تبحث الدراسة فيما إن كانت السياسات الأميركية في عهد الرئيس، دونالد ترامب، جزءًا من السياق الأميركي العام المتضاد مع إيران، أم أنها شكَّلت خصوصية في التاريخ الصراعي بين البلدين؟ وذلك في إطار المنهج الوصفي المقارن. وخَلُصَت الدراسة إلى أن سياسات ترامب خرجت عن السياقات الأميركية في التعاطي مع المجتمع الدولي وقضاياه، ووصلت إلى مساحات في الصراع مع إيران لم تصل إليها الإدارات السابقة، ورغم ذلك، سجَّلت إخفاقًا في تحقيق أهدافها بجذب طهران إلى توقيع اتفاق جديد.
كلمات مفتاحية: العلاقات الأميركية-الإيرانية، العقوبات على إيران، الانسحاب من الاتفاق النووي، النفوذ الإيراني، إدارة ترامب، اغتيال قاسم سليماني.
This study looks into whether Trump’s policies were a part of the general American context in the conflict with Iran or a particularity in the history of conflict between the two countries within the framework of comparative descriptive methodology. It concludes that they were policies differed from US contexts in dealing with the international community and its issues, and reached an extent in the conflict with Iran that previous administrations had not reached. Nonetheless, Trump’s policies failed to achieve their objective of getting Tehran to sign a new agreement.
Keywords: US-Iranian Relations, Sanctions on Iran, Withdrawal from the Nuclear Deal, Iranian Influence, The Trump Administration, Soleimani’s Assassination.
تمهيد
انتهت الفترة الرئاسية للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 20 يناير/كانون الثاني 2021، والذي منذ مجيئه وحتى رحيله من البيت الأبيض، وهو ينتهج سياسات الصدام والمواجهة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فقد أعلى من خطابات الاستعداء، ورفض مسارات تمكين الدبلوماسية والحوار التي انتهجها سلفه، باراك أوباما، وكذلك كل ما نتج عنها سواء من اتفاق نووي أنهى بدوره التقدم الإيراني نحو امتلاك السلاح النووي، أو من تصاعد وحضور إيراني في المحيط الإقليمي. وفضَّلت إدارة ترامب ممارسة سياسة الضغوط القصوى بلا هوادة في أكثر من اتجاه؛ فانسحبت واشنطن منفردةً من الاتفاق النووي، في مايو/أيار 2018، وفرضت عقوبات اقتصادية شديدة القسوة على طهران، وبالأخص تلك التي طالت قطاعيها النفطي والمالي، وكذلك العديد من مسؤوليها البارزين بمن فيهم المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي. واستهدفت تقليص أدوار حرسها الثوري بتضمينه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، ونفَّذت الإدارة عمليات اغتيال سياسية استهدفت قادة إيرانيين أو موالين لإيران من الصفوف الأولى، كل ذلك كان سعيًا لإرغام طهران على الجلوس على طاولة المفاوضات وتوقيع اتفاق جديد يشمل ملفات أخرى بجانب برنامجها النووي، وتقييد نشاطها ودحر تأثيره في مناطق نفوذها، وهو ما لم يحصل حتى انتهاء مدته الرئاسية.
- اعتبارات منهجية
أ- مشكلة الدراسة
وأمام ما سجَّلته هذه الإدارة من سياسات أميركية اتسمت في مجملها بـ”الضغط المتواصل لأقصى مدى وفي أكثر من اتجاه”، تهتم هذه الدراسة بالإجابة على سؤال رئيس، وهو: هل كانت سياسات إدارة الرئيس، دونالد ترامب، جزءًا من السياق الأميركي العام المتضاد مع إيران منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، أم أنها سجلت خصوصية أو نموذجًا مغايرًا في تاريخ الحالة الصراعية بين البلدين؟ وينبثق عن هذا التساؤل عدد من التساؤلات الفرعية، وذلك على النحو التالي:
– ما طبيعة وحدود ومسبِّبات تطور الحالة الصراعية بين أميركا وإيران؟
– ما مرتكزات السياسة الأميركية بشكل عام تجاه طهران؟
– ما مرتكزات إدارة الرئيس ترامب تجاه طهران؟
– ما دوافع سياسة إدارة ترامب الضاغطة ضد طهران؟
– ما النتائج التي حققتها إدارة ترامب بتطبيق سياسة الضغط الأقصى؟
– ما الأثر الذي تركته سياسات ترامب على مستقبل العلاقات بين البلدين خلال إدارة جو بايدن؟
ب- أهــداف الــدراسة
إن دراسة سلوك إدارة الرئيس، دونالد ترامب، تجاه طهران وبيان مرتكزاته ودوافعه وأوجه التشابه والاختلاف بينه وبين السلوك الأميركي العام تجاه طهران، وتقييم مدى أثره على المستوى الإيراني وعلى مواقف العناصر المؤثرة في المجتمع الدولي، إنما يُحقق عددًا من الأهداف، على النحو التالي:
– بيان الأسباب الحقيقية وراء الحالة الصراعية الممتدة بين أميركا وإيران.
– تحديد مرتكزات ودوافع إدارة ترامب لانتهاج سياسة الضغط لأقصى حدٍّ تجاه طهران.
– التعرف على الآليات التي اتبعتها إدارة ترامب بغية الوصول لأهدافها تجاه إيران.
– الوقوف على أوجه التشابه والاختلاف بين السلوك الأميركي العام تجاه طهران وسلوك إدارة ترامب.
– تحديد أثر سياسات الضغوط القصوى ومدى تحقيقها للأهداف.
– بيان أثر سياسات ترامب على العلاقات بين البلدين خلال فترة حكم الرئيس، جو بايدن.
ج- مــنهج الــدراسة
في ضوء الإشكالية أعلاه، تعتمد الدراسةُ المنهجَ الوصفي المقارن، الذي يبحث في أُسس تحديد الخصائص ووصف طبيعة الظاهرة ونوعية العلاقة بين متغيراتها وأسبابها واتجاهاتها والكشف عن العلاقات والروابط وأوجه الشبه والاختلاف بين مفرداتها، وبالتالي إمكانية التوصل إلى تقديم رؤية تقييمية متأصلة ومتكاملة للموضوع قيد الدراسة، وهو سياسات الرئيس الأميركي، ترامب، تجاه طهران ومدى خصوصيتها في التاريخ الصراعي بين البلدين.
ونظرًا لتعدد وتنوع متغيرات ومسارات الدراسة، وأيضًا لما تتضمنه طبيعة موضوع البحث من تعقيدات وعلاقات ممتدة ومتشابكة تحتاج إلى أكثر من مدخل لتفكيكها، فإن هذه الدراسة ستستند بجانب المنهج الوصفي المقارن إلى مجموعة من المداخل، مثل: المدخل التاريخي، من خلال استعراض الأحداث التاريخية في الفترة التي سبقت فترة الدراسة، وبالتالي اكتشاف طبيعة ونوعية وحدود المساحات الصراعية وتطورها بين البلدين، وكذلك مدخلي النخبة واتخاذ القرار بما يُقدمانه من قراءة منهجية للكيفية التي يتم بها صنع واتخاذ القرار، كونه يتطرق إلى الدائرة الأهم في القيادة السياسية في كلا البلدين والمسؤولة عن اتخاذ القرارات وتوجيه السياسات الخارجية، وبذلك سوف يتخذ الباحث من هذا المدخل سبيلًا للوصول إلى الدوافع والأسباب والعوامل التي دفعت بالقيادة السياسية في أميركا إلى انتهاج سياسات متشددة تجاه طهران.
- 2. نظرة عامة حول تطور السلوك الأميركي المتضاد مع إيران
مثَّل صعود الثيوقراطيين للحكم في إيران، عام 1979، ضربة موجعة للمصالح الأميركية ليس في طهران فقط، وإنما في المنطقة بأكملها، بأن أخلَّ بالتوازن الاستراتيجي لغير صالحها وجعلها تستدعي -في غمرة حربها الباردة- سياسات لم تكن على أجندتها، كتدخلها مباشرة لحماية مصالحها دون الاعتماد على قوى إقليمية، وهو ما انتشرت على إثره قواعدها العسكرية في دول المنطقة، فضلًا عما أحدثه صعودهم من تغير جذري في توصيف العلاقات بين البلدين، فمن التحالف الوثيق طوال فترة الشاه الابن إلى الخصومة والصراع، فأصبح هناك أمران يحكمان نوعية وتطور سلوك الأميركي تجاه طهران:
– الأول: طبيعة ونوعية الوقائع والأحداث الحاصلة ومدى تأثيرها.
– الثاني: رؤى وتوجهات الإدارات الأميركية المتعاقبة في كيفية إدارة الصراع مع النظام الحاكم في إيران.
وتُعد واقعة اقتحام الطلاب الإيرانيين للسفارة الأميركية، واحتجازهم لاثنين وخمسين من الأميركيين، أولى الوقائع المهمة في دلالاتها وتبعاتها على تطور السلوك الأميركي المتضاد مع طهران، والتي نتج عنها انقطاع للدبلوماسية المباشرة بين البلدين، والبدء في فرض العقوبات بمصادرة الأصول والأرصدة والحسابات المصرفية الإيرانية في الداخل الأميركي، ونتج عنها أيضًا شروع في استخدام القوة العسكرية لأجل تحرير الرهائن، ولكن فشلت الطائرات الأميركية في عبور صحراء طبس لإنقاذهم، والذين تم الإفراج عنهم بوساطة جزائرية فور وصول رونالد ريغان إلى الحكم، في يناير/كانون الثاني 1981، وذلك مقابل إلغاء أميركا قرارها بتجميد الأرصدة والحسابات المصرفية دون الأصول(1).
وستظل، في نظر الباحث، واقعة اقتحام السفارة إحدى أهم وأبرز الوقائع ذات الدلالات التاريخية وراء تعميق الحالة العدائية بين البلدين، التي تأكدت أميركا بوقوعها مدى معادة النظام الثيوقراطي لها، فتركت بدورها أثرًا سلبيًّا ممتدًّا في الرؤية الأميركية تجاه النظام الإيراني، لا يختلف عن تلك الرؤية المتجذرة في المخيِّلة الإيرانية، التي تركها الدور الأميركي في الانقلاب على حكومة مصدق؛ حيث أضاع على بلادهم فرصة التأسيس للديمقراطية، ما تسبَّب في بناء كرة ثلج من انعدام الثقة وحاجز كبير أمام الممارسات الأميركية تجاه بلادهم جعلتهم يتشككون دائمًا في دوافعها وسلوكها(2).
وفي فترة الثمانينات، ومع نشوب الحرب العراقية-الإيرانية، عام 1980، وبعكس إدارة جيمي كارتر التي كانت في أواخر عهدها ويغلب على سلوكها الطابع الانتقامي جرَّاء واقعة اقتحام السفارة؛ فدعَّمت وزوَّدت العراق بالمعدات العسكرية ومليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والتكنولوجية(3)، تبنَّت إدارة رونالد ريغان سلوكًا أقرب للاحتواء منه للمواجهة. فرغم فرضها للعقوبات وفقًا لأهداف تقييدية بسبب ممارسات إيرانية ضد المصالح الأميركية كتفجير ثكنة مشاة البحرية الأميركية في لبنان، عام 1983، والتي راح ضحيتها نحو 241 جنديًّا أميركيًّا، وصُنِّفت طهران على إثرها ضمن الدول الراعية للإرهاب(4)، فإنها غضَّت الطرف عن صفقات سلاح إسرائيلية للحكومة الإيرانية. وأخذت تتفتح قنوات اتصال بين الجانبين بوساطة إسرائيلية ما بين عامي 1985 و1986 حول تزويد طهران بالسلاح مقابل إطلاق الرهائن المحتجزين من قبل حزب الله في لبنان(5)، إلا أن الرياح جاءت بعكس ما تشتهي السفن، وتحوَّل الأمر إلى فضيحة كبرى لإدارة ريغان سُميت بفضيحة إيران-جيت أو الكونترا(6)، التي لا يمكن اعتبارها حدثًا عابرًا في الحالة الصراعية بين البلدين؛ لأنها أكدت من جهة تراجع المعيار العقائدي للعداء الإيراني تجاه أميركا لصالح معايير المصلحة الوطنية، ومن جهة أخرى، ما أعقبها من حذر متصاعد من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة للتواصل مع النظام الإيراني، لأنها قضت على مستقبل العديد من المسؤولين الأميركيين.
