبار الاحتياجات المطلوبة لكل بلد والتوقعات التي تعبر عنها السلطات الوطنية وهيئات المجتمع المدني، كما أنها تواجه تحديات بأبعاد متعددة منها ما هو أمني وآخر سياسي أو مجتمعي وذلك في أعقاب فترة من انتهاكات حقوق الإنسان تظهر بعد التغيير الكبير والقطيعة مع نظام استبدادي. رغم ذلك فإنه يمكن أخذ دروس والاستفادة من تجارب دول أخرى عملت في هذا المجال، وقد تعددت ممارسات العدالة الانتقالية في دول عدة وبمختلف القارات منها تجارب ناجحة وأخرى لم يُمكَّن لها في الوطن العربي، ومن أوائل ممارسة العدالة الانتقالية كانت التجربة في المملكة المغربية وقد حققت نجاحًا طيبًا بسبب التقاء الإرادة الوطنية الرسمية والشعبية على التعاون في إنجاحها، ونتناول تجربتين تاليًا:

  • تجربة جمهورية جنوب إفريقيا

لم يتضمن دستور جنوب إفريقيا لعام 1996 المعدل مصطلح العدالة الانتقالية وأشار في الجدول السادس منه إلى الترتيبات الانتقالية، ولكن هذا الدستور في ديباجته أشار إلى “معالجة انقسامات الماضي وإقامة مجتمع قائم على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان الأساسية” مما يسمح بالقول: إن دستور جنوب إفريقيا برمته يعد دستورًا انتقاليًّا(19) بالانتقال من مرحلة التمييز العنصري إلى القيم الجديدة المذكورة والذي يمكن أن يُفسَّر على أنه يشكل قطيعة مع الماضي، كما أقر الدستور تحت الفصل التاسع منه إنشاء مؤسسات الدولة الداعمة للديمقراطية الدستورية ونصَّ في المادة 182 على مؤسسة جديدة تضمَّنها هذا الدستور على المستوى الدولي بإنشاء ما سماه المدافع العام كأحد المؤسسات المستقلة المحايدة التي تدعم الديمقراطية الدستورية في الجمهورية وتخضع هذه المؤسسة للدستور والقانون. ومن مهام المدافع العام التحقيق في أي تصرف في شؤون الدولة أو في الإدارة العامة في أي فرع للحكومة يُزعم أو يشتَبَه في أنه غير سليم أو يؤدي إلى أي تصرف غير ملائم أو تحيز وله الحق في اتخاذ الإجراء الانتصافي الملائم؛ فلم يقتصر دور المحاكم على تحقيق العدالة بل نص على ما يمكن اعتباره “أمينًا للمظالم” يسهم في تحقيق العدالة.

تشكلت لجنة الحقيقة والمصالحة بعد انتهاء حقبة الفصل العنصري بمقتضى قانون تعزيز الوحدة الوطنية والمصالحة رقم 34 لعام (20)1995 بغرض الوصول إلى الحقيقة واستعادة العدالة “باعتبار أن تشكيل اللجنة هو ممارسة ضرورية لتمكين مواطني جنوب إفريقيا من التصالح مع ماضيهم على أساس مقبول أخلاقيًّا وتعزيز قضية المصالحة”(21) ، وقد أصدرت اللجنة تقريرها الضخم، عام 1998، بعد عمل ثلاثة أعوام(22). لعبت هذه اللجنة دورًا محوريًّا في الاستماع إلى شهادات حول التمييز العنصري وانتهاكات الحقوق وتوثيقها بهدف إعادة اللُّحمة الوطنية دون إهدار لحقوق ضحايا النظام السابق ودون حرمان الطبقة الحاكمة السابقة من فرصة إعادة تأهيلها وتغليب كفة الصفح على العدالة(23) بنظرة إيجابية نحو بناء المستقبل بدلًا أن تكون أسيرة للماضي، وقد كانت اللجنة تكتفي في حالاتٍ بقيام المتهم بالاعتراف بالذنب وطلب الصفح بالاستناد إلى ما تبنَّته من صيغة “الحقيقة مقابل العفو”(24)، بهدف أن تكون الحقيقة شكلًا من أشكال العلاج في إطار العدالة الانتقالية؛ ذلك أن العدالة مرتبطة دائمًا بمسألة الحقيقة، وأظهرت أحداث لاحقة استمرار الظلم الاجتماعي مما أثار التساؤل حول نجاعة نهج العدالة الانتقالية.

  • تجربة الجمهورية التونسية

صدر قانون أساسي في الجمهورية التونسية رقم 53 لسنة 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها. يتألَّف هذا القانون من سبعين فصلًا (مادة) جرى فيه تعريف العدالة الانتقالية(25)، والكشف عن الحقيقة وحفظ الذاكرة، والمساءلة والمحاسبة، وإصلاح أجهزة الدولة وتعزيز المصالحة الوطنية، كما تضمن إنشاء هيئة مستقلة باسم الحقيقة والكرامة حددت مهامها وصلاحياتها بموجب القانون.

تضمن دستور الجمهورية التونسية لعام 2014 تحت الباب العاشر الأحكام الانتقالية، ونصَّ الفصل 148 /1 على الإشارة للعدالة الانتقالية ونص في الفقرة 9 لهذا الفصل على التزام الدولة التونسية بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها. ولا يُقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن.

أصدرت هيئة الحقيقة والكرامة عدة تقارير آخرها النهائي جاءت إحاطة حوله في فبراير/شباط عام 2024، كلها ذكرت الإصلاحات الضرورية لضمان عدم تكرار الانتهاكات، وضرورة جبر الضرر للضحايا، وحفظ الذاكرة الوطنية وحماية المساءلة القضائية ومن ثم المصالحة مع التاريخ والدولة، كما تضمن إنشاء صندوق للتعويض باسم صندوق الكرامة ولكن التطبيق الفعلي ما زال متعثرًا، وخلصت الهيئة إلى القول في إحاطتها الأخيرة: “إن عدد التونسيين الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا للفساد والتهميش أكبر من عدد التونسيين الذين تعرضوا لانتهاكات فعلية للحرمة الجسدية أو انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية”. وأضافت الإحاطة “إلا أن الهيئة أهدرت الفرصة حيث كان من الممكن الكشف عن الحقيقة بشأن الإفلات من العقاب على الفساد وارتباطه بالإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان إلى حشد شعبي أقوى وأوسع لتحقيق المساءلة وإخضاع الحكومة للمساءلة … وطالبت باعتماد مقاربة أكثر تماسكًا لتحصين الهيئة ضد الجهود المتعمدة لتقويض العدالة الانتقالية التي تمارسها النخب السياسية وانتهت باستعادة النظام الاستبدادي الجديد”(26).

