ملخص
بفعل عوامل سياسية واجتماعية أصبحت تركيا بلدا يقصده المهاجرون. وهو ما أوجد آثارا اجتماعية وسياسية واقتصادية وديموغرافية، وشكل تحديات للتنظيمات الاجتماعية والطبقات القائمة أو التي تنشأ داخل المجتمع فضلا عن منظومة العلاقات البينية والعلاقة مع مؤسسات الدولة.
مستخدمة المنهج الإثنوغرافي تجري الباحثة فحصا لتجربة الأفراد والمجتمعات المهاجرة في تركيا بالتركيز على الجانب الإنساني والخصائص الاجتماعية. وتتخذ من المجتمعات العربية المهاجرة إلى تركيا وكذلك مجتمع الإيرانيين ومجتمع الأفغان مجتمعات لدراسة هذه القضية.
وتخلص الدراسة إلى:
- لا تعد هذه المجتمعات، مندمجة في المجتمع التركي، ولا تبدو جهود الدولة التركية على صعيد تعزيز حالة الاندماج كافية.
- ترك المهاجرون أثرا كبيرا في مجالات عدة، وأحدثوا نقلة كبيرة على صعيد علاقة تركيا مع العالم الإسلامي
- شكلت الحالة السياسية العربية سببا أساسيا في هجرة العرب إلى تركيا وارتبطت موجات الهجرة العربية بحالة انعدام الأمن والقمع في العالم العربي.
- يقع المهاجرون واللاجئون ضحية للتنافس السياسي ومواقف الأحزاب التركية فيما يتعلق بهم.
- تزامنت أكبر موجة من اللجوء الأفغاني إلى تركيا مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة، مما عزز من حالة الرفض ضدهم.
- يشكل المهاجرون غير الموثقين وخاصة من الأفغان والإيرانيين طبقة دنيا، تشكل القوى العاملة غير الرسمية، التي تعمل في ظروف قاسية وغير قانونية.
- يعد عدم الاستقرار القانوني فيما يتعلق بالمهاجرين من القضايا المقلقة لهم، فضلا عن البيروقراطية وتعدد المؤسسات ذات العلاقة.
كلمات مفتاحية:
المجتمعات المهاجرة، اللجوء، تركيا، الاندماج، العرب، الإيرانيون، الأفغان
________________________________________
د. فاطمة الصمادي، باحث أول، مركز الجزيرة للدراسات
Abstract
Due to political and social factors, Turkey has become a country that is sought after by migrants. This has had social, political, economic and demographic effects and posed challenges for social organizations and existing or emerging social classes, as well as the system of interpersonal relations and the relationship with state institutions.
Using the ethnographic method, the researcher conducts an examination of the experience of migrants and migrant communities in Turkey, with a focus on the human aspect and social features. The researcher chose Arab, Iranian and Afghan migrant communities to Turkey as societies to study this issue.
The study concludes that:
- Arab communities in Turkey are not fully integrated into Turkish society, and the efforts of the Turkish government to promote integration do not seem sufficient.
- Migrants have had significant impact on various fields and have created a major shift in Turkey’s relations with the Islamic world.
- The Arab political situation was a major factor in the migration of Arabs to Turkey, and waves of Arab migration were linked to the lack of security and repression in the Arab world.
- Migrants and refugees are victims of political competition and the positions of Turkish parties towards them.
- The largest wave of Afghan refugees to Turkey coincided with the severe economic crisis, which exacerbated the rejection towards them.
- Unregistered migrants, especially Afghans and Iranians, constitute a lower class that makes up the informal workforce, working in harsh and illegal conditions.
- The legal instability regarding migrants is one of the issues that worry them in addition to bureaucracy and the multiplicity of related institutions.
- Keywords: migrant communities, asylum, Turkey, integration, Arabs, Iranians, Afghans
المقدمة
كان “الاستيعاب”(1) مصطلحًا بارزًا في طروحات مدرسة شيكاغو لعلم الاجتماع فيما يتعلق بالمهاجرين عندما بحثَتْ مشكلة الهجرة واندماج ملايين المهاجرين في المجتمع الأميركي، واقترح باحثوها أن المهاجرين سوف يندمجون ببطء في الثقافة والبنية الخاصة بالدولة المستضيفة بمرور الوقت، وكان النقاش ينصب على أنه مع كل جيل تال وكل عقد يمر، سيأخذ المهاجرون تدريجيًّا أساليب الحياة الأميركية ويتخلصون من عناصر تراثهم العرقي وتقاليدهم وهويتهم(2).
ورغم سيل الانتقادات الحادة الذي تعرض له هذا الطرح من قبل مجموعة من الباحثين المعاصرين، إلا أن هذا “النموذج الكلاسيكي” للاستيعاب هو الرؤية السائدة للتعامل مع قضية المهاجرين لعقود من الزمن. ويرى د. عبد الرحمن المالكي في كتابه “مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة” أن إرث هذه المدرسة سيظل حاضرًا في السوسيولوجيا عامة وفي سوسيولوجيا التحضر والهجرة خاصة، وذلك سواء على مستوى منهجية البحث (البحث السوسيولوجي الميداني)، أو المفاهيم المستعملة أو النظريات المستلهمة(3).
في السنوات الماضية، وبفعل عوامل سياسية واجتماعية، أصبحت تركيا بلدًا يقصده المهاجرون خاصة من الدول العربية والإسلامية. كثير منهم اختار الاستقرار في هذا البلد وحمل جنسيته وكثير آخر أيضًا جعل منها ممرًّا نحو مقصد آخر، الدول الغربية في غالب الأحيان. ورغم أن بعض المقاربات قد تقترح نموذج الاستيعاب الكلاسيكي فيما يتعلق بالمجتمعات المهاجرة في تركيا، إلا أن قضايا تتعلق بالتحولات الديمغرافية والتحديات الاقتصادية والسياسية تثير تساؤلات كثيرة حول صحة هذا “التصوير الأيقوني” لتجربة المهاجرين إلى تركيا.
وتظهر أهمية ما أسست له “مدرسة شيكاغو”(4) في حقل من حقول علم الاجتماع في توفيرها أدوات لدراسة الهجرة ومجتمعات المهاجرين والآثار الاجتماعية التي تتركها الظاهرة على الدول المستقبلة، وما تنتجه من نزاع اجتماعي وفعل اجتماعي، يصل إلى التنظيمات الاجتماعية والطبقات القائمة أو التي تنشأ داخل المجتمع فضلًا عن منظومة العلاقات البينية والعلاقة مع مؤسسات الدولة، وتشكيل الهوية وبناء الشبكات داخل هذه المجتمعات. ولا ينفصل الأمر عن إمكانية دراسة أنساق سياسات الدولة المتأثرة والمستقبلة للهجرات.
وتبدو الطروحات التي قدمها رواد هذه المدرسة السوسيولوجية للهجرة، ثمينة في دراسة هذه المجتمعات، خاصة فيما يتعلق بمفهوم التمثل عند “بارك”(5) والذي عدَّ التمثل هو سيرورة مشاركة جماعة من الأفراد في عمل المجتمع بشكل نشط مع حفاظها على خصوصيتها. وقد حاول مع باحثين آخرين تحديد التفاعلات بين المجتمعات الأصلية والمهاجرين؛ حيث حدد أربع مراحل، وهي: التنافس، والصراع، والتكيف، والتمثل. وعَدَّ التعلمَ الحلَّ لإعداد المهاجرين لمواطنتهم الجديدة؛ حيث سيتعلمون اللغة والثقافة والأيديولوجيا الديمقراطية، وبالتالي سيعرف المهاجرون أن لهم مستقبلًا فعليًّا في هذا البلد(6).
شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة تحولات نتجت في كثير من جوانبها عما أفرزته “الثورات العربية” أو ما اصطلح على تسميته بـ”الربيع العربي” والذي عصفت موجاته بأكثر من بلد عربي، وما أعقب هذه الموجات من ثورة مضادة وقمع سياسي وصدامات مسلحة ضيقت فرص العيش وجعلت حياة مجتمعات بأكملها في معرض الخطر. وقد خلقت هذا التحولات وغيرها ظواهر عدة، ولعل من أهم ما ولدته هو ظاهرة الهجرة أو الهجرات ومنها العربية إلى تركيا؛ إذ لا تقتصر هذه الظاهرة على العرب بل تشمل الإيرانيين والأفغان أيضًا، وكل له أسبابه وخصائصه.
ولعل ضغط الهجرة وما أفرزه من تحديات قاد إلى نشوء عدد من المؤسسات وإصدار تشريعات تنظم هذه المسألة وتتعامل مع مقتضياتها، ومنها على سبيل المثال الخط “آلو 157” الذي افتتح في العام 2003 كخط عاجل من أجل مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر. ثم زاد نطاق خدمته وتوسع بعد انتقاله إلى رئاسة إدارة الهجرة في عام 2014، ليصبح اسمه في 20 أغسطس/آب 2015 مركز اتصالات الأجانب (YIMER)(7). ويقوم الخط بتقديم خدمة على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع. ويجيب على أسئلة الأجانب في مواضيع التأشيرة، والإقامة، والحماية الدولية، والحماية المؤقتة ويعمل أيضًا كخط عاجل لمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر وإنقاذهم.
ترتكز هذه المعالجة على فحص تجربة الأفراد والمجتمعات المهاجرة بالتركيز على الجانب الإنساني والخصائص الاجتماعية والأبعاد الأخرى كالقانونية والسياسية باستخدام أدوات إثنوغرافية تُعنى بالتجارب والسلوك لهذه المجتمعات.
أسئلة الدراسة وأهدافها
تسعى هذه الدراسة إلى تحديد أبرز خصائص “المجتمعات المهاجرة في تركيا”، وتعالج عددًا من الأسئلة المتعلقة بموضوع البحث، أهمها:
- كيف تشكلت المجتمعات المهاجرة في تركيا؟
- ما خصائص هذه المجتمعات؟ وما التحديات والمشكلات التي تواجهها؟
- ما الأرضية السياسية والقانونية والاجتماعية التي تؤطر لهذه المجتمعات؟
تتخذ الباحثة من المجتمعات العربية المهاجرة إلى تركيا وكذلك من مجتمع الإيرانيين ومجتمع الأفغان مجتمعات لدراسة هذه القضية، وتستثني من الدراسة “المهاجرين السوريين” وذلك لأسباب تتعلق بخصوصية واقعهم وحالتهم، ووصول الباحثة إلى قناعة بضرورة تخصيص دراسة خاصة لهذه الحالة في المستقبل.
وحيث إن الإثنوغرافيا هي استكشاف وبحث معمق في تفاصيل قضيةٍ ما حيث يتم تحليل المعلومات عن طريق تفسير المعاني والأنماط لسلوك المجموعة، فإن عملية الدراسة والتحليل استندت على التواصل القريب والمعايشة مع المجتمعات المبحوثة. ولهذا الغرض، أجرت الباحثة عددًا من المقابلات التي سيتم توظيفها في هذه الدراسة مع الإشارة المنهجية لمن تمت مقابلتهم، إضافة إلى الملاحظة ومجموعات التركيز.
5 ملايين عربي في تركيا
وفق تقديرات رئيس “الجمعية العربية” في إسطنبول، متين طوران، يصل تعداد الجاليات العربية في تركيا إلى حوالي 5 ملايين شخص(8). ويتوزع هذا العدد إلى 3 ملايين و600 ألف لاجئ سوري وجنسيات أخرى تشمل رجال أعمال وطلبة وغيرهم. وجاء قرار تشكيل اتحاد الجاليات العربية، حتى يمكن “التنسيق والعمل مع القيادات التركية بفاعلية أكبر”(9).
ويهدف الاتحاد إلى لعب دور الجسر الرابط بين الأتراك والجاليات العربية. وحصل الاتحاد على ترخيص للعمل وفق القانون التركي. وقد شهدت أعداد العرب في تركيا ارتفاعًا كبيرًا بعد اندلاع الأزمة الحرب في سوريا، وتشير تقديرات ديمغرافية، إلى تعداد قدره 1.5 مليون شخص، مما شكَّل من 2 إلى 2.7 % من العدد العام للمقيمين في البلاد، وشهدت هذه النسبة ارتفاعًا وصل إلى 6% في عام 2019 من مجموع السكان الذي وصل لنحو 83.5 مليون نسمة وفق الإحصاء الرسمي العام(10). وفي عام 2021، بلغ إجمالي عدد سكان تركيا حوالي 84.68 مليون نسمة. (انظر الرسم البياني رقم 1)
الرسم البياني رقم (1)
تظهر الإحصائية إجمالي عدد سكان تركيا من عام 2017 إلى عام 2021، مع توقعات حتى عام 2027. في عام 2021، بلغ إجمالي عدد سكان تركيا حوالي 84.68 مليون نسمة (المصدرhttps://bit.ly/3F2V0oI )
فيروز و”اللمبي” والكبدة الإسكندراني
يفرض الطعام العربي (سوري، لبناني، مصري..) حضوره بقوة في منطقة الفاتح وبينما صوت فيروز يستدرجك نحو أحد المقاهي، يأتيك صوت صاحب المحل مرحِّبًا ومصرًّا على أن “يضيفك” من قهوة المحل، كل الأطباق موجودة في تلك المنطقة من “المنسف الأردني” إلى “القدرة الخليلية” و”الكبة الحلبية” وغيرها.
