نظرًا لأهمية انضمام فلسطين إلى “نظام روما الأساسي” للحد من جرائم الاحتلال، وفي مقدمتها جريمة الاستيطان، فإن الدراسة تحاول الكشف عن فرص المحكمة الجنائية الدولية في الحد من هذه الجريمة، خاصة أن هناك العديد من العوائق ذات الطبيعة السياسية والقانونية التي تجعل من تدخلها في الحالة الفلسطينية مهمة صعبة، فضلًا عن الموقف المعادي للمحكمة من قِبَل دولة الاحتلال والولايات المتحدة.
كلمات مفتاحية: الاستيطان، الاحتلال، فلسطين، القانون الدولي، المحكمة الجنائية الدولية.
Given the importance of Palestine’s accession to the Rome Statute in curbing Israeli crimes, namely the expansion of settlement, this study aims to reveal the chances that the International Criminal Court has to put an end to Israeli crimes especially since there are many political and legal hindrances that make it hard to intervene in the Palestinian case and the Israeli and the US position towards the ICC is not a favourable one.
Keywords: Settlement, Occupation, Palestine, International Law, International Criminal Court.
مقدمة
اعتمد المشروع الصهيوني في المنطقة بشكل عام، وفي فلسطين بشكل خاص، على عدد من الركائز التي ترجمت هذا المشروع على أرض الواقع، وكان الاستيطان أولها وأهمها من حيث التطبيق. وتجسيدًا لمقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، تعتبر إسرائيل الاستيطان حقًّا طبيعيًّا لليهود لا يمكن التنازل عنه، لذلك عملت على تشجيعه ووفرت الظروف المناسبة لاستمراره رغم تعارضه مع القانون الدولي، لأنه يشكِّل اعتداءً على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بإقامة دولة فلسطينية ذات حدود آمنة ومعترف بها.
ورغم التنديد الدولي القوي لسياسة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عام 1967، والذي يتجسد بالأساس في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية التي رأت في الاستيطان خرقًا سافرًا للقانون الدولي، وجريمة حرب تنتهك حقوق الفلسطينيين، رغم ذلك فإن إسرائيل مستمرة في سياسة الاستيلاء على الأراضي المحتلة وضمها إلى إقليمها، غير عابئة بما يدور حولها من شجب وتنديد. ويمكن إرجاع الاستخفاف الإسرائيلي بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية إلى الدعم الأميركي اللامحدود للمشروع الصهيوني في الشرق الأوسط، الأمر الذي يفسر عدم اتخاذ مجلس الأمن تدابير زجرية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، واكتفائه بالشجب والتذكير بمسؤولية إسرائيل كقوة احتلال.
وأمام هذا الوضع، سعت فلسطين إلى البحث عن خيارات أخرى كفيلة بردع دولة الاحتلال ووضع حد لجرائمها اليومية في حق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، لهذا انضمت في أبريل/نيسان 2015 إلى المحكمة الجنائية الدولية كهيئة قضائية مهمتها محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية دون الاعتداد بصفتهم الرسمية، وأحالت الجرائم الإسرائيلية على المحكمة، وفي مقدمتها جريمة الاستيطان كجريمة حرب تستحق العقاب.
وفي ظل الواقع الدولي المتسم بسيادة لغة المصالح وطغيان قانون القوة، والذي يُعد دعم الولايات المتحدة لدولة الاحتلال في كل إجراءاتها غير الشرعية في فلسطين، بما فيها ضم الأراضي المستولى عليها قسرًا، إلى إقليمها أهمَّ تجلياته، تهدف الدراسة إلى استقصاء فرص نجاح المحكمة الجنائية الدولية في الحد من جريمة الاستيطان كجريمة حرب مستمرة في حق أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال تتبع مسلسل الاستيطان الإسرائيلي ورصد أهم المشاريع الاستيطانية التي أقامتها إسرائيل في الأراضي المحتلة، وبحث موقف القانون الدولي منها، ورصد أهم العوائق السياسية والقانونية التي بإمكانها عرقلة تدخّل المحكمة لوضع حد لسياسة الاستيلاء على الأراضي والضم التي تنهجها إسرائيل في فلسطين، في تحدٍّ سافر للشرعية الدولية وكأنها دولة فوق القانون.
- منطلقات منهجية
أ- إشكالية الدراسة
إذا كان انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية خطوة مهمة في المعركة القانونية التي تخوضها دولة فلسطين ضد إسرائيل في سبيل وضع حد للجرائم الإسرائيلية، وعلى رأسها جريمة الاستيطان، فإن رصد مسلسل الجرائم الإسرائيلية منذ نشأة دولة الاحتلال يُبرز حصانتها من أي نوع من المساءلة. وفي ظل هذا الواقع، فإن السؤال الرئيسي الذي تسعى الدراسة للإجابة عنه هو:
ما فرص نجاح المحكمة الجنائية الدولية في وضع حد لجريمة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية كجريمة حرب يعاقب عليها نظام روما؟
وتتطلب معالجةُ السؤال الرئيسي، الذي يشكِّل محور إشكالية الدراسة، الإجابةَ عن أسئلة فرعية تتمثَّل في الحقل الاستفهامي الآتي:
– ما أهم مخططات ومشاريع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية؟
– ما موقف القانون الدولي من جريمة الاستيطان الإسرائيلي؟
– ما أهم التدابير التي اتخذتها السلطة الوطنية الفلسطينية لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن جريمة الاستيطان أمام المحكمة الجنائية الدولية؟
– في ظل انضمام فلسطين إلى نظام روما، ما طبيعة العوائق التي يمكن أن تحدّ من فرص نجاح المحكمة الجنائية الدولية في محاربة جريمة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة؟
ب- أهمية الدراسة
يُعد الاستيطان من أشد الجرائم خطورة على حاضر القضية الفلسطينية ومستقبلها، ويمكن اعتباره من القضايا الشائكة التي تُعيق التوصل إلى توافق بشأن حل الدولتين. لهذا تكتسي دراسة الموضوع أهمية بالغة، خاصة مع اقترانه بتدخل المحكمة الجنائية الدولية كهيئة قضائية تتوخى من تدخلها وضع حد لظاهرة الإفلات من العقاب التي شابت القضية الفلسطينية كقضية من أهم قضايا القانون الدولي الإنساني المزمنة والمستعصية عن الحل. كما أن ما يجعل موضوع الدراسة أكثر جاذبية للباحث والقارئ على حد سواء، هو معالجته لأزمة إنسانية تتميز بالراهنية وتطغى فيها الاعتبارات السياسية على الاعتبارات القانونية؛ إذ تنتهك دولة الاحتلال كل الأعراف والقوانين الدولية بارتكابها اليومي لأشد الجرائم خطورة، وفي مقدمتها جريمة الاستيطان.
ج- أهداف الدراسة
تهدف الدراسة إلى الكشف عن:
– الخطوات التي اتبعتها السلطة الفلسطينية لنيل العضوية في نظام روما، مما مكَّنها من إحالة الانتهاكات الإسرائيلية -بما فيها جريمة الاستيطان- إلى المحكمة الجنائية الدولية.
– أبرز المخططات والمشاريع الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، والتي أقيمت قبل وبعد نشأة إسرائيل عام 1948.
– التحديات التي يمكن أن تعيق فرص المحكمة الجنائية الدولية في الحد من جريمة الاستيطان في الأراضي المحتلة.
– الكشف عن تداعيات احتمال فشل المحكمة في معاقبة مخططي ومنفذي جريمة الاستيطان كجريمة حرب يعاقب عليها نظام روما، سواء على واقع الفلسطينيين في ظل الانتهاكات الإسرائيلية، أو على مستقبل تعاونهم مع المحكمة.
د- منهج الدراسة
تساعد مناهج البحث العلمي في توخي الموضوعية للتوصل إلى نتائج منطقية تتوافق والأهداف المرجوة من معالجة إشكالية الدراسة. وبناء على ذلك، تسمح المقاربة المنهجية التي يعتمدها البحث بالتعرف على جريمة الاستيطان الإسرائيلي كجريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي، ووضعها في إطارها الصحيح، وذلك من خلال استحضار تاريخها بالوقوف على مختلف المشاريع الاستيطانية التي تم تنفيذها في الأراضي الفلسطينية المحتلة والظروف المحيطة بها، وتحليل جميع النصوص القانونية المتعلقة بهذه الجريمة، سواء نصوص الاتفاقية أو قرارات المنظمات الدولية المرتبطة بانتهاكات الاحتلال، وخاصة المتعلقة بالاستيلاء على الأراضي وضمها إلى إقليم دولة إسرائيل. كما ستمكننا هذه المقاربة من اقتراح حلول تتمثَّل في مقترحات وتوصيات سيوردها الباحث في نهاية الدراسة.
ولهذا، يعتمد الباحث المنهج التاريخي، وهو من أكثر مناهج البحث العلمي استعمالًا، خاصة في مجال العلوم الاجتماعية، لوصف وتسجيل ما مضى من وقائع لها ارتباط بالظاهرة موضوع الدراسة. وفي هذا السياق، تسعى الدراسة إلى الوقوف على أهم المشاريع والمخططات الاستيطانية التي نفذت في فترات زمنية متباينة، بدأت قبل قيام دولة الاحتلال عام 1948 وما زالت مستمرة حتى الآن، والتي تهدف إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين بشكل خاص والمنطقة بشكل عام. كما سيمكننا هذا المنهج، في ظل تدخل المحكمة الجنائية الدولية، من التنبؤ بمستقبل القضية الفلسطينية، خاصة أن الاستيطان سيجعل من حل الدولتين أمرًا صعب التنفيذ، إن لم نقل مستحيلًا.
وسيعتمد الباحث أيضًا المنهج الوصفي التحليلي بهدف الوصول إلى درجة من المعرفة الدقيقة لعناصر الإشكالية عبر وصف الأنشطة الاستيطانية وتأثيرها على الواقع الفلسطيني، ورصد موقف منظمة الأمم المتحدة، كمنظمة تسهر على تنفيذ واحترام قواعد القانون الدولي، خاصة تلك التي تُحرِّم كل أشكال الاستيلاء على الأرض بالقوة كما هو حال المخططات الإسرائيلية الاستيطانية التي تم تجسيدها على الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يساعد هذا المنهج في تحليل ما سنستند إليه من نصوص اتفاقية في القانون الدولي تحظر الاستيطان باعتباره جريمة حرب، خاصة نصوص نظام روما الأساسي، وكذا في تحليل بعض البيانات والقرارات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية والجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والتي لها علاقة بالاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
- موقف القانون الدولي من الاستيطان الإسرائيلي
يمكن اعتبار الاستيطان أهم الركائز التي استند إليها المشروع الصهيوني لإقامة دولة إسرائيل، وقد بدأ قبل النكبة بعقود لتوفير الإقليم لدولة الاحتلال الموعودة، إلا أن وتيرته عرفت تسارعًا بعد حرب يونيو/حزيران 1967، لتستولي إسرائيل بذلك على كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من أن الاستيطان خرق سافر لقواعد القانون الدولي بما فيها قرارات المنظمات الدولية، فإن إسرائيل مستمرة في سياستها الاستيطانية وكأنها دولة فوق القانون.
أ- التطور التاريخي للاستيطان الإسرائيلي
حاولت الحركة الصهيونية الاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية عن طريق تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين، وقد ساعدهم في ذلك عوامل سياسية كثيرة، مثل وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين (أولًا)، إلا أنها لم تستولِ إلا على نسبة ضئيلة من المساحة الإجمالية من فلسطين حتى حدود 1967، وبعد حرب الستة أيام، استطاعت إسرائيل الاستيلاء على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية (ثانيًا).
