ملخص

مع صعود الصين وعودتها القوية في قمة التنافس على ريادة النظام الدولي، طورت منظورها العالمي والجديد الخاص بها والذي يعكس رؤيتها لذاتها ولمحيطيها، الإقليمي والعالمي، وللسياسات والإستراتيجيات الواجب عليها اتباعها لتحقيق أهدافها ومصالحها في مختلف بقاع العالم بما في ذلك القارة الإفريقية. وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل خلفيات وأسس وأهداف وأدوات وتطورات المنظور العالمي الجديد للصين، وموقع التعاون مع إفريقيا ضمن هذا المنظور بحسبان هذه القارة من ضمن المناطق الحيوية المستهدفة من طرف صُنَّاع القرار في بيجين. لتخلص الدراسة إلى قدرة الصين على صياغة ورسم منظور عالمي خاص بها، قائم على أسس متعددة ومتكاملة منها السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والإنساني، مع تسخير كافة الأدوات القادرة على تجسيد ذلك التصور الصيني على أرض الواقع، مع التوصل كذلك إلى تثبيت حقيقة كون القارة الإفريقية محطة محورية ضمن سياسات بيجين الخارجية، باعتبارها ذات سوق استهلاكية كبيرة، وموردًا مهمًّا للمصادر المعدنية والطاقوية والمواد الأولية الزراعية، ووجود توجه عام لدى الكثير من الأنظمة السياسية الإفريقية لتأييد الرؤى والطروحات الصينية ودعمها حتى على المستوى العالمي ضمن المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لاسيما مع ما يجمع الجانبين من نقاط ومحاور تقاطع تاريخية وإنسانية واقتصادية وسياسية وإستراتيجية، تمنح للصين أولوية وأسبقية في القارة السمراء على حساب القوى التقليدية الغربية مثل الولايات المتحدة وأوروبا، التي تراجعت مكانتها بشكل ملحوظ في القارة لصالح الصين.

الكلمات المفتاحية: الصين-إفريقيا-المنظور العالمي الجديد للصين-التعاون-الدبلوماسية.

_____________

* د. عبد القادر دندن، أستاذ العلاقات الدولية وباحث في الشؤون الآسيوية- جامعة باجي مختار-عنابة-الجزائر.

*Dr. Abdelkader Dendenne, Professor of International Relations and Researcher in Asian Affairs at Baji Mokhtar University, Annaba, Algeria.

Abstract:

As China rises and reasserts itself as a key contender for leadership in the international order, it has developed a distinct global outlook – one that reflects how it sees itself, its role in the regional and global landscape, and the policies and strategies it needs to pursue to advance its interests around the world, including in Africa. This study explores the foundations, objectives, tools and evolution of China’s new global vision, with a particular focus on how cooperation with Africa fits into this broader framework. Africa is viewed by Chinese policymakers as a vital region –strategically important and full of opportunity. The findings suggest that China has succeeded in crafting a comprehensive and multidimensional global approach, drawing on political, institutional, economic and humanitarian elements. It has mobilised a wide range of tools to bring this vision to life. At the heart of this strategy is Africa, which holds a key position in Beijing’s foreign policy. The continent offers a vast consumer market, rich reserves of minerals, energy and agricultural raw materials, and a political landscape where many governments are inclined to support China’s positions, even at the international level, including in institutions like the United Nations and its Security Council. What further strengthens China’s position is the historical, economic, political and strategic alignment between the two sides –factors that have helped give China a clear edge over traditional Western powers such as the United States and Europe, whose influence in Africa has significantly waned in recent years..

Keywords: China,  Africa, China’s new global perspective, cooperation, diplomacy.

مقدمة

تعد الصين اليوم فاعلًا عالميًّا مؤثرًا على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية وحتى الثقافية والحضارية، فهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتمتلك ثالث أكبر ترسانة عسكرية، وقوة تكنولوجية رائدة عالميًّا، كما أن صيتها الثقافي والحضاري لا يستهان به عبر العالم، وهو ما ساعدها في تنمية وتعزيز قوتها الناعمة، ومزاحمة القوى الكبرى التقليدية الغربية مثل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وقوى أخرى مثل روسيا واليابان.

ومنذ مجيء الرئيس تتشي جين بينغ إلى السلطة، عام 2013، أعلنت الصين عن أهدافها العالمية الساعية إلى جعل بيجين قوة عظمى عالمية أولى خلال الفترة ما بين 2035 و2049، وأصبحت لها رؤيتها ومنظورها الخاص لبناء عالم متعدد الأقطاب، وإعادة بناء النظام العالمي على أسس جديد من الثقة والتعاون والمصالح المتبادلة، كما يروِّج المسؤولون الصينيون لذلك. وعلى الصعيد الاقتصادي تبنَّت الصين سياسات ذات طابع عالمي لا تعترف بالحدود والمجالات الإقليمية، بل تشمل أنحاء مختلفة من العالم مثل مبادرة الحزام والطريق وغيرها من السياسات التنموية السلمية، ومن بينها القارة الإفريقية التي تعد واحدة من بين أهم المجالات الجغرافية والإستراتيجية والجيواقتصادية المستهدفة بالجهود والسياسات الصينية.

أهمية وغايات الدراسة

يمثل الوقوف على أسس ومنطلقات وأهداف ما بات يعرف بالمنظور العالمي الجديد للصين، انعكاسًا لأهمية هذا البلد ودوره الجوهري المتصاعد في العلاقات الدولية، وكذلك في الاقتصاد العالمي. صاغت الصين رؤى وتصورات توضح ما تبتغيه من مكانة ودور في العلاقات الدولية الآنية والمستقبلية، كما أنها حددت الإستراتيجيات والأدوات المختلفة الكفيلة بتحقيقها لمنظورها العالمي المستحدث لاسيما منذ وصول الرئيس تشي جين بينغ للسلطة، وذلك دون إغفال مدى أهمية تسليط الضوء على موقع القارة الإفريقية ضمن ذلك المنظور العالمي للصين المعاصرة، بما تضمه القارة من موارد ومقومات على مختلف الأصعدة. لذلك فإن مثل هذه الدراسة تعد من بين الضرورات المعرفية والعملية لفهم ديناميكية التفاعلات الصينية-الإفريقية كأحد نماذج شبكة العلاقات والتفاعلات الواسعة والمعقدة للصين عالميًّا.

الإشكالية البحثية

بالنظر لكون علاقات التعاون بين الصين وإفريقيا، واحدة من بين أهم الأمثلة على قدرة الصين على اختراق مختلف قارات العالم، وإقامة علاقات تعاونية بنَّاءة ومتبادلة المصالح، فإن القيادة الصينية تعتبر ما تحقق من إنجازات في هذه العلاقة واحدًا من بين أهم نجاحات سياسة الصين الخارجية، وواحدًا من بين أهم الدلائل على صلابة الرؤية العالمية للصين، التي مكَّنتها من تخطي الحدود الضيقة المحلية والإقليمية في آسيا، والوصول إلى مجالات تفاعل جغرافية أبعد من ذلك بكثير. كما أن إفريقيا تمتلك بدورها من المقومات والإمكانات ما يجعلها واحدة من بين المناطق المعولة عليها من طرف الصين لتحقيق ودعم رؤيتها العالمية المعاصرة. وهذا ما يدفع لطرح الإشكالية التالية: ما مدى قدرة المنظور العالمي الجديد للصين على تعزيز التعاون مع إفريقيا، في ظل المصالح المتبادلة بين الطرفين؟

 

أولًا: سياق تشكُّل المنظور العالمي الجديد للصين: عُرفت الصين عبر تاريخها بكونها واحدة من أعرق حضارات العالم، وعبر ذلك المسار الطويل من الفعل الحضاري، قدمت الصين للعالم شخصيات واختراعات ومفاهيم ومبادئ خالدة، أخذت البُعد الإنساني والعالمي ولم تبق مقتصرة على التفكير الصيني أو الحياة الصينية فحسب.

ورغم الانتكاسة التي شهدتها الصين في ظل ما عُرف بقرن الذل (1839-1945) وتداعياته الخطيرة على الصين كأمة وكحضارة وعلى الفرد الصيني، إلا أنها بدأت في استعادة مكانتها وإدراكها لذاتها كقوة حضارية تستحق مكانة أفضل في العالم منذ عهد ماو تسي تونغ، الذي وحَّد الصين من جديد وخلق لها كيانًا وهوية سياسيتين معاصرتين بدءًا من العام 1949، لتكون تلك بداية الصين الحديثة أو المعاصرة، والتي ركزت في بداية عودتها على تقديم نفسها دولةً ناميةً من دول العالم الثالث.

وإذا كان دينغ شياوبينغ أبا الإصلاح الاقتصادي في الصين، قد ركز على تطوير قدرات الاقتصاد الصيني ومحاولة الخروج من دائرة الفقر والتخلف، والعمل بهدوء ودون ضجيج أو تدخل في الصراعات، أو استعراض للقوة، وفقًا لمبدأ “إخفاء القدرات”، ونجح بفضل ذلك في تحقيق الإقلاع الاقتصادي الصيني، وتأسيس اقتصاد السوق الاشتراكية أو الإصلاح ذي الخصائص الصينية، ثم جاء الرئيس الحالي، تشي جين بينغ، في ظرف شهدت فيه البلاد قفزة هائلة في مختلف المجالات، وقد كان التحول المهم في عهده هو الانتقال من محل (إخفاء القدرات) إلى “إظهار القوة والقدرات”، وهي رؤية ومنظور جديدان لموقع ودور الصين في العالم والنظام الدولي عبر شعار، ولذلك تعد حقبة الرئيس، تشي جين بينغ، إيذانًا بتقديم الصين لنفسها للعالم قوةً عظمى تسعى للريادة وتغيير القواعد الدولية التي سادت طويلًا.