أما في منطقة “شرين إيفلر” فالسبق للمطاعم المصرية، ولعل أشهرها مطعم أسسه شباب مصريون اسمه “أفندينا”، والمطعم الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة، حتى من قبل الصحف المصرية ذاتها، مختص بطبق يحبه المصريون “الكبدة الإسكندراني”. ويحضر “اللمبي”(11) الشخصية السينمائية الشهيرة في هذا المطعم من خلال صورة والده صاحب الملامح الغريبة التي تستقر على الجدار. واشتهر المطعم الذي يقدم “الكبدة والسجق” المصري، بعد أن قام شباب مصريون بنشر صور لـ”والد اللمبي” في “أفندينا”، مع تعليقات طريفة على وسائل التواصل الاجتماعي.
الجالية الفلسطينية
عند الحديث عن الجالية الفلسطينية في تركيا، يمكن الحديث عن جالية مهاجرة في فترة ما قبل الربيع العربي، ويمكن تحديدًا الحديث عن مجموعة من الفلسطينيين الذين جاءوا إلى تركيا في ثمانينات القرن الماضي. جاءت هذه المجموعة للدراسة واستقرت في تركيا، ولم يكن تعداد الجالية يتجاوز في حده الأعلى، وفق تقديرات رئيس المؤتمر الشعبي لفلسطينيي تركيا، محمد مشينش (أبو أنس)، 3-5 آلاف شخص.
يحدد مشينش، الذي التقيناه في واحد من مقاهي إسطنبول، مكان تركز الفلسطينيين في تلك الفترة في مدينة إسطنبول حيث أقاموا مجتمعًا خاصًّا بهم مع ملاحظة أن تركيا في تلك الفترة لم تكن جاذبة، ولم تكن جيدة اقتصاديًّا فضلًا عن تدني مستوى الخدمات فيها(12).
وبعد حرب الخليج الأولى وغزو الكويت جاءت مجموعة أخرى إلى تركيا لكن تعدادها كان محدودًا حيث لم تتجاوز الـ500 شخص. وبقي تعداد الفلسطينين في تركيا في حدود الـ5 الآف شخص.
ومع “الربيع العربي” استقبلت تركيا موجة جديدة من الفلسطينين ممن كانوا يعيشون في سوريا، ولم يكن العدد بسيطًا وإن كان لا يمكن وضع أرقام دقيقة بشأنه إلا أن التقديرات تصل إلى 15 ألف شخص، وسبقتهم موجة مهاجرين فلسطينيين من العراق ممن جاؤوا عقب الاحتلال الأميركي للعراق في حدود 150 عائلة (في حدود ألف شخص) إضافة إلى عوائل هاجرت من غزة. مع ملاحظة أن هذا المجتمع متحرك حيث تأتي مجموعات وتغادر أخرى تتخذ من تركيا ممرًّا للهجرة إلى أوروبا؛ مما لا يجعله عددًا تراكميًّا، وحاليًّا أصبحت تركيا مقرًّا للطلاب الفلسطينيين بعد الانتكاسة التي شهدتها الدول العربية وجامعاتها بعد الربيع العربي خاصة مصر وسوريا، ويوجد حوالي 12 ألف طالب فلسطيني يدرسون في الجامعات التركية(13). وحسب معلومات نقلتها وكالة وفا دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير الفلسطينية للعام، 2022″بلغ عدد أبناء الجالية الفلسطينية في عموم تركيا نحو 30 ألف مقيم، ويتركز معظم أبنائها في مدينة إسطنبول.
لكن مشينش يرفع مجموع الجالية الفلسطينية المستقرة في عموم تركيا إلى عدد يتراوح ما بين 40-50 ألف نسمة، ويتضمن هذا العدد المسجلين كلاجئين جاءوا من العراق وسوريا، وأما القادمون من العراق فقد سُجِّلوا في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)(14) مما يجعلهم يعاملون كلاجئين عالميين ويتيح لهم فرصة الانتقال والتوطين في دولة ثالثة، لكن اللاجئين القادمين من سوريا لم يشملهم ذلك، وإنما هم مسجلون في الأونروا ومؤسسات الدولة التركية ويعاملون معاملة السوريين، ولا يمكنهم الانتقال إلى دولة ثالثة، وتنظم الدولة التركية شؤونهم ويمنحون العلاج المجاني في مشافي الدولة ويسجل أطفالهم في مدارس الدولة إضافة إلى مساعدات عينية حالهم حال السوريين، وذلك وفق قرار صدر في عهد حكومة أحمد داوود أوغلو بشمول كل القادمين من سوريا بإجراءات واحدة، ومنحهم بطاقة حماية، ويتوزعون في الريحانية وهاتاي وغازي عنتاب ومدن أخرى. وتعمل نسبة كبيرة من اللاجئين الفلسطيين ضمن ترتيبات وشروط وضعتها الدولة؛ حيث تقابَل الجالية الفلسطينية بالترحيب، وذلك مرده إلى موقف الشعب التركي من فلسطين(15).
وبلغة الأرقام يصف مشينش الجالية في عمومها بـ”النخبوية”(16)؛ فهناك تجمع الأطباء الفلسطينيين وهو تجمع نقابي ينضوي تحت مظلته 200 طبيب فلسطيني يعملون في تركيا. وكذلك تجمع المهندسين الفلسطينيين ويزيد عددهم عن الـ200 مهندس وهم ممن يعملون في القطاعات الهندسية والقطاعات التجارية. وهناك أيضًا تجمع رجال الأعمال الفلسطينيين ويُطلَق عليه اسم تجمع رجال الأعمال الفلسطيني التركي، وقد تلقوا كثيرًا من الجوائز من الدولة تقديرًا لنشاطهم وبينهم 80 من أصحاب رؤوس الأموال. وهناك أيضًا الإعلاميون حيث تتوزع نخبة مؤثرة على المؤسسات الإعلامية التركية ومنها المؤسسات الناطقة بالعربية، يضاف إليهم تجمع العمال الفلسطينيين في تركيا. وأيضًا اتحاد الطلبة، بينهم ما يقرب من 1000 طالب في مرحلة الدراسات العليا؛ ولذلك يصنفون على أنهم مجتمع نخبوي، ومن أبرز الأمثلة مترجمة الرئيس الأولى، فاطمة قاوقجي (أبو شنب)، فوالدها من عائلة فلسطينية، وهي متخصصة في العلاقات الدولية، دائمًا ما تظهر إلى جانب أردوغان لتقوم بمهمة الترجمة خلال لقاءات رسمية مهمة مع زعماء العالم وكانت والدتها، مروة قاوقجي، أول نائبة محجبة في البرلمان التركي، قد طُردت من البرلمان بسبب الحجاب. وهناك أيضًا برلمانيون أتراك من أصول فلسطينية(17).
في ذات المطعم الذي يغص بسكان البلاد والسياح، التقينا ساري بركة، الذي يحب أن يعرف عن نفسه بأنه ناشط شبابي فلسطيني مقيم في تركيا منذ خمس سنوات، ويتركز نشاطه في الجانب التطوعي(18). يؤكد بركة التقديرات التي قدمها مشينش والخاصة بأعداد الفلسطينيين في تركيا، ويضعها بصورة محددة في 50 ألف شخص بشكل نظامي ورسمي، وفق ما يصفه(19)، حصل بعضهم على الجنسية التركية من خلال مداخل عدة منها العمل والإقامة والاستثمار والشراء العقاري(20). والجالية الفلسطينية في المجموع جالية توصف بأنها “شابة”، وفق ما يقوله بركة.
أسباب عديدة دفعت الفلسطينيين إلى التوجه نحو تركيا لجوءًا وهجرة، بعضها سياسي بسبب ما آلت إليه الأوضاع في الدول العربية بدءًا من غزو الكويت مرورًا باحتلال العراق ووصولًا إلى الأزمات التي أعقبت “ثورات الربيع العربي” في أكثر من بلد عربي والأزمات الاقتصادية والسياسية في بلدان مثل لبنان والأردن. وهناك أيضًا هجرة من نوع آخر يتحدث عنها بركة وهي القادمة من أوروبا حيث إن كثيرًا من العائلات الفلسطينية انتقلت إلى تركيا بحثًا عن بيئة اجتماعية مناسبة بصورة أكبر للعوائل المسلمة(21). كما أن تركيا بالنسبة لكثير من العرب أصبحت نقطة التقاء مع أحبائهم الذين يقيمون في أوروبا أو في دول عربية يتعذر السفر إليها(22).
وهناك أسباب أخرى قد يصدق عليها وصف “البحث عن آفاق وحياة جديدة” كالتي سعى إليها أبو وسام (دنماركي من أصل فلسطيني)، فبعد 37 سنة عاشها في الدانمارك يأتي إلى إسطنبول مستثمرًا، ويصف الحياة في تركيا بأنها “جميلة لكن المال مهم جدًّا”، ويضيف الرجل الذي استقبلنا في المقهى الذي يملكه: بدون دخل جيد فالحياة هنا ستكون صعبة وهي صعبة بالنسبة لكثير من الشباب المهاجرين(23). أصبح المقهى الذي أنشأه أبو وسام في منطقة الفاتح (مود كافيه) مقصدًا لكثير من الشباب الفلسطينيين والعرب عمومًا، وهناك يمكن أن تستمع إلى عشرات القصص لشباب بعضهم جاء باحثًا عن عمل وحياة كريمة وبعضهم رأى في المكان استراحة أو نقطة توقف ينطلق بعدها إلى وجهته المنشودة (أوروبا) بحثًا عن مستقبل أفضل.
فلسطين معكم: رَدُّ الجميل
ومع الزلزال الذي ضرب تركيا اندفع متطوعون من مختلف الجاليات العربية لإغاثة المتضررين، وسجلت الجالية الفلسطينية نشاطًا ملحوظًا من خلال الأطباء وجمع المساعدات وأعلنت الجالية عن بدء بناء 87 وحدة سكنية للمتضررين بمساهمات من محسنين عرب. وأطلقت الجالية الفلسطينية حملة “فلسطين معكم FilistinSizinle” التي حظيت بتقدير واهتمام كثير من المؤثرين الأتراك على وسائل التواصل الاجتماعي.
“وتم تشكيل 27 فريقًا تطوعيًّا تضم نحو ألف شاب فلسطيني ينتشرون الآن في المناطق المنكوبة في تركيا ويمارسون مهام الإنقاذ والإسناد بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية، فيما انتقل جزء من هذه الفرق إلى الشمال السوري لإسناد فرق الدفاع المدني ومساعدة المنكوبين. وقال مسؤولون عن الحملة إنها انطلقت من مرتكزين أساسيين: الأول هو الواجب الإنساني وردُّ الجميل للشعبين التركي والسوري اللذين احتضنا أبناء الشعب الفلسطيني، والمرتكز الثاني هو واجب المسؤولية الوطنية حيث إن هناك ما يقارب 4 آلاف عائلة فلسطينية تعيش في الجنوب التركي، والشمال السوري.
المصريون: هجرة غير مخطط لها
توصف هجرة المصريين إلى تركيا بأنها “هجرة غير مخطط لها” بفعل الظروف التي سبقتها ودفعت لها. قُدِّر عدد المصريين المقيمين بشكل دائم في تركيا في عام 2022 بحوالي 30 ألف مصري، وتتنوع الجالية المصرية بين طلاب وأطباء ومهندسين ورجال أعمال وإعلاميين وسياسيين.
تعتبر فئة الطلاب المصريين في تركيا من أكبر الفئات من حيث أعداد الطلاب الدوليين في البلاد، ويدرس الطلاب المصريون في جميع الجامعات التركية، الخاصة منها والحكومية، وينتشر الطلاب المصريون في شتى الولايات التركية، كما أن كثيرًا منهم يستفيد من المنحة الحكومية التركية للطلاب الدوليين، والتي يتم تقديمها كل عام من قبل الحكومة التركية.
يُقيم العدد الأكبر من الجالية المصرية في تركيا في ولاية إسطنبول، وتأتي العاصمة أنقرة في المرتبة الثانية لإقامة المصريين في تركيا، إضافة إلى ولايات أخرى مثل أنطاليا وغيرها.
عكف المهاجرون المصريون في تركيا على انشاء عدد من الجمعيات، وتعتبر “جمعية رابعة” أولى هذه الجمعيات، وأُعلن عن تأسيسها، في أكتوبر/تشرين الأول 2013، وحملت شعار علامة رابعة، في إشارة إلى مجزرة فض “اعتصام رابعة العدوية”، في 14 أغسطس/آب 2013، والتي راح ضحيتها المئات من أنصار الرئيس الراحل، محمد مرسي، أما “الجالية المصرية” فهي كيان اجتماعي جامع للمصريين على الأراضي التركية(24). يحصي تقرير للجزيرة نت مجموعة من الكيانات، من أهمها:
- اتحاد الجمعيات المصرية: اتحاد غير حكومي ومستقل، هدفه تجميع الجمعيات المصرية في اتحاد يعبِّر عنها، ويسعى لحل مشاكل المصريين في تركيا.
