تسعى الدراسة إلى تسليط الضوء على معنى مصطلح “دبلوماسية اللقاحات” وبدايات توظيفه في تعزيز السياسة الخارجية لبعض الدول الكبرى، ومن ثم التركيز على التنافس الدولي في هذا المجال، وتوظيف الصين لهذا النمط من الدبلوماسية في علاقاتها الدولية، وما حققته من أهداف. لقد شرعت بعض الدول الرائدة في المجال الصحي وإنتاج اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19 في استغلال وتوظيف عملية تصدير ومنح اللقاحات، واستخدام ما يعرف بدبلوماسية اللقاحات لتقوية نفوذها السياسي والاقتصادي الخارجي، وأسلوبًا مبتكرًا لتعزيز القوة الناعمة وتقديم نفسها مبادرة إلى إيجاد حلول للمشاكل والأزمات الدولية وخصوصًا ما يتعلق منها بالمجال الصحي والإنساني. وتوصلت الدراسة إلى أن دبلوماسية اللقاحات التي انتهجتها الصين، وبعض الدول الأخرى بدرجة أقل، تحولت إلى أداة فعالة من أدوات القوة الناعمة لتوسيع نفوذها وتحقيق أهدافها من خلال التأثير في الدول الأخرى، وبالنتيجة تعزيز علاقاتها الدولية وتنامي دورها في النظام العالمي.
كلمات مفتاحية: دبلوماسية اللقاحات، الصين، القوة الناعمة، التنافس الدولي، التأثير.
This study seeks to shed light on the meaning of “vaccine diplomacy” and the beginning of its use to promote the foreign policy of some major countries. It then focuses on international competition in this field, China’s employment of this type of diplomacy in its international relations, and the objectives it has achieved as a result. Some of the leading countries in the medical field and the production of Covid-19 vaccines have begun to exploit the process of exporting and granting vaccines and use vaccine diplomacy to strengthen their political and economic influence externally, an innovative method to enhance soft power and present themselves as states that take the initiative to find solutions to international crises, especially in the field of health and humanitarianism. The study concludes that the vaccine diplomacy pursued by China – and others countries, albeit at a smaller level – is an effective tool to expand influences and achieve objectives by impacting other countries, therefore strengthening international relations and magnifying its role in the global order.
Keywords: Vaccine Diplomacy, China, Soft Power, International Competition, Influence.
مقدمة
أحدث الانتشار السريع لوباء كوفيد-19، وتحوله إلى جائحة في 11 مارس/آذار 2020، بعد ارتفاع عدد المصابين والضحايا، رجَّة في دول العالم(1)؛ فتحركت المنظمات الدولية المعنية وبعض الحكومات الوطنية، وعبر الإمكانيات المحلية أو من خلال الجهد الدولي، للتصدي للجائحة وتجاوز آثارها وانعكاساتها الخطرة. ومع تسارع وتيرة نجاح التجارب المختبرية والسريرية في تفكيك شفرة المرض من جهة، وإيجاد لقاح فاعل لمجابهته وتحجيمه ومحاصرته من جهة أخرى، شرعت بعض الدول الرائدة والمتقدمة في هذا المجال باستغلال عملية تصدير وتجهيز ومنح اللقاحات سياسيًّا، واستخدام ما يُعرف بـ”دبلوماسية اللقاحات” لتقوية نفوذها السياسي والاقتصادي الخارجي، وأسلوبًا مبتكرًا لتعزيز قوتها الناعمة والمبادرة إلى إيجاد الحلول للمشاكل والأزمات الدولية وخصوصًا ما يتعلق منها بالمجال الصحي والإنساني.
وبرزت الصين في مقدمة الدول التي بادرت إلى دعم أبحاث إنتاج لقاحات آمنة وفعالة، ومن ثم توظيف صناعة اللقاحات وتقديمها إلى دول العالم، لتحقيق بعض أهداف سياستها الخارجية ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية الناجمة عن كون الصين بؤرة تفشي الوباء وانتقاله إلى سائر دول العالم، كما مثَّلت هذه الحالة متغيرًا جديدًا أمام صنَّاع القرار في الدول، مما تطلَّب إدراكًا جيدًا له ومن ثم التحرك السريع للاستفادة منه في مجالات المنافسة والمكانة الدولية.
تهدف الدراسة إلى توضيح معنى مصطلح دبلوماسية اللقاحات ومن ثم التطرق إلى بدايات توظيفه في تعزيز السياسة الخارجية لبعض الدول الكبرى، لاسيما الصين، ومن ثم التركيز على التنافس الدولي في هذا المجال، وتوظيف الصين لهذا النمط من الدبلوماسية في علاقاتها الدولية، والأهداف التي حققتها عبر هذا التوظيف. فإلى أي مدى نجحت الصين في توظيف دبلوماسية اللقاحات في علاقاتها الدولية؟ وما الذي حققته من خلال توظيفها لهذه الأداة على الصعيد الخارجي؟
- في مفهوم دبلوماسية اللقاحات
يعود التعاون الدولي في مكافحة الأمراض إلى منتصف القرن الثامن عشر، لما عقدت أوروبا في 1851 مؤتمرها الصحي الدولي الأول للتعاون متعدد الأطراف لمنع انتشار أوبئة الكوليرا والطاعون والحمى الصفراء، وقد أثمرت هذه الجهود سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات الصحية الدولية، ومن بعد ذلك تأسيس منظمة الصحة للبلدان الأميركية وإنشاء منظمة الصحة العالمية في وقت لاحق(2). فضلًا عن ذلك، فإن هذا الشكل من التعاون وصل إلى مديات أوسع متجاوزًا في أحيان كثيرة الخلافات والنزاعات وحتى الحروب الطاحنة، وأبرز مثال على ذلك قيام بريطانيا بتزويد فرنسا بشحنات من لقاح الجدري، على الرغم من الحرب التي كانت مستعرة بينهما في أوائل القرن التاسع عشر(3).
زاد ظهور وانتشار أنواع جديدة من الأوبئة والأمراض، مثل فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة (الإيدز) وأنفلونزا الطيور، عاملًا محفزًا لتعاون دبلوماسي دولي أكبر لمكافحتها وتقليل مخاطرها وانعكاساتها السلبية، على التنمية الاقتصادية والأمن القومي ومصالح السياسة الخارجية للدول(4).
وطالما استُخدمت عمليات مكافحة الأوبئة والأمراض وسائل وأدوات في القوة الناعمة لكسب الحلفاء والأصدقاء، والتاريخ يشير إلى أمثلة تنافس كثيرة بين مختلف الدول على النفوذ وتحقيق الأهداف الخاصة بها، والتي كان لها تأثيرات إيجابية في مكافحة الأمراض والأوبئة في بعض الأحيان، كما حدث في نجاح حملة القضاء على الجدري وشلل الأطفال، والتي كانت مدفوعة جزئيًّا بالتنافس بين القوتين العظميين (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة) خلال مرحلة الحرب الباردة، فضلًا عن الحالة الأخرى المتمثلة بالاستجابة الصينية لمكافحة وباء سارس في 2002، حين قدمت المساعدة والدعم للبلدان المتضررة، ومنها تايوان رغم توتر العلاقات بينهما، وذلك لتعزيز مكانتها العالمية(5).