بدأ التحول الكبير في السياسة الخارجية للصين منذ عام 2013، بتولي الرئيس تشي جين بينغ السلطة، وإعلانه عن مبادرة “الحزام والطريق” التي تتضمن الحزام الاقتصادي والحزام الأخضر وطريق الحرير البحري، وما ترتب عليها من تحول في هوية الصين الدولية من دولة نامية كبرى إلى دولة مسؤولة كبرى، وكان ذلك بمنزلة إعلان عن انتهاء سياسة “دينغ شياوبينغ” القائمة على “الانتظار وإخفاء القدرات” لتخلفها سياسة “تشي” التي تتركز على “إظهار القدرات واغتنام الفرص الإستراتيجية” والتي تتعلق بالإستراتيجية الوطنية الكبرى التي يسعى إليها “تشي”، وهي بناء دولة اشتراكية ذات خصائص صينية قوية وحديثة، وتتطلب هذه الإستراتيجية إعادة ترتيب المصالح الوطنية الصينية، التي أصبحت تجمع بين مصالح اقتصادية وسياسية وأيديولوجية وإستراتيجية وأمنية؛ فبناء هذه الدولة يتطلب بناء وصياغة دور عالمي كبير للصين، وتحقيق نفوذ كبير في نظام عالمي متعدد الأقطاب، كما أنه يرتبط بشكل وثيق بالحلم الصيني المتمثل في توحيد الأمة الصينية بعودة تايوان وحماية مصالحها في بحري الصين، الجنوبي والشرقي، وتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري في آسيا لاسيما شرقها وجنوبها الشرقي، باعتبارها نطاق أولويات الصين الرئيسية المتمثلة في “مصالح البقاء survival Interests”، و”المصالح الحيويةInterests  vital”(1).

ترتبط مصالح الصين بشكل رئيسي بالسعي إلى حماية سيادة الدولة ووحدة أراضيها وأمن النظام ضد كل ما يمكن أن يمس بذلك وعلى رأسها قضية تايوان، وتوطيد حكم “الحزب الشيوعي الصيني”، والسيطرة على المشاكل الداخلية في هونغ كونغ والتبت وشينجيانغ وغيرها. وهذه المصالح ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعقيدة السياسة الخارجية الصينية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها، في مقابل احترام بقية الدول لمنظور الصين الوحدوي القائم على حقها في السيادة على تايوان والتبت وشينجيانغ وهونغ كونغ، والعمل على تعزيز القوة الصلبة والناعمة للدولة لتحقيق تلك الأهداف، عن طريق تدعيم قوة البلاد العسكرية والاقتصادية، وخدمة المصالح السياسية والأيديولوجية للدولة، عن طريق دعم دول العالم الثالث، وتعزيز هوية وسياسة التعاون “جنوب-جنوب”، وبناء تعاون متعدد الأطراف لتعزيز إعادة هيكلة النظام الدولي الحالي نحو عالم متعدد الأقطاب يخدم مصالح الصين وغيرها من الدول، لضمان كسر أي عزلة دولية قد تُفرض على الصين من طرف خصومها الغربيين والإقليميين، وكل ذلك مرتبط بشكل وثيق بالتنمية الاقتصادية المستدامة؛ حيث تتبنى الحكومة الصينية سياسة أكثر توجهًا نحو الاقتصاد، والتي تعكس التداخل بين مختلف درجات المصالح الصينية، فالتنمية الاقتصادية المستدامة ترتبط بضمان بقاء أمن النظام، وهو ما يشكِّل أهمية خاصة للصين التي يعتمد اقتصادها بشكل مفرط على استيراد المواد الخام والموارد الطبيعية، وخاصة الطاقوية منها القادمة من الشرق الأوسط وإفريقيا(2).

إن تحقيق تلك المصالح والأهداف، دفع باتجاه إحداث ثورة في التفكير الصيني إستراتيجيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، بالانتقال من المحلي والإقليمي إلى العالمية، لأن الوقت -بحسب القيادة الصينية في عهد تشي جين بينغ- قد حان لتجاوز قيود الإقليمية نحو التفكير والعمل عالميًّا (فَكِّرْ واعمل عالميًّا)، بالتوازي مع تزايد قدرات الصين ومواردها المالية وكسبها لنفوذ متزايد في المؤسسات الدولية، وهو ما عكسته مجموعة من السياسات والمبادرات على مختلف الأصعدة في عهد الرئيس تشي جين بينغ على وجه الخصوص الذي حققت فيه الصين طفرة كبرى؛ إذ يعد عهد “تشي” نهاية عصر التردد واعتبار الصين لنفسها دولة نامية، وبداية مجاهرتها بنفسها قوةً عالميةً بشكل صريح، وتستحق مكانة أفضل في ظل نظام دولي أكثر توازنًا وانفتاحًا.

تبنَّت الصين بقيادة “تشي جين بينغ” الأهداف القومية الأكثر طموحًا منذ تأسيسها، فالرئيس “تشي” يعتقد أن الصين قد “حققت تحولات كبيرة، ونهضت، وأصبحت أكثر قوة وثراء”. بعبارة أخرى لم يعد النمو الاقتصادي هو الهدف الأساسي والوحيد، بل ارتقت أهدافها لتصبح أكبر نحو تأكيد مكانتها كقوة عظمى، وتوظيف تلك التراكمات الاقتصادية لتعزيز نفوذها إقليميًّا وعالميًّا، وبلغت تصورات “تشي” لواقع ومستقبل الصين والقارة الآسيوية ككلٍّ قِمَّتَها، في بلورته لما يمكن تسميته بـ”مبدأ مونرو صيني”؛ فقد صرح في مايو/أيار 2014: “إنه من اختصاص شعوب آسيا إدارة شؤون آسيا، وحل مشاكل آسيا، وحفظ أمن آسيا”، والسبيل إلى ذلك يكون بإزاحة الولايات المتحدة الأميركية من الشؤون الأمنية الآسيوية، وإرساء “هندسة أمنية” صينية في المنطقة(3). وفي الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي، صرَّح الرئيس الصيني “تشي” بأن “الشعب الصيني لن يسمح لأي قوة أجنبية بالتنمر عليه أو اضطهاده أو قهره”، وهو ما تم اعتباره رسالة تحذير من بيجين لخصومها(4).

تعد تلك التطورات انعكاسًا لصين طامحة لمكانة عالمية مسيطرة، وهادفة إلى تحقيق نهضة البلاد، وذلك أخذًا بعبر التاريخ وما عانته الصين في قرن الذل، من هيمنة وإذلال من طرف بريطانيا وقوى استعمارية غربية أخرى في القرن التاسع عشر.

ثانيًا: أسس ومرتكزات المنظور الصيني للعالم: يمكن إجمال الأسس التي يقوم عليها المنظور الصيني الجديد للعالم وللنظام الدولي في الأسس والأبعاد التالية: البعد الهيكلي والمؤسسي، والبعد الاقتصادي-التنموي، والبعد الإنساني (انظر الشكل رقم 1).

الشكل رقم (1) أسس وأبعاد المنظور الصيني للعالم

المصدر: من إعداد الباحث

  • البعد الهيكلي والمؤسسي: برزت الصين كقوة صاعدة وكقوة غير راضية عن الوضع الدولي القائم، الذي يميزه الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية منذ مطلع التسعينات في إطار نظام أحادي القطبية، لطالما تم اتهامه بالإقصاء وبالانفراد بالقرار الدولي، وبخدمة مصالح الغرب والولايات المتحدة الأميركية وزمرة قليلة من الحلفاء، على حساب مصالح الغالبية العظمى من الدول والقوى في العالم.

ويسهم عاملان أساسيان في دفع القوى الصاعدة لتحدي الفاعل المهيمن ومحاولة زحزحته عن مكانته، وهما: المقدرات المكتسبة، وحالة عدم الرضا عن وضع القوة في العلاقات الدولية؛ إذ يصنِّف “أورغانسكي” الفاعلين الدوليين طبقًا لمعياري المقدرات ودرجة الرضا عن الموقع في النسق الدولي السائد إلى أربع فئات، وهي: دول قوية وراضية، ودول قوية وغير راضية، ودول ضعيفة وراضية، ودول ضعيفة وغير راضية، ويرى “أورغانسكي” أن الفئة الثانية التي تضم الدول القوية وغير الراضية هي الأكثر تهديدًا للقوة المهيمنة في النظام الدولي، وهي الأكثر حرصًا على تحويل القوة لصالحها في التفاعلات الدولية(5). وتصنَّف الصين اليوم ضمن الدول القوية وغير الراضية عن الوضع الدولي وتوزيع القوة في النظام العالمي والدور المهيمن للولايات المتحدة الأميركية. وهي تعمل بجد وعلى مختلف المستويات وفي إطار ثنائي ومتعدد الأطراف، على نشر وترسيخ منظورها للتغييرات الواجب إدخالها على الساحة الدولية، من أجل الوصول إلى نظام دولي أكثر عدلًا وديمقراطية وتعددية، ويتجلى ذلك في حرصها على:

* الطابع السلمي والتعاوني لسياساتها: فالصين تجادل بأن سياستها الخارجية كانت دومًا ومنذ الحرب الباردة قائمة على طابع سلمي وتعاوني، تحكمها المبادئ الخمسة الشهيرة للتعايش السلمي، والتي تتضمن(6):

– الاحترام المتبادل لسيادة ووحدة أراضي كل دولة.

– عدم الاعتداء.

– عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

– المساواة والمنافع المتبادلة.

– التعايش السلمي.

* رفض الهيمنة الغربية بقيادة أميركية على النظام الدولي، والعمل على إعادة هيكلة ذلك النظام عبر السعي إلى إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب، تكون فيه الصين فاعلًا قائدًا ومحوريًّا، والترويج لهذا الطرح عبر مختلف المحافل الدولية والإقليمية.

* زيادة نفوذ الصين عالميًّا، ولاسيما في المؤسسات الدولية السياسية والاقتصادية والمالية.

* قيادة عدة مشاريع طموحة لتأسيس وخلق مؤسسات وهياكل تفاعل بديلة لتلك الموجودة حاليًّا على الساحة العالمية، والتي تعد غربية المنشأ وتخدم مصالح دوله وحلفائه بالدرجة الأولى، وكان من بين ثمار جهود الصين في هذا المجال، دورها الريادي في تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة البريك ثم البريكس والعمل على توسيعها مؤخرًا، وقيادتها لحملة جريئة لخلق مؤسسات مالية جديدة مثل بنك التنمية الجديد في إطار البريكس، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وينتظر أن تكون تلك المؤسسات المالية المستحدثة منافسة أو بديلًا للمؤسسات المالية الغربية المهيمنة حاليًّا مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. كما أنها أنشأت منتديات متعددة الأطراف للتعاون والتنسيق وتعزيز العلاقات مع مناطق وقارات معينة، وأهم مثال على ذلك منتدى التعاون الصيني-الإفريقي منذ عام 2000.

