تتتبَّع الدراسة مراحل انتقال الدبلوماسية من الأشكال التقليدية إلى الرقمية في ظل عصر رقمي وكون افتراضي شبكي ضمن مقاربات لنماذج الاتصال وإسقاطها على الدبلوماسية الرقمية. وتُبرِز الدراسة أيضًا تأثيرات فيسبوك وتويتر على بنى وهياكل العلاقات الدولية، وتكشف خصوصية توظيف هذا النوع من الدبلوماسية الجديدة وتحدياته، وحيرة الاختيار بين إكراهات أجهزة “الآيباد” والمألوف من أوراق الاعتماد.

كلمات مفتاحية: الدبلوماسية الرقمية، العصر الرقمي، الكون الافتراضي، تويتر.

This study aims to follow the transition of diplomacy from traditional forms to digital in a digital age, in a complex virtual universe within approaches of communication models, and its projection to digital diplomacy.The effects of Facebook and Twitter on the structures of international relations. The conclusion includes the advantages and challenges of employing this kind of new diplomacy, and the confusing choice between iPads or letter of credence.

Keywords: Digital Diplomacy, Digital Age, Virtual Universe, Twitter.

مقدمة

شهد العالم في العشرية الأخيرة من القرن العشرين تغيرات جوهرية مَسَّت بنية ونمط العلاقات الدولية على مستويات مختلفة، سياسية واقتصادية وثقافية. هذه التغيرات تركت بصمات بارزة، واستدعت مقاربات جديدة لإيجاد حلول لظواهر لم تكن موجودة من قبل. ولعل التطور التكنولوجي وبروز وسائط التواصل الاجتماعي كان لهما الأثر البالغ في نسيج المشهد الجديد للعلاقات الدولية، وتأثيرهما على الدبلوماسية كأداة لتنفيذ السياسة الخارجية التي تروم تجسيد المصالح الوطنية.

لقد أنتجت ثورة الإعلام الرقمي، وبروز الفضاء الأزرق، منصات رقمية غَدَت جهازًا عصبيًّا يرتكز عليه المجتمع الدولي، وتتفاعل عبره الوحدات الفاعلة فيه، سواء الرسمية منها أو غير الرسمية. هذه التغيرات على المستوى الأفقي، فرضت تغيرًا على المستوى العمودي، أي التفاعل بين المجتمعين، السياسي والمدني، ورسَّخت لدى العديد من صانعي القرار أهمية هذه الوسائط الجديدة في صنع السياسات، فبرزت الدبلوماسية الرقمية.

إن التجاذبات الجيوسياسية بين مختلف الفاعلين على الساحة الدولية هدفها بناء مجالات حيوية ومناطق نفوذ. وأضحت آلية الدبلوماسية الرقمية مخرجًا لترويج الرؤى، وتقويض مقاربات الدول في قضايا الصراع حول المصالح المتنافس عليها، ما دفع بدول إلى تشجيع مصالحها الدبلوماسية على توظيف وسائط التواصل الاجتماعي كجزء محوري في نشاطاتها، واعتبارها أداة إيجابية لتعزيز مصالحها.

  1. الإجراءات المنهجية للدراسة

أ- المشكلة البحثية

تحاول الدراسة استكشاف عوامل انتقال مراكز الثقل في الممارسة الدبلوماسية من السفارات إلى المنصات الرقمية، وتآكل احتكار الدبلوماسيين للمعلومات في ظل التطور التكنولوجي والشفافية في المعطيات، التي أَسَّست لها الرقمنة ووسائط التواصل الاجتماعي. وتبحث الدراسة سؤالًا إشكاليًّا في صيرورة الدبلوماسية: لماذا الانتقال نحو الدبلوماسية الرقمية؟ وما تأثيرات هذه الوسائط على العلاقات الدولية؟

ب- أهمية البحث

تُميِّز الدراسة بين نوعين من الأهداف:

أولًا: الأهداف العملية

– دراسة أهمية وسائط التواصل الاجتماعي في تفاعل الدبلوماسيين، وتوظيفها للتأثير في سياسات الدول.

– التعرف على دور الرقمنة في صنع السياسة الخارجية وفق القوة الذكية.

– التنويه لأهمية فتح ورشات جديدة تتعلق بالدبلوماسية الرقمية، وتنبيه صانع القرار لأهمية استخدام وسائط التواصل الاجتماعي في العصر الرقمي.

ثانيًا: الأهداف العلمية

– أداء الوظيفة التراكمية في ميدان البحث العلمي من خلال نتائج الدراسة وإضافاتها.

– إثراء المكتبة العربية لندرة الدراسات في هذا الحقل باللغة العربية.

ج- منهج الدراسة

اعتمدت الدراسة المنهج المقارن والمنهج الوصفي التحليلي للإجابة على السؤال الإشكالي بشأن أسباب ودوافع الانتقال نحو الدبلوماسية الرقمية وسياقات هذا التحول. كما اعتمدت جهازًا مفاهيميًّا مُؤَسِّسًا لمرجعيتها التحليلية انطلاقًا من الظاهرة المدروسة، والبحث في حدود هذه المفاهيم وعلاقاتها الارتباطية، مثل: الدبلوماسية التقليدية، والدبلوماسية الرقمية، والتطور التكنولوجي ووسائط التواصل.

ولا تركز الدراسة في تحليل الظاهرة وأبعادها على رقعة جغرافية معينة، وإنما تهتم بالدول الأكثر توظيفًا لهذا النوع من الدبلوماسية الرقمية.

  1. الدبلوماسية التقليدية: الخلفية التاريخية وحتمية الانتقال الرقمي

1.2. الدبلوماسية التقليدية وهواجس الاستقرار الدولي 

الدبلوماسية كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية “دبلوما”، وتعني الورقة التي تُطْوى لتُخْفِي الأسرار. فغدا مصطلح الدبلوماسية يعني إخفاء الأسرار. فهي بالمعنى التقليدي، فِعْلُ المفاوضات لحلِّ الصراعات وإدارة العلاقات الدولية بالأساليب السلمية(1). ويُعرِّف الدبلوماسي البريطاني، هارولد نيكولسون (Harold Nicholson)(2)، الدبلوماسية بإدارة العلاقات الدولية عن طريق التفاوض، أو هي الطريقة التي يتم بها تعديل هذه العلاقات من قِبَل السفراء والمبعوثين. كانت الدبلوماسية التقليدية -ولا تزال- تُمارَس بشكل نشيط في أوقات السلم والحرب، وتروم تقريب وجهات النظر بين الدول وإيجاد صيغ للحلول المناسبة.

لذلك، فإن الدبلوماسية هي وسيلة وأداة للتفاوض(3)، وفن التعامل مع القضايا الثنائية والدولية، والتفاوض لتحقيق الأهداف المشتركة. وتهدف إلى إقناع أطراف معينة بالجلوس إلى مائدة التفاوض، وهي فن إدارة العلاقات الدولية بأساليب الحوار والتفاوض، ولغة الحوار والنقاش والإقناع والعقل الهادئ، لا الحرب والصراع.

حققت الدبلوماسية التقليدية العديد من الإيجابيات للمجتمع الدولي؛ حيث جنَّبته الصدامات والحروب، وعزَّزت التبادل التجاري. هذه المهام النبيلة للدبلوماسية، اضطلع بها الممثلون الدبلوماسيون، وأَطَّرَتها السفارات والقنصليات عبر مكاتبها المختلفة، وتقديمها لتقارير دورية يوظفها صانع القرار في بناء السياسة الخارجية المرجوة. فتكون هذه التقارير أحيانًا مدعاةً لتقوية العلاقات، وأَحيانًا أخرى مجالًا لإعادة النظر في اختلالات قد تؤدي إلى انسداد في العلاقات وانقطاعها.

إن الدبلوماسية اليوم، لم تعد تُسْتَخْدَم فقط لإدارة العلاقات الثنائية، بل مجالًا للدخول في حوار حول قضايا جديدة، كالاحتباس الحراري، والهجرة غير الشرعية، والإرهاب الدولي، وتقديم تنازلات والتوصل إلى اتفاقيات تخدم الصالح العام. عادة ما صَنَّفَ المواطنون الدبلوماسيين وفق الصورة النمطية التي تُقدِّمهم أشخاصًا يرتدون ملابس أنيقة(4)، ويحتكرون معلومات في غاية السرية، واعتبار الدبلوماسي رسولًا يمثِّل مصالح دولته. وغدت الدبلوماسية مجالًا رسميًّا وسريًّا بدلًا من الدوائر العامة الموسعة.

لقد كانت مهام الدبلوماسيين في الماضي جسيمة، ويستدعي وصولهم إلى البلد الـمُعَيَّنُين فيه التكيُّف غير اليسير، واتخاذ القرارات الناجعة دون الرجوع إلى حكوماتهم للحصول على المشورة المباشرة، وهو ما منحهم مجالات واسعة للتحرك والمناورة، ومثَّلوا مصدرًا حقيقيًّا للمعطيات لما يتطلبه ذلك من ذكاء في الترويج لمصالح البلاد، وتزويد الحكومات المركزية بمعلومات يصعب الحصول عليها آليًّا. كما زادت قناعة الدول بأن قوتها على المسرح الدولي يدعمها العدد الكبير من السفارات المنتشرة هنا وهناك، وهي نفس المقاربة التي تبنَّتها المنظمات الدولية.

2.2. الدبلوماسية التقليدية وحتمية تغيير المفهوم

مع انهيار الاتحاد السوفيتي وبروز العولمة والتطور التكنولوجي، بدأت ملامح التغير تظهر على ميكانيزمات العلاقات الدولية، ومنها الدبلوماسية التقليدية. فالدبلوماسية، كشكل من أشكال العلاقات بين الدول، أخذت معاني مختلفة على مَرِّ السنين، وتغيَّر مفهومها(5). فقد كان يُطلب في البداية من الدبلوماسيين كطبقة ازدراء السياسة، والتعامل مع السياسة الخارجية كعالم محكم يُتْرَكُ للمختصين والمهنيين فقط دون غيرهم. لكن اليوم، مع التطور في ميدان الاتصالات، انتقل مفهومها من السرية إلى الانفتاح، وانخفض أيضًا مستوى العمل الدبلوماسي للسفراء ليفسح المجال أمام دبلوماسية القِمَم(6)، وحتمية التحول نحو الدبلوماسية العامة ثم الرقمية.

لم تعد السياسة الخارجية اليوم تخضع للطبقات السياسية وحدها في ظل انتشار واسع للمعلومات عبر القنوات المختلفة، ووصولها إلى المواطنين بكل حرية، بل أصبح هؤلاء أنفسهم مصدرًا للمعطيات، ومنبعَ إلهامٍ في صناعة السياسات. وقد شكَّلت صورة الطفل السوري “إيلان” الذي لفظته شواطئ المتوسط قتيلًا، وتداولتها العديد من وسائل الاعلام، دليلًا على فشل الجانب الإنساني في العلاقات الدولية.

إن صناعة القرار في الماضي كان أبطالها النخب التي تتمتع بالسلطة. أما اليوم، فهناك نظام عالمي لتكوين الرأي العام يصعب السيطرة عليه بالوسائل التقليدية، يسهم في تشكيل الهويات وتسويق صورة الدول في الخارج. وانتقل العمل الخارجي للدولة من العلاقة بين النخب إلى نموذج تواصل تتحكَّم فيه تكنولوجيا الاتصال، التي كانت لها بصمات على الدبلوماسية، ويرى بارا ريوردان (Para Riordan)(7) أنها قيَّدت من حرية التصرف للدبلوماسيين. ولم تعد الدبلوماسية مطالبة بتوظيف أدوات الإنترنت لنشر الرسائل فقط، وإنما ضرورة اندماجها في الكون الرقمي بمفاصله المختلفة، والتفاعل داخل الشبكات ضمن مقاربة ثنائية الاتجاه.

3.2. الدبلوماسية العامة وتآكل السلطة وإزاحة محاور القوة

إن التطور الذي عرفه نسيج العلاقات الدولية، وظهور وحدات فاعلة على المسرح الدولي خاصة منها غير الرسمية، دفع الدول إلى انتهاج الدبلوماسية العامة، التي غدت من أهم عناصر القوة الناعمة لصنع هيبة الدول والترويج لقيمها، ما أثار اهتمام الدوائر الأكاديمية ودوائر السياسة الرسمية. وقد صمَّم هذا النوع من الدبلوماسية(8)، الدبلوماسي الأميركي المتقاعد، إدموند غوليون (Edmund Gullion)، عام 1965.