 

المطلب الثاني: العدالة الجنائية الدولية

  1. المسؤولية الجنائية الشخصية دوليًّا

لعل المحاكم الجنائية الدولية التي تعود بأصلها التاريخي إلى ما تضمنته المادة 227 وما تلاها من معاهدة فرساي لعام 1919 بعد انتهاء الأعمال القتالية في الحرب العالمية الأولى، بتشكيل محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة الإمبراطور الألماني لارتكابه الجريمة العظمى ضد الأخلاق وقدسية المعاهدات؛ حيث أشارت هذه المادة إلى: (1) توجيه دول الحلفاء الاتهام علنًا لإمبراطور ألمانيا السابق عن ارتكابه الجريمة الأكثر فُحشًا ضد الأخلاق الدولية وقدسية المعاهدات، (2) مع التأكيد على أن المحكمة الخاصة التي ستُشكَّل لهذا الغرض ستكون محكومة بأعلى اعتبارات السياسة الدولية من أجل الدفاع وصيانة مصداقية الالتزامات الدولية وتأكيد احترام قواعد الأخلاق الدولية(27)، وعلى الرغم من أن هذه المحكمة لم تنعقد نظرًا لحصول الإمبراطور الألماني على اللجوء في هولندا(28)، فإن المنطلق النظري للمعاهدة في المادة المذكورة أسس لمبدأ المسؤولية الجنائية الفردية دوليًّا عما أُطلق عليه “الجريمة العظمى ضد الأخلاق وقدسية المعاهدات” وجواز المحاكمة عنها من “أجل الدفاع وصيانة مصداقية الالتزامات الدولية وتأكيد احترام قواعد الأخلاق الدولية” ضمن إطار المحاكمات الجنائية الدولية.

 

  1. دور المحاكم الدولية في تحقيق العدالة

إثر الحرب العالمية الثانية تشكلت محكمتا نورنبرغ وطوكيو العسكريتان في عام 1945 بمبادرة من المنتصرين في هذه الحرب وفقًا لاتفاقية لندن المؤرخة في 8 أغسطس/آب 1945، للنظر في جرائم ضد السلام وما تضمنه ميثاق كلٍّ منها، وتأكيد تقرير المسؤولية الجنائية للأفراد دوليًّا ومع خصوصية كل محكمة فإنها إحدى الوسائل المساعدة دوليًّا في منع الإفلات من العقاب.

أمام الجرائم الدولية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكبت في عدد من بلدان العالم، ونتيجة لضعف النظام القضائي الوطني وتفشي سياسة الإفلات من العقاب للمتورطين في هذه الجرائم، عمل مجلس الأمن لاحقًا وبعد سنوات طويلة على إنشاء محاكم جنائية دولية خاصة، المحكمة الجنائية الدولية  ليوغسلافيا السابقة 1993(29) والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا 1994(30)، وكذلك المحاكم المختلطة المشكَّلة من قضاة دوليين وآخرين محليين (مثال محكمة كمبوديا) والمحكمة الدولية الخاصة في لبنان(31) إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، وآخرين معه.

هذه المحاكم ربما تكون قد مهدت الطريق لقضاء جنائي دولي دائم يتمثل بالمحكمة الجنائية الدولية التي تأسست وفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998. على أن هذه المحكمة ينعقد اختصاصها وتقوم بواجبها القضائي مستندة إلى قاعدتين: الأولى: أنها تمارس ولايتها القضائية على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره، والثانية أنها مكملة للولاية القضائية الجنائية الوطنية(32)، بمعنى أن اختصاصها تكميلي للقضاء الجنائي الوطني؛ فإن تخلى هذا القضاء عن القيام بواجبه أو لم يستطع، ينهض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

نظريًّا، يحيل التوافق بين القانون والعدالة إلى واقع ضرورة تحقيق العدالة وتطبيقها وفق نهج القانون، فالمساءلة تعطي إشارة واضحة بأنه لا أحد يعلو على القانون بما يحقق نوعًا من الردع والحد من القيام بانتهاكات مستقبلًا، أي إن تحقيق العدالة لا من حيث إنها هدف ومطلب أخلاقي فحسب وإنما من حيث إنها قرار قضائي مبني على إلزامية تطبيق القانون، بمعنى ربط العدالة بمقصدها وإنجازها بالاستناد للقانون الذي تسنُّه الدولة، فالعدالة ليست مكتفية بذاتها بل أيضًا بما يتطلب تحقيقها الاستناد إلى القانون(33).

لكن المحاكم الدولية حتى تستطيع تحقيق العدالة بتطبيق القانون وإصدار قرارتها القضائية فإنها تواجه عقبات كثيرة ابتداء من إنشائها والادعاء لديها ومرورًا بتكاليفها الباهظة التي قد توقف أعمالها والوقت الطويل الذي تستغرقه المحاكمات لديها وانتهاء بتنفيذ قراراتها، وضرورة التصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية من الدول لتستطيع هذه المحكمة بسط ولايتها القضائية أو اللجوء إلى مجلس الأمن وما يعتريه من حصول توافقات قد يعيق إصدار القرار ومع ذلك فإن وجودها خير من عدمه.

  1. القضاء الوطني والعالمي

العبء الأكبر يقع على عاتق أجهزة إنفاذ القانون من نيابة عامة وشرطة وقضاء على المستوى الوطني، فإن لم تتوافر الإرادة الوطنية -وهو الواقع إبَّان حقبة النظام السوري البائد وترافقت مع نقص في الخبرة والكفاءة اللازمة لتكون الحالة بمنزلة العدم- يأتي دور المحاكم الدولية، على أن القضاء الوطني هو صاحب الاختصاص الأصيل وواجب الدولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الدولية ومقاضاتهم.

تعتبر الولاية القضائية العالمية أحد سبل تطبيق سياسة سيادة القانون ومنع الإفلات من العقاب والانتصاف، كآلية عدالة في الجرائم الدولية قابلة للتطبيق في إطار العدالة العالمية، وقد أقرت مبدأ المساءلة الجنائية الفردية عالميًّا لأشخاص متهمين بارتكاب جرائم دولية بالاعتماد على خطورة الجريمة.

نجد أساسًا قانونيًّا لهذه الولاية في اتفاقيات دولية مثل اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 المواد (49 من الاتفاقية الأولى، 50 من الاتفاقية الثانية، 129 من الاتفاقية الثالثة، 146 من الاتفاقية الرابعة)، واتفاقيات أخرى كاتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية بشأن منع الاختفاء القسري، على أن المصالح السياسية وحمايتها قد تتغلب في بعض الأحيان على المبادئ الحقوقية.

وقد عملت عدة دول، من بينها فرنسا وألمانيا، تحت مبدأ الولاية القضائية العالمية على القيام بمحاكمات واتخاذ إجراءات بحق عدد من المسؤولين السوريين السابقين(34)، ولكنها بقيت محدودة وضيقة النطاق وذات فعالية قليلة.