* إبراز الصين كقوة مسؤولة في النظام الدولي، وقادرة على تحمل أعباء تحقيق الأمن والاستقرار في النظام، ويعكس ذلك تطلع القيادة الصينية لتحمل حقيقي للمسؤوليات الدولية ونهجها السلمي في العلاقات الدولية، بتبنِّيها لسياسات ونماذج سلوك خاصة ببيجين في ممارستها لسياستها الخارجية وبناء علاقاتها مع الآخرين.

ومن أهم تلك النماذج، نجد “نموذج دبلوماسية السلام” الذي يعكس دور الصين كقوة كبرى مسؤولة في النظام الدولي، بما يتماشى مع هدفها بعيد المدى للتحول إلى قوة عالمية أولى بحلول عام 2049، عن طريق الانخراط النشيط في التعامل مع الصراعات، وإرسال قوات حفظ السلام لبؤر التوتر، والمشاركة في عمليات الوساطة، وبناء السلام، وإعادة الإعمار، والجهود الإنسانية وغيرها، وذلك في إطار تأكيد مبادئها ضمن وثيقة مبادرة “الأمن العالمي” التي أصدرتها في فبراير/شباط 2023، والتي سبق وأن روجت لها كإحدى سبل إصلاح النظام الدولي الحالي، وهي المبادرة المبنية أساسًا على احترام أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة في التعامل الدولي، وأخذ الانشغالات الأمنية لجميع الدول على محمل الجد، وحل جميع الخلافات سلميًّا، لأن التحديات التي تواجه البشرية تستلزم التعاون الشامل والمستدام، وبناء السلام عبر إنشاء هيكل أمني متوازن يقدم نهجًا جديدًا للقضاء على أسباب الصراعات الدولية، وتحقيق الاستقرار والأمن عبر تعددية قطبية تعاونية وليس توجهًا أحادي القطبية.. فالثقافة الكونفوشيوسية التي تشكل أحد مصادر إلهام مختلف السياسات الصينية تقوم على مبادئ سلمية لا صراعية مستمدة من التراث الحضاري الصيني، خاصة مبدأ التناغم الدولي القائم على المبادئ الصينية الخمس للتعايش السلمي(7).

ويعكس ذلك واقع سياسة خارجية صينية اتسمت في عهد “تشي جين بينغ” بالرغبة في تحمل المسؤوليات الدولية بدلًا من التخلي عنها، فالجهود الصينية في حل الأزمات الدولية مؤخرًا أصبحت أمرًا لافتًا ولا يمكن نكرانه(8). وتجسد ذلك ميدانيًّا عبر مبادراتها ومساعيها لإحلال السلام عالميًّا بجهودها في عدة نزاعات وخلافات سياسية، مثل المشاركة في العديد من بعثات السلام الأممية، ودورها في التقارب السعودي-الإيراني، ومبادراتها لحل الأزمة في سوريا والقضية الفلسطينية، ومبادرة إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ومبادرة وقف الحرب الروسية–الأوكرانية، وجمع الفصائل الفلسطينية في بيجين.

  • البعد الاقتصادي-التنموي: تعتبر الصين التنمية الاقتصادية المستدامة الأولوية الرئيسية لمصالحها الوطنية الأساسية، ويرتبط تطورها الاقتصادي بنفوذها العالمي كقوة كبرى وقدرتها على حماية مصالحها الوطنية في الخارج، والتي ترتبط بسياسة التنويع في مصادرها المتعلقة بالمواد الخام والطاقة، والاستثمار في المناطق الإستراتيجية، مثل المناطق الاقتصادية والموانئ ذات الأهمية الجيوستراتيجية لضمان إمدادات مستقرة ومستدامة. وهذه المصالح تمتد إلى المصالح الحيوية التي ترتبط بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية المستدامة لضمان أمن النظام، فالحزب الشيوعي يربط بقاء الدولة الصينية ببقاء الحزب، وأساس استمرار الحزب في الحكم هو التنمية الاقتصادية المستدامة. لذلك، أطلقت الصين “الإستراتيجية الكبرى” التي تستهدف المصالح الوطنية المتعلقة بالأهداف على المديين، المتوسط ​​والطويل. ومن بين أولويات تلك الإستراتيجية نجد الحفاظ على السيطرة السياسية والاستقرار الاجتماعي، والحفاظ على النمو الاقتصادي، وتطوير العلوم والتكنولوجيا (9).

ويعد مشروع الحزام والطريق، الذي يعتبر أضخم مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، أهم مثال على البعد العالمي للتفكير والعمل في الرؤية الصينية. ويشمل المشروع ثلاث قارات، هي آسيا وأوروبا وإفريقيا، كما يمتد حتى نحو الأميركتين، ناهيك عن مشروع طريق الحرير القطبي، في القطب الشمالي. يقوم مشروع الحزام والطريق على شبكة للتواصل الاقتصادي والتجاري وحتى الثقافي والحضاري بين شعوب عشرات الدول في القارات الثلاث، وتكريسًا لفكرة التنمية السلمية التي تتبنَّاها الصين، فضلًا عن أنه تجسيد حي لفكرة “العولمة بخصائص صينية”.

وانتهجت الصين أيضًا نهج “نموذج السلام التنموي”، الذي ينبني على كون التنمية شرطًا مسبقًا لتحقيق السلام والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهي تتطلب توفير بيئة آمنة وسلمية ومستقرة مواتية للتنمية الاقتصادية، في ظل نظام دولي متعدد الأقطاب، يضمن عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية (يدخل مشروع الحزام والطريق في هذا الإطار بحسب الصينيين)، والاتجاه نحو شراكات محايدة لا تفرض إملاءات سياسية (عدم المشروطية)، والسعي لتعاملات وفق صيغة رابح-رابح، وكل ذلك لمخالفة النموذج الليبرالي الغربي التدخلي والقائم على المشروطية السياسية والاقتصادية، والإملاءات السياسية والتعامل الفوقي(10).

وتعكس تلك المبادئ الخاصة بنموذج السلام التنموي الصيني، تطويرًا لما تم وصفه بإجماع بيجين، والذي يضم قيمًا ومبادئ تعاونية تخدم المصالح المتبادلة لأطراف التعاون، وتختلف بشكل جذري عن قيم ومبادئ إجماع واشنطن الشهير، الذي يؤسس لقواعد ومنطلقات التعامل الرأسمالية والنيوليبرالية مثل المشروطية والتدخل في الشؤون الخارجية والاستعلائية وغيرها، والتي كان لها أثر سلبي على الدول الفقيرة والنامية في تعاملها مع القوى الغربية ومؤسساتها المالية والاقتصادية الدولية التي أسستها خصيصًا لخدمة مصالحها.

3- البعد الإنساني: يعبِّر الصينيون عن سعيهم لتحقيق بيئة دولية آمنة ومستقرة عبر مفهوم مبتكر من طرفهم، وهو “مجتمع مصير مشترك للبشرية”(Community Of shared Destiny For Mankind)، وهو حسب تقرير “التعاون الإنمائي الدولي الصيني في العصر الجديد”، الصادر عن مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة الصيني “مشروع ذو جوانب ثقافية وحضارية واقتصادية تنموية، قائم على مفهوم التناغم العالمي للأمة الصينية، وتطبيق سياسات عادلة، حتى يصبح العالم للجميع، فلا يمكن تحقيق استقرار وازدهار عالمي بدون تنمية الدول النامية، وتعزيز التعاون جنوب-جنوب، ويعتبر مشروع الحزام والطريق منصة انطلاق مهمة لقيام الصين بالتعاون الإنمائي الدولي”(11).

وكان الرئيس الصيني “تشي جين بينغ” قد طرح مفهوم بناء “مجتمع مصير مشترك للبشرية” لأول مرة في عام 2013، وأكد “تشي” في خطاب له، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022، التزام الصين بتحقيق مبادئ ذلك المفهوم بقوله: “سنعمل مع الشعوب من جميع الدول الأخرى، على تعزيز القيم الإنسانية المشتركة، مثل السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، لحماية سلام العالم، ودفع تنميته، كما سنواصل تعزيز أعمال بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية”، وأضاف: “عندما تسعى جميع الدول وراء قضية الصالح العام، يمكننا أن نعيش في تناغم، وننخرط في تعاون متبادل المنفعة، ونتكاتف لخلق مستقبل أكثر إشراقًا للعالم بأسره(12)”.

في مارس/آذار 2023، وبعد مرور عقد كامل منذ أن طُرحت رؤية “المصير المشترك للبشرية” لأول مرة، أظهرت استطلاعات الرأي العام التي أجرتها مؤسسة CGTN Think Tank الصينية، أن الفكرة تكتسب شعبية متزايدة تدريجيًّا وتحظى باعتراف واسع النطاق في جميع أنحاء العالم. فمنذ اقتراحها الأول إلى الاعتراف العالمي بها، وفي خضم وضع دولي معقد مع التطور المتسارع للتغيرات التي يشهدها العالم منذ قرن من الزمن، وتباطؤ الاقتصاد العالمي والصراعات الجيوسياسية المستمرة، يتشابك مصير البشرية جمعاء بشكل متزايد. وقد أثنى ما لا يقل عن 85% من المشاركين في الاستطلاع العالمي على مفهوم “المصير المشترك للبشرية”، بينما أعرب 94.2% من المشاركين عن تقديرهم للقيم التي اقترحتها الصين ضمن الفكرة، وهي: “السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية” للبشرية جمعاء(13).

 

ثالثًا: التقاطعات الحيوية بين المنظور الصيني للعالم ومسار التعاون مع إفريقيا: لا يمكن لأية سياسة أو إستراتيجية ترسم معالم منظور صيني كوني للعالم وللنظام الدولي أن تتجاهل إفريقيا، لذلك فهذه الأخيرة تقع ضمن قائمة المناطق المستهدفة بتغلغل بيجين الإستراتيجي، ونشاطها الدبلوماسي، والحركية الاقتصادية والتجارية للشركات ورجال الأعمال الصينيين. ولا يمكن للرؤية العالمية الصينية الجديدة أن تنجح أو تستمر ما لم تضمن حضورًا صينيًّا واسعًا وموثوقًا في القارة الإفريقية، التي تمتاز حكوماتها وشعوبها عمومًا بالتعاطف وبالتقارب الكبيرين مع الصين وسياساتها في القارة.