ومع بلوغ فترة التسعينيات، حصل تطور كبير في الحالة الصراعية بين البلدين، التي نتج عنها نمو متصاعد ومتعدد الأوجه للسلوك الأميركي المتضاد مع إيران، وذلك مع بدء إرهاصات حول المساعي الإيرانية نحو الطاقة النووية وغيره من المواقف للنظام الإيراني غير المتسقة مع التوجهات والأهداف الأميركية في المنطقة، كموقف طهران الرافض لعملية التسوية العربية-الإسرائيلية، واتهامها بدعم عمليات إرهابية عدة(7). فشهدت هذه الحقبة المزيد من فرض العقوبات الأميركية ذات المغزى الاقتصادي والتجاري والعسكري، فكانت من جانب تختص بالمعاملات التجارية بين أميركا وإيران. ومن جانب آخر، اتسعت لتشمل الشركات الأجنبية غير الأميركية التي تستثمر في إيران، فصدر الأمر التنفيذي رقم (12957)، الذي حظر التعاملات النفطية بين أميركا وإيران، والقرار رقم (12959) الذي حظر جميع المعاملات التجارية والمالية مع طهران(8)، وقانون احتواء إيران عام 1995، والذي عُرِف بقانون داماتو (ILSA)، وتبنَّى فرض عقوبات على الشركات الأجنبية المتعاملة مع كل من ليبيا وإيران في مجال النفط والغاز وتزيد استثماراتها على أربعين مليون دولار(9)، والذي قوبل برفض دولي واسع؛ فاعتبرته فرنسا حصارًا اقتصاديًّا، وأكدت ألمانيا انتقادها للقانون وطالبت بالحوار فضلًا عن إنهاء العقود بهذه الطريقة، فيما أدانت القانونَ كل من الصين وكوريا الشمالية وأكدتا بذل الجهود لزيادة التبادل التجاري مع إيران، أما روسيا فقد رفضت القانون واعتبرته شرطًا أميركيًّا عليها(10).
ناهيك عن قانون منع الانتشار الخاص بإيران، الذي قدمه النائب بنيامين جيلمان، في سبتمبر/أيلول 1999، وعزَّز بدوره الرقابة التشريعية على تهريب الأسلحة إلى إيران من خلال إلزام الرئيس الأميركي بأن يُقدِّم تقريرًا عن جميع الكيانات الأجنبية التي تنقل البضائع إلى إيران، ويمكن أن تسهم في تطوير الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية أو أنظمة الصواريخ الباليستية أو صواريخ كروز(11).
ومن الملاحظ خلال هذه الحقبة، أن السلوك الأميركي المتضاد مع إيران وفي سياق تناميه، هو تنوع مساراته وانتقاله من حيز العقوبات على مستوى التعاملات التجارية بين أميركا وإيران إلى حيز العقوبات على مستوى الشركات الأجنبية الأخرى المتعاملة مع إيران، لاسيما في مجالات النفط، والتي لم تكن تروق للأطراف المؤثرة في المجتمع الدولي، وبالتالي لم تترك أثرًا فعالًا حينها لغياب التوافق الدولي وعدم اعتراف العديد من الدول بها.
ولكن مع بداية الألفية الجديدة ووقوع أحداث 11سبتمبر/أيلول 2001، وانكشاف المساعي الإيرانية النووية، بإعلان مجموعة إيرانية معارضة، في أغسطس/آب 2002، أن إيران تطور منشآت نووية، وتوصُّل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في فبراير/شباط 2003، إلى استنتاج يُفيد بأن منشآت تخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز وإنتاج الماء الثقيل في منشأة آراك، أكثر تطورًا وأقرب إلى المراحل النهائية من اكتمالها(12)، بدأ يأخذ السلوك الأميركي المتضاد تجاه طهران مسارًا مدعومًا دوليًّا تجسَّد في العقوبات الأممية، وذلك بجانب المسار الأحادي الذي اتسعت أنواعه ليطول العديد من القطاعات الاقتصادية الإيرانية، فضلًا عن شموله لشخصيات وكيانات إيرانية بتهمة الارتباط بالبرنامج النووي والصاروخي، وأصبح أكثر تأثيرًا بتوسيع دائرة العقوبات على حسابات المصارف الأجنبية على الأراضي الأميركية.
كما أن إدراج إدارة جورج بوش الابن لإيران ضمن دول محول الشر، في يناير/كانون الثاني 2002، بعد أربعة أشهر فقط من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، يُعد متغيرًا ومحطة أخرى لها تداعياتها في تطور الحالة الصراعية بين البلدين؛ ومبررًا اتسعت به حزمة العقوبات على إيران، وترسخت به مفاهيم انعدام الثقة من الجانب الإيراني تجاه السلوك الأميركي، وذلك عندما صنَّف الرئيس بوش الابن إيران ضمن دول محور الشر جنبًا إلى جنب العراق وكوريا الشمالية. وهو ما مثَّل صدمة للإيرانيين، لاسيما بعد التواصل الإيجابي في الملف الأفغاني، وما قدَّمته إيران من دعم للإدارة الأميركية في إسقاط حكومة طالبان، من خلال موافقتها على الدفع بإنقاذ أية قوات أميركية قد تتعرض لمشكلات أثناء مواجهاتها الحربية، وسماحها باستخدام أحد موانئها لشحن القمح إلى مناطق الحرب في أفغانستان، فضلًا عن دعمها اللوجستي والعسكري لقوات التحالف الشمالي حتى سيطرت على العاصمة الأفغانية، كابول(13).
ورغم ما كانت تُبديه إدارة بوش من اتباع لسلوك متشدد تجاه إيران، ورؤيتها بأن السبيل الوحيد لمواجهة طهران هو تغيير بنيتها الحاكمة(14)، واتباعها لـ”قواعد هادلي”، وكانت هذه القواعد تقوم على سياسية “التنفيذ ومن ثم الحديث”(15)، فإن قنوات الاتصال ظلت مفتوحة، وكذلك الارتكان إلى المسارات الدبلوماسية موجودًا؛ فأرسلت الخارجية الأميركية، في فبراير/شباط 2002، رسالة تهدئة لإيران عبر السفارة السويسرية، تؤكد فيها رغبتها في الحوار وحل الخلافات(16).
وقد عاودت إيران الكرَّة بالفعل من خلال هذه القنوات، بتقديم الدعم والمساعدة للأميركان أثناء الغزو العراقي، في مارس/آذار 2003، وهو ما كشفه مايكل غوردن (Michael Gordon) في صحيفة “نيويورك تايمز”، بعرضه لكتاب “المبعوث” لزلماي خليل زاده، بأن اتفاقًا سريًّا بين واشنطن وطهران سبق الغزو الأميركي للعراق؛ عُقد في جنيف بين السفير الإيراني بالأمم المتحدة، جواد ظريف، ومسؤولين أميركيين بينهم خليل زاده. وحصلت أميركا بموجب هذا الاتفاق على تعهد إيراني بعدم إطلاق النار على الطائرات الأميركية في حال دخلت الأجواء الإيرانية(17)، وتقديم طهران للمعلومات حول المنافذ التي يمكن أن يهاجم من خلالها العراق القوات الأميركية، فضلًا عن إغلاقها لحدودها مع العراق لمنع تسلل القوات العراقية ناحية البحر والالتفاف على القوات الأميركية، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة حينها إنجازًا إيرانيًّا أحكم قبضتها على العراق(18).
ويمكن تسمية التعاون في هذه الأجواء المفعمة بالشك بـ”حتمية التعاون”، الذي اقتضته الأحداث، فالأميركان يريدون تأمين دخولهم إلى العراق وعدم فتح جبهتين أثناء عملية الغزو بجانب الدعم اللوجستي في حال احتاجت إليه. أما إيران فارتأت في الغزو الأميركي رغم أنه يأتي بالأميركان بالقرب من حدودها إلا أنه فرصة لإزاحة الحزب البعثي المعادي لها، ويعطي مساحة أكبر للمكوِّن الشيعي الموالي لها في الداخل العراقي، وهو ما حدث بالفعل، فقد منحت الإدارة الأميركية بغزوها العراق الفرصة لاتساع قاعدة النفوذ الإيراني فيه.
وفي خضم هذه الأحداث، كثَّفت أميركا الجهود نحو مزيد من الضغوط على الدول التي تُقدِّم المعرفة النووية لطهران، وتكلَّلت مساعيها بإصدار قرارات أممية ضد طهران، مثل: القرار رقم (1696)، الذي جعل من مطالبات وكالة الطاقة الذرية لإيران أمرًا ملزمًا قانونًا(19)، والقرار رقم (1737) الذي بموجبه تم فرض حزمة من العقوبات على برنامج إيران النووي؛ تمثَّلت في منع الدول من نقل التكنولوجيا الحساسة المرتبطة بالصواريخ النووية إلى إيران، فضلًا عن تجميد أصول عشر منظمات إيرانية واثني عشر شخصًا لتورطهم في برامج إيران النووية والصاروخية(20)، وتوالت القرارات كالقرار المكمِّل رقم (1747) القاضي بمنع تصدير الأسلحة إلى إيران وتجميد الأصول المالية لثمانية وعشرين إيرانيًّا مشتبه بعلاقتهم بالبرنامج النووي(21).
ولكن مع وصول الرئيس، باراك أوباما، حصل تغير كبير يتضاد والسلوك الأميركي العام مع إيران؛ إذ لم يعتقد أوباما بجدوى سياسات المواجهة وإطلاق التهديدات، وتوجيه الخطابات العدائية، والاعتماد على الوسطاء للحدِّ من استكمال إيران لبرنامجها النووي أو رعايتها للإرهاب -على حدِّ وصفه- أو حتى عدولها عن تطلعاتها الإقليمية(22)، وإنما تبنَّى سياسات انتهجت الدبلوماسية والحوار، والعمل على إعادة بناء جدران الثقة المفقودة؛ وذلك باستهدافه رفع كُلفة مواصلة إيران لبرنامجها النووي مصحوبًا في الوقت نفسه بجملة من المحفزات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية، التي يمكن أن تحصل عليها طهران في حال غيَّرت من سلوكها.
ولم تكن سياسات الرئيس أوباما تجاه إيران بديلة عن فلسفة القوة ومضامينها التي تنتهجها في الغالب الإدارات الأميركية، فقد اتبعت أيضًا سياسة فرض العقوبات على أنواعها، سواء تلك المتعلقة بالاستثمار وغسيل الأموال وتقييد قطاعات اقتصادية كالسيارات، أو ذات الارتباط بالكيانات الإيرانية كالحرس الثوري وقوات الباسيج وقوات إعمال القانون، ولكنها سياسات ركَّزت على إعادة الاتزان للسياسة الأميركية، دون إحداث تغييرات جوهرية أو بنيوية في الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران، وإنما تعديل للسلوك المتبع، وإعادة ترتيب للأولويات، وتقديم صياغات ومحاور وآليات ذات سمات مرنة تتقدمها قيم العمل المشترك، للوصول إلى الأهداف المراد الوصول إليها(23)؛ إذ حققت سياسات أوباما أهدافها تجاه إيران، وذلك بإيقاف تقدم برنامجها النووي، وإخضاعه للرقابة الدولية بتوقيع الاتفاق النووي، في 14 يوليو/تموز 2015.
- سياسات إدارة ترامب ودوافعها تجاه إيران
منذ أن تولى الرئيس، دونالد ترامب، مهامه الدستورية، في يناير/كانون الثاني 2017، وانتهائها، في يناير/كانون الثاني 2021، وكان متبنيًا لأهداف استراتيجية اتسمت في مجملها بالتشدد تجاه طهران، وهو ما لم يختلف عن غالبية الإدارات الأميركية السابقة حتى الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الذي اتفق مع سابقيه في الأهداف، ولكنه اختلف في طرقه للوصول إليها.
أ- الأهداف الاستراتيجية لإدارة ترامب
كان الرئيس ترامب قد أطلق استراتيجيته تجاه طهران، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، والتي أكدت بحسب بنودها، العودة مرة أخرى إلى حالة الصراع بين الطرفين، تلك الحالة التي أخذت قسطًا من الهدوء خلال إدارة الرئيس أوباما؛ وذلك بتبنيها سياسات الصراع والمواجهة، وارتكزت على مجموعة من الأهداف، يمكن أن نوجزها على النحو التالي(24):
– حرمان النظام الإيراني بكافة الوسائل الممكنة من امتلاك السلاح النووي.
– تحييد نفوذ الحكومة الإيرانية في المنطقة، وتقييد عدوانها المزعزع للاستقرار.
