مقدمة

منذ تشكُّل الدولة المغربية الحديثة في كيانها الراهن، كانت المسألة الدستورية من أهم النقاشات العامة(1)، وكذلك من أبرز العناوين الكبرى المثيرة للخلافات والصراعات السياسية. فمع حصول المغرب على الاستقلال، كان الخلاف محتدمًا بين أحزاب الحركة الوطنية من جهة، والمؤسسة الملكية من جهة أخرى، على الإطار التعاقدي الدستوري الذي يجب أن يربط بين الحاكم والمحكومين، وتوضع من خلاله الأسس الدستورية لنظام الحكم وكيفية ممارسة السلطة(2).

في خضم هذا الجدال، الذي تحوَّل في فترات ومحطات تاريخية إلى صراع بين مشروعين سياسيين ومجتمعيين، الأول تقوده معارضة سياسية تهدف لبناء الدولة الوطنية والديمقراطية، مع وجود مَلَكية دستورية غير تنفيذية، وذلك بدفاعها عن خيار انتخاب مجلس تأسيسي لصياغة الدستور الأول لدولة ما بعد الاستقلال (دستور 14 ديسمبر/كانون الأول 1962)(3)، وقد تبلور هذا المشروع خاصة مع المؤتمر التأسيسي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في سبتمبر/أيلول سنة 1959(4). أما المشروع الثاني، فقد عبَّرت عنه المؤسسة الملكية، والذي كان يقضي بالانفراد بالحكم لترسيخ نموذج الملكية التقليدية التنفيذية(5)، استنادًا للمبررات الدينية والتاريخية، باعتبار أن الملك في المغرب ليس قائدًا سياسيًّا فحسب بل هو أمير المؤمنين، يمارس سلطة معنوية لا تقف عند حدود سلطة معينة(6). وقد استغلت المؤسسة الملكية الانقسام الذي كانت تعرفه أحزاب الحركة الوطنية بشقيها المعتدل والثوري لتنفيذ مشروعها، لاسيما بعد بروز هذا الصراع على إثر انشقاق الجناح الثوري عن حزب الاستقلال وتأسيسه للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهو ما انعكس بشكل جلي في نجاح المؤسسة الملكية، يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1960، بتعيين مجلس موال لها بديلًا عن المجلس التأسيسي المنتخب، ليتولَّى وضع الدستور، قبل أن يُعرض على الملك ومن ثم على الاستفتاء الشعبي(7).

سنحاول من خلال هذه الدراسة الإجابة عن سؤال رئيسي: ما القيمة التي حملها الإصلاح الدستوري في 2011 لبناء أسس الحكم الديمقراطي باعتباره كان أبرز المخرجات في التعاطي مع مطالب حركة 20 فبراير/شباط 2011، وفي تدبير النظام السياسي بالمغرب لزمن احتجاجات الربيع العربي؟

ولدراسة هذه الإشكالية، اعتمد الباحث منهج تحليل المضمون لقراءة الوثيقة الدستورية سواء من حيث الشكل أو المحتوى، كما استند إلى المنهج النسقي لما يوفره من أدوات لتفسير فشل أو نجاح أي نظام سياسي في التكيُّف مع بيئته الداخلية والخارجية بناءً على طبيعة بنية نسقه وفاعلية وظائفه الضبطية، عبر ما يطرحه من مخرجات سياسية ودستورية استجابة للديناميات المجتمعية المفرزة.

ومن أجل الحكم على قيمة وأهمية الإصلاح الدستوري الجديد في المغرب، وإلى أي مدى يمكن التأسيس والبناء عليه لإنجاح فرص التحول الديمقراطي، سننطلق من معيارين أساسيين من معايير الدساتير الديمقراطية، ووفق ما جاءت به أدبيات نظريات القانون الدستوري(8)، أولهما يتصل بطريقة إخراج وإعداد الدستور. وثانيهما يهتم بمضمونه ودرجة ديمقراطيته فيما يخص الجانب المرتبط بما يمنحه من الحريات والحقوق، وما يتعلق أيضًا بتوزيع واستقلال السلطات وموقع المؤسسة الملكية في بنيان الهرم الدستوري.

  1. دستور 2011 ومنهجية الإصلاح

إذا كان الصراع التاريخي بين مشروع المؤسسة الملكية ومشروع أحزاب الحركة الوطنية، والذي تحوَّل منذ سقوط تجربة عبد الله إبراهيم الحكومية في العام 1960 إلى صراع بين قوى وأحزاب ديمقراطية معارضة في مواجهة نظام سياسي يخضع لحكم الفرد المطلق، فإنه أخذ مسارات سياسية ومنعرجات دستورية مختلفة، انطبعت في جزء منها بحالة من التعايش بين الطرفين وفي جزء آخر بالصراع على السلطة وخيار بناء المجتمع.

فإن ما يهمنا في هذه النقطة من البحث هو أن السلطة الأصلية والفرعية لوضع الدستور بالمغرب بصيغه الخمسة (1962، 1970، 1972، 1992، 1996)، قبل الإصلاح الدستوري في الأول من يوليو/تموز 2011، قد كانت بيد المؤسسة الملكية ولم تكن نابعة من الشعب كمصدر للسلطة، مثل ما هو الحال في الدساتير الديمقراطية(9). كما أن مضمون البنيان الدستوري، جاء مكرِّسًا لهيمنة وسيطرة المؤسسة الملكية على كامل النسق السياسي المغربي(10).