وتشكِّل الدبلوماسية العامة مجموعة متداخلة من الأنشطة، تقوم بها الدول في إدارة علاقاتها الدولية وصنع سياساتها الخارجية لتحقيق مصالحها، ويشترك مفهومها مع مصطلحات أخرى تصف الاستراتيجيات المشابهة(9). وقد اكتنف المفهومَ غموض وسوء فهم. وتوظف الدول الفاعلة هذا النوع من الدبلوماسية لإشراك المواطنين من دول أخرى في تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر التبادل الثقافي، وبرامج التعليم، والبث الدولي.

وعرَّف ستانلي هوفمان (Stanly Hoffman)(10) الدبلوماسية العامة بالطرق التي تؤثر بها الحكومات والجماعات والأفراد بشكل مباشر أو غير مباشر على الرأي العام، الذي بدوره يُؤثر على قرارات السياسة الخارجية للدول. أما إيتان جيلبو (Eytan Gilboa)(11)، فاعتبرها مقاربة تستخدم فيها الجهات الفاعلة الحكومية، وغير الحكومية، وسائل الإعلام وغيرها من قنوات الاتصال، للتأثير على الرأي العام في المجتمعات الأخرى. كما يمكن لممارسي الدبلوماسية العامة (2.0) الاتصال مباشرة مع مواطني الدول الأخرى على نطاق واسع(12)، والاستماع إلى آرائهم وإشراكهم في محادثات مباشرة وبناء علاقات معهم. وتغطي الدبلوماسية العامة(13) أبعادًا للعلاقات الدولية تتجاوز الدبلوماسية التقليدية، كصناعة رأي عام من قِبَل الحكومات مُوجَّه لبلدان أخرى، وتفاعل بين مجموعات ومصالح خاصة في بلد مع بلد آخر للتأثير على حكومات أجنبية من خلال مواطنيها عن طريق وسائل الإعلام.

ويُحدِّد لويس توماس ميلغار (Luis Tomás Melgar)(14) الدبلوماسية العامة باعتبارها مجموعة من الاستراتيجيات المطلوبة لعرض صورة بلد ما لدى الرأي العام الدولي. وقد فتح هذا النوع من الدبلوماسية الأبواب أمام لاعبين جدد في ساحة العلاقات الدولية على مواضيع غدا من الصعب على الدولة التقليدية تغطيتها بالقوة العسكرية. كما أن السياسة الخارجية لم تعد صناعتها مرتبطة بالحكومات وحدها، بل بدأ الأشخاص فرادى، وكذلك المنظمات، بالتدخل المباشر في صناعة السياسة الدولية، ووضع استراتيجيات تؤثر على السياسات العامة التي كانت حكرًا على الدولة ومؤسساتها. كما أن الشبكات غير الرسمية قلَّلت من احتكار البيروقراطية التقليدية، وتآكلت سيطرة الحكومات على الاستراتيجيات والعمليات الاتصالية.

وجعلت الدبلوماسية العامة (2.0) من الشبكات الاجتماعية ووسائط التواصل الاجتماعي أداة مهمة لمواجهة التغيرات في البيئة الدولية المعقدة، مع إزاحة محاور القوة من وزارة الخارجية إلى جهات أخرى فاعلة غير تقليدية، تضطلع بدور ريادي في الرسم الاستراتيجي للتواصل العالمي من خلال تشكيل للرأي العام، وتعزيز الحوار، وإضعاف الدولة من التحكُّم في المعلومات ووصولها للمواطنين، وصناعة محتواها.

وإذا كانت الدبلوماسية العامة تمثِّل التواصل مع الجماهير الأجنبية وخلق مناخ إيجابي لديهم لصناعة القبول، وقيام الحكومات برعاية الرأي العام في بلدان أخرى لتحقيق أهداف سياستها الخارجية، فهل مهَّدت الدبلوماسية العامة للانتقال نحو الدبلوماسية الرقمية؟

  1. الدبلوماسية الرقمية بين الواقع والمقاربات النظرية

1.3. الدبلوماســية الرقميــة: التطور التكنولوجي ومفهوم القوة الناعمة

تركت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر بصماتها بارزة على ملامح التعامل الدبلوماسي؛ إذ رفعت البواخر والسكك الحديدية من وتيرة تنقل الدبلوماسيين. ومع عشرينات وثلاثينات القرن العشرين كان لثلاث محطات تاريخية أثر بارز على الدبلوماسية، أولها(15): ظهور الراديو والاستخدام الواسع له. ثانيها: نجاح الثورة البلشفية، عام 1917، ووصول النازية إلى السلطة، عام 1933. أما الحدث الثالث: فيتمثَّل في توظيف كل من البلاشفة والنازيين للإذاعة للتواصل مع شعوب البلدان المجاورة قصد صناعة القبول لسياساتهم الخارجية التوسعية.

إن التطور التكنولوجي الذي شهده العالم بعد الحرب العالمية الثانية، والمعالجة الإلكترونية للبيانات، جعلت ساكنة المجتمع الدولي تعيش عولمة تَلَّقِّي ونقل المعلومات في ظرف زمني وجيز، كان في الماضي يتطلب أسابيع أو شهورًا. بعد نهاية الحرب الباردة، صاغ جوزيف ناي (Joseph Samuel Nye)، المتخصص في الدراسات الأمنية، مصطلح “القوة الناعمة”(16)، للإشارة إلى عناصر القوة الجديدة لنفوذ الدول، اعتمادًا على الأفكار التي تصنع الهيبة والجاذبية لدى الأمم الأخرى بالإغواء، وليس الإكراه العسكري. ويساعد على تجسيد ذلك، توظيف التكنولوجيا الحديثة، ووسائط التواصل الاجتماعي.

وقد بدأت مغامرة الدبلوماسية الرقمية كلعبة ثلاثية الأبعاد داخل الفضاء الافتراضي(17)، واعْتُبِرَت حياة ثانية دخلت فيها بعض الدول، وأقامت سفارات ضمن ما سُمِّي بـ”جزيرة الدبلوماسية”، التي تم إنشاؤها من قِبَل مؤسسة “ديبلو فاونديشن” (DiploFoundation)، المتخصصة في إعداد دبلوماسيي المستقبل، كجزء من مشروع الدبلوماسية الافتراضية.

ورصدت بعض الدراسات(18) إرهاصات الدبلوماسية الرقمية مع قمة الأرض بـ”ريو دي جانيرو”، عام 1992، حيث تبادل المجتمع المدني الدولي العديد من الرسائل الإلكترونية بشأن الأخطار البيئية التي تهدد الكرة الأرضية. وفي عام 2008، كانت الإنترنت مسؤولة عن التحاق أكثر من 80% من الشباب بالتنظيمات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة. بينما رأى بعض الدبلوماسيين أن جذورها تعود إلى مخرجات الربيع العربي عام 2011؛ حيث استخدم النشطاء وسائط التواصل الاجتماعي لبَثِّ لقطات حَيَّة عن الصدامات مع النظام ومؤسساته الأمنية والعسكرية. فبدأت هذه الوسائل تُؤْخَذ على محمل الجد، واعتُرِفَ بثقلها. أما المـَعْلَمْ البارز الذي أثار دهشة الجميع فتمثَّل في تسريبات ويكيليكس، عام 2010، ونشرها لــ250 ألف برقية دبلوماسية.

لا يبدو أن هناك اتفاقًا حول تعريف موحد للدبلوماسية الرقمية، مثل أي مصطلح جديد في العلوم الإنسانية؛ حيث يرتكز كل تعريف على السياق الذي يُسْتَخدَم فيه، فضلًا عن تعدد مقاربات الباحثين التي تركز بدورها على زوايا مختلفة، مثل: الأمن السيبراني، أو وسائط التواصل الاجتماعي، أو حكامة الإنترنت وإدارتها. ومن الأسباب التي تدعم هذا الاتجاه(19)، هو الإشارة لها من قِبَل المختصين بمصطلحات مختلفة، فتعددت تسمياتها حسب طبيعة الأنشطة في الفضاء الإلكتروني كالدبلوماسية الإلكترونية “Net-Diplomacy” و”Cyber-Diplomacy” و”E-Diplomacy” و”Twiplomacy”. لكن على الرغم من تقارب هذه المصطلحات في المعنى نسبيًّا، إلا أن كلًّا منها يشير إلى مساحة أكثر تحديدًا للموضوع، ويجب استخدامها في السياق الصحيح. فمصطلح Cyber “” يُستخدم عادة في القضايا الأمنية، أما “e” فتتعلق بقضايا الاقتصاد والتجارة، وكلمة “Twi” تشير عادة إلى “Twitter” أي دبلوماسية تويتر. غير أن المصطلــح الأكثــر شــيوعًا هو الدبلوماسية الرقمية (Digital Diplomacy) الــذي يشــير إلــى اســتخدام شــبكات التواصــل الاجتماعــي الرقميــة للتفاعــل مــع الجمهــور.

وتُسَخِّر الدبلوماسية الرقمية(20) الإنترنت وتكنولوجيا الاتصال الحديثة للتواصل مع جمهور خارجي بهدف خلق بيئة تمكين للسياسة الخارجية، وتسهيل التواصل مع “مجتمعات الإنترنت”، التي تشكِّل قوة سياسية متنامية في عملية صنع السياسة الخارجية في بلدانها. أما مؤسسة “ديبلو فاونديشن”(21)، فترى أن الدبلوماسية الرقمية تصف طرقًا وأساليب جديدة لممارسة الدبلوماسية بمساعدة الإنترنت، وتشرح تأثيرها على الممارسات الدبلوماسية المعاصرة، واستخدامها التكنولوجيا كآلية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية(22). أما المختص في الدبلوماسية الرقمية، أندرياس ساندري (Andreas Sandre)(23)، فيعتبرها مساحة تلتقي فيها التكنولوجيا والتقاليد، حيث العُقَد (Nodes) والروابط (Links)، تُعَدُّ مكونات للشبكات تتجاوز رقابة الحكومات، وتتفاعل ضمنها جميع الجهات الفاعلة. فهي لا تمثِّل مجرد ممارسة، بل تُجسِّد روحًا مستمدة من الممارسات والقيم الثقافية المرتبطة بالتكنولوجيا نفسها. وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر، أدوات مهمة في تعزيز الدبلوماسية العامة، وهو ما كشفته دراسة أجرتها شركة الاتصالات الاستراتيجية العالمية والعلاقات العامة “بيرسون مارستيلر” (Burson-Marsteller) من أن استخدام الحكومات لتويتر مكَّنها من الوصول إلى جماهير أوسع. ونستنتج من التعاريف السابقة أن متغير التكنولوجيا غدا متغيرًا مستقلًّا في معادلة الدبلوماسية الرقمية، ويصنع التمكن منه مجالًا واسعًا للفاعلية والتأثير.

2.3. الدبلوماسية الرقمية على ضوء المقاربات الاتصالية والإعلامية 

في ظل حداثة الموضوع وقلَّة المراجع العلمية فيه، فإن الأدبيات التي تناولته تشير إلى نظريتين مختلفتين. ويعتقد بعض الباحثين أن الرقمنة عزَّزت الدبلوماسية العامة، بينما يدَّعي آخرون أنها حوَّلتها بالكامل إلى شيء جديد لا علاقة له بشكلها التقليدي، وهو الدبلوماسية الرقمية.