– تجفيف مصادر التمويل للحرس الثوري الإيراني، وحشد المجتمع الدولي لإدانته فيما يتعلق بقضايا انتهاكات حقوق الإنسان ضد المواطنين الإيرانيين والأجانب.
– تقييد دعم إيران للإرهاب بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية عليها.
– إعادة صياغة حركة التحالفات التقليدية والشراكات الإقليمية ضد التخريب الإيراني.
– العمل على مواجهة تهديدات منظومة صواريخ إيران الباليستية وأسلحتها الأخرى.
وفي السياق ذاته، لم تخرج وثيقة الأمن القومي، التي أقرَّتها الإدارة الأميركية، في ديسمبر/كانون الأول 2017، عن الإطار السابق؛ إذ كانت إيران حاضرة ضمن فحواها، والتي عكست صورة متشددة تجاه إيران بتركيزها على ما تُمثِّله الأخيرة من خطر متزايد على المصالح الأميركية، وكذلك على حلفائها وأمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها بشكل عام؛ إذ أوجزت الوثيقة الخطر الإيراني في وصفه بـ”النظام الديكتاتوري الساعي إلى تقويض المنطقة وزعزعة أمنها، ويُهدِّد الحلفاء الأميركيين، ويرتكب الأفعال الوحشية بحق شعبه”(25).
وقد كانت هذه الوثيقة وتلك الاستراتيجية، من حيث الشكل أقرب في العديد من عناصرها للمتعارف عليه من مخرجات الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه طهران؛ فهي ذاتها الأهداف التي طالما كانت تسعى لأجلها غالبية الإدارات الأميركية، خاصة منذ بداية الألفية الجديدة وانكشاف البرنامج النووي الإيراني، ولكن الاختلاف -كما يكمن في التفاصيل وآليات التنفيذ- يتمثَّل في المسارات والخطوات المتبعة لكيفية تحقيق الأهداف. فقد اعتقدت إدارة الرئيس ترامب، دون الرئيس أوباما -كما أسلفنا- أن سياسات المواجهة والتشدد والدفع بالعقوبات القاسية بلا سقف، ربما تُمكِّنه من إجبار طهران على الجلوس مرة أخرى للتفاوض وتوقيع اتفاق جديد، وهو ما لم يحصل بسبب العديد من العوامل، سواء ما يتعلق بما أبدته المجموعة الغربية من تمسك بالاتفاق النووي -وهو ما نرصده لاحقًا- وعدم الانجرار وراء الولايات المتحدة في مساراتها المتبعة تجاه إيران، أو ما حصلت عليه طهران من مكتسبات أعقبت -على محدوديتها- الاتفاق النووي، وما أبدته كذلك من استراتيجية مقاومة مفادها: “التحمُّل واستيعاب الضغوط”.
ب- دوافع انتهاج سلوك المواجهة
لم يكن التحوُّل في السياسة الأميركية تجاه طهران، بالرجوع إلى سابق عهدها لما قبل الرئيس الأسبق، باراك أوباما، إلا نتاجًا لعدد من العوامل، التي حفَّزت على العودة مرة أخرى إلى حالة الصراع واتباع نهج السياسات العدائية مع إيران، وتحمل على أهميتها أحد مفاتيح الولوج لفهم الأسباب وراء اتباع هذه السياسات، والتي يمكن بيانها على النحو التالي:
- عوامل تتعلق بالمدركات والسمات الشخصية للرئيس ترامب، وقناعاته ومعتقداته، فهو كان أقرب إلى التوجه الفكري لليمين المتشدد، المتبنِّي للنزعة الأحادية الإقصائية، وهو ما انعكس على سياسته الخارجية بشكل عام وتجاه إيران على وجه الخصوص، فكانت أكثر فرديةً وتشددًا وميلًا إلى فرض مساراتها دون النظر إلى اعتبارات مصالح الشركاء.
- عوامل تتعلق بالتطوير العسكري الإيراني، خاصة برنامجها للصواريخ الباليستية المتوسطة وبعيدة المدى، والشكوك حول قدرتها على حمل رؤوس نووية، إضافة إلى مخاوف انتشارها الإقليمي. فقد أحرزت طهران نجاحات مستمرة فــي تطويــر صواريــخ باليستية قريبـة ومتوسـطة المـدى تعمـل بنظـام الدفـع بالوقـود الصلـب؛ كتلك التي استخدمتها طهران بمدى 700 كم في ضرباتها، عامي 2017 و2018، ضد “تنظيم الدولة” في سوريا، واختبارها، فـي ينايـر/كانون الثاني 2017، لصـاروخ (خرمشـهر) الباليستي، الـذي تم الإعلان عنه لأول مـرة فـي عـرض عســكري، فــي ســبتمبر/أيلول 2017، ويُعتقد أنـه صـاروخ يتـراوح مداه بيـن المتوسـط وفـوق المتوسـط ويُقـدَّر أقصـى مـدى لـه بــ2.000 كم(26). وهناك صاروخ قاسم سليماني (سطح/سطح) الذي أطلقته طهران، في أغسطس/آب 2020، ويبلغ مداه 1400 كم، فضلًا عمَّا تناقلته تقارير إخبارية من أن طهران تسعى إلى تطوير صاروخ بمدى قد يصل إلى 5000كم، وكذلك إلى تطوير صواريخ كروز، رغم ما تحتاجه هذه الصواريخ من تكنولوجيا ربما تفوق قدرات إيران في الوقت الحالي(27).
- عوامل تتعلق بقوى رافضي الاتفاق النووي في الداخل الأميركي، وعلى رأسهم لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية (الأيباك)، التي -وفقًا للسجلات العامة بمجلس الشيوخ الأميركي- أنفقت على الضغط المباشر لأجل رفض الاتفاق النووي في فترة ستة الأشهر السابقة لتمريره بالكونغرس الأميركي نحو1.7 مليون دولار(28)، وكذلك مجموعة الشخصيات الأميركية من الجمهوريين المتشددين، الذين ضمهم ترامب إلى فريق عمله مع بداية توليه الحكم ويتبنون مواقف متشددة تجاه إيران، مثل: مايكل فلين، الذي سرعان ما استقال من منصبه كمستشار للأمن القومي، بعد اتهامات بالاتصال بالروس، والسيناتور جيف سيشنز، الذي رغم أنه كان من أشد مؤيدي الرئيس ترامب عند ترشحه في الانتخابات الرئاسية، إلا أنه استقال من منصبه بناء على طلب من ترامب بسبب رفضه التحقيق في قضية التدخل الروسي في الانتخابات، والنائب مايك بومبيو، مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية ومن ثم وزيرًا للخارجية، في أبريل/نيسان 2018.
- عوامل تتعلق بتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما بات واضحًا في مناطق كالعراق وسوريا وأفغانستان واليمن وغيرها، رغم أن عامل تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة شبه مستمر أو بالأحرى موضوع دائم الحضور، إلا أنه ربما يرتبط أكثر بالنسبة لإدارة ترامب بسياقات التبرير لسياسات الضغوط القصوى تجاه إيران وحشد المعلومات والأدلة ضد السياسة الإيرانية أمام المجتمع الدولي، وبالتالي دفع الأطراف الدولية والإقليمية، خاصة العربية منها، للاصطفاف خلف الولايات المتحدة في مواجهة إيران(29).
- عوامل تتعلق بالخصوم الإقليميين لإيران، كالسعودية وحلفائها الخليجيين والعرب، الذين يرون في إيران دولة عدوانية تُهدِّد مصالحهم في المنطقة، لذا أيدوا سياسات إدارة ترامب تجاه طهران أملًا في تحجيم دورها والحد من برنامجها الصاروخي خاصة، ونفوذها المتصاعد في المنطقة على وجه العموم، وكانوا من أوائل الدول التي رحبت بالانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي والمؤيدة لإعادة فرض العقوبات على طهران(30)، فضلًا عن إسرائيل، التي بخلاف بقية دول المنطقة ومنطلقاتها الصراعية مع إيران، ترى في النظام الإيراني تهديدًا وجوديًّا بالنسبة لها؛ وبذلك رفضت رفضًا قاطعًا الاتفاق النووي ودفعت لإيقاف تمريره بالكونغرس، واعتبرته خطأ تاريخيًّا سوف يُمكِّن إيران من امتلاك القدرة على إنتاج الأسلحة النووية(31)، واستمرت في الضغوط لأجل دفع إدارة ترامب إلى الانسحاب منه، ومنها -مثالًا لا حصرًا- تلك الكلمة التليفزيونية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل قرار الإدارة الأميركية بالانسحاب، والتي حملت في توقيتها دلالات التنسيق بين الإدارتين، الأميركية والإسرائيلية، وعرض فيها نتنياهو ما وصفها بالأدلة على برنامج إيران السري للأسلحة النووية(32)، ناهيك عن الترحيب الإسرائيلي البالغ بالانسحاب واعتباراه قرارًا أميركيًّا شجاعًا.
إن انطلاق إسرائيل في صراعها مع إيران من منظور وجودي، جعلها تُمارس العديد من الضغوط لأجل فرض القيود الدولية على إيران؛ فمنذ انكشاف المساعي النووية الإيرانية، عام 2002، هددت مرارًا وتكرارًا بتوجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهناك ترجيحات وفرضيات كبيرة بأن إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وراء العديد من الهجمات السيبرانية على المنشآت النووية الإيرانية، كاستهداف منشأة نطنز بفيروس “ستكسنت” (Stuxnet) الإلكتروني، في عام 2010(33)، وكذلك في عام 2021 عندما هوجمت المنشأة ذاتها عقب إعلان الرئيس روحاني بدء ضخ غاز اليورانيوم (uf6) في أجهزة الطرد المركزي، وتم على إثره تعطيل شبكة الكهرباء الخاصة بالمنشأة ما تسبب في خسائر جسيمة أوقفت عمليات التخصيب في المنشأة، ووجهت إيران أصابع الاتهام المباشر إلى إسرائيل بأنها وراء الحادث(34)، فضلًا عن سلسلة الانفجارات التي شهدتها مواقع نووية وبتروكيميائية ومحطات طاقة إيرانية خلال عام 2020، ومن المرجح أنها هجمات سيبرانية من قِبَل الولايات المتحدة وإسرائيل.
- التشابه والاختلاف بين سلوك إدارة ترامب والسلوك الأميركي العام تجاه إيران
اتبع الرئيس ترامب لأجل الوصول للأهداف -آنفة الذكر- مجموعة من الإجراءات التي تجسدت في قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادته لفرض العقوبات بلا هوادة، واتباعه مسارات تقييدية عدَّة بغية الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، ما أعطى إيحاء بأن هذه الإدارة تختلف في طريقة تنفيذها لأهدافها تجاه طهران عن بقية الإدارات الأميركية.
ولإدراك مدى الاختلاف والخصوصية في سلوك إدارة ترامب، أو اعتياديته في التاريخ الصراعي بين أميركا وإيران، نحاول من خلال هذا المحور تفكيك سلوك هذه الإدارة مقارنة بالإدارات الأميركية السابقة، تجاه عدد من القضايا الصراعية بين البلدين.
أ- الملف النووي الإيراني
جاء سلوك إدارة ترامب تجاه الملف النووي الإيراني معبِّرًا عن مدى الرفض التام لامتلاك إيران للطاقة النووية شأنها في ذلك شأن بقية الإدارات الأميركية، فضلًا عن رفض الطريقة التي عالجت من خلالها إدارة أوباما هذا الملف؛ فكان إعلان ترامب، في مايو/أيار 2018، انسحاب بلاده منفردةً من الاتفاق النووي الموقع بين إيران والمجموعة الدولية، في 14 يوليو/تموز 2015؛ إذ رأى ضرورة العمل على عقد اتفاق جديد يكون قادرًا على تحجيم طموحات إيران النووية، لأن الاتفاق -بحسب تبريراته- ليس إلا إرجاءً للملف النووي لما في ثناياه من تساهل يسمح لإيران بتجاوزه، وأنه أيضًا غضَّ الطرف عن البرنامج الصاروخي الإيراني، والدور الإقليمي لطهران المزعزع للاستقرار والأمن في المنطقة، فضلًا عن أنه لم يضع حدًّا لدعمها العسكري والمالي للميليشيات المسلحة في محيطها الإقليمي.