أولًا: قبل عام 1967
يرتبط الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ارتباطًا وثيقًا بمجموعة من الأيديولوجيات الدينية التي تعود إلى مفهوم إسرائيل، أو الحدود التوراتية لدولة يهود، حيث جاء في الكتب اليهودية أن الرب قال لإبراهيم: “أنا سأعطيك أنت وذريتك أرض كنعان للاستملاك إلى الأبد”. كما استمدت فلسطين المكانة الدينية لدى اليهود من الحنين اليهودي إلى جبل الهيكل الذي أقام عليه النبي سليمان معبدهم الأول ودمره الملك الكلداني نبوخذ نصر الثاني عام 587 قبل الميلاد. وقد تمَّ تفسير هذه الأيديولوجيات وفق منطق سياسي من طرف رواد الحركة الصهيونية المشاركين في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، في مدينة بازل السويسرية، بزعامة ثيودور هرتزل (Theodor Herzl)، الأمر الذي يفسر رفضهم أي مقترح لقيام دولة لهم في أي مكان غير فلسطين باعتبارها أرض الميعاد(1).
ويمكن اعتبار نابليون بونابرت أول زعيم سياسي أوروبي يصدر دعوة رسمية لليهود من أجل إقامة دولة لهم في فلسطين بعد حملته على مصر نهاية القرن الثامن عشر، في أعقاب ضعف الإمبراطورية العثمانية، وهو ما استجابت له بريطانيا بافتتاح قنصليتها في القدس عام 1838، والتي تحولت إلى مركز للدفاع عن مصالح اليهود البريطانيين وغير البريطانيين حتى نشوب الحرب العالمية الأولى(2).
وقد ارتكز زعماء الحركة الصهيونية لتحقيق مشروعهم السياسي على الهجرة والاستيلاء على الأراضي في فلسطين من أجل الاستيطان، ليصل عدد المستوطنات اليهودية 47 مستوطنة عام 1914، ومساحة الأراضي التي يملكها اليهود %2.5 من أراضي فلسطين إلى حدود العام 1918(3).
خريطة تبين المدن العربية الرئيسية والمستوطنات اليهودية في فلسطين 1881-1914(4)
ولتسريع وتيرة الهجرة، كان لابد من دعم سياسي واضح وصريح من طرف دولة عظمى بحجم المملكة المتحدة، الأمر الذي تحقق مع وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، باعتباره دعوة صريحة لتشجيع الهجرة إلى أرض الميعاد حسب زعم الحركة الصهيونية(5).
كما أن فترة الانتداب البريطاني على فلسطين شكَّلت فرصة ثمينة لليهود من أجل ضمان الإقليم الذي ستقام عليه دولتهم الموعودة. ذلك أن هذه الفترة شهدت انتعاشًا كبيرًا لهجرة اليهود الذين توافدوا بأعداد كبيرة فاقت التوقعات، حيث وصل عدد المهاجرين 452 212 مهاجرًا بين عامي 1919 و1948 بمعدل 15214 مهاجرًا كل سنة(6).
وعلى الرغم من الجهود اليهودية والبريطانية المضنية للحصول على الأرض، فإن المستوطنين لم يتمكنوا من الحصول إلا على 6% من أراضي فلسطين بحلول العام 1948، كان معظمها إما أراضيَ حكومية تم الاستيلاء عليها، أو أراضيَ باعها إقطاعيون غير فلسطينيين كانوا يقيمون في لبنان وسوريا وغيرها. وقد بنى اليهود على هذه الأراضي 291 مستعمرة(7).
ومع تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 القرار رقم (181) الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: الأولى عربية والثانية يهودية، أصبحت إسرائيل تستولي بموجب هذا القرار الذي حدَّد حدود الدولتين، على 56% من أرض فلسطين، مما أثار موجة من الغضب في العالمين العربي والإسلامي، ودخول الدول العربية في حرب ضد المليشيات اليهودية، المدعومة من الدول الغربية، التي ارتكبت مذابح في حق الفلسطينيين العزل. وقد انتهى الأمر بالنكبة وقيام إسرائيل عام 1948(8)، وبسيطرتها على 77% من الأراضي الفلسطينية(9).
ثانيًا: ما بعد 1967
خلال حرب 1967 التي دارت بين العرب وإسرائيل، تمكنت هذه الأخيرة من احتلال المزيد من الأراضي العربية في مدة وجيزة لا تتعدى ستة أيام (5-10 يونيو/حزيران 1967)، حيث احتلت القدس الشرقية والضفة الغربية، وهضبة الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية(10).
ونتيجة لانتصارها على الجيوش العربية وسعيًا منها لتوسيع إقليمها، عملت دولة الاحتلال بين عامي 1967 و1976 على تنفيذ سياسة استيطانية مستوحاة من خطة إيغال ألون نائب رئيس الوزراء، النابعة من دراسة الواقع على الأرض ومن رغبته في تحقيق الأمن لإسرائيل، والمبنية على استراتيجية تضييق مجال الخيارات المتاحة للتسوية، التي يستحيل معها إقامة دولة فلسطينية، حيث تم تأسيس مستوطنات بصفة انتقائية وفق مبدأ الكيف لا الكم. وتركزت المستوطنات في القدس وغور الأردن من جنوب غور بيسان وحتى جنوب صحراء الخليل، بطول 115 كلم وعرض 20 كلم، الأمر الذي نتج عنه بناء 34 مستوطنة، 12 منها في مدينة القدس(11).
خطة “ألون” لتحقيق الأمن لإسرائيل واستبعاد أي مسار للتسوية مبني على حل الدولتين(12)
بعدما تمكَّن اليمين بزعامة مناحيم بيغن الذي ينتمي لحزب الليكود الإسرائيلي، من الوصول إلى السلطة وقيادة الحكومة عام 1977، وبعد تأسيس حركة “إيمونيم” كحركة دينية قومية تسعى لفرض سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وعقد اتفاقية سلام مع مصر والتخلي بموجبها عن شبه جزيرة سيناء وما تضمه من مستوطنات، تمَّ تبنّي سياسة استيطانية تعتمد على الكم من أجل توطين مئات الآلاف من اليهود في الضفة الغربية وإجهاض أي مشروع لإقامة دولة فلسطينية مستقلة(13).
وقد قامت هذه السياسة على مجموعة من المشاريع والخطط الاستيطانية بهدف توسيع الرقعة الجغرافية لدولة الاحتلال، وتقطيع أوصال التجمعات السكانية الفلسطينية، ومن أهمها:
– خطة شارون (رئيس اللجنة الوزارية العليا للاستيطان): تتضمن إقامة تكتل استعماري في الضفة الغربية يقطعها طوليًّا من الشمال إلى الجنوب، ويقام في الأماكن الاستراتيجية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
– خطة “منتياهو دروبلس”: وضعَها أحد رؤساء قسم الاستيطان في المنظمـة الصـهيونية العالمية ويدعى “دروبلس”، وقد سعى من خلالها للسيطرة على أرض فلسطين بإقامة المستوطنات بين التجمعات السكانية لتجزئتها ومنع قيام دولة فلسطين. كما سعى لاستقطاب 120 إلى 150 ألف يهودي، وإقامة 50 مستوطنة في الأماكن الاستراتيجية من الضفة الغربية خلال 13 عامًا.
– خطة “غوش إيمونيم”: تتركز المستوطنات بحسب خطة هذه الحركة الاستيطانية، في المناطق التي تحاول المشاريع الاستيطانية الأخرى تجنبها، وذلك لسد الثغرة في هذه المشاريع، وتحقيق الأهداف الأمنية بالسيطرة على سلسلة الجبال في الضفة الغربية(14).
ورغم انطلاق مسار التسوية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل بداية العقد الأخير من القرن العشرين، والذي تجسد في مؤتمر مدريد عام 1991، واتفاق أوسلو “1” وأوسلو “2”، والتأكيد على تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كمرحلة انتقالية تؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على قراري مجلس الأمن (242) و(338)(15)، فإن إسرائيل تملصت من وعودها، وتوقَّف المسار السياسي بعد إصرارها على الاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، مستغلة الدعم الأميركي المتزايد للمشروع الصهيوني(16).
ولضم المزيد من الأراضي إلى الرقعة الجغرافية لإسرائيل، عملت دولة الاحتلال على تشييد جدار الفصل العنصري عام 2002، ومن خلال تتبع مسار الجدار يتبين أن الهدف منه تهيئة معظم المستوطنات والمساحات الشاسعة المخصصة لتوسعتها مستقبلًا للضم الفعلي إلى حدود إسرائيل(17).
مساحة الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في الضفة الغربية ببناء الجدار والطرق الالتفافية(18)
والجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية أصدرت رأيًا استشاريًّا يوم 9 يوليو/تموز 2004، نصَّ على مخالفة الجدار الذي أقامته إسرائيل في الأراضي المحتلة عام 1967 لقواعد القانون الدولي، وخاصة القانون الإنساني الدولي، وذلك لأن الضم الفعلي لأجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل يشكِّل خرقًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره باعتباره حقًّا مكفولًا وفق قواعد القانون الدولي. وقد جاء قرار المحكمة استجابة لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تقدمت به إلى المحكمة لمعرفة مدى مشروعية الجدار يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2003(19).
بالإضافة إلى الجدار العازل، عملت إسرائيل على شرعنة الاستيطان على مستوى القانون الإسرائيلي المحلي، من خلال سنِّ قوانين تهدف إلى الاستحواذ على الأملاك الخاصة والعامة للفلسطينيين، حيث أصدر الكينست الإسرائيلي عام 2017 قانونًا يُشَرْعِن مصادرة أراضي الفلسطينيين الخاصة التي بنيت عليها مستوطنات في الضفة الغربية، وتخصيصها للمستوطنين الإسرائيليين(20).
وفي السياق نفسه، سنَّت إسرائيل يوم 19 يوليوز/تموز 2018 قانونًا ينص على يهودية الدولة، وهو ما يؤدي إلى إلغاء حقوق فلسطينيي 1948 ويمهد لطردهم. ومن أخطر البنود التي يتضمنها هذا القانون هو اعتباره الاستيطان قيمة قومية تعمل الدولة على تشجيعه ودعم استمراريته وتثبيته(21).
ولعل ما يكشف نوايا إسرائيل فيما يخص سياسة الاستيطان والضم هو الصفقة التي تمت بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومنافسه السياسي بيني غانتس يوم 20 أبريل/نيسان 2020، والتي بموجبها تم تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث تضمنت الصفقة اتفاقًا يسمح للحكومة بتقديم خطط الضم للمناقشة والموافقة عليها في مجلس الوزراء والكنيست اعتبارًا من الأول من يوليو/تموز 2020. وتأتي خطط إسرائيل “بالضم” في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عما يسمى “صفقة القرن” في يناير/كانون الثاني 2020، والذي يقترح فيها ضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل(22).
واقع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية(23)
على الرغم من المشاريع الاستيطانية وخطط الضم التي لا تنتهي منذ نشأة إسرائيل، وخاصة في ظل الدعم الأميركي اللامحدود، فإن الاستيطان سيبقى انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ولن يُغيِّر من الوضع القانوني للأراضي المسيطر عليها بالقوة والتي ستظل محتلة بحكم القانون، وهو ما سنعكف على دراسته في النقطة الموالية.
