مقدمة

تمثِّل النهضة/النهوض فعلًا معرفيًّا عابرًا للزمان والمكان، وليس حركة أيديولوجية محدودة ضمن سياق سياسي عابر. هذا، يعني أن مقاربة الإشكالية النهضوية، في الثقافة العربية، لا تستهدف التأريخ للفعل النهضوي من خلال عرض تقريري لأطره المعرفية ونخبته الفاعلة، وإنما تسعى لإنجاز حفريات معرفية حول المشروع النهضوي، تهدف إلى ترهين الأسئلة المعرفية التي طرحت خلال مرحلة حاسمة من التاريخ العربي الإسلامي، حيث تمكَّن العرب من إطلاق فعلٍ نهضويٍّ عابرٍ للأقطار ومُتَجاوِزٍ للنزعات الأيديولوجية.

وتعتمد الدراسةُ الحفرياتِ المعرفيةَ، منطلقًا منهجيًّا، لتؤكد أن البحث في المشروع النهضوي لا يستهدف البعد الدياكروني الذي يهتم بدراسة تطور النسق الفكري أو غيره، ولكنه، أكثر من ذلك، يستهدف البعد السانكروني (التزامني) الذي يركز على النسق وعناصر الثبات في دراسته للبنيات الفكرية وغيرها. وهذا، يجعل البحث أقرب إلى تاريخ الأفكار (دراسة الاتصال والانفصال في الأنساق الفكرية) منه إلى التاريخ.

ما يهمُّ الباحث، إذن، في هذا الفعل النهضوي هو جوهره المعرفي، الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان. لذلك، فإن انشغالنا البحثي بالمشروع الإصلاحي النهضوي، في العالم العربي، يدخل ضمن سياق “التحليل الملموس للواقع الملموس”. وبتعبير آخر، يجد الباحث نفسه بصدد متن فكري ناجز يستحق الدراسة والتحليل، وبالإضافة إلى ذلك فهو متن فكري حي يتفاعل مع إشكالياتنا الراهنة، أكثر من كونه تراثًا استنفد مهمته الحضارية. لذلك، يستحق المُنجَز الفكري النهضوي أن يكون منطلقًا لمقاربة مجموعة من الإشكاليات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي نعانيها في واقعنا/راهننا العربي الإسلامي، خصوصًا وأنه تأسَّس، خلال مرحلة القرن التاسع عشر مُفارِقًا وسابقًا لعصره على مستوى وعيه المعرفي المتقدم بطبيعة الإشكاليات الحضارية التي يعانيها العرب المسلمون في حاضرهم.

وتكمن قوة المشروع الفكري النهضوي، في نزوعه المعرفي المتجرد من التصنيف الأيديولوجي، مما مكَّنه من صياغة مقاربة موضوعية للواقع العربي. وفي هذا الصدد، يُقدِّم محمد عابد الجابري قراءة إبستمولوجية خاصة للدعوة الإصلاحية التي قامت على أساس “التجديد ورفض التقليد”؛ حيث يعتبر أن الدعوة إلى ترك التقليد تكتسي هنا معنى خاصًّا، إنه إلغاء كل التراث المعرفي والمنهجي والمفهومي المنحدر إلينا من “عصر الانحطاط”، والحذر في نفس الوقت من السقوط فريسة للفكر الغربي. أما “التجديد” فيعني بناء فهم جديد للدين، عقيدةً وشريعةً، انطلاقًا من الأصول مباشرة، والعمل على تحيينه، أي جعله معاصرًا لنا وأساسًا لنهضتنا وانطلاقتنا (1).

وانطلاقًا من هذا التوجيه المعرفي، الذي صاغه المفكر محمد عابد الجابري، يمكن استخلاص مجموعة من المُوَجِّهات المعرفية التي يقترحها المشروع الإصلاحي النهضوي، والتي تعتبر بمنزلة البوصلة التي بدونها لا يمكن النجاح في تحديد الاتجاهات الصحيحة:

– إلغاء كل التراث المعرفي والمنهجي والمفهومي المنحدر إلينا من “عصر الانحطاط”.

– الحذر من السقوط فريسة للفكر الغربي.

– بناء فهم جديد للدين، عقيدةً وشريعةً، انطلاقًا من الأصول مباشرة.

– تحيين الفهم الديني عبر جعله معاصرًا لنا وأساسًا لنهضتنا وانطلاقتنا.

لقد كانت قوة الارتكاز في المشروع الإصلاحي النهضوي، منذ مرحلة التأسيس، في نزوعه المعرفي الذي جنبَّه السقوط في أحابيل الصراع الأيديولوجي. وبقدر ما كان هذا النزوع ينحو به في اتجاه النخبوية، فإنه وفَّر له حصانة ذاتية مكَّنته من تحقيق الاستمرارية كمشروع فكري وسياسي واجتماعي ينبض بالحياة. وهذا يفتح أمامنا إمكانية استعادة روح هذا المشروع، من أجل قيادة مرحلة نهضوية جديدة في العالم العربي.

  1. من الانحطاط إلى النهضة: تحديات واستجابة فكرية

دخل العالم العربي الإسلامي في مسار الانحطاط ابتداء من القرن الرابع عشر الميلادي، وساد الركود المادي والرمزي. وقد عبَّر العلامة ابن خلدون (1406-1332م) عن ذلك بقوله: “فكأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول والأنقاض فبادر بالإجابة، والله وارث الأرض ومن عليها، وإذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبدل الخلق من أصله، وتحول العالم بأسره، وكأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة، وعالم محدث”(2). وقد أطلق المؤرخون تسمية “عصر الانحطاط” على هذه المرحلة، وقد تجاوز البنيات الفكرية لِيَعُمَّ السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، وتبدو هذه الصورة موحدة بين الشرق الإسلامي وغربه، حيث ساد الفكر الخرافي وتم التراجع عن المكتسبات التي راكمها الفكر العربي في عصوره الأولى.

لكن مرحلة القرن التاسع عشر كانت مرحلة يقظة شاملة، استطاعت أن تبلور جوابًا حقيقيًّا عن التحدي الذي فرضه الاستعمار الغربي، وذلك عبر العودة إلى الذات لمحاولة إصلاح أأأعطابها السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أسهمت في تكريس وضعية التأخر التاريخي للأمة. ولا يمكن أن نتحدث عن هذه المرحلة من دون استحضار التيار الفكري الإصلاحي الذي يعتبر المحرك الأساسي لعجلة التحول، وذلك في علاقة بالمجهودات الفكرية والسياسية الجبارة التي بذلها رموزه، سواء ذات النزعة الليبرالية أو النزعة السلفية. فقد تميز الإصلاحيون، بمختلف مشاربهم الفكرية وقناعاتهم السياسية، بميزة الروح القومية والوطنية التي استطاعت أن تشحن النزعة السلفية بشحنة من الانفتاح، كما استطاعت أن تشحن النزعة الليبرالية بشحنة من المحافظة.