إن اعتماد مواقع التواصل الاجتماعي من قِبَل وزارات الخارجية والبعثات الدبلوماسية، أضفى عليها اهتمامًا أكاديميًّا(24)؛ إذ قدَّمت لهذه البعثات فرصة غير مسبوقة للتواصل المباشر مع الجماهير الأجنبية حول مواضيع مختلفة. وبرزت ظواهر جديدة، وقُدِّمَت منح دراسية للبحث في هذا الحقل الجديد. فلجأت بعثات الولايات المتحدة الأميركية في الخارج إلى استخدام شبكات التواصل بهدف تعزيز الذات والتأثير على الرأي العام الدولي، والتأسيس لتوسيع “التواصل ثنائي الاتجاه” مع الجماهير الأجنبية، استنادًا إلى نظريات العلاقات العامة والتسويق، ولعل أبرزها النماذج الأربع لجيمس جرونيج (James Grunig) أحد منظِّري العلاقات العامة المشهورين(25)، الذي يرى أن سلوك العلاقات العامة يكتنفه بُعدان مستقلان: اتجاه تواصلي واحد مقابل اتجاهين، ونموذج متماثل مقابل آخر غير متماثل، مما يؤدي إلى بروز أربعة نماذج تربط البعدين:

  1. نموذج الوكالة الصحفية/الدعاية (Press Agentry Model/Publicity): وهو نموذج للاتصال غير متماثل وأحادي الاتجاه؛ يقوم فيه محترفو الوكالة الصحفية المعروفون باسم “flacks” أو “المتحدثين الرسميين”، بالدفاع عن مؤسستهم وفق منطق الغاية تبرر الوسيلة. وتنتقل فيه المعلومات باتجاه واحد من الـمُــزوِّد (الحكومة أو المؤسسة) إلى المتلقي، أي الجمهور بغرض الدعاية. ويستخدم هذا النموذج جميع الأساليب من أجل الإقناع والتلاعب بالمعطيات للتأثير على الرأي العام. وقد عمل وكلاء الصحافة خلال القرن 19 على صناعة الأخبار وحَبْكِها بهدف توجيه الرأي العام والتأثير عليه. ويمكن إسقاط هذا النموذج على المقاربة التقليدية للنشاط الدبلوماسي.
  2. نموذج الإعلام العام (Public Information): نشأ هذا النموذج الاتصالي مع بداية القرن العشرين على أساس نموذج متماثل وأحادي الاتجاه. واعتقد الخبير في العلاقات العامة، إيفي لي (Ivy Lee)، أن ممارســي العلاقات العامة كانوا “صحفيين مقيمين” عليهم تقديم معلومات صحيحة حول مؤسسات زبائنهم. لكن جيمس جرونيج أعاد صياغة مفهوم هذا النموذج على أنه غير متماثل، ورأى أن الممارسين لهذا النموذج يتلاعبون بالجمهور على الرغم من أن ذلك قد لا يكون هدفهم. ويسعى هذا النموذج إلى الترويج والدعاية، كما أن التواصل فيه لا يزال في اتجاه واحد من الـمُــزوِّد إلى المتلقي. ويستخدم هذا النموذج ممارسو العلاقات العامة في الحكومات. ويرى الباحث أن سلوكيات ممتهني الدبلوماسية بالمفهوم التقليدي تندرج ضمن هذا النموذج الاتصالي أيضًا.
  3. نموذج الاتصال ثنائي الاتجاه غير المتماثل (Two-Way Asymmetrical): تعود جذوره العلمية إلى عمل لجنة المعلومات العامة التي ترأسها جورج كريل (George Creel) خلال الحرب العالمية الأولى. وقد أثرى هذا النموذج إدوارد بيرنايز (Edward Bernays)، أحد المؤسسين الأوائل للعلاقات العامة، بنظريات العلوم الاجتماعية، وكان يعتقد أن هناك إمكانية لصناعة الرأي العام لأغراض شريرة، مثل استخدام النازيين الدعاية لتحقيق أهدافهم، ومن ثم خدمة مصالح المجتمع الألماني. لكن الإشكال الأخلاقي المطروح: ما الجهة المخولة لتحديد ما هو الأفضل للمجتمع؟ وضمن هذا النموذج الاتصالي ثنائي الاتجاه غير المتماثل ترى المنظمات أن باستطاعتها اتخاذ القرار ثم بيعه إلى جماهيرها، وهو نموذج سلبي للمعنى الراقي للدبلوماسية.
  4. نموذج الاتصال المتماثل ثنائي الاتجاه (Two-Way Symmetrical Model)(26): يمكن اعتباره الأكثر أخلاقية بين جميع هذه النماذج، ويرتكز على ما أسَّست له مراجع العلاقات العامة، خاصة تلك التي صدرت في الخمسينات وما بعدها من قِبَل المتخصصين في مجال التربية. ويروم هذا النموذج تعزيز الحوار، ويستخدم المعطيات التي تجمعها المؤسسة لتغيير الممارسات التنظيمية، ويعمل على التوازن في المصالح عبر التنازلات المتبادلة اعتمادًا على التفاوض وحل النزاعات والتفاهم بين المنظمة وعامة الناس. وينطوي دورُ مُمَارِسِ العلاقات العامة في هذا النموذج على حلِّ المشكلات من خلال برامج الاتصال، ويدعو إلى ثنائية الاتجاه في التواصل بين الـمُزوِّد والمتلقي بغرض التأسيس لفهم متبادل بين الطرفين بدل مقاربة الإقناع القائمة على اتجاه واحد.

إن الفرق الرئيسي بين نموذج التواصل ثنائي الاتجاه، المتماثل وغير المتماثل(27)، هو أن التواصل ثنائي الاتجاه المتماثل يعني الرغبة في تغيير النفس والمواقف الشخصية إذا دعت الضرورة إلى ذلك من أجل المنفعة المتبادلة، بينما يهدف التواصل ثنائي الاتجاه غير المتماثل إلى جعل الجمهور (الأجنبي) يُغيِّر رأيه ومواقفه لصالح صاحب الخطاب. ويرى جرونيج(28)، أن نموذج الاتصال المتماثل ثنائي الاتجاه هو نموذج معياري ونهج أخلاقي للفعالية التنظيمية في العلاقات العامة. وقد ندرج ممارسات الدبلوماسية الرقمية ضمن هذا النموذج المتماثل في ثنائية الاتجاه والتفاعل بين المواطنين وصانعي القرار في السياسة الخارجية والدولية.

اهتم الأكاديميون في البداية بالبحث في تحديد فوائد شبكات التواصل الاجتماعي لـ”كسب القلوب والعقول”(29)، لكنهم اليوم قلقون حول ما إذا كانت هذه الوسائط تُستخدم لإشراك أشخاص من دول أخرى في “التواصل ذي الاتجاهين”، باعتبارها إحدى الوسائل لتغيير الرأي العام لصالح جهة معينة. وهنا، تحاول الدبلوماسية الرقمية التواصل مع الجماهير الخارجية عبر توظيف الوسائط الرقمية لصناعة رأي عام خارجي يخدم مصالح الدولة ويصونها.

وتعتبر مؤسسة “ديبلو فاونديشن”(30)، المصدر الرئيسي للنقاشات حول الدبلوماسية الرقمية. وقد قام أندرياس ساندري بتجميع عدد من التغريدات لمسؤولين حكوميين وقدَّمها كأدلة على تأثير الدبلوماسية الرقمية على مستوى عملهم. وفي محاولة لتقييم أثر الدبلوماسية على العلاقات الدولية، قام الموقع “تويبلوماسي” (Twiplomacy) بالعديد من دراسات الحالة، وخلص إلى أن الدبلوماسية الرقمية جديدة ويستحيل قياس آثارها على المدى الطويل. وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بها، إلا أن هناك العديد من الثغرات.

وخلص العديد من الباحثين(31) إلى أن الدبلوماسية لم تعد مهمة حصرية على نخبة معينة، وأن وسائط التواصل الاجتماعي مكَّنت المواطنين من المطالبة بالشفافية، وقلَّصت فجوات الحوار مع السلطات. واعتبرها رودريغيز غوميز (Rodríguez Gómez) نموذجًا دبلوماسيًّا جديدًا يتطلب إعادة هيكلة الأشكال والأنظمة، والتكوين للموظفين بغية تكييفهم مع البيئة الجديدة.

3.3. الدبلوماسية الرقمية وتوظيفها للفضاء الأزرق

– الشبكة “الويب”(32): تمثِّل النافذة الكبيرة التي تطل من خلالها وزارة الخارجية، وتعرض هياكلها ونشاطاتها اليومية المختلفة، وتشكِّل أداة للاتصالات الدائمة والرسمية، وتخضع للتحديث باستمرار، وتفتح قنوات للاتصال تسمح بالتفاعل مع أكبر عدد من المواطنين. وقد عمدت الولايات المتحدة الأميركية(33) إلى استراتيجية مزدوجة على شبكة الإنترنت بإنشاء صفحتين: صفحة “State.gov” مُخصَّصة للجمهور الأميركي، وموقع “America.gov” وهو منصة للتفاعل مع الأجانب، وتبني الحكومة سياستها الخارجية على أساسه ويهدف إلى الترويج للقيم التي تحدد شخصية الولايات المتحدة تجاه العالم.

-المدونات(34): وهي مواقع على الويب تتيح للمستخدمين تحديثها بسلاسة؛ ما يسهِّل على القراء التعليق على المقالات والاحتفاظ بالنصوص والتعليقات، والرجوع إليها متى ما يشاؤون، فأصبحت أداة التواصل الرئيسية داخل المجتمعات. وأضافت معظم المؤسسات مدونة لتعزيز وجودها على المنصَّات الأخرى بهدف عرض نشاطاتها، والتعريف بأعضائها. وخولتها بساطتها التقنية إمكانية التوظيف لأغراض مختلفة في مجال العلاقات الخارجية.

فقد استغلت الحكومة اليابانية المدونات بتوجيهها لجمهور معين وهو الأطفال، مثل مدونة وزارة الخارجية التي تحتوي ألعابًا إلكترونية؛ حيث يزرع التفاعل مع ملفَّات كالتعريف بالنينجا، أو مصارع الساموراي، في نفوس هؤلاء الأطفال التطلعَ لأهمية اليابان في آسيا وفي العالم، ويمكِّنهم من التعرف على الثقافة اليابانية. وطَوَّرَت وزارة الخارجية البريطانية مدوناتها، حيث تمتزج آراء المواطنين مع الانطباعات الشخصية للدبلوماسيين والخروج بخلاصات شاملة.

– الويكي(35): صفحات تحتوي على نصوص يمكن تحريرها بواسطة أي مستخدم مهما كانت هويته. للويكي، سجل يحفظ التغييرات، ويمكن العودة إلى المعلومات السابقة دون أي إشكال؛ ما يمنع المستخدمين الآخرين من حذف أي محتوى قد يكون مهمًّا. وقد شرعت وزارة الخارجية الأميركية، عام 2006، في استخدام هذا البرنامج لتطوير موسوعة حول الموضوعات الدبلوماسية “Diplopedia” ضمن شبكتها الداخلية، الإنترانت. وتجاوز عدد المتفاعلين فيها أكثر من 10 آلاف من موظفي وزارة الخارجية نفسها، أو مع البعثات التي يمكن التواصل معها عبر الإنترانت. كما أن صفحة “Diplopedia” متاحة لمصالح الاستخبارات في الولايات المتحدة وغيرها من المنظمات ذات الصلة بالأمن القومي، التي يمكنها الرجوع إليها دون تعديل محتواها.

– فيسبوك(36): من أكثر الوسائط تداولًا في العالم، وعادة ما يستخدمه الأشخاص لإنشاء شبكة اجتماعية خاصة بهم، وقناة اتصال مع أصدقاء دون تحديد للرقعة الجغرافية، ومشاركة للرسائل، والصور… على ألا يتجاوز عدد الأصدقاء 5 آلاف شخص، يمكنهم الوصول إلى المعلومات المشتركة وتشكيل مجتمع خاص يجمعهم.

ويعمد الموظفون الدبلوماسيون إلى فتح حسابات خاصة بهم تكون بمنزلة قناة اتصال مباشرة بينهم وبين المواطنين الذين يعيشون خارج أوطانهم. كما يـُمكِّن المسؤولين من توسيع شبكة اتصالاتهم الشخصية والمهنية. تضم صفحة أحد وزراء الخارجية أكثر من 4 آلاف صديق. يطالع المتفاعلون معه آخر أخبار وزارته، ويشاركونه الصور والتعليقات الشخصية، ويمكِّن المستخدمين من معلومات أكثر حول توجهاته السياسية على الساحة الدولية. وقد فرضت أهمية وسائط التواصل الاجتماعي نفسها في المجال الدبلوماسي، فاختار العديد من الخدمات الأجنبية إنشاء صفحات رسمية في فيسبوك. كما أن بساطة وتنوع هذه الصفحات جعلها تحلُّ في كثير من الأحيان محلَّ المواقع الرسمية.