أولًا: جديد الخطاب الملكي 9 مارس/آذار 2011  

جاء الخطاب الملكي ليوم 9 مارس/آذار 2011، ليؤكد مرة أخرى على استمرار المؤسسة الملكية في الانفراد بالسلطة التأسيسية الأصلية والفرعية؛ حيث اعتمد الملك في تعيين اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور على مقتضيات الفصل 103 من دستور 1996: “للملك أن يستفتي شعبه مباشرة في شأن المشروع الذي يستهدف به مراجعة الدستور”(11). وهو بذلك يتشبث بالشرعية الدستورية ويستبعد التنازل عنها لفائدة أية سلطة تأسيسية منتخبة ونابعة من سلطة الشعب، كما كانت تطالب حركة 20 فبراير/شباط في وثائقها التأسيسية أو من خلال شعاراتها المرفوعة(12).

بعد الخطاب بيوم واحد سيعلن الملك محمد السادس في خطاب تنصيب اللجنة الاستشارية(13) عن لجنة سياسية بمثابة آلية للتشاور والمتابعة في إنجاز هذا الإصلاح الدستوري، وقد أسند رئاستها لمستشاره الخاص وأستاذ القانون الدستوري، محمد معتصم، الذي اعتبره البعض المهندس الحقيقي لها(14) في إشارة دالَّة على سعي المؤسسة الملكية لتفادي كل الثغرات الدستورية، التي قد تأتي منها رياح لا تصب في صالح وثيقة دستورية متحكم فيها(15). بالرغم مما قد يبدو ظاهريًّا على أنها وثيقة دستورية تعكس منطق التشارك، نتيجة ضمها لزعماء أحزاب سياسية ومركزيات نقابية(16)، وتماشيًا مع نتيجة خطاب الإعلان ليوم 10 مارس/آذار، والذي دعا فيه الملك بأن لا تقتصر وظيفة الأحزاب السياسية على تقديم التصورات أمام اللجنة الاستشارية، وإنما المشاركة الموصولة في هذا الإصلاح الهيكلي من بدايته إلى نهايته(17).

ثانيًا: الإصلاح الدستوري 2011 ومقاربة التشارك

يمكن القول: إن قيود اللحظة السياسية التي فرضتها دينامية حركة 20 فبراير/شباط على استعمال المؤسسة الملكية للسلطة التأسيسية الفرعية في بلورة الإصلاحات الدستورية، لم تكن لتنعكس في حجم تعاطي ومسؤولية الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية المشاركة في عملية التنسيق والتشاور، أو بما ينسجم والمقاربة التشاركية التي أُفرغت من محتواها، الأمر الذي جعل مذكرات هذه الأحزاب والقوى الأخرى، المقدمة للجنة الاستشارية التي كلفت بإعداد الدستور الجديد، تفقد أية قيمة إضافية وموازية لتحركات وضغط الحركة الاحتجاجية ولتطلعات الرأي العام، بما أنها قامت على تصور تم في اتجاه تعويمها كآلية للمشاركة غير الفعلية، وإلى جعلها مناسبة لتقديم بيعة متجددة لنظام الحكم ولتصوراته للإصلاح الدستوري عبر دعمها للتوجه نحو دستور إجماعي بدل المساهمة في الدفع باتجاه دستور تعاقدي(18).

وقد اتضح هذا التوجه خلال التدافع المحموم في تقديم المذكرات، والتي بلغ عددها 179 مذكرة مرفوعة من قبل الأحزاب والنقابات وتنظيمات المجتمع المدني. ونظرًا لكثرة هذه المذكرات وتشابهها في عدة حالات، فإننا اقتصرنا على قراءة مذكرات كل من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب العدالة والتنمية، وحزب الاستقلال، وحزب التقدم والاشتراكية، إضافة إلى مذكرات حزب الأصالة والمعاصرة باعتباره حزبًا فرض نفسه على الحقل الحزبي في السنوات الأخيرة، بشكل مثير للانتباه، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الذي تقدم بمقترحات على خلاف الأحزاب والقوى الداعمة لحركة 20 فبراير/شباط والتي قاطعت الإصلاح الدستوري(19).

قراءة مضامين المقترحات التي رفعتها الأحزاب السياسية المذكورة للجنة الاستشارية المكلفة بإعداد الوثيقة الدستورية المستفتى بشأنها في الأول من يوليو/تموز 2011، أفرزت لنا خلاصة بعنوانين:

العنوان الأول: أغلب المقترحات اتفقت على الحقوق والحريات التي يجب أن تتضمنها الوثيقة الدستورية، (الشغل، الصحة، التعليم، العيش بكرامة، تجريم التعذيب، حرية الرأي…)، لكنها اختلفت في تصوراتها لهذه الحقوق والحريات، فبينما ركزت مذكرات أحزاب الاتحاد الاشتراكي، والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية على الصبغة الكونية لها وبضرورة تبني المغرب لها كما نصت عليها الاتفاقيات الدولية ومضامين العهود الأممية، مع الإشارة إلى تفرد حزب الطليعة بالمطالبة بحرية العقيدة. ارتبطت عند حزبي العدالة والتنمية والاستقلال بعدم تعارضها مع التوجهات الإسلامية والثوابت الدستورية، أما عند حزب الأصالة والمعاصرة فقد جاءت بشكل مبهم مع إشارته للأخذ بالمفاهيم الحداثية في بلورة الحقوق والحريات، دون إثارة مسألة الخصوصية أو الكونية.