وقد حدث هذا خلال مرحلة تاريخية بدأت تنسج بدائل حضارية جديدة كانت ريحها تهب من الضفة الشمالية معلنة عن بروز رؤى فكرية جديدة للعالم وللإنسان، هذه الرؤى التي طرحت على الفكر العربي الغارق في سباته العميق إشكالات جوهرية دفعته إلى مراجعة مسيرته الحضارية. ومن الواضح تاريخيًّا أن الفكر العربي عاش هذه الإشكاليات وتفاعل معها تفاعلًا كبيرًا؛ الأمر الذي دفعه إلى طرح مجموعة من الأسئلة المحرجة التي تمركزت حول سؤال كبير: لماذا تقدم الغرب الأوروبي وتخلف الشرق/العالم العربي الإسلامي؟

وقد انبثقت عن هذا السؤال المركزي مجموعة من الأسئلة الجزئية التي حاولت جميعها النفاذ إلى جوهر الإشكال الذي يعاني منه الفكر العربي. كما صاغ هذا السؤال المركزي، وما انبثق عنه من أسئلة جزئية، مرحلةً بكاملها انشغل خلالها الفكر العربي في محاولة الخروج من تخلفه. وقد أطلق المؤرخون على هذه المرحلة اسم عصر النهضة التي تحيل على وجود انبعاث في الفكر العربي، خصوصًا على مستوى البنيات الفكرية، بالإضافة إلى انبعاث مماثل مسَّ النظرية السياسية التي حاولت تفسير التخلف والركود الذي عانى منه الفكر العربي بالعودة إلى الممارسات السياسية الاستبدادية. وهنا، لا يفصل الباحث بين المشرق العربي ومغربه؛ فقد عرفت مرحلة القرن التاسع عشر انبعاثًا شاملًا عَمَّ المشرق والمغرب، على حد سواء، وكان نتيجة للمد الحضاري الذي بدأ يفرضه الغرب على العالم العربي، ابتداء باكتساح نابليون بونابرت للمشرق العربي ومحاولته قلب التوازنات السائدة في المنطقة واستبدال توازنات جديدة بها تخدم الفاعلين الجدد في العالم، وانتهاء بهزيمة الجيش المغربي في مواجهة الجيشين الفرنسي والإسباني في معركتي إيسلي (4 أغسطس/آب 1844) وتطوان (24 أكتوبر/تشرين الأول 1859)، وهي هزيمة تجاوزت نتائجها المستوى العسكري لتشمل مستويات أخرى، ومهدت بذلك لعهد جديد في علاقة العالم العربي بالغرب.

هكذا، يبدو أن النهضة العربية، في المشرق العربي ومغربه، قد توحدت ظروف انبثاقها لتقدِّم نفسها كرد فعل على التحدي الحضاري الذي بدأ يفرضه الغرب على العالم العربي. ولذلك، توحدت الأسئلة الموجهة لهذه النهضة بين المشرق والمغرب، كما توحدت الرؤى الموجهة لها. لكن، هذه الوحدة لا تعبِّر فقط عن وحدة الظرفية والعوامل المساهمة في انبثاقها، بقدر ما تعبِّر عن وحدة وتماسك في الرؤية الفكرية بين مشرق العالم العربي ومغربه، وحدة وتماسك يعبِّران عن مصير مشترك بين شطري العالم العربي الواحد.

  1. النخبة النهضوية وإشكالية التحديث: بين النخبة السلفية والنخبة الليبرالية

1.2. في مفهوم النخبة

يحيل مفهوم النخبة (élite) في المعجم الفرنسي على الصفوة والأفضل في كل شيء، نخبة المجتمع صفوته، ومن هنا جاء مصطلح النخبوية (Élitisme) للإحالة على مذهب يحبذ النخبة على حساب الجماهير، ومنه جاء وصف نخبوي (elitist) كدلالة على مؤيد مذهب النخبوية. وقد تم استخدام المفهوم بهذا المعنى منذ القرن 17 للإشارة إلى الجماعات الاجتماعية المتميزة كالوحدات العسكرية، ذات الشأن الرفيع أو النبلاء، والنخب كذلك هم أولئك الأشخاص المتميزون، إما في أدائهم أو أفكارهم، أو في مستواهم الاجتماعي عن باقي فئات المجتمع.

وفي المعجم العربي، لا نجد اختلافًا بين الدلالتين؛ ففي معجم “العين” للخليل بن أحمد الفراهيدي (718-789م) فإن النُّخْبَة خِيارُ الناس، يقال: انتخبت أفضلهم (نخبة) وانتخبت نخبتهم (3). كما أشار ابن منظور في “لسان العرب” إلى نفس المعنى “النخبة، نخب، انتخب الشيء اختاره ونخبة القوم ونخبتهم خيارهم”(4). لكن مفهوم النخبة لم يَرُج في علم الاجتماع والسياسة إلا نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على يد مجموعة من علماء الاجتماع والسياسة، نذكر منهم (فيلفريدو باريتو (Vilfredo Pareto)؛ وجيتانو موسكا (Gaetano Mosca)؛ وماكس فيبر (Max Weber) …). وقد انطلق هؤلاء من أطروحة مفادها أن علم الاجتماع هو علم الفعل الاجتماعي أولًا، ولذلك انصبَّ اهتمامهم حول طبيعة الفاعلين الاجتماعيين ومواقعهم ودوافعهم وأدوارهم داخل المجتمع (5).

وإذا كانت المدرسة الماركسية تنطلق من فكرة الصراع الطبقي لتحديد الفاعلين الاجتماعيين، فإن عالم الاجتماع الإيطالي، فيلفريدو باريتو، عمل على بناء نظرية جديدة تتميز بطابع إجرائي أكثر وضوحًا؛ تنطلق من فكرة أن الفاعلين الاجتماعيين ينحصرون في مجموعة قليلة من الفئات التي يحوز أفرادها القسط الأوفر داخل مجتمعاتهم، مما يجعلهم محترمين ومطاعين. وهكذا، يعتبر باريتو أن تاريخ المجتمعات البشرية، في معظمه، تاريخ تتالي الأرستقراطيات.

لكن ما الذي يجعل هذه الفئة الاجتماعية (النخبة) تهيمن على الأغلبية في المجتمع وتوجهها؟

ينطلق باريتو من فرضية أساسية مفادها أن الحياة الاجتماعية تقوم على أساس التفاعل بين أفراد غير متكافئين، طبيعيًّا، من حيث قدراتهم ومؤهلاتهم الفردية، وما يؤسس سيطرة النخبة وسيادتها هو كونها أقلية منظمة. وإذا كانت النخبة هي الأقلية السائدة، فإنها تخضع للتبديل والتغيير، عبر الزمن، فتحت ضغط الجماهير يلتحق بالنخبة الحاكمة أفراد جدد من المجتمع، وحينما تحول عوائق دون هذا الالتحاق، يتم تعويض النخبة الحاكمة بنخبة مضادة بطرق جذرية على نحو ما حدث في الثورة الفرنسية، وفي الثورات الاجتماعية عمومًا (6).

2.2. النخبة النهضوية خلال مرحلة القرن التاسع عشر

قد يُطرح السؤال: لماذا هذا المدخل النظري حول مفهوم النخبة؟ وما دوره الوظيفي؟

أ- أول الاعتبارات التي دفعت الباحث إلى اعتماد هذا المدخل النظري هو كون المشروع النهضوي العربي مشروعًا نخبويًّا؛ أسَّسته وقادته نخبة فكرية استشعرت، خلال وقت مبكر، خطورة وضعية الانحطاط التي تم تكريسها كأمر واقع، بينما تُعَدُّ هذه الوضعية طارئة على التاريخ العربي الإسلامي الذي عاش أزهى عصوره، خلال أقوى مراحل الانحطاط التي عاشها العالم شرقًا وغربًا. لذلك، كانت قناعة النخبة الفكرية النهضوية راسخة من أجل تجاوز وضعية الانحطاط الطارئة في اتجاه ترسيخ وضعية التقدم والتطور والازدهار التي تعتبر سمة مميزة للتاريخ العربي الإسلامي.