- رابطة الإعلاميين المصريين في الخارج: تأسست في فبراير/شباط 2018، وتضم في عضويتها 500 عضو من صحفيين وإعلاميين يعملون خارج مصر.
- رواق إسطنبول: مؤسسة للتدريب والتأهيل ورعاية الموهوبين، تأسست في 2017، وتهتم بالمواهب الشابة في الفئة العمرية 18- 35 عامًا، في مختلف المجالات. ويدعمون المبادرات الشبابية التطوعية وتتعاون وتنسق مع بعض المؤسسات التركية الأهلية والشبابية، لمساعدة الشباب على الاندماج في المجتمع التركي.
في مكتبه في قناة الشرق، استقبلنا الناطق باسم الجالية المصرية في تركيا، نادر فتوح، وهو مذيع ومقدم برامج، مهاجر إلى تركيا منذ 2015. يتحدث فتوح عن جالية مصرية كبيرة العدد، أما تجمع الجالية الذي ينطق باسمه فيصل عددهم إلى 4000 عضو تقدم لهم الجالية خدمات متنوعة في إطار لجانها الاجتماعية والقانونية والصحية.
تبذل الجالية جهودًا كبيرة في مجال الإدماج، ويتحدث فتوح عما يصفه بـ”المنفعة المتبادلة” فكما أن كثيرًا من المصريين وجدوا في تركيا المأوى والترحيب، فهم يقدمون في المقابل خدمات وخبرات، فهناك كثير من العلماء الأزهريين المنتشرين في عدد من المدن التركية وهو ما يعد إضافة للحالة الدينية في تركيا، وهناك كثير من الأطباء ممن لديهم رخص مزاولة المهنة ويخدمون في المستشفيات والعيادات التركية، وهناك رجال أعمال يحرصون على المشاركة في كافة المؤتمرات والفعاليات الاقتصادية، وتأتي هذه الجهود جميعًا في إطار الاندماج داخل المجتمع التركي، ويسهِّل من هذا الأمر وجود مشتركات ثقافية.
وبالنسبة لعدد لا يستهان به أصبحت تركيا بالنسبة له وطنًا بديلًا وستصبح كذلك لمصريين آخرين لجؤوا إليها منذ خمس أو ست سنوات مضت.
كان فتوح ممن جرى اعتقالهم عقب انقلاب السيسي واستطاع أن “يخرج من مصر بطريقة غير شرعية”(25). عن تجربة اللجوء يتحدث فتوح: كنت من الشباب المؤمنين بشدة بثورات “الربيع العربي” وثورة يناير في مصر، ثم كنت مؤيدًا للنظام الديمقراطي المدني الذي جاء بعد الثورة متمثلًا بالنظام الرئاسي للمرحوم محمد مرسي، ثم حدث الانقلاب وكنت مناهضًا بشده له. أسست مجموعة من الحركات الشبابية في مصر وكنت منسقًا للحركات الشبابية في محافظة الإسكندرية وهي من أهم المحافظات التي سجلت موقفًا ضد الانقلاب. وتم اعتقالي في يناير/كانون الثاني 2014 وبقيت معتقلًا حتى ديسمبر/كانون الأول 2015 لمدة 23 شهرًا. بقيت لشهر واحد داخل مصر قبل أن أقرر أن أسلك طريق الهجرة. وتوقفت في محطات عدة قبل أن أصل تركيا في مارس/آذار 2016، أي قبل ست سنوات تقريبًا.
استخدم فتوح خبراته السابقة في المجال التطوعي والعمل مع الجمعيات الخيرية، وجرى تأسيس الجالية التركية التي نتحدث عنها في 2018 وهي جالية مرخصة لها مجلس إدارة وأجرت انتخابات بعد عامين من تأسيسها، وأجرت انتخابات ثانية، في يناير/كانون الثاني 2022، لانتخاب مجلس الإدارة. وكانت انتخابات حضرها أكثر من نصف الجمعية العمومية(26). أما شروط الانتساب فهي أن يكون العضو مصريًّا فوق الـ18 عامًا. وتقدم “الجالية المصرية” بوصفها تجمعًا خدميًّا ومن خلال مجموعة من اللجان المتخصصة الكثير من الخدمات لأعضائها مثل توزيع المساعدات والأسواق الخيرية ومعارض الأسر المنتجة، وغيرها من الأنشطة التي تأتي ضمن عمل اللجنة الاجتماعية. وهناك اللجنة القانونية التي تتكفل بمتابعة كثير من الملفات ذات الطبيعة القانونية، وقد قامت الجالية بالتعاقد مع مكتب قانوني تركي للتعامل مع قضايا المصريين وفي مقدمتها المتعلقة بالإقامة، وهناك جانب مهم تقوم به اللجنة القانونية يتعلق بتوثيق وتقنين أوضاع المصريين، خاصة مع التضييق الذي جرى في بند الإقامة السياحية. وتقدم اللجنة كشوفات للإقامة الدائمة وكشوفات للحصول على الجنسية. وتختص اللجنة الصحية بخدمات المستشفيات والأطباء وتقديم العلاج وحل مشكلات المصريين الطبية، وجرى عقد الكثير من التفاهمات مع عدد من المنظمات الصحية والخدمية التي تعمل مع المستشفيات التركية. وتختص اللجنة التعليمية بشؤون الطلبة والتعليم بصورة عامة.
الجالية العراقية
للتقصي عن أحوال الجالية العراقية، قصدنا شعلان الشمري، وهو مستشار في تطوير الأعمال، أسس ويرأس مجموعة اقتصادية؛ حيث استقبلنا في مكتبه في إسطنبول، وشملت الجلسة أيضًا الدكتور سرمد راشد، وهو المدير العام لأكاديمية تعنى بالتعليم والتدريب، وهو عضو في الجالية العراقية ونائب لرئيس الجاليات العربية في تركيا، وشاركنا هذه الجلسة أيضًا مؤسس مدارس الفائز الدولية(27).
تُصنَّف الجالية العراقية في تركيا ثاني أكبر جالية عربية بعد الجالية السورية(28)، وتسجل إحصاءات وزارة الهجرة العراقية وجود أكثر من 700 ألف عراقي مقيم في تركيا، ويتوزعون بكثافة في 12 من أصل 81 ولاية في تركيا، تأتي في مقدمتها إسطنبول وأنقرة(29). وحسب إحصاءات رسمية تركية، فإن أكثر من 200 ألف لاجئ عراقي يعيشون في تركيا ومشمولون بالمساعدات التي تقدمها أنقرة للاجئين(30).
ويأتي العراقيون في مقدمة مشتري العقارات في تركيا، وفي إحصائية رسمية نشرتها هيئة الإحصاء التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، جاء العراقيون بالمركز الأول بعدد مشتري العقارات في البلاد خلال السنوات الثماني الماضية، بحصيلة وصلت إلى نحو 47 ألف عقار في مختلف المجالات السكنية والتجارية. وحافظ العراقيون على صدارة شراء المنازل في تركيا في الفترة 2015-2021 ليتراجعوا إلى المركز الثاني بعد الإيرانيين مطلع 2021، ثم للمركز الثالث، في 2022، بعد تصدر الروس لمشتري العقارات التركية(31). وواصل الروس احتلال المركز الأول في شراء العقارات مع مطلع العام 2023 وتلاهم الإيرانيون ثم العراقيون ثم الأوكرانيون.
المصدر: مدن العقارية
وتكشف دراسة أجراها الاتحاد العام للطلبة العراقيين، حول واقع الطلبة العراقيين في تركيا وأشار إليها موقع نون بوست، أن حوالي 25% من الطلبة العراقيين يدرسون في مدينة إسطنبول، أي إن هناك 3750 طالبًا وطالبة يعيشون في مدينة إسطنبول وحدها، وهناك 9% يدرسون في العاصمة أنقرة، أي ما يقارب 1350 من الطلبة يعيشون في العاصمة فيما يتوزع الباقي على مختلف الولايات التركية.
ويدرس غالبية الطلبة على حسابهم الخاص؛ حيث بلغت نسبة الذين يتكفلون بدفع أجورهم الدراسية 86%، أما النسبة القليلة المتبقية (14%) فلديهم منح دراسية. ويدرس 70% من الطلبة العراقيين في الجامعات الحكومية و30% يدرسون في الجامعات الخاصة، وغالبية الطلبة يتكفل أهلوهم بدفع أجورهم الدراسية ومصاريفهم الخاصة بهم (60% منهم)، أما النسبة المتبقية فهم يتكفلون بمصاريف دراستهم وسكنهم ومعيشتهم(32).
وفضلًا عن أنهم نشطون اقتصاديًّا، تكاد لا تجد في سجلات الجرائم الواقعة في تركيا شخصًا عراقيًّا متورطًا بجريمة أو جنحة تجاوز على القانون، وفق ما يؤكده الشمري. ويرجع الدكتور راشد السبب إلى كونهم من الطبقة العليا والمتوسطة ومن المتعلمين والقادرين ماليًّا(33).
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما الذي جعل العراقيين المهاجرين إلى تركيا بهذا العدد؟
في إجابته على هذا السؤال، يؤكد الشمري أن الهجرة العراقية إلى تركيا جاءت على شكل موجات كان أكبرها التي حدثت في 2014 مع سيطرة داعش على عدد من المدن، وسبقتها موجات أخرى أقل عددًا في 2003 و2006، مع ملاحظة أن الأردن وسوريا كانتا مقصدين للعراقيين في 2003 و2006 و2008، ممن عانوا من تبعات الاحتلال والاضطهاد والحرب الأهلية وذلك تبعًا للحالة المادية؛ إذ لجأ الذين من كان وضعهم المادي جيدًا إلى الأردن الذي كان بالنسبة للبعض محطة للهجرة إلى خارج العالم العربي (أميركا، وأوروبا، وكندا، وأستراليا)، فيما اختار متوسطو الحال الذهاب إلى سوريا. وكان معظم من لجأ إلى الأردن من العراقيين، في 2014، قد دخل طلبًا للجوء في دولة أخرى ولتقديم أوراق لجوئه من خلال مكتب الأمم المتحدة في عمان. وجاؤوا بأعداد كبيرة من محافظات مختلفة من بغداد وصلاح الدين والبصرة(34).
أما بالنسبة لتركيا فيمكن الحديث عن أعداد قليلة جدًّا في فترة التسعينات، ثم جاءت الموجة الأولى في 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق ولكن بنسبة قليلة أيضًا، ولكن أكبر موجة حدثت هي التي جاءت بعد ظهور تنظيم الدولة (داعش) وسيطرته على عدد من المدن العراقية، وكان كثير من الهاربين من جحيم التنظيم يصلون تركيا بدون أية وثائق ثبوتية، ووُضعوا تحت الحماية المؤقتة، ويرجح الشمري أن يزيد تعدادهم عن 300 ألف لاجئ، ممن جاءوا من محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار.
وفي العام 2015، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، أن أكثر من 47 ألفًا من مواطنيها نزحوا إلى تركيا، هربًا من بطش تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وبعد سيطرته على مدينة الموصل. وقالت الوزارة في بيان لها: إن “معظم النازحين من الكرد الأيزيديين والتركمان”، مشيرة إلى أنها استقت أرقامها من دائرة الهجرة والإقامة التركية بالتعاون مع السفارة العراقية في أنقرة.
يتدخل السيد الفايز في الحديث بقوله: لقي الفارُّون من بطش “داعش” في مدن مثل الموصل معاملة خاصة في تركيا، خاصة أن عائلات كثيرة قد لجأت بدون أية وثائق ثبوتية وكان يتم تسجيل أسمائهم والسماح بدخولهم، وهو ما سهَّل دخولهم إلى تركيا خاصة مع الحدود المشتركة. كما سمحت إجراءات سابقة منها إمكانية الحصول على التأشيرة في المطارات التركية للقادمين من العراق في تشجيع العراقيين على المجيء إلى هذا البلد، مقارنة بدول أخرى منها دول عربية تعاملت بشكل أمني مع العراقيين وأحجم كثير منها عن منح التأشيرات لهم. ويشير إلى امتداد عائلي للتركمان العراقيين والأكراد داخل تركيا، وهو أمر يعود إلى سنوات سابقة كثيرة، وكان حصولهم على الجنسية التركية مسألة سهلة للعراقيين التركمان(35).
ويسجل الدكتور سرمد راشد ملاحظة مفادها: صحيح أن القادمين من محافظات الموصل وبغداد وصلاح الدين في 2014 جاؤوا هربًا من بطش تنظيم الدولة، إلا أن موجات سبقتها بفعل الظروف التي حدثت في العراق وكان معظمها من المكون السنِّي(36).