ويمكن انطلاقًا من ذلك أن نقف عند مجموعة من الخلفيات والمعطيات المختلفة، التي تجعل نقاط التقاطع الحيوية كثيرة وقوية بين إفريقيا من جهة والصين ورؤيتها العالمية من جهة أخرى (انظر الشكل رقم 2)، والمتمثلة أساسًا في:

الشكل رقم (2) محاور التقاطع الرئيسية بين المنظور الصيني للعالم وإفريقيا (المصدر: من إعداد الباحث)

  • الصورة الإيجابية للصين في الوجدان والضمير الجمعي الإفريقي: تعتمد الصين على ما يسميه الباحث السنغافوري المختص في الشؤون الآسيوية، كيشور محبوباني، بالخبرة التاريخية، التي تبين أن الصين لم تكن يومًا قوة إمبريالية متغطرسة، فخلال حقب تطورها الحضاري خلال السنوات الـ 1800 الماضية، لم تقم بغزو دول أخرى، كما فعلت بعدها القوى الاستعمارية الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال من انتهاكات في مستعمراتها وعلى رأسها المستعمرات الإفريقية، رغم أنها كانت تمتلك أقوى بحرية في العالم خلال القرن الخامس عشر(14).

وعلى العكس، فقد بنت الصين خلال عصور ازدهارها علاقات تجارية نشطة مع إفريقيا، وكانت السواحل الشرقية لإفريقيا إحدى المحطات المهمة التي رست فيها سفن أسطول الكنز بقيادة البحار الصيني المسلم، شينغ خه، (حجي محمود شمس الدين) بدءًا من العام 1405(*).

تُظهر تلك الحقبة صورة إيجابية عن السلوك الإمبراطوري والعالمي للصين، كقوة مسالمة لم توظف قدراتها العسكرية والمادية لغزو الآخرين أو استعبادهم. ولا يزال مثل ذلك الانطباع يغذي الإدراك الجيد للأفارقة للصين كقوة مميزة ومختلفة في سياساتها وتوجهاتها عن القوى الاستعمارية الغربية التي احتلتها وسلبت خيراتها، وواصلت تلك السلوكات المقيتة حتى بعد الاستقلال عبر استغلالها لنفوذها وهيمنتها في النظام الدولي، ومسار العولمة الغربي النيوليبرالي الذي تنتهجه ولا يختلف كثيرًا عن النهج الاستعماري السابق.

2- تشارك الآلام والمآسي التاريخية الاستعمارية: وقعت الصين ضحية للاستعمار الغربي، وتجربة قرن الذل كانت مؤثرة للغاية في المخيال والوعي الجمعي الصيني، لأن الإذلال في العلاقات الدولية، بحسب الباحث الهندي، ديفيش كابور، يرقى إلى مستوى التدهور العام لقوة دولة فاعلة وحرمانها من مكانتها، وترسيخ تسلسل هرمي واضح، وهذا ما عانت منه الصين بالضبط، التي خضعت لسيطرة قوى غربية على رأسها بريطانيا طيلة الفترة الممتدة من 1839 إلى 1949، والتي تخللتها حروب الأفيون الأولى والثانية، ومعاهدات مجحفة وغير عادلة بحق الصينيين أمام القوى الاستعمارية الغربية (معاهدة نانجينغ)، ولذلك لا يزال الخطاب السياسي الصيني يوظف تلك الحقبة من تاريخ البلاد لتحقيق التعبئة واستنهاض المشاعر القومية، ففي الذكرى العشرين لاستعادة هونغ كونغ من بريطانيا مثلًا، قال الرئيس الصيني، تشي جين بينغ: “إن تلك الخطوة أنهت ما ألحقته بريطانيا بالصين من “إذلال وحزن” عندما استولت على المدينة عام 1842″(15).

وانعكس ذلك الماضي الاستعماري على توجهات وعلاقات الصين منذ الأيام الأولى لنشأة جمهورية الصين الشعبية؛ حيث كانت المصالح السياسية هي المرتكز في علاقة بيجين بإفريقيا، وفي سعيها وراء الأصدقاء في النظام الدولي الثنائي القطب بعد الحرب العالمية الثانية، حددت بيجين الدول المستقلة حديثًا في إفريقيا كمجموعة رئيسية يمكن التعاطي معها، اعتمادًا على أرضية مشتركة وشعور بالتعاطف مع إفريقيا نتيجة لتجاربهما التاريخية المشتركة، فإفريقيا والصين كانتا ضحيتين “للاستعمار من قبل “الرأسماليين والإمبرياليين”، وواجهتا نفس السعي إلى الاستقلال الوطني والتحرر بعد الحرب العالمية الثانية(16).

3- الحاجة والمصالح المتبادلة للتعاون والتقارب بين الطرفين: رغم الفروقات الاقتصادية الشاسعة بين بيجين والدول الإفريقية، إلا أن إفريقيا تمتلك الكثير من المزايا والموارد البشرية والطبيعية التي تفتقد لها الصين، وهي أحوج ما يكون إليها لمواصلة مسيرتها التنموية والارتقائية غير المسبوقة في التاريخ، ففي إفريقيا تتركز المعادن ومصادر الطاقة والموقع الإستراتيجي والسوق الاستهلاكية الواسعة والفرص الاستثمارية البكر، وكذلك شعوب وحكومات ساعية للتنمية والخروج من دائرة الفقر والحفاظ على سيادتها واستقلال شأنها الداخلي، والتخلص من مخلفات الهيمنة الاستعمارية الغربية.

فمن الجانب البشري والاقتصادي، تمثل إفريقيا 20% من سكان العالم، وهي ثاني أكبر منطقة في العالم من حيث عدد السكان بعد قارة آسيا، بتعداد تجاوز 1.4 مليار نسمة عام 2023، وهو ضعف عدد سكان أوروبا (743 مليون نسمة)، وتحولت القارة كذلك إلى موطن للاقتصاد الأخضر العالمي، بحيازتها لـ30% من احتياطيات المعادن في العالم، وكثير منها ضروري للتكنولوجيات المتجددة ومنخفضة الكربون، ووفقًا للبنك الدولي، فمن أجل تلبية الارتفاع المتوقع في الطلب العالمي، يجب زيادة إنتاج المعادن والفلزات والليثيوم والغرافيت بنسبة 50% بحلول عام 2050، ولا يمكن تحقيق ذلك دون موارد إفريقيا(17). كما تختزن الأراضي الإفريقية كذلك 8% من الاحتياطي العالمي للبترول، و7% من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي(18).

ومن ناحية سياسية وإستراتيجية، تمثل البلدان الإفريقية الكتلة التصويتية الأكبر في الأمم المتحدة (54 دولة)، بأكثر من ربع أصوات العالم، وتم تذكير أميركا والدول الغربية بذلك في عدة مناسبات متعلقة بالتصويت لصالح قرارات في الجمعية العامة ضد حليفتها إسرائيل، ولعبت فيها الأصوات الإفريقية دورًا حاسمًا في إقرارها، كما أن مراهنة الصين وحتى روسيا على الأصوات الإفريقية في المحافل الدولية لدعم طروحاتهما ومواقفهما من عدة قضايا مثل تايوان والحرب الروسية-الأوكرانية، بيَّن لواشنطن أنه يجب عدم إهمال كل تلك الأصوات في عالم يتجه نحو التغير(19). وهذا ما يزيد من ضرورة توطيد التعاون بين الطرفين، الصيني والإفريقي، لتحقيق متبادل للمصالح والأهداف، وإحداث نوع من التكامل بينهما، بالشكل الذي يمكِّن كل طرف من الاستفادة المثلى من موارد ومقومات الطرف الآخر.

4- تقاسم الرؤى بخصوص وضعية النظام الدولي: يسود لدى أغلب الدول الإفريقية إدراك متقارب مع نظيره الصيني حول ضرورة إحداث تغيير في النظام الدولي، بإعادة صياغته وبنائه ليبتعد عن الأحادية القطبية الغربية، ويتجه نحو تعددية قطبية تسمح بتغلغل قوى غير غربية إلى قمة الهرم الدولي، لإحداث توازن مع الجانب الغربي والسماح بطرح رؤى وتصورات تلك القوى غير الغربية وحلفائها على مستوى مختلف المؤسسات الدولية، والتي هي في حدِّ ذاتها بحاجة إلى إصلاح وإعادة ترتيب، وهذا ما برز في مخرجات عدة بيانات صادرة عن الاتحاد الإفريقي، تؤكد ضرورة إصلاح المنظمة الأممية ومنح القارة الإفريقية مقعدًا دائمًا أو مقعدين، ومواقف دول إفريقية مؤثرة مثل جنوب إفريقيا العضو في مجموعة البريكس، والجزائر ونيجيريا ضمن ما يُعرف بمحور الجزائر-أبوجا-جوهانسبرغ. والصين ضمن الدول التي تدافع عن ضرورة إصلاح مجلس الأمن، وفسح المجال لقوى أخرى من بينها قوى إفريقية لشغل منصب دائم فيه. وكثيرًا ما استغلت الصين موقعها كعضو دائم في مجلس الأمن لطرح ومساندة الرؤى والقضايا الإفريقية، لتكسب بالمقابل تأييد دول القارة لطروحات الصين ومواقفها في الأمم المتحدة، ومساندتها في القضايا التي تعتبرها الصين مصيرية لبقائها ووحدتها مثل قضية تايوان.

وتلعب الصين على وتر التناقضات الدولية ومعاناة إفريقيا من النظام العالمي الراهن؛ فقد أجادت الترويج لنفسها عبر أدوات القوة الناعمة واعتماد خطاب (جنوب-جنوب)، فالصينيون يتصورون القارة الإفريقية جزءًا أساسيًّا في تصعيد المنافسة الجيوستراتيجية على النفوذ العالمي بين الصين والغرب الذي تقوده الولايات المتحدة. وتهدف إستراتيجية بيجين هنا إلى جعل القارة جزءًا من نظام دولي فرعي يضم الكثير من “الجنوب العالمي” تكون الصين هي المسيطرة عليه، فتعلن الصين عن نفسها باعتبارها الناطق باسم الدول النامية التي تدعو إلى خلق بيئة دولية تعددية، وإعادة النظر في الاقتصاد الدولي الذي تراه غير عادل وينهب حقوق الفقراء. وهو ما يلقَى صدى إيجابيًّا لدى صنَّاع القرار في الكثير من دول القارة الإفريقية، وقد صرَّح الرئيس السنغالي، عبد الله واد، مثلًا قائلًا: “إن فهم الصين لاحتياجاتنا أفضل من الفهم البطيء والمتغطرس في بعض الأحيان للمستثمرين الأوروبيين والمنظمات المانحة والمنظمات غير الحكومية، ليست إفريقيا فقط هي التي يجب أن تتعلم من الصين، بل الغرب أيضًا”(20).

