عقد مركز الجزيرة للدراسات في الربع الأخير من العام 2019 ثلاث فعاليات بحثية تناولت موضوعات وقضايا مهمة ومؤثرة في المشهد السياسي العربي الراهن.
كانت الفعالية البحثية الأولى عن سد النهضة والأزمة التي تسبَّب فيها بين مصر وإثيوبيا. وركزت الندوة على معرفة المخاطر الحقيقية لهذا السد وانعكاساتها على مصر وما إن كان في الأمر مبالغة وتوظيف سياسي أم لا. كما اهتمت الندوة بمعرفة المنافع الاقتصادية التي ستعود على إثيوبيا والسودان من ورائه. وتساءلت إن كان ثمة أفق لحل الأزمة عبر التفاوض أم أن الأمور يمكن أن تتعقد وتطور وتصل إلى حد الحرب. وشارك في الندوة التي انعقدت في العاصمة القطرية، الدوحة، بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، باحثون وخبراء ودبلوماسيون من مصر وإثيوبيا والسودان.
الفعالية الثانية خصَّصها مركز الجزيرة للدراسات لتحليل ما سُمي بـ”الموجة الثانية من الربيع العربي”، ويقصد بها الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق التي تشهدها الجزائر ولبنان والعراق حاليًّا، وعرفها السودان قبل بضعة أشهر. فخصَّص المركز ندوة حوارية لرصد وتحليل أسباب وأبعاد هذا الحراك وتداعياته، من خلال الإجابة عن الحقل الاستفهامي الآتي: ما أوجه الشبه ونواحي الاختلاف بين موجتي الربيع العربي؛ الموجة الراهنة وتلك التي حدثت في نهاية العام 2010 وأوائل 2011؟ وهل إذا تشابهت البواعث واتحدت الأهداف وتماثلت المطالب والشعارات من الضروري أن تكون المآلات واحدة؟ وإلى أي حدٍّ استفاد المحتجون حاليًّا مما حدث في احتجاجات مماثلة قبل ثمانية أعوام حينما خرجت الجماهير في شوارع تونس والقاهرة وطرابلس ودمشق وصنعاء تطالب بذات المطالب؟
وقد انعقدت الندوة في العاصمة القطرية، الدوحة، بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين.
أما الفعالية الثالثة فتناولت الأزمة المالية التي تعانيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة “الأونروا”، والحلول المقترحة لتجاوز هذه الأزمة، حتى تستمر في القيام بدورها خدمة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني يستفيدون مما تقدمه. وقد أقام المركز هذه الفعالية في العاصمة البريطانية، لندن، بالشراكة مع مركز العودة الفلسطيني والمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بجامعة إكستر البريطانية، بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. ويسلط التقرير الضوء على أبرز الأفكار التي طُرحت والآراء التي تداولها المشاركون، وفق تقاليد “تشاتام هاوس” التي تُعنى بما خلص إليه النقاش دون نسبة رأي بعينه إلى أحد المتحدثين.
إشكالات سد النهضة الإثيوبي والخيارات المطروحة
الموضوع الأول الذي حظي باهتمام المركز وأفرد له ندوة حوارية خاصة هو تلك الأزمة الناشبة بين مصر وإثيوبيا على خلفية بناء الأخيرة لسد النهضة، ومخاوف مصر من أن يؤثر هذا السد على أمنها المائي. وقد انعقدت هذه الندوة تحت عنوان “إشكالات سد النهضة والخيارات المطروحة” في العاصمة القطرية، الدوحة، بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وشارك فيها: عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، وبدر حسن شافعي، الخبير في الشأن الإفريقي، وعبد الفتاح فايد، محرر الشؤون المصرية في قناة الجزيرة، ومحمود درير، المستشار بوزارة الخارجية الإثيوبية والمكلف بملف التفاوض مع مصر فيما يتعلق بسد النهضة.
وكان أبرز ما تصدَّت الندوة للإجابة عليه من أسئلة هو: ما فائدة هذا السد بالنسبة لإثيوبيا والسودان؟ وإلى أي حدٍّ يمثُّل تهديدًا للأمن المائي المصري؟ وماذا عن المفاوضات الجارية؟ أين عقدة الخلاف تحديدًا؟ وما التوقعات بشأن مآلات الأمور سواء نجح التفاوض أم فشل؟
إن السد أوشك بناؤه على الانتهاء، وإن الحديث لم يعد عن البناء من عدمه وإنما عن إجراءات التشغيل وفترة لملء الخزَّان، والأولى لمصر وإثيوبيا التفكير في أساليب عملية تقلِّل الأضرار المحتملة، وتحقق المنافع المرجوَّة.