وعندما قرر العراقيون افتتاح مدرسة عربية في تركيا (مدرسة الفائز الدولية) في العام 2015 كانت أول مدرسة عربية معتمدة من قبل وزارة التربية التركية. واليوم تضم المدرسة طلابًا من أكثر من 34 جنسية. وتقوم بتدريس مناهج اللغة العربية إضافة إلى المناهج البريطانية (منهج كامبردج)، ولديها فروع في إسطنبول وأنقرة وولايات تركية أخرى(37). وامتازت هذه المدارس بالاستجابة للحاجة الثقافية للجاليات العربية إضافة إلى أمور تتعلق بالتربية الإسلامية والدين الإسلامي حيث اشتملت المدارس على مسجد واهتمت بتدريس اللغة العربية بصورة كبيرة(38). كما أنشأ العراقيون أيضًا مدارس الأندلس النموذجية، وهي مدرسة عراقية أهلية نموذجية تابعة لوزارة التربية العراقية- مديرية التبادل الثقافي (المدارس الأهلية في الخارج)، وتُمنح شهادتها من قبل الحكومة العراقية ويتم الاعتراف بها من الحكومة التركية، وهي معتمدة عند القبول في الجامعات التركية. ويبدو أن إنشاء مثل هذه المشاريع كان يتم بسهولة وسلاسة أكبر قبل سنوات ويعزو الفايز ذلك إلى التغيير الذي أُدخل على القوانين والإجراءات الخاصة بذلك(39).
وعن إدارة الجالية يقول الشمري: كنَّا معنيين بصورة أساسية بتمثيل الجالية العراقية أمام السلطات الرسمية التركية، وتذليل الصعاب والعقبات التي يواجها أفراد الجالية ومن ذلك المشكلات المتعلقة بالإقامة وغيرها، وتنسيق العمل مع الحكومة العراقية. ويضيف: نحن لا نريد أن نكون جهة إغاثية لأنه يوجد مؤسسات لهذا الغرض، وتجمعنا علاقة تكاملية بين المؤسسات الإغاثية والخدمية وغيرها. ويشير إلى أن الاختلاف في النسيج الطائفي نجده داخل العراق أكثر من الخارج الذي يصفه بأنه يشهد انسجامًا بين المكونات المختلفة للعراقيين(40).
ويوضح الدكتور سرمد راشد أن إنشاء الجالية العراقية جاء لشعور بأنها من أضعف الجاليات العربية على صعيد من يمثلها أمام السلطات التركية، ولذلك فإن مأسسة تمثيلها تصب في مصلحة الجالية من حيث حال مشكلاتها المتعلقة بالإقامة أو العمل أو الجنسية(41). يصف الدكتور راشد علاقات الجاليات العربية مع المؤسسات في تركيا بأنها علاقات رسمية، وأقوى هذه العلاقات مع دائرة الهجرة، وقد نجحت جهود الجاليات العربية في حل كثير من الإشكاليات التي تخصها من خلال هذه العلاقة.
الجالية الليبية
يوصف حي لالالي في إسطنبول بأنه ليبيا الصغيرة، أما شارع غينش ترك فيُطلق عليه شارع الليبيين. وجولة واحدة في الحي كفيلة بأن تخبرك عن سبب التسمية، فهناك تطغى اللهجة الليبية على أحاديث الموجودين في المكان، كما أن المطاعم والشركات والمحلات التجارية في ذلك الحي يملكها ليبيون، وأصبحت اليوم من أهم المراكز التجارية وأقواها.
وأسهم الليبيون بصورة كبيرة في إنعاش قطاع التبادل التجاري بين البلدين والذي أصبح بمنزلة قطاع استثماري مستقل، وأصبحت ليبيا سوقًا للمنتجات التركية المختلفة، وتصل صادرات تركيا إلى ليبيا إلى مليارَي دولار أميركي سنويًّا، وأما الواردات فتصل إلى 350 مليون دولار سنويًّا.
في واحد من مقاهي إسطنبول وبالقرب من أحد الأحياء التي يوجد فيها العرب بكثرة التقينا برئيس الجالية الليبية زياد هاشم(42). يصف هاشم نفسه بأنه رحالة تجوَّل في كثير من بلدان العالم، وبدأ ارتحاله عندما كان معارضًا لنظام القذافي، ليعيش ما يقرب من 30 عامًا خارج ليبيا. عاد هاشم صاحب التوجه الإسلامي إلى بلاده بعد قيام الثورة وإسقاط القذافي(43)، ودخل بعد عودته معترك الحياة السياسية وشغل منصب مدير مكتب عضو هيئة رئاسة المؤتمر الوطني العام(44). ومع التعقيدات التي دخلتها العملية السياسية انتقل إلى تركيا حيث يعيش فيها منذ عشر سنوات ويحمل جنسيتها(45).
في حديثه عن الجالية الليبية في تركيا والتي تصنف من ضمن أكبر الجاليات، يقول هاشم إنها تحظى بمعاملة مميزة أمام الدوائر الرسمية التركية، وهي تشبه الجالية العراقية من حيث إنها مقتدرة ماليًّا، ولا تجد فيها ليبيًّا يبحث عن فرصة عمل بل هم مشغِّلون يستثمرون في تركيا(46). وهذه النخبة الليبية هي نخبة سياسية واقتصادية و”ميلشياوية”، وفق تعبير هاشم، الذي يؤكد أن ما يقرب من 20 مليون دولار تدور في السوق التركية يوميًّا مصدرها الليبيون.
يفيد هاشم بأن عدد الجالية الليبية المسجلة رسميًّا في تركيا يبلغ 33 ألفًا.
وقد أجريت انتخابات للجالية بصورة “مؤسسية ونزيهة وبإشراف القنصلية الليبية” التي لها علاقات طبيعية مع الجالية(47)، ولها نظام مؤسسي مودع لدى الدوائر الرسمية التركية وفق القانون(48).
يشير هاشم إلى اهتمام تركيا كدولة بليبيا، ولكنه يرى أن السياسة التركية تغيرت بعض الشيء مؤخرًا، وتميل الحكومة إلى التعامل مع تيار فكري معين سياسي في ليبيا وكأنها مغلقة أمام التيارات الأخرى. ويرى أن الأتراك لم يستفيدوا كثيرًا من الكتلة الليبية في تركيا، ويستطرد: صحيح أن الأتراك عينهم على ليبيا، وهي التي كانت آخر دولة تتخلى عن الدولة العثمانية، وما زالت بعض العائلات التركية تقيم في ليبيا (مصراتة) منذ زمن الدولة العثمانية، ويأخذ علي الأتراك أنهم دائمًا يريدون ثمنًا سياسيًّا مقابل ما يقدمونه لأعضاء الجالية، ومن ذلك موضوع الإقامات(49).
تأخذ المشاكل التي يواجهها الليبيون في تركيا طابعًا ماليًّا، عكس الجاليات الأخرى التي تتركز مشاكلها في جوانب قانونية تخص الإقامة والعمل في معظم الأحيان، ويشير هاشم إلى أن كثيرًا من المستثمرين الليبيين واجهوا عمليات احتيال بعضها من أتراك وبعضها من قبل جنسيات أخرى مقيمة في تركيا(50).
ويسعى مجلس المصالحة في الجالية إلى حل مشكلات الليبيين وسجل نجاحات في حل كثير من القضايا، وبعضها كان ذا طبيعة عشائرية داخل ليبيا نفسها. وشكَّلت الجالية أيضًا مجلس المرأة، ولديَّ في الجالية نائبة امرأة هي نظيرة العشيبي، وهذا المجلس لديه كثير من النشاطات التي تخص الشأن العام. كما تنظم الجالية فعاليات تختص بشهر رمضان وصلاة التراويح وصلاة العيد.
وأنشأت الجالية أيضًا مجلسًا لحقوق الإنسان والحريات العامة، يقوم عليه محام خريج من بريطانيا، ومحام من الكويت.
وهناك لجنة في طور الإنشاء تتعلق بمسألة التجنيس بحيث يتم وضع الشروط والقواعد التي تساعد على إعداد قوائم المرشحين للجنسية لتقدمها الجالية إلى الحكومة التركية.
وماذا عن الإيرانيين؟
يشتهر “مسجد والده خان” بـ”مسجد الإيرانيين”، في منطقة “البازار القديم” في إسطنبول، ويعود تاريخه إلى ثلاثمئة عام؛ حيث بناه العثمانيون ووضعوه تحت تصرف التجار الإيرانيين. ويقع المسجد في منطقة يكثر فيها وجود الإيرانيين(51).
في طريقي إلى المسجد متجهة من منطقة السلطان أحمد عبرت البازار القديم؛ حيث تختلط الأصوات واللغات واللهجات، وتحاول لافتات المحال التجارية أن تجذب أكبر عدد من الزبائن من خلال لغات عديدة وكذلك يفعل أصحاب المحلات التجارية والعاملون فيها بالمناداة بالتركية تارة والعربية والإنكليزية والفارسية تارات أخرى(52).
وصلت المسجد قبل موعد الصلاة وكان فارغًا إلا من خادم المسجد وشاب صغير كان حاضرًا، مسجد يبرز طرازه المعماري الإيراني بشكل واضح فيما بدا من موجودات داخل المسجد أنه مسجد شيعي اثني عشري. تبادلت أطراف الحديث مع خادم المسجد الذي أخبرني أن الصلاة تقام يوميًّا في المسجد باستثناء يوم الأحد حيث تكون عطلة. وعلمت أن إمام المسجد سيأتي في موعد الصلاة، فقررت أن أتجول في المكان حتى تحين الصلاة(53).
أقيمت الصلاة في المسجد، والتقيت بعدها بإمامه، حجة الإسلام محمد هادي فريد العصر، حيث حدثنا عن الخلفية التاريخية للمسجد، مشيرًا إلى أنه بًني في الأساس على يد العثمانيين ولكن عندما تعرض لحريق قام شخص إيراني يدعى محمد تقي شفيع زاده وبمساعدة التجار الإيرانيين الذين يقيمون في إسطنبول بإعادة بنائه(54).
وإضافة إلى أعداد تؤدي الصلاة في المسجد يوميًّا، تقام فيه مراسم عاشوراء في شهر المحرم وكذلك تقام بعض المراسم في رمضان. وإضافة إلى هذا المسجد الصغير يوجد مسجد آخر ومقبرة لإقامة الجنازات في منطقة إسكودار(55).
يعتقد حجة الإسلام فريد العصر أن النسيج الاجتماعي في تركيا يشهد حالة من التغير، وأن الهجرة هي أبرز عامل من عوامل هذا التغير. وحول خصائص الإيرانيين الذين يهاجرون إلى تركيا يشير إلى أن عدم التدين هو أبرز هذه الخصائص(56).
تشير التقارير الإيرانية إلى أن تركيا واحدة من بين عشر دول تتصدر قائمة البلدان التي يقصدها المهاجرون الإيرانيون، وهي: الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا وتركيا والسويد وأستراليا والكويت وهولندا(57).
يبرز المجتمع الإيراني المهاجر في تركيا بوضوح، وحتى الزائر العادي يمكنه أن يرى ويسمع مظاهر هذا الوجود: اللغة الفارسية، المطاعم، مكاتب السفر والتحويلات المالية التي تكتب بخط واضح أنها تقبل البطاقات البنكية الإيرانية. يتوزع الإيرانيون بصورة كبيرة في أنقرة وإسطنبول وأزمير وأنطاليا وغيرها من المدن التركية. وتحظى إسطنبول بفعل عوامل عديدة بمكانة أكبر على صعيد المدن التي يقصدها الإيرانيون وتبرز أحياء بعينها بوصفها أماكن يستقر فيها الإيرانيون مثل: حي “خان والده” و”أكسراي” و”إسنيورت” و”بيليك دوزو” وغيرها. وما بين اللجوء والشراء العقاري، تتوزع الهجرة الإيرانية إلى تركيا.
وكما تتنوع أسباب هجرة الإيرانيين بين سياسية واجتماعية واقتصادية، هناك نخبة إيرانية اختار بعضها الهجرة إلى تركيا إما بغرض الاستقرار فيها، أو لكونها ممرًّا إلى أوروبا وأستراليا ودول أخرى، وبين عامي 2000 و2014، تجاوزت نسبة الإيرانيين المهاجرين من النخبة والحائزين على جوائز علمية 60%، وذكرت صحيفة “جمهوري إسلامي”، خلال سبتمبر/أيلول 2017، أن نحو 180 ألف إيراني من النخبة وحملة الشهادات العليا يهاجرون سنويًّا(58). وقد أصبحت الدول المجاورة لإيران، مثل الإمارات وتركيا وجورجيا، وجهة جيدة للإيرانيين لقربها وظروف الاستثمار المناسبة لها، لكن العقوبات الأميركية تسببت في مشاكل كثيرة للإيرانيين في الدول المذكورة. وفي السنوات الماضية، حظرت الإمارات العربية المتحدة الحسابات المصرفية للإيرانيين بعد العقوبات الأميركية، وواجه الأشخاص الذين كانوا يقيمون هناك مشاكل في تمديد إقامتهم، ونتيجة لذلك اضطروا إلى الهجرة إلى دول أخرى.
مع إعلان السلطات التركية تطبيق قانون “الأجانب والحماية الدولية”، أصبحت عملية الحصول على الإقامة السياحية لمواطني بعض الدول، بما في ذلك إيران صعبة. دخل هذا القانون حيز التطبيق لفترة وجيزة في 2019(59) وأعلنت دائرة الأجانب التابعة لوزارة الداخلية التركية عن نيتها إيقاف تجديد الإقامة السياحية لحملتها من جميع الجنسيات وتم تعليقه بسبب جائحة كورونا، يغيِّر هذا القانون مصير مئات الآلاف من المهاجرين ومن بينهم ما يقرب من 80 ألف إيراني في تركيا، بات عليهم اختيار مسار آخر للإقامة أو الهجرة أو العودة إلى إيران(60).