ب- أما ثاني الاعتبارات التي دفعت الباحث إلى اعتماد هذا المدخل النظري هو كون الفشل الذي ميَّز مسيرة المشروع النهضوي العربي الإسلامي يرتبط جوهريًّا بعرقلة تحوله إلى مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي قائد لِتَحَوُّل الأمة من مرحلة الانحطاط إلى مرحلة النهوض. ويرجع فشل هذا التحول إلى تعطيل تحول المشروع الفكري النخبوي، عبر القناة التربوية، إلى العمق الاجتماعي بهدف إحداث الطفرة المنشودة.

هكذا، يبدو أن الطابع النخبوي الذي ميَّز المشروع النهضوي يعتبر مَكْمَن قوة وفي الآن ذاته مكمن ضعف. فهو مكمن قوة إذا نظرنا إلى الكفاءة النظرية التي ميَّزت المشروع باعتباره ثمرة مجهود فكري أسَّسه علماء قادة تجاوزوا مرحلة التفكير النظري الخالص إلى مرحلة التفكير العملي المهووس بقضية التغيير. وهو مكمن ضعف إذا نظرنا إلى عُسْر التحول الذي عاناه المشروع النهضوي نتيجة عدم مواءمته لإمكانيات الواقع الاجتماعي والسياسي الذي كان، خلال مرحلة الانحطاط، دون مستوى المشروع النهضوي بطابعه النخبوي.

وإذا انطلقنا من أطروحة باريتو يمكن اعتبار أن النخبة النهضوية التي قادت المشروع الإصلاحي العربي حضرت باعتبارها أقلية منظمة استطاعت أن تحدد اتجاه البوصلة الإصلاحية في اتجاهين رئيسيين:

– الاتجاه الأول: سلفي النزعة ربط حل الإشكاليات الراهنة بالعودة إلى الأصول بهدف تجاوز إعاقات الحاضر.

– الاتجاه الثاني: ليبرالي النزعة ربط حلَّ إشكاليات الحاضر بالانفتاح على التجارب الحديثة في الفكر والتصور والممارسة، لكن كلا الاتجاهين ركزا على البعد التنظيري، وهمَّشا القناة التربوية التي بإمكانها أن تنقل المشروع الفكري إلى مستوى الممارسة العملية.

وباعتماد أطروحة باريتو نفسها، يمكن اعتبار أن الانفصال الذي تحقَّق بين المرجعية الفكرية وبين الممارسة العملية في المشروع الإصلاحي النهضوي، أسهم، بشكل كبير، في انتقال مركز الثقل الفكري في اتجاه نخبوي جديد، حيث برزت، بعد المرحلة النهضوية، تيارات أيديولوجية جديدة انفصلت عن بعضها، وتباعدت رؤاها لتتشكَّل كهويات جديدة يجمع بينها التناقض والصراع، بعدما كانت مُتَسَاكِنَة في مشتل فكري جامع، هو المشروع الإصلاحي النهضوي بنزوعه “السلفي المنفتح” و”الليبرالي المحافظ”. هكذا، تضخمت النزعة السلفية فتجرَّدت من روحها المقاصدية، وانحرفت نحو الاتجاه السلفي النصي لتتجسد في شكل تنظيمات متطرفة تمارس التأويل الديني على هواها، وفي نفس الآن تضخمت النزعة الليبرالية فتجرَّدت من روحها الفلسفية الأنوارية، وانحرفت نحو الاتجاه العلمانوي المتطرف.

  1. النهضة العربية وأسئلة التأسيس

تأسَّست النهضة العربية كجواب على التحدي الحضاري الذي بدأ يواجهه العالم العربي، وفي نفس الآن انبثقت كجواب على مجموعة من الأسئلة التي طرحتها المرحلة، وترتبط في جوهرها بمجموع الخيارات المتاحة أمام النخبة المثقفة لصياغة النموذج الحضاري المنشود، والذي بإمكانه أن يجيب على التحدي الحضاري المطروح. وبما أن المرحلة قد عاشت، بشكل غير مسبوق، انفتاحًا فكريًّا على تجارب حضارية جديدة، فإنه لا محالة من تسرب هذه التأثيرات وتغلغلها لتصبح موجهة للأسئلة المطروحة، والخيارات الفكرية المتاحة أمام النخبة المثقفة.

وقد عبَّرت هذه التأثيرات عن نفسها، بشكل جلي، من خلال الرؤى الإصلاحية التي تبنَّتها هذه النخبة، سواء السياسية منها، عبر المطالبة بصياغة دساتير تنظِّم العلاقات بين الحاكمين والمحكومين (7)، أو الاجتماعية من خلال المطالبة بتعليم المرأة باعتبارها مدرسة الأجيال(8)، أو الاقتصادية من خلال مطالبة الدولة بتنظيم القطاعات الاقتصادية وإخضاعها للمعايير الحديثة(9).

وقد تبنَّى الدعوة إلى هذه الإصلاحات تيار فكري استلهم المبادئ الليبرالية الحديثة، وحاول من خلالها القيام بمجموعة من الإصلاحات الجوهرية لبث روح جديدة في الوضعية السائدة. لكن، هذه الدعوات الليبرالية لم تكن الوحيدة التي تبحث في الداء، بل كان للنخبة الفكرية السلفية صوتها القوي في طرح الأسئلة الفكرية على المرحلة. وهكذا، فعند محاولة عرض أسئلة التأسيس التي قادت المشروع النهضوي العربي، إبان مرحلة القرن التاسع عشر، نجدها تأسست على سؤالين رئيسيين يرتبط كل منهما بمرجعية خاصة.

فقد ارتبط السؤال الأول بمرجعية تحاول استلهام مقومات الفكر الحديث، مع محاولة ربطه بمشاغل الراهن، وبذلك نلمس بين طياته بعض ملامح الفكر الليبرالي الحديث دون التمكن التام من مقومات هذا الفكر. بينما ارتبط السؤال الثاني بمرجعية مغايرة كانت تسعى إلى محاولة استثمار المقومات الحضارية للتراث العربي الإسلامي قصد تدشين النهضة المنشودة إلا أن ما يتبدى للباحث هو أن التيارين معًا وحدت بينهما مشاغل المرحلة، الأمر الذي جعل كل تيار يستفيد من الآخر ويتأثر به. ولعل هذا هو ما نلمسه عند مساءلة الأساس الإبستمولوجي الذي يوحِّد بينهما من حيث ارتباطهما المتين بالتراث العربي الإسلامي، وكذلك من حيث محاولتهما الاستفادة من مقومات الحضارة المعاصرة من منظور براغماتي.

1.3. المرجعية السلفية في التأسيس للنهضة العربية

عاش الفكر العربي إبان القرون الأولى للحضارة العربية الإسلامية أزهى عصوره على الإطلاق، فقد نجحت التجربة واخترقت كل ربوع العالم عبر استراتيجية الفتوحات التي استطاع عبرها العرب تخطي حدودهم الجغرافية واختراق جميع جهات العالم من آسيا إلى إفريقيا إلى أوروبا… وقد ظل صدى هذا النجاح يتردد، لقرون طويلة، لدى النخبة المثقفة باعتباره النموذج الأمثل الذي لا يمكن للعرب أن يواصلوا طريقهم بعيدًا عنه.

لذلك، فإن نشوة هذا النجاح ظلت تراود رواد عصر النهضة، وهم يبحثون في سبل الخروج من الركود الحضاري الذي عاناه الفكر العربي خلال هذه المرحلة مرددين أنه لا صلاح لحال هذه الأمة إلا بما صَلُح به حال سلفها. “وما دام تخلف المسلمين يرجع إلى تضارب الأهواء والفوضى والخروج عن النظام، فإن العودة إلى ما صلح به السلف هو المسلك القويم لاستعادة النظام”(10).

