تبحث الدراسة تحديات الفترة الانتقالية في السودان، التي أعقبت سقوط نظام عمر البشير في الحادي عشر من أبريل/نيسان 2019. وتستقصي تأثيرات التدهور الاقتصادي المتواصل، والصراعات والانقسامات السياسية، في عملية الانتقال الديمقراطي، مستشهدة بمقاربات انتقالية مختلفة أبرزها المقاربة التحديثية، ومقاربة الاقتصاد السياسي. وتفترض الدراسة أن السياسات الاقتصادية المتبعة حاليًّا، بالإضافة إلى الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية في السودان، تُعد من أبرز معوقات الانتقال الديمقراطي. وتوصلت إلى أن الانتقال بوتيرته الحالية لن يحقق مبتغاه المنشود، ومن ثم تحقيق التحول الديمقراطي.
كلمات مفتاحية: السودان، الانتقال الديمقراطي، الاختلالات الاقتصادية، التدخلات الخارجية.
This study discusses the challenges of the transitional period in Sudan that followed the fall of Omar Al-Bashir’s regime on 11 April 2019. It explores the effects of the continuous economic decline and the political conflicts and divisions on the process of democratic transition, citing various transitional approaches, most notably the modernist approach and political economy approach. The study presumes that the economic policies currently in place, alongside the domestic conflict and foreign intervention in Sudan, is one of the main obstacles to the democratic transition. Thus, it deduces that at its current pace, the transition will not achieve its desired goal let alone democratisation.
Keywords: Sudan, Democratic Transition, Economic Imbalances, Foreign Intervention.
مقدمة
جاءت الموجة الثانية لثورات الربيع العربي والانتقال الديمقراطي (السودان والجزائر 2019)، في وضع استثنائي ومعقد للغاية؛ فتجربة الموجة الأولى التي انطلقت في عام 2011، والتي شهدتها خمس دول عربية لم تُكلَّل بالنجاح الكامل، بل إن أربعًا من تلك الدول لم تحقق انتقالًا ديمقراطيًّا مكتملًا، ثلاث منها تحوَّلت إلى دول في حالة حرب أهلية فاقدة لاستقرارها وأمنها القومي (سوريا، اليمن، ليبيا)، كما أن الدولة الرابعة (مصر) لم يدم فيها الانتقال الديمقراطي طويلًا وسرعان ما أجهزت عليه المؤسسة العسكرية بانقلاب عسكري، في 3 يوليو/تموز 2013(13). أما الدولة الخامسة في الموجة الأولى (تونس)، والتي بدأت فيها مسارات عملية التحول الديمقراطي، سرعان ما أخذت تحفُّها مجموعة من المخاطر منها ما هو داخلي مثل الأزمة الاقتصادية والسياسية، وآخر خارجي يتمثَّل في تربص بعض القوى بالتحول الديمقراطي فيها، في ظل وجود رئيس يسير على النهج الشعبوي(2). فقد بدا واضحًا من خلال خطاباته وممارساته إخلاله بالعملية الديمقراطية، مثل تعطيل البرلمان والانفراد بالسلطة بكل مكوناتها بما في ذلك السلطة القضائية، وهو ما يُعد انقلابًا على النظام الدستوري القائم(3). كما أن الموجة الثانية للانتقال الديمقراطي (السودان والجزائر) تأتي في ظل أوضاع سياسية واقتصادية معقدة، وانكماش عالمي للاقتصاد بسبب جائحة كورونا وغيرها من العوامل الداخلية والخارجية، وإن كانت الجزائر شهدت أول انتخابات تشريعية منذ انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية السلمية، في فبراير/شباط 2019، إلا أن نسبة المشاركة العامة المبدئية كانت الأقل منذ 20 عامًا سابقة(4).
ويركز الباحث في هذه الدراسة على الحالة السودانية الأكثر تعقيدًا بسبب الاختلالات الاقتصادية وموقع السودان الجيوستراتيجي المرتبط بالأطماع الخارجية، وكذلك صراع النخبة السودانية فيما بينها. وتهتم مقاربات الانتقال الديمقراطي، وتحديدًا المقاربة التحديثية، بعدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها متطلبات ضرورية للتحول الديمقراطي، وبالرغم من أن هناك أدوارًا لعوامل أخرى، لكن يظل مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي هو العامل الأبرز الذي تعتمده هذه المقاربة. وقد تناولت مقالة عالم الاجتماع السياسي الأميركي، سيمور مارتن ليبسيت (Seymour Martin Lipset)، والتي نُشرت عام 1959، بعض المتطلبات الاجتماعية للديمقراطية -النمو الاقتصادي والشرعية السياسية- ومثَّلت نقطة البداية التي انطلقت منها الأدبيات التي شكَّلت الهيكل النظري للمقاربة. إن أطروحة ليبسيت عن التحديث الذي يولِّد الديمقراطية تجد دعمها العلمي في دراسته المقارنة التي شملت بلدانًا أوروبية إلى جانب البلدان الناطقة بالإنجليزية في شمال القارة الأميركية وأستراليا وبعض دول أميركا اللاتينية. بعد مقارنة هذه البلدان من ناحية مستواها الصناعي والعمراني وثورتها ونظامها التعليمي، خَلُص إلى أن أكثر البلدان ديمقراطية هي تلك التي سجلت معدلات أعلى في العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي جرى قياسها(5). ويعتقد ليبسيت أنه كلما كانت الأمة أكثر رفاهية، زادت فرص دعم الديمقراطية والعكس(6).
أما المقاربة الاقتصادية القائمة على الاقتصاد السياسي، والتي يستند يان تيوريل (Jan Teorell) في تصنيفها إلى كارل بوش (Carles Boix)، وستيفان هاغرد (Stephan Haggard) وروبرت كوفمان (Robert Kaufman)، الذين يتتبَّعون تأثير الأزمات الاقتصادية على شروط الانتقال وطبيعة التحالفات السياسية الجديدة، وأثر ذلك في تحديد خيارات الفاعلين السياسيين(7)، بمعنى محاولة فهم ما الذي يجعل الفاعل السياسي يُقْدِم على خيار بعينه، فإنها (المقاربة) تنطلق من المصلحة الاقتصادية، ولاسيما مسألة الدخل، ويتحول الموضوع إلى إشكالية سياسات اقتصادية، لأنها تحدد دعم الفقراء أو الأغنياء لنظام بعينه، ديمقراطيًّا أكان ذلك النظام أم ديكتاتوريًّا، إذا اتَّبع سياسات اقتصادية لمصلحتهم(8).
وتنطلق الدراسة من فرضية تشير إلى أن عملية الانتقال الديمقراطي بشكلها الحالي في السودان لن تُفضي إلى تحول ديمقراطي حقيقي في ظل التدهور الاقتصادي المتواصل، والصراعات والانقسامات السياسية والتصدعات الداخلية المقرونة بالإملاءات والتدخلات الإقليمية والدولية، خاصة من قِبَل الإمارات والسعودية ومصر والدول الأوروبية المانحة، وأميركا، وأيضًا الأمم المتحدة. لذلك جاءت إشكالية الدراسة متضمِّنة لمحورين مترابطين ووثيقين، هما: محور إدارة المرحلة الانتقالية وتحدياتها الاقتصادية والسياسية، ومحور العامل الخارجي. كما تجيب الدراسة على سؤال مركزي: ما مدى قدرة حكومة الفترة الانتقالية على الوفاء بالمتطلبات الأساسية لعملية الانتقال الديمقراطي وتحقيق طموحات الثورة؟
وينبثق عن هذا السؤال الإشكالي سؤالان فرعيان، هما: ما فعالية وجدوى برامج ومشروعات الإصلاح -السياسات النيوليبرالية- ومساهمتها في إحداث الاستقرار الاقتصادي ومن ثم تحقيق الرفاه والتنمية المتوازنة؟ ما آثار الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية وانعكاساتها على مسارات الفترة الانتقالية ومستقبلها؟
وتعتمد الدراسة في مقاربة هذه الإشكالية وأبعادها على منهج البحث التَّتَبُّعي، وهو منهج يعنى بالدراسات النمائية ومقدار التطور والنمو، وكذلك التَّتبُّع العملي للظواهر موضوع الدراسة في حقب زمنية مختلفة، إضافة إلى المنهج التاريخي والمنهج الوصفي التحليلي المقارن. وتهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على الجانب الاقتصادي وتداعياته على الفترة الانتقالية، وكذلك الاتفاق السياسي -المصالحة الوطنية الشاملة- في استكمال الأركان والشروط الأساسية لعملية الانتقال الديمقراطي وصولًا إلى تحقيق عملية التحول الديمقراطي الكاملة. وتكمن أيضًا أهمية البحث في الفترة الانتقالية نفسها التي يمر بها السودان الآن، في ظل التحديات والمخاطر التي تواجهها مع تحليل وتفكيك تلك الظواهر وعواملها، مع الإشارة إلى المخططات التي تكتنف السودان والتربص الداخلي والخارجي به، مع التأكيد على أن تلك التشوهات الاقتصادية وصراع المكونات السياسية فيما بينها دائمًا ما تُستخدم وتصبح ذريعة لوأد الديمقراطيات وشرعنة الانقلابات العسكرية وإن جاءت تحت لافتة الانحياز إلى مطالب الشعب -وجود احتجاجات جماهيرية وسخطها من الأوضاع القائمة- والمحافظة على الاستقرار وحفظ الأمن القومي؛ حيث إن قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2021، التي قام بها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام لقوات الشعب المسلحة السودانية، من حلٍّ لمجلسي السيادة والوزراء، قد علَّلها بتلك الأسباب آنفة الذكر مع تأكيده على أن تلك الإجراءات أتت لإنقاذ البلاد وفترتها الانتقالية من الصراعات السياسية والحزبية، والانزلاق نحو الفوضى والمصير المجهول(9).