ولم يكن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي منفصلًا عن السلوك العام لهذه الإدارة، التي رفعت شعار “أميركا أولًا”، فانسحبت بالولايات المتحدة من منظمات واتفاقيات دولية عدة كاتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، في يناير/كانون الثاني 2017، واتفاق باريس للمناخ، في يونيو/حزيران 2017، وكذلك من منظمة اليونسكو، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، ومن وكالة الأونروا، في يناير/كانون الثاني 2018، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في يونيو/حزيران 2018، ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها من المنظمات والاتفاقيات. فقد كان ترامب يرغب في النأي ببلاده عن التزاماتها الدولية، وذلك من منطلق أنها اتفاقيات ومنظمات ذات عبء مالي على أميركا ولا تتماشى أو تحقق مصالحها الوطنية العليا؛ رغم أنه على مدار التاريخ الأميركي الممتد لم تتبنَّ الإدارات الأميركية سياسة الانسحاب من اتفاقيات أو منظمات دولية إلا فيما ندر، بل على العكس، ظلت السمة الغالبة لأميركا أنها أكثر انخراطًا وتبنيًا لإنشاء ودعم المؤسسات والمنظمات الدولية، ومثَّلت طرفًا أساسيًّا في العديد من الاتفاقيات الدولية التي نظمت أُسس وآليات التعامل في النظام العالمي، وذلك انطلاقًا من قناعاتها الراسخة بأنها من متطلبات بقائها على قمة الهرم الدولي.
ويبدو أن غلبة النزعة القومية والأحادية الإقصائية للرئيس ترامب، وعدم تقبله لمسارات تعاطي الرئيس أوباما مع إيران، ورغبته في التخلص من إرثه مهما كانت النتائج، وقناعاته بقدرته على إجبار طهران على توقيع اتفاق جديد، شكَّلت دافعًا لتبني إدارته هذا السلوك التراجعي، دون النظر بشمولية وتكامل لما يمكن أن تُسفر عنه خطوة الانسحاب من نتائج، وإنما نظرت إلى المكاسب على المستوى الضيق ذات الارتباط بمصالح الحلفاء الإقليميين والتكتلات الرافضة للاتفاق مع طهران. فأضرَّ الانسحاب من جانب بمكانة وسمعة الولايات المتحدة في المجتمع الدولي، وجعلها تظهر بمظهر الطرف غير المسؤول من خلال تآكل مصداقيتها كشريك موثوق به في عقد الاتفاقيات الدولية؛ إذ سجل انسحابها انتهاكًا لاتفاقية دولية وقرارًا للأمم المتحدة برقم (2231)، وجاء في ظل المحاولات الأوروبية لإقناع الرئيس الأميركي بالعدول عنه(35)، وكذلك في ظل عدم انتهاك إيران لبنوده في تلك الأثناء، وهو ما أثبتته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بأن إيران كانت ملتزمة بالمتطلبات الرئيسية للاتفاق النووي مع المجموعة الدولية، وبما يتفق مع ممارسات الضمانات المعيارية للوكالة(36). ومن جانب آخر، أضعف وضعها القانوني ضمن الإطار العام للاتفاق؛ حيث ظهر موقفها تجاه تفعيل آلية فض المنازعات بأطر غير قانونية، فضلًا عن تقويضه لقيمة وأهمية تعددية الأطراف والمؤسسات الدولية، لاسيما تلك التي تعمل من أجل إحلال الأمن في النظام العالمي بعدم الانتشار النووي كوكالة الطاقة الذرية(37).
ورغم ما كانت تفرضه مبررات الإدارة الأميركية المعلنة للانسحاب من أهمية وأولوية لا يمكن إغفالها أو تجاهلها، وإنما وفقًا لسياقات الطرح والتفاوض، لا يمكن أن تصل إلى قرار بالانسحاب؛ والذي سيظل -في نظر الباحث- من أكثر القرارات الأميركية إثارة للتساؤل والبحث حول مدى استيعاب صنَّاعه لأبعاده ونتائجه، ليس فقط لعدم تحقيق أهدافه سواء بإجبار طهران على توقيع اتفاق نووي جديد أو الدفع بانسحاب بقية الأطراف الموقعة منه، والذي لم يحصل حتى نهاية فترته الرئاسية، وإنما كذلك لانعكاساته السلبية على المكانة المحورية للولايات المتحدة كدولة عظمى ترعى وتدعم الالتزام بالاتفاقيات الدولية، ووضعها فيما يشبه العزلة عن الساحة الدولية ومتطلبات أطرافها.
وبجانب أن سلوك الإدارة الأميركية بالانسحاب أخلَّ بالمكانة الدولية لأميركا التي طالما كانت مقصدًا للإدارات الأميركية المتعاقبة بالحفاظ عليها، اتسم بابتعاده عن سياقات العمل المشترك، وأظهر عدم المراعاة لمصالح الحلفاء التاريخيين من الأطراف الأوروبية، الذين خالفوا التوقعات وأظهروا تمسكًا بالاتفاق النووي طوال السنوات الأربعة الماضية ورفضوا الانضمام إلى حملته للضغوط القصوى، وهو تمسك على رخاوته، لم تضعه الإدارة الأميركية في الحسبان، وذلك بدءًا من إعلانهم بوضوح عقب الانسحاب الأميركي بقرابة أربعة الأشهر، على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في اجتماع مجلس الأمن المنعقد في أواخر سبتمبر/أيلول 2018، وكان يرأسه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تمسكه وكافة الأطراف الموقِّعة على “خطة العمل المشتركة الشاملة” بقوله: “إن الاتفاق بمنزلة الخطوة الحاسمة في منع امتلاك إيران للسلاح النووي”(38).
وللتقليل من الآثار الاقتصادية الواقعة على طهران جرَّاء الانسحاب الأميركي؛ قدمت الدول الأوروبية مساعدات مالية -على محدوديتها- لإيران في الربع الأخير من عام 2018 بنحو 18 مليون يورو كجزء من حزمة مساعدات مالية أوسع تُقدَّر بـ50 مليون يورو للمساعدة في تعويضها عن تأثير العقوبات الأميركية وإنقاذ الاتفاق النووي(39)، فضلًا عن المحاولات المستمرة لإيجاد آلية قانونية يمكن من خلالها مواصلة شراء النفط من إيران في ظل العقوبات الأميركية المفروضة(40). فأعلنت الدول الأوروبية، في 31 يناير/كانون الثاني 2019، عن آلية دعم المبادلات التجارية “إينستكس” (Instex)، وذلك بعد رفض بعض دول الاتحاد الأوروبي لآلية التعامل المالي (Special Purpose Vehicle-SPV)، لعدم تضمنها ضمانات كافية في معالجة السلوك الإيراني؛ وتوفر هذه الآلية للشركات والبنوك الأوروبية مسارات تجارية جديدة للأعمال المرتبطة بإيران، بحيث تتراكم فيها الصادرات الإيرانية إلى أوروبا كائتمان يمكن استخدامه في عمليات الشراء من مورِّدين أوروبيين(41). وقد نفذت هذه المنصة بالفعل أولى عملياتها بتصدير منتجات ذات صفة طبية إلى إيران(42)، كما أبدى الأوروبيون موقفهم المعارض للضغوط الأميركية فيما يتعلق بعودة العقوبات الدولية ذات الارتباط بفكِّ حظر التسلح على إيران، وذلك رغم الخطوات المتتالية للأخيرة في تخفيض التزاماتها النووية، وربما جاء هذا الموقف المعارض للأوروبيين بعودة العقوبات الدولية إلى قناعاتهم بعدم قدرة طهران على تنفيذ صفقات تسلح ضخمة نظرًا لتردي اقتصادها، وأن الأولوية للتفكير حول كيفية التعامل مع قرب انفكاك الحظر المفروض المرتبط بالصواريخ الباليستية والمقرر رفعه عام 2023(43).
ورغم ما كان يُشير إليه حجم الأهمية التي كان ولا يزال يمثِّلها الاتفاق النووي بالنسبة للمجموعة الأوروبية، التي طالما فاوضت لأجل الوصول إليه، فإن الإدارة الأميركية لم تستطع استيعابها أو التعاطي معها، بخلاف الإدارات الأميركية السابقة كإدارة الرئيس جورج بوش الابن التي كثفت -بجانب سياسة فرض العقوبات الأحادية على إيران- من الجهود الدبلوماسية تجاه الأطراف الأوروبية وغيرها نحو فرض العقوبات الأممية لوقف التقدم النووي لطهران. وتكلَّلت مساعيها بإصدار قرارات أممية ضد طهران، وكذلك إدارة أوباما التي عملت في إطار استحقاقات التوافق الدولي وفقًا لاستراتيجية “الخيار الهجين”، وهي صيغة جديدة لاستراتيجية ذات مسارين تقوم على أساس عمل مزيج من تشديد العقوبات بما في ذلك تقديم الحوافز لروسيا والصين لدعم هذه العقوبات(44).
وقد نجحت إدارة أوباما وفقًا لوسائل الإقناع السياسي وعمل شبكة موسعة من الشراكات، في حشد دول مجلس الأمن تجاه إيران، وتجنب الفيتو الروسي والصيني وتمرير القرار رقم (1929)، في 9 يونيو/حزيران 2010(45)، الذي جاء موسعًا عمَّا سبقه من قرارات، كونه حظر تصدير الأسلحة لإيران، وترتَّب عليه فرض إجراءات كبيرة ضد البنوك الإيرانية ومنح الحق لدول العالم بتفتيش السفن الإيرانية، ووقف الصفقات العسكرية مع الدول الأخرى. ومن ثم توقفت روسيا عن تصدير نظام الدفاع الجوي الروسي (S-300) إلى الحكومة الإيرانية، وفي الوقت نفسه تفادى القرار ما يتعلق بالنفط الإيراني، وذلك لأجل تجنب الاعتراض الصيني عليه، وهو ما يتماشى مع الصياغات المقَرَّة بالشراكة مع الحلفاء لمزيد مع العقوبات.
وفي حين تراجعت القدرة الدبلوماسية لإدارة ترامب، التي لم تستطع تجنب ليس فقط الفيتو الروسي أو الصيني في مجلس الأمن، وإنما أيضًا اعتراض الحلفاء الأوروبيين، وذلك عندما أرادت تجديد قرار حظر بيع وشراء الأسلحة؛ إذ استخدمت الدولتان حق الاعتراض ضد قرار تمديد حظر بيع الأسلحة لإيران(46)، الذي كان يحظر على إيران بيع وشراء الأسلحة منذ عام 2007، وأصبح من المكتسبات الإيرانية جرَّاء الاتفاق النووي وبموجب قرار مجلس الأمن رقم (2231(، الذي بدوره جدول انتهاء الحظر في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020(47). ورغم ما أعلنته الولايات المتحدة من دخول عقوبات الأمم المتحدة حيز التنفيذ مجددًا، وأن عدم تنفيذ الدول لهذه العقوبات سوف تواجَه بعواقب وخيمة(48)، وهو ما مثَّل تهديدًا صريحًا للحلفاء من الدول الأوروبية وغيرها، ومحاولة لفرض السياسات جبرًا، فإنه في يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول انتهت قانونيًّا جميع قيود استيراد وتصدير الأسلحة من وإلى إيران، وكذلك جميع الإجراءات والخدمات المالية ذات الارتباط، وقد نتج عن ذلك الإخفاق في ردع إيران وعزلها وفشل واشنطن في إقناع مجلس الأمن بتمديد قرار الحظر، أن استقال المبعوث الأميركي الخاص لإيران، برايان هوك.
ويبدو مما سبق، أن ترامب انتهج تجاه الملف النووي الإيراني سلوكًا مغايرًا عن سابقيه بتبنيه معالجة قائمة على فرض السياسات جبرًا، والابتعاد عن مفردات التوافق الدولي والعمل المشترك ومراعاة مصالح الحلفاء، فنتج عن ذلك اهتزاز لمكانة بلاده كدولة عظمى، فضلًا عن عدم تحقيقه لأي من أهدافه، سواء توقيع اتفاق نووي جديد أو دفع طهران إلى الانسحاب منه، وإنما كان الانسحاب مكلِّفًا دبلوماسيًّا لأميركا بأن وضعها فيما يشبه العزلة الدولية؛ إذ أخفقت في تقييم نتائج الانسحاب، وقياس مدى تأثيره سواء على طهران أو بقية الأطراف الموقعين على الاتفاق.