العنوان الثاني: جميع المقترحات باستثناء ما جاء في مذكرة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي(20)، زكَّت سلطة المؤسسة الملكية المكثفة على بنيان الوثيقة الدستورية عبر حفاظها على أغلب الاختصاصات والصلاحيات التي كانت تتوفر عليها في دستور 1996، كسلطة تنفيذية رئيسية، رغم إشارتها لضرورة اختيار رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالانتخابات، وتوسيع مجال التدبير العمومي للمجلس الحكومي، ما دامت أبقت على المجلس الوزاري ورئاسة الملك له، لأن هذا الأخير هو من يضع ويقرر في المخططات والاستراتيجيات العامة. ولم نلمس في هذه المقترحات ما يفيد توزيع واستقلال السلطات؛ حيث أبقت على الملك الماسك بتلابيب السلطة القضائية وصاحب المفاتيح على المستوى التشريعي بامتلاكه إمكانية حل البرلمان. وفي مجال الحقل الديني، لم يسع هذه المقترحات إلا أن تثمِّن سلطة ودور المؤسسة الملكية عبر الـتأكيد على تشبثها بإمارة المؤمنين.

وفي مفارقة تستدعي التأمل، نجد أن مطلب الإصلاح السياسي والدستوري، المفضي إلى ديمقراطية حقيقية، ونظام سياسي ملكي برلماني، لم يُطْرَح بقوة ويتم التشديد على أهميته في مذكرات أحزاب سياسية كانت تنتمي في السابق إلى ما سمي بأحزاب “الكتلة الديمقراطية”(21)، خاصة الحزبيين اليساريين: الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، والتي ما فتئت تناضل وتطالب به منذ التسعينات، واكتفت بإدراجه في مقدمة مذكراتها، بشكل ضبابي، وفيه كثير من التعويم، من باب التذكير بنضالاتها ومطالبها التاريخية(22).

 

  1. مضمون دستور 2011 وموضوع الإصلاح الديمقراطي

سنحاول في هذا المحور أن نحلِّل مضمون الوثيقة الدستورية لتحديد ماهية وتجليات هذا الإصلاح، بعد أن قال الملك محمد السادس عنه في خطاب تقديم مشروع الدستور يوم 17 يونيو/حزيران 2011، لما استلم النسخة النهائية من مشروع الدستور الجديد من رئيس اللجنة الاستشارية المكلفة بإعداده يوم 10 يونيو/حزيران 2011، إنه “يشكِّل تحولًا تاريخيًّا حاسمًا في بناء دولة الحق والمؤسسات والديمقراطية”، واصفًا إياه بـ”نموذج دستوري متميز، يقوم على الثوابت الراسخة للدولة المغربية”(23).

أولًا: الحريات والحقوق وسؤال الضمانات والخصوصية

لا خلاف على أن دستور 2011 نصَّ على مجموعة من الحقوق والحريات العامة، حيث تم تخصيص باب كامل (الباب الثاني) بعنوان “الحريات والحقوق الأساسية”، وقد احتوى على 22 فصلًا من 19 إلى 40، وفيه تم سرد مختلف أنواع الحقوق والحريات سواء تلك المرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية أو تلك المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية(24).

إضافة إلى ما جاء في تصدير الدستور والذي يقول: “إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة”، كل هذا مع تعهد الدولة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، بالالتزام بما تقتضيه مواثيق هذه الأخيرة من مبادئ وحقوق وواجبات، والتشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميًّا(25).

غير أن السؤال الذي يطرح هنا ليس مرتبطًا بمسألة اتساع مجال هذه الحريات والحقوق أو تقلصها كما يراها البعض، ولا حتى بمسألة ذكرها على مستوى أسمى قانون كما يظن آخرون، بل الحقيقة أن السؤال الجوهري، هو ذلك المرتبط بالضمانات التي منحها الدستور لكيفية تحقيقها في الواقع. وهذا ما يتضح عند التدقيق في محتويات الفصول وربط بعضها ببعض، فبعد أن أسهبت عدة فصول في ذكر الحقوق والحريات، جاء الفصل 31 على سبيل المثال، ليفرغها من أي التزامات أو ضمانات حقيقية، عندما اقتصرت مسؤولية الدولة على تيسير الحصول عليها بدل منحها كواجبات تقع على عاتقها تجاه مواطنيها(26).

باستحضار التجارب المقارنة في هذا المجال، نجد الدستور التونسي للعام 2014 متقدمًا عندما نص على “أن الدولة تضمن للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم”(27)، بل اللافت للانتباه أن دستور 1996 نص على الحقوق والحريات بشكل متقدم على مستوى الضمانات والقيمة، وإن كانت غير موسعة، مقارنة مع دستور 2011 الذي وسَّع من نطاقها وقلَّل من محتواها(28).

وعلى مستوى آخر كذلك يُطرح سؤال التصورات التي ستُعطى لهذه الحقوق والحريات، حيث نجد الدستور يتناقض في ثناياه، فتصدير الدستور يقضي بأن المملكة المغربية تؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميًّا(29)، وهذا يعني أن المدى الذي يرسمه الدستور لحقوق الإنسان هو كونية هذه الحريات والحقوق. لكن عندما نطالع عدة فصول نجده قلَّص من هذا المدى، عندما ربط هذه الحقوق والحريات بمسألة خصوصية الهوية الوطنية الراسخة وثوابت المملكة(30)، مع ما يمكن أن تسمح به هذه  المسألة من انزلاقات وتوظيفات من قبل السلطة، بغية تبرير كل حالة تراجع أو تعدٍّ على ما أُعطي من حقوق وحريات، تحت الضغط سواء الداخلي أو الخارجي(31).