– تويتر(37): يعتبر منصة ذات خدمة تدوين مصغر، أنشأه، عام 2006، جاك دورسي (Jack Dorsey). وقُدِّرَ عدد المستخدمين المسجلين على تويتر، عام 2020، بـ314.9 مليون مشترك، وحوالي 290.5 مليون مستخدم نشط شهريًّا، عام 2019، وسيرتفع العدد إلى 340 مليونًا مع حلول 2024. وأدى إلى توليد 290.5 مليون تفاعل يومي، وأكثر من 1.6 مليون طلب بحث يومي(38). يتميز تويتر بإمكانية إرسال رسائل نصية قصيرة بحد أقصى للحروف في التغريدة الواحدة يبلغ 280 حرفًا، وتعرض على الصفحة الرئيسية للمستخدم، الذي يمكنه الاشتراك في تغريدات الآخرين، ويُطلَق على هذا الإجراء اسم “متابعة”.

وكان أول من استخدم منصة تويتر وزارة الخارجية الأميركية بنظام المدونات الصغيرة “Microblogging”(39)، من خلال حسابات رسمية لإعلام المستخدمين بما تفعله وزيرة الخارجية. ورأى فيليب سيب (Philip Seib)(40) أن تويتر أداة دبلوماسية تتناسب والإحساس الجديد للتمكين السياسي الذي صاحب ظهور الشبكات الاجتماعية؛ إذ يعزز العلاقات بين أفراد المجتمع العالمي.

ومنذ 2006(41)، تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، عن التقنيات الجديدة واعتبرتها طريقة فاعلة للتواصل مع ملايين الأشخاص الجدد عبر العالم. واشتركت رايس في تويتر، أكتوبر/تشرين الأول 2007، وتجاوز عدد المتابعين، في سبتمبر/أيلول 2019، أكثر من 5 ملايين، وأكثر من 800 حساب لمختلف الوسائط في بعثاتها عبر العالم بمجموعة متنوعة من المنصات، مثل: فيسبوك، ويوتيوب، وإنستغرام، وفليكر، وبنترست. واستجابة لدعوات الخبراء وتشجيعهم لصانعي السياسة في الولايات المتحدة، تم اللجوء إلى هذه الوسائط كآلية لممارسة القوة الناعمة، بعد استراتيجية الحرب على الإرهاب التي تبنَّاها الرئيس الأسبق، جورج بوش، وتقويضها للصورة الرمزية والأخلاقية لأميركا في العالم؛ لأن مهمة “كسب القلوب والعقول” تتم عبر الرسائل الإعلامية المؤسسة والقوية.

– الشبكات الاجتماعية الأخرى(42): يمكن الإشارة إلى شبكات اجتماعية أخرى أقل عالمية، مثل: أوركوت (Orkut) في البرازيل، وهاي فايف (Hi5) في المكسيك، وكيو زون (Qzone) في الصين، وفكونتاكتي (Vkontakte) في روسيا… كل هذه المنصات تسعى السفارات والقنصليات إلى الوجود فيها لتكون وسائل تمرير الرسائل وصناعة القبول والتمكين السياسي والاقتصادي والثقافي.

  1. دبلوماسية تويتر والمواضيع الجديدة في العلاقات الدولية

1.4. العصر الرقمي واختزال المسافات والتدفق المعلوماتي

عندما تلقَّى رئيس الوزراء البريطاني، اللورد بالمرستون(43)، أول رسالة تلغراف، عام 1860، صرخ: “يا إلهي، إنها نهاية الدبلوماسية!”، كانت صرخةَ دهشةٍ تُعبِّر عن تطور جديد جعل العالم يتوقف عن التشابه مع القرون السابقة. وشهدت السنوات العشرون الماضية تغيرًا علميًّا حقيقيًّا عَدَّلَ من أنماط العلاقات والتفاعلات. كما أن تطور شبكة الاتصالات غَيَّر من مفهوم الحدود، وقرَّب المسافات، وكرَّس مفهوم القرية العالمية. هذا الكون الافتراضي، جلب السلطة للمواطنين ومنحهم جزءًا كبيرًا منها. وجعل التواصل بالصوت والصورة، حقيقة بعد ما كان ضربًا من الخيال.

وأسَّست الإنترنت لقيام مجتمعات افتراضية عابرة للأوطان، وفتحت أبوابها لملايين المتفاعلين دون قيود الجنس، والمستوى الاجتماعي أو الدين. وغدا الأشخاص مواضيع للعلاقات الدولية لتأثيرهم في الدوائر القريبة والبعيدة منهم، خاصة أولئك الذين لهم تأثير في تكوين الرأي العام الوطني والدولي، وبات الأفراد هدفًا للدبلوماسية والأطراف الفاعلة فيها، وأصبحوا الأبطال الرئيسيين في مجتمع الشبكات الإلكترونية. ووصف ليف غروسمان (Lev Grossman”(44) هذه الظاهرة بأنها فرصة لبناء نوع جديد من التفاهم الدولي ليس بين السياسيين، ولكن بين المواطنين على اختلاف جنسياتهم. كما حذَّر جوزيف ناي(45) من أن ثورة المعلومات غيرت جذريًّا عالم السياسة الخارجية، ما يفرض على المسؤولين التكيف معها لتزايد قوة الجهات الفاعلة من غير الدول واحتلال القوة الناعمة مجالًا واسعًا في صنع السياسة الخارجية.

وعليه، بدأ العديد من وزارات الخارجية تعديل هياكلها للتكيف مع معطيات العصر الجديد؛ ما سيدفع إلى تغييرات في صورة الدبلوماسي المرتبطة نمطيًّا بالنبلاء، وهو شخص مُتمكِّن من اللغات ويحسن الحديث بها. بل إن العصر الرقمي صنع صفات ظهرت على الأجيال الجديدة من المدارس الدبلوماسية في بلدان عدة من العالم. هذه المعطيات، حرَّرت الدبلوماسية من مفهومها التقليدي ودفعتها للبحث عن أدوات جديدة للوجود المريح على المستوى الدولي، ورسم علاقات تخدم مصالحها مع الجهات الفاعلة كالرأي العام الدولي، أي إمكانية توسيع جمهورها لمواصلة الدفاع بشكل فعال عن مصالحها الموجودة هنا وهناك، متجاوزة التمثيل الرسمي المعهود سابقًا أمام الدول والمنظمات.

واعتبر ديفيد دي أوغارتي (David de Ugarte) في كتابه “من الدول إلى الشبكات”(46) أن للدول تاريخًا لنهاية صلاحيتها، وسيتم استبدالها بمؤسسات جديدة، استجابة لطروحات العالم الرقمي. أما إستير دايسون (Esther Dayson)، فروَّج لمفهوم “عدم وساطة الحكومات”، وتصوَّر مجتمعًا عالميًّا تتداخل فيه الشبكات الافتراضية العابرة للحدود مع المجتمعات المحلية التقليدية، ويتطلب شرح هذه النقاط دراسة مطولة وجادة.

2.4. دبلوماسية تويتر وحيرة الاختيار بين أجهزة “آيباد” وأوراق الاعتماد

اهتمَّ ماتياس لوفكينز (Matthias Lüfkens) بمفهوم الدبلوماسية الرقمية عبر تويتر. وهو المسؤول على موقع “تويبلوماسي”(47) الذي ينشر منذ عام 2012 تقريرًا سنويًّا عن كيفية استخدام رؤساء الدول والحكومات موقع تويتر للتفاعل مع المواطنين ونظرائهم. ويعتقد لوفكينز أن الدبلوماسيين الأكثر نجاحًا(48)، هم أولئك الذين يحسنون استعمال أجهزة “iPad” بدلًا من تعويلهم على أوراق الاعتماد، وأن فائدة دبلوماسية تويتر تتجاوز التواصل مع الناخبين والسياسيين، لتسهل التفاعل مع الدبلوماسيين ورؤساء الدول والحكومات. ويقول أنتونيو ديرودا (Antonio Deruda)(49): إن تويتر مصدر مهم للمعلومات، ومنصة رائدة للتواصل الدبلوماسي، وغدا الأداة المفضلة لمسؤولي الحكومات والدبلوماسيين الدوليين.

ويساعد تويتر على إجراء مقابلات مع الزعماء السياسيين على المباشر من خلال الخدمة المرتبطة بـ”تويت كام” (Twitcam)(50). ويُستخدم أيضًا منصة لتعبئة المجموعات الاجتماعية من أجل أهداف مختلفة كتنظيم الاحتجاجات، وقد برز دوره في التنسيق لما سُمِّي بـ”ثورات تويتر” أو أحداث “الربيع العربي”، والاحتجاجات التي عرفتها الانتخابات في إيران ومولدوفا، عام 2009، والاحتجاجات على انقلاب أوكرانيا، في 2013-2014، والمظاهرات والتحريض على الاغتيال في فنزويلا، في 2014. واستخدمه القادة لإرسال رسائل إلى أتباعهم من أجل إعلامهم وتنظيمهم في الشوارع، ضمن هذا المسار الاحتجاجي.

وأشارت شركة الاتصالات الاستراتيجية العالمية والعلاقات العامة “بيرسون مارستيلر”(51)، عام 2013، إلى أن 83% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لديها حساب على تويتر، أي ما يمثل 68% من جميع رؤساء الدول والحكومات على المستوى العالمي، وأن ثلثي قادة العالم، الذين يمثِّلون 125 دولة، لهم وجود على تويتر ويحظون بشعبية خاصة في أميركا الشمالية وأوروبا. وفي عام 2015، بلغت النسبة المئوية للقادة الذين لديهم حساب على تويتر 86%، وذكرت الدراسة أن أكثر من نصف وزراء خارجية العالم ومؤسساتهم يشتركون في تويتر.

ويرى وزير الخارجية الإيطالي السابق، جوليو تيرزي(52)، أن لتويتر تأثيرين إيجابيين على السياسة الخارجية؛ إذ يشجع على تبادل الأفكار بين السياسيين والمجتمع المدني، ويزيد من قدرة الدبلوماسيين على جمع المعلومات وتحليلها وإدارتها، والرد عليها في الوقت المناسب.

ووفقًا للوفكينز(53)، فقد برز دور دبلوماسية تويتر في العلاقات الدبلوماسية؛ حيث استخدمها الرئيس الفنزويلي الراحل، هوغو شافيز، أداة في حملته الانتخابية سهَّلت إعادة انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول 2012، وتواصله المباشر مع 3.6 ملايين متابع. أما الرئيس الإستوني السابق، توماس هندريك إلفيس، فساعدته على دحض الأخبار السلبية التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز عن بلاده في العام نفسه. لكن دبلوماسية تويتر لن تحلَّ محلَّ الدبلوماسية التقليدية.

ويرى ديرودا(54) أن دبلوماسية تويتر إلى جانب الشبكات الاجتماعية الأخرى غيَّرت الأشكال التقليدية والرسمية للتفاعل الدبلوماسي؛ إذ أعادت رسائل البريد الإلكتروني والاتصالات عبر الإنترنت تصميم السيناريو الدبلوماسي باختزال المسافات بين الدول، وتآكل فكرة البروتوكول، وإضعاف دور السفارات. وهو نفس ما ذهبت إليه إيفا هاردر (Eva Harder)، فتويتر غيَّر وجه الدبلوماسية، كما غَيَّر طريقة إعلام الجماهير من قبل الحكومات.

في عام 2011(55)، لم ترد رئيسة الوزراء الأسترالية السابقة، جوليا غيلارد، في حسابها على تويتر، على نظيرها النيوزيلندي، جون فيليب كي. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم يرد على صداقة فلسطين، وفَهِمَ منها الرأي العام العالمي مواقف دبلوماسية لها معنى. وفي هذا السياق، غدت خدمة “متابع” و “غير متابع” على تويتر محورًا للتوتر الدبلوماسي بين الحكومات؛ حيث تفسر الايماءة بعلاقات الوُدِّ والتحالف، أما عدم الرد فيعني أن “هناك شيئًا ما يحدث” بينهما.

إن متابعة الرئيس الفنزويلي الراحل، هوغو شافيز، رؤساء الإكوادور والأرجنتين والبرازيل وكوبا على تويتر، وضع خريطة تحالفات للحكومات اليسارية التي مَيَّزت منطقة أميركا اللاتينية. بينما شكَّل التفاعل على تويتر بين رؤساء حكومات كولومبيا وشيلي وبيرو محورًا لحكومات يمينية، وهو ما يشير إلى خريطة أخرى للتحالفات في المنطقة ظلت إلى غاية 2014، مع بعض الاستثناءات. لذلك أصبح الاهتمام بالمتابعة على تويتر مؤشرًا دبلوماسيًّا، دفع العديد من الدول إلى العمل لكي تكون محلَّ متابعة من قبل زعماء لهم تأثير على المسرح الدبلوماسي العالمي.