في أنقرة في شارع “كزلاي” التقينا “مجيد” 29 عامًا، والذي قُبل لاجئًا، يقول مجيد: لقد أنفقت كل ما لدي للمجيء إلى تركيا، ولكن ظروف الحياة هنا صعبة، شروط العمل الصعبة، مراحل اللجوء الطويلة والمعقدة، صعوبة الحصول على العناية الصحية المناسبة والرسوم السنوية التي يجب أن تُدفع. صحيح أن الإيرانيين يتقدمون في قائمة مشتري العقارات في تركيا، لكن آلاف اللاجئين منهم يعانون من أوضاع مادية صعبة.
وتتحدث السجلات عن أن طالبي اللجوء الإيرانيين في تركيا، يبلغ عددهم 24 ألفًا و300 شخص على الأقل، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش ما يقدر بنحو 67 ألف إيراني في تركيا، مع ارتفاع الأعداد في السنوات الأخيرة حيث يفر البعض طلبًا للجوء السياسي فيما يحاول آخرون تجنب العقوبات الأميركية على إيران عن طريق شراء العقارات والسعي للحصول على الجنسية التركية. ووفقًا لمقابلات أجرتها الباحثة مع عاملين في قضايا اللاجئين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم فإن من أهم الأسباب التي يقدمها الإيرانيون طلبًا للجوء هي: التحول إلى المسيحية، واعتناق البهائية، ولأسباب سياسية.
وترتفع الأرقام التي تقدمها إدارة الهجرة التركية، والتي تقول بأنه يعيش في تركيا حوالي 115 ألف إيراني؛ ما يقرب من 10000 من هؤلاء الأشخاص لديهم إقامة طلاب، و4000 إقامة عائلية و95000 إقامة مؤقتة، ومنهم 80.000 شخص لديه إقامة سياحية ويخضع للقانون الجديد(61). أما الأرقام غير الرسمية فتتحدث عن تعداد يتراوح بين 100-150 ألف شخص، وترفعها أخرى إلى رقم يتراوح ما بين 400 -500 ألف شخص.
في أكسراي وبالقرب من أحد المطاعم الإيرانية التقينا أميد ناظري الذي جاء إلى تركيا وحصل على إقامة سياحية أملًا في أن يجد طريقًا للهجرة إلى أوروبا، ومع إزالة إمكانية الإقامة السياحية، فإن الطريقة الوحيدة للبقاء في تركيا هي الدراسة أو تسجيل شركة أو شراء عقار ولم يعد بإمكان العديد من الإيرانيين الموجودين في تركيا بموجب عقد إيجار الحصول على تصريح إقامة جديد في تركيا.
يتحدث ناظري عن أن زيادة القيود الاجتماعية، ومشاكل الاقتصاد الإيراني بفعل العقوبات الاقتصادية وإفلاس الأعمال التجارية، وفقدان فرص العمل، دفعت الإيرانيين، إلى البحث عن طرق تناسب ظروفهم الاقتصادية للهجرة. وبالنسبة لكثير من الإيرانيين فإنهم يفضلون الهجرة إلى أميركا وكندا وأوروبا.
يحدثنا حسين جهانغير الذي قابلناه في واحد من مكاتب السفر في أكسراي أن من أهم الأسباب التي جعلت الإيرانيين يتصدرون قائمة مشتري العقارات في تركيا في العامين الماضيين العقوبات الأميركية، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وعدم الاستقرار الاقتصادي في بلدنا. وبسبب انخفاض قيمة العملة التركية خلال السنوات الأخيرة وعدم الاستقرار الاقتصادي في هذا البلد وإدراجها في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، في أكتوبر/تشرين الأول 2021(62)، فقد تسبب ذلك بكثير من المخاوف للمستثمرين الإيرانيين الذين كانوا يعتقدون أن تركيا مكان جيد لاستثماراتهم.
الأفغان: رحلة الهرب واللجوء المضنية
على مدى السنوات التي سبقت عودة طالبان إلى سدة الحكم، رأت تركيا في أفغانستان ساحة مناسبة للعمل السياسي والدبلوماسي والعسكري لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة وتعزيز مكانتها داخل حلف الناتو وكذلك تقوية موقعها في العالم الإسلامي. ولطالما كانت تركيا، الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الناتو، ذات نفوذ دبلوماسي وسياسي في أفغانستان. فهي لا تتمتع فقط بعلاقات تاريخية وثقافية ودينية وعرقية عميقة الجذور مع أفغانستان ولكن أيضًا مع باكستان التي دعمت طالبان. وحاولت تركيا لعب دور سياسي فنظمت عدة اجتماعات قمة بين حكومتي باكستان وأفغانستان في محاولة لتحسين الحوار بين الدول المجاورة.
في مايو/أيار من العام 2022، أعلنت دائرة الهجرة التركية، عن ترحيل أكثر من 28 ألف مهاجر غير شرعي من البلاد بزيادة بنسبة 70٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبقه. وبحسب الإعلان، فإن المهاجرين غير الشرعيين المُرحَّلين، والذين يزيد عددهم عن 28581 شخصًا، كانوا أشخاصًا دخلوا البلاد بشكل غير قانوني، وانتهكوا أنظمة التأشيرات والإقامة، وعملوا دون تصريح، وارتكبوا عمليات احتيال، أو عرَّضوا السلامة العامة للخطر. وكان المهاجرون غير الشرعيين المرحَّلون من 94 جنسية مختلفة، على رأسهم أكثر من 10000 مواطن أفغاني.
يتزايد عدد الأفغان في تركيا بشكل مطرد؛ حيث شهدت تركيا موجة كبيرة من اللاجئين الأفغان بعد عودة طالبان إلى سدة الحكم. وتزامن وصول هذه الموجة مع الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة ومع تزايد حدة المناقشات السياسية حول المهاجرين؛ وهو ما عزَّز الدعوات المعارضة لوجودهم.
أدت الأزمة الاقتصادية وتهديدات الشرطة إلى خلق حالة من عدم اليقين لدى الأفغان الذين يعيشون في تركيا، بالإضافة إلى استغلالهم من قبل أرباب عملهم وعدم تمكنهم من الوصول إلى الخدمات العامة، فإنهم يواجهون الآن خطر الاعتقال أو الترحيل إلى إيران.
بسبب النهج الأمني المشترك في المنطقة للسيطرة على الحدود، يواجه الأفغان بشكل متزايد مشاكل كبيرة ليس فقط في دخول تركيا، ولكن أيضًا في المرور عبر تركيا إلى أوروبا، التي تزداد تكاليف ومخاطر السفر إليها. ويعبر المهاجرون الأفغان إلى تركيا من الحدود الشرقية مع إيران، وتأخذ منهم الرحلة سيرًا على الأقدام من 10 إلى 15 يومًا.
ورغم التشديد الأمني استطاع منصور (28) عامًا الوصول إلى إسطنبول من خلال مهرِّب نقله مع غيره في حافلة صغيرة. وتكشف أرقام وزارة الداخلية التركية أن عدد طالبي اللجوء الذين قُبض عليهم لدى دخولهم إلى تركيا عبر محافظة “وان” وحدها، في عام 2020، بلغ 500 ألف، توزعوا بين مهاجرين أفغان وباكستانيين وبنغاليين(63).
ويحتل الأفغان المرتبة الثانية بعد السوريين في الأراضي التركية؛ إذ يتجاوز عددهم 500 ألف شخص، حسب إحصائيات رسمية تركية. ووفقًا للأمم المتحدة، تستضيف تركيا حوالي 183 ألف طالب لجوء أفغاني، بينما يقيم هناك 300 ألف أفغاني بشكل دائم. وكان يدخل تركيا وهي البلد الأعلى في العالم من حيث عدد اللاجئين ما بين 500 إلى 2000 من اللاجئين الأفغان يوميًّا.
بدأ عدد المهاجرين الأفغان غير الشرعيين الذين يصلون إلى تركيا بالازدياد منذ عام 2018، عندما دخل حوالي 100000 مهاجر أفغاني غير شرعي إلى البلاد، وفقًا لأرقام مركز الهجرة المختلط (Mixed Migration Centre,). ولاقت موجة الهجرة هذه حالة من الرفض بين الشعب التركي، وأعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في تركيا موقفًا مناهضًا بصورة صريحة للاجئين، وتعهد زعيمه، كمال كليتشدار أوغلو، “بإعادتهم إلى الوطن” إذا تولى حزبه السلطة.
في ذلك الوقت، كانت تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في جميع أنحاء العالم، واستجابت الحكومة بالتركيز على تأمين حدودها مع إيران واللجوء إلى الترحيل الجماعي إلى كابل، وكان مصطلح “عمليات الإعادة الطوعية” يستهدف بشكل منتظم المهاجرين غير الشرعيين الذين احتُجزوا لشهور(64).
رسم بياني يوضح تصاعد أعداد اللاجئين الأفغان الذين يقصدون تركيا منذ العام 2014 (المصدر: www.mixedmigration.org)
ووفقًا لمعلومات قدمها رئيس مركز دراسات اللجوء والهجرة بأنقرة، متين كوراباتير، فمعظم الأفغان الذين وصلوا إلى تركيا عبر إيران هم رجال تتراوح أعمارهم بين 16 و25 عامًا، وأعطى الانسحاب الأميركي من أفغانستان زخمًا إضافيًّا للشباب الذين يسيرون عبر الطريق الجبلي، على الرغم من المخاطر وسيناريوهات الموت(65).
ومن خبرتها توضح “ن، أ” أن الأفغان هم أكثر صنف من اللاجئين يجهلون متطلبات وآليات اللجوء، وتضيف: يعتقد كثيرون ممن قابلناهم أن كونهم خدموا في الجيش الأفغاني وفرُّوا مع سيطرة طالبان على البلاد يعطيهم نقاطًا تساعد في قبولهم كلاجئين، في حين أن الخلفية الأمنية والعسكرية لطالب اللجوء هي من معيقات قبول طلبه(66).
في واحد من مطاعم الأفغان في إسطنبول، تجاذبنا أطراف الحديث مع شاهين: لا أحد يترك وطنه عبثًا! لقد كنت مضطرًّا وأُجبرت على مغادرة وطني، منذ عقود لم أذق -ومثلي كل الشعب الأفغاني- طعم الأمن.
يتناول تحقيق استقصائي أحوال الأفغان في إسطنبول ويتوقف فابريزو فوستشيني عند “جامعي القمامة”، وهم في أغلب الأحيان من الفتيان الصغار أو حتى القصر، وهو مشهد مألوف في جميع أنحاء إسطنبول. عادةً ما يكون جمع القمامة هو أول وظيفة يمكن للقادمين الجدد الحصول عليها لأنهم لا يتحدثون اللغة ولا يمتلكون أي مستندات. يمكن أن تكون هذه مهنة مؤقتة، تتراوح من بضعة أشهر إلى بضع سنوات، أو يمكن أن تصبح مهنة مدى الحياة. وتعكس قصص كثير من العمال الذين قابلتهم الباحثة من الأفغان طريقة الدولة التركية في غض الطرف عن أولئك الذين يقومون بنشاط اقتصادي غير منظم وحيوي مثل جمع القمامة.
وفي منطقة زيتون بورنو التي تقع في الجزء الأوروبي من مدينة إسطنبول، من الممكن أن تقابل كثيرًا من الأفغان بعضهم مقيم منذ سنوات دون أن يكون مسجلًا بصورة رسمية، ويأمل كثيرون أن يتمكنوا من عبور البحر نحو أوروبا.
يقسِّم تحقيق مفصل لجمعية أبحاث الهجرة عنوانه “أشباح إسطنبول” ونُشِر في يناير/كانون الثاني 2021، الأفغان الذين يعيشون في إسطنبول إلى خمس فئات:
- 1. المهاجرون غير الشرعيين بدون جوازات سفر أو تأشيرات منتهية الصلاحية.
- 2. المسجلون في مدن صغيرة مختلفة ولكنهم يعيشون في إسطنبول بشكل غير رسمي.
- 3. أولئك الذين يمرون إلى أوروبا.
- 4. أولئك الذين لديهم تصريح إقامة دائمة أو جنسية.
- 5. أولئك الذين يدخلون للعمل أو الدراسة بالطرق الرسمية.
وفقًا لهذا التقرير(67)، فإن معظم الأفغان الذين يعيشون في إسطنبول يندرجون في الفئة الأولى وهم من الشباب.
الكأس: النصف الممتلئ والنصف الفارغ
رغم الترحيب الكبير الذي يلمسه الفلسطينيون على وجه الخصوص من المجتمع التركي إذ يعتبرون أن الترحيب بالفلسطيني يأتي في إطار دعم القضية الفلسطينية، إلا أن الفلسطينيين يتشاركون مع الجاليات العربية الأخرى في المشاكل المتعلقة بالسكن والإقامات واللغة والاندماج، والإجراءات البيروقراطية المعقدة بشأن معاملات الإقامة والعنصرية تجاه العرب والصور النمطية التي تلاحق المهاجرين بأنهم يسرقون قوت المواطن التركي ويزاحمونه في لقمة عيشه، والتوظيف السياسي لملف اللاجئين والذي يبرز بصورة جلية مع كل عملية انتخابية(68).