ب- الاستيطان الإسرائيلي والشرعية الدولية
أولًا، تحظر الاتفاقيات الدولية الاستيطان باعتباره جريمة حرب ترتكبها دولة الاحتلال ضد رعايا الأراضي المحتلة، وهو الأمر الذي أكدته منظمة الأمم المتحدة في تعاملها مع الاستيطان الإسرائيلي، سواء عبر قرارات الجمعية العامة أو قرارات مجلس الأمن، ومن خلال الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الآثار القانونية لجدار الفصل العنصري، وهذا ثانيًا.
أولًا: الاستيطان الإسرائيلي والاتفاقيات الدولية
يُعد تجريم نقل وترحيل الدولة المحتلة لجزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، من القواعد الثابتة في القانون الدولي(24). وباعتبار أن إسرائيل قد استولت على الأراضي الفلسطينية بالقوة، خاصة في حرب يونيو/حزيران 1967، وشجعت رعاياها على الانتقال إليها والعيش فيها عن طريق امتيازات وإغراءات متنوعة، فإن إسرائيل ما زالت حسب القانون الدولي في وضعية دولة محتلة، وهذا يعني تحديدًا أن معاهدة جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة موضوع الاستيطان الإسرائيلي، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة(25).
وتأكيدًا لذلك، فإن السياسات والممارسات الاستيطانية الإسرائيلية تنتهك معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، وخاصة المادة “49” في فقرتها السادسة التي تنص على أنه “لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحِّل أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”(26). كما تنتهك بالقدر نفسه المادة “8/2/ب/8” من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تحظر نقل رعايا الدولة المحتلة إلى الأراضي التي تحتلها(27).
كما أن إسرائيل قد انتهكت المادة “53” من اتفاقية جنيف الرابعة(28)، والمادة “46” من اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907، بجرفها لأراضي الفلسطينيين الزراعية، وتدمير بيوتهم قصد تهجيرهم قسرًا، والاستيلاء على ممتلكاتهم الخاصة والتابعة للدولة، لبناء المشاريع الاستيطانية والبنية التحتية التي تخدم هذه المشاريع(29).
إضافة إلى ذلك، فإن إقامة وتشغيل المستوطنات لا يتوافق مع الحقوق المحدودة التي تملكها القوة المحتلة وفقًا للمادة “55” من اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907(30)، والمنظِمة لإدارة الممتلكات تحت الاحتلال وفقًا لقواعد الانتفاع. وهذا ينطبق تحديدًا على حرمان إسرائيل السكان المحليين من موارد طبيعية قيّمة، مثل المياه، لمصلحة المستوطنات. كما لا تسمح قواعد الانتفاع للقوة المحتلة باستخدام الأرض والموارد الطبيعية الواقعة تحت الاحتلال لأهداف بناء مجمعات صناعية، خصوصًا أن هذه المجمعات ستستخدم فقط لفائدة المستوطنات لا لفائدة السكان المحليين. وينطبق هذا الأمر أيضا على شبكة الطرق السريعة التي بنتها إسرائيل لربط المستوطنات والمنشآت الأخرى التي أقامتها أو صادرتها لتخدم المستوطنين(31).
بالإضافة إلى انتهاكه العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، فإن الاستيطان الإسرائيلي متناقض مع عدة مبادئ في القانون الدولي، أولها مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو مبدأ ناشئ عن حظر استعمال القوة في العلاقات الدولية الذي تنص عليه الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق منظمة الأمم المتحدة (32).
وبنفس الدرجة ينتهك الاستيطان مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو من المبادئ الأساسية في القانون الدولي العام، وتكفله العديد من المواثيق الدولية وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية(33). ويتمثل هذا الانتهاك بالأساس، في أن إسرائيل تسعى من خلال سياستها الاستيطانية إلى الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية وتفتيتها ببناء وحدات استيطانية متناثرة وفاصلة بين المدن والبلدات الفلسطينية، بهدف إحباط حق الشعب الفلسطيني في تحقيق مصيره(34).
ولتبرئة نفسها، سعت إسرائيل -كما فعلت في مناسبات عديدة- إلى تفسير المادة “49/6” التي تُجرِّم الاستيطان تفسيرًا يخدم سياستها التوسعية، حيث ادعت أن هذا البند يتعلق فقط بالنقل القسري، لأن الفقرة الأولى من نفس المادة تتحدث عن مسألة النقل الجبري والإبعاد للأشخاص المحميين، وأن سكانها اختاروا العيش في المناطق “المسترجعة” حسب ادعائها بمحض إرادتهم. ولتجنب مثل هذه التأويلات، تعمّد المشرع الدولي حذف كلمة “الجبري” من الفقرة السادسة (35).
كما أن قاعدة الحظر الواردة في الفقرة السادسة من المادة “49” من اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين، لا تحتمل الاستثناء، ولا يمكن لإسرائيل -تحت أي ظرف كان- أن تُبرِّر نقل جزء من رعاياها إلى الأراضي المحتلة(36).
ثانيًا: الاستيطان الإسرائيلي وقرارات الأمم المتحدة
على الرغم من الإجراءات التشريعية التي قامت بها دولة الاحتلال على المستوى الداخلي، من خلال إصدار عدة قوانين لِشَرْعَنَة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي كان أهمها قانون شَرْعَنَة البؤر الاستيطانية لعام 2017، وقانون القومية الذي تمَّ اعتماده في يوليو/تموز 2018، فإن المجتمع الدولي ممثلًا بمنظمة الأمم المتحدة؛ عارض السياسة الاستيطانية الإسرائيلية منذ بداية الاحتلال إلى اليوم، حيث انصبَّت قرارات الأمم المتحدة على مقاومة عمليات الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة وتهجير السكان ومصادرة الأملاك الخاصة والعامة(37).
وتمثَّلت المجموعة الأولى من هذه القرارات فيما أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة من قرارات اعتبرت الاستيطان خرقًا للقانون الدولي، وأنكرت من خلالها أي صفة قانونية للاستيطان، لأن الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بالقوة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُغيِّر من الوضع القانوني لتلك الأراضي، وستظل في نظر المجتمع الدولي أراضي محتلة. كما أن الإجراءات الاستيطانية المستمرة تشكِّل جرائم حرب وإهانة للإنسانية لما لها من تأثيرات ضارة بحقوق الإنسان الفلسطيني، وتمثِّل أيضًا عقبة حقيقية لتجسيد حل الدولتين على أرض الواقع، الكفيل بتحقيق السلام في الشرق الأوسط. ومن أهم هذه القرارات نجد:
– القرار (2949) الصادر بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 1972: أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا القرار سياسـة الاسـتيطان الإسـرائيلية، وأكدت بطلان الممارسات التي تهدف إلى المساس بالتركيـب السـكاني للأراضـي العربية المحتلة. وجاء في القرار ما يلي: “إن الجمعية العامة تعلن أن التغييرات التي قامت بها إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة مخالفة بذلك اتفاقيات جنيف لعـام 1949، باطلـة ولاغيـة، وتناشد إسرائيل أن تلغي من الآن فصاعدًا كل إجراءات كهذه، وأن تكف عن كل السياسات والإجراءات التي تؤثر في الوضع الطبيعي أو التركيب السكاني للأراضي العربية المحتلة”(38).
– القرار رقم (60/105) لعام 2005: أكدت الجمعية العامة من خلاله أن اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، مشيرة إلى قرار محكمة العدل الدولية بخصوص اعتبار” إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة -بما فيها القدس الشرقية- تمثِّل خرقًا للقانون الدولي، وأن أنشطة الاستيطان الإسرائيلية تمثّل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني وذات تأثير ضار على جهود السلام في الشرق الأوسط”. كما أشارت إلى أن إقامة الجدار العازل يُعد خرقًا للقانون الدولي، مطالبةً بتفكيك المستوطنات القائمة(39).
– القرار رقم (70/225) الصادر بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2015: أكدت الجمعية العامة من خلال هذا القرار مبدأ سيادة الشعوب على مواردها الطبيعية، وأعربت عن قلقها تجاه استغلال إسرائيل -السلطة القائمة بالاحتلال- للموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وعن استيائها عما ينتج عن بناء المستوطنات من احتكار للموارد الطبيعية الضرورية لعيش الفلسطينيين، خصوصًا بسبب مصادرة الأراضي وتحويل مسار الموارد المائية بالقوة، وما يصاحب ذلك من اعتداءات المستوطنين على أصحاب الأرض. كما أثنت على تقرير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق المنشأة للتحقيق في آثار بناء المستوطنات على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ودعت إسرائيلَ إلى إنهاء الاحتلال الذي بدأ منذ عام 1967، والتوصل إلى تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة(40).
وبالنسبة لمجلس الأمن، وعلى الرغم من أنه لم يتخذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل -باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال- بسبب المعارضة الأميركية القوية، فإنه اتخذ عدة قرارات تدين وبشدة الاستيطان الإسرائيلي بالنظر إلى خرقه للقانون الدولي، ونتائجه المدمرة على الواقع الفلسطيني، وباعتباره أهم عوائق التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية. ولعل من أهم هذه القرارات نجد:
– القرار رقم (465) لعام 1980: ينص هذا القرار بشكل واضح وصريح على أن التدابير التي تتخذها الحكومات الإسرائيلية لتغيير المعالم المادية، والتركيب السكاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس، ليس لها مستند قانوني، وأن سياستها وأعمالها لتوطين قسم من سكانها ومن المهاجرين الجدد في هذه الأراضي، تشكِّل خرقًا فاضحًا لاتفاقية جنيف الرابعة. كما ينص القرار على ضرورة تفكيك الحكومة الإسرائيلية كافة المستوطنات في الضفة الغربية، والتوقف فورًا عن إنشاء أي مستوطنات جديدة(41).
– القرار رقم (1515) لعام 2003: تبنى مجلس الأمن الدولي هذا القرار خلال جلسته رقم (4862) بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، وشدد من خلاله على ضرورة تحقيق السلام في الشرق الأوسط بناء على رؤيته التي تتوخى منطقة آمنة تعيش فيها دولتان، فلسطين وإسرائيل، جنبا إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها(42).
– القرار رقم (2334) لعام 2016: تمَّ تبني هذا القرار في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، بتأييد جميع أعضاء مجلس الأمن باستثناء الولايات المتحدة الأميركية التي امتنعت عن التصويت. وأكد المجلس من خلال قراره هذا، أن اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، كما أكد عدم شرعية التدابير التي تهدف إسرائيل من خلالها إلى تغيير التكوين الديمغرافي وطابع ووضع الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وبناء المستوطنات وتوسيعها، ونقل المستوطنين الإسرائيليين، ومصادرة الأراضي وهدم المنـــازل وتشـــريد المـــدنيين الفلســـطينيين(43). وفي نفس السياق، طالب القرار دولة الاحتلال بوقف فوري لكل الأنشطة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤكدًا أن التغييرات على حدود عام 1967 لن يتم الاعتراف بها إلا بتوافق الطرفين، وأيضًا على الحاجة الملحة للتوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومرجعيات مدريد، بما في ذلك مبدأ “الأرض مقابل السلام”، ومبادرة السلام العربية، وخارطة الطريق الرباعية(44).
وللتأثير على المخططات الاستيطانية الإسرائيلية، دعا المجلس جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التمييز في معاملاتها مع دولة الاحتلال بين السلع التي تم إنتاجها في البؤر الاستيطانية وغيرها، في إشارة صريحة إلى مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية التي تنتجها دولة الاحتلال في الأراضي المحتلة بعد عام 1967(45).