فيما أدت جائحة كوفيد-19 إلى ظهور مصطلحات جديدة وإعادة استخدام أخرى أو حتى تلك التي أصبح استخدامها أكثر شيوعًا، وفي مقدمة تلك المصطلحات وأكثرها استخدامًا خلال المرحلة الحالية، يبرز مصطلح دبلوماسية اللقاح، والتي تستخدمها وتوظفها بعض الدول لتقوية روابطها الإقليمية والدولية وتعزيز مكانتها ونفوذها العالمي، فضلًا عن إمكانية تقويض الثقة في نيات وفعالية القوى المنافسة لها(6).
ووفقًا لرئيس معهد سابين(Sabin) للقاحات والخبير في منظمة الصحة العالمية، الدكتور بيتر هوتيز (Peter J. Hotez)، فإن دبلوماسية اللقاحات فرع من فروع دبلوماسية الصحة العالمية والتي تعتمد على استخدام اللقاحات أو توصيلها، بينما تُعرَّف دبلوماسية علم اللقاحات بأنها “مزيج من عناصر دبلوماسية الصحة العالمية ودبلوماسية العلوم”(7)، فيما تعني دبلوماسية الصحة العالمية العمليات التي تضع من خلالها الحكومات أو مؤسسات المجتمع المدني قضايا الصحة في مفاوضات السياسة الخارجية وإنشاء أنواع جديدة من إدارة الصحة العالمية(8).
ويذهب هوتيز أيضًا إلى أن دبلوماسية اللقاحات تعمل على توصيل اللقاح وتوزيعه لتعزيز الصحة العالمية من خلال القضاء على الأوبئة والأمراض، فضلًا عن إمكانية استخدامها لتحقيق بعض الأهداف البراغماتية الأخرى وأهداف السياسة الخارجية المشتركة، فضلًا عن تعزيزها للعلاقات بين الدول وتحييد الصراعات، وتقليل بعض الآثار السلبية التي تشكِّلها الجائحة على الدول والحكومات مثل التنمية الاقتصادية والأمن القومي وغيرها. وتزايدت، في الآونة الأخيرة، أهمية الصحة العالمية في عصر العولمة مع استخدام الدول دبلوماسية اللقاحات لتحسين علاقاتها مع البلدان الأخرى(9).
ويمكن الوصول إلى فهم أكثر عمقًا لمصطلح دبلوماسية اللقاحات، وفق رؤية المستشار الصحي في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر (Jimmy Carter) عام 1978؛ إذ افترض المستشار بيتر بورن (Peter Bourne) “أن كلًّا من الصحة والطب يمكن أن يكونا وسائل مهمة وفاعلة لتحسين العلاقات الدولية؛ لأن بعض القضايا الإنسانية، يمكن أن تكون أساسًا لإقامة حوار والوصول إلى تفاهمات تتجاوز الخلافات الثنائية، وذلك عبر اللجوء إلى أساليب غير تقليدية بالحوار”(10).
- التوظيف الصيني لدبلوماسية اللقاحات
امتازت دبلوماسية اللقاحات الصينية بأنها استمرار لنهج الحكومة الصينية في مواصلة جهودها لبناء وتقوية علاقاتها التجارية الدولية، وحتى قبل ظهور واكتشاف وباء كوفيد-19، كان لدى الصين برنامج دبلوماسي صحي نشط في العالم وعلى وجه الخصوص في إفريقيا، كان الهدف منه وفق وجهة نظر مدير المعهد الوطني الأميركي للأمراض المعدية، أنتوني ستيفن فاوتشي (Anthony Fauci)، “كسب قلوب وعقول الناس في البلدان الإفريقية الفقيرة، عبر تلبية احتياجاتها من الرعاية الطبية والخبرة والموظفين لمساعدة الدول المحتاجة”(11).
ويظهر النهج الصيني في هذا الخصوص واضحًا، لاسيما المشاركة الفاعلة في جهود التخفيف من وطأة وآثار وباء الملاريا في 2007، وذلك عبر تقديم التمويل والمساهمة الفاعلة في قطاعات تطوير الأدوية والعلاجات الخاصة بالوباء، وتمويل إنشاء سفينة طبية خاصة باسم “سفينة السلام”، فضلًا عن تقديمها للمساعدات الطبية والتدريب إلى مختلف بلدان العالم، خاصة دول شرق إفريقيا عامي 2010-2011(12)، في محاولة منها لتقديم نفسها ضمن مجموعة الدول السخية المانحة للمساعدات الإنسانية، والتي يمكن أن تتيح لها مزايا تفضيلية مستقبلية أخرى.
زيادة على مساهمتها الفاعلة في الجهود الإنسانية والطبية خلال أزمة انتشار وباء إيبولا في القارة الإفريقية عام 2014؛ شاركت الصين بفاعلية في جهود مكافحة الوباء من خلال إرسال الإمدادات الطبية والتبرعات المالية إلى كل من سيراليون، وليبريا، وغانا، فضلًا عن تقديم الدعم للبرامج المعنية بتطوير قدرات المجتمعات المحلية في مجالات التدريب الطبي وتبادل الأبحاث الطبية والمختبرية، والتي مهدت لدبلوماسية لقاح صينية فاعلة على إثر انتشار كوفيد-19(13). وهنا لابد من الإشارة إلى أن الصين، وعبر إسهاماتها السابقة في مساعدة بعض الدول الفقيرة لمكافحة الأوبئة أو الكوارث الإنسانية الأخرى، حاولت تحقيق بعض الأهداف الخارجية زيادة على أهدافها الإنسانية الرئيسة.
بدأت الصين مبكرًا مسيرة التحصين ضد الوباء الذي تفشى في البلاد، من خلال الإستراتيجية الوطنية التي اتبعتها السلطات في السيطرة عليه، وفي الوقت نفسه، فقد باشر العلماء الصينيون رحلة المنافسة مع نظرائهم في كبريات الشركات المصنِّعة للأدوية واللقاحات العالمية، عبر إجراء التجارب المختبرية والسريرية للوصول إلى إنتاج لقاح فاعل وآمن للوقاية من وباء كوفيد-19. وبالفعل، فقد نجحت المجموعة الوطنية الصينية للصناعات الدوائية (سينوفارم)، وهي شركة محلية مصنِّعة للأدوية مملوكة للدولة الصينية، بتطعيم ما يقارب مليون شخص أثناء مرحلة الاختبار، وفي سبتمبر/أيلول 2020، وافقت الحكومة الإماراتية على تجربة اللقاح داخل أراضيها، وذلك بسبب الحاجة لإجراء التجارب في دولة ثالثة بسبب انخفاض انتشار المرض في الداخل الصيني(14).