ويُجري المسؤولون عن الجاليات العربية حوارات دورية مع المسؤولين الأتراك، ومع العاملين في أقسام الاندماج في الاجتماعات الدورية التي تعقدها هذه الأقسام مع ممثلي المهاجرين؛ حيث إنهم جزء من منظومة الاندماج التي تسعى لدمج المهاجرين في المجتمع التركي، وتتم مناقشة المشكلات السابقة والسعي لحلها(69).
ولا يرى مشينش في المجتمعات المهاجرة تهديدًا للنسيج الاجتماعي التركي، وذلك لأسباب عدة أهمها تماسك المجتمع التركي ثقافيًّا، ووضوح هويته، وكذلك تعداده الكبير الذي يصل إلى 81 مليونًا. كما أن وجود نخب من جميع الجنسيات التي لجأت إلى تركيا يمثل إضافة تغني المجتمع(70).
ولا يمكن إغفال الأثر الذي تركه المهاجرون في مجالات عدة، ففي موضوع الارتباط الديني أحدث المهاجرون نقلة كبيرة على صعيد علاقة تركيا مع العالم الإسلامي، وأحدثوا تغييرًا في الحالة الدينية، فمن المعروف أن التدين التركي مرتبط بالطرق الصوفية، ومع مجيء المهاجرين العرب بدؤوا يتعاملون مع أنماط أخرى من التدين، وزاد الإقبال على المساجد.
وهذه المجتمعات المهاجرة في الأغلب يمكن تصنيفها في باب “القوة الناعمة” للدولة التركية، فالناس في الأغلب لديهم امتدادات في أوطانهم الأصلية وما ينقلونه عن صورة تركيا مؤثر جدًّا في مجتمعاتهم، حتى إذا تغيرت الأوضاع السياسة وقرر هؤلاء المهاجرون العودة إلى أوطانهم(71).
أوجدت المجتمعات العربية المهاجرة نوعًا من الاتصال المباشر بين العرب والأتراك، وهذا الاحتكاك أثَّر بصورة إيجابية على تجسير الفجوة وإسقاط كثير من الصور النمطية التي يحملها كل طرف عن الآخر.
يرى الشمري أن ظاهرة الهجرة واللجوء شكَّلت عبئًا على الدولة التركية والمجتمع التركي لأسباب كثيرة في مقدمتها الأسباب الاقتصادية والحاجة إلى تنظيم شؤونهم وتسكينهم..، ولكن هذا الوصف من وجهة نظره لا ينطبق على الجميع، ومنهم جزء لا يستهان به من الجالية العربية التي تشمل الجالية العراقية المهاجرة إلى تركيا؛ فهي -كما يقول- شكَّلت إضافة كرجال أعمال أو مشتري عقارات أو الساعين للحصول على الجنسية التركية مقابل الاستثمار وشراء العقارات(72)، وفقًا للإجراءات التركية التي تتغير من فترة لأخرى حسب قرارات دائرة الهجرة ووزارة العمل وغيرها من المؤسسات التركية ذات العلاقة بموضوع الهجرة واللجوء. وهذه المداخل من وجهة نظر الشمري تمثل دخلًا يصب في الخزينة التركية. كما أن الطلاب العرب يقبلون على دخول الجامعات التركية وهو ما يضيف أيضًا إلى القطاع التعليمي، ومنهم خبرات تجد طريقها للعمل في الجامعات والمعاهد التركية، وذلك على الرغم من صعوبة الإجراءات المتعلقة بمعادلة وتصديق الشهادات الصادرة من جامعات خارج تركيا(73).
يتحدث بركة عن قدرة المهاجرين العرب على الانخراط في سوق العمل، بصورة لا يمكن وصفهم معها بالعبء، وإن كانت اللغة تعد أكبر عائق على هذا الصعيد، ويرى أن اللغة هي المدخل الأساسي للانخراط والتفاعل مع المجتمع التركي، ويصف التنوع الثقافي بـ”نقطة قوة للدولة والمجتمع وليس تهديدًا”(74).
قدَّم العرب في تركيا عمومًا الكثير من الخدمات والإضافات، فهناك كثير من رجال الأعمال والمستثمرين العرب من مختلف الجنسيات ممن استثمروا رؤوس أموال ضخمة في قطاعات اقتصادية متنوعة وأقاموا مشاريع وفرت فرص عمل للأتراك أنفسهم، خاصة أن القانون التركي يجبر أي مستثمر يؤسس شركة أن يقدم فرص عمل للأتراك داخل مؤسسته الناشئة(75).
ويجزم الشمري بوجود خبراء عرب في مختلف المجالات من الممكن أن يقدموا المشورة للقطاعات التركية مما يسهم في التخفيف من ضغط الهجرة، وذلك يحتاج إلى قرار سياسي بقبول هذه الآراء، ولكن الملاحظة التي يسجلها الشمري أن الدولة التركية تميل إلى الاستفادة من خبراتها وكوادرها الذاتية وترجح المقترحات التي تأتي من الأتراك بصورة أكبر في كافة القطاعات خاصة القانوني والأمني(76). وإن كان الشمري يعطي الحق للدولة التركية إلا أنه يأمل أن تصبح أكثر مرونة فيما يتعلق بالاستفادة من خبرات المهاجرين لتحقيق الفائدة المشتركة.
وهناك مؤسسات صحية أُنشئت من قبل المهاجرين العرب مثل مستشفى المهاجرين الذي أنشأته الجالية السورية، ولكن خدماته لا تقتصر على السوريين بل تشمل جميع المهاجرين، ومن خلال بطاقة الإقامة “كيملك” يقوم بالتسجيل للفحص الطبي المجاني ويجري الفحوصات اللازمة ويُعطَى العلاج المناسب مجانًا. وهذه المشاريع إضافة إلى أنها مشاريع تقدم الخدمة الإنسانية فهي توفر فرص عمل وتدعم جهود الدولة في التعامل مع احتياجات اللاجئين.
تقوم الجاليات العربية ومنها المصرية بالتعاون مع مؤسسات تركية لتعزيز قضية الاندماج، ومن أمثلة هذه الجهود مشروع اسمه “أمة واحدة” يقوم عليه مصريون وأتراك، وبمشاركة ممثلين عن مؤسسة الهجرة ومؤسسة الإفتاء التركية في إسطنبول، وهدفه تعزيز الاندماج بين العرب عمومًا (مصريين وسوريين وعراقيين..) وبين المجتمع التركي، ويتم في إطار جهود الاندماج تنظيم أسواق خيرية مع بعض الشركات، وتنظيم رحلات جماعية لشباب عرب وأتراك.
تعاني المجتمعات العربية المهاجرة إلى تركيا من العنصرية، وهي مشكلة موجودة بقوة ولا يمكن إنكارها وفق ما يؤكده من قابلناهم، ولكن وللإنصاف فإنه يتم مواجهتها بقوة أيضًا من قبل الدولة، ومن مواطنين أتراك لا يقبلون بهذه السلوكيات العنصرية وهم قادرون على رؤية الجانب المشرق من مسألة اللجوء وكيف يشكِّل إضافة لمجتمعهم، في حين ينظر الطرف المعارض إلى المسألة بوصفها تهديدًا متعدد الأوجه، اجتماعيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، ويعزز من هذه المشكلة التوظيف السياسي لقضية اللاجئين والذي يتصاعد مع الانتخابات. ومع اقتراب الانتخابات لا يُخفي اللاجئون العرب قلقهم إزاء بعض الطروحات لأحزاب وتيارات مشاركة في الانتخابات وتحمل عداء ومواقف متشددة تجاه اللاجئين والمهاجرين.
وورقة اللجوء على الرغم من حساسيتها الإنسانية يجري توظيفها سياسيًّا من قبل كثير من الدول، فورقة المهاجرين في أميركا لعبها ترامب في وقت من الأوقات وكذلك الحال في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، ويستدرك فتوح: رغم حدوث وقائع عنصرية في تركيا لا يمكن إنكارها، إلا أن الاتجاه الحاكم أو النظام الحاكم يدعم اللاجئين والمهاجرين، وربما يفسر ذلك حالة الخوف لدى اللاجئين من محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في يوليو/تموز 2016(77).
وأحيانًا تكون المجتمعات المهاجرة ضحية للتنافس السياسي، وقد يقدم مسؤول على إجراءات ضد المهاجرين من باب التضاد مع مسؤول آخر لديه مواقف داعمة لهم(78).
ورغم أن بركة تعرض لأكثر من موقف عنصري كان يسمع فيه شتائم عنصرية إلا أنه أيضًا اختبر تعاملًا إنسانيًّا أخويًّا من قبل الأتراك في مناسبات أخرى عديدة ومنها تعرضه للسقوط، ليندفع عشرات الأشخاص لمساعدته.
وهناك يمكن التوقف عند قضية الاندماج وعدم الاندماج فكثير من العرب خاصة من الكبار في السن يُحجم عن تعلم اللغة التركية ولا يختلط إلا بالتجمعات العربية وهذا بدوره يعيق جهود الاندماج ويغذي مسألة العنصرية، ونجد الصورة مغايرة عند الصغار في السن خاصة الذي التحقوا بالمدارس التركية. ويعتقد الشمري بوجود اختلاف في الثقافة بين العرب والأتراك في بعض المدن، وهذا الاختلاف مسؤول عن تكوين مجتمعات عربية داخل المجتمع التركي(79).
ويأخذ بركة على بعض المهاجرين العرب إحجامهم عن تعلم اللغة التركية والانخراط والتفاعل مع المجتمع التركي، ويصف بعض التجمعات العربية بأنها تعيش “في بيئة معزولة، فالذي يستقبلهم في المطار عند الوصول عربي، ويستأجرون بيتًا في حي عربي، ويرتادون مطاعم عربية”، وهذا في مجموعه لا يساعد في مسألة الاندماج، ويعطي بيئة خصبة لبناء كثير من الصور النمطية غير الصحيحة عنهم لدى المجتمع التركي(80). كما يأخذ عليهم بعض السلوكيات السلبية التي تشجع من وجهة نظرة على تعزيز حالة الرفض لهم من قبل المجتمع التركي.
ويروي بركة قصة عن مهاجر عربي أقام مع عائلته في احدى الولايات التركية، وكان مزارعًا ماهرًا وقد اجتهد في تعلم اللغة التركية من المزارعين الآخرين، وبعد عام من العمل والتعلم كان المختار يكافئه برفع توصية إلى الوالي يعدِّد فيها صدق الرجل وتفانيه في الزراعة ويشيد بتعلمه التركية، وقد تم منحه الجنسية بناء على هذه التوصية(81).
يصف الشمري الجهود التي تبذلها تركيا في مجال الاندماج بـ”المتواضعة والخجولة”، ويرى أن المسألة تحتاج إلى ما هو أكثر من جعل المهاجرين ينخرطون في “دورة للاندماج” لساعتين أو ثلاث ساعات وينتهي الأمر، وذلك إن هي أرادت إحداث اندماج مجتمعي حقيقي تظهر نتائجه بصورة ملموسة(82).
ويصف رئيس الجالية الليبية انخراط الليبيين في عملية الاندماج مع المجتمع التركي بأنه ضعيف جدًّا، فهم يعيشون مع بعضهم ولا يتكلمون اللغة التركية، وذلك “مرده في جزء كبير منه إلى الشعب الليبي نفسه الذي يميل إلى البقاء داخل محيط ليبي أينما ذهب، وليس الشعب التركي الطيب”، وفق تعبير هاشم(83).
يشير الشمري إلى المعايير التي تتبعها الدولة التركية في الجانب الاجتماعي، وكل منطقة يجب ألا تتجاوز نسبة السكان الأجانب فيها الـ20% سواء كانوا عربًا أم غير عرب، وذلك بهدف حماية النسيج الاجتماعي والحفاظ على التوزيع الديمغرافي في البلاد عمومًا(84).
ولا يمكن وصف الانسجام بين المجتمع التركي والعرب بأنه على نفس السوية في جميع الأماكن، بل يختلف من منطقة إلى أخرى في تركيا، وهناك مناطق يوضح الشمري أنها تشهد انسجامًا كبيرًا مثل إسطنبول ويلوا وبنسبة أقل في أنقرة، ونجد الحساسية أقل في المدن التي اعتادت أن تستقبل عرقيات مختلفة مثل إسطنبول(85).
ولعل ما يسميه الشمري بـ”اضطراب وعدم ثبات القانون التركي فيما يتعلق بالمهاجرين كنظام الإقامة حيث تتغير المعايير بصورة مستمرة انعكس بصورة سلبية على المجتمعات المهاجرة التي باتت تشعر بعدم الاستقرار تبعًا لذلك، وهناك رجال أعمال يجدون صعوبة في الحصول على إقامة عمل رغم أنهم يُدخلون أموالًا إلى القطاع الاقتصادي التركي(86). ولدى الجالية العربية مقترحات تنفع الحكومة التركية والمهاجرين في هذا الجانب، وجرت مناقشتها في جلسات رسمية مع المسؤولين الأتراك، ولكن كانت هذه المقترحات تصطدم دائمًا بالبيروقراطية الشديدة داخل المؤسسات التركية ولم يتم الاستجابة لها(87).