لم تقتصر تدخلات منظمة الأمم المتحدة على قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بل اتخذت محكمة العدل الدولية -باعتبارها الجهاز القضائي للمنظمة الذي يفصل في المسائل ذات البعد القانوني بناءً على توصية الجمعية العامة التي تحمل رقم (ES-10/14)- رأيًا استشاريًّا يهم الآثار القانونية لجدار الفصل العنصري. وتوصلت المحكمة من خلال هذا الرأي إلى أن الجدار يمثِّل خرقًا سافرًا للقانون الدولي، وخاصة لقواعد القانون الدولي الإنساني، باعتباره يضم 80% من المستوطنات غير الشرعية التي أقامتها إسرائيل على الأراضي المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وتدبيرًا تتوخى إسرائيل من خلاله إحداث تغيير في التركيب الديمغرافي لصالحها بتشجيع الاستيطان، وباعتباره أيضًا معيقًا لتمتيع الشعب الفلسطيني بالحق في تقرير مصيره ضمن دولة ذات حدود آمنة ومعترف بها وقابلة للحياة والتطور. كما أن الجدار حسب رأي المحكمة، يُعد انتهاكًا لحقوق الفلسطينيين المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفق ما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واعتداءً على حقوق الطفل الفلسطيني المكفولة له بموجب اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.
ولوقف هذا الانتهاك الذي نتج عن تشييد الجدار العازل، دعت محكمة العدل الدولية منظمة الأمم المتحدة، وخاصة الجمعية العامة ومجلس الأمن، إلى تحمل مسؤولياتهما لتطبيق القانون الدولي واحترام مقتضياته، وذلك بإجبار إسرائيل على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالاحتلال، وخاصة التي تم إصدارها بخصوص جريمة الاستيطان. كما دعت إسرائيل إلى وقف أنشطتها الاستيطانية وجبر ضرر المتضررين، سواء تعلق الأمر بأشخاص القانون الذاتيين أو المعنويين(46).
وعلى الرغم من الإدانات المتتالية للاحتلال الإسرائيلي وللاستيطان المستمر، والذي تسعى إسرائيل من خلاله إلى مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وضمها إلى إقليمها، فإن دولة الاحتلال ما زالت مستمرة في ارتكاب المزيد من الجرائم في حق الشعب الفلسطيني، وفي مخططاتها الاستيطانية التي لا تنتهي، مما يوحي بأن إسرائيل فرضت إرادتها على كامل المجتمع الدولي الذي لم يستطع إرغامها على احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، والتي تُجرِّم الاستيطان في الفقرة السادسة من المادة “49”، والتي صادقت عليها إسرائيل عام 1951(47).
وأمام التعنت الإسرائيلي المتمثل بالأساس في عدم الرضوخ لقرارات المنظمات الدولية، وفي مقدمتها القرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، والتي تنص على الخروقات الإسرائيلية المستمرة والخطيرة لقواعد القانون الدولي، وخاصة في ظل الدعم القوي لإدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.. أمام كل ذلك، دعت منظمة العفو الدولية أعضاء المجتمع الدولي إلى العمل على فرض القانون الدولي على إسرائيل، والتأكيد على أن ضم أي جزء من الضفة الغربية يُعد باطلًا. كما دعت المجتمع الدولي إلى أن يرفض ما يسمى “صفقة القرن”، وأيَّ اقتراح آخر يسعى إلى تقويض حقوق الشعب الفلسطيني غیر القابلة للانتقاص، بما فيها حق عودة اللاجئین الفلسطینیین، وأن يتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية التي تحقق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في حق أبناء الشعب الفلسطيني، بما في ذلك جريمة الاستيطان كجريمة حرب يعاقب عليها القانون(48).
- المحكمة الجنائية الدولية كآلية للمعاقبة على جريمة الاستيطان
بعد فشل منظمة الأمم المتحدة في الضغط على إسرائيل لوقف أنشطتها الاستيطانية، خاصة بعد حرب 1967 التي انتهت بانتصار إسرائيل وسيطرتها على كل الأراضي الفلسطينية، توجهت فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية وأحالت عليها مختلف الجرائم الإسرائيلية بما فيها جريمة الاستيطان، وهو ما مكَّن المحكمة من الإعلان في 5 فبراير/شباط 2021، أن الانتهاكات المرتكبة في الأراضي المحتلة عام 1967 والتي تشمل قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تخضع لاختصاصها(49)، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مدى قدرتها على ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين المخططين والمنفذين لجريمة الاستيطان في الأراضي المحتلة، خاصة في ظل وجود العديد من العوائق ذات الطبيعة القانونية والسياسية.
أ- حدود العدالة الجنائية الدولية في مواجهة جريمة الاستيطان الإسرائيلي
اتخذت السلطة الوطنية الفلسطينية العديد من الإجراءات لمعاقبة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية عن جرائمهم المرتكبة في حق أبناء الشعب الفلسطيني، إلا أن هناك العديد من العوائق القانونية والسياسية التي يمكنها أن تحد من فعالية المحكمة لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، خاصة فيما يتعلق بجريمة الاستيطان.
أولًا: تدابير فلسطينية لمعاقبة المسؤولين الإسرائيليين على جريمة الاستيطان
بعدما شنت إسرائيل في نهاية العام 2008 ومطلع 2009، هجومًا منهجيًّا وهمجيًّا واسع النطاق على قطاع غزة، مستخدمة كافة الأسلحة المدمرة المحرمة دوليًّا، وقتلت ما بين 1200 و1400 مدني(50)، مرتكبة بذلك مختلف الجرائم الدولية المنصوص عليها في المواد “6-7-8” من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي يوجب مساءلة مجرمي الحرب من القادة دون الاعتداد بصفتهم الرسمية، توجهت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وردع العدوان المتكرر على الأراضي الفلسطينية، وقدمت يوم 22 يناير/كانون الثاني 2009 عبر وزارة العدل بالضفة الغربية إعلانًا بموجب المادة “12/3” من نظام روما الأساسي، تقبل فيه بممارسة المحكمة لولايتها القضائية بشأن الأفعال التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية منذ الأول من يوليو/تموز 2002(51).
وقد رفض المدعي العام للمحكمة آنذاك السيد لويس مورينو أوكامبو الإعلان، معللًا ذلك بالوضع القانوني لفلسطين الذي لا يسمح لها بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية أو تقديم إعلان لقبول اختصاص هذه المحكمة، لأن الجهة المسموح لها بتقديم الإعلان وفقًا للمادة “12/3” وكذا المادة “125” من نظام روما الأساسي هي الكيان السياسي الذي يحمل صفة الدولة، وأن الصفة الحالية التي منحتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لفلسطين هي صفة مراقب لا صفة “دولة غير عضو”، مما يجعل الجرائم المرتكبة على إقليم فلسطين لا تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية(52).
أمام هذا الوضع، بذلت السلطة الفلسطينية ومعها الدول العربية، جهودًا حثيثة لترقية الوضع القانوني لفلسطين، وهو ما تحقق بالفعل عندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار (19/67) الذي ينص على اعتبار فلسطين دولة بصفة “مراقب غير عضو”، وكان ذلك في 29 نوفمبر/تشرني الثاني 2012. وبذلك، وبشكل رسمي، تمَّ الاعتراف بوجود دولة فلسطين على الخارطة العالمية ومن أعلى منبر للمنظمات الدولية(53).
ولعل من أهم الآثار القانونية لهذا القرار، قدرة فلسطين على الانضمام إلى المعاهدات والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، خاصة اتفاقيات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو ما حصل بالفعل، حيث انضمت فلسطين إلى اتفاقيات لاهاي المؤرخة عام 1907، ومعاهدات جنيف الأربعة المؤرخة عام 1949، والبرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإلى العديد من الاتفاقيات الدولية الأخرى، وهي اتفاقيات تُجرِّم الاستيطان، وتحمي الحقوق التي تنتهكها إسرائيل بسياساتها ومخططاتها الاستيطانية(54).
كما أن أهم ما حققته فلسطين من وضعها القانوني الجديد هو انضمامها إلى نظام روما، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، حيث قدمت طلب الانضمام إلى المحكمة يوم 2 يناير/كانون الثاني 2015، بعدما رفض مجلس الأمن مشروع القرار الذي ينص على إنهاء الاحتلال في الضفة الغربية والقدس في أفق 2017، وأصبح نظامها الأساسي نافذًا تجاهها بدءًا من 13 يونيو/حزيران 2014، وذلك استنادًا إلى الإعلان المقدم من طرف فلسطين إلى المحكمة في الأول من يناير/كانون الثاني 2015، ليشمل بذلك اختصاصُها الحربَ التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في صيف 2014، والتي ارتكبت فيها مختلفَ الجرائم الدولية التي أقرتها العديد من تقارير المنظمات الدولية، بما فيها تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، الأمر الذي يسمح لفلسطين بملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام هذه المحكمة(55).
وحتى تكون لهذا الانضمام آثار على الواقع الفلسطيني، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومًا رئاسيًّا لتشكيل اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية برئاسة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الراحل صائب عريقات. وتقوم اللجنة بالمهام التالية:
– إعداد وتحضير الوثائق والملفات التي ستقوم فلسطين بتقديمها وإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال لجنة فنية ترأسها وزارة الخارجية. وتقرر اللجنة العليا أولوياتها بهذا الخصوص، ولها الاستعانة بمن تراه مناسبًا، وتشكيل اللجان الفنية والقانونية المتخصصة بحيث تكون اللجنة الوطنية العليا مرجعًا لها.
– مواصلة المشاورات مع المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات الدولية والمحلية ذات الصلة، ومع مستشارين قانونيين ومحامين وشركات محاماة للدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة أي دعوى أو انتهاكات أو جرائم ترتكب بحقه وتقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
– متابعة الاتصالات مع مؤسسات المجتمع المدني، إقليميًّا ودوليًّا، ووضع خطة إعلامية شاملة بخصوص مختلف المهام الملقاة على عاتقها(56).
وفور إنشائها، وضعت اللجنة العليا أولويات وطنية للتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفي مقدمتها قضية الاستيطان، والعدوان على قطاع غزة صيف 2014، دون أن تغفل قضية الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون إسرائيل التي تتعاطى معهم كمجرمين وإرهابيين، لا كأسرى حركة تحرر وطني ناضلوا بشكل مشروع ووفق القوانين والأعراف الدولية التي تكفل لهم حق الكفاح من أجل الاستقلال(57).
ووفقًا للمادة “14” من نظام روما(58)، وتأكيدًا لوجهة النظر الفلسطينية بأن هناك أدلة دامغة وأسسًا معقولة تثبت ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم خطيرة وجسيمة تضمن إجراء تحقيق فوري دون تأخير، قدَّمت دولة فلسطين يوم 22 مايو/أيار 2018 إحالة إلى مكتب المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية بشأن الحالة في فلسطين، ممارسة بذلك حقها كدولة طرف في نظام روما الأساسي. وتغطي هذه الإحالة الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت في الماضي والحاضر والتي بدورها تعزز وتوطد وترسخ نظام الاستيطان غير الشرعي في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، والمرتكبة من خلال أو بمساعدة الحكومة الإسرائيلية وأعضائها.
وتشمل منظومة الاستيطان غير الشرعي جميع السياسات والممارسات التي تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين قسرًا، والتي تسمح بنقل وإقامة المستوطنين الإسرائيليين على الأراضي المحتلة، حيث تشمل هذه الممارسات والسياسات التخطيط والبناء والترميم وتوفير الأمن وتطوير المستوطنات وبنيتها التحتية، بما في ذلك الجدار والحصار المفروض على قطاع غزة. وتؤكد دولة فلسطين أن الحفاظ وصيانة الاستيطان غير الشرعي وتوسعته يتم من خلال ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وكذلك من خلال ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد أبناء الشعب الفلسطيني(59).