وحاول الباحثون(56) دراسة الآثار التي يمكن أن تحدثها طبيعة هذه الروابط في الواقع على العلاقات الدولية. ففي 25 مايو/أيار 2015، قرَّرت وزارة الخارجية الأميركية “@StateDept” “متابعة” وزارة الخارجية الكوبية على تويتر “@CubaMINREX”، وردَّت عليها كوبا في وقت لاحق من نفس اليوم بنفس الإيماءة(57). حدث هذا الاتصال عبر الإنترنت قبل شهرين من ترحيب البلدين رسميًّا بالعودة إلى التفاعل عبر الشبكة. وهو مثال على القدرات والفرص التي يتيحها النقر على الأزرار من بعيد، ودور الوسائط في تطوير العلاقات بين الدولتين.

إذن، يثبت المشهد الحالي تفاعل الدبلوماسيين والوزارات على هذه المنصة بشكل متصاعد. ففي 28 يناير/كانون الثاني 2017(58)، نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي تغريدة يشيد فيها بخطوة الرئيس، دونالد ترامب، ببناء “الجدار الفاصل” مع المكسيك، واعتبرها فكرة رائعة للحدِّ من الهجرة غير الشرعية. ساعات بعد ذلك، دعت الحكومة المكسيكية علانية رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الاعتذار عن بيانه. أما في 20 فبراير/شباط من نفس السنة، فأجابت السفارة السويدية في أميركا على تغريدة لترامب، بدعوى وقوع هجوم إرهابي في السويد.

3.4. الإنترنت وتجاوز الدول في صنع السياسة الدولية

شهد العالم منذ تسعينات القرن الماضي تحولًا مثيرًا في عمليات التواصل، ولعبت الشبكات الاجتماعية دورًا مهمًّا في إيصال الأخبار ونشرها. كما أن تطور الإنترنت وانخفاض تكاليف تكنولوجيتها زادا من سرعة نقل البيانات وتبادلها. وكان التفاعل في العلاقات الدولية حتى خمسينات القرن العشرين يتمحور حول الدول، أما الدبلوماسية فوسيلة لإدارة هذه التفاعلات، إلا أن دورها -حسب هيدلي بول (Hedley Bull)(59)- تغيَّر في إدارة العلاقات بين الدول والكيانات التي لها وزن في السياسة العالمية.

واستطاعت الإنترنت(60) أن تترصَّد تطور العديد من الظواهر والحركات، وأن تربط بين هذه المجموعات، وتجعل صوتها مسموعًا بقوة على المشهد العالمي، ما أدخل عناصر جديدة فاعلة في عالم الدبلوماسية، ومَكَّنها من المشاركة والتأثير. وصف الدبلوماسي النيوزيلندي، ريتشارد جرانت، العملية بأنها “دمقرطة للدبلوماسية”؛ “حيث أتاحت الإنترنت لفواعل جدد النشاط في مجالات اتسعت مساحتها، وعزَّزت قدرة الجهات الفاعلة من غير الدول على المشاركة في هذا التفاعل.

للإنترنت ثلاثة آثار أساسية على العلاقات الدولية(61):

  1. تضاعف عدد الفواعل في صنع السياسة الدولية.
  2. حرية نشر المعلومات وسرعتها بغضِّ النظر عن صحتها أو خطئها.
  3. تقديم الخدمات الدبلوماسية بأكثر فعالية وأقل تكلفة للمواطنين أو الحكومات.

وقد تكون للمعلومات الخاصة عند نشرها على الملأ تأثيرات عميقة في توجيه إدارة الشؤون الدولية، وتمثِّل فضيحة “أبو غريب” نموذجًا على هذا التأثير(62)؛ إذ بعد نشر الصور التي تكشف المعاملات غير الإنسانية لنزلاء السجون العراقيين وتداولها العالمي بفضل الإنترنت، كانت صاعقة شوَّهت سمعة أميركا، وأجَّجت الهجمات الجهادية بدافع الانتقام. وأطاحت الحرب في العراق، بفضل الإنترنت، برؤساء حكومات كل من خوسيه ماريا أزنار في إسبانيا، وتوني بلير في بريطانيا، وقد كان لذلك تداعيات على مسرح العلاقات الدولية.

لم تقتصر حتمية التكيُّف مع الإنترنت على الدول فقط(63)، بل تعدتها إلى المنظمات غير الحكومية بغية زيادة نفوذها في الشؤون الدولية. وفي هذا السياق، يبرز دور لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية، التي تسمى اختصارًا “آيباك” (AIPAC)، وقدرتها على تعبئة اللوبي اليهودي عبر الشبكة. وأصبح للجميع منصات يمكن التواصل من خلالها، ولم يعد صعبًا إيجاد شخص يتقاسم معك نفس الأفكار والتوجهات، في ظل قرية تربطها خيوط شبكة عنكبوتية سهلة المراس.

وعلى الرغم من أن الدبلوماسية تُجرَى في المقام الأول بين حكومات الدول، إلا أن الإنترنت أدخلت العديد من المتغيرات أعاقت استمرار الدبلوماسية التقليدية على نفس المنوال. أما آثار الدبلوماسية الرقمية على صنع السياسة الخارجية، فتتجلى في المجالات التالية(64):

  1. خدمة التوصيل: تؤثر الإنترنت على الخدمات التي يقدمها الدبلوماسيون ووزارات الخارجية، وعلى خدمات الإدارات المحلية والمؤسسات الخاصة. وقد قوَّضت الإنترنت التوزيع التقليدي للعمل الدبلوماسي، وسهَّلت الوصول إلى المعلومات، كما لجأت وزارات الخارجية والسفارات إلى تقديم الخدمات عبر الإنترنت.
  2. الأفكار: تعتبر الأفكار والقيم مهمة في صناعة السياسة الخارجية، وتدخل في نطاق ما يُسمِّيه جوزيف ناي بـ”القوة الناعمة”. واعتمدت الطريقة الدبلوماسية التقليدية في مناقشة قضية ما على إلقاء خطاب وزاري، أو نشر كتيب، أو نقل الرسائل الرئيسية إلى الراديو والتليفزيون، ووسائل الإعلام المطبوعة، لكن اليوم يتم نشر هذه الخطب على المواقع الرسمية، حيث يتم الوصول إليها مباشرة لكل من يرغب في ذلك. وكَثُرت المدونات والمنتديات التفاعلية، حيث تُدار المناقشات السياسية مع إشراك خبراء بدلًا من الوزراء والرسميين.
  3. الشبكات: إن إنشاء الشبكات المناسبة كمساحات للنقاش يشارك فيها أصحاب المصلحة وصانعو الرأي لمناقشة السياسة الداخلية، وممارسة التأثير على السياسة الخارجية. وتسمح الشبكات للدبلوماسيين ليس فقط جمع المعلومات الموثوقة لاتخاذ القرارات الصائبة، وإنما البحث عن طرق لكيفية ممارسة أقصى قدر من التأثير.

  1. الواقع الدولي للدبلوماسية الرقمية: مناقب وإكراهات

1.5. التسابق الدولي لتغيير أشكال التفاعل الدبلوماسي

إن السياسات الدولية، في ظل عصر المعلومات، استدعت بذل مجهودات جبارة قصد صياغة إدراك عالمي، وصناعة جمهور دولي، يتبنى توجهات السياسة الخارجية وقبولها. فقد قال السفير البريطاني لدى لبنان، توم فليتشر(65): إن الإعلام الاجتماعي أصبح أمرًا لا غنى عنه في العمل الدبلوماسي الحديث، ولا يمكن إهمال مواطني الإنترنت الذين أصبحوا جزءًا من المناقشات المتعلقة بالسياسة الخارجية.

لعل التحول في الممارسة السياسية للرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، عن سابقيه ابتداء من 2008، اعتُبرت منهجًا دبلوماسيًّا جديدًا. فاستعماله لتويتر ومشاركته لجماهير قُدِّرت بـ96 مليون متابع وحوالي 15.500 تغريدة(66) كانت لها تغذية استرجاعية إيجابية وسلبية. بعد أشهر من وجود أوباما على تويتر، فتح الرئيس الفنزويلي السابق، هوغو شافيز، حسابًا له، ثم الرئيس الكولومبي، ألفارو أوريبي، ورئيس الإكوادور، رافائيل كوريا، ثم رئيسة الأرجنتين، كريستينا فرنانديز. وتَعزَّز التفاعل بين قادة أميركا اللاتينية. واعْتُبِر سفير الولايات المتحدة لدى روسيا، مايكل ماكفول، رائدًا في استخدام تويتر في القضايا الدبلوماسية(67). فقد لجأ إلى كتابة الرسائل -منذ تعيينه سفيرًا عام 2011- باللغتين الروسية والإنجليزية، ما جعل الصورة أكثر وضوحًا لدى متابعيه حول سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا.

وانخرطت وزارة الخارجية الأميركية بجدية في هذا المجال(68)، فأقامت دورات تدريبية للناشطين الاجتماعيين، واستخدامهم لوسائط التواصل قصد تمكينهم من “التخفِّي” عن الأجهزة الأمنية داخل بلدانهم، مع محوٍ للآثار حتى تتعسَّر ملاحقتهم ويصعب تتبعهم، إضافة إلى تنمية قدراتهم ومهاراتهم في “اختراق الجُدُرِ النارية”، وتجاوز الرقابة.

وفي العام 2008، قرَّرت سفارة الولايات المتحدة في العاصمة الصينية، بيجين، تثبيت شاشة لتحديد نوعية الهواء في المدينة، وبثِّ قراءات كل ساعة عبر تويتر(69) للفت الانتباه إلى مستوى التلوث بغرض إثارة الرأي العام الصيني ضد سياسة بلاده.

وتجاوز(70) عدد حسابات وزارة الخارجية الأميركية 300 حساب على تويتر، و400 صفحة على فيسبوك باللغة الإنجليزية ولغة البلد المضيف. ووصل عدد اللغات التي تُغرِّد بها على تويتر إلى 11 لغة، في عام 2013. وبلغ عدد الدبلوماسيين الأميركيين في الخارج الذين يستخدمون الدبلوماسية الرقمية حوالي 900 دبلوماسي، منهم 39 سفيرًا. وبحلول مايو/أيار 2013، وصل عدد متابعي مواقع وزارة الخارجية على تويتر وفيسبوك إلى 26 مليون، بزيادة قدرها 350% عن يناير/كانون الثاني 2012.

واستفادت وزارة الخارجية من تكنولوجيات البحث عن الحشود لإطلاق منصة تعاونية بهدف رسم خرائط الاحتياجات (MapGive)(71). وأطلقت عام 2014 مخبر التنمية الشاملة لتقديم حلول لتحديات التنمية المعقدة. وفي إطار البرامج التعليمية، أطلقت مبادرة  “MOOC Camp”القائمة على تقديم دورات عبر الإنترنت للسفارات الأميركية في العالم، وحاولت تفعيل الدبلوماسية الرقمية عبر الرفع من مستوى الارتباط مع الشبكات، وحثها على توظيفها. كما قامت الوزارة بمبادرة القرن الحادي والعشرين للكفاءة السياسية، وهدفت إلى تدريب الدبلوماسيين الأميركيين وتشجيعهم على استخدام هذه الوسائط لخلق حوار اجتماعي عالمي. ولم يعد مفهوم الدبلوماسية عبر الشبكة الاجتماعية يقتصر على العلاقة بين دولة وأخرى، بل غدا اتصالًا بين الدولة والمجتمع المدني، وإمكانية الاستماع إلى الجماهير والإصغاء إليها.

أما فرنسا(72)، التي تعتبر دولة رائدة في الدبلوماسية الرقمية وتسميها “دبلوماسية التأثير”، فقد احتلت المرتبة الثانية عام 2016، والمرتبة الثالثة عام 2017، في تقرير الدبلوماسية الرقمية. وأنشأت وزارة خارجيتها موقعًا لها على الإنترنت منذ العام 1995. وحاولت بدبلوماسية التأثير الترويج لصورتها(73)، والدفاع عن مصالحها وتحسين طرق تفاعل الجمهور مع أنشطة وزارة شؤونها الخارجية على الشبكة. وبلغ عدد زوارها ما يقارب 1.7 مليون شهريًّا. وافتتحت حسابات باسم “الدبلوماسية الفرنسية” في عدة منصات بلغات مختلفة. وتُخصص الوزارة جلسة تفاعلية شهرية على تويتر، تتيح للجمهور التواصل مع المسؤولين والاستماع إلى آرائهم، والإجابة على كل التساؤلات المتعلقة بمواضيع مختلفة، قصد إتاحة التفاعل المباشر مع الجمهور، والتأثير عليهم.