ثانيًا: توزيع واستقلال السلطات وموقع المؤسسة الملكية

إن الجانب المهم في أي دستور هو ذلك المتعلق بتحديد من له سلطة اتخاذ القرار، سواء على المستوى السلطات الثلاثة، التنفيذية والتشريعية والقضائية، أو تلك المرتبطة بصاحب المكانة والتأثير في مجالات الدين والجيش والأمن، والتي لا تقل أهمية عن السلطات الثلاثة، كما يرى عدة مفكرين وفقهاء دستوريين وعلماء سياسة في الوقت الراهن. وبالتالي، فإن عملية تفكيك وتقييم مضامين إصلاحات دستور 2011، ستتجه وفق هذا التصور، أي من يملك سلطة اتخاذ القرار بغضِّ النظر عن التوصيفات والتسميات واللعب بالمصطلحات والمفاهيم.

أ- على مستوى السلطة التنفيذية

أفرد دستور 2011 للسلطة التنفيذية الباب الخامس والمكون من 8 فصول من 87 وحتى 94، ويبقى الفصل 89 الأبرز في جعل القارئ للوهلة الأولى يدرك أن السلطة التنفيذية بيد الحكومة وأنها أصبحت فعلًا سلطة مستقلة، ذلك أنه ينص بصريح العبارة على “أن الحكومة تمارس السلطة التنفيذية وتعمل تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين، وأن الإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية”.

هذا الإدراك والاعتقاد بأن الإصلاح الدستوري خوَّل للحكومة ممارسةَ السلطة التنفيذية -بما يعني أنها صاحبة القرار في رسم السياسة العامة ووضع المخططات الاستراتيجية والحرص على تنفيذها، تطبيقًا لمشروعها الحكومي المصادق عليه من البرلمان المنتخب من قبل الشعب، كما هي الحال في ممارسات النظم الديمقراطية وفي أدبيات النظريات الدستورية- سرعان ما يتبدَّد عند مطالعة ما جاء به الدستور في الباب الثالث المخصص للملكية وللصلاحيات المخصصة للملك باعتباره رئيس الدولة(32).

فحسب الفصل 47، فإن الملك هو الذي يعيِّن أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، ويعفيهم من مهامهم بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة(33)، وكلمة التعيين والإعفاء هنا تعني أنه هو صاحب الحق في اختيار الوزراء وإقالتهم، بينما دور رئيس الحكومة الذي من المفروض أنه صاحب السلطة التنفيذية وهو من يتحكم في الوزراء، بما ينسجم وتصورات وبرامج حزبه الفائز في الانتخابات التشريعية، لا يتعدى الاقتراح في حالة التعيين والاستشارة في حالة الإقالة.

ممارسة الملك لاختصاصات السلطة التنفيذية وبشكل غير صريح، رغم منحها دستوريًّا لرئيس الحكومة ظاهريًّا، وتمتعه بصلاحيات واسعة وذات ثقل استراتيجي، تتضح أكثر في الفصل 48 و49؛ إذ إنه هو من يرأس المجلس الوزاري الذي يتألف من رئيس الحكومة والوزراء، وفي هذا المجلس يتم التداول في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة وفي مشاريع مراجعة الدستور، ومشاريع القوانين التنظيمية، ومشروع قانون العفو العام، ومشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري، وكذلك إعلان حالة الحصار وإشهار الحرب، إضافة إلى التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف المدنية التالية: والي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي، والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية(34).

وبالتالي، فإن أي حديث هنا عن أن الحكومة صاحبة السلطة التنفيذية، وأن هناك فصلًا للسلطات (الفصل بين السلطة التنفيذية وسلطة الملك)، هو حديث غير واقعي بأحكام الدستور نفسه، فمؤسسة الحكومة بمثابة إدارة عليا للوزارات، وظيفتها تتبُّع ومواكبة سياسات ومشاريع المؤسسة الملكية صاحبة السلطة التنفيذية.

ب- على مستوى السلطة التشريعية

كان من الإيجابي منح دستور 2011 للبرلمان ممارسة السلطة التشريعية(35) بالاشتراك مع الحكومة(36)، أو من خلال ما خوَّل الملكَ من صلاحيات في هذا المجال عبر تداول المجلس الوزاري الذي يرأسه في مشاريع القوانين(37)، ما دامت أغلب الأنظمة السياسية والتجارب البرلمانية الدولية تتيح إمكانية التعاون بين السلطة التشريعية والتنفيذية في سن القوانين والتشريعات(38).

هذا المنحى بحكم الواقع تكرسه عملية الجرد الأولي لحصيلة المؤسسة البرلمانية بالمغرب؛ حيث إن النسبة الكبرى من القوانين التي تمت المصادقة عليها كانت من إعداد الحكومات، بينما عدد مقترحات القوانين التي أعدها البرلمانيون تبقى قليلة. فقد أنتج البرلمان المغربي منذ الولاية الأولى، سنة 1963، وحتى نهاية الولاية التاسعة، سنة 2016، ما مجموعه 1316 نصًّا قانونيًّا، ومن خلال الولاية التاسعة على سبيل المثال والممتدة من 2012 إلى 2016، لم ينتج  البرلمان عن طريق مقترحات القانون، سوى 20 نص قانون مصادَق عليه، 4 منها فقط جديدة أو مؤسسة، بينما 16 الأخرى معدلة لقوانين قديمة بما يعادل 9.30%، في مقابل 195 نصَّ قانون مصادَق عليه، جاء بمبادرة من الحكومة عبر مشاريع القوانين، موزعة بين 21 قانونًا تنظيميًّا و8 مراسم قوانين و166 قانونًا عاديًّا، وهو ما يعادل 90,70%(39).