وفيما يبدو، فإن مخاوف مصر من بناء هذا السد مبالغ فيها وربما تم تضخيمها لأسباب خاصة بنظام الحكم، ذلك لأن الاتفاق بين أديس أبابا والقاهرة يقضي بأنه في حال ما إذا كان ثمة “سنوات عجاف” يقلُّ فيها المطر فإن إثيوبيا ستطيل فترة ملء الخزان كي لا يطول الضرر مصر، أما إذا كان المطر غزيرًا وماء الفيضان وفيرًا فسيتم ملء الخزان في فترة وجيزة تسريعًا للعوائد والفوائد المرجوة من السد بالنسبة للجانبين، الإثيوبي والسوداني.
وبناء على ذلك، فإن الفوائد المنتظرة بالنسبة للسودان من بناء السد أن تحصل الخرطوم بعد تشغيل سد النهضة على طاقة كهربائية بأسعار جيدة، فضلًا عن أنَّ تنظيم فيضان النيل عقب اكتمال بناء السد من شأنه أن يحول دون وصول هذا الكمِّ الكبير من الطمي الذي يسد القنوات والمصارف والترع ويحتاج إلى جهد ومال لتطهيرها منه، إضافة إلى إنقاذ عشرات وربما مئات القرى من مياه الفيضان التي تدمر الزرع وتهلك الماشية وتأخذ في طريقها بيوت الفلاحين الواقعة بالقرب من مجرى النهر. لهذا، فإن السد يمثِّل بالنسبة للسودان نفعًا بعكس الحال بالنسبة للجانب المصري.
فإذا كان الأمر كذلك، وإذا علمنا أن السودان لا يستهلك حصته كلها من مياه النيل التي حددتها له اتفاقية عام 1955، ويمنح مصر فائضًا منها كل عام يقدر بـ18 مليار متر مكعب، وستكون القاهرة في أمسِّ الحاجة إلى هذه الكمية عقب بناء السد، فمن مصلحة مصر أن تحسِّن علاقاتها مع الخرطوم وأن تحل المشكلات العالقة بينهما مثل مشكلة حلايب وشلاتين، وأن تدعم الانتقال الديمقراطي في هذا البلد وألا تقف في صف العسكر على حساب رغبة المدنيين في تأسيس نظام مدني ديمقراطي تعددي يرون فيه مصلحة بلادهم.
إن الخلاف الناشب بين مصر وإثيوبيا بخصوص سد النهضة ليس مبرءًا من التوظيف السياسي حيث ينفخ فيه أحيانًا نظاما الحكم في البلدين لأسبابهما الداخلية الخاصة، غير أن المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية ربما تُليِّن المواقف المتصلبة وتمنح المفاوضات فرصة للتوصل إلى حلٍّ، خاصة أن الحلول الأخرى -كالحل العسكري- أمر مستبعد في ظل الظرف الإقليمي والدولي الراهن.
موجتان من الربيع العربي من منظور مقارن
دروس الماضي وآفاق المستقبل
شهدت عدة بلدان عربية في الأشهر الأخيرة من 2018 وخلال العام 2019، انطلاق عدد من الحراكات الشعبية المعارضة للأنظمة الحاكمة. بدأ الحراك الشعبي في السودان، في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، واستمر طوال الشهور الثمانية الأولى من 2019. وانطلقت أيضًا احتجاجات شعبية في الجزائر، في 22 فبراير/شباط 2019، ولا تزال مستمرة بوتيرة عالية. وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019، اندلع حراك شعبي كبير في العاصمة العراقية، بغداد، سرعان ما انتشر في معظم محافظات الوسط والجنوب. ولم تلبث انتفاضة شعبية لبنانية أن انطلقت، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2019، واتخذت من العاصمة اللبنانية بيروت مركزًا لها، وامتدت إلى طرابلس وصيدا وعدة مدن لبنانية أخرى. وكانت مصر شهدت بوادر تململ شعبي في سبتمبر/أيلول 2019، سرعان ما أُخمد بإجراءات قمعية واسعة النطاق.
فما القاسم المشترك بين هذه الاحتجاجات الشعبية: هل هي بواعث الغضب والرغبة في التغيير؟ وإذا كان الأمر كذلك فإلى أي حدٍّ استفاد المحتجون حاليًّا مما حدث في احتجاجات مماثلة قبل ثمانية أعوام حينما خرجت الجماهير في شوارع تونس والقاهرة وطرابلس ودمشق وصنعاء تطالب بذات المطالب؟ وهل بالضرورة ستكون المآلات متشابهة؛ نجاح نسبي هنا وفشل هناك، أم سنشهد هذه المرَّة نتائج مختلفة؟
مثَّلت هذه الأسئلة محاور ندوة حوارية نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات، في قطر، بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بالتعاون مع منتدى العلاقات العربية والدولية وقناة الجزيرة مباشر، شارك فيها: محمد الأحمري، مدير منتدى العلاقات العربية والدولية، وسعود المولى، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، والتيجاني عبد القادر، أستاذ الفكر السياسي بجامعة قطر، وعز الدين عبد المولى، مدير إدارة البحوث في مركز الجزيرة للدراسات، والحواس تقية، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، ومن العراق، عبر القمر الصناعي، فاضل البدراني، أستاذ الإعلام الدولي في الجامعة العراقية.