وفي منتصف 2021، أعلن مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، أن المنظمة منحت لقاح سينوفارم الموافقة الطارئة بناء على توصية لجنة الخبراء الاستشارية الإستراتيجية للتحصين (سايج)، بعد منحها للقاحات “فايزر/بيونتك”، و”موديرنا”، و”جونسون آند جونسون”، و”أسترازينيكا”؛ الأمر الذي مهَّد الطريق أمام الصين لنيل موافقات سريعة من حكومات الدول لتوزيع واستخدام لقاحها المحلي في مختلف دول العالم، لاسيما تلك التي تمتلك هيئات خاصة تلتزم بالمعايير الدولية، فضلًا عن إتاحة الفرصة للانضمام إلى مبادرة “كوفاكس” الدولية المدعومة من منظمة الصحة العالمية، والتي أُنشئت لضمان توزيع عادل للقاحات في الدول النامية والفقيرة(15).
فيما أكد رئيس فريق تنسيق مشروعات تطوير اللقاحات الصيني، تشنغ تشونغ وي (Zheng Zhongwei)، “أن المصانع الوطنية ستكون قادرة على تلبية الحاجة المحلية من اللقاح في النصف الثاني من عام 2021، وأنها ستتمكن من إنتاج ثلاث مليارات جرعة من اللقاحات في نهاية العام نفسه، كما قالت الحكومة الصينية: إن إنتاج مصانعها تضاعف خلال فترة قصيرة، مما يؤكد رغبتها في سيادة سوق إنتاج اللقاحات العالمية التي تشهد منافسة محتدمة بين كبريات الشركات المصنعة له(16).
إن تطوير وإنتاج اللقاحات في الصين على عكس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هو مهمة تضطلع بها الدولة، التي حشدت ودعمت جهود العديد من المؤسسات والشركات التابعة لها أو تلك القريبة منها، وقدمت لها التسهيلات المالية والبنى التحتية لتطوير اللقاح، وهو ما مثَّل واحدًا من أولويات الحكومة الصينية خلال المرحلة الأولى من عملية اكتشاف وتصنيع اللقاح، والتي قال عنها الجنرال والعالم الصيني، تشين وي (Chen Wei): “إن النجاح في هذا الأمر يمثِّل الصورة الرمزية للعلوم والتكنولوجيا الصينية والقوة (العظمى) للصين”(17).
من الملاحظ أن الصين، وفقًا للمعطيات والمؤشرات التي رافقت عملية تقديمها للقاحات، تتصدَّر قائمة الدول الأكثر توظيفًا لما يعرف بدبلوماسية اللقاحات في تحسين صورتها الخارجية وتعزيز نفوذها وتغلغلها الاقتصادي والسياسي في دول العالم المختلفة، وذلك من خلال المبادرة بتقديم ملايين الجرعات المجانية من لقاحها محلي الصنع “سينوفارم وسينوفاك” منحًا وهباتٍ لعدد غير قليل من الدول النامية والناشئة في قارات إفريقيا، وآسيا، وأميركا اللاتينية مع التركيز على بعض الدول التي لها علاقات جيدة مع الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
وبفضل نجاحها الواضح في مكافحة فيروس كوفيد-19 وتطويق آثاره السلبية، أعطت الصين، على عكس الكثير من دول العالم ومن بينها الولايات المتحدة، الأولوية لصادرات اللقاح على التوزيع المحلي، وشرعت بتطبيق برنامج مساعدات شامل، بهدف إصلاح بعض الضرر الذي لحق سمعتها بسبب الوباء، وترسيخ مكانتها واحدة من أهم الدول المانحة الجديرة بالثقة(18)، ولم يقتصر هذا النشاط على حلفاء الصين الرئيسيين، بل تعداه إلى حلفاء الولايات المتحدة التقليديين مثل باكستان وتركيا(19).
وشكَّل لقاح “سينوفارم” الصيني حجر الزاوية في حملات التطعيم في العديد من دول الشرق الأوسط، لاسيما الإمارات والمغرب، فيما حقق نجاحًا ملحوظًا في مصر، والعراق، والجزائر، والبحرين، وكذلك لقاح “سينوفاك” في تركيا. وقال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في تصريحات صحفية خلال زيارته لست دول في المنطقة إن بلاده تعمل بجد مع جميع دول المنطقة لمكافحة الفيروس، وإن حكومته ستعمل على تعميق التعاون في مجالات اللقاحات، مع التركيز على التعاون الثلاثي في مجال إنتاج اللقاحات مع إفريقيا(20).
وتميزت الشركات الصينية المصنعة للقاح، التي تهيمن عليها الحكومة، بأنها أكثر استعدادًا من نظيراتها الغربية لإبرام صفقات الترخيص والسماح للمصنِّعين في دول عدة بإنتاج لقاحات كوفيد-19 بشكل جزئي أو كلي، وفي هذا الصدد أصدرت منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، في مطلع 2021، بيانًا يناشدان فيه الشركات الغربية عقد المزيد من هذه الصفقات؛ مما قد يعني أرباحًا أقل على المدى الطويل ولكن المزيد من اللقاحات في وقت أقرب للمجتمعات التي هي في أمَسِّ الحاجة إليها(21).
كما عملت الصين كذلك على إيجاد صيغة للتعاون مع بعض الدول المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، لإنتاج اللقاح الصيني على أراضيها، وهو ما حصل بالفعل مع كل من مصر والمغرب، مما يتيح لها تعزيز أهداف سياستها الخارجية طويلة المدى في إفريقيا والشرق الأوسط، عبر تسريع وتيرة تلبية احتياجات بلدان المنطقة من اللقاح في ظل تباطؤ الدول المنافسة في المبادرة بتلبية كل احتياجاتهم، فيما شكَّلت التجربة الإماراتية في تصنيع اللقاحات الصينية على أراضيها، فرصة مواتية لها للتحرك باتجاه تعزيز أو تحقيق بعض أهداف سياستها الخارجية دون إغفال العامل الاقتصادي المهم في هذا المجال.
ومن خلال متابعة التحرك الصيني في هذا الصدد، يمكن القول: إن الصين وعبر تفعليها دبلوماسية اللقاحات حاولت تطبيق نموذج مبتكر، يخلط بين السياسة والتجارة وتحقيق أهداف الريادة عبر القوة الناعمة، وتقديم المساعدات والهبات، واستخدمت الجرعات التي قدمتها أداة لتعزيز العلاقات القائمة والاستفادة من الفرص الجديدة المتاحة. لقد استطاعت الصين من خلال تقديمها عينات مجانية كبيرة لكثير من دول العالم تأمين عقود بيع كبيرة لمنتجاتها من اللقاحات، كما اعتمدت إستراتيجية تجنب المنافسة المباشرة مع الشركات الكبيرة وتجنب الأسواق الغربية، ومحاولة الانفتاح على الدول المجاورة لها، فضلًا عن دول القارة الإفريقية والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية.
واستطاعت الصين كذلك عبر هذه الإستراتيجية، تحقيق نجاحات كبيرة وواضحة في تسويق إنتاجها من اللقاح في أسواق هذه الدول والوصول إلى أسواق جديدة لم تكن ضمن خارطة اهتماماتها سابقًا مثل دول وسط وشرق أوروبا، تزامنًا مع تحقيق بعض الأهداف الأخرى المتعلقة بتحسين صورتها، باعتبارها واحدة من أهم الدول الصناعية المبادرة على الصعيد العالمي، وتعزيز فرصها التنافسية مع الدول الأخرى والارتقاء بدورها ومكانتها وكسب نقاط قوة جديدة زيادة على التي تمتلكها.