- تجارب الانتقال الديمقراطي في السودان: لمحة تاريخية
قبل الحديث عن تجارب الانتقال الديمقراطي السابقة في السودان، وكذلك الحالية التي لا تزال في طور تحقيق الأركان والشروط البنيوية والأساسية لعملية الانتقال؛ حيث يشهد السودان تعقيدات جسيمة وأزمات اقتصادية وسياسية طفت على السطح بقوة، مما دعا رئيس الحكومة إلى تقديم مبادرة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي بهدف الوصول السلس والآمن لعملية التحول الديمقراطي، والتي أكد فيها أن البلاد أمام مفترق طرق -وهو أن يكون أو لا يكون(10)- أي استقرار السودان. وهنا وجب أولًا تعريف الانتقال الديمقراطي، الذي يشير في أوسع معانيه إلى “العمليات والتفاعلات المرتبطة بالانتقال أو التحول من صيغة نظام حكم غير ديمقراطي إلى صيغة نظام حكم ديمقراطي. ومن المعروف أن هناك عدة أشكال أو أنماط لنظم الحكم غير الديمقراطية، فهي يمكن أن تكون شمولية أو تسلطية مغلقة، مدنية أو عسكرية، حكم فرد أو حكم قلَّة…إلخ”(11).
ويحدد فيليب شميتر (Philippe C. Schmitter)، وأودونيل جويليرمو (O’Donnell Guillermo)، وهما من رواد نظريات الانتقال الديمقراطي، هذا المفهوم بانتقال النظام أي الفترة الفاصلة بين نظام سياسي وآخر، وقد يعني هذا الفاصل الزمني بين نظام حكم استبدادي أو نظام حكم سلطوي ونظام ديمقراطي. كما يعتبران نقل السلطة عنصرًا أساسيًّا في تحديد عملية الانتقال الديمقراطي، بالإضافة إلى السلطة السياسية المستمدة من القرار الحر للناخبين(12). وفي هذا المنحى ذهب آدم برزيورسكي (Adam Przeworski)، فقد عرَّف الانتقال الديمقراطي بالمرحلة الوسيطة التي تبدأ بحلِّ النظام القديم وتنتهي بتأسيس نظام آخر جديد. وأشار إلى أن الانتقال الديمقراطي يتكوَّن من مرحلتين متزامنتين، ولكن في شكل عمليات مستقلة إلى حدٍّ ما (عملية حل النظام الاستبدادي وعملية ظهور المؤسسات الديمقراطية الجديدة)(13).
وتظل صيغ وحالات الانتقال الديمقراطي متعددة، منها انتقال إلى الديمقراطية بطرق متميزة، مثل الانتقال الذي قاده شاغلو المناصب من قِبَل النخبة الحاكمة في تايوان، أو الانتقال التعاوني أو الانتقال المعهود. كما أن بعض التحولات تكون عنيفة، مثل الانتفاضة الشعبية في رومانيا التي أطاحت بنظام نيكولاي تشاوشيسكو، 1989، وفي بعض تجارب ثورات الربيع العربي كما في الحالة الليبية واليمنية والسورية وغيرهما، في حين أن الهدف من جميع الانتقالات الديمقراطية هو نفسه -ديمقراطية موحدة- ولكن تختلف طرق الوصول من دولة إلى أخرى.
ويربط صامويل هنتنغتون (Samuel P. Huntington) الانتقال الديمقراطي بعدة متغيرات مستقلة يعتقد أنها تُسهِم بقدر كبير في الوصول إلى ترسيخ الديمقراطية، ومن أهم تلك المتغيرات المستقلة: مستوى عال من النمو الاقتصادي، وتوزيع متساوٍ نسبيًّا للدخل والثروات، وارتفاع نسبة التعليم وانخفاض الأمية…إلخ(14). ويذهب محمد عابد الجابري إلى أن الانتقال الديمقراطي في دول العالم الثالث يعاني من مشكلتين إحداهما نظرية والأخرى عملية؛ حيث صاغ المشكلة الأولى في التساؤلات التالية: كيف يمكن الانتقال إلى الديمقراطية التي هي وليدة تطور الأوضاع الصناعية والرأسمالية في أوروبا في مجتمعات تعيش أوضاعًا تنتمي في جملتها إما إلى “ما قبل الرأسمالية” وإما إلى ما اعتُبر أنه بديل للرأسمالية وتجاوز لها “اقتصاد الاشتراكية”، وإما إلى أوضاع تعتبر خليطًا من هذه وتلك؟ كما يبيِّن الجابري أن المشكلة العملية تتمثَّل في كيفية الوصول إلى الانتقال الديمقراطي نفسه: هل يكون الوصول عن طريق التدرج، أي أنْ يفسح النظام القائم المجال للقوى الديمقراطية في المجتمع لتنمو وتترسخ ومن ثم تهيمن، وهو ما يتطلب من السلطة القائمة فصل السلطات وإطلاق الحريات، أو السبيل الآخر غير طريق التدرج، وهو إسقاط النظام القائم بطرق مختلفة، مثل تحرك الجماهير والعصيان المدني، أو تحرك قوى عسكرية، وهي أكثر خطرًا على مستقبل الديمقراطية من الطريقة الأولى؟(15).
لم تكن تجارب الانتقال الديمقراطي في السودان وليدة اللحظة، فقد خاض السودان من قبل أربع تجارب انتقالية ديمقراطية جعلت منه البلد الأول في المنطقة من حيث الرصيد العملي والتراكمي؛ حيث أفضت جميع التجارب السابقة إلى تحول ديمقراطي لم يدم طويلًا باستثناء التجربة الرابعة بين العام 2005 و2011، علمًا بأن التجارب الثلاث الأولى التي أفرزت نظمًا ديمقراطية منتخبة أجهز عليها الجيش بانقلابات عسكرية منها ما وجد سندًا سياسيًّا فاستمر طويلًا، ومنها من لم يجد ولم يدم طويلًا. جاءت التجربة الانتقالية الأولى (1953-1956) عبر اتفاقية ثنائية مصرية/بريطانية لتصفية الحكم الثنائي الاستعماري ومنح السودان حقه في تقرير المصير، إما الاستقلال الكامل أو التبعية لجمهورية مصر العربية، كما هدفت تلك الفترة إلى تحقيق السَّوْدَنَة وجلاء القوات الأجنبية من السودان. واستمرت تلك الفترة لمدة ثلاث سنوات تخلَّلتها أحداث مهمة كتمرد الفصائل الجنوبية، وأدارتها حكومة وطنية بقيادة إسماعيل الأزهري قامت بإعلان الاستقلال(16)، في الأول من يناير/كانون الثاني 1956.
أما الفترة الانتقالية الثانية، في أكتوبر/تشرين الأول 1964- مايو/أيار 1965، فقد جاءت نتيجة لسقوط نظام إبراهيم عبود العسكري في أعقاب ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964، والتي تعد أول ثورة شعبية في إفريقيا والوطن العربي تسقط حكمًا عسكريًّا. أفضت تلك الثورة إلى فترة انتقالية قصيرة مدتها ستة أشهر، وأعقبتها انتخابات برلمانية أفضت إلى حكومة ديمقراطية برلمانية ثانية، ولكن لم تدم تلك التجربة الديمقراطية طويلًا فسرعان ما جرى وَأْدُها بانقلاب قاده الجنرال جعفر نميري وبمشاركة عناصر من الحزب الشيوعي والقوميين العرب الذين أطلقوا عليها ثورة مايو/أيار 1969(17). ثم هناك الفترة الانتقالية الثالثة (1985-1986)، أعقبت ثورة أبريل/نيسان 1985 التي أسقطت نظام جعفر النميري حينما انحاز وزير دفاعه، الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، إلى جماهير الشعب التي خرجت لإسقاط النظام العسكري الثاني في البلاد. استمرت تلك الفترة الانتقالية لمدة عام كامل أفضت إلى قيام انتخابات حرة وتحول ديمقراطي جاء بحكومة حزبية بقيادة الصادق المهدي، ولكن سرعان ما أجهز عليها العسكر، في 30 يونيو/حزيران 1989، فيما عُرِف لاحقًا بثورة الإنقاذ الوطني بقيادة عمر البشير وبدعم من الجبهة الإسلامية السودانية بقيادة حسن عبد الله الترابي(18).