ولم يقتصر الأمر عند حدود الآثار أعلاه، وإنما نتج عن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي أن تهدَّمت جدران الثقة التي حاول ترميمها الرئيس أوباما مع النظام الإيراني، وكانت أحد العوامل المهمة في تحفيز الإيرانيين ناحية توقيع الاتفاق النووي عام 2015. واتسعت وتنوعت كذلك العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، والتي سوف نرصدها لاحقًا. وفي المقابل، تراجعت إيران عن العديد من التزاماتها الدولية بموجب الاتفاق النووي، وكان آخرها حتى كتابة هذا البحث، في أبريل/نيسان 2021، بإعلانها إنتاج نظير اليورانيوم 235 بنسبة تصل إلى 60%(49)، وذلك في الوقت الذي تُجرى فيه المفاوضات في فيينا من أجل إحياء الاتفاق النووي. وبالتالي، فإن إدارة الرئيس، جو بايدن، الساعية للعودة إلى خطة العمل المشتركة، وبدأت في إجراء محادثات غير مباشرة لإنقاذها تحت إشراف الاتحاد الأوروبي، وحاولت إعادة ترميم جدران الثقة والحد من التوترات مع النظام الإيراني -من خلال اتخاذ بعض الخطوات ذات المغزى الدبلوماسي كتخفيف القيود المفروضة على تنقلات الدبلوماسيين الإيرانيين المعتمدين في الأمم المتحدة(50)، والإقرار الرسمي في مجلس الأمن باستمرار رفع العقوبات الأممية عن طهران، التي قد رُفعت بموجب الاتفاق النووي(51)- ربما تواجه تحديًا كبيرًا في كيفية تحفيز طهران للعودة إلى الامتثال لبنود الاتفاق القديم، وكذلك امتثالها لبنود أخرى، هي ذاتها الموضوعات التي كانت أحد دوافع إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي لعدم مراعاتها ضمن بنود الاتفاق القديم، وهي برنامج إيران للصواريخ الباليستية وتزايد النفوذ الإيراني في الإطار الإقليمي.
وبذلك، فإن مهمة إدارة بايدن تجاه الاتفاق النووي، والتي يبدو واضحًا مدى تفضيلها لانتهاج الدبلوماسية والحوار عن المواجهة وفرض العقوبات، يمكن تصنيفها بمهمة “الصعوبات المضاعفة”، ربما تستغرق وقتًا أطول في تحقيق أهدافها، لاسيما في ظل جملة التعقيدات -أعلاه- التي نتجت عن انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، وتوِّجت بفشل استراتيجيته للضغوط القصوى في إجبار طهران على توقيع اتفاق جديد، بل أسهمت في وضع النظام الإيراني في موقف أقوى بإثبات قدرته على التحمل والتعاطي مع العقوبات القصوى. وهو ما يُصعِّب الطرق أكثر أمام الرئيس بايدن، سواء من ناحية إيجاد الصياغات المناسبة والقادرة على إعادة تحفيز النظام الإيراني بالعودة مرة أخرى إلى الاتفاق النووي بالتزاماته المنصوص عليها من ناحية، وإقناعه بتضمين موضوعات أخرى إلى جانب الاتفاق القديم من ناحية أخرى، وذلك في ظل حالة التوتر وانعدام الثقة والأضرار الكبيرة التي ألحقتها سياسات ترامب بإيران، أو من ناحية قدرته على إدارة المواجهة المحتملة في الكونغرس لاسيما من أعضاء الحزب الجمهوري، في حال حدوث تراجع جزئي أو كلي عن العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب، وذلك في ظل ما تُشير إليه تقارير من أن الكثير في الحزب الجمهوري مصمِّمون على خنق أية عودة تقودها إدارة بايدن للاتفاق النووي في حالة عدم الوصول إلى اتفاق أكثر شمولًا يعالج دعم إيران للإرهاب والأعمال العدائية في المنطقة(52)، أو قدرته كذلك على التعاطي مع ما شهدته السنوات القليلة الماضية على المستوى الدولي من تغيرات أنتجتها “سياسات ترامب” بشكل عام، لعل أهمها اتساع الهوة بين أميركا والصين، التي ترى وروسيا أن تتخذ إدارة بايدن الخطوة الأولى في اتجاه العودة إلى الاتفاق النووي(53)؛ ما يؤشر إلى صعوبة إحياء التوافق الدولي فيما يتعلق بتكثيف الضغوط على النظام الإيراني للانخراط في اتفاق جديد يتضمن برنامجها للصواريخ الباليستية أو نفوذها المتزايد في الإقليم.
ب- سياسة فرض العقوبات
ضمن مساراتها في تنفيذ استراتيجيتها تجاه إيران، انتهجت إدارة الرئيس ترامب مسار فرض العقوبات ذات الطابع الأحادي؛ والتي اتسمت بالتنوع والاتساع وبلوغها مساحات لم تطأها الإدارات الأميركية السابقة؛ إذ دخلت المجموعة الأولى منها حيز التنفيذ، في أغسطس/آب 2018، وفقًا للأمر التنفيذي رقم (13846) لعام 2018(54). وقد استهدفت هذه المجموعة التعاملات المالية وواردات المواد الأولية وقطاعي السيارات والطيران التجاري، نوجزها على النحو التالي(55):
– قيود على بيع العملة الأميركية لإيران.
– قيود حول شراء الذهب والمعادن النفيسة من إيران.
– قيود مباشرة وغير مباشرة على شراء الصلب والألومنيوم.
– قيود على الاستثمار في السندات الإيرانية.
– قيود على صفقات مع شركات صناعة السيارات الإيرانية.
– قيود على التعاملات الكبيرة بالعملة الإيرانية.
– قيود على قطاع السيارات الإيراني.
– قيود على تجارة السجاد والمواد الغذائية الإيرانية.
– سحب تراخيص التصدير من شركات الطيران المدني، بما فيها شركتا “بوينغ وإيرباص”.
بينما دخلت المجموعة الثانية من العقوبات الاقتصادية حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، واستهدفت بها مجموعة من القطاعات كالأنشطة النفطية والموانئ الإيرانية والتحويلات المالية من وإلى البنك المركزي الإيراني، وخدمات الاكتتاب والتأمين وإعادة التأمين. كما لحقت العقوبات العديدَ من المسؤولين الإيرانيين البارزين وعلى رأسهم الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، ووزير الخارجية، محمد جواد ظريف، ووزير الأمن والمخابرات، محمود علوي، وقادة عدة من كبار قادة الحرس الثوري، والعديد ممن لهم ارتباط بقطاعات المعادن والنفط والنقل في إيران، واستمرت في فرض العقوبات بصورة متوالية، حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020 بفرضها عقوبات اقتصادية على قرابة الـ18 مصرفًا إيرانيًّا.
ولعل أهم العقوبات آنفة الذكر، تلك التي فرضتها الإدارة الأميركية على التعاملات المتعلقة بالأنشطة النفطية الإيرانية، وكانت تهدف إلى “تصفير صادرات النفط الإيرانية” التي تمثل نحو 80% من عائدات الخزانة الإيرانية، ورغم أنها كانت -بحسب الإدارة الأميركية- العقوبات الأقوى على الإطلاق، والتي وصلت فعليًّا إلى مساحات لم تصل إليها الإدارات الأميركية السابقة، ومع ذلك، لم تؤت ثمارها على النحو المستهدف، لأن مسار فرض العقوبات الاقتصادية على الدول، لا يحقق في الغالب أهدافه بالشكل الكامل، لاسيما في ظل غياب الإجماع أو التوافق الدولي على فرضها، وما تتضمنه غالبًا من مراعاة لمنظومة الاقتصاد العالمي واحتياجات كياناته من السلع الضرورية كالنفط على وجه الخصوص، وهو ما راعته هذ الإدارة بتضمينها استثناءات لثماني دول، على رأسها الصين والهند وتركيا وكوريا الجنوبية، باعتبارها أكبر مستوردي النفط الخام الإيراني، ولكنها مع انتهاء مدة الاستثناء رفضت التمديد، ومع ذلك، ونظرًا لما تمثِّله هذه الدول من مكانة على الساحة الدولية، ومواقف بعضها الصراعية بخاصة الصين مع الولايات المتحدة، التي لا تكترث غالبًا بالعقوبات(56)؛ لم تستطع الأخيرة الوصول بأهدافها بتطبيق الحظر الصفري على الصادرات الإيرانية من النفط، التي انخفضت من 2.5 مليون برميل يوميًّا في عام 2017، إلى مليون برميل عام 2018، ومن ثَمَّ ارتفعت إلى مليون ونصف المليون برميل مع بدايات عام 2019، ولكن عادت وانخفضت بشكل كبير -بحسب المعلن – إلى نحو الـ500 ألف برميل(57).
ولكن في ظل حالة الغموض التي تكتنف تجارة النفط الإيرانية، وما ذكرناه أعلاه من عدم اكتراث بعض الدول للعقوبات، وكذلك في ظل ما تمتلكه طهران من خبرات ممتدة في إيجاد أسواق غير مشروعة لبيع النفط سرًّا سواء عن طريق دول الجوار الجغرافي، أو العديد من الوسائل الأخرى كاستخدام عمليات النقل من سفينة إلى أخرى مع إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال لتجنب الكشف عنها، وبالتالي تجنب العقوبات الأميركية؛ هناك ترجيحات قوية بأن الإيرانيين استمروا في بيع النفط؛ إذ تشير شواهد وتقارير إعلامية إلى أن صادرات النفط الإيرانية الحقيقية أكثر بكثير من التقديرات المعروفة، وأن أغلبها يذهب إلى الصين بطريق غير مباشر سواء عبر ماليزيا أو إندونيسيا أو دول أخرى، فضلًا عن أن مؤشر انخفاض مبيعات النفط، يمكن وضعه ضمن إطار بدء طهران في إجراءاتها للتدابير الوقائية بالتخفيف من عجز مخزوناتها النفطية لاسيما أن الانخفاض كان قبل فرض العقوبات الأخيرة ويرتبط في الغالب بعوامل أخرى وتكتيكات وحسابات متعددة.
واللافت للنظر فيما يتعلق بهدف التصفير للصادرات النفطية الإيرانية، أنه جاء متعارضًا مع هدف استراتيجي آخر ضمن الاستراتيجية الأميركية، وهو تقييد التدخل الإيراني في المنطقة؛ إذ أدت مساعي العمل على تضاؤل عائدات النفط الإيراني إلى أن يُظهِر النظام الإيراني للإدارة الأميركية تكاليف الاستمرار في اتباع سياسات الضغوط القصوى(58)؛ فتعرضت على إثر ذلك، ناقلات نفط للتخريب في ميناء الفجيرة بالإمارات، واستُهدفت كذلك ناقلتان في خليج عُمان إحداهما نرويجية والأخرى سنغافورية، وأسقطت إيران بصاروخ أرض-جو طائرة أميركية بدون طيار فوق مياه مضيق هرمز، مما كاد يؤدي إلى مواجهة عسكرية بين الجانبين، وكذلك استهداف إحدى الأذرع الإيرانية، وهي جماعة الحوثيين باليمن، لمنشأة الغاز التابعة لشركة أرامكو في حقل الشيبة شرق السعودية، وأخيرًا استهداف منشأتين نفطيتين تابعتين لأرامكو في مدينتي بقيق وخريص على الخليج العربي في منتصف سبتمبر/أيلول 2019.
وبشكل عام، أضعفت العقوبات الاقتصادية في مجملها الاقتصاد الإيراني؛ فوصل حجم التضخم إلى ما نسبته الـ41.2% في عامي2019 و2020، وهو مستوى لم يصل إليه التضخم في إيران منذ اندلاع الثورة الإيرانية، كما تسارع الركود الاقتصادي وتقلص إجمالي الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.6%، في حين حقق الناتج المحلي غير النفطي نموًّا بنسبة 1.1%(59)، وحصل انكماش حاد يتراوح ما بين -8% و-6%، وتراجعت قيمة العملة بشكل كبير وأخذت تنحصر الاستثمارات الأجنبية(60)؛ فانسحب العديد من الشركات العالمية من الاستثمار في طهران؛ إذ يمكن القول: إن العقوبات الأميركية نجحت بالفعل في إثارة مخاوف الشركات الأوروبية من الانخراط أو استمرار وجودها في السوق الإيراني؛ فانسحبت -مثالًا لا حصرًا- شركة توتال الفرنسية التي كانت قد انخرطت فور إعلان الاتفاق النووي ضمن صفقة ضخمة لتطوير حقل “بارس الجنوبي”، الذي تم منح امتيازه إلى كونسورتيوم دولي تقوده شركة توتال الفرنسية بحصة تبلغ 50.1%، و30% لشركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، و19.9% لشركة بتروبارس الإيرانية. ولكن من ناحية أخرى، فإن اتفاق الكونسورتيوم لم يفقد سريانه، وإنما استحوذت شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) على حصة الشركة الفرنسية، وأصبحت تعمل كرئيسة للكونسورتيوم النفطي(61)، وبذلك كانت هذه العقوبات بمنزلة النقمة على الشركات الأوروبية المتعطشة للاستثمار في السوق الإيرانية، والفرصة بالنسبة للصينيين بتعظيم الاستفادة من تلك الأخطاء التي تنجم على قرارات الإدارة الأميركية.