- دبلوماسية اللقاحات والتنافس الدولي
أضفت جائحة كوفيد-19 أبعادًا جديدة على السياسة الدولية، ومثلما ارتبطت الجائحة ببروز ما يُعرف بـ”قومية اللقاح”، مع قيام بعض الدول بإجراءات تتمثَّل في تخزين اللقاحات وإتاحتها بصورة حصرية لمواطنيها، ظهر كذلك ما أُطلق عليه مصطلح دبلوماسية اللقاح من طرف مجموعة الدول، التي تستخدم إمدادات اللقاح للدول الأخرى، باعتبارها من مظاهر القوة الناعمة التي تمكِّنها من تقوية الروابط الإقليمية وتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية.
وفي خضم تسارع نزعة قومية اللقاح واندفاع الدول في جميع أنحاء العالم إلى تطعيم سكانها، أصبحت دبلوماسية اللقاحات أحد المكونات الرئيسة في الجغرافيا السياسية وأداة محورية لإدارة العلاقات الخارجية، كما أنها أصبحت في الوقت ذاته، توفر فرصًا مبتكرة لتعزيز جهودها لاستخدام اللقاحات أدوات جديدة للتأثير وزيادة نفوذها الخارجي والدبلوماسي(22).
وعلى الرغم من انخراط دول عدة إلى جانب الصين، مثل: روسيا والهند والولايات المتحدة، في هذا النمط من الدبلوماسية باعتباره جزءًا من الاستجابة الإنسانية للأزمة الصحية الدولية وصورة من صور الإيثار للدول الأخرى، فإنه من الصعب إنكار الجانب التنافسي في هذه المسألة؛ إذ تأتي دبلوماسية اللقاح في ظل بيئة دولية تتسم بمظاهر الصراع والتنافس بين الدول الثلاث الرئيسة المذكورة، وغيرها من الدول؛ ما يجعل منها واحدة من أهم القضايا الجيوسياسية المركزية(23).
وبالفعل، فقد استخدم عدد من الدول الكبرى آلية تجهيز وتقديم اللقاحات سواءً أكان بصورة مجانية أم بمقابل، أداة جديدة ومبتكرة للدبلوماسية والسياسة الخارجية، ومنذ إعلان هذه الدول نجاح التجارب المختبرية والسريرية والبدء الفعلي بتصنيع اللقاحات، بدا التنافس بينها واضحًا لتحقيق بعض أهداف السياسة الخارجية وتعزيز مصالحها، فضلًا عن مواجهة التحديات والمشاكل الجديدة التي أفرزتها الجائحة، والتي خلقت متغيرًا جديدًا لم يواجهه صنَّاع القرار الصيني، والذي فسره البعض في ضوء اعتبارات عدة(24).
أولًا: باعتباره يرتبط بشكل أساسي ببُعد حديث جدًّا في الساحة الدولية، يتعلق بالصحة العامة وأمنها العالمي.
ثانيًا: كما أنه يرتبط بمحاولات بعض القوى الدولية، لاعتبارات عديدة، منها ما يتعلق بالصراع، والمنافسة، والمكانة، والدور، توظيف هذا البعد أو المتغير الجديد في العلاقات الدولية عامة، أو في سياق إعادة صياغة تعاملها مع الصين، باعتبارها البلد الذي ظهر به الوباء واتهامها بالمسؤولية عن انتشاره على الصعيد العالمي من ناحية، أو في الجهود الغربية المبذولة لإعاقة طموحاتها المتصاعدة نحو أداء دور أكثر فاعلية وتأثيرًا على الصعيد الدولي.
ثالثًا: ما ترتَّب على انتشار الوباء، لاسيما في بداياته، من تحديات كبيرة ومعقدة واجهتها الصين، وقد أكد ذلك أكثر من تقرير حكومي مرجحًا استمرار آثار تلك التحديات على المدى القصير.
رابعًا: المشكلات الجديدة التي فرضها هذا التحدي الجديد، مما وضع الدوائر الدبلوماسية الصينية في موقف لا تحسد عليه، وفرض عليها إعادة حساباتها والتكيف مع الواقع الجديد من أجل تقليل آثار الجائحة داخليًّا وفي المستويات كافة، ومن ثم المباشرة باستثمار ما يمكن تحقيقه على الصعيد المحلي في حملتها الخارجية نحو تقليل آثار الصورة السلبية التي أفرزتها الدعاية الغربية، التي حاولت إيصال صورة ذهنية للجمهور والمتلقي تربط بشكل أو بآخر بين الصين والمرض، ومن ثم استغلال ما يمكن تقديمه للدول الأخرى فيما يتعلق بمواجهة الجائحة وتقليل آثارها في تحسين صورتها ومواجهة الحملة الدعائية ضدها، وهو ما حصل بالفعل عبر استخدام ما يُعرف بدبلوماسية الكمامات والمعدات العلاجية الضرورية لمكافحة الوباء مثل أجهزة التنفس الصناعي ومقاييس الحرارة في المراحل المبكرة من انتشار الوباء في 2020(25).
أفرزت هذه التحديات مجتمعة وغيرها من القضايا المهمة، انعكاسات على أولويات السياسة الخارجية الصينية، في ضوء الرؤية الإستراتيجية الشاملة والمرتكزة على تحقيق الأهداف وإعادة صياغة مكانة الصين في النظام العالمي، ومن هذا المنطلق فقد حدَّد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، خمس أولويات رئيسة للدبلوماسية الصينية خلال عام 2020، منها ما يتعلق بخدمة التنمية المحلية بصورة كاملة، وحماية المصالح الصينية الوطنية بشكل لا يقبل المساومة، وتمتين الشراكة والتعاون المستمر مع دول العالم المختلفة، والدفاع عن التعددية والحرية بحزم وقوة، وأخيرًا توسيع التعاون الدولي بفاعلية ثابتة(26).
وتأكيدًا لذلك، ونظرًا لزيادة الحاجة إلى شحنات اللقاح، لاسيما في الدول النامية والفقيرة، فقد عرض الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في مايو/أيار 2021، تقديم شحنات اللقاح باعتبارها “منفعة عالمية” وبسعر مناسب للجميع، استمرارًا لجهود الحكومة الصينية وتقديم نفسها على أنها “الحل” المناسب، وليست “السبب” في انتشار الوباء وتفاقم آثاره وانعكاساته، مع تركيزها على الدعاية الإعلامية لجهودها في تقديم المساعدات والشحنات التجارية الطبية، وذلك عبر حملة علاقات عامة قامت بها المؤسسات الإعلامية الصينية المملوكة للدولة أو تلك القريبة منها للترويج للجهود الصينية المتعلقة بتقديم المساعدات الطبية لمختلف دول العالم، مع التركيز على المزايا الإنتاجية واللوجستية وسهولة النقل والتخزين للقاحات الصينية والتي تجعلها متفوقة على باقي اللقاحات(27).