وبرز التقارب الصيني-الإفريقي حول ضرورة إعادة تشكيل النظام الدولي، عبر عمل الصين مع القوى الرئيسية في القارة لتطوير نهج مؤسسي لمواجهة الانفراد الأميركي بالقرار الدولي، ومن ذلك نجد عضوية جنوب إفريقيا لمجموعة البريكس، وكونها عضوًا فاعلًا في المجموعة وممثلًا بارزًا لإفريقيا، كما أيدت الصين وبقوة توسيع مجموعة البريكس لتضم دولًا إفريقية أخرى، وهو ما تحقق في قمة المجموعة بجوهانسبرغ، في أغسطس/آب 2023، عندما تمت الموافقة على عضوية مصر وإثيوبيا في المجموعة، وبقاء المجال مفتوحًا لعضوية دول إفريقية أخرى في المستقبل مثل الجزائر ونيجيريا وغيرهما. في خطوة تهدف إلى توسيع نفوذها العالمي ومواجهة النفوذ الأميركي، وتخفيف الضغوط عن القوتين الرئيسيتين في المجموعة، الصين وروسيا(21).

وعندما قام وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، خلال الفترة من 13 إلى 18 يناير/كانون الثاني 2024، بجولة إفريقية، كان ذلك في إطار تقليد دبلوماسي يعود إلى عام 1991، يجعل من إفريقيا أول وجهة لزيارة رسمية يقوم بها وزير خارجية الصين بعد تعيينه. وشملت الزيارة بالإضافة إلى مصر وتونس كلًّا من كوت ديفوار وتوغو، الواقعتين في منطقة غرب إفريقيا.. واستمرار ذلك التقليد يدل على محورية القارة الإفريقية لدى الصين ووزنها السياسي والدبلوماسي والإستراتيجي الكبير بالنسبة لها(22).

وأثار ذلك قلقًا متزايدًا لدى واشنطن، ففي 8 أغسطس/آب 2022، أصدرت إدارة جو بايدن تقرير “إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء”، الذي لم تُخْفِ فيه تخوفها من سياسات الصين في القارة، فقد جاء في الإستراتيجية عن الصين أنها: “تتصرف في إفريقيا كساحة لتحدي النظام الدولي القائم على القواعد، بهدف تعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الخالصة، وإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات والإفريقية”(23).

ففي الوقت الذي لا تزال الولايات المتحدة الأميركية تفتقد فيه لإستراتيجية أو رؤية كبرى لزيادة وجودها في إفريقيا، أو حتى لتحقيق أهدافها الاقتصادية والأمنية هناك، تحضر الصين بقوة هناك وفي مختلف المجالات، ولهذا السبب ذهبت الباحثة الأميركية المختصة في الشؤون الدولية والإستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، إلى أن: “الصين ستهيمن على الأرجح على إفريقيا في السنوات المقبلة، كونها تحوز الموارد والإرادة السياسية في القمة لمتابعة أجندتها، وتركز على التأثير الاقتصادي الفعال”. وترى ذات الخبيرة أن الصين تعتمد على علاقات فعالة مع الحكومات الإفريقية، لتخلص إلى أن “الغلبة في إفريقيا ستكون للصين، فالغرب، وخاصة أميركا وفرنسا، ركز حصريًّا على مكافحة الإرهاب والهيمنة السياسية المحدودة، من دون إحداث أي تأثير حقيقي وفعال، ونتيجة لذلك طُردت فرنسا إلى حدٍّ كبير من العديد من دول إفريقيا وخاصة في منطقة الساحل، والوضع ليس أفضل بالنسبة للولايات المتحدة التي لم تأخذ القضايا الإفريقية على محمل الجد على الإطلاق على عكس الصين”(24).

وتعزيزًا لرغبة الصين في جعل إفريقيا سندًا لها في تحقيق رؤيتها العالمية، منحت علاقاتها مع إفريقيا طابعًا مؤسساتيًّا متعدد الأطراف لأول مرة في تاريخها؛ فقد كانت السبَّاقة إلى عقد مؤتمرات قمة تجمعها مع الدول الإفريقية (واقتدت بها قوى عالمية أخرى بعد ذلك مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وغيرهما)؛ حيث أسست عام 2000 منتدى التعاون الصيني-الإفريقي، الذي يُعقد منذ ذلك الحين بانتظام كل ثلاث سنوات، ويعد آلية مهمة لتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية الصينية في القارة، ومنذ تأسيس ذلك المنتدى عرفت العلاقات بين الطرفين تحولات غير مسبوقة(25).

واليوم، تعمل الصين على المواءمة بين أهداف سياساتها وبرامجها المختلفة وخاصة مشروع الحزام والطريق، والبرامج والسياسات والخطط الخاصة بإفريقيا، مثل “أجندة 2063” للاتحاد الإفريقي، وتضافر جهود الطرفين لتنفيذ “خطط التعاون العشر”، و”المبادرات الثماني”، و”البرامج التسعة”، وإعداد مشروع “رؤية التعاون الصيني الإفريقي 2035″(26).

وهكذا برعت الصين في استغلال الأوضاع والتطورات في القارة لصالحها لتعزيز وجودها هناك، ولكسب نقاط مهمة في صراعها مع الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية التقليدية التي كانت تحوز نفوذًا كبيرًا في القارة، وتمكنت من قلب معادلة القوة هناك بملء الفراغ الذي تركته تلك القوى، وبتقديم نفسها شريكًا موثوقًا ومقربًا من الأفارقة ومتفهمًا لاحتياجاتهم ومطامحهم ومخاوفهم، وكل ذلك يعد امتدادًا للصراع على مستوى قمة النظام الدولي بين الصين وتصوراتها التعددية في مواجهة الغرب وطروحاته الأحادية.

رابعًا: حزمة الدبلوماسيات الصينية في إفريقيا: للاستثمار في التقاطعات والمحاور المشتركة بين إفريقيا والمنظور العالمي للصين، تبنَّت هذه الأخيرة أدوات ووسائل مختلفة لتعميق علاقاتها وتحقيق مصالحها وأهدافها في إفريقيا، قائمة على تطوير حزمة من الأشكال الدبلوماسية المتنوعة بما يتناسب مع الأهداف المتنوعة في تعاونها مع القارة، وتعكس كل دبلوماسية وعيًا صينيًّا كبيرًا بضرورة وأهمية العمل المكثف على كل صعيد لتعميق التعاون مع إفريقيا. وتتضمن تلك الحزمة كلًّا من: دبلوماسية الطاقة، ودبلوماسية السلام، ودبلوماسية التنمية السلمية، ودبلوماسية الصحة، والدبلوماسية الثقافية والشعبية، ودبلوماسية الأسلحة (انظر الشكل رقم 3).

1– دبلوماسية التنمية السلمية: شكَّل الاقتصاد والتنمية مدخلًا رئيسيًّا للصين لبناء علاقات وطيدة مع القارة الإفريقية التي تعد الأفقر في العالم، وهي بذلك بحاجة ماسَّة إلى مساعدة قوة اقتصادية في حجم الصين لتغيير وضعها الاقتصادي وتحقيق التنمية المنشودة، لاسيما أن الصين قد خرجت من دائرة الدول النامية لتصبح قوة اقتصادية رائدة عالميًّا، فهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأول مصدر عالمي لمختلف السلع، وغيرها من المؤشرات التي تدل على مكانتها الكبيرة في الاقتصاد العالمي.

الشكل رقم (3) حزمة الأشكال الدبلوماسية الصينية في إفريقيا

المصدر: من إعداد الباحث

وظَّفت الصين دبلوماسيتها التنموية السلمية، لتسهيل انخراط قارة إفريقيا ضمن مبادرة الحزام والطريق، التي تعد القارة أحد مكوناتها الأساسية، بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي ومقوماتها الهائلة. وقد قامت 52 من أصل 54 دولة إفريقية بالتوقيع أو أعربت عن اهتمامها بالتوقيع على اتفاقيات تعاون إطارية ضمن مبادرة الحزام والطريق، واستفادت من المشروعات المندرجة ضمن تلك المبادرة، مثل المطارات والطرق والسكك الحديدية والموانئ والطاقة والاتصالات وغيرها، بهدف فتح البلدان الإفريقية أمام التجارة بتسهيل تشييد البنى التحتية المحلية والإقليمية الرئيسية، وفتح قنوات نقل الصادرات الإفريقية نحو الأسواق الدولية(27).

وأسفر كل ذلك عن زيادة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين الطرفين، بالشكل الذي جعل الصين الشريك التجاري الأول لإفريقيا على مدار خمس عشرة سنة الماضية، متجاوزة حجم التبادل الأميركي مع القارة بأربعة أضعاف كاملة؛ حيث ارتفع التبادل التجاري بينهما بشكل مطرد من 10.6 مليارات دولار عام 2000، إلى 201.1 مليار دولار عام 2014، ثم انتقل إلى 254 مليار دولار عام 2021، بزيادة قدرت بـ 25% مقارنة بعام (28)2020.

وفي عام 2023، وصل حجم التجارة بين الصين وإفريقيا إلى ذروة تاريخية قُدِّرت بـ282.1 مليار دولار أميركي، وتعد الصين أيضًا الدولة النامية التي لديها أكثر استثمارات في إفريقيا. وحتى نهاية عام 2022، تجاوز مخزون الاستثمار الصيني المباشر في إفريقيا 40 مليار دولار أميركي، وأكثر من 3000 شركة صينية استثمرت وأنشأت أعمالًا في إفريقيا؛ ما خلق فرص العمل الكثيرة وأسهم في تعزيز التحول الاقتصادي في إفريقيا. وقد قامت الصين ببناء وتحديث أكثر من 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية، وما يقرب من 100 ألف كيلومتر من الطرق، وما يقرب من 1000 جسر، وما يقرب من 100 ميناء في إفريقيا، كما قامت ببناء شبكات الكهرباء والاتصالات للدول العديدة؛ ما قدم مساهمات مهمة في تعزيز ترابط وتواصل القارة الإفريقية. كما قامت بتدريب عدد كبير من المواهب المهنية والتقنية المختلفة لإفريقيا. ولا تقدم الصين المنتوجات “صنع في الصين” إلى السوق الإفريقية فحسب، بل تساعد أيضًا الأفارقة على تحقيق “صنع في إفريقيا”، وتحويل مزايا الموارد إلى مزايا تنموية لخدمة مصالح الشعب الإفريقي بشكل أحسن(29) مع تعزيز الاستثمارات الصينية هناك التي أصبحت تتفوق على نظيرتها الأميركية منذ عام 2014. كما بلغت قروض الصين لدول القارة 36.6 مليار دولار عام 2020، فيما أسقطت بعض الديون عن 17 دولة إفريقية فقيرة في أغسطس/آب  2022 (30).