وقد جاءت هذه الإحالة مبنية على:
– العديد من البلاغات والوثائق الرسمية التي قُدِّمت للمحكمة، بحيث تغطي العديد من المسائل التي تدخل في صلب الدراسة الأولية التي تجريها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى مجموعة واسعة من الجرائم المتعلقة بالمستوطنات والنظام المرتبط بها.
– تقارير شهرية دأبت من خلالها دولة فلسطين على تقديم الوثائق إلى مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية، والتي توثق من خلالها الجرائم المستمرة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
– الإعلان الذي أودعته دولة فلسطين بموجب المادة “12/3” من نظام روما، في الأول من يناير/كانون الثاني 2015، والذي منحت من خلاله مكتبَ المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية اختصاصًا قضائيًّا للنظر في الحالة الفلسطينية، وهذا الإعلان هو ما استندت إليه المدعية العامة في قرارها فتح الدراسة الأولية بشأن الحالة في فلسطين عقب انضمامها إلى نظام روما(60).
وقد أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، بيانًا بشأن الإحالة المقدمة من دولة فلسطين، والتي تطلب من خلالها إجراء تحقيق وفقًا للاختصاص الزمني للمحكمة، في الجرائم المرتكبة في الماضي والحاضر والتي سترتكب في المستقبل، في جميع أنحاء إقليم دولة فلسطين(61).
وطالبت فلسطين في سبتمبر/أيلول 2018 مكتب المدعية العامة بإنهاء الدراسة الأولية التي بدأت يوم 16 يناير/كانون الثاني 2015، وبفتح تحقيق جنائي في الجرائم المستمرة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي. كما قدمت وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية وبالتعاون مع رئيس اللجنة الوطنية العليا لمتابعة العمل مع المحكمة الجنائية الدولية ورئيس هيئة الجدار والاستيطان، بلاغًا إضافيًّا للإحالة بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول 2018، حيث ركَّز هذا البلاغ على الخطر الوشيك الذي يُهدد سكان الخان الأحمر بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية ارتكاب جريمة ترحيل سكانه وهدم ممتلكاتهم، حيث احتوى هذا البلاغ على طلب لإتاحة الفرصة أمام الضحايا الفلسطينيين للقاء المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية(62).
وللتذكير، فقد سبقت هذا البلاغ بلاغات أخرى، وتحديدًا البلاغ الذي قُدِّم يوم 4 يوليو/تموز 2018، هذا إلى جانب اللقاء الخاص الذي جمع بين وزير الخارجية والمغتربين، رياض المالكي، وبين المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية يوم 16 يوليو/تموز 2018، والذي قدم فيه شرحًا مفصلًا عن التهديد الوشيك الذي يهدد سكان الخان الأحمر والضرر الكارثي الذي سيلحق بهم جراء قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلية غير القانوني(63).
وارتباطًا بنفس الموضوع، راسل وزير الخارجية الفلسطيني في سبتمبر/أيلول 2018، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، ليلاني فرحة، المعنية بالسكن اللائق، وبالحق في عدم التمييز، لإطلاعها على كافة انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها سكان الخان، ونوايا إسرائيل -القوة القائمة بالاحتلال- للقيام بعملية تهجيرهم القسري التي تُعد جريمة وخرقًا لقواعد القانون الدولي(64).
ولوضع حد لهذه الخروقات المستمرة لدولة الاحتلال، وبناء على إحالة السلطة الوطنية الفلسطينية، أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، يوم 20 ديسمبر/كانون الأول 2019، اختتامها للدراسة الأولية للحالة في فلسطين، والتي اقتنعت من خلالها بأن هناك أساسًا معقولًا للشروع في إجراء تحقيق عملًا بالمادة “53/1” من النظام الأساسي للمحكمة، وبأن جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وفي قطاع غزة(65).
ونظرًا لخصوصية الحالة الفلسطينية وتميزها عن باقي الحالات التي خضعت أو تخضع لتحقيق المحكمة الجنائية، طلبت المدعية العامة من الدائرة التمهيدية الأولى إصدار قرار بشأن الاختصاص الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية، بموجب المادة “12/2/أ” من نظام روما الأساسي، في فلسطين. وعلى وجه التحديد، التمست تأكيدًا بأن “الإقليم” الذي يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها عليه، والذي يجوز للمدعية أن تجري تحقيقًا بشأنه، يشمل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وغزة(66).
وتعقيبًا على إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية باقتناعها بارتكاب جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبوجود أساس معقول للشروع في إجراء تحقيق حول هذه الجرائم، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تدخل المحكمة بأنه تدخل ضد الشعب اليهودي الذي عانى الاضطهاد، وأنه معادٍ للسامية، ودعا إلى فرض عقوبات على المحكمة وعلى موظفيها وفي مقدمتهم المدعية العامة(67).
وعلى الرغم من إعلان المدعية العامة عن اقتناعها باستيفاء الحالة الفلسطينية لكل الشروط الموجبة لفتح تحقيق، فإن تحقيق العدالة الجنائية الدولية في هذه الحالة تعيقه العديد من العراقيل المرتبطة في معظمها بالسياسة الدولية، وبما تتمتع به دولة الاحتلال ومسؤولوها من حصانة دائمة تجاه كل أنواع المساءلة، خاصة في ظل الدعم الأميركي القوي لكل السياسات والمخططات الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وهو ما سنتناوله في الفرع الموالي.
ثانيًا: العوائق التي تحد من فعالية المحكمة الجنائية في محاربتها لجريمة الاستيطان
تقف أمام معاقبة المسؤولين عن الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها جريمة الاستيطان، العديد من العوائق التي يمكن أن تجعلهم في مأمن من أي نوع من أنواع العقاب أمام المحكمة الجنائية الدولية. وهي عوائق ذات طبيعة قانونية ترتبط بنظام روما نفسه، وسياسية مرتبطة بالسياسة الدولية وما تعرفه من ازدواجية للمعايير في التعامل مع القضايا الدولية، وخاصة القضية الفلسطينية.
– عوائق ذات طبيعة قانونية
يتضمن نظام روما مواد قانونية تحد من فعالية المحكمة الجنائية الدولية في معاقبة مرتكبي الجرائم الدولية، كجريمة الاستيطان باعتبارها جريمة حرب مستمرة في حق الفلسطينيين وناتجة عن سياسة استيطانية تديرها حكومة الاحتلال، وتشجع عليها لسلب المزيد من الأراضي المحتلة وضمها إلى إقليمها في أي مفاوضات للحل النهائي. وأولى هذه المواد تلك التي تربط مجلس الأمن كهيئة سياسية بالمحكمة الجنائية الدولية، وتجعل من هذه الأخيرة خاضعة للتأثيرات السياسية للدول العظمى وحلفائها، خاصة الدول الدائمة العضوية في المجلس(68).
وقد دارت خلافات قوية بين وفود الدول المشاركة في مناقشات النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك بسبب محاولة الدول -خاصة ذات السجل الحافل بانتهاكات قواعد القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل- الضغط وبقوة لإنشاء محكمة تستجيب لمصالحها القومية ولا تُعرقل مطامعها المستقبلية. وقد نجحت هذه الدول بالفعل في تضمين نظام روما العديد من النصوص والقواعد التي تنسجم وتتوافق مع طموحها وإرادتها، وهو ما أشار إليه رئيس الوفد الأميركي إلى مؤتمر روما، ديفيد شيفر، في خطابه أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ يوم 23 يوليو/تموز 1998، من أن من بين الأهداف التي حققناها في النظام الأساسي للمحكمة ما يلي:
– نظاما محققا للتكامل بين الاختصاص الوطني والاختصاص الدولي مما يؤمن حماية أفضل.
– الحفاظ على دور مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك تأكيد نفوذ هذا المجلس في التدخل لوقف عمل المحكمة”(69).
وقد بررت معظم الدول التي لم تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية ذلك بتبريرات غير منطقية، كما هو حال إسرائيل التي بررت رفضها التوقيع على النظام الأساسي للمحكمة لاعتبارات سياسية صرفة، حيث نص على اعتبار نقل دولة الاحتلال لرعاياها إلى الأراضي المحتلة ضمن جرائم الحرب التي تملك المحكمة صلاحية محاكمة مرتكبيها(70).
لهذا يمكن القول إن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يُعد صيغة توفيقية لمختلف وجهات النظر الأيديولوجية والسياسية للدول المشاركة في مؤتمر روما. وقد انعكس هذا الأمر على مدى فاعلية المحكمة؛ إذ إن نظامها الأساسي جاء ملبيًّا لمطالب ورؤى واتجاهات متعددة، لذلك احتوى على العديد من النقائص والثغرات التي شكَّلت في معظمها عوائق لتطبيق القانون الجنائي الدولي أمام هذه المحكمة. وتتمثَّل هذه الثغرات بالأساس في مبدأ التكامل والحصانة، والاختصاص الزماني للمحكمة.
وتطبيقًا لذلك على الحالة المدروسة، فإن أهم التحديات التي يمكن أن تعيق عمل المحكمة في الحد من الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، تتجلى في مبدأ التكامل وما يتيحه لإسرائيل من إمكانية الإفلات من العقاب لإعطائه الأولوية للقضاء الوطني الإسرائيلي على القضاء الجنائي الدولي. وتثبت الوقائع أنه كلما تعرضت إسرائيل لضغوطات داخلية من طرف المجتمع المدني الإسرائيلي، وخاصة المنظمات الحقوقية، أو خارجية من طرف دول كبرى -قليلًا ما يحدث ذلك- أو منظمات حقوقية عالمية، تقوم بتحقيقات تستمر لسنوات، رغم توفر الأدلة القاطعة على تورط مواطنيها، أو محاكمات صورية، بغرض حماية الأشخاص المعنيين من المسؤولية الجنائية. وهذا ما أكده تقرير غولدستون(71) الذي أقر بأن القضاء الإسرائيلي لا يستجيب للمعايير الدولية في تعامله مع القضايا التي تخص الحقوق الفلسطينية(72).
وما يؤكد هذا الواقع العملي للقضاء الإسرائيلي، عدم إنصاف الفلسطينيين في أعقاب انتهاك حقوقهم الإنسانية بما في ذلك أمام المحكمة الإسرائيلية العليا. ويصبح هذا الأمر أكثر وضوحًا عندما تندرج الانتهاكات ضمن سياسة معلنة لحكومة إسرائيل ،كما في مسألة بناء المستوطنات في الضفة الغربية أو قصف المدنيين في قطاع غزة. وفي هذه الحالة، لا سبيل أمام الفلسطينيين سوى التوجه إلى محكمة جنائية دولية سعيًا إلى منع استمرار هذه الانتهاكات، وإنصافهم ولو بعد حين(73).
كما أن الاختصاص الزماني للمحكمة الجنائية الدولية في حالة فلسطين، والذي يشمل فقط الجرائم الدولية التي ارتكبت في حق أبناء الشعب الفلسطيني، وعلى إقليم دولة فلسطين ابتداء من 13 يونيو/حزيران 2014 بموجب الإعلان الذي أودعته فلسطين في الأول من يناير/كانون الثاني 2015، يُعد من أهم العقبات التي تقف أمام معاقبة المسؤولين الإسرائيليين على جريمة الاستيطان(74).
وبهذا يمكن القول إن الاختصاص الزماني للمحكمة يحمي مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين خططوا ونفذوا وشجعوا على بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، في الفترة الممتدة بين يونيو/حزيران 1967 تاريخ احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية، ويونيو/حزيران 2014 تاريخ بدء الاختصاص الزماني للمحكمة في مواجهة الجرائم الإسرائيلية في فلسطين، وخاصة جريمة الاستيطان كجريمة حرب مستمرة في حق أبناء الشعب الفلسطيني.