تضمنت دبلوماسية اللقاحات الصينية، زيادة على الأهداف المتعلقة بتحقيق المكانة والدور وتحقيق النفوذ وحماية المصالح الدولية، أهدافًا أخرى تتمثَّل في توظيف ورقة تقديم اللقاحات لتقويض الثقة وفعالية القوى المنافسة الأخرى، أو للضغط على بعض الدول لتغيير مواقفها الخارجية، كما حصل مع بعض الدول التي تقيم علاقات مع تايوان ومن بينها باراغواي، التي اعترفت إلى جانب 14 دولة بتايوان؛ إذ قدمت كتلة اليسار في البرلمان الباراغواني مشروع قانون ينص على قطع العلاقات مع تايوان وتعزيز علاقاتها مع بيجين، وذلك للحصول على دعم صيني في مختلف المجالات وفي مقدمتها اللقاحات(28).
وعلى الرغم من تقديم الصين لقاحاتها إلى بعض الدول التي تختلف معها في بعض الملفات، مثل باكستان، أو تلك التي تشتكي من طموحاتها التوسعية في بحر الصين الجنوبي، مثل ماليزيا والفلبين، إلا أن ذلك لا يعني أنها تقدم ذلك دون شروط، ففي ورقة بحثية نشرها واحد من أهم مراكز الأبحاث السنغافورية في 2021، أشارت وبشكل واضح إلى أن دبلوماسية اللقاحات الصينية ليست غير مشروطة، وأن الحكومة الصينية تستخدم تبرعاتها من اللقاحات لدفع أجندتها الإقليمية، لاسيما ما يتعلق منها ببعض القضايا الحساسة، مثل مزاعمها في بحر الصين الجنوبي(29).
يتفق الخبراء على أن معظم الجهود التي يبذلها العديد من دول العالم، وفي مقدمتها الصين، لإنتاج وتوزيع اللقاحات المحلية الخاصة بها لمكافحة الوباء، قد أطلقت شكلًا جديدًا من التنافس الدولي والقوة الناعمة، وهو ما بدا واضحًا في دينامية تقديم وتوزيع اللقاحات للدول المستفيدة، وربط عملية تقديم اللقاحات بمشاريع الحكومة الصينية الخارجية، لاسيما مشروع الحزام والطريق، فقد دعا الباحث في المعهد الألماني، موريتز رودولف (Moritz Rudolph)، الغرب إلى الانتباه إلى ما يعرف بدبلوماسية اللقاحات الصينية، التي تمثِّل أحد الموضوعات الرئيسة لمبادرة الحزام والطريق(30).
وفي الإطار نفسه، فقد انخرطت روسيا كذلك في هذا السباق من خلال تقديم لقاحها “سبوتنك” إلى مناطق عدة في أميركا اللاتينية وآسيا، فضلًا عن عدد من دول أوروبا الشرقية، مثل: المجر، والتشيك، وسلوفاكيا، رغم عدم حصول اللقاح على موافقة الدوائر الصحية الأوروبية الرسمية(31)، كما حاولت الهند كذلك الاستفادة من موقعها قوة دوائية عالمية لتطلق برنامجها الطموح الذي سمته “لقاح مايتري” والذي يعني في اللغة الهندية “صداقة اللقاح”، إلا أن تفشي الوباء في أراضيها أوقف هذا البرنامج الطموح، ومع ذلك فإنها استأنفت مؤخرًا نشاطاتها في تقديم جرعات مجانية من اللقاح المحلي في محاولة منها لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في هذا المجال، كما سارع الاتحاد الأوروبي بدوره إلى التبرع بعدد كبير من جرعات اللقاحات إلى دول جنوب شرق آسيا، في مسعى منه للحاق بالدول الكبرى الأخرى في هذا المجال(32).
فيما تمثِّل الولايات المتحدة هي الأخرى واحدة من أهم الدول التي قررت وفي وقت مبكر تقديم اللقاح بشكل مجاني للعديد من دول العالم، مع مراعاة تقديم معظمها ضمن آلية كوفاكس الدولية والمدعومة من منظمة الصحة العالمية، والتي تم إيجادها لضمان توزيع عادل للقاحات في الدول النامية والفقيرة، وذكر متحدث رسمي باسم البيت الأبيض، في أغسطس/آب 2021، أن الحكومة الأميركية قدمت هبة بـ110 ملايين جرعة من لقاح “فايزر” إلى أكثر من 60 بلدًا، وهي دفعة أولى من 500 مليون جرعة، بهدف الاستجابة للحاجة العالمية للقاح ومساعدة الدول المحتاجة وإنقاذ الأرواح دون التركيز على مسألة تأمين مصالحها في البلدان المتلقية للهبات(33).
كما قال وزير الخارجية البريطاني في تصريحات صحفية: “أن الدول الكبرى لا تدعم ما يُعرف بدبلوماسية اللقاحات ولا تحبذ الابتزاز السياسي وأن ما لا يقل عن 80% من اللقاحات التي قدمتها الدول الغربية المنضوية ضمن مجموعة السبع ستتوزع دون شروط عبر مبادرة كوفاكس العالمية، والجزء المتبقي سيُقدَّم إلى دول لديها علاقات إستراتيجية وثيقة معها”(34).
- مستقبل توظيف دبلوماسية اللقاحات
برزت خلال المرحلة الماضية حاجة ملحَّة إلى معالجة الانخفاض الحاد في تجهيز اللقاحات المضادة لوباء كوفيد-19، بسبب الانتشار السريع للمرض وتصاعد الحاجة لتجهيز اللقاحات، وأسباب أخرى تتعلق بعدم الاستقرار السياسي والأمني أو انتشار الحروب والنزاعات، ولتلبية هذه الحاجة والبحث عن حلول مناسبة لتوفير اللقاحات لمختلف الدول، منها ما يتعلق بإعادة تفعيل ما يُعرف بدبلوماسية اللقاحات، التي تم تطبيقها في مراحل سابقة من القرن الماضي، ومن ثم توظيفها بشكل مبتكر من طرف بعض الدول لغرض تحقيق أهدافها الخارجية(35).
وبالفعل، فقد ظهرت آلية توظيف تقديم لقاحات كوفيد-19 أداة جديدة للدبلوماسية، وبرز تنافس محموم بين كل من الصين، والهند، وروسيا، والولايات المتحدة بشكل متزايد لإبراز مسائل عدة من بينها التأثير والمكانة الدولية وأسبقية المبادرة، من خلال التبرعات والقروض الخاصة باللقاحات المصنعة محليًّا، ولكن الريادة والسبق في هذه المسألة يظل للصين، التي قدمت ملايين الجرعات المجانية إلى 69 دولة وصدرت تجاريًّا إلى 28 دولة منذ مارس/آذار 2021(36).