 

2– دبلوماسية الطاقة: في ظل احتياجاتها الطاقوية الكبيرة والمتنامية، تبنَّت الصين خيار وآلية “دبلوماسية الطاقة” (Energy Diplomacy)، وهي أداة ترتبط بالسياسة الخارجية للدول المستهلكة للطاقة على وجه الخصوص، تجاه المناطق والدول المنتجة للموارد الطاقوية، بالانخراط في نشاطات ومسارات تتعلق بالطاقة عمومًا )التفاوض، توقيع اتفاقيات، تقديم تسهيلات للشركات وغيرها) (31) وتقوم دبلوماسية الطاقة على: “العلاقات الخارجية التي تهدف إلى ضمان أمن الطاقة لإحدى الدول، مع تعزيز الفرص التجارية في قطاع الطاقة، وهو من بين أدوات السياسة الخارجية التي يمكن استخدامها لدعم مصالح الطاقة للدول، والدبلوماسية هي أحد أهم هذه الأدوات، وقد تكون ثنائية أو متعددة الأطراف في نطاقها(32).

ويتضمن مفهوم دبلوماسية الطاقة، الطريقة التي تمنح بها الدول قوة وأفضلية وتنافسية لشركات الطاقة فيها، وضمان حصولها على طلباتها وإمداداتها بافتكاك عقود بوسائل دبلوماسية، ونظرًا لتسييس النفط والغاز واعتبارهما سلعًا إستراتيجية، فقد كانا دومًا موضوعًا لتدخلات حكومية سياسية ودبلوماسية واضحة.. ليرتبط إذن مفهوم دبلوماسية الطاقة بشكل متشعب بعدة جوانب تتعلق بالسياسية الخارجية، وأمن الإمدادات، وسياسات التنمية، والتجارة البينية، والمساعدات العسكرية وغيرها(33).

ومن هذا المنطلق تتصرف الصين وفقًا لمبدأ أن أمن الطاقة من الأهمية بمكان، بحيث يجب أن يكون لها يد في تسييره، ولا يمكن تركه للأسواق وقواعدها لتتحكم به ((34). ولذلك جعلت دبلوماسية الطاقة مكونًا أساسيًّا في سياستها الخارجية، لأنه مفهوم يتضمن “توظيف واستعمال السياسة الخارجية لضمان الدخول لمصادر الطاقة في الخارج، وترقية التعاون في قطاع الطاقة، وتكون غالبًا في إطار ثنائي بين حكومة وأخرى”(35). ويشكل التعاون حجر الأساس في نشاطات دبلوماسية الطاقة الصينية مع الدول المنتجة لها، ويبرز البعد التعاوني في “المفهوم الجديد لأمن الطاقة” الذي تختص به الصين، والذي برز في أعمال الباحث الصيني، شيا ييشان، الذي يتألف من مبادئ تعاونية بالأساس(36).

وتقوم دبلوماسية الطاقة الصينية (بما في ذلك نشاطاتها في مناطق إنتاج الطاقة في إفريقيا)، على تحالف بين الدولة الأجنبية المصدِّرة للطاقة من جهة وشركات النفط والغاز الصينية المملوكة للدولة من جهة أخرى، وأهمها الشركة الوطنية الصينية CNOOC، وشركة الصين الوطنية للبتروكيماويات Sinopec، وشركة الصين الوطنية للبترول CNPC. وتحرص الدولة الصينية على أن تضمن لشركات لهذه الشركات الوطنية الكبرى الثلاث المملوكة لها، استثمارات صافية في حقول الغاز والنفط في الخارج )أي السيطرة المادية على إمدادات النفط(، وتنويع عقود التموين بالغاز الطبيعي طويلة المدى من عدد كبير من المصدِّرين لمواجهة احتياجات المستقبل(37)(.

واليوم، تمتلك الصين حضورًا واسعًا في مختلف مناطق إنتاج النفط والغاز في إفريقيا، ولديها استثمارات ضخمة عبر أنحاء القارة، في دول مثل الجزائر ومصر ونيجيريا وأنغولا والسودان وليبيا وتشاد والنيجر وغيرها، وأضحت شركاتها الرئيسية الثلاث تنافس كبريات شركات الطاقة العالمية في القارة الإفريقية؛ مما جعل القارة الإفريقية من بين أهم مصادر تمويل السوق الصينية بإمدادات الطاقة بعد الشرق الأوسط.

3– دبلوماسية السلام: من المعلوم أن القارة الإفريقية موطن لعدد كبير من النزاعات وحالات عدم الاستقرار، وشهدت عبر تاريخها الكثير من الحروب الأهلية والصراعات بين الدول المتجاورة، خلَّفت عددًا كبيرًا من الضحايا وشهدت وقوع جرائم إبادة وضد الإنسانية مثلما حدث في رواندا عام 1994، وهذا ما جعل تحقيق السلام والأمن والاستقرار ضمن أولويات القارة وشرطًا أساسيًّا لتحقيق أي تنمية أو تقدم وتغيير في الأوضاع المعيشية لشعوب القارة.

وانطلاقًا من منظورها السلمي للعلاقات الدولية، وسعيها لتحقيق أهداف اقتصادية وتنموية عالمية، عملت الصين على المساهمة في توفير بيئة آمنة ومستقرة ومناسبة للتنمية في إفريقيا، وكان أهم مداخلها لذلك مفهومها حول دبلوماسية السلام، الذي يعكس الرؤية الصينية لنشر السلام عالميًّا وخاصة في القارة الإفريقية، وتقديم الصين في هيئة القوة العالمية الكبرى المسؤولة والساعية لحل مشاكل النظام، وكانت أهم أدواتها في ذلك مشاركتها الفعالة في عمليات حفظ السلام الأممية عبر العالم ولاسيما في إفريقيا.

ومنذ انضمامها رسميًّا إلى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في عام 1990، انخرطت الصين بنشاط في صياغة قواعد الأمن العالمي، والمشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ليشارك جنود حفظ السلام الصينيون فيما يقرب من 30 عملية حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، وأرسلت الصين أكثر من 50 ألف جندي إلى أكثر من 20 دولة ومنطقة حول العالم، بما في ذلك مهمات بدول إفريقية، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا والسودان وجنوب السودان ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، لتكون الصين الدولة التي أرسلت أكبر عدد من قوات حفظ السلام من بين الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وثاني أكبر مساهم في تغطية نفقات عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهو ما حدا بالأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كيمون Ban Ki-moon، للإشادة بدورها قائلًا: “باعتبارها بانيًا للسلام، ومساهمًا في التنمية الاقتصادية، ومدافعًا عن النظام الدولي، ومزودًا للمنتجات العامة، أسهمت الصين مساهمات كبيرة كعضو مسؤول في المنظمة التابعة للأمم المتحدة”(38).

4- دبلوماسية الصحة: في قارة تعاني من كثرة الأمراض والأوبئة وضعف الخدمات الصحية ونقص الطواقم الطبية المؤهلة، يصبح توفير الرعاية الطبية اللازمة وتوفير الإمكانات اللازمة لمواجهة مختلف الأزمات الصحية ضرورة قصوى ولكنها بعيدة المنال، ووجدت القارة الإفريقية مرة أخرى في الصين سندًا لتحقيق تلك الأهداف والمساعدة في تطوير القطاع الصحي في القارة.

فمنذ أن أرسلت الصين أول فريق طبي لها إلى الجزائر في عام 1963، بلغ إجمالي أعضاء الفرق الطبية التي أرسلتها إلى إفريقيا أكثر من 24 ألف عضو، ويعمل حاليًّا 45 فريقًا طبيًّا في أكثر من 100 موقع عمل في 44 دولة إفريقية(39). وقامت الصين، منذ عام 2006، ببناء أكثر من 30 مستشفى، و30 مركزًا لمكافحة الملاريا في إفريقيا، وإبان أزمة كورونا كان للصين دور كبير في توزيع اللقاحات والملابس الواقية على عدد من الدول الإفريقية (في إطار ما عُرف بدبلوماسية اللقاحات)(40).

لقد كانت جائحة كورونا تحديًا وفي نفس الوقت فرصة بالنسبة للصين لفرض وجودها بقوة في القارة الإفريقية، من خلال تطوير دبلوماسية اللقاحات أو دبلوماسية الصحة بشكل عام. وثمة حقيقة في أن الصين ترى بالفعل فائدة من كونها رائدة عالميًّا في دبلوماسية اللقاحات؛ إذ تتلقَّى رسائل احترام وتشهد تحولات ملموسة في السياسة الخارجية لمصلحتها؛ حيث “تصرفت بسرعة فيما فشل الآخرون في الوفاء بالتزاماتهم، لقد أقنعت قسمًا كبيرًا من الجمهور الدولي بقدراتها وموثوقيتها، ودعمت الرواية التي تفيد بأن الولايات المتحدة كانت أنانية ومتمحورة حول ذاتها، في حين أن الصين كانت معطاءة في وقت الحاجة”(41).

ففي عز الأزمة، كانت الصين تشحن أكثر من مليون جرعة أسبوعيًّا للمناطق الأكثر احتياجًا للقاحات في العالم وعلى رأسها إفريقيا، ونجحت في تقديم 10 ملايين جرعة لقاح للدول النامية من خلال برنامج “كوفاكس” التابع لمنظمة الصحة العالمية. وقدمت شحنات لقاح مهمة إلى غينيا الاستوائية، وزيمبابوي، وسيراليون، كما شملت خططها توفير احتياجات 16 دولة أخرى في القارة. في الوقت الذي كان فيه الدعم الغربي الأميركي والأوروبي للقارة في هذه الجائحة أقل من المتوقع، وهو ما فسح المجال لتعزيز الصين لصورتها ومكانتها لدى الأفارقة(42).