وتملك أكثر من 280 بعثة دبلوماسية فرنسية منصات رقمية، ويبلغ عدد اللغات المتداولة في هذه المواقع زهاء خمس عشرة لغة. وتستخدم السفارات والقنصليات تويتر وفيسبوك بصفة رئيسية، مع قدرتها على التكيف مع المنصات الأكثر استعمالًا في البلد المعني. فسفارة فرنسا في الصين تستخدم موقع ويبو (Weibo). وتُقدِّم دورات تدريبية للدبلوماسيين في منتصف مسيرتهم المهنية في إطار المعهد الدبلوماسي والقنصلي.

أما التجربة الدانماركية(74)، فتتمثَّل في قيامها بتعيين كاسبر كلينغ أول سفير لها لدى شبكات ما يُسمَّى بـ”الجمهوريات الافتراضية” التي تمثِّلها شركات التكنولوجيا الكبرى، بما في ذلك المتخصصة في صناعة تطبيقات الهواتف الذكية، وشبكات التواصل الاجتماعي.

وفي إيران(75)، أنشأ وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، حسابًا على تويتر باللغة الإنجليزية. أما في تشيلي(76)، وبمبادرة من جامعة أندريس بيلو، فقد أدرجت العديد من التحديثات التي تقوم بها وزارة خارجيتها، وأثبتت نجاعتها، وتحول ذلك إلى سياسة دولة. ويروم استخدام هذه الأدوات إلى تعزيز الشفافية والإعلام بكل الإجراءات والقرارات التي تهم الشأن العام، وتسهيل الوصول إلى المعلومات، وتوفير مساحة للتعبير عن الأفكار والتفاعل من خلال استخدام الشبكات الاجتماعية، فيتولد تعاون بين الشعوب وحكوماتها.

ووفقًا لدراسة قام بها موقع “تويبلوماسي”(77) حول نشاط رؤساء الدول ووزراء الخارجية والحكومات ومؤسساتها على موقع تويتر، تَبيَّن أن 97% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لديها حضور على المنصة، وأن من بين 951 حسابًا على موقع تويتر هناك 372 حسابًا شخصيًّا لرؤساء الدول والحكومات، و579 حسابًا للمؤسسات الرسمية في 187 دولة في العالم. واحتل الرئيس الأميركي الموقع الأول للعدد الكبير من المتابعين لموقعه الرسمي، كما هو مبيَّن في الصورة رقم (1).

الصورة رقم (1) تُبرِز قادة العالم الأكثر تأثيرًا عبر تويتر خلال العام 2018(78)

أما المنظمات الدولية(79)، فإن العديد منها كالأمم المتحدة واليونيسف ومنظمة العمل الدولية، لديها حسابات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا موقع تويتر، وتُظهِر الصورة رقم (2) ذلك بجلاء.

الصورة رقم (2) تبيِّن المنظمات الدولية الأكثر متابعة على تويتر خلال العام 2017(80)

وما لفت انتباه الباحث في هذه الدراسة أن هناك اهتمامًا كبيرًا بهذا النوع الجديد من الدبلوماسية في أميركا اللاتينية، مقارنة مع دول العالم الثالث، ويبدو ذلك من خلال غزارة الكتابات باللغة الإسبانية المتعلقة بهذا الحقل، والدراسات المقارنة بين وزارات مختلفة وصانعي القرار، ومدى الاستجابة لهذا النوع من الدبلوماسية، ويتجلى ذلك أيضًا من خلال الإحصاءات البارزة في الصورة رقم (3) التي تُظهر قائمة الزعماء الأكثر نشاطًا على الشبكات على المستوى العالمي، حيث تسجل وزارة الخارجية الفنزويلية وفي السلفادور ورئاسة الجمهورية بالدومنيكان، مراتب مُميَّزَة. ويتضح جليًّا أن الدبلوماسية الرقمية وسَّعت مجال تدخل الفاعلين الدبلوماسيين الرسميين وفاعلين آخرين في العلاقات الدولية. وغدا استخدام وسائط التواصل الاجتماعي مهمًّا في العمل الدبلوماسي من أجل تقريب وجهات النظر المختلفة، وجمع المعلومات وتحليلها، والتأثير على باقي المستخدمين لهذه المواقع الرقمية.

الصورة رقم (3) توضح نشاط الحكومات على تويتر خلال العام 2018(81)

2.5. مزايا الدبلوماسية الرقمية وإضافاتها

  1. الانتقال من التواصل العمودي إلى المحادثات الأفقية والقدرة على تعزيز الحوار الثنائي: لقد اقتنع السياسيون والدبلوماسيون بأهمية توظيف وسائط التواصل الاجتماعي في العصر الرقمي لتحسين العلاقات بين الدول وخدمة المصالح الوطنية؛ حيث يرى سفير هولندا لدى الولايات المتحدة، رودولف بيكينك(82)، أن الساحة الرقمية فتحت إمكانيات جديدة بالانتقال من المحادثات الفردية إلى الحوار مع المجتمعات. فالدبلوماسية التقليدية ركزت على التفاعل بين المسؤولين الحكوميين الذين ما زالوا يعتمدون على الاتجاه العمودي في مخاطبة الجماهير عبر البث الإذاعي من جانب واحد، على الرغم من سعي الدبلوماسية العامة إلى تغيير هذه المقاربة، وطرح منطق جديد.

لقد سمحت خطوط التواصل الثنائي بتأثير الأفراد على حكوماتهم بطرق لم تكن ممكنة في السابق، واستفادت الحكومات وسياساتها الخارجية من مخرجات هذا التفاعل، ومن مقترحات للرأي العام تخدم مصالح الشأن العام. وتدخل في هذا الإطار مبادرة وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، الذي استخدم حسابه على تويتر(83) لإطلاق مبادرة “تَعَرَّفْ على وزير الخارجية”، وطالب من خلالها المتفاعلين مع الصفحة بتقديم اقتراحاتهم حول القضايا التي يعتقدون بأولويتها في نشاطات وزارة الخارجية للسنوات المقبلة، مع وعود بمكافأة، ومقابلة شخصية مع الوزير. لقد أغرت المبادرة المواطنين، وتفاعلوا معها بجدية للحديث في قضايا السياسة الخارجية. كما دخلت مواقع حكومية أخرى التجربة، على غرار الحكومة الهولندية، وطلبت الإجابة على التساؤلات الواردة في صفحتها على تويتر كل أيام الأسبوع من الثامنة صباحًا إلى الثامنة مساءً. من جهة أخرى، تشير الإحصاءات إلى أن 81% من تغريدات الرئيس الرواندي، بول كاغامي، تشكِّل ردودًا على أسئلة المتفاعلين مع تغريداته.

وبذلك، افْتَكَّت الرقمنة من الدبلوماسيين احتكارهم للمعلومة، وفسحت المجال أمام العديد من الفاعلين غير الحكوميين للدخول بقوة الاقتراح وأصبحت ذات قيمة، وحفَّزتهم على الابتعاد عن دائرة النخب المعهودة، وتوسيع مجالات التفاعل والحوار إلى حيِّز أوسع بين الموظفين الحكوميين فيما بينهم.

لقد كانت الدبلوماسية التقليدية لوقت قريب تهتم بمجال العلاقات بين الدول ومع المنظمات الدولية(84)، لكن التطور التكنولوجي جعل السياق يختلف، وأصبحت المهام السابقة تقليدية وانتقلت إلى مستويات أعلى بغية الوصول إلى الرأي العام الدولي، ما دفع بالباحث ريوردان إلى التساؤل عن جدوى الدبلوماسيين المحترفين الذين لا يبدون اهتمامًا للتكيُّف مع معطيات العصر الجديد.

  1. تعزيز الشفافية وتغير مفهوم السرية(85): أسهمت الدبلوماسية الرقمية في تعزيز الشفافية من خلال إتاحة المعلومات. فقد كان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ينشر يوميًّا تغريدات تسمح لأنصاره بمعرفة المواضيع التي ستتم مناقشتها، والأشخاص الذين سيجتمع معهم. وأكدت الدراسات أن الرسائل الشخصية لها آثار إيجابية، وترفع من مستوى الانتباه لدى الجماهير تجاه المعلومات التي يتم نشرها، ويرسمون لها صورًا مرئية في أذهانهم. كما أن التغريدات المشحونة عاطفيًّا تحظى بأكبر قدر من الاهتمام عبر الإنترنت.

وتغيَّر الاعتقاد التقليدي الذي ارتكز على أن قوة المعلومات في إخفائها(86) واستعمالها بشكل سري، وظهر أن قوتها الحقيقية تكمن في وصولها إلى المجتمع بمصداقية، وبأسرع ما يمكن وفي الوقت المناسب. لقد قدَّم التطور التكنولوجي المعلومات على طبق من ذهب لعدد غير محدود من الأشخاص بوصول الرسائل إلى مناطق بعيدة، وفي ظرف زماني قياسي دون الحاجة إلى وسطاء. كما أن توسع مجال القوة بين شركاء متعددين وضع الحكومات أحيانًا على الهامش؛ ففي نيوزيلندا مثلًا(87)، فإن الافتراض هو “وجوب إتاحة المعلومات ما لم يكن هناك سبب وجيه لحجبها”، ولم يعد منطق الحكومات يرتكز على احتكار المعلومات، لأن التكلفة ترتفع وحدة الرفض تزيد.

  1. القرب من المواطنين والاستماع إلى الجماهير(88): إن تكنولوجيا الإعلام أحدثت تدفقًا في المعلومات، ونقلت مجال التفاعل بين المُرْسِل والمُستَقبِل من شكل هرمي إلى حوار بين جهات فاعلة متعددة تجمعهم عقد “Nodes” عبر الشبكة. قد تكون حوارات بين ممثل يتمتع بالقوة، وآخر ضعيف، كتفاعل الرئيس الفنزويلي السابق، هوغو شافيز، مع جمهوره المحلي، أو المناقشات التي قامت بها رئيسة الأرجنتين السابقة، كريستينا فرنانديز، مع المواطنين، وتفاعلها عبر مقاطع الفيديو الشخصية المنشورة على يوتيوب وتويتر.

وفي المجال الدبلوماسي، لا يركز الدبلوماسيون فقط على الترويج لسياسات بلدانهم الخارجية بالاتصالات الرسمية، وإنما هناك محادثات غير رسمية للمتابعين في تويتر بالتعليق على الأنشطة التي يشاركون فيها خلال عملهم الدبلوماسي، وحياتهم اليومية. ومن ثم بناء نوع من التعايش الرقمي يروم إقامة علاقات ودية مع مواطنين من دول أخرى، وتقديم صورة إيجابية عن الدولة التي ينتمون لها.