إن عملية تصنيع اللقاحات ومن ثم تصديرها ومنحها للدول الأخرى، أصبحت اليوم، وفقًا للعديد من المراقبين والمتابعين للشؤون الدولية، واحدة من أهم وأبرز ساحات التنافس الدولي الرئيسة بين بعض الدول الكبرى، لاسيما بين الولايات المتحدة والصين على كل من المكانة، والنفوذ، والمصالح، والتغلغل، وتحشيد وكسب الحلفاء، لتنضم إلى قائمة التكنولوجيا المستخدمة مؤخرًا مثل الروبوتات، والطائرات المسيَّرة (الدرونز)، وتكنولوجيا الجيل الخامس وغيرها من أدوات المواجهة والتنافس الدولي(37).
حاولت الدول المعنية بتقديم اللقاحات عدم عزل آليتها في هذا الخصوص عن مصالحها الإستراتيجية المهمة والحيوية، فالولايات المتحدة ركزت في حملتها الدعائية والدبلوماسية على تفوق التكنولوجيا والصناعة الأميركية، وعلى ريادة شركاتها في هذا المجال، مع تأكيد أولوية الجانب الأخلاقي في عملية تقديم اللقاح سواءً أكان بشكل مجاني أم بمقابل مادي، على باقي الجوانب الأخرى المتعلقة بتحقيق الأهداف وتعزيز المصالح والنفوذ، أو تحقيق الأرباح والعوائد المادية، ومن خلال ذلك حاولت الحكومة الأميركية تحقيق بعض الاختراقات أو توفير الأرضية لتحقيق تواصل حقيقي مع دول الحزام الإستراتيجي الصيني، وفي مقدمتها دول جنوب شرق آسيا: إندونيسيا، وفيتنام، والفلبين.
وفي المقابل، اتهمت العديد من التقارير الأميركية الصين بشكل صريح بأنها وظَّفت عملية تقديم اللقاحات في محاولة لتغيير مواقف وسياسات بعض الدول تجاه خصومها أو منافسيها، كما حصل في محاولتها تغيير مواقف بعض الدول من تايوان. في الوقت عينه، حاولت الحكومة الصينية الضغط على بعض الدول، وفي مقدمتها البرازيل، واشترطت عليها فتح سوقها أمام تقنية الجيل الخامس لشركة هواوي الصينية وعدم الرضوخ للضغوط الغربية، لمدها بشحنات من اللقاح، فضلًا عن محاولاتها الممنهجة إحباط الصفقات التي أبرمتها بعض الدول مع الشركات الغربية، من خلال تقديم اللقاحات الصينية لها بشكل مجاني(38).
وأدى قرار الولايات المتحدة التركيز على تلقيح مواطنيها، لاسيما في المراحل الأولى من اكتشاف اللقاح والبدء بإنتاجه الفعلي، إلى الإفساح في المجال أمام الصين وروسيا لملء الفراغ الذي تركه هذا القرار، خاصة في المناطق التي تمثِّل نفوذًا تقليديًّا للولايات المتحدة ومنها دول قارة أميركا اللاتينية. واستغلت الصين الفرصة السانحة لتقدم للعديد من دول هذه القارة، في بدايات الأزمة، شحنات من الإمدادات الطبية وأجهزة التنفس الصناعي والأقنعة وغيرها من التجهيزات الطبية، فضلًا عن قروض مالية لدفع تكاليف اللقاحات. وترى الباحثة في جامعة المحيط الهادئ البيروفية، سينثيا سانبورن (Cynthia Sanborn)، “أنه وبينما تخلت الولايات المتحدة عن دورها القيادي العالمي في مكافحة الوباء، لجأت العديد من حكومات أميركا اللاتينية إلى الصين للحصول على المساعدة والعون”(39).
وبينما كان العديد من الدول الغنية يواصل برامج التلقيح الخاصة به باستخدام مختلف أنواع اللقاحات، تُركت دول أخرى دون أي اهتمام يذكر، فلم تجد طريقًا للحصول على كميات كافية من اللقاحات لمواجهة الجائحة وتحصين مواطنيها، وفي هذا الصدد، اشتكى الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، من صعوبات الحصول على اللقاحات، وقال: “إن الحصول على اللقاحات اليوم أصعب من الحصول على الأسلحة النووية، مقارنًا الوضع بغرق سفينة تايتانك، وإن الجميع يفكرون بقارب نجاة لأنفسهم فحسب”. لكنه وبعد وقت قصير، تقدمت صربيا على العديد من جيرانها الأوروبيين في سباق التطعيم، ويرجع ذلك في الغالب إلى حصولها على كميات من اللقاح الصيني والروسي ووقَّعت صفقات لإنتاجها محليًّا. ووفقًا لإحصاءات رسمية، فإن نسبة 0.2% من مليار جرعة من اللقاحات تم إعطاؤها في جميع أنحاء العالم، ذهبت إلى أشخاص في بلدان منخفضة الدخل(40).
ووفقًا لما أورده عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في كلمته خلال فعالية رسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة، في فبراير/شباط 2022، والتي عُقدت تحت عنوان: تحفيز الزخم من أجل تلقيح عالمي، “فإن بلاده قدمت أكثر من 2.1 مليار جرعة لقاح إلى أكثر من 120 دولة في مختلف قارات العالم، وإن واحدًا من كل لقاحين تم استخدامهما عالميًّا صُنع في الصين، مشيرًا إلى أن حكومته تدعم بشكل كبير استثناء حقوق الملكية الفكرية للقاحات وأنها أول دولة قامت بنقل تكنولوجيا تصنيع اللقاحات إلى بعض الدول النامية، مؤكدًا أن الأمن الصحي العالمي سيظل في خطر، طالما توجد فجوة في مسألة التحصين العالمي، داعيًا إلى تقديم دعم أقوى لتوفير اللقاحات لمختلف الدول النامية”(41).
وبعد مضي أكثر من سنة على الإعلان الرسمي عن اكتشاف اللقاحات والبدء بإنتاجها وتصديرها، أصبح من الواضح السعي الصيني للاستفادة من هذه العملية وتوظيفها لاكتساب قدرة أكبر على التأثير على الصعيد العالمي، فضلًا عن اكتسابها درجات تفوُّق في نطاق القوة الناعمة. فإلى جانب الرغبة في تحقيق المزيد من القوة الجيوسياسية، تعمل الصين كذلك للوصول إلى تحقيق فائدة اقتصادية أعلى عبر مبيعاتها من اللقاح(42).
ولابد من الإشارة إلى طبيعة العلاقة المترابطة بين العلامات التجارية للدول والقوة الناعمة؛ إذ يتم توظيف واستخدام تأثير المتغير الأول أسلوبًا إستراتيجيًّا لخلق صورة إيجابية عن البلد، وبالتالي تحقيق مكاسب ملموسة وتقوية موقعها التنافسي مع الدول الأخرى، فضلًا عن تحقيق الأهداف المتعلقة بإصلاح وتعزيز أو إعادة تشكيل صورتها لتصبح أكثر جاذبية وتنافسية، ولها علاقة كذلك بالهوية الوطنية، فلطالما ارتبطت بعض العلامات التجارية بدول معينة وأسهمت بتشكيل الصورة الذهنية عنها لدى مواطني الدول الأخرى، وهذا ما حدث بالفعل خلال توظيف الصين لجهود مكافحة الوباء، وربط إجراءاتها الصحية وعلاماتها التجارية المرتبطة بالوباء في أذهان الجماهير(43).