ورغم حالة الضعف التي شابت الاقتصاد الإيراني، إلا أن لإيران خبرات متراكمة في التعاطي مع العقوبات الاقتصادية، وكانت أحد العوامل التي قلَّلت من فعالية منظومة العقوبات الاقتصادية تجاهها؛ إذ تمتلك إيران قدرات على التأقلم، ولديها تدابير عدة ممتدة مكَّنتها من تقليل آثار العقوبات الأممية والأميركية التي فُرضت عليها منذ ثورتها عام 1979، كإبرام اتفاقيات سرية؛ حيث وقَّعت في أعوام حكم الرئيس، أحمدي نجاد، اتفاقيات سرية مع بعض دول أميركا اللاتينية وأخرى آسيوية وإفريقية(62)، وزيادة قدرتها على عمليات التكرير محليًّا وتعزيزها للمكون المحلي في منظومة الصناعات الوطنية وتوسيع دائرة نشاطاتها التجارية السرية مع مناطق نفوذها في إطارها الإقليمي كالعراق وسوريا؛ إذ يؤمن الإيرانيون أمام ما يتعرضون له من عقوبات بأن الحل الأمثل يكمن في تعزيز الاقتصاد المحلي وفقًا لمفاهيم الاكتفاء الذاتي واقتصاد المقاومة، كآلية للحدِّ من أثر العقوبات الأميركية، ناهيك عن أن جزءًا كبيرًا من تردي نتائج سياسات فرض العقوبات الاقتصادية على طهران وعدم وصولها إلى كامل أهدافها المرجوة، يرجع في جزء مهم منه إلى عدم استيعاب الإدارة الأميركية لما أحرزته إيران من مكتسبات حصلت عليها عقب توقيع الاتفاق النووي، والتي عبَّر الرئيس حسن روحاني عن مدى تمسكه بها، في كلمته أمام طلاب جامعة طهران، بقوله: “حققنا مكاسب لا يمكننا التنازل عنها، ولا أحد يستطيع أن يلغيها، لا ترامب ولا عشرة من أمثاله”(63)، وعزَّزت من قدرتها على البقاء والمناورة السياسية؛ إذ واقعيًّا انتعش الاقتصاد الإيراني بصورة كبيرة في أعقاب توقيع الاتفاق النووي، فقد ارتفع بحسب بيانات البنك المركزي الإيراني معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالسعر الأساسي ارتفاعًا قياسيًّا في عام 2016 مسجِّلًا ارتفاعًا نسبته 12.5% مقارنة بما نسبته 1.6-%، عام 2015، و6.043%، في عام 2014، و5.854%، عام 2013(64).
وتحسنت كذلك، بحسب بيانات البنك الدولي، الأرصدة الخارجية وأرصدة الموازنة لديها في عام 2016؛ إذ شهد الفائض في الحساب الجاري لإيران زيادة قوية وصلت إلى نحو 6.5% من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بـ2.7% في عام 2015، مستفيدًا بذلك من رفع العقوبات المفروضة على الصادرات النفطية(65)، إضافة إلى الانخفاض الكبير لمعدل التضخم السنوي، فمن 34.7% عام 2013 إلى نحو 9.0% في عام 2017، والذي حصل لأول مرة منذ 26 عامًا(66).
كما أن هناك الاندماج الذي حصلت عليه طهران عقب الاتفاق النووي مجددًا ضمن شبكة المجتمع العالمي للاتصالات المالية بين البنوك (SWIFT)، وذلك بعد رفع الحظر عنها، والبدء بالوصول إلى أرصدتها المجمدة في الخارج، والتي قُدِّرت وفقًا لتقديرات غير رسمية بنحو 150 مليار دولار، وكان قد أخذ يفرج عنها تدريجيًّا(67).
وأحرزت إيران كذلك، بعد توقيع بنود الاتفاق النووي، تقدمًا كبيرًا في قدراتها العسكرية؛ فقد سلَّمتها روسيا الاتحادية الدفعة الأولى من منظومات الدفاع الجوي الصاروخية “إس-300″، التي كان قد تم الاتفاق عليها بين إيران وروسيا، في عام 2007، ولكن بعد عقوبات 2010، رفضت روسيا تسليمها لإيران. كما شرع الروس في بناء محطة طاقة نووية جديدة في مدينة بوشهر، واستمرت بإجراء دراسات جدوى على تحويل موقع تخصيب فوردو المحصن إلى مركز دولي للفيزياء(68)، وأخذ كذلك الروس، في فتح خطوط تجارية جديدة مع طهران كاستيراد المواد الغذائية من اللحوم ومنتجات الألبان، وأُلغيت التأشيرات بين البلدين، وتعاونا مصرفيًّا على نحو كبير بتوقيع مذكرة تعاون بين البنك التجاري الروسي وبنك تنمية الصادرات الإيرانية، واتفقا على تأسيس بنك مشترك لتسهيل عملية التبادل التجاري بينهما(69).
وفي أواخر عام 2016، أجرى وفد برلماني إيراني مفاوضات في روسيا بشأن صفقة سلاح بقيمة 10 مليارات دولار، تشمل دبابات “تي-90” وأنظمة مدفعية وطائرات هليوكوبتر(70)، وتوسعت طهران في إبرام الصفقات التجارية فوقَّعت مثلًا شركة تابعة لمجموعة “آر زد دي” الروسية عقدًا بقيمة 1.2 مليار يورو لأجل تزويد خطوط السكك الحديدية الإيرانية بالتيار الكهربائي، وكذلك قام الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في يناير/كانون الثاني 2016، بزيارة إلى إيران وتوقيع مذكرة تفاهم حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
وخلاصة القول: إن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الرئيس، دونالد ترامب، كانت أكثر تنوعًا واتساعًا حتى طالت العديد من القطاعات والمؤسسات والأفراد في إيران، ورغم أنها سجَّلت امتدادًا لمنهجية فرض العقوبات الاقتصادية التي اتبعتها الإدارات الأميركية الأخرى، فإنها كانت الأكثر أثرًا في الاقتصاد الإيراني، الذي شهد ارتفاعًا غير مسبوق في نسب التضخم والبطالة. ومن ناحية أخرى، تعارضت مع الإدارات السابقة في كيفية استخدام ورقة النفط؛ فقد استهدفت هذه الإدارة تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، وهو هدف لم يكن على أجندة أولويات الإدارات السابقة، ربما لإداركها صعوبة الوصول إليه نظرًا لمتطلبات واحتياجات الاقتصاد العالمي للنفط الإيراني، وبالتالي جسَّد النفط الإيراني بالنسبة لغالبية الإدارات السابقة ورقة للمساومة والضغط المسؤول، إلا أن إدارة ترامب اعتقدت بإمكانية وصولها إلى هدف التصفير من دون النظر إلى اعتبارات الصالح العالمي أو الخبرات الإيرانية المتراكمة في كيفية الالتفاف على الأهداف الأميركية والتعاطي معها لتحقيق أقل الخسائر الممكنة، وهو ما نتج عنه إخفاق في تحقيق أهدافها بالتصفير.
ج- تقييد إيران في مناطق نفوذها
بهدف تقييد النشاط الإيراني ودحر تأثيره في مناطق نفوذها، سلكت الإدارة الأميركية عددًا من المسارات رغم تنوعها وشدتها وبلوغها مساحات لم تطأ بعضها الإدارات الأميركية السابقة -كفرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين بارزين كما ذكرنا آنفًا بخاصة على مستوى المرشد الأعلى، وتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قادة إيرانيين أو موالين لإيران من الصفوف الأولى، واستهداف برنامج إيران للصواريخ الباليستية، وتقليص أدوار الحرس الثوري بتضمينه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية- فإنها لم تسهم في تحقيق الأهداف الرئيسية للإدارة الأميركية فيما يتعلق بإجبار طهران على الجلوس على طاولة المفاوضات لتوقيع اتفاق نووي جديد أو تغيير السلوك الإيراني في المنطقة، الذي ربما تأثر أمام هذه الممارسات وتراجع في بعض مناطق نفوذها.
فالجمهورية العراقية -على سبيل المثال- أظهر مشهدها العام تراجعًا إيرانيًّا نسبيًّا في توجيه العملية السياسية؛ دلَّلت عليه النتائج البرلمانية التي أُجريت في مايو/أيار 2018؛ إذ فازت قائمة تحالف “سائرون نحو الإصلاح” بزعامة مقتدى الصدر بـ54 مقعدًا، وقائمة “ائتلاف الفتح” بقيادة هادي العامري بواقع 48 مقعدًا، وقائمة “ائتلاف النصر” بقيادة حيدر العبادي بواقع 42 مقعدًا، والأول والثالث يتبنَّيان توجهات لا تتماهى إلى حدٍّ ما مع المصالح الإيرانية في العراق(71)، ودلَّل عليه أيضًا اختيار مصطفى الكاظمي، دون عدنان الزرفي المدعوم إيرانيًّا، كرئيس للوزراء، في مايو/أيار 2020، الذي يتبنى أهدافًا أشبه بتلك التي تبناها حيدر العبادي، وتم بسببها دعم إيران لعادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة بدلًا منه؛ حيث تتعلق بسيطرة الدولة على الفصائل المسلحة، وفرض سيادة الدولة العراقية، وله توجهات متشددة تجاه النفوذ الإيراني في بلاده، دلَّلت عليه سلسلة القرارات التي أطلقها بدءًا بقراره، في مايو/أيار 2020، بتولي الجنرال عبد الوهاب زبون الساعدي قيادة جهاز مكافحة الإرهاب(72)، الذي استُبعد من الخدمة فيما يبدو لضغوط إيرانية، وكان بمنزلة بطل شعبي في الحرب على “تنظيم الدولة الإسلامية”، مرورًا بمعارضته لحالة الانفتاح الحدودي مع طهران بلا تأشيرات، فأصدر قرارًا يتعلق بحصول المسؤولين الإيرانيين عند دخولهم البلاد على تأشيرة دخول مسبقة.
وبالفعل، حصل وفد إيراني برئاسة وزير الطاقة، كان يضم بحسب تقارير إعلامية قائد فيلق القدس الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، على تأشيرة دخول قبل زيارتهم للعراق(73)، وانتهاء بإجراء حزمة من التغييرات على مناصب مهمة في الدولة العراقية، كإقالة فالح الفياض من منصبه رئيسًا لجهاز الأمن الوطني ومستشارًا للأمن الوطني ليتبقى له رئاسة هيئة الحشد الشعبي، وذلك بعد أيام من إصدار أوامر اعتقال لعدد من عناصر تابعة لكتائب حزب الله المنضوية تحت ميليشيات الحشد الشعبي(74).
ويبدو أن هذا التراجع النسبي يرجع في جزء كبير منه إلى اغتيال قاسم سليمان، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية على مطار بغداد، في يناير/كانون الثاني 2020، والتي قُتل فيها أيضًا أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، وعلَّلت الإدارة الأميركية هذا الاغتيال بأنه ردع لهجمات إيرانية مستقبلية، واصفة سليماني وعناصر فيلق القدس بأنهم إرهابيون مسؤولون عن مقتل مئات الأميركيين.
واللافت أن سلوك الإدارة الأميركية باغتيال سليماني والمهندس، رغم أنه أدى من جانب إلى تراجع إيراني في توجيه العملية السياسية في مناطق نفوذها وارتباك بين عناصرها الموالية لها؛ إذ ازدادت باغتياله الخلافات والانقسامات داخل هيئة الحشد الشعبي، بأن أعلنت نحو أربع فصائل موالية لآية الله السيستاني، انفصالها عن الهيئة، والاندماج في القوات المسلحة الحكومية(75)، فإنه أفضى من جانب آخر إلى نتائج عكسية لهدف استراتيجي رئيسي للعقوبات المفروضة على طهران، وهو تأليب المجتمع الإيراني الداخلي ضد النظام الحاكم؛ إذ قدَّم الاغتيال الدعم للقيادة السياسية الإيرانية بتحويلها الانتباه إلى عدو خارجي يُحدق بالأمة الإيرانية ورموزها(76)، وذلك في ظل حالة الاحتجاجات التي كانت تسود إيران، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أي قبل حركة الاغتيال بشهرين على الأكثر، بسبب إعلان الحكومة الإيرانية رفع أسعار المحروقات بنسبة 300%، فاجتاحت المظاهرات العديد من المدن الإيرانية وتجاوزت الهتافات حينها ارتفاع الأسعار إلى هتافات ضد النظام الحاكم.