وفي عهد نظام عمر البشير، شهد السودان الفترة الانتقالية الرابعة (2005-2011)، وتُعد الفترة الانتقالية الأطول في السودان، والتي شهدت انتقالًا ديمقراطيًّا أفرز حكومة شراكة سياسية؛ حيث جاءت عبر توصل حكومة حزب المؤتمر الوطني إلى اتفاق مع الحركة الشعبية المتمردة في الجنوب بقيادة جون قرنق. وشهدت تلك الفترة حكمًا فيدراليًّا مع صلاحيات واسعة لحكومة إقليم جنوب السودان كما شهدت أكبر مصالحة سياسية وطنية؛ حيث “أسست تلك الفترة لنظام ديمقراطي تعددي وانتقال سلمي للسلطة، وذلك عبر دستور توافقي من جميع القوى السياسية الفاعلة، التي شاركت في تلك الفترة، وهو ما عُرف بدستور حكومة السودان الانتقالية لسنة 2005، والذي تبلورت فيه تلك الأسس الإجرائية والقانونية”(19). كما نجحت تلك الفترة في بسط الأمن والسلام في ربوع البلاد مما انعكس إيجابيًّا على الاقتصاد القومي؛ حيث بلغ النمو الاقتصادي معدلات قياسية جعلت من السودان الدولة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويعود ذلك إلى الاستقرار الأمني والسياسي في مناطق حقول النفط وارتفاع أسعاره عالميًّا. كما أفرزت تلك الفترة انتخابات برلمانية ورئاسية حظيت بمشاركة جهات سياسية مختلفة، ويرجع ذلك إلى الرغبة الحقيقية لتلك الأحزاب السياسية للمشاركة في الفترة الانتقالية(20)، وقد شهدت نهاية هذه الفترة انفصال جنوب السودان وإعلان استقلاله عن السودان في 2011.
وتُعد الفترة الانتقالية الحالية (2019- 2022) الخامسة في السودان، وقد جاءت في أعقاب سقوط نظام البشير بعد احتجاجات شعبية واسعة اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2018. وطالبت في بدايتها بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاهتمام بمعاش الناس، فكانت أولى شراراتها من مدينة الدمازين، في 13 ديسمبر/كانون الأول، وبلغت ذروتها في 19 من نفس الشهر في مدينة عطبرة شمالي السودان من قِبَل طلاب مدرسة الخدمات “الثانوية العامة”، والذين خرجوا للتعبير عن رفضهم للزيادة في أسعار الخبز، التي وصلت لثلاثة جنيهات لقطعة الخبز الواحدة(21). وبعد أربعة أشهر من انطلاقة تلك الاحتجاجات الشعبية التي عمَّت غالبية أنحاء السودان، انحازت اللجنة الأمنية لنظام البشير لتلك الانتفاضة، ومن ثم إسقاط رأس النظام السياسي والتحفظ عليه في مكان آمن، في 11 أبريل/نيسان 2019(22)، كما ورد في بيان الفريق أول عوض بن عوف، الذي نصَّب نفسه رئيسًا انتقاليًّا للسودان.
كل ذلك لم يلبِّ طموحات المتظاهرين؛ حيث واصلوا اعتصامهم أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم، وأبدوا رفضهم لنائب البشير السابق ورئيس لجنته الأمنية قائدًا للفترة الانتقالية التي أعلنها لمدة عامين مع فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال، وتعطيل الدستور وحلِّ جميع مؤسسات الحكم في السودان. وفي عملية توافقية من قِبَل اللجنة الأمنية لتهدئة الشارع السوداني والاستجابة لمطالب المعتصمين ووقف التصعيد الثوري، تنازل الفريق أول عوض بن عوف، ونائبه، الفريق أول كمال عبد المعروف، عن رئاسة المجلس العسكري الانتقالي وقتها إلى المفتش العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والذي عيَّن بموجب صلاحياته الفريق محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، نائبًا له، مع ثلة من أعضاء اللجنة الأمنية للنظام السابق في مناصب أعضاء بالمجلس العسكري الانتقالي والذي عُرف لاحقًا بمجلس السيادة الانتقالي بعد إضافة أعضاء مدنيين، وذلك عبر اتفاقية ثنائية مشهودة دوليًّا وإقليميًّا أُطلق عليها الوثيقة الدستورية -وثيقة كورنثيا- التي وُقِّعت بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير(23). وهو تحالف سياسي بين قوى نداء السودان بقيادة حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني وبين قوى الإجماع الوطني بقيادة الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين ومنظمات المجتمع المدني، وغيرهم(24).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الفترات الانتقالية السابقة التي شهدها السودان تباينت في طرق الوصول إلى الانتقال؛ حيث كانت اثنتان منها انتقالًا من أعلى إلى أسفل (الفترة الانتقالية الأولى 1953، والرابعة 2005)، أما الفترة الانتقالية الثانية (1964) فكانت من أسفل إلى أعلى. وتميزت الفترة الانتقالية الثالثة (1985) بكونها مزدوجة (المجلس العسكري والتجمع الوطني الديمقراطي)، وكذلك شاركت في الفترة الانتقالية الخامسة (2019) أطراف مختلفة (اللجنة الأمنية والمجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير). وتشير طبيعة هذه الفترة إلى أن طريقتها أقرب إلى التوازن النسبي في ميزان القوى بين الأطراف الفاعلة في المشهد، وأقصد بذلك المجلس العسكري (اللجنة الأمنية للنظام السابق التي عزلت البشير) وبين القوى الثورية (الائتلاف المدني الحاكم)، وهؤلاء يمثِّلون السلطة التشاركية القائمة، والمنوط بها إدارة هذه الفترة وتحقيق الانتقال الديمقراطي.
- الاختلالات الاقتصادية وانعكاساتها على الفترة الانتقالية
يؤكد صامويل هنتنغتون على علاقة الانتقال الديمقراطي بالمتغير المستقل ممثَّلًا في الاستقرار الاقتصادي؛ حيث يشير إلى أن مسألة الانتقال عملية معقدة، لأن التغيير في المتغير المستقل قد يتخذ شكلًا ثابتًا، ويشرح ذلك بأن ثلاث سنوات من الركود الاقتصادي في ظل نظام شمولي قد لا تؤدي إلى انهياره، ولكن خمس سنوات من الركود قد تؤدي إلى انهياره. فالتأثير التراكمي للمتغير المستقل قد يؤدي بمرور الوقت إلى إحداث تغيير في المتغير التابع(25)، أو يمكن القول: إن الأزمات الاقتصادية الملموسة دائمًا ما تهز الأنظمة السياسية مهما بلغ شأنها في التسلط والدكتاتورية، أو كانت نظامًا ديمقراطيًّا متجذرًا، ففي كلتا الحالتين تظل هناك تكلفة باهظة يجب تحملها نظير الأزمة الاقتصادية. كما يربط هنتنغتون بين النمو الاقتصادي وزيادة دخل الفرد وبين التحول الديمقراطي؛ حيث يعزو الموجة الثالثة للديمقراطية إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي العالمي في الخمسينات والستينات، كما عزا الموجة الارتدادية لبطء معدلات النمو بعد انخفاض أسعار النفط في السبعينات؛ حيث يقول: “إن الفقر من حيث المبدأ هو العقبة الرئيسية أمام تطور الديمقراطية، وإن تطور الديمقراطية يعتمد على التطور الاقتصادي، وإن العوائق أمام التنمية الاقتصادية هي نفسها العوائق أمام الديمقراطية”(26).
ويعتقد ليبسيت أن الجميع متفقون منذ أرسطو وإلى يومنا هذا على أن الديمقراطية ترتبط ارتباطًا ملموسًا بالنمو الاقتصادي، ويفترض أن الفقر المحدود بالإضافة إلى وجود طبقات متوسطة الثراء قد يؤدي إلى نشوء وترسيخ العملية الديمقراطية. كما يعتقد أن الرأسمالية المتوحشة (الطبقات ذات الثراء الفاحش)، في ظل وجود طبقة كبيرة تعاني من الفقر المدقع، قد تؤدي إلى حكم ديكتاتوري (إما إلى الديماغوجيا أو الأوليغاركيا)، فالطغيان يتولد دائمًا من الديمقراطية الجامحة(27). ويعتقد أيضًا أن التعليم والثروة والتصنيع والتحضر عناصر مكملة للمؤشرات الاقتصادية التي تعتبر العامل المستقل في الوصول إلى ترسيخ الديمقراطية. ويلاحظ المراقب للاقتصاد السوداني أن الاستقرار الاقتصادي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار السياسي. ومن منظور آخر، كلما شهد الاقتصاد نموًّا وتطورًا شهد النظام السياسي تقدمًا ورسوخًا لتجربته السياسية والعكس هو الصحيح، أي إن العلاقة بين التنمية الاقتصادية ورسوخ العملية السياسية هي علاقة طردية، لذلك ظل الوضع الاقتصادي هو الفيصل في تلك الحلقات الخبيثة التي عانت منها الدولة السودانية الحديثة.