  1. تعزيز العلاقات الدولية(89): يُسهم العديد من الأطراف في تشكيل الدبلوماسية انطلاقًا من الرؤساء والوزراء إلى العلماء وعمال الإغاثة، ويختلف مستوى الفاعلية لكل منهم. مع التطور التكنولوجي، ارتفع عدد الفاعلين المسؤولين عن صناعة السياسة الدولية من منظمات غير حكومية، وجماعات ضغط، وأشخاص من جميع أنحاء العالم… هذه الشبكة التي تربط بين كل هؤلاء الفاعلين كثفت من حجم التواصل، ورفعت من مستوى التفاعل، فهي مؤشرات لرفع درجة الترابط الدولي. ولم يعد العمل الدبلوماسي يعتمد فقط على إرسال المبعوثين الدبلوماسيين.
  2. الدبلوماسية وعبء التكاليف المالية: إن التطور التكنولوجي خفَّض من تكاليف استخدام التقنيات الجديدة، كما أن الدبلوماسية الرقمية لا تتطلب استثمارات كبرى. وبمشاركة الجميع على شبكة تويتر، يمكن التحقيق في قضايا مختلفة وتحديد المسؤولين، ما يجعلها أكثر جاذبية للحكومات والسفارات، ومحدودية أعبائها المالية على الميزانية العامة. وفي ظل إكراهات الأزمة المالية التي يعيشها الاقتصاد الدولي(90)، فإن أي تخفيض للتكاليف سيكون مهمًّا. لذلك فإن التطور التكنولوجي سهَّل تواصل الممثلين الأجانب عن بعد عبر عدد من التطبيقات، مثل السكايب وغيره، دون الحاجة إلى التنقل لعقد اجتماع، ما يوفر نفقات مختلفة.
  3. الآثار الإيجابية على البيئة(91): ساعدت التكنولوجيا الرقمية على اختفاء النسخ الورقية للعديد من المجلات والجرائد، ونشر الكتب على الشبكة العنكبوتية، ما قلَّل إنتاج الورق والطباعة، وترك آثارًا إيجابية على البيئة. وقد خلصت بعض الدراسات إلى أن الاتصالات السلكية وغير السلكية تقلِّل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 7%.
  4. اتصالات سريعة وفعالة(92): تساعد التقنيات الرقمية على جمع معطيات الأنشطة الدبلوماسية ومعالجتها، والتواصل السريع في الحالات العاجلة. وتمكِّن الحكومات من بناء استراتيجيات المواجهة لأوضاع دولية بعيدة عن حدودها الجغرافية، دون عنصر المفاجأة؛ وهو ما نبَّه إليه كارل دويتش (Karl Deutch) في اقتراب الاتصال؛ إذ اعتبر المعلومة متغيرًا مستقلًا في دراسة الأنظمة وتحليلها. ويمكن للسفارات أن تلجأ أثناء الأزمات إلى إنشاء مجموعات في “واتساب” تضم السفير، والقنصل، والسكرتير الصحفي، وتُجمَع المعلومات وتُقدَّم إلى الدبلوماسي للإجابة المباشرة على انشغالات المواطنين. وتعمل هذه المجموعة كخلية لإدارة الأزمة، واتخاذ القرارات الصائبة. خلافًا للأنظمة غير الديمقراطية التي تحد من تواصل مواطنيها داخليًّا وخارجيًّا.

لقد جعلت وسائط التواصل الاجتماعي المجتمعات أكثر ديمقراطية، وقدمت لها أدوات جديدة للتحكم في السلطة، وتوفير قنوات للتأثير خارج الجمهور التقليدي، والتغلغل في شرائح مختلفة، وإشراكهم في التشاور وصياغة السياسات، وتطبيق صيغة “فكر عالميًّا، وتصرف محليًّا” (Think Globally, Act Locally).

3.5. الدبلوماسية الرقمية: إعادة التشكيل وتحديات التوظيف

  1. إكراهات التمكين التكنولوجي وفقه الاستعمال: كشفت دراسة حول استراتيجيات الاتصال في الدول الغربية لوسائط التواصل الاجتماعي(93)، أن معظم الدبلوماسيين لا يتواصلون مع الدبلوماسيين من غير بلدانهم، وأن المؤسسات غير الحكومية التي يختارون متابعتها ليست متنوعة للغاية، وأن الدول وممثليها لم يستغلوا وسائط التواصل الاجتماعي ويستفيدوا من إمكاناتها. وأظهرت بعض الدراسات أن العديد من الممثلين يتم تضليلهم حول هذه الوسائط وكيفية استخدامها. السفير الإندونيسي السابق، دينو باتي جلال، لديه عدد كبير من المتابعين على تويتر، لكن التصنيفات تعتبره أقل نفوذًا من سفراء آخرين عدد متابعيهم أقل، لأنه لا يُغرِّد بطريقة ترفع من حجم التفاعل لجهله فقه الاستخدام الذكي لهذه الوسائط. كما أن تغريدة السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة، جيرار أرنو، بعد انتخاب دونالد ترامب(94)، “عالم ينهار أمام أعيننا”، اعتُبرت مثيرة للجدل واستهجنها الكثير، وأدَّت به في النهاية إلى حذفها، وهو ما يستوجب التدريب على هذه الوسائط للتمكن من التوظيف الفعال والإيجابي لها.
  2. الأمن الرقمي وتردُّد الأوساط السياسية: إن الانتشار السريع للمعلومات واعتباره ميزة للدبلوماسية الرقمية قد ينتقل من الإيجاب إلى السلب عبر تسريب المعلومات واختراقها، بل إن هذه الأخطار قد يكون مصدرَها الدبلوماسيون والتنافس فيما بينهم(95)، بما في ذلك الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية. وسيظل الوجه المقابل لقوة الإنترنت هو الخطر الذي تشكِّله على البنية التحتية الحيوية للدول، لاسيما الهجمات والفيروسات الإلكترونية وأخطارها الأمنية.

وتمثِّل تسريبات ويكيليكس نموذجًا آخر على خطر هذه الأداة(96)؛ فقد نُشرت علنًا ملفات السياسة الخارجية التي تمت مشاركتها بين سفارات الولايات المتحدة ودائرة الشؤون الاجتماعية. واطَّلع العالم على تقييمات قدَّمها دبلوماسيون أميركيون عن زعماء، وبلدان مضيفة لهم. وقد أكدت هذه الوقائع إمكانية تسريب المعلومات السرية، ما خلق نوعًا من التردد في الأوساط السياسية حول فكرة الدبلوماسية الرقمية.

  1. الإنترنت وإخفاء الهويات(97): ألغت وسائط التواصل الوجود المادي أو الجسدي، ما يجعل الأشخاص يتفاعلون في فضاء افتراضي سهَّل الاختفاء والظهور بهويات مُزيَّفَة، وتقديم معلومات خاطئة ضمن حساب يديره محتال، وما يرافق ذلك من إرباك أمني وزعزعة للثقة. وسبَّبت ويكيليكس قلقًا لدى الدبلوماسيين الذين طرحوا فرضية استحالة تجسيد الدبلوماسية الرقمية لصعوبة الحفاظ على السرية وسهولة الاختراق باستمرار، إلا أن الحكومات لم تشاطرهم هذه الفرضية، وعملت على اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المعلومات والاستفادة من مزايا التحول الرقمي، وإخضاع الدبلوماسيين لدورات تدريبية للتمكن من استخدام الوسائط بطريقة أكثر أمانًا وتأثيرًا.
  2. طوفان المعلومات والتغير في الأدوار(98): غيَّرت الدبلوماسية الرقمية في دور الدبلوماسيين. قبل الرقمنة، كان دور الدبلوماسي هو تَمْثِيل حكومته أثناء وجوده بالخارج، وتقديم تقارير مفصلة عند العودة. كما كان التواصل صعبًا مع الحكومات أثناء وجود الدبلوماسيين خارج الحدود. تغيَّر هذا الوضع وأصبح الأشخاص قادرين على إنتاج المعلومات واستهلاكها. لذلك، فَقَدَ الدبلوماسيون الاحتكار باعتبارهم الوحيدين الذين يمكنهم الإبلاغ عمَّا يحدث في بلدان أخرى؛ إذ إن حيازة المواطنين العاديين لهواتف ذكية تمكنهم من إخبار العالم بما يرونه قريبًا منهم.
  3. تحدي مفارقة الامتلاء “الإشباع المعلوماتي”: قال هيربرت سايمون (Herbert A. Simon): “المهم ليس ما تعرف، لكن كيف عرفت الذي تعرفه؟”(99). إن كثرة المعلومات أنتجت فقرًا في التركيز، وهو ما يتطلب من الفاعلين على المستوى الدولي البحث فيها، والاهتمام بالمعلومات التي لها قيمة دون غيرها، ولا يتم ذلك إلا من خلال معرفة مصادر المعلومات وغربلتها، والتحكُّم في توزيعها بين الفاعلين. كما أن المشكلة ليست فقط في إنتاج المعلومات، بل في صناعة جاذبيتها وتكييفها حسب الجهة الموجهة إليها، وتقديم صورة جيدة عن البلد المعني. فبعدما كان يُنظر للدول في العلاقات الدولية على أساس المؤشرات الاقتصادية الكلية وقوتها العسكرية، أصبح يُنظر إليها اليوم على أساس هيبتها ضمن المجتمع الدولي. وهذه الصورة لا تصنعها الدولة وحدها، بل يسهم فيها عدة فاعلين آخرين من وسائل إعلام، ومنظمات دولية، ومراكز التفكير… وتلعب مصداقية المعلومة دورًا في تسويق صورة الدولة، وبالتالي الاهتمام بإنتاج المعلومة وتسويقها، وتحضير صورة الدولة الواجب طرحها في السوق.
  4. تعدد الفاعلين الدوليين وتأثيراته على هيكل العلاقات الدولية الجديد(100): خلقت العولمة شبكة معقدة من التفاعل، إلا أن التمايز في الاستفادة من المعلومات ما زال عنوانًا في العديد من المناطق، ما يستوجب تكيفًا جديدًا للسياسة الخارجية مع هذه المعطيات بمشاركة مجموعات وأشخاص، والعمل على تقليل المسافات، لأنها تمثِّل -حسب بيتر دراكر (Peter Drucker)- خصائص للعلاقات الدولية الجديدة. وقد جعل هذا الهيكل الجديد مهام الحكومات لا تخلو من صعوبة في بناء سياسة خارجية مستقلة في ظل ارتفاع الفاعلين وتبادلهم للمعلومات على الشبكة العنكبوتية، وأهمية الدبلوماسية الرقمية في تقريب وجهات النظر، والاتفاق على أرضية عمل مشتركة، حتى مع الفاعلين الأقل وزنًا من الدول والمنظمات المختلفة. فمن يحسن استغلال المعلومات، تَزِدْ قوته الناعمة ويتسع سلطانه.
  5. سيف التكنولوجيا ذو الحدين وضعف الوعي بخطورة وسائط التواصل(101): أدت الشفافية في الإنترنت إلى اختفاء الأسرار، وغيَّرت من مقاربة التعامل لدى الجميع، وسهَّلت مسارات التواصل بين الحكومات وسفرائها ومجتمعاتها المدنية، وجعلت الجميع أكثر وعيًا بالتأثيرات الإيجابية والسلبية. ويمكن لتغريدة أو تعليق أو مقطع فيديو ناتج عن جهل باستخدام هذه التقنيات أن يهوي بصاحبه، وتنتج عنه عواقب وخيمة وصراعات حادة. ففي تغريدة للسفارة الأميركية في القاهرة، في ذكرى 11 سبتمبر/أيلول(102)، فحواها “نحن نرفض بشدة تصرفات أولئك الذين ينتهكون الحق العالمي في حرية التعبير لإيذاء المعتقدات الدينية للآخرين، “أدت إلى سجال سياسي، حيث وظَّفها الجمهوريون، ووجَّهوا عبرها الاتهام إلى إدارة أوباما بالوقوف مع “الإرهابيين الإسلاميين”.

 

خاتمة

كان للتطور التكنولوجي دور كبير في تغيُّر بنى وملامح العديد من الظواهر والموضوعات. ولعل الدبلوماسية الرقمية نتاج لتوظيف مخرجات التطور والاستخدام الاستراتيجي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي غدت جزءًا لا يتجزأ من السياسة الخارجية؛ حيث تعمل على إعادة تشكيل المعطيات وإيصالها عبر قنوات جديدة دفعت الحكومات إلى المزيد من الانفتاح في إدارة قضايا السياسة الخارجية.

لقد تغيَّرت طبيعة التعامل مع المعلومات وسُبل توظيفها، فلم تَعُدْ السرية مـجدية، بل سرعة إيصالها والحرص على مصداقيتها أصبحا رأس مال جوهريًّا في صناعة هيبة الدول ومكانتها. فغدت الدبلوماسية الرقمية أداة للتفاعل مع الشعوب من الدول الأخرى، وآلية لتكييفهم، وصناعة الأرضية لاستقبال سياسة خارجية تعمل على إيصالها بأساليب فعالة تعتمد القوة الناعمة التي ترافقها القوة الذكية. وتقوم من أجل ذلك بتوظيف وسائط التواصل الاجتماعي وفق استراتيجيات تفقه الاستعمال، وتروم الوجود بعيدًا عن حدودها الجغرافية دون إطلاق رصاصة مع تقليل الأعباء المالية.

هذه القفزة في مسار التعامل الدبلوماسي، جعلت العديد من الدول ترسم استراتيجيات ذكية لمواكبة التطور التكنولوجي الذي يمثِّل -كما خلصت إلى ذلك الدراسة- المتغير المستقل ضمن المتغيرات التي شكَّلت نسيج الدبلوماسية الرقمية، وأن وسائط التواصل الاجتماعي تشكِّل المتغير الوسيط. في حين تغدو الدبلوماسية الرقمية المتغير التابع الذي على عاتقه حُسن توظيف المتغيرات السابقة وفِقْه استعمال أدواتها لخدمة المصالح القومية، وفق الآليات الجديدة للسياسة الخارجية.