 

المطلب الثالث: مبدأ الانتصاف للضحايا وسيادة القانون

  1. الانتصاف للضحايا

الفكرة الأساسية في مفهوم العدالة الانتقالية هي الانتصاف للضحايا وجبر الضرر الذي أصابهم بعدم تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان خصوصًا في البلدان التي تشهد صراعًا وضعفًا في أجهزة إنفاذ القانون، وهي بهذا المعنى استجابة محقة ومشروعة للانتهاكات واسعة النطاق في ظل وضع قلق وغير مستقر ومتباين مترافق مع ضعف في سبل تحقيق العدالة لدى أجهزة القضاء ودوائر الأمن، وهي بهذا المعنى والتوجه لا تتعارض مع الصكوك الدولية المصادق عليها.

رغم هذه المنطلقات النظرية فإن الممارسات على المستوى الدولي كأساس لفكرة متماسكة تتعلق بالعدالة الانتقالية بطيئة ومحدودة وهي ممارسة تتعلق بشكل كبير بسياسة سيادة القانون ومنع الإفلات من العقاب، من خلال البحث بوسائل إنصاف الضحايا وتعويضهم.

  1. سيادة القانون

تبنَّت منظمة الأمم المتحدة نظريًّا سياسة واضحة تتعلق بسيادة القانون الذي يشير إلى أنه “مبدأ للحكم يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات العامة والخاصة، بما في ذلك الدولة ذاتها، مسؤولين أمام قوانين صادرة علنًا، على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان”(35)، ضمن هذا المفهوم وحتى يمكن العمل به فإنه يتطلب إجراءات تتعلق بمعايير تتضمنها منظومة تشريعية من دستور وقوانين مستقرة تحمي الحقوق والحريات وتضمن المشاركة الفعالة باتخاذ القرار وتحقيق المساواة والمسؤولية أمام القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وأن تعمل أجهزة إنفاذ القانون بموضوعية وشفافية وحياد بما يسهم في سيادة القانون والأمن القانوني(36) لحماية استقرار الإطار القانوني في الدولة؛ فالأمن القانوني يتعلق بالطمأنية واليقين الذي يجب أن يسود المجتمع في إطار التنظيم القانوني لمختلف الأنشطة والعلاقات.

 

المطلب الرابع: منع الإفلات من العقاب دوليًّا والحالة السورية

تبنَّت الأمم المتحدة تحت مبدأ سيادة القانون “سياسة منع الإفلات من العقاب” بمعنى ملاحقة مرتكبي الانتهاكات والجرائم الجسيمة وتوقيع الجزاء عليهم. ومع ذلك فقد قررت أن المسؤولية الرئيسية في هذا المجال تقع على عاتق الدول، كفالة المحاكمة على ارتكاب جرائم دولية خطيرة أو انتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان تقع على عاتق الدول الأعضاء، وهذا من المبادئ الأساسية التي تضمنها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بقوله: “أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تُتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي“(37).

في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، بتاريخ 23 أغسطس/آب 2004، الذي قدمه إلى مجلس الأمن ذكر فيه أن الأدوات المتوافرة للمساعدة على إدارة العدالة الانتقالية وتدعيم سيادة القانون في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع هي نظم العدالة الوطنية والدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة للسلام والمحاكم الجنائية المخصصة والمحاكم المختلطة ولجان الحقيقة والمحكمة الجنائية الدولية. وأضاف الأمين العام للأمم المتحدة أن سيادة القانون وضمان الثقة في التطبيق الموضوعي له جزء أساسي من إحياء المجتمعات التي مزقتها الصراعات(38).

وقد أعلنت الدول الأعضاء التزامها بكفالة عدم السماح بإفلات المسؤولين عن جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية أو عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي والانتهاكات الجسيمة لقانون حقوق الإنسان من العقاب.

كما التزمت الدول أيضًا من خلال الأمم المتحدة بكفالة التحقيق في هذه الانتهاكات على النحو الواجب وإنزال العقوبات المناسبة بمرتكبيها، بسُبل منها تقديم مرتكبي أي من هذه الجرائم إلى العدالة، عن طريق الآليات الوطنية أو حيثما اقتضى الأمر، عن طريق الآليات الإقليمية أو الدولية وفقًا للقانون الدولي.

  1. دور المنظمات الدولية في بيان الموقف بشأن الإفلات من العقاب في سوريا

أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن إدانتها للانتهاكات الجسيمة المرتكبة في سوريا وطالبت بوقفها ومحاكمة المسؤولين عنها بموجب عدة قرارات(39)، ومن بينها قرارها رقم 72/191، بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، في دورتها الثانية والسبعين، يقول: “وإذ تلاحظ بقلق عميق ثقافة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وانتهاكات وتجاوزات قانون حقوق الإنسان … تدين بشدة الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة المنهجية الواسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني المرتكبة في الجمهورية العربية السورية، والهجمات العشوائية وغير المتناسبة في المناطق المدنية وضد الهياكل الأساسية المدنية… تشجب وتدين بأشد العبارات استمرار العنف المسلح من جانب السلطات السورية ضد شعبها منذ بداية الاحتجاجات السلمية في عام 2011، وتطالب السلطات السورية بأن تضع على الفور حدًّا لجميع الهجمات على مواطنيها وأن تتخذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب أي خسائر عرضية في أرواح المدنيين وإصابتهم وإلحاق أضرار في الممتلكات المدنية…”.

كما تضمَّن القرار رقم 75/193، بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن الجمعية العامة “إذ تلاحظ مع القلق الشديد ثقافة الإفلات من العـقاب داخل النظام السوري على أخطر انتهاكات القانون الدولي وانتهاكات وتجاوزات قانون حقوق الإنسان المرتكبة خلال النزاع الحالي والتي يرقى بعضها إلى مرتبة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وهو ما وفر تربة خصبة للمزيد من الانتهاكات والتجاوزات، وإذ تؤكد أهمية المساءلة عن أخطر الجرائم المرتكبة أثناء النزاع التي تشكل انتهاكًا للقانون الدولي وذلك لضمان إحلال السلام والاستقرار، وإذ تلاحظ أن لجوء النظام السوري إلى القمع العنيف للاحتجاجات المدنية وهو قمع تصاعد لاحقًا ليتحول إلى قصف مباشر للمدنيين…”.

مجلس الأمن تعامل مع الحالة في سوريا وأحيط علمًا بالانتهاكات والجرائم التي حدثت والتي ترقى إلى مصاف جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وأصدر عددًا من البيانات والقرارات وأشار إلى أن استخدام الأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية يشكِّل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين(40) وأن السلطات السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية السكان، ودعا إلى إجراء عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تضمن انتقالًا سياسيًّا لتحقيق المطالب المشروعة للشعب السوري ويدعو إلى إعادة الإعمار والتأهيل لما بعد النزاع(41).

وفي سبيل التحقيق بالانتهاكات وتوثيق الجرائم الجسيمة المرتكبة من النظام البائد بحق الشعب السوري عملت المنظمات الدولية على إنشاء لجان دولية تعمل بهذا الشأن والتي يمكن أخذ تقاريرها كوثائق إسناد للمرحلة المقبلة في تحقيق العدالة الانتقالية.

  • لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا

أُنشئت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، في 22 أغسطس/آب 2011، بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان S-17/1 الذي اعتُمد في دورته الاستثنائية السابعة عشرة وعُهد(42) إليها بولاية التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ مارس/آذار 2011 في الجمهورية العربية السورية، يمكن اعتبار هذه اللجنة إحدى وسائل المساعدة في تطبيق مبدأ سيادة القانون وإنصاف الضحايا.

جاء في تقرير اللجنة رقم A/HRC/39/65 المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في دورته التاسعة والثلاثين 10-28 سبتمبر/أيلول 2018 في الفقرة 40 منه “وتخلُصُ اللجنة إلى أن القوات الحكومية و/أو الميليشيات التابعة لها ارتكبت، في هاتين المناسبتين، جريمتي الحرب المتمثلتين في استخدام أسلحة محظورة وشن هجمات عشوائية على مناطق مأهولة بالسكان المدنيين في الغوطة الشرقية” وقد وردت عدة تقارير مشابهة لاحقًا.

تضمن تقرير اللجنة رقم HRC/45/31/A المقدم إلى المجلس في دورته الخامسة والأربعين، بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول إلى 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، في ضوء الاستنتاجات التي خلصت لها اللجنة بشأن الانتهاكات المذكورة في هذا التقرير، تكرر توصيتها لجميع الدول الأعضاء بأن تواصل السعي إلى مساءلة الجناة، وتكرر استعدادها لمواصلة تقديم المساعدة في هذا المسعى بالتعاون الوثيق مع الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وقد أصدرت اللجنة تقريرها الأخير بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني 2025 جاء فيه أن نظام الأسد جعل في معتقلاته شبكة عذاب تشكل جرائم ضد الإنسانية(43)، هذه التقارير مع غيرها من الأدلة تفيد في البناء عليها لتحقيق العدالة.

  • الآليـة الدوليـة المحايـدة المسـتقلة لسوريا

قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 248/71، بتاريخ 21 ديسمبر/كانون الأول 2016، إنشـاء الآليـة الدوليـة المحايـدة المسـتقلة للمسـاعدة في التحقيـق والملاحقـة القضـائية للأشــخاص المســؤولين عـن الجــرائم الأشــد خطــورة وفـق تصــنيف القــانون الــدولي المرتكبـة في الجمهوريـة العربيـة السـورية، منـذ مارس/آذار 2011، برعايـة الأمـم المتحـدة كـي تتعاون على نحو وثيـق مـع لجنـة التحقيـق الدوليـة المسـتقلة المعنيـة بالجمهوريـة العربيـة السـورية، لاستقاء وتجميـع وحفـظ وتحليـل الأدلـة علـى انتـهاكات القـانون الـدولي الإنسـاني وانتـهاكات وتجاوزات حقوق الإنسـان وإعـداد ملفـات لتيسـير وتسـريع السـير في إجـراءات جنائيـة نزيهـة ومستقلة وفقًا لمعايير القانون الـدولي، تضطلع المحـاكم الوطنيـة أو الإقليميـة أو الدوليـة الـتي لهـا أو قد ينعقد لها مستقبلًا الاختصاص بهذه الجرائم وفقًا للقانون الدولي(44).

مما تقدم يتبين أن المجتمع الدولي ممثلًا بمنظماته الدولية قام وفي سبيل المساعدة على تطبيق سيادة القانون وإنصاف الضحايا ومنع الإفلات من العقاب كوسائل في تحقيق العدالة عهد بموجبها إلى الجهات الوطنية والجهات الإقليمية والدولية مساءلة مرتكبي الانتهاكات. تمثل ذلك من خلال:

  • إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة وضعت عدة تقارير على مدار سنوات.
  • إنشاء آلية دوليـة محايـدة مسـتقلة تعمل للمسـاعدة في التحقيـق والملاحقـة القضـائية للأشــخاص المســؤولين عـن الجــرائم الأشــد خطــورة وفـق تصــنيف القــانون الــدولي المرتكبة في الجمهورية العربية السورية.
  • تعيين مبعوث أممي لمتابعة الشأن السوري وتيسير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة من عمل السوريين نحو الانتقال السياسي.

هذه اللجان الأممية هي خطوة أولية تستلزم المتابعة لتفعيل الملاحقة القضائية، ولكن مع الأسف الشديد لم تستطع هذه اللجنان والآليات محاكمة أي من المسؤولين ولا إنصاف الضحايا ولم تشكل رادعًا فقد استمرت الانتهاكات وزاد عدد الضحايا خلال حكم النظام البائد الذي لم يقبل الانخراط الجدي في أعمال التسوية السياسية ولا إجراء المحاسبة. أما وقد حدث التغيير السياسي في سوريا فإن الأدوات اللازمة لتحقيق تطلعات السوريين وإعادة الإعمار وتنظيم الشأن العام قد تغيرت وأصبحت شأنًا وطنيًّا بيد السوريين أنفسهم وعليهم يقع العبء الأكبر ومنها إقامة العدالة الانتقالية وهذا يتطلب إرادة وطنية وتوحيد الصف والعمل الجاد.

  1. توصيف حالة حقوق الإنسان في سوريا خلال حكم النظام السابق

جاءت القرارات الأممية، خاصة من الجمعية العامة للأمم المتحدة(45)، على مدار سنوات متلاحقة لتوصيف حالة حقوق الإنسان في سوريا وبيَّنت الانتهاكات الممنهجة على نطاق واسع وحملت جملة من الإدانات وأظهرت المسؤولية عن هذه الانتهاكات، أعربت بموجبها الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها من تدهور حالة حقوق الإنسان في سوريا.

لم تستطع أية جهة دولية فاعلة وقف الانتهاكات التي ارتُكبت خلال حكم النظام البائد ومساءلة الجناة ووضع حدٍّ لثقافة الإفلات من العقاب وتطبيق مبادئ العدالة. وهذا يبين وجه القصور الكبير في العدالة الدولية من ناحية، ومن ناحية أخرى يُظهر أن القرارات الدولية تبقى دون نفاذ مكتمل ما لم تقترن بإرادة صادقة لحماية مضامينها وإيجاد آليات فعالة لتنفيذها وتحقيق الغرض منها، ومن ناحية ثالثة تترتب المسؤولية القانونية على المنظمات الدولية عن فعلها غير المشروع سلبيًّا في عدم إنفاذ قراراتها(46)، مما يقتضي تحقيق العدالة في سوريا بآلية وطنية.