ثقل المؤسسة التنفيذية واحتكار صلاحياتها من قبل المؤسسة الملكية انعكس على دور وحجم المؤسسة التشريعية، عندما منحت الوثيقة الدستورية للملك الحق في حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير وفق الفصل 51، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، وتوجيه خطاب للأمة. وهي الإجراءات التي من السهل القيام بها، لأنها مرتبطة بمهام الاستشارة والإخبار وتوجيه خطاب للأمة(40)، بينما تم ربط هذا الحق بالنسبة لرئيس الحكومة، والذي هو في الأصل ممثل الأغلبية النيابية، بضرورة إصدار مرسوم، يُتخذ في المجلس الوزاري الخاضع لرئاسة الملك(41)، وهذا ما يتنافى مع أبسط مبادئ الحكم الديمقراطي القائم على فصل السلطات واحترام الإرادة الشعبية التي من المفروض أنها أصل السلطة الممنوحة لممثليها عبر صناديق الاقتراع، كما يقول الدستور نفسه في فصله الثاني(42)، مما يعني أن السلطة التشريعية في الواقع تبقى خاضعة للملك ولتوجهاته وتصوراته، كما أن بقاء البرلمانيين تحت قبة البرلمان، رهين بولائهم ورضى الملك عنهم بالدرجة الأولى.

ج- على مستوى السلطة القضائية  

تعتبر السلطة القضائية، كما عرَّفتها نظريات القانون الدستوري، الضامن لاحترام تطبيق القانون وحماية حقوق وحريات المواطن من تجاوزات السلطة التنفيذية والتشريعية، في إطار ما يعرف بتقسيم وتوازن السلطات، حتى لا يتم جمع هذه السلطات الثلاثة في أيدي جهة واحدة، ونكون بذلك أمام نظام سياسي على مقاس السلطان والمرتكز على عنصر النفوذ كأمر واقع(43).

وبالنسبة للنظام الدستوري في المغرب، فقد سمَّى دستور 2011 تحت أحكام الباب السابع القضاءَ بالسُّلطة من خلال ما ورد في الفصل 107: “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية”(44)، وهو ما جعل البعض يرى فيه تغيرًا جوهريًّا(45)، مقارنة مع جاء به دستور 1996 والذي لم يكن يسميها بالسلطة القضائية أو يقر باستقلالها عن السلطة التنفيذية والتشريعية، لأنه كان يرى وظيفة القضاء من بين وظائف الإمامة التي يتمتع بها أمير المؤمنين، المحتكم إلى الفصل 19 منه(46). لكن هل فعلًا أفرز دستور 2011 سُلطة قضائية ومستقلة عن باقي السلطات؟

الإجابة بنعم تتنافى مع مقتضيات دستور 2011، فيما أن السلطة التنفيذية تحتكرها المؤسسة الملكية، وتفعيل صلاحيات واستقلالية المؤسسة التشريعية (البرلمان) يبقى رهنًا بيد الملك ما دام له الحق في حل مؤسسة البرلمان بغرفتيه. فقد كان من المفروض أن تمنح للقضاء سلطة مستقلة عن سلطات وصلاحيات الملك غير أن لجنة عبد اللطيف المنوني، رأت عكس ذلك، عندما خوَّلت الملك، حسب الفصلين 56 و115، رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية(47)، وجعلت تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية مشروطًا بموافقة الملك بظهير وفقًا لمقتضيات الفصل 57(48).

خاتمة

قد نتفق في بعض النقاط مع الرأي القائل إن الإصلاحات الدستورية على مستوى المضمون عكست الخلل الذي عرفته منهجية التشكيل المصاحب للسلطة الفرعية التي لها الحق في تعديل الوثيقة الدستورية، من خلال فرض المؤسسة الملكية لمنطقها القاضي بتعيين لجنة استشارية وتكليفها بالقيام بالإصلاحات، بدل الانتصار لمنطق الحركة الاحتجاجية 20 فبراير/شباط المطالبة بانتخاب سلطة تأسيسية. كما أن تراجع حركة 20 فبراير/شباط وضعفها بعد خطاب الملك محمد السادس في 9 مارس/آذار وما أفرزه من مخرجات للتفاعل مع المطالب المرفوعة وفي تدبير زمن احتجاجات وثورات الربيع العربي مغربيًّا، ما كان ليدفع بالنظام السياسي للقيام بإصلاحات جوهرية وعميقة، خاصة بعد انكشاف العجز والمحدودية في طروحات الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية، من خلال ما جاء في مذكراتها المرفوعة للجنة صياغة الدستور، وهي التي من المفروض أن تكون داعمة ومساندة لمطالب الشارع.

كما أننا قد نتفهم تلك المنظورات التقليدية التي تحاول أن تقرأ الدستور الجديد وفق الأحكام السلطانية لسلاطين وخلفاء المسلمين بدل منظور الدستورانية الغربية(49)، حيث وحدة السلطة هي من طبيعة الأنظمة السياسية القائمة على مرتكز الدين(50)، ووفقًا لهذا المنظور لا ينبغي أن يفهم الفصل بين السلطات إلا في مستواه الأدنى، أي في العلاقة بين البرلمان والحكومة، ولا يجب أن يمتد إلى الملك الذي يُعَدُّ فوق السلطات باعتباره أمير المؤمنين، والإمامة تقتضي أن يتكفَّل الحاكم بشؤون رعاياه ويحتفظ بجميع السلطات(51).