وخلص المشاركون في تلك الندوة إلى أن دوافع الحراك الجماهيري تكاد تكون واحدة، وتتمثَّل في: البحث عن نظام سياسي جديد لا يستأثر بالسلطة ولا بالثروة، وليس متورطًا في قضايا فساد ونهب للمال العام، ولديه الكفاءة والقدرة على استثمار الموارد الطبيعية والبشرية، ويتمتع في الوقت نفسه باستقلالية قراره السياسي والابتعاد عن سياسة المحاور التي تخدم في المقام الأول أجندات إقليمية ودولية تتصارع في المنطقة.
غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، فدون تغيير الأنظمة -المرتبطة بالدولة العميقة- تحديات عدة وصعاب جمة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، وما لم يتعامل المحتجون مع هذه التحديات ويجتازوا تلك العقبات فإن حصيلة الاستثمار السياسي لاحتجاجاتهم ستكون ضعيفة، وقد تنقلب عليهم ويُنكَّل بهم.
فعلى المستوى الداخلي، لا تزال الموجة الثانية من الربيع العربي -كنظيرتها الأولى- تفتقد إلى تيار وطنيٍّ جامعٍ يتفق على شكل وطبيعة الدولة، وأسس ومرتكزات المرحلة الانتقالية، وليس ثمة رؤية لدى المحتجين للتعامل مع الدولة العميقة، لاسيما المؤسسة العسكرية والأمنية، وأذرعها الممتدة في الإعلام والقضاء، فضلًا عن جماعات المصالح من رجال المال والأعمال.
ولا يزال الشارع المحتجُّ يفتقد القيادة التي يُمكنها، في الوقت المناسب، أن تفاوض النظام، وتصل معه إلى تفاهمات تحقق مطالب المحتجين من جهة وتحافظ في الوقت نفسه على سلمية التظاهرات وحتى لا تنزلق نحو العنف من جهة ثانية.. فهذا كله لم تتضح معالمه بعد.
أما على مستوى التحديات الخارجية التي تعترض الموجة الثانية للربيع العربي فهي لا تقل خطورة، وبإمكانها -إذا لم يتحسب المحتجون لها ويتعاملوا معها بحصافة وكفاءة- أن تُفْشِل مسعاهم في تغيير النظام. فثمة دول إقليمية وقوى دولية، فاعلة ومؤثرة، تمتلك الإمكانات والأدوات، لا تريد لرياح الديمقراطية أن تهبَّ على العالم العربي، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة، للحيلولة دون إحداث التغيير، وتنظر للحراك الجماهيري على أنه فوضى تضرُّ بمصالحها ومن الواجب إجهاضه بشتى الوسائل والحيل.
ورغم هذه التحديات، داخليًّا وخارجيًّا، فإن المؤكد أن العالم العربي يتغير، وأن ما كان مستقرًّا منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى قبل مئة عام تبدَّل، وأن اللحظة التاريخية الراهنة لها ما بعدها سواء على مستوى المفاهيم والتصورات أو على مستوى الدول والمجتمعات، لا يُستثنى من ذلك بلد عربي بما فيها دول الخليج التي تبدو على السطح مستقرة وهي تمور بعوامل التغيير من الداخل، وأن الموجة الثانية من الربيع العربي ليست الأخيرة ولن تكون، بل ستتلوها موجات أخرى كثيرة، وأن المنطقة لن تشهد استقرارًا على الأقل خلال المديين، القريب والمتوسط، وسوف تستمر الاحتجاجات والتدافع بين قوى الثورة والثورة المضادة حتى تتخذ المنطقة شكلًا مستقرًّا تعيد المجتمعات من خلاله تأسيس الدولة الوطنية من جديد وتحلَّ أزمتها التي صاحبتها منذ لحظة الميلاد الأولى.
الأونروا في الذكرى السبعين لإنشائها
التحديات وآفاق المستقبل
ومن أزمة سد النهضة لأزمة أخرى تعيشها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة “الأونروا”، والتي خصص المركز فعاليته الثالثة عنها بمناسبة مرور سبعين عامًا على إنشائها، وذلك بتنظيم مؤتمر أكاديمي في قاعة المكتبة البريطانية بالعاصمة، لندن، بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بالشراكة مع مركز العودة الفلسطيني والمركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بجامعة إكستر البريطانية، قُدَّمت فيه على مدار يوم واحد، وخلال أربع جلسات، أوراق بحثية ناقشت واقع وتحديات “الأونروا”، في ظل أزمتها المالية المتفاقمة، والضغوط الأميركية المتواصلة عليها لمنع تجديد ولايتها.