 

المطلب الخامس: المرجعية القانونية للحالة السورية بشأن العدالة الانتقالية

القانون السوري الحالي يمكن أن يتعامل مع الجرائم العادية على أساس العدالة الجنائية التقليدية، أما الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب فما زال القانون السوري غير فاعل بالقدر الكافي للتعامل معها. كما لم تصادق سوريا على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وبذلك ربما نكون أمام عقبة حقيقية ونرى أنه يمكن تفعيل المحاسبة والاقتصاص من مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري إضافة للقانون السوري بأحكام القانون الدولي الإنساني وبالاستناد إلى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها مثل اتفاقية منع التعذيب واتفاقيات جنيف خصوصًا المادة الثالثة المشتركة منها(47) وغيرها من الاتفاقيات والبروتوكولات والتي يمكن تضمينها في تشريع سوري تحت مظلة مبدأ العدالة للجميع، إضافة إلى القرارات الدولية ذات الصلة والتي عبَّرت بشكل صريح عن الانتهاكات المرتكبة على مدار ما يزيد عن عقد من الزمان وأن هذه الأعمال التي ارتُكبت بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع تشكِّل جرائم ضد الإنسانية تقتضي قانونيًّا التعامل معها على هذا الأساس(48)، وما أشارت له التقارير من سياسة الإفلات من العقاب التي انتهجها النظام البائد على نطاق واسع، لأنه لا يمكن التغاضي عن الأفعال الجرمية والانتهاكات الجسيمة المرتكبة بحق العدد الهائل من الضحايا في سوريا وترك الفاعلين دون محاسبة وكأن شيئًا لم يحدث بسبب عقبة إجرائية، بما يقتضي النظر إلى الموضوع بتعمق وشمول وبما يليق مع مقتضيات تحقيق العدالة والإنصاف أخلاقيًّا وإنسانيًّا، وإلا فإن الضحايا، وهم كثر، يصبحون عرضة للنسيان وتضيع حقوقهم ويكون سببًا للثأر الشخصي مما يعرِّض السلم الأهلي لمخاطر عديدة قد تمتد لأجيال ويتنافى مع متطلبات وأهداف العدالة الانتقالية، فيكون واجب تحقيق العدالة ملقى على عاتق الدولة وأجهزتها المختصة.

وبالنسبة لعدد الضحايا، فإذا أخذنا تعدادهم ضمن النطاق الضيق للأفعال الجرمية التي أصابتهم بالقتل والتعذيب وغيرها من أفعال يجرِّمها القانون التقليدي، فإنهم بعشرات الالاف، أما إذا نظرنا بشمولية أكبر لتشمل من نُسف أو قُصف بيته أو هُجِّر من دياره وأُجبر على ترك مسكنه أو مصادرة ممتلكاته ومن لجأ إلى مخيمات النزوح واللجوء وعبء الحمل الثقيل والمخاطر الكثيرة والاجراءات المفروضة عليه، لكان العدد بالملايين.

  1. كشف الحقيقة وتحقيق العدالة

العدالة مطلب حق وواجب للردع وعدم تكرار الانتهاكات وإنصاف المظلوم. ولكن العدالة أيًّا كانت الصفة المصاحبة لها انتقالية أم لا يجب ألا تتحول بأي حال من الأحوال إلى وسيلة انتقام. ومع ضرورة إنصاف الضحايا ممن ارتُكبت الانتهاكات بحقهم تحت مبدأ الشرعية، بمعنى لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص في القانون والمشروعية بمعنى تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة التي تقوم عليها العدالة الجنائية التقليدية، فإن العدالة الانتقالية تأخذ بها بتوسع وبعض التحرر من القيود الإجرائية والشكلية والأخذ بمخرجات لجان كشف الحقيقة وما تقتضيه متطلبات تحقيق العدالة الانتقالية بكافة أبعادها ضمن برامجها المتعددة، ومع ضرورة المحافظة على الأدلة التي توافرت بعد سقوط النظام البائد، فإنه يجب ألا تتحول العدالة الانتقالية(49) إلى عدالة انتقامية، وأن تكون السيادة للقانون في دولة قانون ومؤسسات ذات كفاءة وفعالية تعمل على بناء القدرات الوطنية وتحقيق متطلبات الحرية والكرامة والمساواة والعدالة وضمان ذلك دستوريًّا وقانونيًّا وتطبيقًا فعليًّا بتجرد ونزاهة للجميع.

  1. التعاون لتحقيق العدالة

تتعايش القضايا المجتمعية والأمنية مع مطالب العدالة. وبسبب أحداث الماضي يمكن أن تتعرض تحديات المستقبل للخطر، فإن العدالة وهي الأمر الموضوعي بغضِّ النظر عما يرافقها من وصف يصبح من الضروري تطبيقها بحياد وموضوعية ونزاهة، وهي مهمة عقب فترة طويلة من شيوع انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب، ومن الواجب القانوني الاعتناء بالضحايا وعدم إهمال ما أصابهم من ظلم وقمع وانتهاك لحقوقهم الأساسية، وهي واجب أخلاقي بحصولهم على اعتراف لما تعرضوا له وتحقيق الإنصاف من خلال ضبط وفعالية أجهزة إنفاذ القانون وإقرار الآليات اللازمة لكشف الحقيقة والقصاص، وهذا يتطلب تعاون مختلف الجهات السياسية والتشريعية والقضائية والمنظمات المهتمة بالحقوق والحريات(50) في سبيل إعادة الثقة لأجهزة الدولة ومؤسساتها والمصالحة معها، ومما لا شك فيه أن الطريق طويل وشاق مع تبعات الزلزال السياسي بالتغيير الذي حصل في سوريا، وفيه تحدٍّ كبير لأي تحول جديد وإدارة جديدة، أصعب ما فيه بدايته ويتطلب قدرًا كبيرًا من العمل المهني بكفاءة مع ضبط النفس والنهج المؤسسي للوصول إلى كشف الحقيقة وتحقيق العدالة بمستقبل آمن لا تتكرر فيه جرائم الماضي.

  1. وسائل مساعدة في تحقيق العدالة الانتقالية

من الضروري تعزيز إدارة المؤسسات وطنيًّا نحو أداء أكثر فعالية وأن تهدف إلى تقديم الخدمات بشكل عادل من أجل منع ظهور صراعات جديدة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم معالجة جرائم الماضي الجسيمة بشكل فعال، ويمكن اتخاذ تدابير تشريعية ورقابية لضمان فعالية سيادة القانون في جميع أنحاء البلاد وعدم استبعاد أية منطقة من المشاركة، وكذلك إضفاء الشرعية على حقوق الملكية ووسائل تثبيت ملكية العقارات وتمكين المالكين الحقيقيين لإعادة ما تم الاستيلاء عليه بشكل غير مشروع.

وقد أصبحت برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج عنصرًا أساسيًّا في إستراتيجيات الخروج من الأزمات وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، وهي تهدف إلى نزع سلاح المقاتلين الذين عملوا ضمن قوات النظام البائد وتسريحهم حسب الحالة(51)، وإعادة إدماج الفصائل المسلحة الثورية ضمن القوات المسلحة للدولة والأجهزة الأمنية وحصر السلاح بيد أجهزة الدولة بما يساعد في استتباب الأمن ومنع الثأر والانتقام.