1.2. التراجع المستمر للمؤشرات الكلية للاقتصاد السوداني
شهد السودان في العقد الأول من الألفية الثالثة نموًّا اقتصاديًّا مطردًا؛ حيث عرفت تلك الفترة أعلى معدلات النمو الاقتصادي الذي تحقق منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا. في الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2006، تصدر السودان دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث معدلات النمو الاقتصادي بنسبة تجاوزت 8.5%(28)، مع انخفاض معدلات التضخم وارتفاع قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار؛ إذ كان الدولار الواحد وقتها يعادل 2.1 جنيه. ويعود ذلك إلى عائدات النفط (الاقتصاد الريعي) في تلك الفترة (2000-2011)، ولكن ذلك المورد لم يدم طويلًا، “بعد انفصال جنوب السودان في يناير/كانون الثاني 2011، عقب استفتاء عام صوَّتت فيه الأغلبية الساحقة من جنوب السودان لخيار الانفصال؛ حيث ذهب قرابة الـ75% من النفط الذي كان يمثِّل أكثر من نصف إيرادات حكومة السودان، و95% من إجمالي صادراتها”(29) إلى الدولة الوليدة. وبناء على هذا التراجع في المؤشرات الكلية اتخذت الحكومة السابقة مجموعة من السياسات بهدف معالجة الانهيار الاقتصادي، ولكنها لم تفلح في ذلك، مما أدى إلى ارتفاع موجة الاحتجاجات الغاضبة على تلك السياسات بداية باحتجاجات سبتمبر/أيلول 2013، ومرورًا بموجة ديسمبر/كانون الأول 2018، التي أدَّت إلى إسقاط النظام.
بعد مرور أكثر من عامين على تنحي عمر البشير، ورغم تغير الأوضاع السياسية التي كانت سائدة منذ ما يقارب ثلاثة عقود من إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وافتقاده للحصانة الدولية، “ازدادت المعاناة اليومية للمواطن واحتلَّ السودان الترتيب الأعلى في قائمة أسوأ الاقتصاديات في العالم بتحقيقه معدل تضخم غير مسبوق”(30). فقد جاء السودان في المرتبة الثانية عالميًّا من حيث معدلات التضخم بمعدل 363.14% عن شهر أبريل/نيسان للعام 2021(31)، علمًا بأن معدل التضخم في يناير/كانون الثاني لعام 2020 لم يتجاوز حاجز 50%.
كما أن المؤشرات العامة الأخرى منذ تشكيل حكومة الفترة الانتقالية “ظلت في تراجع مستمر، وعجز تجاري، وتدهور في أسعار الصرف، وفشل للموسم الزراعي، وتدهور للصناعات الصغيرة”(32). وبعد كل ذلك قررت الحكومة تعويم سعر الصرف، مما أدى إلى تراجع قيمته، وفقدان قرابة 800% من قوته الشرائية، حيث بلغ الدولار الواحد أكثر من 490 جنيهًا، وتجاوز حاجز 500 جنيه في السوق الموازية(33). كما انخفض نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى أقل من 550 دولارًا(34)، وارتفعت معدلات الفقر إلى أكثر من 65% من إجمالي السكان. وتجدر الإشارة هنا إلى ما ذكره برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بشأن السودان الذي هو في حاجة ماسَّة للمساعدات الغذائية، حيث قدَّر أن أكثر من عشرة ملايين مواطن يعانون من انعدام الأمن الغذائي(35). ويبدو أن الواقع الاقتصادي سيؤول إلى وضع أسوأ، تحديدًا بعد حديث وزير المالية أن الدولة ستواصل سياساتها الرامية إلى رفع الدعم الكامل عن جميع السلع والخدمات استجابة لتوجيهات البنك الدولي(36).
2.2. نمو الاقتصاد الرمادي وتوسع النفوذ العسكري وضعف الاقتصاد القومي
من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني بصفة عامة، وحكومة الفترة الانتقالية بصفة خاصة، توسع الاقتصاد الطفيلي (الرمادي) على حساب الاقتصاد القومي؛ حيث ذكر رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، أن الدولة تسيطر فقط على 18% من الموارد الاقتصادية للبلاد. أما رئيس مجلس السيادة، الجنرال عبد الفتاح البرهان، فقال إنهم وجدوا خرابًا شديدًا في الاقتصاد، وإن البلاد كانت في طريقها للانهيار، وأضاف أن “الجيش والدعم السريع يديرون بأموالهم الاقتصاد الآن”، وذلك أثناء إدارة المجلس العسكري للدولة قبل تسليم السلطة للمدنيين، وتابع: حتى أموال البترول تذهب للخارج لتسديد قروض لبنك التجارة التفضيلية(37). وهو ما يؤكد سيطرة الجيش والدعم السريع على القطاعات الحيوية في الاقتصاد.
سنَّ المشرِّعون الأميركيون قانونًا سُمِّي بقانون الانتقال الديمقراطي في السودان ودعم المدنيين؛ حيث ينص أحد بنوده على أيلولة المؤسسات الاقتصادية التي يقف خلفها العسكر إلى الحكومة المدنية بالكامل؛ إذ تملك المؤسسات العسكرية أكثر من 500 شركة مسجلة خاضعة لسيطرتها(38). كما أن تلك الشركات لا تخضع لقانون الشركات السوداني (ضرائب، ومراجع قومي، والتعاملات المصرفية الصادر والوارد). وفي تقرير بعنوان “أزمة السودان: المرتزقة القساة الذين يديرون البلاد من أجل الذهب”، ذكر أن أكثر من 40% من إنتاج الذهب في السودان يسيطر عليه قائد قوات الدعم السريع(39). فتلك الميليشيات لم يقتصر دورها على محاربة الحركات المسلحة داخليًّا، بل تمدد خارجيًّا وأضحت تشكِّل العمود الفقري للجنود السودانيين المشاركين في الحرب في اليمن، وبهذا أصبحت قوات الدعم السريع جزءًا من آليات التحالف الإقليمي المناوئ للحوثيين في اليمن. وفي محاولة منها لكسب ود الدول الأوربية، وإضفاء شرعية دولية على نشاطها، تصدت قوات الدعم السريع للهجرة غير الشرعية المتجهة إلى أوروبا، وللاتجار البشر، وقد تلقت دعمًا أوروبيًّا ضمن التمويل المقدم للسودان لحثِّه على الإسهام في محاربة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا(40). وهو ما يعني أن تلك الميليشيات تملك مصادر مالية ضخمه ومتنوعة(41)؛ الأمر الذي يؤهلها لصناعة إمبراطوريتها الاقتصادية الموازية. لذلك لن تبارح الأزمة الاقتصادية مكانها ما لم تستطع حكومة الفترة الانتقالية السيطرة الكاملة على الاقتصاد ومفاصله.
ويشكِّل هذا الوضع تهديدًا وتحديًا حقيقيًّا لاقتصاد حكومة الفترة الانتقالية، التي ظلت عاجزة عن إدارة الوضع الاقتصادي في البلاد، بل بلغ العجز مداه عندما أُسنِدت رئاسة اللجنة الاقتصادية العليا لقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، لكي يسهم في إصلاح التشوهات الاقتصادية، وهي وظيفة ليست من اختصاصاته ولا من اختصاصات المؤسسة العسكرية بصفة عامة، وكأن المدنيين هنا يمهدون لهؤلاء بالسيطرة الكلية على مفاصل الاقتصاد والدولة، فإن نجحوا في إدارة الاقتصاد فالنجاح هنا يُحسب لهم ويخلق لهم شعبية وقبولًا وسط المجتمع ومن ثم يبدأ الطموح السياسي، وإن فشلوا كما يحدث الآن، فالفشل يُنسب إلى غيرهم. ويرى الباحث، عبد الفتاح ماضي، أن الجيوش تحولت من وظيفتها الأساسية إلى القيام بأدوار أخرى اقتصادية وسياسية؛ مما يعني تحكم مجموعة من العسكريين في مفاصل الدولة أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، إما بشكل مباشر، أو مستتر(42). وهذا ما يحدث الآن في السودان بسبب ولوج تلك المؤسسات في الاقتصاد الرمادي.
3.2. السياسات النيوليبرالية وتداعياتها الاقتصادية والسياسية
في عام 1841، انتقد عالم الاقتصاد الألماني، فريدريتش ليست (Friedrich List)، بريطانيا، لأنها تَعِظ الدول الأخرى بحرية التجارة، بينما حققت تفوقها الاقتصادي بالتعريفات الجمركية المرتفعة والدعم الكثيف، واتَّهَم البريطانيين بأنهم “ركلوا السُّلَّم” الذي صعدوا به إلى العالم الاقتصادي. وقال: “تشيع نصيحة عملية بارعة للغاية لكل من يحقق قمة العظمة، وهي أن يركل السُّلَّم الذي صعد عليه، فيحرم غيره من وسيلة الارتقاء مثله”(43). ويوجد اليوم في الدول الثرية من يعظون الدول الفقيرة بالسوق الحرة والتجارة الحرة ليقتنص الواعظون نصيبًا أكبر من أسواق هذه الدول وليقوا أنفسهم ظهور منافسين محتملين، يقولون: “افعلوا كما نقول، لا كما فعلنا”، ويسلكون سلوك السامريين الأشرار؛ إذ يستفيدون من مآزق الآخرين، ولكن الأكثر إثارة للقلق هو أن كثيرًا من سامريي اليوم الأشرار لا يدركون أصلًا أنهم يضيرون الدول النامية بسياساتهم(44).