– عوائق ذات طبيعة سياسية
أما العوائق ذات الطبيعة السياسية، فتتمثَّل في إمكانية تعليق عمل المحكمة الجنائية الدولية من طرف مجلس الأمن، في حالة فتح تحقيق من طرف المدعية العامة للمحكمة في الانتهاكات التي وقعت على إقليم دولة فلسطين بما فيها جريمة الاستيطان، خاصة إذا علمنا حجم الدعم الأميركي القوي الذي تحظى به دولة الاحتلال، والذي تجلى بالأساس في نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية اعترافًا منها بالسيادة الإسرائيلية عليها، وفي حجم العداء الكبير الذي تكنه الولايات المتحدة الأميركية للمحكمة، والذي عبرت عنه في مناسبات عدة، مهددةً المحكمة بفرض عقوبات عليها(75). أضف إلى ذلك موقفها من الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، والذي عبَّر عنه صراحة وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، معتبرًا أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير مخالفة للقانون(76).
كما تتمثل العوائق السياسية في رفض إسرائيل التعاون مع المحكمة، لأن المتهمين الرئيسيين هم ممن يتقلدون مناصب عليا في دولة الاحتلال، حيث سيشكِّل القرار الإسرائيلي بالامتناع عن التعاون مع المحكمة -الذي أكده رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، واعتبرها مسيسة ومعادية للسامية””7)- عقبة جوهرية إضافية تعوق قدرة المدعية العامة على إجراء التحقيقات، وملاحقة المجرمين المتورطين في ارتكاب انتهاكات القانون الدولي الإنساني في فلسطين(78).
وبالنسبة للحصانة، وعلى الرغم من أن نظام روما لا يعتد بها كمانع من المساءلة الجنائية عندما يتعلق الأمر بارتكاب جرائم دولية، فإن الواقع الدولي غني بالحالات التي شكَّلت فيها الحصانة تحديًّا أمام تحقيق العدالة، خاصة في القضايا التي يمتزج فيها السياسي بالقانوني، وأبرز مثال يمكن أن نسوقه لتأكيد ذلك هو رفض القضاء البلجيكي محاكمة رئيس الوزراء الأسبق، آرييل شارون، بحجة الحصانة التي يتمتع بها أثناء عمله كرئيس للوزراء(79).
كما فشلت المحكمة الجنائية الدولية في القبض على الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، المتهم بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة في إقليم دارفور، والذي صدر في حقه أمرَان بالقبض أولهما عام 2009، والثاني عام 2010. ويعود هذا الفشل إلى رفض الدول -وخاصة الإفريقية منها التي زارها البشير- القبض عليه لتمتعه بالحصانة، وفي مقدمة هذه الدول نجد المملكة المغربية التي زارها البشير في يوليو/تموز 2016، وامتنعت عن القبض عليه رغم الطلب الموجه إلى الرباط من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، للتعاون معها في القبض على المتهم وتسليمه إليها بهدف محاكمته(80).
ب- تداعيات فشل المحكمة الجنائية الدولية في وقف الاستيطان الإسرائيلي
سيكون لفشل المحكمة الجنائية الدولية في معاقبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وبالتالي الحدّ من جريمة الاستيطان، تداعيات كثيرة، لعل أهمها استمرار الجرائم الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، وامتناع حركات المقاومة الفلسطينية عن التعاون مع المحكمة.
أولًا: استمرار الجرائم الإسرائيلية في حق الفلسطينيين
منذ النكبة في العام 1948، ارتكبت إسرائيل العديد من الجرائم في حق أبناء الشعب الفلسطيني، حيث احتلت الأراضي وقتلت المدنيين، وهدمت البيوت وشردت أهلها بعيدًا عن وطنهم الأصلي. وتمادت في احتلالها للمزيد من الأراضي بعد حرب 1967 بما فيها القدس الشرقية، وأقامت المستوطنات لاستقطاب المزيد من اليهود وإحداث تغيير ديمغرافي على الأرض الفلسطينية، وشنت العديد من الحروب وارتكبت فيها العديد من الجرائم المحرمة دوليًّا بموجب الاتفاقيات الدولية، كاتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، وبروتوكولها الإضافي الأول لعام 1977. لكن منظمة الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، لم تتخذ أي إجراءات عملية لمنع العدوان الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني، وخاصة الاستيطان باعتباره يشكل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين، رغم صدور قرارات عديدة عن هذا المجلس فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تدين العدوان الإسرائيلي، وتطالب إسرائيل بالتوقف الفوري عن احتلال الأراضي، والانسحاب السريع منها، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، والاستقلال السياسي(81).
ولم يتخذ هذا المجلس -ولو لمرة واحدة في تاريخ الصراع لم الفلسطيني الإسرائيلي- إجراءات عملية لقمع العدوان الإسرائيلي المستمر، سواء أكانت تدابير عسكرية أو غير عسكرية نص عليها الميثاق في الفصل السابع، كما لم يمارس صلاحياته بتشكيل محاكم دولية، خاصة على غرار محاكم يوغسلافيا، ورواندا، وسيراليون(82). كما أن جميع قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن التي صدرت منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، لم تنفذ إسرائيل أيًّا منها لخلوها من مضمون الإلزام بسبب النفوذ الأميركي في الأمم المتحدة واستخدام الفيتو(83).
بالإضافة إلى ذلك، لم يمارس مجلس الأمن صلاحياته فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014، باعتبار أن ما مارسه الجيش الإسرائيلي خلال هذه العملية من جرائم دولية خطيرة -تمثَّلت في غزو الأراضي الفلسطينية، وقصف المدنيين وأعيان مدنية، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا، وحصار بري وبحري وبشكل مستمر للقطاع- يُعد محركًا لاختصاص مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ويبدو أن استمرار رفض إسرائيل تطبيق قرارات مجلس الأمن، والتزام الأخير الصمت حيال جرائم الحرب الإسرائيلية على مدار سنوات الاحتلال الطويلة، عكس ما فعله في مواقف أخرى كاحتلال العراق للكويت، قد شجعها على الاستمرار في ارتكاب أبشع الجرائم خطورة بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غياب رادع حقيقي يُلزمها حدود القانون الدولي والشرعية الدولية.
ويعود تمادي إسرائيل في ارتكاب الجرائم الدولية الأخطر التي تثير اهتمام المجتمع الدولي دون أن تلقى أي نوع من المحاسبة والعقاب، إلى الفيتو الأميركي الذي يعدّ من أهم وسائل الدعم السياسي الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل.
ومما لا شك فيه أن صمت المجتمع الدولي المطبِق على الجرائم الإسرائيلية، وعجزه التام عن تطبيق القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، التي تحظر نقل دولة الاحتلال لمواطنيها إلى الأراضي المحتلة، هو ما يشجع دولة الاحتلال على استمرار تحديها لقواعد القانون الدولي والتصرف كدولة فوق القانون(84)، الأمر الذي يجعلها لا تعير اهتمامًا لكل القرارات الدولية التي صدرت عن منظمة الأمم المتحدة، سواء قرارات الجمعية العامة، أو قرارات مجلس الأمن، التي تدين الاستيطان وتستنكر سياسة ضم الأراضي المحتلة التي تنهجها إسرائيل، أو الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الآثار القانونية لجدار الفصل العنصري الذي أدان الاستيطان، معتبرًا أنه لا يمكن تغيير الوضع القانوني للأراضي المحتلة بالقوة، وتستمر بالتالي في مخططها الاستعماري المتمثِّل في ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية عبر سياسة استيطانية محكمة، وتقتل وتعتقل الآلاف من الفلسطينيين في عملياتها العسكرية التي تشنها على أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل المدافعين عن أرضهم والمطالبين بحقهم في تقرير المصير(85).
إن انتصار إسرائيل القانوني المحتمل، بتعليق عمل المحكمة الجنائية الدولية عبر استغلالها للمادة “16” من نظام روما، أو امتناعها عن التعاون مع المحكمة في إجراءات التحقيق والقبض على المتهمين، وكذا استغلالها لمبدأ التكامل الذي يعطي أولوية لقضائها الوطني، سيُكرِّس الإفلات من العقاب الذي نَعِم به مجرمو الحرب الإسرائيليون لعقود خلت، وسيكون حصنًا منيعًا لهم في المستقبل من أي متابعة أو مساءلة قضائية أمام هذه المحكمة. كما ستكون نتائجه كارثية على الوضع الفلسطيني، مما سيؤدي بدون شك إلى استمرار إسرائيل في ضمها للأراضي الفلسطينية إلى إقليمها، وسيؤدي لا محالة إلى رفض الفلسطينيين التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما سنعالجه في العنصر التالي.
ثانيًا: عدم تعاون فلسطين مع المحكمة الجنائية الدولية
تشير بعض التقارير الدولية إلى قيام حركات المقاومة الفلسطينية، خاصة أثناء الحروب الثلاث (2009، 2012، 2014)، بأعمال تشكل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، مما يثير المسؤولية الجنائية الدولية لعناصر حركات المقاومة. فقد ذكر تقرير بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة أن حركات المقاومة أطلقت صواريخ عشوائية على إسرائيل قتلت ثلاثة مدنيين في عملية “الرصاص المصبوب”(86). كما واصلت المجموعات الفلسطينية المسلحة إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على إسرائيل في حرب 2012، وقد تم إطلاق ما مجموعه 624 من الصواريخ المنزلية الصنع، إلى جانب 110 من صواريخ غراد، و175 من قذائف الهاون، مما أدى إلى مقتل مدني إسرائيلي وجرح آخرين(87).
وفي العملية العسكرية التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم “الجرف الصامد”، أطلق الفلسطينيون أثناء القتال أكثر من 4000 قذيفة هاون من قطاع غزة، صُوِّبت أساسًا نحو بلدات مدنية إسرائيلية، وأدت إلى مقتل خمسة مدنيين حسب تقرير منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” الذي صدر في يناير/كانون الثاني 2015(88)، وهو ما أكده تقرير منظمة العفو الدولية 2014-2015 الذي نص على أن الصواريخ العشوائية التي أطلقتها الجماعات المسلحة الفلسطينية أدت إلى مقتل ستة مدنيين وجرح العشرات، وإلحاق أضرار بأعيان مدنية مما يشكِّل خرقًا لقوانين الحرب(89).
كل هذه الأفعال التي قامت بها حركات المقاومة، دفاعًا عن الشعب الفلسطيني، وفقًا لهذه التقارير، تجعل من الممكن أن تطال يد العدالة الجنائية الدولية المتمثلة في المحكمة الجنائية الدولية قيادات حركات المقاومة، وهو ما أكدته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية يوم الأول من ديسمبر/كانون الأول 2012، حين ذكرت “أن لجوء فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يكون بمثابة سلاح ذي حدين، فقد يقع الفلسطينيون أنفسهم في خطر المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك هجمات حماس على المدنيين الإسرائيليين”(90).
كما هدد النائب الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي سابقًا، سيلفان شالوم، بأنه إذا توجهت السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فإن إسرائيل ستتوجه إلى المحكمة نفسها بطلب تقديم رؤساء حماس والمنظمات الفلسطينية الأخرى في قطاع غزة للمحاكمة، بسبب إطلاق الصواريخ على المدن والقرى المحاذية لقطاع غزة(91).