وقد تبنَّى التيار السلفي هذه الرؤية، وحاول من خلالها التأسيس لتجربة جديدة قوامها تنقية الفكر العربي من الشوائب التي علقت به، وذلك عبر الرجوع إلى العصر الذهبي لهذا الفكر باستلهام مقوماته الحضارية. لكن هذه العودة لا تحمل في طياتها طابعًا نكوصيًّا، كما قد نتوهَّم، وإنما عودة مُبْدِعَة لا تفارق الواقع بل تنطلق منه بحثًا عن حلول لركوده. ولعل هذا ما يؤكده سعيد بنسعيد العلوي عندما اعتبر أن “الفكر السلفي حاول أن يقدم الأجوبة، وسعى إلى إعادة فتح باب الاجتهاد بعد إذ استمر غلقه قرونًا عديدة. سعى الفكر السلفي إلى قراءة الواقع الذي عبَّر عنه في المراحل الأولى من النشأة الحديثة بالانحطاط والتأخر”(11).

هكذا، تمكن الفكر السلفي من ضخ دماء جديدة في شرايين الفكر العربي، وهو يبحث في إمكانيات النهوض من نكساته، وقد كان بذلك قوة تحريرية كبيرة أسهمت، إلى أبعد الحدود، في الحفاظ على خصوصية الذات وسط الأمواج العاتية التي هاجمتها، بشكل مفاجئ، وفي الآن ذاته فتح الباب واسعًا أمام هذا الفكر للانفتاح على الآخر قصد الاستفادة من تجاربه في النهوض، وذلك من خلال نجاح رواد الفكر السلفي في مهمة إعادة تكييف النظر إلى العلاقة بين التحديث (التبديع) من جهة، والعودة إلى الإسلام الحق (السُّنَّة الحسنة) من جهة أخرى، وذلك بتوسط هو العمل على التجديد في أمور الدين، أو ما يتعلق منها بالعادات والمعاملات على وجه الخصوص.

أ- المرجعية السلفية في التأسيس للنهضة العربية: النموذج المشرقي

خلال مرحلة القرن التاسع عشر دخل الفكر العربي في سيرورة تتحكَّم فيها قيم حضارية جديدة تنبني على محاولة الخروج من الركود السائد والدخول في حركية العصر. وقد أسهمت المرجعية الفكرية السلفية، في المشرق العربي، في إعلان البداية الأولى لهذا المسار، وذلك من خلال نجاحها في إحداث نوع من التوازن بين التحدي الحضاري الذي يواجهه الفكر العربي من طرف الفكر الغربي الذي قدَّم نفسه في شكل حرب جديدة لا سابق لها، وبين التراث العربي الإسلامي الذي تعرض، خلال هذه المرحلة، لرجَّات قوية بعدما تعرض العرب المسلمون لتحديات متتالية أبانوا خلالها عن ضعف كبير في المواجهة؛ الشيء الذي عرَّض خصوصيتهم الحضارية لخطر داهم تجسد في خضوعهم للاستعمار والتخلي عن استقلالهم.

وفي خضم هذه التحديات الكبرى المفروضة على الفكر العربي، عمل رموز الفكر النهضوي من التيار السلفي على تصحيح الكثير من المغالطات التي فرضتها المرحلة، وعلى قائمة هذه المغالطات محاولة رسم صورة للإسلام، كتصور حضاري عابر للزمان والمكان، اعتمادًا على الفكر الإسلامي وعلى واقع المسلمين، المنحسر في إطار زماني وضمن حدود جغرافية؛ الأمر الذي يجعل هذه المحاولة مغرضة إلى أبعد الحدود.

ويعتبر الشيخ محمد عبده (1905-1849) من رواد هذه المرجعية الكبار، حيث أسهم في التمييز بين الإسلام كدين يحمل قيمًا إنسانية خالدة، والتفكير الإسلامي الذي يرتبط بواقع المسلمين المتسم بالركود والتخلف. وقد نجح في محاولته التمييزية هذه، أيما نجاح، تبرهن على ذلك الصورة الجديدة التي صاغها التيار السلفي للإسلام كدين يحتوي على قيم إنسانية نبيلة، هذا الدين الذي لا وجود له في واقع المسلمين، والذي يجب عليهم الالتزام بقيمه السامية إذا أرادوا الخروج من تقهقرهم الحضاري. وفي هذا الصدد، يقول الشيخ محمد عبده: “فجُلُّ ما تراه الآن مما تُسمِّيه إسلامًا فهو ليس بإسلام، وكثير مما يُعاب الآن على المسلمين ليس من الإسلام وإنما هو شيء آخر سموه إسلامًا”(12).

إن التخلف الذي يعاني منه العرب المسلمون هو تخلف يرتبط بممارساتهم في الواقع ولا علاقة له بالإسلام، وفي إشارة مُبَطَّنَة يحيل الشيخ محمد عبده النخبة المثقفة، التي تبحث في سبل الخروج من التخلف، على العودة إلى الأصول النقية للإسلام ومحاربة الشوائب التي علقت بهذه الأصول، ويبين في هذا السياق أن “الإسلام لن يقف حجر عثرة في سبيل المدنية أبدًا، بل هو سيهذِّبها وينقِّيها من أوضارها، وستكون المدنية من أقوى أنصاره متى عرفته وعرفه أهلها”(13).

وتمثِّل العودة إلى الأصول النقية للإسلام، في نظر الشيخ محمد عبده، الحلَّ الوحيد للخروج من المأزق التاريخي الذي سقطت فيه الحضارة العربية الإسلامية، ولن تُشكِّل هذه العودة خطرًا على المدنية المعاصرة بل على العكس من ذلك ستزوِّدها بقوة إضافية هي في أمس الحاجة إليها.

وبالإضافة إلى الأثر الكبير الذي تركه الشيخ محمد عبده على المرجعية السلفية، خلال عصر النهضة، فإن هناك روادًا غيره لا يقلُّون أهمية عنه، نجد على رأسهم الشيخ جمال الدين الأفغاني (1897-1838) الذي التزم نفس رؤية محمد عبده، وآمن أشد الإيمان بالعودة إلى الأصول النقية للحضارة العربية الإسلامية لمواجهة التردي الذي يعاني منه الحاضر إلا أن الصوت القوي الذي رافق صوت الشيخ محمد عبده في هذه المعركة المصيرية هو الشيخ علي عبد الرازق (1966-1888) الذي انتقد الممارسة السياسية الاستبدادية التي اعتبرها سببًا رئيسًا لهذا التردي. وفي كتابه “الإسلام وأصول الحكم” يوجه سهام نقده إلى دعاة الخلافة، ويجادلهم بالنص الديني الواضح ليثبت لهم أن الخلافة شأن مدني لا دخل للدين فيه، وهو في ذلك يقول: “والحق أن الدين الإسلامي بريء من الخلافة التي يتعارفها المسلمون، وبريء من كل ما هيَّؤوا حولها من رغبة ورهبة ومن عز وقوة. والخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية، كلَّا ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة. وإنما تلك كلها خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة”(14).

ب- المرجعية السلفية في التأسيس للنهضة العربية: النموذج المغربي

كان للمرجعية السلفية الأثر الكبير في صياغة النهضة المغربية، من خلال تقديم الأجوبة الشافية على الأسئلة المحرجة التي فرضها التحدي الغربي على المغرب. ولعل الخصوصية التي ميَّزت الفكر السلفي في بلاد المغرب، هي ذلك التداخل ما بين السلفية كتيار فكري، والحركة الوطنية كتيار سياسي. وهذا، ما يؤكده سعيد بنسعيد العلوي حين يقول: “قد يكون من المفيد أن نمهد للحديث عن الفكر السلفي في المغرب بإشارة وجيزة إلى الصلة بين السلفية وبين الحركة الوطنية”(15).