وقد حضر المؤتمر شخصيات بارزة ذات اطلاع على واقع “الأونروا” واللاجئين الفلسطينيين، ومن أبرزهم: مايكل لينك، مقرر الأمم المتحدة الخاص بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وكارين أبو زيد، المفوض العام السابق لـ”الأونروا”، ورايتشل إيفرز، مديرة الشؤون القانونية في “الأونروا” والممثلة الرسمية للوكالة في المؤتمر، إضافة إلى السفير الفلسطيني في بريطانيا، حسام زملط.
وخلص المؤتمر إلى أن استمرار وجود “الأونروا” مرتبط بتوفير احتياجات اللاجئين الفلسطينيين الأساسية، وأن هذه الاحتياجات لا تزال قائمة إلى اليوم نتيجة لعدم وجود حلٍّ سياسي لمحنتهم، وأن المزاعم الأميركية بأن “الأونروا” تطيل مشكلة اللاجئين غير دقيقة، بل إن هذه الاحتياجات تتعاظم نظرًا لزيادة أعداد اللاجئين عامًا بعد آخر، فهذه الوكالة تقدِّم خدماتها المختلفة لأزيد من 5 ملايين لاجئ فلسطيني موزعين داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، وإنها لا تزال الضامن الرئيسي لبقائهم والرمز الأهم لالتزام المجتمع الدولي تجاههم، ومن المفترض أن تبقى تمارس دورها إلى أن يتم هذا الحل العادل والدائم لتلك المشكلة في إطار حقوق الإنسان والقانون الدولي.
إن دعم وكلة “الأونروا” واستمرار عملها لا يعتبر إحسانًا من المجتمع الدولي للفلسطينيين، بل هو حقٌّ مشروع لهم. لذلك، فإن قطع خدمات الوكالة أو تقليصها يُعدُّ انتهاكًا لحقوق الفلسطينيين. ذلك لأن المخيمات، وبعد مرور هذه العقود الطويلة من الزمن، أصبحت في مخيلة الإنسان الفلسطيني جزءًا من الوطن وإن المنازل المقامة عليها سترفق بالدولة الفلسطينية بمجرد انتهاء الاحتلال.
ثمة سياسات إسرائيلية معروفة تمارسها الدولة العبرية بغرض تشريد الفلسطينيين وحرمانهم من حقهم في العودة إلى ديارهم وأماكنهم الأصلية. لهذا، فإن وجود “الأونروا” وعملها بكفاءة يخفف من تداعيات هذه السياسة وأثرها السلبي على حياة الفلسطينيين ومعاشهم.
وتتعرض الوكالة حاليًّا لضغوط وتمارس ضدها سياسات تقلِّل من عملها في الوقت الذي تتعرض فيه مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في أماكن الحروب والنزاع، مثل تلك الموجودة في سوريا، إلى أوضاع غاية في السوء، وهذا يستدعي توسيع “الأونروا” لخريطتها الجغرافية لتشمل اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في تركيا ومصر وجهات أخرى، لا تقليص هذه المساحة وتقليل النفقات وحشر الوكالة في زاوية الأزمات المالية المتكررة.
كانت الولايات المتحدة الأميركية تقدِّم التزاماتها المالية تجاه هذه الوكالة إلى عهد الرئيس الحالي، دونالد ترامب، والذي منذ تقلده منصبه أصبح ينظر إلى الوكالة من منظور اقتصادي بحت وحوَّل المسألة من الإطار السياسي إلى كونها شأنًا اقتصاديًّا. وإن انتقادات إدارة ترامب المستمرة ضد “الأونروا” وسياسته تجاه القضية الفلسطينية عمومًا تهدف إلى توفير حلٍّ مبتسرٍ يتجاهل حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
لقد كان تصويت 170 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2019، لصالح مشروع قرار لتجديد ولاية “الأونروا” لثلاث سنوات جديدة، حدثًا مهمًّا، على الرغم من الحملات التي شنَّتها الولايات المتحدة وإسرائيل لإلغاء ولاية الوكالة، لأنه بمنزلة رفض لا لبس فيه للحملة الإسرائيلية للقضاء على وجود “الأونروا” وإلغاء الحقوق غير القابلة للتصرف للاجئين الفلسطينيين، وأبرزها حق العودة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي يؤكد على حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وتلقي التعويض، وهو القرار الذي أعادت الوكالة الدولية تأكيده 135 مرة في سابقة لم تحدث مع أي قرار صادر عنها من قبل.