ومن المقترحات التي جرى تقديمها مقترح يتعلق بالمعايير، فطبق معايير الأمم المتحدة فإن متوسط العائلة (6 أفراد)، فذلك يعني أن تركيا تضم ما يقرب من مليون عائلة من المهاجرين، فلو جرى تخصيص مبلغ مالي (10 آلاف دولار) تدفعه كل عائلة مقابل الإقامة وتودعه في بنك معتمد لهذه الغاية فسيوفر ذلك دخلًا ضخمًا، وبدلًا من إلغاء الإقامة يتم تحويل هذا الكم الهائل من البشر إلى مصدر للدخل ويعطي فرصة لتدوير الأموال لأكثر من مرة خلال السنة المالية.
كما أن الشروط المتعلقة بتوظيف الأتراك داخل الشركات التي ينشئها الأجانب تحتاج إلى مراجعة، فمقابل كل أجنبي يجب أن توظف الشركة خمسة أتراك، لأن ذلك دفع شركات أجنبية إلى التوظيف بشكل غير قانوني (عقود خارجية، أو عقود لفظية)، وهذا إضافة إلى أنه يمس بمصالح العاملين وفيه تجاوز للقانون فقد حرم الدولة في الوقت ذاته من مستحقات يجب أن تدفع لقاء التأمين الصحي وغيرها من الامتيازات التي تُعطى للعاملين(88).
وهذا الإشكاليات يمكن حلها بطرق عدة في إطار التعامل مع رجال الأعمال بصورة تجارية، ولكن الحلول المقترحة تُقابَل بالرفض لأسباب لا تبدو مفهومة للشمري الذي يعمل في الحقل الاقتصادي، “في كل مرة نقدم مقترحًا يقولون: ما شاء الله رأي جيد.. ولكن الأمر بيد وزارة الداخلية، أو الأمر بيد وزارة العمل أو.. أو ….”(89).
وتتأثر هذه المسائل بصورة كبيرة بالموضوع السياسي الداخلي وكيفية إدارة لعبة التنافس السياسي بين الحكومة والأحزاب السياسية الأخرى على الساحة التركية.
العملية الطويلة لقبول طالبي اللجوء؛ أولئك الذين يدخلون تركيا لأول مرة ويُحالون إلى مكتب الأمم المتحدة، عادة، يجب تحديد موعد للاجتماع الأول في غضون أسبوعين، ولكن هذه الفترة قد تمت زيادتها إلى 8 أشهر. ثم تبدأ عملية رفع القضية، والتي تستغرق وقتًا طويلًا، وفقًا لطالبي اللجوء، وقد تستمر لسنوات.
بعد يوم شاق من العمل في قضايا اللاجئين، قابلنا السيدة “ن. أ”(90) والتي تعمل في قضايا اللاجئين وفضلت أن تبقي هويتها مجهولة، تقول: نعمل مع ثلاثة أصناف من الأجانب في تركيا: لاجئين مسجلين، ولاجئين غير مسجلين، ومهاجرين، أما الإقامات فهي تتم وفق العملية التالية:
الإقامة المؤقتة: حتى تتم مراجعة حالة طالب اللجوء والرد عليها، ستمنح الإدارة العامة للهجرة التركية هؤلاء الأشخاص تصريح إقامة مؤقتة. وبعد التسجيل كلاجئين وتقديم المستندات لطلب اللجوء، يضطر هؤلاء الأشخاص إلى الإقامة في مدن تحددها إدارة الهجرة ويُستثنى منها إسطنبول وأنقرة بصورة أساسية ولا يمكنهم مغادرة هذه المدينة دون إذن. ولإثبات وجودهم في المدينة، يجب عليهم الحضور في مركز الشرطة أو مكتب الهجرة في مدينتهم بين يوم وثلاثة أيام في الأسبوع.
وفيما يتعلق بالعمل توضح أنه في القوانين المتعلقة باللاجئين، يُسمَح بتقديم طلب للحصول على تصريح عمل للاجئين، ولكن في الممارسة العملية، فالشروط معقدة فيما يتعلق بالحصول على عمل، ويجب تقديم طلب تصريح من صاحب العمل الذي يحمل الجنسية التركية وكان قد وظَّف سابقًا 5 مواطنين أتراك في مكان عمله ونشر إعلانًا عن الوظيفة قبل 4 أسابيع، وإذا لم يتقدم مواطن تركي بناء على هذا الإعلان، يمكن توظيف طالبي اللجوء هؤلاء. ويُحجم كثير من اللاجئين عن السعي للتقدم بطلب عمل بسبب تعقيد هذه العملية(91).
وتشير إلى أن عددًا آخر من اللاجئين، ولتعقيد الحصول على عمل، يلجأ إلى العمل بشكل غير قانوني، وهو ما يعرضهم للكثير من الانتهاكات، وتشير إلى أن كثيرًا من النساء اللاجئات واللواتي يعملن بطرق غير قانونية يتعرضن للتحرش وعدم تلقي الأجور، وتؤكد أن النساء اللاجئات خاصة الإيرانيات ممن يعملن في المطاعم والبيوت قلن إنهن تعرضن للابتزاز والتحرش ولكنهن لا يُقدمن على تقديم شكوى بسبب مخالفتهن لقانون العمل(92).
تصف “ن. أ” رفض طلبات اللجوء من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاسية للبعض خاصة عندما يعجزون عن تقديم أدلة تدعم طلب اللجوء، وتشير إلى أنه يتم التعامل بحساسية عالية مع أولئك الذين لديهم الحق في اللجوء، وإذا كان الشخص لا يحتاج حقًّا إلى الحماية الدولية، يتم رفض طلب لجوئه أو تتم إعادته إلى بلاده.
ويبدو البقاء في تركيا مسألة مكلفة بالنسبة لكثير من اللاجئين الذين لا يستطيعون تصويب أوضاعهم، ولذلك يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى حدود أوروبا. ومعظم اللاجئين الذين هرعوا إلى حدود تركيا لعبور الحدود والوصول إلى الدول الأوروبية هم من أفغانستان. لكن الإيرانيين، إلى جانب العراقيين والسوريين ولاجئين من دول أخرى، يسعون أيضًا للوصول إلى أوروبا.
ولا تبدو تركيا هي الأفضل بالنسبة للاجئين لأسباب عديدة، أهمها: تسييس موضوع اللاجئين، وصعوبة الحصول على الجنسية التركية، وتعاظم المشاكل الاقتصادية بالنسبة للمواطنين الأتراك الذين باتوا ينظرون إلى اللاجئين كتهديد اجتماعي واقتصادي، وذلك في جزء منه يرتبط بسلوك اللاجئين أنفسهم، والبعض منهم يخلق مشاكل اجتماعية خاصة أولئك الذي دخلوا بصورة غير قانونية. صحيح أنهم هاربون من أجل حقهم في الحياة، وهو حق مقدس للجميع، لكن كثيرًا من اللاجئين يخلقون مشاكل في تركيا بسبب اختلاف الثقافة والسلوك(93).
خلاصات ونتائج
- تتعدد المجتمعات المهاجرة في تركيا، حسب البلد الأصلي الذي جاء منه المهاجرون، ولا يمكن تصنيفها بأنها مجتمعات مندمجة في المجتمع التركي، فهذه المجتمعات، ومنها العربية، حافظت على مزاياها الأصلية، وحاول أعضاؤها بناء مجتمع من أبناء وطنهم؛ حيث يسكنون في حي واحد ويرتادون مطاعم أقاموها، ويرسلون أبناءهم إلى مدارس أنشؤوها ولا يبادر كثير منه لتعلم اللغة التركية والانخراط في المجتمع التركي.
- ترك المهاجرون أثرًا كبيرًا في مجالات عدة، وأحدثوا نقلة كبيرة على صعيد علاقة تركيا مع العالم الإسلامي، ويمكن اعتبارهم رصيدًا في مجال القوة الناعمة لتركيا.
- يمكن وضع المجتمعات المهاجرة في تركيا ضمن الفئات التالية:
- المهاجرون غير الشرعيين بدون جوازات سفر أو تأشيرات منتهية الصلاحية (كثير منهم من الأفغان).
- المسجلون في مدن صغيرة مختلفة ولكنهم يعيشون في إسطنبول بشكل غير رسمي (معظمهم من الأفغان والإيرانيين).
- من يعتبرون تركيا محطة مؤقتة نحو إلى أوروبا (جنسيات مختلفة: عرب وإيرانيون وأفغان).
- الذين لديهم تصريح إقامة دائمة أو جنسية (معظم الجنسيات العربية).
- الذين يدخلون للعمل أو الدراسة بالطرق الرسمية “الطلاب من جنسيات مختلفة: عرب وإيرانيون وأفغان).
- لا تبدو جهود الدولة التركية على صعيد تعزيز حالة الاندماج كافية.
- أنشأ العرب حالة اجتماعية واقتصادية ملموسة داخل تركيا، وأسهموا بصورة كبيرة في تعزيز الحالة الاقتصادية عبر شراء العقارات وفتح المشاريع الاقتصادية والمساهمة في سوق العمل، لكن لديهم ملاحظات كثيرة بشأن القيود الموضوعة في مجال افتتاح المؤسسات الاقتصادية.
- شكلت الحالة السياسية العربية سببًا أساسيًّا في هجرة العرب إلى تركيا.
- ارتبطت موجات الهجرة العربية إلى تركيا بحالة انعدام الأمن، وحدثت أكبر موجاتها بعد الانتكاسة السياسية لـ”الربيع العربي”، والقمع والبطش الذي شهده كثير من المهاجرين في الدول العربية.
- العنصرية ضد المهاجرين واللاجئين حالة ملحوظة في تركيا، وترتبط بصورة أساسية بالأوضاع الاقتصادية وحالة التنافس السياسي.
- يقع المهاجرون واللاجئون ضحية للتنافس السياسي ومواقف الأحزاب السياسية الداخلية فيما يتعلق بهم، كما أن هذه الورقة يتم توظيفها من حين لآخر في العلاقة مع الخارج.
- يأتي الأفغان في المرتبة الثانية بعد اللاجئين السوريين من حيث العدد وهم يفرون هربًا من الحرب والعنف والقتل الجماعي والكوارث الطبيعية والفقر المدقع، ولا تزال الإجراءات المتبعة عاجزة عن التعامل مع قضايا اللجوء الجماعية للأفغان.
- تزامنت أكبر موجة من اللجوء الأفغاني إلى تركيا مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة، وتراجع مستوى صرف العملة التركية مما عزز من حالة الرفض داخل المجتمع التركي تجاه المهاجرين واللاجئين عمومًا وتجاه الأفغان على وجه الخصوص. في المقابل، تحاول مبادرات شعبية مواجهة هذه الحالة والتعامل مع سلبياتها، ولكنها تقدم حلولًا جزئية بشأنها.
- يشكِّل المهاجرون غير الموثقين وخاصة من الأفغان والإيرانيين طبقة دنيا، تشكل القوى العاملة غير الرسمية، يعملون في ظروف قاسية، ويتعرضون لانتهاكات ويحجمون عن تقديم شكوى بسبب أوضاعهم غير القانونية.
- يعد عدم الاستقرار القانوني فيما يتعلق بالمهاجرين من القضايا المقلقة لهم، فضلًا عن البيروقراطية وتعدد المؤسسات ذات العلاقة.
المصادر
1- Ben Feldmeyer, The Classical Assimilation Model A Controversial Canon, Routledge Handbook on Immigration and Crime, February 2018, pp35-47 Accessed on: 25 Jan 2023
https://www.routledgehandbooks.com/doi/10.4324/9781317211563-4
2- Ben Feldmeyer, Ibid
3- عبد الرحمن المالكي، “مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة”، (إفريقيا الشرق، المغرب)، 2016، ص 8.
4- نشأت مدرسة شيكاغو في أحضان مؤسسة جامعية فتية، وفي خضم ظروف فكرية واجتماعية خاصة جدًّا، فقد احتضنت مدينة شيكاغو، في نهاية القرن التاسع عشر، جامعة رائدة في جميع حقول المعرفة، وفي حقل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بشكل خاص، وفي توجه رواد هذه المدرسة منذ البداية إلى البحث الميداني لرصد ودراسة مختلف التحولات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها مدينة استوعبت في ظرف خمسين عامًا أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر من القادمين من الخارج ومن مختلف مناطق أميركا. وهذا الأمر ينطبق على الجيل الأول للمدرسة كما ينسحب على الجيل الجديد ابتداء من منتصف الخمسينات من القرن الماضي. ورغم أصالة هذه المدرسة وقيامها في حضن المؤسسات الأكاديمية الأميركية إلا أنها لم تنشأ من فراغ، لأن أعمال روادها تحيل إلى الفكر السوسيولوجي الحضري الأوروبي وتعتبر امتدادًا وتجديدًا له في الوقت ذاته. انظر: المالكي، مرجع سابق، ص 6-9.