يكاد السودان اليوم يبلغ أسوأ المؤشرات الاقتصادية في العالم (التضخم، انخفاض دخل الفرد…إلخ) بسبب غياب الرؤية الواضحة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، علمًا بأن الدولة تعمل الآن جاهدة لإرضاء المجتمع الدولي (صندوق النقد والبنك الدوليين)، دون أن تبذل أي جهد لتخفيف المعاناة الاقتصادية أو تأبه لأضرار تلك السياسات وآثارها الاجتماعية والاقتصادية على المواطن. فحكومة الفترة الانتقالية سعت جاهدة من أجل الوصول، في نهاية يونيو/حزيران 2021، إلى نقطة اتخاذ القرار بموجب مبادرة “هيبيك”، وهي نقطة يترتب عليها تنفيذ جميع سياسات البنك والصندوق الدوليين المشروطة على السودان، ومن ضمنها رفع الدعم الكامل وتحرير جميع السلع والخدمات وتوحيد سعر الصرف. وتُعد مبادرة هيبيك إطارًا يقوم على خطوتين أساسيتين، وتُعرف نقطة البداية الرسمية لعملية “هيبيك” باسم “نقطة اتخاذ القرار”، أما نقطة النهاية فهي “نقطة الإنجاز”. وللوصول إلى نقطة اتخاذ القرار لابد من الوفاء بكافة الشروط الموضوعة من قبلهم(45). كما أن تلك المبادرة تعتمد اعتمادًا كليًّا على القروض التجسيرية التي تزيد الدَّيْن العام للدولة المقترضة، ومثال لذلك تجارب الكونغو الديمقراطية، وتشاد، والغابون.
وفي البلدان الغنية والفقيرة على حدٍّ سواء، وَعَدت النخب بأن السياسات النيوليبرالية -سياسات البنك والصندوق الدوليين- ستؤدي إلى نمو اقتصادي أسرع، وأن الفوائد ستتقاطر إلى الأسفل حتى يصبح الجميع، بمن فيهم الأكثر فقرًا، في حال أفضل. ولكن لكي يتحقق هذا، يتعيَّن على العمال أن يقبلوا بأجور أقل، وأن يقبل جميع المواطنين التخفيضات في البرامج الحكومية المهمة، مثل رفع الدعم والتحرير الكامل للأسواق وخروج الدولة من الاقتصاد. وانتقد جوزيف ستيغليتز (Joseph E. Stiglitz)، الحائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد وكبير خبراء الاقتصاد لدى معهد روزفلت، في مقالته بعنوان: “عقود من تقاليد السوق الحرة تلقي بظلالها على الديمقراطية”، السياسات النيوليبرالية؛ حيث قال: “في هذه الأيام أصبحت مصداقية العقيدة النيوليبرالية في الأسواق المتحررة من القيود، باعتبارها أكثر الطرق جدارة بالثقة إلى الرخاء المشترك، في حالة موت إكلينيكي، وهذا ما يجب أن يكون. إن تزامن اضمحلال الثقة في النيوليبرالية والديمقراطية ليس من قبيل المصادفة أو مجرد ارتباط أو علاقة متبادلة، فقد ظلت النيوليبرالية تقوِّض الديمقراطية لمدة أربعين عاما”(46).
ويربط ستيغليتز في مقالة أخرى بين القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي اللذين يعزِّز كل منهما الآخر ويستمرَّان ذاتيًّا، وكيف أن الأفراد الأثرياء والشركات يدفعون في الانتخابات بلا حدود، كما يؤكد أن الولايات المتحدة اقتربت أكثر من أي وقت مضى من نظام غير ديمقراطي أساسه “دولار واحد، صوت واحد”(47). ويضيف أن نظام الضوابط والتوازنات ضروري جدًّا للديمقراطية، فلا يمكن أن يصمد على الأرجح ما لم يكن هناك شيء قادر على تقييد سلطة الأثرياء وتحجيم تدخلهم في السياسة. ويرى أن تنفيذ السياسات النيوليبرالية يجعل الدولة أمام خيار صارخ: الاستسلام لوول ستريت -والتي تُعد السوق المالية الأعظم للنيوليبرالية، حسب زعم ستيغليتز- أو مواجهة أزمة مالية حادة. “وما يعقب تلك الأزمة هو سقوط الأنظمة السياسية سواء كانت ديمقراطية أو سلطوية واستبدال أنظمة عسكرية موالية لأميركا بها كما حصل في شيلي، وإيران (عهد محمد رضا بهلوي)، والأرجنتين، وغيرها من الأنظمة التي نفذت السياسات النيوليبرالية المتوحشة(48). ويلخص ستيغليتز حديثه عن أدوات النيوليبرالية “وكأن الأمر كما لو أن وول ستريت تتمتع بسلطة سياسية أكبر من سلطة مواطني الدولة نفسها).
ويروي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، مهاتير محمد، تجربته مع صندوق النقد والبنك الدوليين؛ حيث ذكر أن بلاده رفضت نصائح صندوق النقد الدولي أثناء الأزمة المالية التي تعرض لها جنوب شرقي آسيا في نهاية التسعينات، وقررت التعامل مع أزمة انخفاض سعر العملة “الرينجت” بطريقتها الخاصة، بل إنها خرجت بأقل الخسائر مقارنة بدول أخرى، مثل الفلبين وكوريا الجنوبية وإندونيسيا(50).
وفي السودان، وفي عهد حكم النميري (1969-1985)، عزَّزت زيادة الدَّيْن الخارجي وضغوطاته من الورطة الاقتصادية، فصندوق النقد الدولي وكونسورتيوم دائني السودان خَلَقَا إطارًا لا مهرب منه سوى امتناع السودان عن سداد ديونه، وكلاهما أصرَّا على تخفيض الإنفاق الحكومي بصورة كبيرة وعدم الدخول في أية مشاريع جديدة. وفي 26 مارس/آذار 1985، انطلقت المظاهرات في شوارع الخرطوم، وكان سببها الرئيسي الزيادة التي أُعلنت في أسعار الخبز والسكر، والزيادة التي سبقتها في سعر البترول وبلغت نسبتها 75%، مما أدى إلى إسقاط نظام النميري، في 6 أبريل/نيسان 1985، وهي نفس السياسات التي أدت إلى سقوط الديمقراطية الثالثة بقيادة الصادق المهدي، وأخيرًا وليس آخرًا نظام البشير الذي ظن أن في هذه المؤسسات الدولية مخرجًا لأزمته الاقتصادية الطاحنة وطوقًا للنجاة منها(51). ولكن من يتكهن بمصير الفترة الانتقالية الحالية في ظل تلك السياسات المتبعة.
- صراع الأجندة الداخلية والخارجية في السودان
لم يكن الصراع السياسي المدني من جهة، وكذلك السياسي العسكري من جهة أخرى، حديثًا في السودان. فقد شهد السودان صراعًا حزبيًّا ودينيًّا، وكذلك إثنيًّا، منذ قانون المناطق المقفولة عام 1922 الذي سنَّه الاستعمار، وهدف إلى ضرب وحدة البلاد بين شمالها وجنوبها. هذا الصراع اتخذ أرضية خصبة عنوانها الأبرز هو عدم العدالة في توزيع السلطة والثروة بين أبناء الوطن الواحد، “وهنا لا مسوِّغ لنكران دور الصفوة أو النخبة من المتعلمين في صنع الأمجاد في تاريخ السودان، إلا أن هذه الصفوة بنفس القدر، مسؤولة عمَّا أصاب السودان… ولا مسوغ أيضًا للادعاء بأن المسؤولية عن كل هذه الأرزاء تقع على النخبة القائدة من أهل السياسة وحدها، ونعني بذلك رجالات الأحزاب السياسية أيًّا كانت تلك الأحزاب؛ التقليدي منها والمحدث. فالمسؤولية عمَّا لحق بالسودان من أرزاء وإن كانت تقع في جانب منها على هؤلاء إلا أنها لا تقف عند صانع القرار وحده بل تشمل أيضًا كل عناصر النخبة”(52).
1.3. النخبة السودانية والصرع السياسي والاقتصادي
الناظر إلى الدورة الخبيثة في السودان منذ بدايتها، أي التعاقب المتواتر بين أنظمة مدنية وأخرى عسكرية، يجد أن الصراع السياسي والفشل الاقتصادي هو الأساس الذي تعتمد عليه تلك الدورة. فكان الصراع الاقتصادي حول المعونة الأميركية، ونمط المرجعية الاقتصادية: هل هي رأسمالية غربية خاضعة لهيمنة الاقتصاد الأميركي أم شرقية خاضعة للمعسكر الاشتراكي بين أحزاب الديمقراطية الأولى، في ظل الصراع بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، وانفراد حزب الأمة عبر سكرتيره، عبد الله خليل، رئيس مجلس الوزراء، بقرارات الحكومة، والذي بدوره اتخذ قرار تعطيل جلسات البرلمان لاحقًا، بعد اتفاق الحزب الوطني والشعب وغيرهم وتكوين تيار برلماني مناهض له؟ وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1958، سقطت حكومة عبد الله خليل الذي سلَّم السلطة لقائد الجيش، إبراهيم عبود، وهو أول انقلاب عسكري عرفه السودان(53). وبعد فشل عبود في إجازة موازنته المالية وتدهور الوضع الاقتصادي والسياسي، وصراعه مع نقابات العمال واتحاداتهم المعطَّلة بأمره، مهَّد هذا الوضع السياسي المعقد الطريقَ إلى إسقاطه عبر احتجاجات شعبية عُرفت بانتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1964(54)، والتي تعتبر أول انتفاضة شعبية عرفتها المنطقة تسقط نظامًا ديكتاتوريًّا.