 

5- الدبلوماسية الثقافية/الشعبية: تعد الثقافة المدخل الأساسي لتطوير الدول لما يعرف بالقوة الناعمة، التي تجعل للدولة جاذبية وقبولًا لدى الآخرين، عبر نشر قيمها وأفكارها وحتى لغتها وعاداتها وفنونها، وتوطيد العلاقات بين الأفراد والشعوب وفق أطر مبتكرة وغير رسمية في الغالب، ولكنها جميعها تستهدف تحقيق أهداف دولة ما إقليميًّا وعالميًّا وتحسين صورتها دوليًّا. وتمضي الصين بثبات نحو تطوير الدبلوماسية الثقافية والشعبية لكسب مزيد من الجاذبية لدى شعوب العالم، والتمكين للثقافة والفنون والتقاليد والقيم الصينية العريقة، وشكلت القارة الإفريقية مختبرًا حقيقيًّا لاختبار مدى قوة ونجاعة الصين في هذا المجال.

في هذا الإطار، فتحت الصين عبر القارة الإفريقية 67 معهدًا من معاهد كونفوشيوس المعروفة، و10 غرف دراسة كونفوشيوس، وتم إنجاز 16 ورشة عمل “لوبان” في 14 دولة إفريقية، ويدرس عشرات الآلاف من الطلاب الأفارقة في الصين، وظهرت الأغاني والرقصات الإفريقية في حفل عيد الربيع الصيني، كما تحظى الأفلام والمسلسلات التليفزيونية الصينية بشعبية كبيرة في إفريقيا، وتم عقد منتدى المؤسسات الفكرية الصينية-الإفريقية ومهرجان الشباب الصيني-الإفريقي ومنتدى المرأة ومنتدى التعاون الإعلامي وغيرها من الأنشطة المثيرة. وفي أغسطس/آب 2023، طرح الرئيس، تشي جين بينغ، “برنامج التعاون الصيني الإفريقي لتأهيل الكفاءات”، خلال اجتماع الحوار لقادة الصين والدول الإفريقية؛ ما أضفى قوة دافعة جديدة في التبادلات الشبابية وتكوين المواهب بين الصين وإفريقيا. وعبَّر عن ذلك سفير الصين في الجزائر قائلًا: “إن التبادلات الوثيقة بين الشعبين، الصيني والإفريقي، تربط بشكل وثيق بين الحلم الصيني والحلم الإفريقي؛ حيث كُتب فصل أكثر حيوية في المجتمع الصيني الإفريقي للمستقبل المشترك”. لذلك يعد التعاون الإنساني والثقافي ركيزة مهمة في العلاقات الصينية-الإفريقية(43).

كما تركز الصين كثيرًا على التعليم الجامعي أو ما دونه، لنشر لغتها وثقافتها بغية تواصل وتفاهم أكبر مع الأفارقة، ومن الأمثلة على ذلك تخصيصها لـ40 ألف منحة سنوية للطلبة الأفارقة للدراسة في الجامعات الصينية، خصوصًا أن الكثير من هؤلاء يُتوقع أن يكونوا مستقبلًا ضمن مناصب اقتصادية وسياسية مرموقة، وضمن مراكز صنع القرار في دولهم مما يعزز أكثر فرص ودور الصين في القارة(44). ، كما ساعدت الصين الدول الإفريقية على إنشاء أقسام للغة الصينية أو تخصصات في ذات اللغة، وبالتعاون مع بيجين قامت 16 دولة إفريقية بدمج اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، كما أنه ومنذ عام 2004 أرسلت الصين إجمالي 5500 مدرس ومتطوع للغة الصينية إلى 48 دولة إفريقية(45).

 

6- دبلوماسية الأسلحة: تسعى الصين إلى زيادة وجودها العسكري أيضًا في القارة الإفريقية، فبالإضافة إلى قاعدتها العسكرية في جيبوتي، تحدثت تقارير عن سعيها لبناء قواعد أخرى في عدة دول منها أنغولا وغينيا الاستوائية وكينيا وناميبيا وسيشل وتنزانيا، ورفع صادرات أسلحتها لدول القارة، رغم أنها حاليًّا ثاني أكبر مورِّد عسكري بعد روسيا لجيوش دول إفريقيا جنوب الصحراء. وبحسب تقارير، فإن 70% من دول القارة تمتلك مركبات مدرعة صينية، كما تستورد إفريقيا 20% من جميع المركبات العسكرية من الصين(46).

وفي ظل تفاقم قضايا الهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتصاعد أنشطة الجماعات الإرهابية، وموجة عدم الاستقرار السياسي نتيجة تمدد العدوى الانقلابية، عملت الصين على توسع نصيبها من مبيعات الأسلحة لدول الساحل الإفريقي كمظهر من مظاهر التحول في إستراتيجيتها، وتعزيز أهدافها بشأن تكوين حلفاء جدد، وتوسيع نفوذها وتحديدًا مع تراجع النفوذ الفرنسي في هذه المنطقة، باتباع بعض التغييرات في حدود دورها بتعزيز البعد العسكري، سواء بوجود شركات أمنية خاصة أو مبيعات السلاح، وتحديدًا مع استضافة السنغال، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، للمؤتمر الوزاري الثامن للمنتدى الصيني-الإفريقي؛ حيث كانت قضايا الأمن والدفاع من بين الموضوعات الرئيسية على أجندة المؤتمر، وطلب العديد من الدول الإفريقية من الصين تقديم الدعم لها، والمشاركة الاستباقية في الحرب ضد الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود في منطقة الساحل الإفريقي(47).

خاتمة

جعلت عوامل الاعتماد المتبادل والمصالح والحاجات المشتركة من التعاون الصيني-الإفريقي ضرورة لا غنى عنها للطرفين، لاسيما مع ما يربطهما من علاقات وطيدة تاريخيًّا وخاصة منذ عهد حركات التحرر الإفريقية التي دعمتها الصين، لتنتقل العلاقات بين الجانبين نحو آفاق تتخطى الخلفيات السياسية والأيديولوجية، نحو فضاءات أرحب في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية وحتى الثقافية والشعبية، لتحصيل منافع متبادلة لكل طرف في إطار علاقات تريد لها الصين أن تكون وفق صيغة الربح المشترك (رابح-رابح)، وتريد لها إفريقيا أن تكون مدخلًا لمساعدتها على تحقيق التنمية وتخطي صعوباتها الاقتصادية، ونسج خيوط علاقات مميزة وقوية مع قوة عالمية ينتظر أن تكون قطبًا رئيسيًّا في أي نظام متعدد الأقطاب ممكن أن يتشكل، بل وهناك طموحات صينية أبعد من ذلك تبحث عن منح تلك الحضارة والإمبراطورية العريقة مكانة القوة العظمى بدون منازع.

إن الرؤية العالمية التي ما فتئت الصين تؤسس لها عبر رسم عدد من السياسات ووضع عدد من المشاريع الكبرى قيد التنفيذ، وصياغة عدد من السرديات التي تعكس طموح ووعي القوة الصينية بضرورة منافسة السرديات الغربية، في إطار سباق متواصل لكسب معركة المفاهيم والترويج لسردياتها في إطار نظرية إنتاج المعرفة باعتبار هذه الأخيرة لا تقل أهمية عن المعارك المادية، لتبرز لنا مفاهيم صينية تعرف انتشارًا متزايدًا عالميًّا مثل نموذج السلام التنموي، والتنمية السلمية، ومجتمع مصير مشترك للبشرية، ودبلوماسية السلام وإحياء فكرة الحزام والطريق وغيرها، وتجد إفريقيا في ذلك المنظور الصيني ذي الطابع العالمي، فرصة لإعادة ترتيب أولوياتها ورسم سياساتها وإعادة التموضع ضمن نظام دولي جديد آخذ في التشكل تدريجيًّا، حيث يسود إدراك لدى الأفارقة بأن الصين تمثل واحدًا من الخيارات الحاسمة والمهمة المطروحة على الساحة الدولية، والتي يمكن لها أن تكون بديلًا إستراتيجيًّا عن القوى الغربية التقليدية، التي كان لأغلبها ماض استعماري دام ومؤلم تجاه إفريقيا، وسياساتها المتبعة والمفروضة على القارة لم تجلب لها إلا مزيدًا من المآسي والتخلف، لأنها كانت انعكاسًا لاستعمار غير تقليدي ومن نوع جديد ولكن نتائجه وتداعياته على القارة كانت واحدة.

لقد ساعدت التقاطعات العديدة والحيوية بين المنظور العالمي للصين من جهة والرغبة الإفريقية في التعاون والاستفادة المتبادلة من جهة أخرى، على تسريع وتيرة التعاون وتذليل العقبات البيروقراطية والسياسية في وجه أي تعاون مع الصين، وهو ما انعكس في تنامي الاستثمارات الصينية في القارة، وانخراط أهم الدول الإفريقية في مبادرة الحزام والطريق، وتسجيل أرقام غير مسبوقة في مستوى التبادلات التجارية بين الجانبين، وارتفاع حجم التبادلات الثقافية والشعبية كذلك، بابتعاث آلاف الطلبة الأفارقة للدراسة في الصين، واعتماد برامج تأهيل وتدريب مشتركة، وتزايد النفوذ الصيني عبر القارة سياسيًّا وإستراتيجيًّا. وهذا الزخم الكبير في علاقات الطرفين، يفرض مزيدًا من التحديات لكليهما في ذات الوقت؛ حيث لابد من العمل على تحقيق نوع من التكافؤ أو التوازن في علاقات الجانبين التي تميل غالبًا لصالح الصين، كما أن الدول الإفريقية مطالبة في إطار هياكل التعاون مع الصين مثل منتدى التعاون الصيني-الإفريقي، أن ترسم سياسات وتوجهات تجعل منها قوة اقتراح ومبادرة وليس مجرد متلقي لمبادرات الصين وسياساتها، مع تطوير آلية عملية تسمح بالتنفيذ الميداني للاتفاقيات بين الجانبين ومختلف المبادرات في إطار ذلك المنتدى، ناهيك عن التنافس الشرس الذي تشهده القارة بين الصين وقوى أخرى تسعى بدورها للاستفادة من مزايا إفريقيا وتقليص دور الصين فيها، مثل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا وغيرها.

 

المراجع

(1) Hend. E. Sultan, “China’s participation in the Horn of Africa security affairs in the Belt and Road Era”, Silk Road Publishing, China, 2022.

(2) Goldstein Avery. “China’s grand strategy under Xi Jinping: Reassurance, reform, and resistance.” International Security, Vol. 45, no. 1 (2020). P. p 164 – 201.