ولعل هذا التداخل هو الذي أعطى المرجعية السلفية في المغرب قيمة مضافة، كصوت قوي يدعو إلى التحرر والنهوض، ويربط المغاربة بتراثهم العربي الإسلامي الذي يجسد كل هذه القيم النبيلة خلافًا للدعوات الاستعمارية التي حاولت تقديمه لهم في شكل عوائق تحدُّ من تقدمهم. ويعبِّر علال الفاسي (1910- 1974) عن هذا النجاح الباهر للفكر السلفي بالمغرب بقوله: “ومن الحق أن نؤكد أن امتزاج الدعوة السلفية بالدعوة الوطنية كان ذا فائدة مزدوجة، في المغرب الأقصى، على السلفية والوطنية معًا. ومن الحق أن نؤكد أن الأسلوب الذي سلكته السلفية والوطنية معًا في المغرب أدى إلى نجاح للسلفية لم تستطع أن تحظى به في بلد عبده والأفغاني”(16).

وبتوفر هذا الوعي الفكري المتقدم، استطاعت المرجعية السلفية في المغرب أن تكون أداة تحرير سياسي واجتماعي في يد النخبة المثقفة، عملت من خلالها على محاربة التردي السائد، عبر استراتيجية العودة المبدعة إلى العصر الذهبي في التاريخ الإسلامي قصد استلهام القيم السامية التي قادت العرب المسلمين إلى نجاحات كبيرة.

وهكذا، يبدو أن المرجعية السلفية في المغرب كانت دافعًا قويًّا للفكر المغربي للتحرر من جميع القيود التي عرقلت مسيرته، سواء أكانت فكرية أم سياسية … وهذا ما فتح الباب واسعًا أمام خروج النخبة المثقفة عن صمتها، والدخول في ممارسة التجديد على المستوى الديني؛ الشيء الذي مهَّد الطريق لممارسة التحديث، فيما بعد، على المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية. وإذا كانت السلفية المغربية جزءًا لا يتجزأ من تيار سلفي كبير ظهر وتنامى في جميع أقطار العالم العربي الإسلامي، فإن هذا لا يلغي خصوصية السلفية المغربية التي امتلكت أسئلتها الخاصة النابعة من لبِّ الممارسة الفكرية والسياسية في المغرب.

ولعل هذا ما يؤكده الكثير من الباحثين المغاربة الذين اهتموا بالمرحلة، وكشفوا عن أسئلتها الفكرية. ويشير سعيد بنسعيد العلوي إلى أن السلفية المغربية جزء لا يتجزأ من تيار سلفي كبير عرفه الفكر العربي والإسلامي، لكنه يستدرك معتبرًا أن السلفية المغربية تمتلك أسئلتها الخاصة النابعة من انشغالات الراهن المغربي الذي ولَّدها. ولذلك، فهي تجد تبريراتها وتفسيراتها في معطيات السياسة والاجتماع والتاريخ. ويعتمد الباحث مجموعة من المعطيات التاريخية، منها أن كتابات السلفيين المغاربة “تشي بقدرة جيدة على ممارسة الاجتهاد الفقهي في قضايا تتعلق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعاصرة في المغرب، فهي قد كتبت في تجاوب وتفاعل مع صور هذه الحياة كلها”(17).

2.3. المرجعية الليبرالية في التأسيس للنهضة العربية

كان للمرجعية السلفية كبير الأثر في التأسيس للنهضة العربية، وذلك واضح من خلال الأسئلة التأسيسية التي طرحتها على المرحلة، وهي في العمق أسئلة فكرية تعمل على توجيه بوصلة النهضة في الاتجاه الصحيح إلا أن هذا الدور الكبير الذي لعبته المرجعية السلفية لم يوصد الباب أمام مرجعية أخرى، استمدت مشروعيتها من تحديات الراهن لتطرح أسئلة جوهرية تخص إشكالية النهوض.

وقد استمدت المرجعية الليبرالية، في الفكر النهضوي العربي، مشروعيتها من الفكر الليبرالي الغربي الذي أسَّس لطفرات مهمة في التاريخ الإنساني، بدءًا بالبنيات الفكرية التي تطورت محدثة قطيعة مع التفكير السحري، ومرورًا بالنظرية السياسية التي نقلت الدولة من طابعها الاستبدادي إلى دولة تقوم على الحرية والمساواة، وانتهاء بالفكر الاقتصادي الذي عمل على استثمار الخيرات المادية للطبيعة والخيرات الرمزية للإنسان لتشييد فلسفة اقتصادية جديدة تقوم على الإشباع.

في علاقة بمنجزات النموذج الليبرالي، فقد سعت النخبة النهضوية العربية إلى التعرف، عن قرب، على هذه الإنجازات التاريخية، إما عبر الرحلات التي عاشت اللحظة وعبَّرت عنها خير تعبير، وإما عبر البعثات الطلابية التي فتحت لعهد جديد في التعامل مع الآخر والتعرف عليه، فكرًا و ممارسة، وقد تم هذا في مشرق العالم العربي مع محمد علي (1849-1769)، وفي المغرب العربي مع السلطان محمد بن عبد الله (1790-1710)، وما يوحد هذين الرمزين النهضويين، هو اقتناعهما التام بضرورة نقل صدى هذا المشروع الليبرالي الغربي إلى الفكر العربي.

وقد عبَّرت المرجعية الليبرالية في الفكر العربي عن نفسها عبر الترويج لمفهوم مركزي يستمد قوته من المستجدات الطارئة، على المستويين الفكري والسياسي، وهو مفهوم “التحديث” الذي يحمل شحنة فكرية وسياسية تجعله مرتبطًا بالراهن، فيما يتعلق بالوجود الاجتماعي وما يرتبط به من أنماط الوجود السياسي والاقتصادي والقانوني والفكري…. كما أنه يتعلق بما يحصل من الوعي عبر النظر في تلك الأنماط المختلفة من الوجود في صلتها بالأحداث المستجدة والظاهرة في مستويات السياسة والاجتماع والاقتصاد. و”كمقابل لمفهوم التحديث، حضر مفهوم “الاجتهاد” الذي يستمد روحه من المرجعية السلفية، باعتباره نظرًا في الفكر والشريعة بغية تقديم الحلول والأجوبة الشرعية على المستجدات التي تحدث في المجتمع الإسلامي”(18).

وإذا تجاوزنا مستوى التنظير إلى مستوى الممارسة، نجد النخبة المثقفة العربية قد حاولت القيام بمراجعات في كل أنماط الراهن المختلفة، سواء ما تعلق منها بالوجود الفكري أو السياسي أو الاجتماعي. وبما أن هذه النخبة قد جسدت كل مظاهر التخلف في البعد السياسي، من حيث التأثير السلبي الذي يمارسه الاستبداد على الفكر فيجعله راكدًا وغير قادر على صياغة الأجوبة النافذة على الأسئلة المطروحة، فإن الخطاب التحديثي لديها انصبَّ على النظرية السياسية، باعتبار أن التحديث السياسي سيكون له كبير الأثر على باقي المستويات الأخرى.