بعد مايو/أيار 1969، وانقلاب جعفر النميري على الديمقراطية الثانية، لم تعد السلطة السياسية مدينة بالفضل للمؤسسة التقليدية أو الطبقة البرجوازية الرأسمالية، فقد أدت حركة التأميم الواسعة التي جرت في العام 1970 إلى تقويض مصالح عدد كبير من رجال الأعمال السودانيين والأجانب؛ الأمر الذي يعبِّر عن استقلال النظام عن هذه الطبقة، وقدرته على اتباع سياسات مجافية لنمط التنمية الرأسمالية(55). بعد إسقاط حكومة النميري، في أبريل/نيسان 1985، ومولد الديمقراطية الثالثة التي قادتها حكومة الصادق المهدي، شكَّل الصراع السياسي والاقتصادي العامل المؤثر في سقوطها. فمذكرة الجيش المطالبة بتحسين ميزانيته، والاحتجاجات على زيادة أسعار السكر، مع توجه الحكومة نحو معسكر الصين واليابان، هو الذي جعل الطريق معبدًا أمام انقلاب عمر البشير، كما يروي ذلك الصادق المهدي في شهادته ببرنامج شاهد على العصر على قناة الجزيرة(56).
بعد انقلاب عمر البشير على الديمقراطية الثالثة في 1989، بدأ السودان شكلًا جديدًا من النهج السياسي والاقتصادي، مثل تبني سياسات التحرير الاقتصادي الكاملة وغيرها من السياسات التي أدَّت إلى وضع مشابه لخواتيم نظام النميري، والزيادة في الأسعار والعجز في الموازنة، وكانت النتيجة سقوط نظام البشير في الحادي عشر من أبريل/نيسان 2019. وبعد سقوط البشير شهدت المرحلة الانتقالية صراعًا سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا حول نمط السياسات المتبعة، فنجد أن السلطة الحالية فشلت للمرة الثانية في إجازة موازنة مالية متفق عليها من الائتلاف الحاكم، وذلك بسبب عدم الاتفاق حول موجِّهات الموازنة العامة، مثل تحرير الصرف ورفع الدعم عن السلع والخدمات ورفع الدولار الجمركي وهي ما تسميها القوى المعارضة داخل الائتلاف نفسه بالموازنة السرية المعدَّة من قبل خبراء صندوق النقد الدولي(57).
حمَّل وزير المالية للحكومة الأولى، إبراهيم البدوي، فشل البرامج الاقتصادية إلى الحاضنة السياسية الداعمة للحكومة، واعتبر أن تدخل المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2019، أجبر مجلس الوزراء على تبني موازنة بدون سياسات للاقتصاد الكلي مما حوَّلها إلى “ميزانية لتخصيص الموارد”، فبقاء الدعم وثبات سعر الصرف يعني السير على نهج الاقتصاد الكلي للنظام السابق، وبالتالي تواصُل بل وتفاقم أزمة الاقتصاد الكلي(58)؛ وهو ما أعاق إنفاذ معظم البرامج الاقتصادية التي تبنَّتها السلطة وائتلافها الحاكم، مثل مجانية الصحة والتعليم وبرامج الدعم الاجتماعي. تلك الموازنة التي جرى رفضها من قبل الائتلاف الحاكم، قامت السلطة التنفيذية بتنفيذها فيما بعد. مما يؤكد أن هناك عدم اتساق واتفاق بين هياكل السلطة. هذا التباين السياسي الكبير بين مكونات الائتلاف الحاكم حول السياسات الاقتصادية أدَّى إلى تبني رؤية داعية إلى إسقاط النظام القائم من داخل مكونات الائتلاف نفسه؛ حيث دعا الحزب الشيوعي إلى إسقاط الحكومة واتهمها بمواصلة نفس السياسات السابقة لنظام البشير، واعتبر الحزب أن طبيعة السلطة أصبحت تعبِّر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية، وأضاف: “ليس في مقدرة هذه السلطة (الائتلاف الحاكم) أن تحقق حلًّا عادلًا لمشاكل البلاد، بما في ذلك قضية السلام، مما يتطلب مواصلة النضال الجماهيري وإسقاط تحالف الهبوط الناعم، وإقامة الحكم المدني الديمقراطي العادل”(59).
كما أن الخلاف بين مكونات السلطة بلغ مداه تحديدًا في الجانب الاقتصادي؛ إذ وصف إبراهيم البدوي مخرجات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي القومي الذي أقامته حكومته بأنها كانت عبارة عن حزم متناثرة من النوايا والأهداف لا تنهض على برامج واضحة، فضلًا عن أنها تجنبت معالجة قضية الإصلاح الاقتصادي في إطار البرنامج الذي جرى تبنِّيه رسميًّا من قِبَل الحكومة وتم التوافق عليه مع شركاء السودان، وفي إطار الاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي(60)، ويعني بذلك مسودة شركاء السودان الدوليين والموضوعة من قبلهم. ويواصل الوزير السابق حديثه متأسفًا ويؤكد أن المؤتمر الاقتصادي لم ينته إلى رؤية استراتيجية يمكن أن يتبلور حولها إجماع وطني عريض(61).
2.3. الأجندة الإقليمية وتداعياتها على استقرار السودان
منذ خواتيم عهد نظام الإنقاذ السابق، بدأت التدخلات الإقليمية في السودان بشكل مباشر بهدف التأثير على مركز القرار السياسي والاقتصادي، في سياق ما عُرف بسياسة استقطاب المحاور التي برزت بشكل جلي في بداية الألفية الثالثة. اتخذت تلك التدخلات الإقليمية -وإن كانت تهدف إلى تحقيق أجندة سياسية- من الجانب الاقتصادي مدخلًا مبررًا لها، فنجد أن النظام السابق تأرجح بين الانتماء للمحاور الإقليمية والدولية، فتارة مع المحور السعودي-الإماراتي وتارة أخرى مع المحور القطري-التركي، وتارة مع التوجه الإيراني-الروسي، بهدف تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية. وقد لعبت تلك التدخلات -وإن كانت طفيفة- دورًا كبيرًا في إسقاط نظام الإنقاذ نفسه. فالنظام السابق لم يلبِّ كل طموحات الفاعلين الإقليميين، تحديدًا الإمارات والسعودية، لذلك كان دورهما كبيرًا فيما آل إليه(62).
بعد سقوط عمر البشير، أعلنت السعودية والإمارات ومصر مساندتها الصريحة للمجلس العسكري، والذي بدوره أعلن بعد بضعة أيام من استلامه للسلطة استمرار التحالف مع السعودية، وإبقاء القوات السودانية المشاركة في التحالف العربي في حرب اليمن. فموقع السودان الجيوستراتيجي جعل منه هدفًا لدول الإقليم بهدف تحقيق مصالحها سواء كان ذلك بالأصالة أو الوكالة، لذلك نجد أن التدخل المصري في الشأن السوداني مرتبط بأزمة سدِّ النهضة مع إثيوبيا، أما التدخل السعودي في السودان فيرتبط بأدوار القوات السودانية المقاتلة في اليمن، كما أن التدخل الإماراتي في السودان مرتبط بأطماع اقتصادية، مثل الذهب والسيطرة على الموانئ البحرية، كما أن له أبعادًا سياسية تتمثل في القضاء على جماعات الإسلام السياسي التي تعتبرها الإمارات مهددًا لأمنها القومي. كما أن الدور الإثيوبي الذي قام به رئيس الوزراء، آبي أحمد، من رعايته للاتفاق بين العسكريين والمدنيين في أديس أبابا كان بهدف التقرب إلى السلطة المقبلة، ومن ثم ضمان انحيازها له على حساب الجانب المصري فيما يختص قضية سد النهضة، وكذلك الصراع على الحدود في منطقة الفشقة السودانية وإقليم تيغراي.
وفي تقرير بعنوان “السودان: هل يتم استغلاله من قبل قوى خارجية؟”، ذكرت الباحثة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أنيت ويبر (Annette Weber)، أن الإمارات العربية المتحدة أصبح لها تأثير كبير على المجلس العسكري الانتقالي بالسودان(63). وجاء في التقرير أن الإمارات تعتبر المشتري الأول للذهب السوداني، ففي عام 2015، كانت الكمية المُعلَنة لإنتاج الذهب من قِبَل الحكومة تبلغ 70 طنًّا، في حين أكدت مصادر من مطار الخرطوم الدولي أن صادر الذهب عبر المطار فقط إلى مطار دبي عبر الخطوط الإماراتية في العام نفسه بلغ 102 طن(64). فيما قدَّر خبراء الأمم المتحدة، في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول للعام 2016 حول السودان، أن الذهب المهرب من السودان إلى الإمارات في الفترة ما بين 2010-2014 بلغت قيمته 4.6 مليار دولار. كما أن الفاقد من الذهب يقدَّر بأكثر من 77%.
ويشير مهندس الوثيقة الدستورية، الوسيط الإفريقي للسودان، محمد الحسن ولد لبات، إلى حدَّة الأطماع الاقتصادية والسياسية الإقليمية نحو السودان، قائلًا: “إن التنافس الإقليمي المحتدم على السودان بين قوى متصارعة لا يوحي بالاطمئنان على استقرار الحكم الانتقالي ومستقبل البلاد”(65).