وهنا تبرز مسألة ربط دبلوماسية اللقاحات باهتمام الحكومة الصينية المتزايد بتحسين صورتها في العالم، لاسيما بعد تراجعها إلى المرتبة الثامنة في مؤشر القوة الناعمة في 2021، ومحاولتها إحداث تغيير إيجابي في رؤية العالم لها والتي امتازت بعدم الثقة النسبي، بناءً على بعض مؤشرات سوء تعاملها في بداية الأمر مع أزمة الوباء. فقد حاوت الصين، وعبر هذا الربط، استغلال فجوة الحاجة إلى اللقاح وسد الفراغ الذي خلَّفه تراجع الولايات المتحدة عن المسرح الدبلوماسي العالمي خلال فترة حكم الرئيس ترامب، للحصول على مكاسب القوة الناعمة فضلًا عن المكاسب المتحصلة من المسارات المتعددة الأخرى(44).
وأشارت كثير من التقارير إلى أن توزيع اللقاحات وتصديرها ارتبط بشكل وثيق بالأجندات السياسية بدلًا من الأهداف المعلنة الأخرى المتمثلة في تقديم المساعدة والدعم وتوفير الاحتياجات الفعلية للبلدان؛ إذ إنه ومن بين الدول المستفيدة من اللقاحات الصينية في 2022 والبالغ عددها 72، توجد 70 دولة شريكة معها في مبادرة الحزام والطريق، وهو أحد أكبر وأهم مشاريع البنى التحتية العالمية، والتي تهدف إلى تطوير فرص استثمارية جديدة وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، فضلًا عن تحقيق هدف زيادة النفوذ الصيني(45).
وبناء على ما سبق، فإن العديد من دول العالم الرائدة في إنتاج وتصدير اللقاحات، وفي مقدمتها: الصين، وروسيا، والهند، وعددًا آخر من الدول بدرجة أقل، لجأت إلى توظيف هذه الآلية في تحقيق بعض أهدافها الخارجية متعددة المسارات، فضلًا عن استخدام آلية تقديم اللقاحات سلاحًا جديدًا ومبتكرًا في التنافس والصراع الدولي، وإبراز النفوذ على نطاق أوسع، ومحاولة ربط دبلوماسية اللقاحات بالقوة الناعمة والدبلوماسية الشعبية، وتلميع وتحسين صورة الدول المقدمة للقاحات، بعدِّها من الدول المبادرة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية والصحية.
وبرزت الصين بشكل لافت، عبر القيام بحملات دبلوماسية شعبية للوصول إلى هدف تحقيق “القيادة الصحية العالمية”؛ وذلك عن طريق تقديم شحنات الكمامات والتجهيزات الطبية بمختلف أنواعها والفرق والخبراء المتخصصين في المرحلة الأولى من الوباء، ومن ثم تقديم اللقاحات ومحاولة إحياء ما يُعرف “بطريق الحرير الصحي” لتعزيز قيادتها الصحية العالمية، وتقديم صورة ناصعة عن إجراءات الدولة في المجالات ذات الصلة(46)، مع العمل الجاد على تحويل مخرجات أزمة الوباء إلى فرصة جيوسياسية سانحة؛ الأمر الذي أشعر المنافسين لها في هذا الموضوع بالقلق، مستشهدين بما ورد في المقال الذي نشرته مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) للباحث في جامعة ستون هال الأميركية، يازونغ هوانغ (Yazong Huang)، بأنه “حيثما ستذهب لقاحات بيجين، سيتبعها تأثيرها”(47).
خاتمة
سعت حكومات بعض الدول الكبرى، لاسيما الصين في المقام الأول، ومن بعدها روسيا، والهند، وبشكل حثيث ومن خلال توظيف ما يُعرف بدبلوماسية اللقاحات، إلى تحقيق بعض المكاسب السياسية الواضحة وتعزيز مصالحها الدولية مختلفة المسارات: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والتأثير الفاعل في الدول، التي كانت في أمَسِّ حاجة إلى اللقاح في ظل تفشي الجائحة، فضلًا عن استخدامها أداة جذابة لإبراز القوة الناعمة. وأشار المراقبون والمحللون السياسيون إلى أن جائحة كوفيد-19 عامةً وتصنيع وتوريد اللقاحات بخاصة، استُغلَّت في المواجهة الأميركية-الصينية، وأصبحت جولة مهمة من جولاتها المتعددة في مناطق العالم المختلفة، وفي ظل هيمنة صينية واضحة على حملات التلقيح في دول عدة من أميركا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط مع تعهد الحكومة الصينية بتقديم نصف مليار جرعة من اللقاح مجانًا لأكثر من 80 دولة.
وعلى هذا الأساس، واستنادًا على ما سبق، فقد تمكنت الصين بدرجة كبيرة تليها روسيا، وعبر توظيف واضح لدبلوماسية اللقاحات وآلية تقديم اللقاحات المجانية والتعاون الدولي الخاص بهذا المجال، من تحقيق السبق والأفضلية الواضحة عن الدول الغربية أو الأخرى المنافسة، فقد استثمرت بيجين إمكاناتها في تطوير وتصنيع اللقاحات لتعزيز نفوذها في الكثير من دول العالم، لاسيما تلك التي تعاني ضعف الاهتمام الغربي بشؤونها؛ مما وفر بيئة مناسبة لها لخلق صورة إيجابية عنها، باعتبارها في مقدمة ركب الدول العالمية الكبرى المسؤولة والمهتمة بشؤون الدول الأخرى الفقيرة أو التي تمر بظروف مالية صعبة، زيادةً على تعزيز برامج القوة الناعمة الخاصة بها والاستفادة من الفرص الاقتصادية والجيوسياسية الجديدة، والدخول إلى مناطق نفوذ واهتمام الدول المنافسة لها.
وهكذا، تحولت دبلوماسية اللقاحات وعمليات تجهيز اللقاحات التي انتهجتها الصين وبعض الدول الأخرى بدرجة أقل، إلى أداة فاعلة لتحقيق الأهداف والنفوذ والتأثير في الدول الأخرى، فضلًا عن كونها من أدوات القوة الناعمة المؤثرة في تنامي المكانة والدور في النظام العالمي. ولقد حاولت الصين، وعبر التوازن بين حملات التطعيم المحلية والترويج لنفسها ولإنتاجها من اللقاحات خارجيًّا، زيادة تأثيرها الجيوسياسي الإيجابي والنهوض بمكانتها على الصعيد العالمي وتعزيز علاقاتها الدولية.
المراجع
(1) للاستزادة انظر: الحاج محمد الناسك، “جائحة كوفيد-19 ترج العالم”، مجلة لباب للدراسات الإستراتيجية والإعلامية (مركز الجزيرة للدراسات، قطر، العدد 7، 2020)، ص 215-233.
(2) Peter J. Hotez, “Vaccine Diplomacy”: Historical Perspectives and Future Directions, Polos Neglected Tropical Diseases, June 26, 2014, “accessed January 10, 2022”. http://surl.li/cqgjp.