غير أنه في حال إعاقة عمل المحكمة الجنائية الدولية من طرف دولة الاحتلال قصد منعها من النظر في الجرائم الإسرائيلية، خاصة الاستيطان باعتباره جريمة حرب مستمرة تمارسها إسرائيل بشكل يومي على الأراضي الفلسطينية، فإنه من المحتمل جدًّا رفض فلسطين، وخاصة حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس باعتبارها الحركة التي تدير قطاع غزة، التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في أي تحقيق أو مقاضاة مستقبلية يمكن أن تجريها المحكمة أثناء معالجتها لأي حالة خاصة بالوضع في فلسطين، قصد تحقيق العدالة الجنائية الدولية وإنصاف ضحايا الجرائم الدولية من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
خاتمة
في نهاية هذه الدراسة، يمكن أن نقدم بعض الاستنتاجات والمقترحات التي تساعد على تعميق فهم العراقيل والعوائق التي يمكن أن تؤدي إلى تكريس ظاهرة الإفلات من العقاب في الحالة الفلسطينية، من خلال حماية مجرمي الحرب الإسرائيليين من المتابعة القضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما يمكنها أن تساعد على تجاوز هذه العوائق، أو على الأقل الحد من تأثيراتها السلبية على مستقبل القضية الفلسطينية برمتها.
أولًا: الاستنتاجات
– في ظل واقع السياسة الدولية الراهن، يبدو أن فرص المحكمة الجنائية الدولية في الحد من جريمة الاستيطان، تبقى محدودة بالنظر إلى العوائق السياسية والقانونية التي يمكن أن تعيق عمل المحكمة في الحالة الفلسطينية وتجعل من مهمتها مهمة عسيرة، حيث ستلجأ دولة الاحتلال إلى استغلال مبدأ التكامل كونه يعطي الأولوية لقضائها الوطني على المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة مجرمي الحرب، وذلك بهدف حماية قادتها المتهمين بارتكاب جريمة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء المشاركين في التخطيط أو التنفيذ لهذه الجريمة. لهذا يمكن اعتبار مبدأ التكامل من أهم العوائق التي ستمنع المحكمة الجنائية الدولية من تحقيق العدالة في الحالة الفلسطينية. كما أنه من المرجح أن تتذرع إسرائيل بالحصانة لحماية مواطنيها من المتابعة القضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتمتنع عن التعاون معها.
– وفي حال عدم لجوء دولة الاحتلال إلى الخيارات السابقة، وهو أمر مستبعد، فمن المرجح جدًّا أن تفعّل الولايات المتحدة الأميركية -باعتبارها أهم الداعمين لإسرائيل- المادة “16” من نظام روما لإرجاء عمل المحكمة في الحالة الفلسطينية سنة كاملة قابلة للتجديد، وهو ما قامت به تباعًا عامي 2002 و2003 باستصدارها قراري مجلس الأمن “1422” و”1487″ بهدف حماية رعاياها المشاركين في عمليات حفظ السلام الأممية.
– وبالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، فمن المتوقع أنها لن تغير من مواقفها تجاه القضية الفلسطينية، وحتى لو خففت من الضغوط التي مارستها إدارة دونالد ترامب على السلطة الوطنية الفلسطينية والدول الداعمة لها، فإنها لن تتراجع عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية، ولا عن الموقف الأميركي من الاستيطان في الضفة الغربية، وفي المقابل ستستمر في تشجيع الدول العربية والإسلامية على التطبيع مع إسرائيل.
– إذا فشلت المحكمة الجنائية الدولية في وقف جريمة الاستيطان، وذلك بمعاقبة كل المسؤولين الإسرائيليين الذين تثبت إدانتهم، سواء أكانوا مخططين أو ممولين أو منفذين للمخططات الاستيطانية التي سلبت الفلسطينيين أراضيهم، وجعلت من حل الدولتين حلًّا نظريًّا لا يصلح إلا لتغذية أماني الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، باعتباره صعب التحقق على أرض الواقع في ظل سيطرة دولة الاحتلال الإسرائيلي على معظم الأراضي الفلسطينية، فإن إسرائيل ستواصل ارتكاب جرائمها الدولية في حق المدنيين الفلسطينيين والدول المجاورة تنفيذًا للرؤية اليمينية المتطرفة التي تتمثَّل في حدود أرض الميعاد الممتدة من النيل إلى الفرات.
ثانيًا: الاقتراحات
للرفع من فرص نجاح المحكمة الجنائية الدولية في الحد من جريمة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، تقترح الدراسة ما يلي:
1- بالنسبة للجانب الفلسطيني
– لجوء المواطنين الفلسطينيين الذين صودرت أراضيهم، أو صدرت في حقها قرارات بالمصادرة من طرف الاحتلال، إلى القضاء، بما فيه القضاء الإسرائيلي، الأمر الذي أثبت فعاليته في إلغاء العديد من هذه القرارات كما حصل في قرية “مناحيل” الفلسطينية بعد توجههم إلى القضاء الإسرائيلي.
– ضرورة إعادة اللحمة الفلسطينية من خلال تجاوز مرحلة الانقسام بين الفصائل، خاصة بين حركتي فتح وحماس، من أجل رص الصف الوطني الفلسطيني لمواجهة كل المشاريع والمخططات الاستيطانية للاحتلال الإسرائيلي.
– المزاوجة بين المعركة القانونية باللجوء إلى المنظمات الدولية، وبين المعركة السياسية بكسب الدعم الدولي للقضية الفلسطينية لوقف سياسة مصادرة وضم الأراضي الفلسطينية إلى إقليم دولة الاحتلال.
– في ظل أعمال مصادرة الأراضي وهدم البيوت وتشريد أهلها، تبقى المقاومة بكل أشكالها خيارًا استراتيجيًّا لردع المحتل.
2- بالنسبة للدول العربية والإسلامية
– في ظل دعم الإدارة الأميركية للاحتلال الإسرائيلي ومخططاته الاستيطانية، تقترح الدراسة أن تستغل الدول العربية والإسلامية، خاصة الغنية منها، إمكانياتها الاقتصادية، وتستثمر علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة الأميركية وبقية الدول الغربية، من أجل حثها على ممارسة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف المشاريع والمخططات الاستيطانية المستمرة في الأراضي الفلسطينية.
– حث الدول على مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، خاصة تلك المنتجة في المستوطنات.
– انضمام الدول العربية والإسلامية -غير المنضمة- إلى المحكمة الجنائية الدولية، قصد تشكيل تحالف قوي ومؤثر داخل جمعية الدول الأطراف في المحكمة، خدمة للقضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
– تجنب الدول العربية والإسلامية لكل أشكال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
المراجع
(1) فوزي سعيد الجدبة، “الاستيطان الإسرائيلي شرقي القدس 1997-2009: دراسة في الجغرافيا السياسية”، مجلة جامعة الأقصى (المجلد 2، العدد 15، يونيو/حزيران 2011)، ص 111.
(2) محسن محمد صالح، القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، (بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2012)، ص 26.
(3) حكيم العمري، “الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة من منظور القانون الدولي”، مجلة الدراسات القانونية (المجلد 5، العدد 2، يونيو/حزيران 2019)، ص 73.
(4) “المدن العربية الرئيسية والمستوطنات اليهودية في فلسطين 1881-1914″، الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 16 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3u3058d.
(5) كان هذا الوعد من أغرب الوعود في التاريخ الإنساني؛ إذ فضلًا عن تعارضه مع الاتفاقيات الأخرى، فقد تجاوز إرادة أصحاب الأرض الشرعيين، وتعهَّد بمنح أرض لا يملكها ولم يحتلها بعد؛ إلى أناسٍ دخلاء لا يمتون إلى هذه الأرض بصلة. للمزيد، انظر: صالح، القضية الفلسطينية، مرجع سابق، ص 34.
(6) Étienne De Vaumas, “Les trois périodes de l’immigration juive en Palestine,” Annales de Géographie, no. 335 (1954) : 71.
(7) صالح، القضية الفلسطينية، مرجع سابق، ص 42-43.
(8) لمعرفة المزيد عن حدود الدولتين (العربية واليهودية) الناتجة عن التقسيم بموجب القرار “181” للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تم اتخاذه في نوفمبر/تشرين الثاني 1947، يرجى العودة إلى الجزء الثاني من نص القرار.
(9) Organisation des nations unis, Assemblée général, état en Palestine, Résolution no. (181) sur le plan de partage de la Palestine, 29 Novembre 1947.
(10) صالح، القضية الفلسطينية، مرجع سابق، ص 63.
(11) Sylvain Cypel, “Juin 1967, une guerre de six jours qui n’en finit pas,” Orientxxi, 24 mai 2017, “accessed February 12, 2021” .https://bit.ly/3fa8Hpc.
(12) “خطة ألون في العام 1967″، دائرة شؤون المفاوضات، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، (تاريخ الدخول: 16 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3oy5Tp2.
(13) العمري، “الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة”، مرجع سابق، ص 74.
(14) Hervé Amiot, “Les implantations israéliennes en Cisjordanie (2): histoire d’une colonisation depuis 1967, ” Les clés du Moyen-Orient, 18 septembre 2013, “accessed February 13, 2021”. https://bit.ly/2QHZLxY.
(15) حكيم العمري، الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة: دراسة في أحكام القانون الدولي، ط 1 (برلين، المركز الديمقراطي العربي، 2019)، ص 17.
(16) انظر القرارين (242) و(338) اللذين اتخذهما مجلس الأمن تباعًا.
(17) “جدار الفصل”، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 16 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3496HqX.
(18) “الجدار والطرق الالتفافية في الضفة”، مركز الناطور للدراسات والأبحاث، 17 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 16 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3bHlpd4.
(19) الجمعية العامة، الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة، “فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، رقم الوثيقة 273/10-ES/A بتاريخ 13 يوليو/تموز 2004.
(20) “قانون شرعنة المستوطنات: مبادئ السيادة الإسرائيلية في المناطق المحتلة”، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، 4 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/2RwByv7.
(21) العمري، “القضية الفلسطينية”، مرجع سابق، ص 77.
(22) “إسرائيل/الأراضي الفلسطينية المحتلة: عشرة أشياء يجب أن تعرفها بشأن خطة الضم”، منظمة العفو الدولية، 2 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2020)، https://bit.ly/3umYdaF.
(23) “واقع الاستيطان الإسرائيلي بالضفة الغربية”، 17 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 20 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3wtwxC9.
(24) Ghislain Poissonnier et Eric David, “Les colonies israéliennes en Cisjordanie, un crime de guerre?,” la revue du droit de l’homme, no. 16, (2019): 3.
(25) دائرة شؤون المفاوضات، “المستوطنات الإسرائيلية والقانون الدولي”، 16 مارس/آذار 2011، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3hIc5JM.
(26) إسلام راسم البياري، “جريمة الاستيطان الإسرائيلي في القانون الدولي الإنساني”، مجلة جيل للأبحاث القانونية المعمقة، (العدد 29، ديسمبر/كانون الأول 2018)، ص 115.
(27) تنص المادة “8/2/ب/8” من نظام روما على ما يلي: تعني جرائم الحرب: “قيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها”.
(28) تنص المادة “53” من اتفاقية جنيف الرابعة على ما يلي: “يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو الدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتمًا هذا التدمير”.
(29) تنص المادة “46” من اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 على ما يلي: “ينبغي احترام شرف الأسرة وحقوقها، وحياة الأشخاص والملكية الخاصة، وكذلك المعتقدات والشعائر الدينية. لا تجوز مصادرة الملكية الخاصة”.