3.3. التدخلات الدولية ودعم مسار الانتقال الديمقراطي
لم يكن التدخل الدولي في السودان تحت مزاعم دعم الديمقراطية وليد اللحظة. ففي 20 مارس/آذار 1958، عندما انتُخب سكرتير عام حزب الأمة، عبد الله خليل، رئيسًا للوزراء بأغلبية مقاعد البرلمان، كانت المعونة الأميركية هي أولى الخطوات على طريق توثيق الارتباط بأميركا، وأما الخطوة الثانية فكانت الأسلحة البريطانية للجيش السوداني(66).
كما أقرَّت أميركا اليوم قانونًا لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، وسيطرة المدنيين على مفاصل الدولة؛ حيث تضمن ذلك ولاية وزارة المالية السودانية على الشركات الاقتصادية التي يسيطر عليها العسكريون(67). كما أن التدخلات الأميركية تلك لم تخل من المصالح الآنية فنجد أن “إدارة الرئيس ترامب مارست ضغطًا وابتزازًا سياسيًّا على حكومة السودان، حينما ربطت ملف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بتعويضات ضحايا أحداث السفارتين الأميركيتين بدار السلام ونيروبي وتفجير المدمرة الأميركية كول، من ناحية، وبملف التطبيع مع إسرائيل، من ناحية أخرى”(68). وقد ظلت حكومة الفترة الانتقالية تنفي هذا الربط بين القضيتين، أي قائمة الدول الراعية الإرهاب والتوقيع على اتفاقية أبراهام(69). وهذا الادعاء سرعان ما كذَّبه التوقيع على تلك الاتفاقية، في 6 يناير/كانون الثاني 2021، وهو ما أكده وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، في أول اتصال مباشر بينهما(70).
ويحظى التدخل الأميركي بمنافسة شرسة من قِبَل ألمانيا وفرنسا؛ حيث ظهر ذلك الصراع في خلفية من يرأس بعثة يونيتامس المكوَّنة من قبل الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، والتي آلت في نهاية المطاف إلى الألماني فولكر بيرتس، الذي أكد أن “التحول الديمقراطي وبناء السلام لن يتحقق بدون الموارد الاقتصادية، والعكس صحيح”(71). ونظَّمت ألمانيا، في يونيو/حزيران 2020، مؤتمرًا اقتصاديًّا ببرلين لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، ثم بادرت فرنسا بعقد مؤتمر مماثل في باريس، في مايو/أيار 2021؛ حيث لم يدعم المشاركون في المؤتمرين السودان دعمًا ماليًّا مباشرًا بحجة الديون والعقوبات المفروضة عليه من قِبَل المؤسسات المالية العالمية، وطالبته -أي السودان- بإحداث إصلاحات هيكلية والإذعان لسياسات الصندوق والبنك الدوليين.
الشكل 1: سيرورة الدورة الخبيثة (التعاقب المتواتر للحكم المدني والعسكري)
في السودان التي ظل يعاني منها منذ الاستقلال
المصدر: من إعداد الباحث
- الانتقال الديمقراطي في السودان: التحديات والآفاق
لخَّص الباحث محمد أبو القاسم حاج حمد معضلة السودان في مشكلتين تتعلق إحداهما بالتركيب الجغرافي والسياسي، والأخرى بالتركيب الاقتصادي، وما يأتي بعد ذلك فهو تابع لهاتين المشكلتين سواء على مستوى ما تثيرانه من إشكاليات دستورية تتعلق بأنظمة الحكم، أو اختيارات سياسية تتعلق بالمواقف الاقتصادية والاتجاهات الاجتماعية والثقافية(72). وفي هذا السياق أيضًا، يرى منصور خالد أن للسودان قضيتين محوريتين أولاهما الوحدة الوطنية، وثانيتهما التنمية الاقتصادية أو بالأحرى الخروج من إسار التخلف والتراجع(73). وبذلك، يلخصان الوضع الذي يواجهه السودان، فعلى بالرغم من التجارب العديدة التي شهدها السودان من فترات انتقالية وتجارب برلمانية وحكومات منتخبة وكذلك عسكرية، فإن التحديات التي تواجه اليوم الفترة الانتقالية تظل كبيرة، فالصراع السياسي والتشظي الاجتماعي في أوج قوته، كما أن التراجع الاقتصادي الكلي في أعلى معدلاته مع انعكاساته على مستقبل الدولة وكيفية المحافظة على أمنها القومي ووحدة أراضيها في ظل السيولة الأمنية المفرطة والصراع السياسي والعسكري في أطراف البلاد.
لقد اعتبر هنتنغتون أن العقبات الاقتصادية أمام الانتقال الديمقراطي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى سوف تظل ساحقة في القرن الحادي والعشرين(74) وكأنه يشير إلى السودان، وإن كانت إثيوبيا اليوم أيضًا تعيش مجموعة من الصراعات التي أصبحت تشكِّل خطرًا على استمرار العملية الديمقراطية فيها، مثل الصراع السياسي الإثني، وكذلك الصراع العسكري في إقليم تيغراي وأزمة سد النهضة. كما توقَّع هنتنغتون موجة رابعة من الدمقرطة في القرن الحادي والعشرين؛ إذ ذكر أن أهم عاملين سيؤثران في تعزيز الديمقراطية وتوسيعها في المستقبل سيكونان هما التنمية الاقتصادية والقيادة السياسية(75). ويفترض الناس أحيانًا أن الإطاحة بالديكتاتورية تؤدي إلى قيام الديمقراطية، والحقيقة أن الأنظمة غير الديمقراطية قد تحلُّ محلها أنظمة أخرى غير ديمقراطية، كما أن العوامل التي تساعد في تغيير نظام غير ديمقراطي قد تختلف عن العوامل التي تؤدي إلى قيام نظام ديمقراطي؛ فقد يؤدي الفشل الاقتصادي لأي نظام شمولي إلى تقويض ذلك النظام، إلا أن النجاح الاقتصادي لأي نظام شمولي قد يؤدي إلى وضع أسس نظام ديمقراطي أيضًا، والظروف التي تسهم في إقامة نظام ديمقراطي قد لا تسهم في ترسيخ دعائمه واستقراره على المدى البعيد(76).
1.4. التوافق السياسي الشامل ومستقبل المؤسسة العسكرية
تأتي الفترة الانتقالية الحالية بشكل مختلف كليًّا عن الفترات الانتقالية السابقة التي شهدها السودان، فسقوط نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير يختلف تمامًا عن سقوط نظام النميري ومن قبله عبود، وإن كان القاسم المشترك هو نجاح تلك الاحتجاجات الشعبية وإسقاطها لتلك النظم ذات الطبيعة العسكرية التسلطية، وإن كان الأخير أكثر حرية؛ فمن المعلوم أن نظام عبود لم تدعمه أية حاضنة سياسية، كذلك النميري في خواتيم حكمه الذي انقلب على جميع الأحزاب التي تحالف معها بداية بالحزب الشيوعي وغيره من الأحزاب اليسارية، ومرورًا بالجماعات الإسلامية المختلفة. لذلك عندما جرى إسقاط النظامين، أي نظام عبود والنميري، لم تشهد الفترات الانتقالية التي أعقبتهما صراعًا سياسيًّا بين تيارين أحدهما داعم للثورة والآخر مضاد لها، أو كما يحلو للتيار الأول تسميتهم بعناصر الثورة المضادة (الدولة العميقة).
فنظام البشير خَلَفَه تيار سياسي ربما الأكثر تنظيمًا في العقود الأخيرة (حزب المؤتمر الوطني الجناح السياسي للحركة الإسلامية السودانية). فالحاضنة السياسية الحاكمة اليوم، والمنوط بها إخراج البلاد من هذا الوضع، ترى أن المؤتمر الوطني وبقية الأحزاب السياسية الإسلامية الأخرى يجب القضاء عليها وإزالتها من الوجود، لذلك سعت إلى شيطنتها. هذا الإقصاء لا تمارسه تلك الحاضنة السياسية على الأحزاب غير المنضوية تحت ائتلافها فقط، بل تمارسه فيما بينها، مما أدى إلى إضعاف الحكومة وتشظيها، وأصبح العنوان البارز لذلك الائتلاف هو الصراع نحو المناصب والمحاصصة الضيقة(77). فقد ذهبت تلك الأحزاب إلى أبعد من ذلك عندما أصبحت تتلاوم فيما بينها على الهواء وتنسب فشل تلك الحكومة إلى مكوناتها، مثل عدم اكتمال هياكل السلطة وتحقيق العدالة الانتقالية(78).
وقد ربط الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، إدريس سليمان، نجاح الفترة الانتقالية بالعمل وفق “نهج التوافق وإشراك الجميع بقدر الإمكان حتى تكون مرحلة انتقالية آمنة ومثمرة ومستقرة”(79). هذا النهج ذهب إليه حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، عندما دعا إلى مصالحة سياسية وطنية شاملة لا تستثني أحدًا بما في ذلك حزب المؤتمر الوطني(80). ومن المفارقات أن حزب المؤتمر الوطني، الذي اعتُبر لاحقًا من أشد المعارضين لحكومة عبد الله حمدوك، كان من أول الداعمين لها عندما جرى تشكيلها، فرئيس الحزب وقتها، إبراهيم غندور، أطلق عبارته الشهيرة “المعارضة المساندة”(81)، حيث أكد دعمه للحكومة ومساندتها بهدف الوصول بها إلى الاستحقاق الانتخابي. ولكن سرعان ما جرى حلُّ حزبه ومصادرة ممتلكاته ومقراته واعتقال قياداته والتضييق عليهم.