إن التأخر في انتهاج هذا المسار قد يكلِّف الذين لا يفقهون، أو لا يريدون المرافقة، عقودًا أو قرونًا من الأعباء والإكراهات، ومعاناة يصعب تدارك حلولها. ورغم ذلك فإن الدبلوماسية الرقمية، لا يمكنها أن تحلَّ محلَّ الدبلوماسية التقليدية، لكنها تعزز عمل الدولة في العلاقات الدولية وتزيد من سرعتها وفعاليتها.

المراجع

(1) مارتن كريفيتس، تيري أوكالاهان، المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، (مركز الخليج للأبحاث، الإمارات العربية المتحدة، 2008)، ص. 203.

(2) Graig Hayden, “Digital Diplomacy,” the Encyclopedia of Diplomacy, (2018): 5.

(3) موسوعة السياسة، (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1987)، ج 2، ص 856.

(4) Bridget Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,” SIT Digital Collections, (Spring 2017):11.

(5) Ibid, 11.

(6) دبلوماسية القمم هي المقاربة المفضلة في تناول القضايا الكبيرة مع القيادات صانعة القرار السياسي مباشرة. وما يزيد من أهمية تلك المقاربة هو الثقة المتبادلة ووجود عوامل كثيرة تقرِّب اللغة المشتركة بين القادة في فهم القضايا المطروحة التي تحتاج إلى اهتمام ومعالجة مشتركة، خاصة في المسائل الطارئة.

(7) Alfredo A. Rodríguez Gómez, “Diplomacia digital, adaptación al mundo digital o nuevo modelo de diplomacia?,” Opción, Año 31, no. Especial 2, (2015): 7.

(8) Viona Rashica, “the Benefits and Risks of Digital Diplomacy,” SEEU Review, Vol. 13, Issue. 1, (2018): 78.

(9) Hayden, “Digital Diplomacy,”: 3.

(10) “الدبلوماسية العامة: دراسة في المفهوم”، daralfiker.com، (ب.ت) (تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3128Kvp.

(11) Saif Shahin, “Friend, Ally, or Rival?  Twitter Diplomacy as “Techno-social” Performance of National Identity,” International Journal of Communication 13, (2019): 5102.

(12) تم استخدام مصطلح (2.0) على الشبكة العنكبوتية بعد أن كان (1.0) قصد مرافقة الانفجار في المحتوى الذي أنشأه المستخدمون عبر الإنترنت بصفحاتها المختلفة. ووُظِّف من قِبَل الدبلوماسية العامة نظرًا للدور الكبير الذي أحدثته وسائط التواصل الاجتماعي ضمن الفضاء الأزرق. وأطلق وكيل الرئيس بوش الابن للشؤون العامة، مبادرة “الدبلوماسية العامة 2.0″، التي تقضي باهتمام وزارة الخارجية بفيسبوك، وإطلاق مدونات عبر فريق للتواصل الرقمي تكون مهمته مكافحة تجنيد القاعدة لأنصارها عبر الإنترنت. وقد تداخل مصطلح الدبلوماسية الرقمية مع الدبلوماسية العامة (2.0) التي شجعت البعثات الدبلوماسية ووزارات الخارجية ودعتها إلى استخدام منصات التواصل الاجتماعي لتقوية التواصل مع جمهور معين. للتوسع انظر:

Nicholas J. Cull, “WikiLeaks, public diplomacy 2.0 and the state of digital public diplomacy,” Place Branding and Public Diplomacy, Vol. 7, (2011): 3.

(13) Villagómez Páucar Alberto, “Twiplomacy en el ministerio de relaciones exteriores del Perú,” (Universidad nacional mayor de san marcos, Facultad de letras y ciencias humanas, Universidad del Perú), 9.

(14) Luis Tomás Melgar, “Diplomacia pública: la gestión de la imagen-país,” El modelo español (tesina), (septiembre 2010): 28-30.

(15) Rashica, “the Benefits and Risks of Digital Diplomacy,”: 78.

(16) حسين علي بحيري، القوى الناعمة (المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، ب.ت) ص 5.

(17) Rodríguez Gómez, “Diplomacia digital, adaptación al mundo digital o nuevo modelo de diplomacia?,”: 9.

(18) Rashica, “the Benefits and Risks of Digital Diplomacy,”: 78-79.

(19) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 14.

(20) خالد بن إبراهيم الرويتع، “الدبلوماسية العامة الرقمية والسياسة الخارجية”، الشرق الأوسط، العدد 12785، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

(21) Rodríguez Gómez, “Diplomacia digital, adaptación al mundo digital o nuevo modelo de diplomacia?,”: 10.

(22) Rashica, “the Benefits and Risks of Digital Diplomacy,”: 77.

(23) Hayden, “Digital Diplomacy,”: 4.

(24) Shahin, “Friend, Ally, or Rival?,”: 5101.

(25) Linda Childers, “J. Grunig’s Asymmetrical and Symmetrical Models of Public Relations: Contrasting Features and Ethical Dimensions,” IEEE Transactions on Professional Communication, Vol. 32, no. 2, (June 1989): 87.

(26) Ebony Simpson, “The Four Models in Grunig’s and Hunt’s PR Theories,” linkedin.com, June 11, 2014, “accessed 2 February 2021”. https://bit.ly/3lCcpcL.

(27) Shahin, “Friend, Ally, or Rival?,”: 5103.

(28) Yunna Rhee, The employee-public-organization chain in relationship management: a case study of a government organization (Ph.D. thesis, University of Maryland, College Park, 2004), 24.

(29) Shahin, “Friend, Ally, or Rival?,”: 5103.

(30) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 6.

(31) Matthias Erlandsen Lorca, “Twitter como herramienta de para-diplomacia: un estudio cuantitativo exploratorios basado en los casos de Quebec y Cataluña,” (Tesis para optar al grado de Magíster en Estudios Internacionales, Santiago, Chile, Septiembre 2017), 55.

(32) Rafael Rubio, “Diplomacia digital: Una introducción,” Cuaderno de la escuela diplomática, no. 44, (2011): 44.

(33) Ibid, 46.

(34) Ibid, 47-48.

(35) Ibid, 49.

(36) Ibid, 50.

(37) Alfredo A. Torrealba, La República Google (Edición Española, 2018), 50.

(38) Hristina Tankovska, “Twitter: number of worldwide users 2014-2024,” Statista, February 10, 2021, “accessed February 10, 2021”. https://bit.ly/310gxdk.

(39) Rubio, “Diplomacia digital: Una introducción,”: 53.

(40) Lorca, “Twitter como herramienta de para-diplomacia,”: 61.

(41) Shahin, “Friend, Ally, or Rival?,”: 5102.

(42) Ibid, 50.

(43) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 28.

(44) Helle C. Dale, “Public Diplomacy 2.0: Where the U.S. Government Meets,” New Media, no. 2346, (December 8, 2009): 4.

(45) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 28.

(46) David De Ugarte et al., De las Naciones a las Redes, (Barcelona: Ediciones El Cobre, 2009).

(47) Lorca, “Twitter como herramienta de para-diplomacia,”: 55.

(48) Ibid, 56.

(49) Antonio Deruda, The Digital Diplomacy Handbook: How to Use Social Media to Engage with Global Audiences, (Createspace Independent Publishing Platform, 2015), 63.

(50) Torrealba, La República Google, 50.

(51) Lorca, “Twitter como herramienta de para-diplomacia,”: 57.

(52) Alfredo A. Torrealba, “La Twitplomacia,” academia.edu, (Octubre 2014), “accessed February 2, 2021”. https://bit.ly/3171gas.

(53) Lorca, “Twitter como herramienta de para-diplomacia,”: 56.

(54) Torrealba, “La Twitplomacia,”: 06.

(55) Ibid, 8.

(56) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 20-21.

(57) Efe Sevin and Ilan Manor, “From Embassy Ties to Twitter Links: Comparing Offline and Online Diplomatic Networks,” Policy & Internet, Vol. 9999, no. 9999, (2018): 2.

(58) Ibid, 3.

(59) Nicholas Westcott, “Digital Diplomacy: The Impact of the Internet on International Relations,” Oxford Internet Institute, London Research Report 16, (July 2008), 2.

(60) Ibid, 8.

(61) Ibid, 3.

(62) Ibid, 14.

(63) Ibid, 8.

(64) Ibid, 16-17.

(65) الرويتع، “الدبلوماسية العامة الرقمية والسياسة الخارجية”، مرجع سابق.

(66) Brian  Hocking, “From Twiplomacy to De-plomacy,” College of Europe, EU International Relations and Diplomacy Studies. (2017): 3.

(67) Torrealba, La República Google, 3.

(68) عماد المديفر، “الدبلوماسية الرقمية.. القوة الناعمة الجديدة”، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، (تاريخ الدخول: 2 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/2QjMBGO.

(69) Shahin, “Friend, Ally, or Rival?,”: 5100.

(70) الرويتع، “الدبلوماسية العامة الرقمية والسياسة الخارجية”، مرجع سابق.

(71) Hayden, “Digital Diplomacy,”: 5.

(72) “Global Diplomacy Index: 2017 Country Ranking,” globaldiplomacyindex, 2017, “accessed February 3”. https://bit.ly/3s6ukLc.

(73) “دبلوماسية التأثير والمجال الرقمي”، وزارة أوروبا والشؤون الخارجية، نوفمبر/تشرين الثاني 2013، (تاريخ الدخول: 2 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3tCh8Ou.

(74) وائل عبد العال، “الدبلوماسية الرقمية ومكانتها في السياسة الخارجية الفلسطينية”، مركز تطوير الإعلام، جامعة بيرزيت، 2018، ص 16.

(75) الرويتع، “الدبلوماسية العامة الرقمية والسياسة الخارجية”، مرجع سابق.

(76) Rodríguez Gómez, “Diplomacia digital, adaptación al mundo digital o nuevo modelo de diplomacia?,”: 17.

(77) “How do World Leaders use #Twitter?,” twitter.com, July 10, 2018, “accessed February 2, 2021”. https://bit.ly/314rA5d.

(78) “The most followed world leaders on #Twitter,” twitter.com, July 10, 2018, “accessed February 3, 2021”. https://bit.ly/3cb6pVz.

(79) Hayden, “Digital Diplomacy,”: 4.

(80) “International Organisations on Social Media 2017,” twiplomacy.com, November 29, 2017, “accessed February 3, 2021”. https://bit.ly/3cPSIdG.

(81) “Most Active World Leaders 2018,” witter.com, July 10, 2018, “accessed February 3, 2021”. https://bit.ly/3f04HrT.

(82) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 18.

(83) Ibid, 19.

(84) Rodríguez Gómez, “Diplomacia digital, adaptación al mundo digital o nuevo modelo de diplomacia?,”: 12.

(85) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 20-21.

(86) Rafael Rubio, “Diplomacia digital: Una introducción,”: 34.

(87) Richard Grant, “the Democratization of Diplomacy:  Negotiating with the Internet,” Oxford Internet Institute, Research Report no. 5, (November 2004): 28. (88) Daniel Aguirre Azócar, Matthias Erlandsen, “La diplomacia pública digital

en América Latina: desafíos y oportunidades,” Revista Mexicana de Política Exterior, núm. 113, (mayo-agosto de 2018): 132.

(89) Rashica, “the Benefits and Risks of Digital Diplomacy,”: 80.

(90) Rodríguez Gómez, “Diplomacia digital, adaptación al mundo digital o nuevo modelo de diplomacia?,”: 16.

(91) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 22.

(92) Rashica, “the Benefits and Risks of Digital Diplomacy,”: 81.

(93) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 22.

(94) Ibid, 23.

(95) Westcott, “Digital Diplomacy: The Impact of the Internet on International Relations,”: 15.

(96) Verrekia, “Digital Diplomacy and its Effect on International Relations,”: 25.

(97) Ibid, 25.

(98) Ibid, 26.

(99) Rubio, “Diplomacia digital: Una introducción,”: 36.

(100) Ibid, 38.

(101) Rashica, “the Benefits and Risks of Digital Diplomacy,”: 83.

(102) Ibid, 77.