5- عمل روبرت بارك صحفيًّا حتى سن الخمسين من عمره، وقد سعى إلى الاستعانة بتقنية التحقيق الصحفي ليدمجه في السوسيولوجيا، وكان يرى أن علم الاجتماع ليس إلا ضربًا من الصحافة الأكثر دقة، وكان يشجع طلبته على تجميع وثائقهم بأنفسهم من خلال الاتصال بالأفراد المبحوثين عن طريق ما كان يسميه: الملاحظة في عين المكان (observation in situ) وعن طريق المقابلة، انظر: عبد الرحمن المالكي، “مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة”، مرجع سابق، ص 85-86.
6- نبيل العتاوي وحسن البياضي، البنية المفاهيمية لمقاربة موضوع الهجرة، الحوار المتمدن، 20 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 25 يناير/كانون الثاني 2023)، https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=586550
7- فترة التأسيس كان الخط يقدم خدمات بأربع لغات: التركية، والإنكليزية، والعربية، والروسية، ومع بداية أبريل/نيسان 2016، جرت إضافة اللغة الألمانية والفارسية لتصبح 6 لغات، ومع يناير/كانون الثاني 2020، ومع وصول أعداد كبير من الأفغان جرت إضافة لغة البشتو ليصبح نطاق خدمته 7 لغات هي (التركية والإنكليزية والعربية والفارسية والروسية والألمانية والبشتو).
8- الكشف عن عدد العرب المقيمين في تركيا، روسيا اليوم، 7 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 15 فبراير/شباط 2023): https://bit.ly/3YPZGWn
9- المصدر السابق.
10- المصدر السابق.
11- الفيلم الذي عُرض في العام 2002 وأثار ضجة كبيرة يقوم بطله بمحاولة التغلب على البطالة وسوء الحال من خلال امتهان مهنة والده المتوفى وبيع سندوتشات الكبدة، فيقوم بإعادة تشغيل عربة الكبدة التي كان والده يعمل عليها.
12- مقابلة للباحثة مع رئيس المؤتمر الشعبي لفلسطينيي تركيا، محمد مشينش، إسطنبول، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
13- من المقابلة مع مشينش.
14- المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي منظمة عالمية لحماية اللاجئين وسواهم من النازحين قسرًا وعديمي الجنسية. وتعمل المفوضية في 130 بلدًا حول العالم.
15- من المقابلة مع مشينش.
16- من المقابلة مع مشينش.
17- من المقابلة مع مشينش.
18- أسهم بركة مع نشطاء آخرين بتشكيل فريق تطوعي في بداية أزمة كورونا نجح في جمع مبلغ جيد من المال إضافة إلى المساعدات العينية لمساعدة الجاليات العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص، وجاء ذلك للتعامل مع تأثيرات الجائحة والعطل الذي أصاب حياة الناس حتى تعود الأمور إلى الاستقرار، وجرى تقديم مساعدات لأناس ممن هم في حاجة للعلاج، أو السكن أو الغذاء.
19- من مقابلة للباحثة مع ساري بركة، ناشط شبابي فلسطيني في تركيا، إسطنبول، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
20- من المقابلة مع بركة.
21- من المقابلة مع بركة.
22- من المقابلة مع بركة.
23- من مقابلة للباحثة مع أبو وسام صاحب مقهى في إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
24- أحمد رمضان، الجمعيات المصرية بتركيا.. محاولة لتنظيم المهاجرين وتمثيلهم، الجزيرة نت، 12 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 16 فبراير/شباط 2023)، https://bit.ly/3xrzOV6
25- من المقابلة مع نادر فتوح، الناطق باسم الجالية المصرية، إسطنبول، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
26- المصدر السابق.
27- عقدت الباحثة هذه الجلسة في إسطنبول، في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
28- من المقابلة مع الشمري.
29- العراقيون في تركيا.. من أكثر الجاليات نشاطًا في التجارة، نون بوست، 17 مارس/آذار 2022، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2023): https://bit.ly/3SNvrxE
30- عودة 100 لاجئ عراقي من تركيا إلى بلادهم طوعًا، وكالة الأناضول، 2 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2023): https://bit.ly/3mqFgp7
31- طه العاني، العراقيون أكبر مشتري العقار في تركيا.. ما الأسباب؟، الجزيرة نت، 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2023):https://bit.ly/3JgkIbC
32- نون بوست، مصدر سابق.
33- من الجلسة التي عقدتها الباحثة في مكتب السيد الشمري، إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
34- من الجلسة التي عقدتها الباحثة في مكتب السيد الشمري، إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
35- من مداخلة السيد الفايز في الجلسة التي عقدتها الباحثة في مكتب السيد الشمري، إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
36- من مداخلة الدكتور سرمد راشد، في الجلسة التي عقدتها الباحثة في مكتب السيد الشمري، إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
37- من مداخلة السيد الفايز.
38- المصدر السابق.
39- المصدر السابق.
40- من الجلسة التي عقدتها الباحثة في مكتب السيد الشمري، إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
41- من مداخلة الدكتور سرمد راشد، المرجع السابق.
42- تم انتخاب هاشم رئيسًا للجالية، من قبل أعضاء الجمعية العمومية في تركيا، في يوليو/تموز 2021، بمقر القنصلية الليبية العامة/ إسطنبول، وقد اعتُمدت نتائج الانتخابات رسميًّا لدى القنصلية الليبية في تركيا، وتم اعتمادها من قبل والي مدينة إسطنبول ضمن مؤسسات المجتمع المدني في تركيا تحت رقم 4458 في سبتمبر/أيلول 2021.
43- من مقابلة للباحثة مع زياد هاشم رئيس الجالية الليبية في تركيا، إسطنبول، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
44- من المقابلة مع هاشم.
45- المصدر السابق.
46- المصدر السابق.
47- من المقابلة مع هاشم، مصدر سابق.
48- المصدر السابق.
49- المصدر السابق.
50- المصدر السابق.
51- سيد كمال مير خلف، مساجد إيران وقبرستان إيراني ىر استانبول، المساجد والقبور الإيرانية في إسطنبول، دورية “پیام بهارستان”، السنة الثانية، العدد 8، صيف 1389ش، ص 832-833.
52- من ملاحظات سجلتها الباحثة، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
53- من الملاحظات التي سجلتها الباحثة.
54- مقابلة للباحثة مع امام مسجد خان والده، إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
55- المصدر السابق.
56- المصدر السابق؟
57- مهاجرو إيران… بحث عن الأمان وهرب من الأزمة الاقتصادية، العربي الجديد، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/42a8pFt
58- مهاجرو إيران… بحث عن الأمان وهرب من الأزمة الاقتصادية، العربي الجديد، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023): https://bit.ly/42a8pFt
59- ينظم قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6458، والذي دخل حيز التنفيذ في 2013، القضايا المتعلقة بالهجرة وقد تم تعديله حتى الآن 11 مرة، كان آخرها في 2019، وهو قانون شامل تمامًا لأنه ينظم جميع الموضوعات المتعلقة بإقامة الأجنبي في تركيا بدءًا من إجراءات التأشيرة إلى تصاريح الإقامة وإجراءات الحماية الدولية.
60- يفرض القانون على حَمَلة الإقامة السياحية الخروج من تركيا لمدة عام كامل، وبعدها التقديم على “التأشيرة ” واستصدار إقامة سياحية جديدة مدتها سنة لا يتم تجديدها، أي إن حاملي الإقامة السياحية لن يستطيعوا تجديد إقاماتهم، إلا في حال استبدلوا بها نوعًا آخر من الإقامات (إقامة عمل، إقامة مستثمر، إقامة عائلية).
61- اقامت موقت ۸۰ هزار ایرانی در ترکیه تمدید نمیشود، ایندیپندنت فارسی، 25 مارس/آذار 2022، (تاريخ الدخول: 14 مارس/آذار 2023): https://bit.ly/3ZOwa48
62- “مجموعة العمل المالي” هي منظمة تضع المعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وتقييم مدى التزام الدول بهذه المعايير. وتركيا عضو في “مجموعة العمل المالي” التي تضم 39 عضوًا منذ عام 1991، واتخذت الخطوات اللازمة في إطار اللوائح التي تم وضعها وفقًا للمعايير الدولية. وأصدرت وزارة الخزانة التركية بيانًا قالت فيه: “قامت بلادنا بسن قانون منع تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل في 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، مع الأخذ في الاعتبار التقرير الذي أعدته مجموعة العمل المالي”؛ “وبذلك تم تحقيق تحسن كبير في 4 قضايا وردت في تقرير مجموعة العمل المالي لعام 2019 (العقوبات المالية الموجهة في مجال تمويل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، والرقابة الداخلية، والشركات التابعة، والعقوبات)”، أعلنت وزارة الخزانة والمالية التركية، الخميس، أنها ستواصل اتخاذ الخطوات اللازمة في إطار التعاون مع مجموعة العمل المالي “فاتف” لشطب اسم تركيا من “القائمة الرمادية”. انظر: تركيا تواصل خطواتها لشطبها من القائمة الرمادية لـ”مجموعة العمل المالي”، وكالة الأناضول، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 16 مارس/آذار 2023)، https://bit.ly/40e1QQy
63- زاهر البيك، تدفق غير مسبوق للاجئين الأفغان في تركيا.. لماذا تخشاهم أنقرة وكيف يدخلون البلاد؟، الجزيرة نت، 24 أغسطس/آب 2021، (تاريخ الدخول: 17 مارس/آذار 2023): https://bit.ly/3YYf6rp
64- Mixed Migration Centre (2020),Destination Unknown – Afghans on the move in Turkey. Report, June 2020, (accessd: 17 march 2023): www.mixedmigration.org
66- المصدر السابق.
67- من المقابلة مع “ن. أ” عاملة في قضايا اللاجئين، مصدر سبق ذكره.
65- “Ghosts of Istanbul: Afghans at the Margins of Precarity”, Association for Migration Research (GAR)
January, 2021 (accessed: 18 march 2023): https://bit.ly/3YZd7TJ
68- من المقابلة مع مشينش.
69- من المقابلة مع مشينش، من المقابلة مع من المقابلة مع نادر فتوح، الناطق باسم الجالية المصرية، إسطنبول، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
70- من المقابلة مع مشينش.
71- من المقابلة مع مشينش.
72- من مقابلة الباحثة مع السيد شعلان الشمري.
73- من المقابلة مع الشمري.
74- من المقابلة مع بركة.
75- يعرِّف القانون التركي العمل في تركيا للأجانب على أنه نشاط الشخص بهدف الكسب، وأنه حق مشروع للأجنبي يكفله القانون بموجب المادة رقم 40 من الدستور التركي الصادر في العام 1961. ويساوي القانون التركي بين العاملين الأتراك والأجانب في البلاد وفقًا للمادة رقم 10 من الدستور الصادر عام 1982، بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية التي وقعتها تركيا، مع ذلك تفرض القوانين التركية على الأجانب شروطًا من بينها أن على الشركات توظيف خمسة موظفين أتراك مقابل كل موظف أجنبي وذلك بموجب القانون رقم 4817 المادة رقم 13، بالإضافة إلى حظر عمل الأجانب في بعض المهن التي يجيدها الأتراك والتي لا تتحمل أي زيادة أو منافسة. وحدَّد القانون أيضًا بعض الوظائف المنوطة بالأتراك فقط حيث منعت هذه القوانين الأجانب من العمل بهذه المهن، وبحسب المادة رقم 1 من القانون رقم 2007، يمنع الأجانب من العمل في الوظائف التالية: “الآلات الموسيقية، التصوير الفوتوغرافي، صناعة الأغطية والأحذية، البورصة، مبيعات المُنتجات التي تحتكرها الدولة، البناء، صناعة الحديد والأخشاب، النقل العام، العمل الدائم أو المؤقت في أعمال الإنارة والإصلاح والاتصالات، أعمال التحميل والتفريغ، الكونسيرج، التمثيل والغناء في الحانات”. انظر: قانون الاستثمار المباشر للأجانب، مركز اتصالات الأجانب، رئاسة إدارة الهجرة، الجمهورية التركية، (تاريخ الدخول: 16 فبراير/شباط 2023): https://bit.ly/3KbAupp
76- من المقابلة مع الشمري.
77- من المقابلة مع نادر فتوح.
78- من الجلسة التي عقدتها الباحثة في مكتب السيد الشمري، إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
79- من المقابلة مع الشمري.
80- من المقابلة مع بركة.
81- من المقابلة مع بركة.
82- من الجلسة التي عقدتها الباحثة في مكتب السيد الشمري، إسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
83- من المقابلة مع هاشم، مصدر سابق.
84- من المقابلة مع الشمري.
85- من المقابلة مع الشمري.
86- المصدر السابق.
87- المصدر السابق.
88- المصدر السابق.
89- من المقابلة مع الشمري.
90- مقابلة للباحثة. مع “ن. أ” متخصصة في قضايا اللاجئين، أنقرة، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
91- من المقابلة مع “ن. أ”، أنقرة، أكتوبر/تشرين الأول 2022.
92- المصدر السابق.
93- المصدر السابق.