(30) تنص المادة “55” من اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 على ما يلي: “لا تعتبر دولة الاحتلال نفسها سوى مسؤول إداري ومنتفع من المؤسسات والمباني العمومية والغابات والأراضي الزراعية التي تملكها الدولة المعادية والتي توجد في البلد الواقع تحت الاحتلال. وينبغي عليها صيانة باطن هذه الممتلكات وإدارتها وفقًا لقواعد الانتفاع”.
(31) “المستوطنات الإسرائيلية والقانون الدولي”، مرجع سابق.
(32) تنص المادة “2/ف 4” من ميثاق منظمة الأمم المتحدة على ما يلي: “يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”.
(33) ياسين بن عمر، “حق تقرير المصير وحق الانفصال في القانون الدولي المعاصر”، مجلة العلوم القانونية والسياسية (العدد 12، يناير/كانون الثاني 2016)، ص 243-244.
(34) “الاستيطان الإسرائيلي والقانون الدولي”، مرجع سابق.
(35) المرجع السابق.
(36) Poissonnier et David, “Les colonies israéliennes en Cisjordanie, un crime de guerre?,”: 3.
(37) العمري، القضية الفلسطينية، مرجع سابق، ص 84.
(38) المرجع السابق، ص 34.
(39) المرجع السابق، ص 36.
(40) منظمة الأمم المتحدة، الجمعية العامة، الدورة السبعون، قرار رقم (70/225) اتخذته يوم 22 ديسمبر/كانون الأول 2015، رقم الوثيقة: A/RES/70/225، ص 3.
(41) موسى عاشور، الاستيطان في ضوء القانون الدولي: حالة المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين نموذجًا، ط 1 (القاهرة، دار الكتاب الحديث، 2014)، ص 70.
(42) منظمة الأمم المتحدة، مجلس الأمن، القرار رقم (1515) الذي اتخذه المجلس في جلسته رقم (4862) بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، رقم الوثيقة: S / RES/1515 (2003).
(43) منظمة الأمم المتحدة، مجلس الأمن، القرار رقم (2334) الذي اتخذه المجلس في جلسته رقم (7853) بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، رقم الوثيقة: S / RES/2334 (2016)، ديباجة القرار.
(44) العمري، الاستيطان الإسرائيلي، مرجع سابق، ص 37-38.
(45) منظمة الأمم المتحدة، مجلس الأمن، القرار رقم (2334)، الفقرة 5، مرجع سابق.
(46) Cour internationale de justice, “conséquences juridiques de l’édification d’un mur dans le territoire palestinien occupé,” “accessed February 26, 2021”, https://bit.ly/3hKzjyL.
(47) “L’avenir muré par l’occupation, enquête sur les menaces du système de colonisation et les résistances des sociétés civiles,” Lacimade, octobre 2015, “accessed February 27, 2021”. https://bit.ly/3fdk6EG.
(48) “إسرائيل/الأراضي الفلسطينية المحتلة، خطة “الضم” غير القانونية ترسخ “قانون الغاب” ويجب إيقافها”، منظمة العفو الدولية، يوليو/تموز 2020 (تاريخ الدخول: 28 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3fHaYHG.
(49) La cour pénale internationale, la chambre préliminaire I, situation dans l’Etat de Palestine, Décision relative à la demande présentée par l’Accusation en vertu de l’article 19-3 du Statut pour que la Cour se prononce sur sa compétence territoriale en Palestine, le 5 février 2021, N o ICC-01/18, p 64.
(50) الجمعية العامة، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الثانية عشرة، تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن تنفيذ قرار مجلس حقوق الإنسان دإ-9/1، بتاريخ 19 أغسطس/آب 2009 رقم الوثيقة 37/12/ A/HRC، ص 6.
(51) عبد القادر جرادة، الولاية القضائية الفلسطينية: الواقع وآفاق ملاحقة المجرمين الدوليين، (غزة، مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، 2013)، ص 125.
(52) المحكمة الجنائية الدولية، مكتب المدعي العام، الحالة في فلسطين، بيان المدعي العام حول اختصاص المحكمة في الحالة الفلسطينية، أبريل/نيسان 2012.
(53) خليل الدحداح، “الاعتراف بالدول وحقيقة فلسطين الدولة”، مجلة الحقوق والعلوم السياسية (لبنان، العدد 2، 2014)، ص 211.
(54) عيسى حنا، “الأثر القانوني لانضمام فلسطين للاتفاقيات الدولية”، موقع الضفة الفلسطينية، 9 أبريل/نيسان 2016، (3 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3fJOFkJ.
(55) Cyrille Louis, “La palestine devient le 123 Etat membre de la cour pénale internationale,” le figarot, 1 Avril 2018.
(56) انظر المادة الثانية من المرسوم الخاص بإنشاء اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، وزارة الشؤون الخارجية والمغتربين الفلسطينية، (تاريخ الدخول: 4 مارس/آذار 2021)، http://muqtafi.birzeit.edu/pg.
(57) صلاح عبد العاطي، “التحرك أمام محكمة الجنائيات الدولية بين الجدية والتسويف”، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 18 ديسمبر/كانون الأول 2020)، https://bit.ly/2SipUEa.
(58) تنص الفقرة الأولى من المادة “14” من نظام روما على ما يلي: “يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أي حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت، وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم”.
(59) وزارة الشؤون الخارجية والمغتربين الفلسطينية، “إحالة دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية”، 22 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 6 مارس/آذار 2021)، http://www.mofa.pna.
(60) المرجع السابق.
(61) المحكمة الجنائية الدولية، “بيان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، السيدة فاتو بنسودا بشأن الإحالة المقدمة من فلسطين”، 22 مايو/أيار 2018 (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3oH991r.
(62) “وزارة الخارجية والمغتربين تطالب الجنائية الدولية بالإسراع في فتح تحقيق لردع الاحتلال عن ارتكاب جريمة التهجير القسري بحق المواطنين الفلسطينيين في الخان الأحمر”، alqudscitylife، 13 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 9 مارس/آذار 2021)، http://www.mofa.pna.ps/ar/.
(63) المرجع السابق.
(64) وزارة الشؤون الخارجية والمغتربين الفلسطينية، “إسرائيل تستغل الصمت الدولي على جرائمها لارتكاب المجازر في حق أبناء الشعب الفلسطيني”، 8 يناير/كانون الأول 2016، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2021)، http://www.mofa.pna.ps/ar.
(65) المحكمة الجنائية الدولية، مكتب المدعي العام، بيان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا بشأن اختتام الدراسة الأولية للحالة في فلسطين، واستصدار قرار بشأن نطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة، بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 2019.
(66) المرجع السابق.
(67) “ورقة موقف المستشار القضائي للحكومة: كل ما لا ينبغي أن تكونه محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، مارس/آذار 2020 (تاريخ الدخول: 11 مارس/آذار 2021) ص 14، https://bit.ly/3wwjyzx.
(68) تتمثل هذه المواد بالأساس في المادة “13/ج” والمادة “16” من نظام روما، حيث تُمَكِّن الأولى مجلس الأمن من إحالة حالات ارتكبت فيها جرائم دولية تدخل ضمن اختصاص المحكمة، والثانية من إرجاء عمل المحكمة لسنة قابلة للتجديد. أما المادة “13/ب” فتنص على ما يلي: “للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة (5) وفقًا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:
ب- إذا أحال مجلس الأمن، متصرفًا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت”.
وتنص المادة “16” من نظام روما على ما يلي: “لا يجوز البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة اثني عشر شهرًا، بناء على طلب من مجلس الأمن إلى المحكمة بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها”.
(69) بارعة القدسي، “المحكمة الجنائية الدولية: طبيعتها واختصاصاتها، وموقف الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل منها”، مجلة جامعة دمشق للعلوم القانونية والاقتصادية (المجلد 20، العدد 2، 2004)، ص 141.
(70) “ورقة موقف المستشار القضائي للحكومة”، مرجع سابق، ص 13.
(71) هذا التقرير أعدته بعثة تقصي الحقائق بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، وهي بعثة شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة وترأسها القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون.
(72) Sharon Weill, “Ce que change l’adhésion de la palestine à la cour pénale internationale,” Orientxxi, 15 janvier 2015, “accessed April 6, 2021”. https://bit.ly/3fE5pcP.
(73) “ورقة موقف المستشار القضائي للحكومة”، مرجع سابق، ص 14.
(74) وهذا ما تؤكده الفقرة الثانية من المادة “11” من نظام روما بنصها على ما يلي: “إذا أصبحت دولة من الدول طرفًا في هذا النظام الأساسي بعد بدء نفاذه، لا يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إلا فيما يتعلق بالجرائم التي تُرتكب بعـد بـدء نفـاذ هـذا النظام بالنسبة لتلك الدولـة، ما لم تكن الدولة قد أصدرت إعلانًا بموجب الفقرة (3) من المادة” .
(75) Florian Maussion, “les Etats-unis menacent la cour pénale internationale des sanctions,” LesEchos, 10 septembre 2018, “accessed April 6, 2021”. https://bit.ly/3vguMYL.
(76) Andrew Harnik, “Washington ne considère plus les colonies israéliennes comme étant contraires au droit international,” Le monde, 18 novembre 2019.
(77) Dan Williams, “Israël va informer la CPI qu’elle ne coopérera pas à son enquête,” Reuters, 8 Avril 2021, “accessed April 8, 2021”. https://reut.rs/3fbB06Q.
(78) فالنتينا أزاروف، “فلسطين في المحكمة؟ التداعيات غير المتوقعة للتقاضي أمام المحكمة الجنائية الدولية”، شبكة السياسات الفلسطينية، 1 أبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 8 أبريل/نيسان 2021)، https://al-shabaka.org/briefs.
(79) سامح خليل الوديا، المسؤولية الدولية عن جرائم الحرب الإسرائيلية، ط 1 (مركز الزيتونة للدراسات، 2009)، ص 159.
(80) المحكمة الجنائية الدولية، الدائرة التمهيدية الثانية، الحالة في دارفور بالسودان، المدعي العام ضد عمر حسن البشير، طلب إلى المملكة المغربية للقبض على عمر حسن البشير وتقديمه إلى المحكمة، بتاريخ 4 أغسطس/آب 2016، رقم الوثيقة ICC-02/05-01/09، ص 4.
(81) خليل الوديا، المسؤولية الدولية، مرجع سابق، ص 191.
(82) المرجع السابق، ص 193.
(83) المرجع السابق، ص 200.
(84) المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، التقرير السنوي للعام 2013، (فلسطين، 25 مارس/آذار 2014)، ص 12– 13.
(85) Menahem Kahana, “Israël approuve la construction de plus de 2000 logements dans des colonies en Cisjordanie,” Le Monde, 14 octobre 2020.
(86) الجمعية العامة للأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الثانية عشرة، تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن غزة، الفقرة 104، بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول 2009، رقم الوثيقة A/HRC/12/48 (ADVA NCE 1) ، ص 22.
(87) الجمعية العامة، الدورة السابعة والستون، تقرير اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة، الفقرة 11 بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2012، رقم الوثيقة 372/67/A، ص 6.
(88) راية سوداء عن المعاني الأخلاقية والقضائية لسياسة الاعتداء على البيوت السكنية في قطاع غزة في صيف 2014، بتسيلم، يناير/كانون الثاني 2015، ص 40.
(89) “حالة حقوق الإنسان في العالم”، POL10/0001/2015، (بريطانيا، منظمة العفو الدولية، 2015)، ص 61.
(90) إحسان عادل، فلسطين دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، الأبعاد القانونية والسياسية، ط 1 (الأردن، الأهلية للنشر والتوزيع، 2014)، ص 96.
(91) المرجع السابق، ص 97.