وفي إطار مسارات الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، استهدفت إدارة ترامب كذلك الحرس الثوري، الذي رغم وضعه ضمن الأهداف الاستراتيجية تجاه إيران، وذلك بالعمل على تجفيف مصادر تمويله وحشد المجتمع الدولي لإدانته فيما يتعلق بقضايا انتهاكات حقوق الإنسان ضد المواطنين الإيرانيين والأجانب، فإن طريقة تنفيذ هذا الهدف لم تختلف كثيرًا عن الإدارات السابقة، فضلًا عن وقوعه ضمن عملية تضارب الأهداف التي لحقت بهذه الإدارة. فلا يمكن أن نتجاهل أن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي عزَّز من فرص الحرس الثوري، الذي طالما ازدادت أدواره ونشاطاته في بيئة الضغوطات والعقوبات، والذي رغم وضع تجفيف تمويله كهدف استراتيجي للإدارة الأميركية، والإعلان، في أبريل/نيسان 2019، عن وضعه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية، إلا أنه بسبب عدم تقدير الإدارة الأميركية للخصائص التي يتسم بها الحرس الثوري بشأن غموضه وما يمتلكه في الغالب من أدوات التفاف ومراوغة عدة، وبالتالي عدم القدرة على تحديد مدى عمقه وتوغله في الاقتصاد الإيراني، فكان من الصعوبة إثبات الاتهام بالدعم المادي من عدمه لهذا الكيان، الذي يجسد الآن أحد أهم مراكز القوة في طهران(77). فكانت الحكومة الإيرانية زادت من حجم مخصصاته المالية في ميزانية عام 2018 إلى نحو 4.8 مليارات دولار مقارنة بـ4 مليارات دولار عام 2017، وكذلك في ميزانية عام 2019 إلى نحو 6 مليارات دولار، في حين خفضت من مخصصات وزارة الدفاع(78).
وفي هذا الشق خصوصًا، يبدو أن الإدارة الأميركية في عهد الرئيس ترامب لم تستفد من الخبرات السابقة في التعامل مع الحرس الثوري الإيراني من منظور الضغوط وفرض العقوبات، والتي أثبتت فشلها في الحد من قدرته؛ إذ كان قد أدرج الحرس الثوري الإيراني عام 2007 بموجب الأمر التنفيذي رقم (13382) ككيان إيراني ضالع في الإرهاب، وحظرت وزارة الخزانة الأميركية أنشطة تسعة كيانات وخمسة أفراد تابعين له. كما اختصت وزارة الخزانة الأميركية فيلق القدس وحده بالأمر التنفيذي رقم (13224)، الذي صنَّفه كممول للإرهاب لتقديمه دعمًا ماديًّا لحركة طالبان ومنظمات إرهابية أخرى، فضلًا عن إدراج عناصر من الحرس الثوري الإيراني ووزارة الدفاع الإيرانية في مرفقات قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أرقام (1737 و1747) ويطلب من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تجميد أصول الكيانات والأفراد المدرجين في مرفقات تلك القرارات، بالإضافة إلى أصول الكيانات المملوكة أو التي يسيطرون عليها، ومنع توفير الأموال أو الموارد الاقتصادية لهم(79). وفي المقابل استمر الحرس الثوري في ممارسة مهامه وأعماله وفقًا لمسارات سرية عديدة، واستمر كذلك في إجراء تجاربه للصواريخ الباليستية التي مثَّلت أحد المبررات الأميركية للانسحاب من الاتفاق النووي؛ فقد عزَّزت إيران سياساتها وقدراتها العسكرية، وأجرت اختبارات لصواريخ باليستية وكروز بحرية، كإطلاقها مثلًا الصاروخ الباليستي “هرمز-2” وما يمتلكه من قدرات على تدمير الأهداف البحرية، وصواريخ أرض-أرض “ذو الفقار” متوسطة المدى التي أطلقتها من القواعد التابعة للحرس الثوري بمحافظات كرمانشاه وكردستان الغربية ضد مقرات ومستودعات الأسلحة والمعدات الانتحارية والدعم اللوجستي لتنظيم الدولة بمنطقة دير الزور على الحدود السورية-العراقية(80).
خاتمة
يبدو واضحًا أن إدارة الرئيس ترامب وسلوكها تجاه الملف الإيراني، رغم أنه سجَّل امتدادًا لسياسات المواجهة والصراع وفرض العقوبات التي انتهجتها الإدارات الأميركية السابقة منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، بخلاف إدارة الرئيس أوباما، التي اتبعت مسارًا أقرب للدبلوماسية والحوار، فإنه شكَّل خصوصية ونموذجًا مغايرًا في تاريخ الحالة الصراعية بين أميركا وإيران، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
– سجلت إدارة ترامب سابقة فريدة من نوعها بالانسحاب منفردة من الاتفاق النووي، كونه اتفاقًا دوليًّا جاء بقرار من الأمم المتحدة، ما أضرَّ بسمعة ومكانة الولايات المتحدة المحورية في المجتمع الدولي، ووضعها فيما يشبه العزلة الدولية.
– أحدثت هذه الإدارة فجوة كبيرة بين الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، الحليف التاريخي لها، التي لم تنجرَّ وراءها بالانسحاب من الاتفاق النووي، بل ظلت متمسكة به، وإن كان تمسكًا هشًّا، ولكن بقي قائمًا حتى انتهاء ولاية حكم الرئيس ترامب.
– ابتعاد إدارة ترامب عن العمل وفق سياقات التوافق الدولي ومراعاة مصالح الحلفاء والعمل المشترك، وذلك مقارنة بالإدارات السابقة كإدارة الرئيس بوش الأب، وإدارة أوباما، اللتين اعتمدتا التوافق الدولي والعمل المشترك كوسيلة ناجعة لأجل تحقيق الأهداف المراد الوصول إليها؛ فنجحت الأولى في تحويل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن وبدء فرض العقوبات الأممية، ونجحت الثانية في حشد دول مجلس الأمن تجاه إيران بتمرير القرار رقم (1929)، والوصول إلى ما كانت تستهدفه بتسوية الملف النووي الإيراني.
– بلوغ هذه الإدارة لمساحات لم تطأ بعضها الإدارات الأميركية السابقة، سواء بفرضها عقوبات طالت العديد من القطاعات الإيرانية وأهمها القطاع النفطي والمالي، أو تلك التي طالت رأس الدولة الإيرانية، المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أو بتنفيذ عمليات اغتيال مستهدفة قادة إيرانيين أو موالين لإيران من الصفوف الأولى.
– صَعَّبت هذه الإدارة، بسبب استراتيجيتها للضغوط القصوى تجاه طهران وسياستها الخارجية بشكل عام، من مهمة الرئيس، جو بايدن، التي يمكن وصفها بالمهمة ذات الصعوبات المضاعفة، وذلك بقدر حجم العقوبات التي فُرضت من جانب، وبقدر التغيرات التي حدثت على الساحة الدولية والإقليمية من جانب آخر.
وعلى الرغم مما مارسته هذه الإدارة من ضغوط قاسية وضربها عرض الحائط بسياقات وقيم العمل داخل النظام الدولي في طريقة تعاطيها مع الملف الإيراني، ووصولها إلى مساحات لم تصل إليها الإدارات السابقة، سواء فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية واتساع قاعدتها لتنال العديدَ من القطاعات والمؤسسات والأفراد، أو ما يتعلق بمسارات تقييدها للنفوذ الإيراني في المنطقة من خلال تنفيذها عمليات اغتيال لقادة إيرانيين من الصفوف الأولى، فإنها سجلت إخفاقًا في الوصول إلى الهدف الرئيس المراد الوصول إليها وهو جذب طهران إلى الجلوس مرة أخرى للتفاوض وتوقيع اتفاق جديد.
المراجع
(1) أحمد النعيمي، “السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة الأميركية في الفترة من 1979 حتى 2008″، مجلة العلوم السياسية (جامعة بغداد، العدد 36، 2008)، ص 4.
(2) راي تقيه، إيران الخفية، ترجمة أيهم الصباغ، ط 1 (الرياض، دار العبيكان للنشر والتوزيع، 2010)، ص 110.
(3) Wael Zammit, “US- Iran Special Relation Between 2001 and 2003: Friends or FOES?,” E- international Relations Students, August 30, 2015, “accessed August 1, 2020”. https://bit.ly/34vnxAA.
(4) أبدش كومار وماناس ماندل، الانتحاريون: دراسة نفسية حول مفهوم الإرهاب الانتحاري، ترجمة تيسير نظمي، ط 1 (الرياض، دار العبيكان للنشر والتوزيع، 2018)، ص 100.
(5) شموئيل سيجف، المثلث الإيراني: العلاقات السرية الإسرائيلية الإيرانية الأميركية، ترجمة غازي السعدي، ط 1 (عمَّان، دار الجليل للنشر والتوزيع، 1989)، ص 283.
(6) تُعرف “إيران غيت” أيضًا باسم “إيران كونترا”، وهي من أشهر الفضائح السياسية التي شهدتها الولايات المتحدة في ثمانينات القرن العشرين، إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي سابقًا، وقد خلصت لجان تحقيق أميركية إلى تورط الرئيس السابق، رونالد ريغان، فيها. ويُنسب اسمها إلى صفقة سرية حيث باعت إدارة الرئيس، رونالد ريغان، خلال فترة ولايته الثانية إيران أسلحة بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأميركية لها “عدوًّا لأميركا” و”راعية للإرهاب”. وفي المقابل، استخدمت واشنطن أموال الصفقة وأرباحها في تمويل سري لحركة معارضة الثورة المعروفة بـ”الكونترا” التي كانت تحارب للإطاحة بالحكومة اليسارية وحزب “ساندينيستا” الذي كان يحكم نيكاراغوا، وحظي بدعم من الاتحاد السوفيتي سابقًا وكوبا.
للتوسع، انظر: “إيران غيت..المصالح فوق المبادئ”، الجزيرة نت، 1 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 1 أغسطس/آب 2020)، https://bit.ly/3c8knH9.
(7) أحمد إبراهيم، “الأزمة النووية الجديدة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية”، مجلة مختارات إيرانية (مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، العدد 30، 2003)، ص 82.
(8) وثيقة الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي، بيل كلينتون، رقم (12959)، (تاريخ الدخول: 1أغسطس/آب2020)، http://cutt.us/6dUHA.
(9) Kenneth Katzman, “Iran Sanctions,” Congressional Research Service, May 18, 2016, “accessed August 1, 2020”. https://bit.ly/3fCMhgF.
(10) أحمد النعيمي، السياسة الخارجية الإيرانية (1979-2011)، (دار الجنان للنشر والتوزيع، عمان، 2012)، صـ321.
(11) “Congress & The Middle East: Iran Nonproliferation Act 2000, 2000,” March 1, 2000, jewishvirtuallibrary, “accessed August 1, 2020”. https://bit.ly/3uIkxvy.
(12) “إيران: هل ثمة خروج من المأزق النووي؟”، مجموعة الأزمات الدولية”، 23 فبراير/شباط 2006، (تاريخ الدخول: 29 أبريل/نيسان 2021)، https://bit.ly/3paCgKH.
(13) علاء مطر، “أثر المتغيرات السياسية على العلاقات الأميركية الإيرانية”، مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2006، (تاريخ الدخول: 4 أغسطس/آب 2020)، https://bit.ly/3fBmrcT.
(14) هويدا أبو العلا، العلاقات الأميركية الأوربية بعد 11 سبتمبر 2001، ط 1 (القاهرة، دار العربي للمعارف، 2015)، ص 303.
(15) John Richardson, “The Secret History of the Impending War with Iran That the White House Doesn’t Want You to Know,” Esquire, 18 October 2007, “accessed August 1, 2020”. https://bit.ly/3uDLzns.