(3) Feng Liu, “The recalibration of Chinese assertiveness: China’s responses to the Indo-Pacific challenge”, International Affairs, N° 96, January 2020. p. 15.

(4) Chine: Nous ne laisserons jamais intimider ou persécuter, Russia Today, 1er juillet 2021. https://bit.ly/3uqQV73

(5) محمد شفيق علام، “تحول القوة في العلاقات الدولية.. دروس للأمة”، التقرير الإستراتيجي الثامن، (القاهرة، المركز العربي للدراسات الإنسانية، 2011). ص 323.

(6) Mikael Weissmann, Chinese Foreign Policy in a Global Perspective: A Responsible Reformer “Striving For Achievement”, Journal of China and international relations, 3 (1), May 2015. p. 54.

(7) هدير طلعت سعيد، “السلام التنموي الصيني في مواجهة السلام الليبرالي الغربي.. الرؤى والمرتكزات”، السياسة الدولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، العدد 232، أبريل/نيسان 2023. ص ص 176-178.

(8) أبو بكر الدسوقي، “أهداف ومآلات الصعود الصيني”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، المجلد 58، العدد 233، يوليو/تموز 2023. ص 66.

(9) Goldstein Avery. Op. Cit. P. p 164 – 201.

(10) هدير طلعت سعيد، مرجع سابق. ص 177.

(11) التعاون الإنمائي الدولي الصيني في العصر الجديد، مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية، (بيجين، دار النشر باللغات الأجنبية، 2021). ص ص 3- 6.

(12) “شي: الصين تواصل دفع بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية”، صحيفة الشعب الصينية بالعربية، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 20 مارس/آذار 2024)،

http://arabic.people.com.cn/n3/2022/1024/c31664-10162591.html

(13) De la première proposition à la reconnaissance mondiale – Une décennie remarquable d'”une communauté de destin partagé pour l’humanité”, CGTN Français, 22 Mars 2023. (Viewed on 20/12/2024): https://francais.cgtn.com/news/2023-03-22/1638455662034157569/index.html.

(14) Has China won? Interview with Kishore Mahbubani and John Mearsheimer, Centre for Independent Studies, Australia, May 11, 2020. (Viewed on 18/12/2024): https://www.youtube.com/watch?v=ZnkC7GXmLdo&t=403s.

* انطلقت الرحلة الأولى عام 1405، مع طاقم قوامه 27800 فرد، كان منهم البحارة والأطباء والحرفيين المهرة والمترجمين والجنود، على متن 62 سفينة كبيرة، منها 4 سُفن رئيسية خشبية ضخمة، كانت من أكبر السُفن التي بُنيت في ذلك الوقت، وكان طول الواحدة منها حوالي 122 متراً وعرضها 50 متراً. بالإضافة إلى 255 سفينة أصغر بقليل، بعضها تحمل الخيول، وبعضها تحمل المياه العذبة للطاقم، وسفن تنقل القوات العسكرية التي تحمي الأسطول، وامتلأت السفن الأُخرى بآلاف الأطنان من البضائع الصينية الفاخرة للتبادل والتجارة مع الدول الأجنبية خلال الرحلة. قاد تلك الرحلات الأدميرال “تشنغ خه”، الذي ولد عام 1371 في مقاطعة يونان بجنوب غرب الصين، باسم “ما خه”، لأسرة مسلمة من قومية الهوي الصينية، وكانت أُسرته تحكم مقاطعة يونان، انحدرت تلك الأُسرة من حاكم مغولي يُدعى “شمس الدين عمر” واشتقت العائلة اسمها “ما” من الترجمة الصينية لاسم النبي “محمد”. تم تعيينه كقائد في الجيش في خدمة الأمير “تشو دي”، وبعد ان أصبح هذا الأخير إمبراطورا قام بتعيين “تشنغ خه” كأمير للبحر عام 1403.

(15) ديفيش كابور، تراتبية الإذلال في آسيا، الجزيرة نت، 14 يوليو/تموز 2017، (تاريخ الدخول: 16 ديسمبر/كانون الأول 2024)، https://shorturl.at/tKRQ4

(16) مصطفى جالي، الصين في إفريقيا: تحقيق غايات القارة أم البحث عن المصالح الإستراتيجية؟، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 12 سبتمبر/أيلول 2012، (تاريخ الدخول: 26 مارس/آذار 2024)، https://studies.aljazeera.net/ar/article/5085

(17) وليد الرايس، “الأبعاد الجيوسياسية لاستراتيجية تدافع القوى الدولية على إفريقيا”، مجلة السياسة الدولية، المجلد 58، العدد 233، يوليو/ تموز 2023.

(18) حسين قوادرة، تأثير موارد الطاقة على الدور الصيني في القارة الإفريقية لفترة ما بعد الحرب الباردة، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، تخصص علاقات دولية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة 01، 2018-2019. ص 51.

(19) وليد الرايس، مرجع سابق. ص ص 26، 27.

(20) ماجدة إبراهيم عامر، “الشرق وإفريقيا: سياسات روسيا والصين تجاه إفريقيا: تنافس على النفوذ والموارد”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 25 مارس/آذار 2024)، https://shorturl.at/Jsx50

(21) “بريكس الجديدة.. ماذا يعني اقتصاديًّا ضم 6 أعضاء جدد للمجموعة؟”، العربي الجديد، 25 أغسطس/آب 2023، (تاريخ الدخول: 25 مارس/آذار 2024)، https://shorturl.at/ddybu

(22) “دوافع التنافس الصيني الأميركي على النفوذ في غرب إفريقيا”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبو ظبي، 12 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)، https://shorturl.at/bf4pk

(23) خالد أحمد عبد الحميد، “المآلات المستقبلية للتنافس الدولي المتصاعد في القارة الإفريقية”، السياسة الدولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، العدد 232، أبريل/نيسان 2023. ص 188.

(24) “الصين في إفريقيا.. نفوذ متزايد وتنافس محموم مع القوى الكبرى”، سكاي نيوز عربية، 10 يناير/كانون الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 12 أبريل/نيسان 2024)، https://shorturl.at/kvxAF

(25) خالد أحمد عبد الحميد، مرجع سابق. ص ص 184 – 186.

(26) “سفير الصين في الجزائر: الجزائر عامل استقرار”، صحيفة الخبر، 25 أغسطس/آب 2024، (تاريخ الدخول: 12 سبتمبر/أيلول 2024)، https://shorturl.at/kvxAF

(27) بينارد أييكو، “نجاحات مبادرة الحزام والطريق في إفريقيا”، الصين اليوم، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 12 مارس/آذار 2024)، http://www.chinatoday.com.cn/ctarabic/2018/fmwz/202310/t20231016_800345079.html

(28) خالد أحمد عبد الحميد، مرجع سابق. ص ص 184 – 186.

(29) “سفير الصين في الجزائر: الجزائر عامل استقرار”، مرجع سابق.

(30) خالد أحمد عبد الحميد، مرجع سابق. ص ص 184 – 186.

(31) Kenneth Liberthal, “Energy security and the future of energy cooperation: China”, In: Alyssa Ayres and C Raja Mohan (eds), Power realignments in Asia: China, India and the United States, SAGE publications India Pvt Ltd, New Delhi, 2009. p. 163.

(32) ستيفن جريفيث، دبلوماسية الطاقة الثنائية في حقبة التحول في مجال الطاقة، ضمن سلسلة العلاقات الخارجية للتحول في مجال الطاقة، أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، ديسمبر/كانون الأول 2018، ص 3.

(33) Andreas Goldthau, “Energy diplomacy in trade and investment of oil and gas”, In: Andreas Goldthau and Jan Martin Witte (eds), Global energy governance: The new rules of the game, Global public policy, Brookings Institution Press, Berlin and Washington D.C, 2010. p. p 25-27.

(34) Kenneth Liberthal. Op. Cit. p. 163.

(35) Rafal Ulatowski, Indian energy diplomacy, energy security and contemporary oil market, Warsaw University, 2016. (Viewed on 11/22/2024): http://web.isanet.org/Web/Conferences/AP%20Hong%20Kong%202016/Archive/d724cccf-d926-4880-a1f8-1b4b2825c563.pdf

(36) تلميذ أحمد، “التنافس العالمي على موارد الطاقة: المنظور الهندي”، في: الصين والهند والولايات المتحدة الأميركية: التنافس على موارد الطاقة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبو ظبي، 2008، ص 429.

(37) Kenneth Lieberthal and Mikkal Herberg. “China’s Search for Energy Security: Implications for U.S. Policy”, NBR Analysis, volume 17, number 1, April 2006. p. 13.

(38) “مشاركة الصين بنشاط في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة”، موقع التليفزيون الصيني CGTN، 12 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://arabic.cgtn.com/news/2023-03-12/1634816075591147522/index.html

(39) “سفير الصين في الجزائر: الجزائر عامل استقرار”، مرجع سابق.

(40) ماجدة إبراهيم عامر، مرجع سابق.

(41) مايانك أغاروال، “الصين ملأت الفراغ في دبلوماسية اللقاحات وقدمت حبل نجاة عالمي بشروط”، إندبندنت عربية، 4 أغسطس/آب 2021، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024): https://2u.pw/4NQ6Zw6f

(42) افتخار جيلاني، دبلوماسية اللقاح.. صراع جديد على النفوذ السياسي بين الصين والهند، وكالة أنباء الأناضول، 29 مارس/آذار 2021، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://2u.pw/SwWvohTG

(43) “سفير الصين في الجزائر: الجزائر عامل استقرار”، مرجع سابق.

(44) عبد القادر دندن، على خطى “زينغ هي”.. زمان الوصل في جوهانسبورغ”، موقع العين الإخباري، 9 فبراير/شباط 2015، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/نيسان 2024)، https://al-ain.com/article/21071

(45) إنشاء 61 معهد كونفوشيوس و48 فصل كونفوشيوس دراسي في إفريقيا، أخبار الصين بالعربية، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 19 مارس/آذار 2024)، https://arabic.news.cn/2021-11/26/c_1310334298.htm

(46) خالد أحمد عبد الحميد، مرجع سابق. ص ص 186، 187.

(47) نسرين الصباحي، “تعزيز الحضور: مظاهر وتحديات التواجد الصيني في الساحل الإفريقي”، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، 29 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 20 مارس/آذار 2024)، https://ecss.com.eg/36986