  1. تحديات تواجه العدالة الانتقالية في سوريا

كي تنجح العدالة الانتقالية في تحقيق أهدافها لابد أن يصاحبها تغيير هيكلي عميق وفرض تغييرات في الإصلاح المؤسسي والبنيان المجتمعي، على أنه في الفترة المعقدة بعد نجاح الثورة وما يصاحبها من تحديات لتطبيق العدالة الانتقالية في سوريا، والتي تتمثل بعدة أبعاد منها اقتصادية تتعلق بالعقوبات الاقتصادية والمالية التي فُرضت على النظام البائد والتي ما زالت مستمرة رغم زوال سببها، هذه العقوبات تعيق بشكل كبير الحصول على التمويل اللازم للتعافي والإصلاح وإعادة تأهيل المؤسسات ودخول الشركات وإقامة المشاريع وإعادة الإعمار والحصول على الوسائل المساعدة في التطور والتقدم وكثير من الأجهزة والمعدات وقطع الغيار وتبادل السلع، ونعتقد أن السلم الأهلي والمصالحة المجتمعية، وهي من أهداف العدالة الانتقالية، ترتبط بشكل أو بآخر بالنمو الاقتصادي وتحسن المستوى المعيشي مما يتطلب رفع العقوبات عن سوريا التي لم يعد لها مبرر لغايات الدفع بالتنمية المستدامة، أيضًا بُعد إداري يتعلق بالفساد الإداري وترهل المؤسسات العامة وعدم فعاليتها بالقدر الكافي في أداء الأعمال بمستوى يحقق الهدف منها وكثرة الموظفين الوهميين الذين سُجِّلت أسماؤهم دون أن يكون لهم عمل حقيقي ويتلقون الرواتب مما يُثقل العبء على الخزينة العامة دون الارتقاء بمستوى الخدمات مما يتطلب إصلاح الأجهزة الحكومية وهي أيضًا من أهداف العدالة الانتقالية، وبُعد آخر يتعلق بالبعد الثاني من ناحية القضاء وأجهزة إنفاذ القانون التي تتطلب عملًا كبيرًا لإعادة تأهيلها وتدريبها للتعامل مع الواقع الجديد وقدرتها على تحقيق متطلبات العدالة الانتقالية في المحاسبة والانتصاف للضحايا على أسس من الشفافية والموضوعية. وبعد آخر يتعلق بجبر الضرر والتعويض عن الآلام؛ فإنه وبالنظر إلى العدد الهائل من الضحايا ربما يصبح معه جبر الضرر رمزيًّا أكثر منه ماديًّا صرفًا أو التوجه نحو إعطاء مزايا وظيفية كأولوية في التعيين للوظائف الشاغرة مثلًا، لأنه ربما يكون الأخذ بمسار مختلف قد يشكِّل عبئًا كبيرًا لا تستطيع تحمله عدة دول فكيف الحال بجهة واحدة مما يهدد بفشل العملية إن اتخذ عنوانًا وهدفًا بذاته. وأخيرًا، بُعد سياسي مجتمعي وأمني عبَّرت عنه بعض المرجعيات لمكونات تضم أعدادًا من القوات المسلحة وقوى الأمن السابقة بطلب العفو العام للجميع حتى تقبل الانخراط في المصالحة وقبول التغيير، وهو ما يصعِّد التوتر ويزيد الانقسام في المجتمع وتحد غير مقبول للحقيقة وواجب تحقيق العدالة، مع ضرورة التأكيد على أن تطبيق العدالة حتى تحقق أهدافها المرجوة سيكون بمواجهة من ارتكب الجرائم الجسيمة والانتهاكات بحق السوريين بغضِّ النظر عن خلفيته أو معتقده أو انتمائه.

  1. إستراتيجيات في العدالة الانتقالية

تشكِّل برامج العدالة الانتقالية في الانتصاف للضحايا والمحاسبة وإصلاح المؤسسات ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والمصالحة المجتمعية، روابط إستراتيجية متداخلة والتي سيتم بناؤها تشريعيًّا وعمليًّا في المرحلة الانتقالية وهي ضرورية لتحقيق العدالة الانتقالية، نظرًا لأن فشل هذه البرامج يصاحبها في كثير من الأحيان صراعات قد تؤدي إلى تجدد الاشتباكات أو بسبب شعور المقاتلين السابقين وكل المتورطين الذين هم رمز من رموز النظام البائد وما صاحبه من انتهاكات حقوق الإنسان بالإفلات من العقاب وقدرتهم على فرض واقع معاكس؛ ذلك أنه رغم التوتر القانوني المصاحب لا يمكن إعادة تأهيلهم إلا بالممارسات القضائية التي تسعى العدالة الانتقالية إلى تحقيقها ومعالجتها ضمن إستراتيجية وطنية بآلية عمل واضحة تقوم على أسس موضوعية عادلة بعيدًا عن النزعة الانتقامية؛ إذ إن التفاعل بين هذه البرامج الإستراتيجية المتعددة مع حقيقة وضع الضحايا في قلب العدالة الانتقالية يرمز إلى المطالبة بالسلام والأمن واحترام حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي التي يجب أن تسود في عملية إعادة الإعمار وتحقيق العدالة بعد انتهاء الاستبداد وتوقف الصراع.

استكمالًا للبرامج المذكورة يجب تنفيذ عمليات إصلاح الأنظمة المرتبطة بالسلاح والأنظمة الأمنية لضمان السيطرة على القوات المسلحة وقوات أجهزة الأمن، لإعادة بناء قوات الجيش والأمن ومؤسسات إنفاذ القانون بشكل أفضل على عقيدة وطنية تحفظ الأمن وتصبو للعدالة في خدمة الوطن والمواطن وتمكينها في المستقبل من منع وقوع جرائم جديدة وألا تكون هي متورطة بأعمال تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان، وهذا يتطلب إرادة وطنية تستطيع ضمن الإطار القانوني تفعيل العمل لتحقيق العدالة على أسس سليمة وعدم الاكتفاء بالناحية النظرية وإنما التطبيق العملي النزيه للبرامج الإستراتيجية، فكما يقال: القاضي العادل خير من القانون العادل.

 

المطلب السادس: العدالة والمصالحة المجتمعية

  1. موقف الشرع الحنيف

جاءت الآية الكريمة (58) من سورة النساء بقوله تعالى: “إِن اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ الناسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِن اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِن اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا”؛ فالحكم بالعدل والإنصاف حكم الله تعالى أنزله في كتابه وبيَّنه على لسان نبيه، والمتلقون هم الناس جميعًا في خطاب عام بأن يشمل الحكم بالعدل الكافة وجميع الناس على اختلاف الجنس أو العرق أو الدين من غير أن يحول اختلافهم دون تطبيق العدل عليهم والأخذ بمقتضياته دون تحيز، وقوله تعالى في سورة “الرحمن”، وهو خطاب عام أيضًا: “وَالسمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَان (7) أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ“، في هذه الآيات الكريمة تلخيص جميل لغايات القانون ومقاصده، العدل وعدم الطغيان وأداء الحقوق. النظام البائد في سوريا لم يرع عهدًا ولم يرقب إلًّا ولا ذمة وانتهك جميع الحرمات ولم يحكم بالعدل بين الناس فكانت عاقبته الزوال، وقد بيَّن الله تعالى حكم القصاص على المعتدين كما ورد في الآية الكريمة (179) من سورة البقرة بنص يتعلق بشكل أو بآخر بما نبحثه عن مقتضيات ومضامين العدالة بالقول: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، في القصاص إعادة إحياء حقوق الأنفس المتضررة وجبرها وإنصافها وردع لمن تسول له نفسه سلوك طريق التعدي، مع الأخذ بمبدأ الصفح المستطاع عملًا بآيات كريمة متعددة منها قوله تعالى: “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللـهِ” “الشورى” من الآية (40).