وقد عبَّرت المرجعية الليبرالية في التأسيس للنهضة العربية عن هذا الطموح إلى الإصلاح السياسي، من خلال مَدٍّ دستوري اجتاح البلاد العربية الإسلامية بداية القرن التاسع عشر. وعادة ما يتم إرجاع الحركة الدستورية إلى الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1798؛ إذ استدعى نابليون في هذا التاريخ جمعية عامة (الديوان العام) مؤلَّفة من الأعيان المصريين بجانب العلماء والجنرالات الفرنسيين (19). ويعتبر هذا الحدث البداية الحقيقية لنهضة سياسية عرفها المشرق العربي وأسَّست، فيما بعد، لمسار جديد من الإصلاحات التي عرفها النظام السياسي العربي.

وفي المغرب، لا نجد الأمر يختلف كثيرًا فقد سعت النخبة المخزنية(20) إلى إدخال مجموعة من الإصلاحات على نظام المخزن الذي أبان عن وضعية كارثية في مواجهة المد الاستعماري، لكن الوعي المتقدم لهذه النخبة، التي كانت -على الأرجح- على اطلاع بما يجري من تحديث في الضفة الشمالية، أوقفت هذا الطموح الاستعماري، أو على الأقل عملت على التقليل من سطوته عبر تحويل الاحتلال الشامل إلى حماية مشروطة باحترام سيادة الدولة المغربية.

أ- المرجعية الليبرالية في التأسيس للنهضة العربية: النموذج المشرقي

إلى حدود غزو نابليون لمصر، كان الفكر العربي في المشرق العربي يستمد مقومات وجوده من التراث العربي الإسلامي باعتباره المنبع الوحيد الذي تنبعث منه جميع الأسئلة. لكن، مرحلة ما بعد الغزو اختلفت كثيرًا عن السابق؛ إذ استكشف الفكر العربي رؤى جديدة في الفكر والسياسة والمجتمع، وقد كان للبعثات الطلابية التي أرسلها محمد علي إلى الغرب كبير الأثر على اختراق الفكر العربي الإسلامي من طرف هذه الرؤى الحديثة، وتغلغلها لدرجة المساهمة المباشرة في صياغة رؤيته للنهضة والإصلاح. وبهذا، فقد تمكَّنت المرجعية الليبرالية، في المشرق العربي، من تقديم مساهمة فكرية كبيرة، من خلال استعادتها لمجموعة من الأسئلة التي غابت عن الطرح السلفي، وبذلك فقد أضافت لبنات جديدة لهذا الصرح الفكري الكبير.

رفاعة الطهطاوي: التفكير في الحداثة من خلال مفهوم التمدن 

لا يمكن أن نتحدث عن المرجعية الليبرالية في التأسيس للنهضة العربية في المشرق، دون أن نذكر هرمًا فكريًّا مثل رفاعة الطهطاوي (1801 -1873) “الذي يعتبر عن حق من أوائل المثقفين العرب الذين بلوروا وأسَّسوا كتابة عربية معاصرة”(21) وقد تمركزت هذه الكتابة حول المسألة السياسية التي اعتُبرت في نظر معظم النخبة المثقفة جوهر الإصلاح المرتقب. “ولا يمكن فصل تفكير رفاعة الطهطاوي عن مناخ الفكر الإصلاحي الذي انتشر بصور وأشكال مختلفة في الولايات العثمانية في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، هذا المناخ الذي وضع التقابل بين الإسلام وأوروبا المعاصرة بين التقدم والتأخر، وفكَّر في المسألة السياسية باعتبارها قضية حاسمة في برنامج الإصلاح”(22).

إن ورود مثل هذه الثنائيات في فكر رفاعة الطهطاوي، ومعه مفكرو عصر النهضة، يشي بطموح كبير لكشف الستار عن إشكاليات الراهن العربي الذي لا يمكنه أن يستمر في منأى عن حركية العصر التي تفرض عليه تحديات كبيرة يجب أن يواجهها إذا أراد تحقيق الاستمرارية. وبذلك، نكون خلال هذه المرحلة أمام صيغ جديدة للتفكير تحاول أن تستمد مشروعيتها من المنظومة الفكرية المعاصرة، ولعل هذا ما يؤكده أنور عبد المالك، الذي يرى أن المرحلة تعيش مخاضًا سيفضي في الأخير إلى “تأسيس حساسية جديدة في الفكر العربي المعاصر”(23). ولا يمكن إلا أن نعترف بأن تفكير رفاعة الطهطاوي في المسألة السياسية يندرج ضمن هذه الحساسية الجديدة بل ويزكيها، وذلك راجع إلى أن الطهطاوي قد واجه انطلاقًا من اعتباره رمزًا من رموز النخبة المثقفة في مصر، في القرن التاسع عشر، إشكالية التأخر الإسلامي، وأنه أدرك بحكم احتكاكه المباشر بأوروبا وبفرنسا بالذات عناصر وأسباب التقدم الأوروبي”(24).

ويبدو التأثير الذي مارسه الفكر الأوروبي على تفكير رفاعة الطهطاوي جليًّا من خلال المفاهيم التي فكَّر عبرها، وهي مفاهيم تختلف عما أنتجته المرجعية السلفية. ويعود هذا الاختلاف إلى أن الطهطاوي لا يفكر في المسألة السياسية إلا بالاعتماد على المنجزات التي حققها الفكر الأوروبي، ساعيًا من وراء ذلك إلى التفكير في الدولة العربية الإسلامية باعتماد النموذج الغربي للدولة.

ولذلك، لا نجد في كتابات الطهطاوي تواردًا لمجموعة من المفاهيم التي أنتجها الفكر العربي الإسلامي، خلال هذه المرحلة، مثل مفهوم النهضة، ومفهوم الإصلاح… بقدر ما نجد تركيزًا كبيرًا على مفهوم مركزي يشكِّل بؤرة التفكير في المشروع السياسي لرفاعة الطهطاوي، وهو مفهوم “التمدن” الذي ترتبط به مفاهيم من طينته مثل مفهوم “التقدم”. لكنه حتى وهو يستعمل هذا المرادف فإنه لا يستعمله بديلًا لمفهومه المركزي “التمدن”(25).

وإذا كان رفاعة الطهطاوي قد فكَّر في النهضة العربية من منطلقات جديدة وبمفاهيم جديدة، فإنه كان على وعي تام بضرورة تشييد صرح النهضة العربية عبر استلهام منجزات الغرب الرمزية منها والمادية، على وجه الخصوص، لأن هذا الغرب يواجهنا بمنجزاته المادية. وهذا ما يؤكده الطهطاوي في حديثة عن مغزى التمدن: “تمدن الوطن عبارة عن تحصيل ما يلزم لأهل العمران من الأدوات اللازمة لتحسين أحوالهم حسًّا ومعنى.. واستجماع الكمالات المدنية والترقي في الرفاهية”(26). وكما نلاحظ، فإن تأثر الطهطاوي الكبير بالتمدن الأوروبي، هو ما دفعه إلى التركيز في مفهوم التمدن على المظاهر المادية الملموسة، من عمران وكمالات مدنية وترقٍّ في الرفاهية… وبذلك يكون رفاعة الطهطاوي قد نجح، إلى حد بعيد، في استلهام النموذج الليبرالي في التأسيس للنهضة العربية.