(16) باكينام الشرقاوي، المواقف الإيرانية والتركية بعد 11 سبتمبر، (القاهرة، دار الشروق، 2013)، ص 997.
(17) Michael Gordon, “U.S conferred with Iran before Iraq Invasion, book says,” The New York Times, March 6, 2016.
(18) أنتوني كوردسمان وآخرون، العراق تحت الاحتلال: تدمير الدولة وتكريس الفوضى، ط 1 (بيروت، سلسلة كتب المستقبل العربي، 2008)، ص 307.
(19) وثيقة قرار مجلس الأمن رقم (1696) الذي اتخذه في جلسته رقم (5500)، يوليو/تموز 2006، (تاريخ الدخول: 6 سبتمبر/أيلول 2020)، http://cutt.us/Cpwo7.
(20) وثيقة قرار مجلس الأمن رقم (1737) الذي اتخذه في جلسته رقم (5612)، ديسمبر/كانون الأول 2006، (تاريخ الدخول: 6 سبتمبر/أيلول 2020)، http://cutt.us/qAWVA.
(21) Security Council, “Resolution 1747 (2007),” United Nations, March 24, 2007, “accessed August 1, 2020”. http://cutt.us/ELJsH.
(22) Barack Obama, “Renewing American Leadership”, Foreign Affairs, July/August 2007, “accessed August 1, 2020”. https://cutt.us/lE05O.
(23) فريد بن بلعيد، أوباما وعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية (2008-2012)، (رسالة ماجستير، جامعة مولود معمري، ، 2012)، ص 66.
(24) “President Donald J. Trump’s New Strategy on Iran,” The White House, October 13, 2017, “accessed August 1, 2020”. https://cutt.us/WKnJu.
(25) علي باكير، “تحجيم طهران: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تواجه نفوذ إيران في الشرق الأوسط؟”، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 24 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020)، https://cutt.us/QQJwb.
(26) فيكتور جيرفيس، “برامج الصواريخ الإيرانية: تطور الأهداف والقدرات الاستراتيجية”، أكاديمية الإمارات الدبلوماسية، مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020)، https://cutt.us/mRtyn.
(27) نزار عبد القادر، “برنامج الصواريخ الإيرانية: تطوره وتأثيره على القوى الإقليمية”، موقع الجيش اللبناني، يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020)، https://cutt.us/HqVW5.
(28) Catherine Ho, (AIPAC) spent record $1.7 million as it lobbied Congress to review Iran deal, The Washington Post, July 20, 2015.
(29) “استراتيجية ترامب تجاه إيران: الدوافع والاتجاهات”، مركز الفكر الاستراتيجي، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017، (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، https://cutt.us/JP0E2.
(30) “المملكة تؤيد وترحب بالخطوات التي أعلنها الرئيس الأميركي حيال انسحاب بلاده من الاتفاق النووي”، وكالة الأنباء السعودية، 8 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، https://cutt.us/5T9ad.
(31) براك رفيد، “نتنياهو: إسرائيل غير ملتزمة بالصفقة التي تم التوصل إليها”، هآرتس، 14 يوليو/تموز 2015، (تاريخ الدخول: أبريل/نيسان 2021)، https://cutt.us/y7149.
(32) ستيفن فاريل، “إسرائيل تقول: إن إيران كذبت بشأن الأسلحة النووية وتضغط على أميركا لإلغاء اتفاق”، وكالة رويترز، 30 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2020)، https://cutt.us/gDSkV.
(33) هادي جان بو شعيا، “هل تشعل الهجمات السيبرانية حربًا عالمية؟!”، النهار، 15 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2021)، https://cutt.us/mtUzn.
(34) غوردن كوريرا، “نطنز: الغموض يحيط بحادث التخريب الذي طال المنشأة النووية الإيرانية”، بي بي سي، 14 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 2 مايو/أيار 2021)، https://cutt.us/ulAI2.
(35) محيي الدين حسين، “ترامب ينفذ تهديده وينسحب من الاتفاق النووي .. ماذا بعد؟”، دويتشه فيله، 8 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 2 ديسمبر/كانون الأول 2020)، https://bit.ly/3g0YNFA.
(36) “Verification and monitoring in the Islamic Republic of Iran in light of United Nations Security Council resolution 2231 (2015),” Atomic Energy Agency, (GOV/2018/46), November 12, 2018. “accessed December 2, 2020”. https://bit.ly/3fBEek7.
(37) “Consequences of the U.S. Withdrawal from the JCPOA,” Harvard Kennedy School BELFER CENTER for Science and International Affairs), May 16, 2018. “accessed December 2, 2020”. https://bit.ly/3i5Ajhl
(38) محضر اجتماع مجلس الأمن، تقرير صون السلام والأمن الدوليين: عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، رقم (S/pv.8362)، 26 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 4 ديسمبر/كانون الأول 2020)، https://bit.ly/34xzK7R.
(39) “EU agrees 18 million euro development aid for Iran,” The Thomson Reuters, August 23, 2018, “accessed December 2, 2020”. https://cutt.us/OfB7Y.
(40) Zarif says Iran-EU trade mechanism will cover oil sales,” mehrnews, December 4, 2018, “accessed December 2, 2020”. https://cutt.us/5B8cB.
(41) محمود أبو القاسم، “أي مستقبل للصفقة المتأرجحة بين أوروبا وإيران؟”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 19 فبراير/شباط 2019، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني2021)، https://cutt.us/xboG4.
(42) “خطوات إيرانية جديدة في طريق انسحابها من الاتفاق النووي”، دويتشه فيله، (تاريخ الدخول: 3 يناير/كانون الثاني 2021)، https://p.dw.com/p/3aMuE.
(43) “خيارات محدودة: كيف تتعامل أوروبا مع رفع حظر الأسلحة على إيران؟”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني2021)، https://cutt.us/Nl03U.
(44) “Castiglioni, Claudia, “Obama’s Policy Toward Iran: Comparing First and Second Term,” Analysis, no. 220, (December, 2013): 4.
(45) وثيقة قرار مجلس الأمن رقم (1929) الصادر في يونيو/حزيران 2010، (تاريخ الدخول: 3 فبراير/شباط 2021م)، https://bit.ly/3yJCm0e.
(46) “تحرك روسي صيني لحماية إيران من العقوبات الأممية وحظر الأسلحة”، الشرق الأوسط، العدد 15171، 11 يونيو/حزيران 2020.
(47) قرار مجلس الأمن رقم (2231) لسنة 2015، والقاضي برفع حظر بيع وشراء الأسلحة على إيران في أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 4 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3g0WeDo.
(48) “واشنطن تعيد فرض العقوبات الأممية على إيران من جانب واحد وتتوعد المنتهكين بعواقب”، فرانس24، 20 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 4 فبراير/شباط 2021)، https://cutt.us/3rMBn.
(49) “إيران بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%”، فرانس24، 16 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 2 مايو/أيار2021)، https://cutt.us/DQvGn
(50) “US eases restrictions on Iranian diploma’s movements in New York imposed by Trump,” Alarabiya news, February 19, 2021. “accessed April 16, 2021”. https://cutt.us/jssY7.
(51) “إدارة بايدن في رسالة لمجلس الأمن: لا نعترف بإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران”، سي أن أن بالعربية، 18 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 2 مايو/أيار2021)، https://cutt.us/hqpvF.
(52) Andrew Desiderio, “Biden faces GOP handcuffs and Democrat skeptics on Iran deal 2.0,” Politico, May 3, 2021, “accessed April 16, 2021”. https://2u.pw/EV8Cy.
(53) “المفاوضات النووية.. زخم دبلوماسي في فيينا وشكوك في التوصل لاتفاق إيراني أميركي بنهاية مايو”، الجزيرة نت، 1 مايو/أيار2021، (تاريخ الدخول: 14 مايو/أيار2021)، https://cutt.us/CdkSB.
(54) وثيقة الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي ترامب رقم (13846) لسنة 2018، (تاريخ الدخول: 1يناير/كانون الثاني 2021)، http://cutt.us/fdRQm.
(55) موقع وزارة الخزانة الأميركية، (تاريخ الدخول: 4 فبراير/شباط 2021)، http://cutt.us/8Ow8n.
(56) محمود أبو القاسم، “عوامل القوة والضعف في الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 16 ديسمبر/كانون الأول 2018، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2021)، https://cutt.us/INnwX.
(57) تامر بدوي، “حملة الضغط الأقصى وتأثيراتها على اقتصاد إيران”، مركز الجزيرة للدراسات، 26 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني2021)، https://cutt.us/AtbHh.
(58) Ilan Goldenberg, Kaleigh Thomas, “Trump’s Iran Policy Is a Failure,” foreignpolicy, September 25, 2019, “accessed 7 February 2021”. https://cutt.us/c6fVD
(59) البنك الدولي، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2021)، https://cutt.us/IqVCq.
(60) أحمد الدين ليلة، “نهضة اقتصاد الثورة الإيرانية: دراسة المسببات الهيكلية للإخفاق”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 10 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/SQSDx.
(61) “Iran says China’s CNPC replacing France’s Total in gas project,” Reuters, November 25, 2018, “accessed 7 February 2021”. https://reut.rs/3wPGBFZ.
(62) عرفات جرغون، العلاقات الإيرانية الخليجية: الصراع، الانفراج، التوتر، (القاهرة، دار العربي للنشر والتوزيع، 2016)، ص 79.
(63) “روحاني: لا يمكن لـترامب أو غيره الرجوع في الاتفاق النووي”، بي بي سي، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2017، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/nQyVv.
(64) البنك المركزي لجمهورية إيران الإسلامية، التقرير الإحصائي السنوي (2016م-2017، ص 3.
(65) البنك الدولي، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3c45lSE.
(66) البنك المركزي لجمهورية إيران الإسلامية، التقرير الإحصائي السنوي، مرجع سابق، ص 37.
(67) عبد الجبار أبو راس، “سياسة أوباما في الشرق الأوسط زادت من نفوذ إيران في المنطقة”، وكالة أنباء الأناضول، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/MSauA.
(68) “Russia starts building, Bushehr 2 nuclear power plant in Iran”, Today Russia, October 31, 2017.
(69) معتصم عبد الله، “إيران وروسيا .. ما بعد الاتفاق النووي”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 8 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2021)، https://cutt.us/zMfDr.
(70) “إيران تزيد الإنفاق العسكري وتطور قدراتها الصاروخية”، موقع الأمن والدفاع العربي، 9 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2021)، https://cutt.us/kkwe4.
(71) محمد السعيد، “هل تنجح السعودية باستمالة (شيعة العراق) في لعبة النفوذ؟”، الجزيرة نت، 12 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2021)، https://cutt.us/s6MW1.
(72) “الكاظمي يقرر ترقية الساعدي رئيسًا لجهاز مكافحة الإرهاب وإطلاق سراح معتقلي التظاهرات”، قناة السومرية العراقية، 9 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 10 أبريل/نيسان 2021)، https://cutt.us/rrlAx.
(73) “أوامر الكاظمي تفرض على قاآني الحصول على تأشيرة لزيارة بغداد”، الشرق الأوسط، العدد 15164، 4 يونيو/حزيران 2020.
(74) “هل يستطيع الكاظمي تحجيم النفوذ الإيراني في العراق؟”، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 6 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2021)، https://cutt.us/wzPOb.
(75) “العراق.. “فصائل السيستاني” تكشف أسباب انسحابها من الحشد”، موقع قناة الحرة، 24 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 1 أبريل/نيسان 2021)، https://cutt.us/XmTxC.
(76) Eric Schewe, “Iran in the Trump Era,” daily.jstor, January 17, 2020, “accessed April 12, 2021”. https://cutt.us/nxgie.
(77) ماثيو ليفيت، “ما هي التداعيات الفعلية لتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية؟”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 8 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2021)، https://cutt.us/2kBxP.
(78) “إيران تخفض نفقات الدفاع وترفعها للحرس الثوري بموازنة 2019″، وكالة أنباء الأناضول، 29 ديسمبر/كانون الأول 2018، (تاريخ الدخول: 1 يونيو/حزيران 2021)، https://cutt.us/1eIpT.
(79) “Designation of Iranian Entities and Individuals for Proliferation Activities and Support for Terrorism,” treasury.gov, October 25, 2007, “accessed April 12, 2021”. https://bit.ly/3c4e4Eu.
(80) محمود أبو القاسم، “السياسة الأميركية تجاه إيران بعد ترمب… ضغوط مكثفة ومواجهة غير مستبعدة”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 14 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2021)، https://cutt.us/AsEOP.