  1. متطلبات السلم الأهلي

التسامح من مقتضيات الحياة الكريمة؛ ذلك أن بناء الأوطان وتحقيق الاستقرار والسلم والاطمئنان والأمان يتطلب قدرًا كبيرًا من التسامح ممن لم يوغل في دماء وأعراض وأموال السوريين في سبيل الوطن لإعادة اللُّحمة الوطنية والسلم الأهلي، وهذا يتطلب عدم الارتهان كليًّا لكل إرث الماضي الثقيل والتطلع نحو مستقبل أكثر أمنًا وانضباطًا مع حفظ الذاكرة والجرأة على الاعتراف وطلب الصفح ومحاسبة من يقتضي حتى لا تتكرر مآسي الماضي. وبنفس الوقت فإنه من الضروري إصلاح أجهزة الدولة بأن تكون مسخَّرة لخدمة الوطن ورفعة شأن الإنسان الذي كرَّمه الله تعالى بوسائل وتشريعات تُطبَّق بأطر تتضمن شفافية وعدالة ونزاهة واحترام الحقوق، وتعزيز قدرات أجهزة إنفاذ القانون والقضاء الوطني ونزاهتها وكفاءتها وإشاعة ثقافة محددات المسؤولية وإنماء منظومة القيم الأخلاقية في الحياة العامة والخاصة والتعاون لما فيه الخير والمصلحة الوطنية العليا.

خاتمة

أي حل لقضايا سوريا يقتضي أن يكون سوريًّا وبأيدي السوريين أنفسهم وحماية حقوقهم والذود عن أعراضهم وأموالهم ودولتهم وسلامة أراضيها ووحدتها وسيادتها واستقلالها، ولا ضير من الاستفادة من ممارسات الآخرين والاستئناس بالخبرة ذات الفعالية بغرض كشف الحقيقة لإنصاف الضحايا والاقتصاص ممن ارتكب الجرائم والأخذ بالصفح قدر المستطاع.

الأعباء كبيرة ومتعددة وتحتاج إلى جهد ووقت وتضافر الجهود، والملفات كثيرة ومتنوعة وشائكة من إرث معقد ودموي تركه العهد البائد الذي أمعن في الإيذاء على كافة المستويات. وقد كان صدور الإعلان الدستوري، في 13 مارس/آذار 2025، خطوة مهمة نحو تحقيق مبدأ العدالة لضحايا النظام السابق، وقد تضمَّن الإعلان في مادتيه 48 و49 أحكامًا خاصة حول قضية العدالة الانتقالية وتأسيس هيئة خاصة لهذا الموضوع الأساسي، نأمل أن تتولى خلال المرحلة الانتقالية المحددة بخمس سنوات إنصاف الضحايا وجبر الضرر والتهيئة للمصالحة المجتمعية، لتشمل وتغطي فترة لا تقل عن الخمسين سنة الماضية، تعاونها نيابة عامة للعدالة والقصاص تعمل في تقصي الحقائق تمهيدًا للإحالة إلى الهيئة تحقيقًا للعدالة الانتقالية بأبعادها الحقوقية والاجتماعية والأخلاقية لضمان السلم الأهلي ومستقبل أكثر عدلًا واستقرارًا؛ مما يخفف جانبًا من الضغط الكبير الواقع على الدولة والمجتمع ويستجيب لمطالبات الضحايا وذويهم، وتحمل الهيئة المذكورة مسؤولية هذا الملف الصعب بحياد ونزاهة وموضوعية.

المراجع

(1) الدستور السوري، المادة (7) من دستور عام 2012 الملغى.

(2) الدستور السوري، المادة (117) حول جريمة الخيانة العظمى من دستور عام 2012 الملغى.

(3) الدستور السوري، المادة (105) من دستور عام 2012 الملغى.

(4) القانون رقم 9 لعام 2000، بتاريخ 11 يونيو/حزيران 2000، المعدِّل لنص المادة الدستورية ذات الصلة.

(5) إلهام مانع، “إعلان دمشق وأزمة الدولة السورية”، سويس إنفو، 16 أغسطس/آب 2008، (تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2025)، https://shorturl.at/6z2JK

(6) عمار دروبي، “معاوية الصياصنة الطفل الذي أشعل الثورة السورية يعيش فرحة انتصارها”، موقع الجزيرة نت، 14 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2025)، https://shorturl.at/SutcG

(7) منظمة الشفافية الدولية، “مؤشر مدركات الفساد في سوريا لعام 2023″، مؤشر الشفافية العالمية، (تاريخ الدخول: 16 فبراير/شباط 2025)، https://www.transparency.org/en/countries/syria

(8) الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقرير الأول للجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الاستثنائية السابعة عشرة، رقم A/HRC/S-17/2/Add.1، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

(9) مركز الإمارات للسياسات، “قضية السلاح الكيماوي السوري وتداعياتها على الأزمة السورية وعلى الصراع الغربي الروسي – وحدة الدراسات السورية”، 2 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2025)، https://shorturl.at/IiWFe

(10) الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرار رقم A/RES/72/191، بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(11) “كيف يرى السوريون مستقبل العدالة الانتقالية في بلدهم؟”، موقع BBC عربي، 17 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2025)، https://www.bbc.com/arabic/articles/clyj333z14qo

(12) محمد محيي الجنابي ومحيي أحمد غالب، “العدالة الانتقالية والدستور المؤقت لمرحلة ما بعد النزاع (المضامين والمبررات)”، المجلة السياسية والدولية، جامعة النهرين، العدد 53، ديسمبر/كانون الأول 2022، ص 68.

(13) Neil J. Kritz (Editor), Transitional Justice, How Emerging Democracies Reckon With Former Regimes, Vol. 1, US Institute of Peace Press, Washington D.C., 1995.

(14) ليلى نقولا الرحباني، “التدخل الدولي مفهوم في طور التبدل”، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2011، ص 98.

(15) الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرار رقم 147/60، بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2005.

(16) تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن رقم S/2004/616، بتاريخ 23 أغسطس/آب 2004، بند ثالثًا/8.

(17) المركز الدولي للعدالة الانتقالية، “ما هي العدالة الانتقالية؟”، (تاريخ الدخول: 28 يناير/كانون الثاني 2025)، https://www.ictj.org/ar/criminal-justice

(18) القانون التونسي رقم 53 لسنة 2013، الفصل الأول، تعريف العدالة الانتقالية.