ب- المرجعية الليبرالية في التأسيس للنهضة العربية: النموذج المغربي

حتى حدود سنة 1844 -سنة وقوع هزيمة إيسلي- كان المغرب يستمد مقوماته الحضارية من المرجعية التراثية، باعتبارها المنبع الوحيد القادر على صياغة الأجوبة على الأسئلة المطروحة. لكن، المرحلة التالية لهذا الحدث التاريخي الضخم كانت مختلفة مع بداية فجر جديد للنهضة في المغرب، حيث عرف جانب من الفكر المغربي الإصلاحي، إبان هذه النهضة، بعض بوادر الليبرالية وبعض التأثيرات الأنوارية(27). وقد عبَّرت هذه التأثيرات الليبرالية عن نفسها من خلال الأطروحات الفكرية والاجتماعية والسياسية الجديدة التي صاغتها النخبة المغربية المثقفة.

المسألة الدستورية مدخل للتحديث السياسي 

احتلت المسألة الدستورية جوهر التحديث عند النخبة المثقفة المغربية المتأثرة بالمنظور الليبرالي، وقد تجسد ذلك في مجموعة من المبادرات، في عهد السلطان عبد العزيز (1943-1878) والسلطان عبد الحفيظ (1876-1937)؛ حيث تكونت جماعة من المثقفين التنويريين عُرِفَت بجماعة لسان المغرب، وكان لها علاقة بلجنة أخرى سمَّت نفسها لجنة الوحدة والتقدم (28). وقد كان من بين مهام هذه الجماعة صياغة مجموعة من الاقتراحات وتقديمها للسلطان.

وقد نتج عن هذه الديناميكية السياسية حدثٌ مهم تجسد في عقد بيعة السلطان عبد الحفيظ بديلًا للسلطان عبد العزيز، كأهم حدث سياسي أعطى دفعة قوية للحركة الدستورية الناشئة باعتبارها مظهرًا مهمًّا من مظاهر التأثير الذي مارسته الحداثة السياسية في المغرب بعد هزيمتي إيسلي وتطوان. وقد فرضت البيعة على السلطان مجموعة من الشروط السياسية التي يجب التقيد بها، ويتعلق الأمر بـ:

– استرجاع الأراضي والأقاليم الضائعة.

– تحرير المدن المحتلة.

– رفض كل تدخل أجنبي في شؤون البلاد.

– إلغاء ضريبة المكوس.

– تقوية المؤسسات الإسلامية بتشجيع التعليم.

– ضمان استقلالية القضاة ضد تطاولات القواد والعمال (29).

وكما يبدو، فإن الأمر يتعلق بميثاق وطني حقيقي، زيادة على أن البيعة يمكن أن تعتبر كعقد بين السلطان والشعب، وهو أمر جديد على النظرية والممارسة السياسيتين في المغرب كجزء من العالم العربي الإسلامي، وهذا يعني أن التأثير الذي مارسته الحداثة السياسية على النظرية السياسية العربية، قد بدأ يؤتي أكله بظهور نخبة مثقفة تمتلك قوة اقتراحية قادرة على زحزحة الواقع السياسي المتجمد.

تعليم المرأة مدخل للتحديث الاجتماعي

إذا كانت المرأة هي المدرسة الحقيقية التي تُكَوِّن الأجيال، فإن التفكير في أي تحديث اجتماعي يمر عبر تلقيها تعليمًا جيدًا يمكِّنها من أداء مهمتها بشكل صحيح، وقد كانت هذه القضية على رأس القضايا المصيرية التي حملتها النخبة المثقفة، ذات التوجه الليبرالي، على عاتقها. وقد كان المثقف المخزني، محمد بن الحسن الحجوي، (1956-1874) على رأس هذه النخبة، حيث انشغل بهذه القضية أيما انشغال وخصص لها حيزًا كبيرًا من كتاباته ومحاضراته، ويقول في هذا الصدد: “لذلك أرى وجوب تعليمهن وتهذيبهن تعليمًا يليق بديننا ويزين مستقبل أولادنا، ويُصَيِّرُهُن عضوًا نافعًا في هيئتنا الاجتماعية. فلا غنى لنا عن إعانتهن في تربية رجال المستقبل الذين عليهم مدار حياة البلاد، وتعليمهن في التربية ونظام البيت وقواعد الصحة والدين وحفظ القرآن أو بعضه والحساب والجغرافيا والعربية والأدب الحقيقي لا الخيالي ونحو ذلك مما يعينهن على مهمتهن ويضيء لهن الطريق”(30).

وبذلك، تتداخل النظرة السلفية بالنظرة الليبرالية تداخلًا ينم عن قدرة كبيرة يتمتع بها الحجوي كمثقف مخزني، من أجل تمرير الأفكار الإصلاحية الجديدة التي لا تجد صدى عند النخبة الدينية. وهذا ما يؤكده سعيد بنسعيد العلوي بقوله: “والحق أن صاحب (الفكر السامي) -يقصد الحجوي- قد خاض في الدعوة إلى تعليم المرأة معركة كبيرة خاضها ضد كثير من الفقهاء المحافظين وضد رجال المخزن أنفسهم”(31).

وينقل عبد الله الجراري نموذجًا من معاناة الحجوي مع خصومه ممن لا يتفقون مع رأيه، ففي سنة 1923 أقيمت دورة للمحاضرات التي كانت تنظمها حكومة الحماية بالمعهد العلمي بالرباط، وقد شارك فيها الحجوي إلى جانب مجموعة من علماء المغرب تحت رئاسة الوزير الأول محمد بن عبد السلام المقري (1860- 1957). وكان موضوع مداخلة الحجوي في هذه الدورة هو “تعليم الفتاة ومشاركتها في الحياة” لكن وقبل أن يتم الحجوي محاضرته، أقدم المقري على إيقافه مخاطبًا إياه: “إن الدين الإسلامي لا يساعد على تعليم البنت تعليمًا يجعلها تشارك الرجل وتزاحمه في الحياة” ووجَّه الكلام إلى أبي شعيب الدكالي: “فما قولك أيها الأستاذ في الموضوع: أيجوز هذا أم لا يجوز؟ فأجابه الشيخ بالمنع. وهكذا جلس الحجوي دون أن يتم محاضرته”(32).

وهكذا، لا نجد وضعية الحجوي تختلف عن وضعية مصلح آخر في المشرق العربي دافع عن تعليم المرأة، هو قاسم أمين (1908-1863) الذي عانى من المجتمع التقليدي مثلما عانى الحجوي في المغرب؛ الأمر الذي يدفع الباحث إلى استنتاج مهم يتجلى في وحدة الأهداف الإصلاحية بين المشرق العربي ومغربه، وكذلك في وحدة المعوقات التي كانت تسعى إلى عرقلة تحقق هذه الأهداف.

لقد ركزت المرجعية الليبرالية في الفكر النهضوي العربي، في المغرب، على إثارة موضوع التحديث، باعتباره يجسد طفرات كبيرة ومهمة عرفها المغرب، خلال مرحلة القرن التاسع عشر، على غرار المشرق العربي إلا أن تجربة التحديث، في المغرب، لها خصوصيتها الذاتية من حيث ارتباطها بالأسئلة التي فرضها الراهن/الواقع، وكذلك من خلال ارتباطها بشراكة فريدة تحققت بين المخزن (النظام الحاكم) والنخبة المثقفة. كما أن خصوصية التحديث في المغرب تتجلى في قربه من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، حيث مركز الحداثة الأوروبية، الشيء الذي جعل التحديث لا ينتقل فقط عبر فوهات المدافع وعبر المدارس التبشيرية المسيحية، ولكن كذلك عبر التواصل الشعبي بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

 

خاتمة: في الحاجة إلى روح المشروع الإصلاحي النهضوي

حاول الباحث، في هذه الدراسة، أن ينحو الاتجاه المعرفي، عبر القيام بحفريات معرفية في المشروع النهضوي، متنًا ونخبة، وذلك راجع إلى كون الفشل الذي أصاب كل مشاريعنا الثقافية والسياسية اللاحقة لعصر النهضة، يعود، أساسًا، إلى غلبة النزعة الأيديولوجية على النزعة المعرفية، فلا يمكن توحيد أمة مترامية الأطراف، من آسيا إلى إفريقيا، باعتماد التوجيه الأيديولوجي. لكن، تُقدِّم إلينا التجربة النهضوية درسًا بليغًا في إمكانية توحيد الأمة العربية باعتماد التوجيه المعرفي، وهذا حدث، خلال مرحلة القرن التاسع عشر، حيث تمكن الفعل النهضوي من اختراق الحدود القُطرية، وقدَّم نفسه كفعل معرفي قائد لمشروع الاستقلال التاريخي للأمة العربية.