(3) Seow Ting Lee, “Vaccine diplomacy: nation branding and China’s COVID-19 soft power play,” Place Branding and Public Diplomacy, 6 July 2021,” accessed January 12, 2022”. http://surl.li/cqgjv.
(4) Hotez, “Vaccine Diplomacy”.
(5) Michael Jennings, “Vaccine diplomacy: how some countries are using COVID to enhance their soft power,” The Conversation, February 22, 2021, “accessed February 1, 2022”. http://surl.li/cqgkf.
(6) Ibid.
(7) Hotez, “Vaccine Diplomacy,”.
(8) Ibid
(9) McKenzie Howell, “Dwindling Doses: Vaccine Diplomacy in Africa,” The Borgen project, June 27, 2021, “accessed February 13, 2022”. http://surl.li/cqgla. (10) Lee, “Vaccine diplomacy,”.
(11) Anthony Fauci, “The expanding global health agenda: a welcome development,” Nature Medicine 13, (2007): 1169–1171, “accessed January 20, 2022”. http://surl.li/cqgmp.
(12) Cobus Van Staden and Yu-Shan Wu, “Vaccine Diplomacy and Beyond: New Trends in Chinese Image-Building in Africa,” South African Institute of International Affairs, (June 2021), “accessed January 20, 2022”. https://bit.ly/3KiXhNZ.
(13) Lee, “Vaccine diplomacy,”.
(14) Sam McNeil, “China aims to make 1 billion COVID-19 vaccine doses a year,” AP, September 25, 2020, “accessed February 22, 2022”. http://surl.li/cqgmu.
وكذلك: محمد أحمد يوسف، “اللقاح الصيني: كل ما تحتاج أن تعرفه عن لقاح سينوفارم”، موقع إضاءات، 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2022)،http://surl.li/cqgmy .
(15) Helen Davidson, “China approves Sinopharm Covid-19 vaccine for general use,” The Guardian, 31 December 2020, “accessed January 30, 2022”. http://surl.li/cqgnj.
(16) “إنتاج الصين من لقاحات كورونا سيصل إلى 3 مليارات نهاية العام”، CNBC عربية، 10 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2022)، https://cutt.ly/FPzILk7.
(17) Rizwan Ali, “The Sagacity of China’s Vaccine Diplomacy,” Modern diplomacy, May 20, 2021, “accessed January 28, 2022”. http://surl.li/cqgno.
(18) James Palmer, “China’s Vaccine Diplomacy Has Mixed Results Concerns about the efficacy of Sinovac and Sinopharm has dented their reputation, even among allies of Beijing,” Foreign Policy, April 7, 2021, “accessed February 1, 2022”. http://surl.li/cqgns.
(19) Eckart Woertz, “Roie Yellinek, Vaccine diplomacy in the MENA region,” Middle East Institute, April 14, 2021, “accessed January 11, 2022”. http://surl.li/cqgnv.
(20) Ibid.
(21) Michael Safi, “Vaccine diplomacy: west falling behind in race for influence,” The Guardian, 19 February 2021, “accessed February 23, 2022”. http://surl.li/cqgoa.
(22) Ibid.
(23) Luisa Chainferber, “Vaccine Diplomacy: Who is Leading the Race?, International policy digest,” May 8, 2021, “accessed January 15, 2022”. http://surl.li/cqgof.
(24) عادل علي، “السياسة الخارجية الصينية في عام 2020.. بين الثابت والمتغير”، منتدى التعاون الصيني العربي، 2020، (تاريخ الدخول: 30 يناير/كانون الثاني 2022)، http://surl.li/cqgok.
(25) Van Staden and Wu, “Vaccine Diplomacy and Beyond,”.
(26) علي، “السياسة الخارجية الصينية في عام 2020″، مرجع سابق.
(27) John Campbell, “Vaccine Diplomacy: China and SinoPharm in Africa, Council Foreign relation, January 6, 2021, “accessed 25 January, 2022”. http://surl.li/cqgos.
(28) Lee, “Vaccine diplomacy,”.
(29) “China’s ‘vaccine diplomacy’: A global charm offensive,” France 24, December 10, 2020, “accessed February 15, 2022”. http://surl.li/cqgox.
(30) David Ellwood, “Vaccine Diplomacy: a New Chapter in the Story of Soft Power,” USC Center on Public Diplomacy, March 17, 2021, accessed February 15, 2022. http://surl.li/cqgpb.
(31) Michael Leigh, “Vaccine diplomacy: soft power lessons from China and Russia?,” Global Economy and Trade, April 27, 2021, “accessed February 20, 2022”. http://surl.li/cqgpk.
(32) Swati Prabhu, “Vaccine Maitri: Friendship gone wrong?,” Observer Research Foundation, May 4, 2021, “accessed February 24, 2022”. http://surl.li/cqgpo.
(33) Fact Sheet, “Biden-Harris Administration Announces Allocation Plan for 55 Million Doses to be Shared Globally,” The White House, June 21, 2021, “accessed February 22, 2022”. https://bit.ly/3P0HGDu.
(34) صدفة محمد محمود، “توظيف القوى الكبرى دبلوماسية اللقاح.. الدوافع وحدود الفاعلية”، تريندز للبحوث والاستشارات، 31 أغسطس/آب 2021، (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2022)، https://cutt.ly/DPmYfWe.
(35) Peter J Hotez, “Immunizations and vaccines: a decade of successes and reversals, and a call for ‘vaccine diplomacy’، International Health, Vol. 11, Issue 5, (September 2019), “accessed February 22, 2022”. https://doi.org/10.1093/inthealth/ihz024.
)36) Lee, Vaccine diplomacy,”.
(37) نديم قطيش، “هل أخذت اللقاح الصيني؟”، الشرق الأوسط، العدد 15505، 11 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 29 يناير/كانون الثاني 2022)، https://cutt.ly/qPmg7GE.
(38) المرجع السابق.
(39)Whitney Eulich, “Latin America asked for pandemic help. Russia and China heard the call,” The Christian Science Monitor, April 2, 2021, “accessed January 25, 2022”. https://bit.ly/3decX8y.
(40) “Vaccine diplomacy boosts Russia’s and China’s global standing,” The Economist, 29 April 2021, “accessed January 27, 2022. https://econ.st/3zLPnbc.
(41) “Chinese FM calls for stronger vaccine support for developing countries,” China.org.cn, February 27, 2022, “accessed February 27, 2022″. https://on.china.cn/3Q9S6lo.
(42) Chainferber, “Vaccine Diplomacy: Who is Leading the Race,”.
(43) Simon Anholt and Keith Dinnie. “Nation branding: Concepts”, issues, practice, (2008): 22-23.
(44) Global Soft Power Index, 2020. China in Top 10, “accessed February 27, 2022″. https://bit.ly/3d8lVEt.
(45) Howell, “Dwindling Doses,”.
(46) محمود، “توظيف القوى الكبرى دبلوماسية اللقاح”، مرجع سابق.
(47) Yanzhong Huang, “Vaccine diplomacy is paying off for China,” Foreign Affairs, March 11 2021, “accessed February 27, 2022″. https://fam.ag/3QtlwL4.