(19) مولاي عبد الكريم مولاي أحمد، “الأسس الفلسفية لمفهوم العدالة الانتقالية: مقاربة أولية”، مجلة تبين، العدد 11/3، شتاء 2015، ص 17.

(20) المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، تخطي عمليات الانتقال نحو التحول: التفاعل بين العدالة الانتقالية وبناء الدستور، ورقة السياسات رقم 22، جامعة إدنبرة، ديسمبر/كانون الأول 2018، دراسة حالة جنوب إفريقيا، ص 58.

(21) Truth and Reconciliation Commission in South Africa, (seen at 20/2/2025): https://www.justice.gov.za/trc/

(22) دولاه عمر، تصريح لوزير العدل السابق في جنوب إفريقيا، المرجع السابق.

(23) علي أحمد، “المصالحة والحقيقة في جنوب إفريقيا: بحث في منجزات العدالة الانتقالية ومآزقها”، مجلة سياسات عربية، العدد 47، نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ص 30.

(24) المرجع السابق، ص 37.

(25) المركز الدولي للعدالة الانتقالية، “تجاهُل المطالبات بتحقيق العدالة: جنوب إفريقيا تخذل ضحايا جرائم حقبة الفصل العنصري”، 17 يناير/كانون الثاني 2013، (تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2025)، https://www.ictj.org/ar/node/16387

(26) لا يوجد تعريف واحد للعدالة الانتقالية كما بيّنّا سابقًا، وإن كانت تتشارك في عناصر تدور ابتداءً حول حقوق الضحايا وآليات معالجتها، المرجع نفسه.

(27) المركز الدولي للعدالة الانتقالية، “الإحاطة بشأن تونس”، فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2025)، https://www.ictj.org/sites/default/files/

(28) محمد أمين المهدي، “جريمة العدوان وإلماحة إلى ما استجد بشأن جرائم الحرب”، مجلة الإنساني، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 30 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2025)، https://blogs.icrc.org/alinsani/2020/09/30/4059

(29) فريجة محمد هشام، “دور القضاء الدولي في مكافحة الجريمة الدولية”، أطروحة دكتوراه، جامعة محمد خيضر – بسكرة -، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم الحقوق، السنة الجامعية 2013-2014، ص 63.

(30) مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قرار رقم 827، بتاريخ 23 مايو/أيار 1993، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2025)، https://main.un.org/securitycouncil/ar/content/repertoire/international-tribunals

(31) مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قرار رقم 955، بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1994، المرجع السابق.

(32) مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قرار رقم 1757، بتاريخ 30 مايو/أيار 2007، بشأن إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان بموجب اتفاق مع الجمهورية اللبنانية.

(33) نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة (1).

(34) مولاي عبد الكريم، المرجع السابق.

(35) بتاريخ 20/1/2025 أصدرت محكمة فرنسية مذكرة توقيف بحق بشار الأسد وهي المذكرة الثانية الصادرة بمواجهة رأس النظام السوري البائد والأولى بعد سقوطه بخصوص جرائم ضد الإنسانية بعد طلب إضافي من النيابة الوطنية الفرنسية لمكافحة الإرهاب كونه (بشار) لم يعد يتمتع بحصانة شخصية قد تحميه من الملاحقة القضائية أمام القضاء الأجنبي بالاستناد إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية بسبب تحقيق قضائي لمواطن فرنسي سوري لقي مصرعه نتيجة قصف منزله بمروحيات جيش النظام.  راجع: فرنسا تصدر مذكرة توقيف جديدة ضد بشار الأسد، موقع الجزيرة نت، 21 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2025)، https://shorturl.at/MASZD.  كما قامت النيابة العامة الألمانية في عام 2024 بتوجيه اتهام لعناصر من النظام البائد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا. راجع: ألمانيا تعتقل 5 أشخاص بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد مدنيين في سوريا، يورو نيوز، 4/7/2024 (تاريخ الدخول: 1/3/2025): https://arabic.euronews.com/2024/07/04/germany-trial-starts-of-5-suspects-crimes-against-humanity-war-crimes-in-syria

 (36) تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن رقم S/2004/616، بتاريخ 23 أغسطس/آب 2004، بند ثالثًا/8.

(37) داود إبراهيم عبد العزيز، “خطر عدم الأمن القانوني وضرورة تفعيل الدور التشريعي”، المجلة الدولية للقانون، دار نشر جامعة قطر، المجلد 10، العدد 3، 2021، ص 15.

(38) ديباجة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مرجع سابق.

(39) تقرير الأمين العام للأمم المتحدة رقم S/2004/616، بتاريخ 23 أغسطس/آب 2004، المرجع السابق.

(40) الجمعية العامة للأمم المتحدة، القرار رقم 126 في الدورة العامة 66، بتاريخ 4 سبتمبر/أيلول 2012.

(41) مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إعلان رقم S/2014/348، بتاريخ 22 مايو/أيار 2014.

(42) مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قرار رقم 2254 لعام 2015.

(43) اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن الجمهورية العربية السورية، تقارير متعددة حول الانتهاكات الجسيمة وطلب إحالة الجناة إلى العدالة، دون نتائج ملموسة حتى الآن، https://news.un.org/ar/tags/ljnt-althqyq-aldwlyt-almstqlt-bshan-swrya

(44) الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرار رقم A/RES/71/248، بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 2017.

(45) الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرار رقم 66/176 بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2011، والقرار رقم 66/253 بتاريخ 16 فبراير/شباط 2016، أعقبهما عدد من القرارات المتعلقة بالحالة في سوريا.

(46) محمود عطور، “مسؤولية المنظمات الدولية عن الفعل غير المشروع دوليًّا: دراسة تحليلية في مشروع مواد لجنة القانون الدولي”، مجلة الشريعة والقانون، العدد 84، صفر 1442 – أكتوبر/تشرين الأول 2020.

(47) اتفاقيات جنيف لعام 1949، المادة الثالثة المشتركة، المتعلقة بالنزاعات المسلحة غير الدولية، وتطبيقها على الحالة السورية.

(48) محمود عطور، “نحو اتفاقية دولية بشأن الجرائم ضد الإنسانية”، مجلة القانون الدولي والتنمية، الجزائر، المجلد 8، العدد 1، لعام 2020.

(49) “الشرع: سنعمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة”، الجزيرة نت، 20 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2025)، https://shorturl.at/Xg1hT

(50) منظمات المجتمع المدني السورية، لجان حقوقية، و”ملف قيصر”، تقارير ذات صلة بمساءلة مرتكبي الانتهاكات خلال الثورة السورية.

(51) بيان المتحدث باسم العمليات العسكرية عقب مؤتمر النصر في دمشق، بتاريخ 29 يناير/كانون الثاني 2025، بشأن حل الجيش والأجهزة الأمنية السابقة، وتشكيل أجهزة جديدة على أسس وطنية.