لقد ساعدنا توظيف أطروحة باريتو حول الدور الذي تلعبه النخبة في قيادة التغيير السياسي والاجتماعي على كشف قوة المشروع النهضوي التي تكمن في النزعة المعرفية التي قادت نخبته. وفي نفس الآن، ساعدنا على كشف ضعف المشروع “الثوري” اللاحق للمرحلة النهضوية، وهو ضعف يعود إلى النزعة الأيديولوجية التي اختزلت الفعل النهضوي في حركية سياسية عابرة. ويمكن تفسير هذه الحركة المُتراوِحة بين النجاح والفشل، بطبيعة الفعل النخبوي الذي تشكَّل خلال كل مرحلة على حدة.

فقد كانت الثورة النخبوية النهضوية ذات طابع معرفي، حيث تأسَّست من داخل الفضاء الأكاديمي بجامعات القرويين والأزهر والزيتونة، ولذلك تمكنت من إنتاج نخبة علمية ناضجة تمتلك من الكفاءة العلمية ما يمكِّنها من تشخيص الداء الاجتماعي والسياسي، وهذا أهَّلها للانبثاق كفاعل نهضوي عابر للأقطار والنزعات الأيديولوجية. لكن، الثورة النخبوية اللاحقة للمرحلة النهضوية، كانت ذات طابع أيديولوجي وتأسَّست من خارج الفضاء الأكاديمي، حيث قادها فاعلون أيديولوجيون لا يمتلكون من الرصيد المعرفي ما يؤهلهم لتأسيس وقيادة مشروع مجتمعي، قادر على استثمار النظام الفكري والقيمي الإسلامي المؤسس معرفيًّا. وهذا عرقل حركيتها السياسية والاجتماعية، وحكم عليها بالتقوقع داخل سياقات قطرية أو حزبية ضيقة.

لذلك، تظل الحاجة إلى الدرس النهضوي قائمة، اليوم، وهي تتجاوز الإشكالية النهضوية كمتن فكري، إلى الإشكالية النهضوية كتصور منهجي. فإذا كانت معظم القضايا التي ناقشها النهضويون متجاوَزة، اليوم، في ظل الثورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تفرضها العولمة، فإن التصور المنهجي النهضوي، في بعده المعرفي، يفرض راهنيته علينا، خصوصًا في ظل الشتات الذي تعانيه الأمة داخليًّا، وفي ظل خرائط التقسيم التي يهيئها الاستعمار الجديد خارجيًّا.

المراجع

  • عابد الجابري، محمد، نحن والتراث، (المركز الثقافي العربي، بيروت، 1993)، ط 6، ص 12-13.
  • ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، المقدمة، تحقيق ودراسة: علي عبد الواحد وافي، (نهضة مصر، القاهرة، 2004)، ج 1، ص 24.
  • الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، (دار الكتاب العلمية، بيروت، 2003)، ط 1، ج 4، ص 279.
  • ابن منظور، لسان العرب، (دار صادر، بيروت، 2003) ج 14، ص 2016.
  • Aron, R. les étapes de la pensée sociologique, (Gallimard, 1967, paris), p. 413(
  • Ibid, pp. 564-566.
  • انظر: المدني، محمد، “حول المسألة الدستورية”، مجلة أبحاث، (العدد 6، خريف 1984).
  • كانت هذه دعوة قاسم أمين (1863- 1908) في المشرق ومحمد الحجوي (1874- 1956) في المغرب.
  • فرضت الوضعية الاقتصادية الجديدة على الفقيه المجتهد مسائل مستحدثة مثل التأمين على السلع والودائع الموضوعة في البنوك.

(10) أفاية، نور الدين، أسئلة النهضة في المغرب، (منشورات الزمن، الكتاب 15، يونيو/حزيران 2000)، ص 77.

(11) بنسعيد العلوي، سعيد، الاجتهاد والتحديث: دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب، سلسلة الفكر العربي المعاصر، (مركز دراسات العالم الإسلامي، 1993)، ط 1، ص 19.

(12) عبده، محمد، الإسلام والنصرانية، (مطبعة المنار، القاهرة، 1350ه)، ص 115.

(13) المرجع السابق، ص 135.

(14) عبد الرازق، علي، الإسلام وأصول الحكم، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1993)، ص 103.

(15) بنسعيد العلوي، الاجتهاد والتحديث، مرجع سابق، ص 125.

(16) الفاسي، علال، الحركات الاستقلالية في المغرب، (مطبعة النجاح، الدار البيضاء، 2003)، ط 6، ص 154.

(17) بنسعيد العلوي، الاجتهاد والتحديث، مرجع سابق، ص 15.

(18) المرجع السابق، ص 15.

(19) المدني، “حول المسألة الدستورية”، مرجع سابق، ص 3.

(20) النخبة المخزنية، نسبة إلى المخزن، وهو اسم لمسمى الدولة المركزية في المغرب. وُصفت النخبة بالمخزنية، لأنها كانت ملتزمة بمشروع التحديث الرسمي الذي قادته الدولة المركزية. والكثير من هذه النخبة إما أُرسِل ضمن بعثات طلابية إلى أوروبا، أو كان موظفًا رسميًّا يلتزم بمهمة تحديث المجتمع والدولة تنظيرًا وممارسة.

(21) عبد اللطيف، كمال، “التقدم والتمدن: عوائق الحداثة السياسية في خطاب الطهطاوي”، في النهضة والتراكم، سلسلة المعرفة التاريخية، (دار توبقال، المغرب، 1986)، ط 1، ص 134.

(22) المرجع السابق، ص 134.

(23) Abdel-malek, Anouar, idéologie et renaissance nationale, (Anthropos, paris, 1975), p. 306.

(24) عبد اللطيف، التقدم والتمدن، مرجع سابق، ص 135.

(25) الطهطاوي، رفاعة، الأعمال الكاملة، دراسة وتحقيق: محمد عمارة، (دار الشروق، القاهرة، 2010)، ط 1، المجلد 1، ص 469.

(26) المرجع السابق، ص 469.

(27) عابد الجابري، محمد، “تطور الأنتلجنسيا المغربية”، في الأنتلجنسيا في المغرب العربي، (دار الحداثة، بيروت، 1984)، ص 17.

(28) المنوني، محمد، مظاهر يقظة المغرب الأقصى، (مطبعة الأمنية، الرباط، 1973)، ط 1، ج 2، ص 109.

(29) المدني، “حول المسألة الدستورية”، مرجع سابق، ص 9.

(30) الحجوي، محمد، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1995)، ط 1، ج 2، ص 702.

(31) بنسعيد العلوي، الاجتهاد والتحديث، مرجع سابق، ص 84.

(32) الجراري، عبد الله، من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين (مطبعة الأمنية، الرباط، 1971)، ط 1، ج 1، ص 68.