لكننا نختلف مع من يدعي أن دستور 2011 قد أتى بإصلاحات تسمح له بأن يكون دستورًا تعاقديًّا، يحترم توزيع الصلاحيات واستقلال السلطات، أو قلَّص من صلاحيات الملك لصالح منح صلاحيات حقيقية للحكومة والبرلمان، بما يخول إمكانية الانتقال نحو نظام الملكية البرلمانية أو أية صيغة أخرى لنظام حكم ديمقراطي، يتم فيه التعبير عن إرادة المواطنين في اختيار من يتولى تدبير الشأن العام، وتكون أصواتهم الانتخابية الفيصل في تحديد من يصل إلى السلطة وفي محاسبة من يتولاها.

هذا الأمر يبقى بعيدًا في حالة من يمسك بالسلطة بالمغرب، فمع أن دستور 2011 ألغى صفة القدسية عن الملك، لكن الأمر لا يعني فتح المجال لانتقاد الملك على غرار انتقاد باقي رؤساء الدول والحكومات الذين يتحملون المسؤولية في الحكم؛ ذلك أن الفصل 46 والذي ينص على أن “شخص الملك لا تُنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام”(52)، قد يطرح نفس الإشكال الذي كان مطروحًا حول قدسية الملك، بحيث يمكن تأويل أو اعتبار أي انتقاد للممارسة الملكية، إهانة وعدم تقدير أو عدم احترام للملك(53).

ارتباطًا بالسؤال المطروح في مقدمة الدراسة، يرى الباحث أن المدخل الدستوري في قياس درجة التحول الديمقراطي بالمغرب أظهر غياب القطيعة في فكر وموضوع السلطة؛ حيث استمرت هيمنة المؤسسة الملكية على البنيان الدستوري واحتفاظها بكل السلطات والصلاحيات الفعلية. تدفعنا نتيجة الدراسة للقول بأن مطلب الإصلاح الدستوري المؤدي لتوزيع السلطات واستقلالها سوف يتجدد كموضوع محوري ويصبح مطلبًا جوهريًّا لكل القوى المطالبة بالديمقراطية في الأفق المنظور والمتوسط، خاصة أمام انكشاف هامشية الإصلاحات الدستورية لسنة 2011 على وقع الممارسة والتطبيق.

المراجع

(1) المسعودي، أمينة، “الإصلاحات الدستورية في العالم العربي: ما تكشفه رغم محدوديتها”، مبادرة الإصلاح العربي، العدد 3، يناير/كانون الثاني 2010، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2018):

  https://www.arab-reform.net/ar/node/525

(2) Madani, Mohammed, “Constitutionnalisme sans démocratie: la fabrication et la mise en œuvre de la Constitution marocaine de 2011”, In La nouvelle constitution Marocaine à L’épreuve de La Pratique, Actes du colloque organisé par L’Equipe de recherche Droit constitutionnel et science politique Faculté de droit de Souissi-Rabat, 18 et 19 Avril 2013, p. 53-54.

(3) مالكي، امحمد، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، (المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2001)، ص 115.

(4) أتركين، محمد، الدستور والدستورانية: من دساتير فصل السلط إلى دساتير صك الحقوق، (مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2007).

(5) لمغاري، عبد العزيز، “الدستور المغربي الجديد لسنة 1996، مستجدات وآفاق”، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، (العدد 4، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الرباط، 1998).

(6) ابريجة، خالد، الفكر الدستوري لدى الملك الحسن الثاني: المفاهيم المركزية- التجليات، (أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام)، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2003- 2004، ص 125.

(7) المصدق، رقية، متاهات السلطة التأسيسية: هل تتعايش الملكية الدستورية مع دستور تقديري، (مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2016)، ص 49.

(8) ألفارو، فاسكونسيلوس، جيرالد، ستانغ، “الإصلاح الدستوري في الأوقات الانتقالية: تأمين شرعية مسار بناء المؤسسة الديمقراطية”، مبادرة الإصلاح العربي، 2014، (تاريخ الدخول: 2 سبتمبر/أيلول 2018):

  https://www.arab-reform.net/ar/node/542

(9) Omar, Bendourou, “Réflexions sur la Constitution du 29 juillet 2011 et la démocratie”, In La nouvelle constitution marocaine à l’épreuve  de la Pratique, Actes du colloque organisé par L’Equipe de Recherche Droit constitutionnel et science politique, Faculté de Droit de Souissi-Rabat, 18 et 19 Avril 2013, p. 126-127.

(10) الحجيوي، نجيب، سمو المؤسسة الملكية بالمغرب: دراسة مقارنة، (أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق)، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس الرباط، السنة الجامعية 2000- 2001.

(11) راجع الفصل 103 من دستور 1996.

(12) “حركة 20 فبراير محاولة في التوثيق”، (منشورات منظمة الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، الرباط، 20 فبراير/شباط 2015).

(13) اللجنة الاستشارية تتكون من رئيسها عبد اللطيف المنوني وثمانية عشرة عضوًا، وهم: عمر عزيمان، عبد الله ساعف، إدريس اليزمي، محمد الطوزي، أمينة بوعياش، أحمد حرزني، رجاء مكاوي، نادية البرنوصي، ألبير ساسون، عبد الرحمان ليبيك، لحسن أولحاج، إبراهيم السملالي، عبد العزيز لمغاري، محمد البردوزي، أمينة المسعودي، زينب الطالبي، محمد سعيد بناني، نجيب با محمد.

(14) مدني محمد وآخرون، دراسة نقدية للدستور المغربي للعام 2011، تنسيق إدريس المغروي، (المؤسسة الدولية للديمقراطية حول بناء الدستور، ستوكهولم، السويد، 2012)، ص 15.

(15) اللجنة كانت تباشر أعمالها من داخل ديوان القصر الملكي بالرباط، وقد وردت تصريحات لأعضاء اللجنة الاستشارية تقول بأن الوثيقة النهائية التي عُرضت على الاستفتاء يوم 1 يوليو/تموز 2011 مغايرة لتلك التي سُلِّمت إلى الملك محمد السادس. صرَّح بهذه المعلومة عضو اللجنة الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور، محمد الطوزي، أثناء لقاء نظمته منظمة الشفافية الدولية بالمغرب يوم 28 أغسطس/آب 2012.

(16) لم يغب عن عضوية هذه اللجنة من الأحزاب السياسية سوى ممثلي حزب النهج الديمقراطي والحزب الاشتراكي الموحد، إضافة إلى ممثلي جماعة العدل والإحسان، وهي التنظيمات الداعمة لحركة 20 فبراير/شباط، والتي أعلنت منذ البداية رفضها لمضامين خطاب 9 مارس/آذار، ولطريقة وضع الدستور، واصفة إياه بأنه دستور ممنوح كباقي الدساتير السابقة حتى قبل أن يصاغ. بدورهما، فإن حزب الطليعة الاشتراكي الديمقراطي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، وإن رحبا بالخطاب وأعلنا مشاركتهما في هذه اللجنة، إلا أن نائب الأمين العام حينها لحزب الطليعة، عبد الرحمن بن عمرو، والأمين العام لحزب المؤتمر، عبد السلام لعزيز، قد قاطعا اجتماعاتها لاحقًا بعد حضورهما خمسة لقاءات، متهمين إياها بتغييب النقاش التشاوري وبمحاولة فرض تصوراتها على الأحزاب والنقابات من طرف رئيسها محمد معتصم.

(17) انظر ما جاء في خطاب الملك يوم 10 مارس/آذار 2011 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، عبر الرابط:

https://bit.ly/2CJalet

(18) المصدق، متاهات السلطة التأسيسية، مرجع سابق، ص 54.

(19) المقصود هنا: أحزاب النهج الديمقراطي واليسار الاشتراكي الموحد وجماعة العدل والإحسان، التي قاطعت عملية الإصلاح الدستوري برمتها احتجاجًا على عدم انتخاب مجلس تأسيسي في كتابة الدستور الجديد.

(20) المقترحات الاستثنائية لحزب الطليعة جاءت منسجمة وتصوراته للملكية البرلمانية عبر حفظ السلطة الدينية والرمزية للمؤسسة الملكية، ونقل جميع اختصاصات السلطة التنفيذية للحكومة المنبثقة من برلمان منتخب من طرف الشعب، وتقوية دور القضاء والبرلمان حتى يصيرا سلطتين حقيقيتين.

(21) الكتلة الديمقراطية: تكتل سياسي تشكَّل يوم 17 مايو/أيار سنة 1992 وضم أربعة أحزاب وطنية (الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي سابقًا) بهدف فرض مطلب الإصلاح الدستوري والسياسي على نظام الحكم في عهد الملك الحسن الثاني.

(22) ذُكِر مطلب الملكية البرلمانية في مذكرة حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية بهذه الصيغة في مقدمة مذكراتهما:

– الاتحاد الاشتراكي: “يتقدم الاتحاد الاشتراكي بمقترحاته وهو يعتبر أن الإصلاح الدستوري لبنة أساسية في إقامة ملكية برلمانية وبناء الدولة الحديثة، وفي بناء المواطنة والحكامة الديمقراطية. إن هدفنا من هذه المقترحات ليس الوصول إلى دستور مثالي، ولكن فتح صفحة جديدة في حياتنا السياسية تعيد المصداقية للمؤسسات، والاعتبار للعمل السياسي”.

ملاحظة للباحث: بدل القول: إن الإصلاح الدستوري لبنة أساسية في إقامة ملكية برلمانية وبناء الدولة الحديثة، لماذا لم يقل الحزب مثلًا: إن الإصلاح الدستوري جوهره إقامة ملكية برلمانية وبناء الدولة الحديثة.

– التقدم والاشتراكية: “نعتبر أن مسألة الملكية البرلمانية، هي إفراز تاريخي تدريجي للنظام الملكي الذي أفضى إلى نظام يسود فيه الملك ولا يحكم، دون أن يعني ذلك أن المؤسسة الملكية هي مجرد رمز يكتفي بالمتابعة من بعيد، لا يتدخل في حركية المؤسسات. وهذا يعني أننا في حزب التقدم والاشتراكية ننخرط في إصلاح دستوري شامل لصياغة مفهوم مغربي للملكية البرلمانية يؤمِّن للمؤسسة الملكية جدلية الاستمرارية التاريخية والجنوح التقدمي… المغرب دولة ديمقراطية موحدة وذات سيادة، يندرج نظامها السياسي في أفق ملكية برلمانية، وتقوم على نظام اللامركزية والجهوية المتقدمة، ومبنية على التضامن”.

ملاحظة للباحث: استعمل الحزب عبارة مفهوم مغربي للملكية البرلمانية والمغرب دولة يندرج نظامها السياسي في أفق ملكية برلمانية، لإفراغ مفهوم الملكية البرلمانية كما هو متعارف عليه في الأدبيات النظرية الدستورية من محتواه، وللإقرار بأننا ما زلنا غير مطالبين بتحقيق الملكية البرلمانية الآن بل في الأفق.

(23) انظر الخطاب الملكي ليوم 17 يونيو/حزيران 2011، والذي تم بموجبه الإعلان عن مضامين الدستور الجديد، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 12 يونيو/حزيران 2012، (تاريخ الدخول: 5 سبتمبر/أيلول 2018):

https://bit.ly/2LIuynf

(24) انظر دستور 2011، الباب الثاني، من الفصل 19 إلى الفصل 40.

(25) انظر ما جاء في تصدير دستور 2011، والذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ منه.

(26) انظر الصيغة كما جاءت في الفصل 31 من دستور 2011 “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في: العلاج والعناية الصحية، الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظَّم من لدن الدولة، والحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة، والتنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة، والتكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية، والسكن اللائق، والشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي، وولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق، والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة، والتنمية المستدامة”.

(27) انظر الفصل 21 في الباب الثاني (الحقوق والحريات) من دستور تونس الجديد 2014.

(28) انظر الصيغة التي جاءت بها الحقوق والحريات في دستور 1996 ضمن الفصل 9: “يضمن الدستور لجميع المواطنين حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع أرجاء المملكة، وحرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع، وحرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أي منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم. ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون. وفي الفصل 12: “يمكن لجميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف والمناصب العمومية وهم سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة لنيلها”. أما الفصل 13 فينص على أن “التربية والشغل حق للمواطنين على السواء”.

(29) راجع التصدير الذي جاء به دستور 2011.

(30) انظر الفصل 19 من دستور 2011.

(31) بعض الحقوق والحريات التي جاء بها الدستور كانت نتيجة لضغط الشارع وتأثير بعض التيارات والشخصيات العلمانية والحقوقية المشاركة في لجنة صياغة الدستور، وخارجيًّا، نتيجة لانتقادات بعض المنظمات الدولية. في المقابل تم التنازل على سبيل المثال عن تنصيص الدستور على حرية المعتقد نتيجة تهديد حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بمقاطعة الاستفتاء على الدستور. انظر: الترابي، عبد الله، “تعديل الدستور في المغرب تطورات في سياق الثورات”، مبادرة الإصلاح العربي، نوفمبر/تشرين الثاني 2011، (تاريخ الدخول: 10 سبتمبر/أيلول 2018):

https://www.arab-reform.net/ar/node/526

(32) الفصل 42 من دستور 2011.

(33) راجع الفصل 47 من دستور 2011.

(34) راجع الفصل 48 و49 من دستور 2011.

(35) راجع الفصل 70 من دستور 2011.

(36)  راجع الفصل 78 من دستور 2011.

(37) راجع الفصل 49 من دستور 2011.

(38) الشرقاوي، سعاد، النظم السياسية في العالم المعاصر، (كلية الحقوق، القاهرة، 2007).

(39) تقرير حول أداء البرلمان المغربي خلال الولاية التشريعية التاسعة 2012-2016، من إنجاز المرصد الوطني لحقوق الناخب بشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور، (مطبعة نابولي، المغرب، 2017)، ص 7-13.

(40) انظر الفصل 96 من دستور 2011.

(41) راجع الفصل 104 من دستور 2011.

(42) راجع الفصل الثاني من دستور 2011.

(43) نصار، ناصف، منطق السلطة: مدخل إلى فلسفة الأمر، (دار أمواج، بيروت، 1995)، ط 1، ص 88.

(44) راجع الفصل 107 من دستور 2011.

(45) بنهلال، محمد، “الحكامة بالمغرب بين الخطاب والسياسات والواقع”، بدائل الإصلاح العربي، أغسطس/آب 2014، (تاريخ الدخول: 10 سبتمبر/أيلول 2018):

PDF https://www.arab-reform.net/ar/node/487

(46) كان الفصل 19 من دستور 1996، والذي يعتبره الكثير من الباحثين دستورًا لوحده، يقول: “الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة”.

(47) راجع ما جاء في الفصل 56 و115 كاملًا من دستور 2011.

(48) راجع ما جاء في الفصل 57 من دستور 2011.

(49) Bernard, Lacroix, “Les fonctions symboliques des constitutions: bilan et perspectives”, In Le constitutionnalisme aujourd’hui, sous la direction de Jean-Louis Seurin, (Editions Economica, Paris, 1984).

(50) العلام، عز الدين، السلطة والسياسة في الأدب السلطاني، (إفريقيا للشرق، الدار البيضاء، 1991)، ص 253.

(51) نصار، منطق السلطة، مرجع سابق، ص 36-37.

(52) راجع الفصل 46 من دستور 2011.

(53) Rkia, El Mossadeq, “Les dérives du pouvoir constituant”, In La nouvelle constitution Marocaine à L’épreuve de La Pratique, Actes du colloque organisé par L’Equipe de recherche Droit constitutionnel et science politique Faculté de droit de Souissi-Rabat, 18 et 19 Avril 2013, p. 29-30.