نستنتج من التجارب السابقة أن الصراع السياسي دائمًا ما يدفع ثمنه الجانب الاقتصادي، وسرعان ما يعقب ذلك تدخل المؤسسة العسكرية واستلامها للسلطة. ويقول الباحث السوداني، حسن الحاج علي: “عندما يخسر الساسة المدنيون في الميدان السياسي، فإنهم يلجؤون لحلفائهم العسكريين كي يقوموا بانقلاب عسكري ويفرضوا واقعًا جديدًا. ويهدف الواقع الجديد إما لإضعاف الخصوم السياسيين أو الاستمرار في برنامج سياسي بوجوه جديدة”(82). وذكرت الباحثة، تيري لن كارل (Terry Lynn Karl)، أن الانقلابات العسكرية تحصل عادة بسبب الخلافات بين الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على إدارة أزمة اقتصادية، أو نشاط قوى معادية للنظام تحشد العمال أو الفلاحين أو الفقراء، وتكون القوى التقليدية الحاكمة عاجزة عن السيطرة عليها. وقد تُحرِّك الانقلابات احتمالات التدخل الخارجي أو تهديد المصالح الحيوية للمؤسسة العسكرية نفسها(83).
لكن هناك آراء مخالفة لشيطنة أدوار الجيوش في التحول الديمقراطي؛ حيث يرى الباحث الأميركي، أوزان فارول (Ozan Varol)، أن “الجيوش الوطنية المتماسكة والموحدة التي تؤمن قياداتها بالديمقراطية يمكن أن تضطلع بدور الحارس أو الضامن لعملية الانتقال في الدول التي تعاني وهنًا في النخب المدنية العاجزة عن التوافق وتحقيق الديمقراطية، في حين لا تبدو القوى المدنية بها مهيَّأة للاضطلاع بهذه المهمة، بسبب تجريف التربة السياسية عقودًا طويلة، إضافة إلى وقوعها في براثن صراع المصالح والنزاعات الإثنية والسياسية فيما بينها. وهنا، يمكن للجيش أن يقوم بدور الحَكَم بين القوى السياسية فيقود عملية ناجحة للتحول الديمقراطي”(84).
وقد ادَّعت الأنظمة العسكرية الثلاثة السابقة في السودان (عبود والنميري والبشير) أنها جاءت لإنقاذ البلاد من فشل المدنيين، بل لتحقيق تحول ديمقراطي وإصلاح اقتصادي عجزت النخبة السودانية عن الوصول إليه، والمحافظة على استقرار البلاد والعباد. فنفوذ المؤسسة العسكرية اليوم في السودان بات كبيرًا؛ إذ إن التغول والتوسع الاقتصادي تخطى حاجز 75%، كما أن الارتباط الدولي والإقليمي يدعم استمرار هؤلاء، لاسيما القوى الإقليمية المتوجسة من تداعيات الربيع العربي، مثل الإمارات والسعودية(85) فضلًا عن مصر.
وفي العادة تحصل “الحكومات العسكرية على دعم قوى خارجية، ولأميركا على وجه الخصوص تاريخ طويل في دعم حكم العسكريين، بشكل مباشر أو مستتر، بحجة احتواء الشيوعية (كما حدث في أميركا اللاتينية)، أو ما يُسمَّى حركات الإسلام السياسي (كما يحدث اليوم في العالمين، العربي والإسلامي)”(86). وقد سبق لأميركا من قبل دعم انقلاب عبود على الديمقراطية الأولى في السودان والنميري في خواتيم حكمه. إذا لم تُحسن النخبة السودانية اليوم إدارة المرحلة الانتقالية والوصول إلى توافق سياسي شامل، وتحدد طبيعة علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة التنفيذية وتقييد المؤسسة العسكرية بالدستور وحمايته، فإن هذه المرحلة ستواجه تحديات مختلفة، وإن كان أساس هذا التحرك نحو السلطة من قبل هو النتيجة الحتمية التي تعقب أي صراع بين تلك النخبة. علمًا بأن المؤسسة العسكرية حكمت السودان من قبل لمدة تزيد عن 52 عامًا منذ استقلال السودان في 1956.
2.4. الاستقرار الاقتصادي وتوفير الاستحقاقات المالية لعملية السلام
نصَّت الوثيقة الدستورية في فقرتها 8/4 على “معالجة التدهور الاقتصادي والعمل على إرساء أسس التنمية المستدامة وذلك بتطبيق برنامج اقتصادي واجتماعي ومالي وإنساني عاجل لمواجهة التحديات الراهنة التي يعاني منها المواطن”(87). ولكن هناك مسافة كبيرة بين تلك الوثيقة والوضع على أرض الواقع؛ حيث أسهمت السياسات الاقتصادية للحكومة في تدهور الوضع الاقتصادي أكثر مما كان عليه قبل التغيير الذي أسقط نظام البشير، وأدى ذلك إلى أفول شعبية الحكومة، وتحديدًا رئيس وزرائها عبد الله حمدوك، ويقول أستاذ العلوم السياسية، جين شارب (Gene Sharp): “يجب أن نعالج التظلمات الاقتصادية بعد القضاء على الديكتاتورية عندما تصبح القضايا الاقتصادية بارزة في النضال، وإلا فإن التحرر من الاعتقاد الخاطئ وسحب الولاء سرعان ما يرسخ إذا لم نجد حلولًا سريعة للقضايا الاقتصادية أثناء الفترة الانتقالية نحو المجتمع الديمقراطي. وهذا الإدراك للاعتقاد الخاطئ يؤدي بالتالي إلى فتح المجال أمام ظهور قوى ديكتاتورية تعد بإنهاء المعاناة الاقتصادية”(88). فالتركيز على معاش الناس، وتلبية احتياجاتهم الضرورية بيسر وبلا عناء، يُعد من أهم مسبِّبات استمرار تلك الحكومة، وهو التحدي الجوهري لها. بالإضافة إلى الوفاء باستحقاقات السلام الشامل، فتكلفة الدمج والتسريح فقط للميليشيات المسلحة الموقِّعة للسلام، تقترب من المليار دولار؛ وذلك بحسب قائد أركان الجيش السوداني عندما حمَّل الحكومة فشل تنفيذ بند الترتيبات الأمنية المنصوص عليه في اتفاقية جوبا للسلام.
3.4. استكمال مؤسسات الدولة وضمان كفاءة أدائها والمحافظة على سيادة البلاد
يتساءل الباحثان السودانيان، أحمد إبراهيم أبو شوك وصلاح الدين الزين محمد، في بحثهما بعنوان “الانتقال الديمقراطي: التحديات والآفاق”: “هل يتحلى المعارضون السابقون، الذين باتوا يمثِّلون حكام اليوم، بالخبرات التكنوقراطية والأمنية والقضائية التي تؤهلهم لإنجاز المهام ذات الأولوية، خصوصًا تلك المتعلقة بإدارة الاقتصاد وتقديم الخدمات الاجتماعية وإنجاز مطلوبات العدالة الانتقالية؟ وهل يستطيع القادة الجدد كسب ثقة المواطن محليًّا، والشرعية دوليًّا من خلال تدابير في إدارة مؤسسات الدولة تضمن احترام إدارة أغلبية الناخبين وحماية مصالح الأقليات، بما في ذلك المرتبطة بالنظام القديم؟”(89). فهؤلاء بالتأكيد عجزوا عن ذلك، فقد أثَّر عدم استكمال هياكل السلطة، مثل المجلس التشريعي والمفوضيات المعنية بالسلام والانتخابات واستقلالية القضاء…إلخ، سلبيًّا على أداء مؤسسات الدولة. لذلك نجد أن القضايا المصيرية (التطبيع، مرجعية الدولة علمانية/إسلامية والسياسات الاقتصادية وغيرها) هي من اختصاصات المجلس التشريعي المغيَّب بقصدٍ كما تصفه بعض مكونات الائتلاف الحاكم. كما أن غياب مفوضية الفساد، وكذلك استقلالية القضاء، وتغييب المحكمة العليا، خلق أزمة قضائية وسياسية وذلك نتيجة لأفعال لجنة “إزالة التمكين وتصفية نظام الإنقاذ”، التي مارست أفعالًا سياسية بامتياز، كما قال رئيسها: إن تلك اللجنة هي لجنة سياسية(90)، مثل فصل موظفي الخدمة المدنية، والتدخل في قرار السلطة القضائية وفصلهم، وممارسة دور الشرطة والنيابة في التحقيق والاعتقال والمحاسبة.
إن غياب تلك المؤسسات، بالإضافة إلى ضعف المؤسسات القائمة، قد أثَّر سلبيًّا في أداء الحكومة بشكلها العام، كما أن التدخلات الإقليمية في الشأن السوداني أثرت على مسار القرارات المتَّخَذة، مثل التطبيع والقبول بعلمانية الدولة وتنفيذ السياسات النيوليبرالية. ويضيف الوسيط الإفريقي للسودان، محمد الحسن ولد لبات: “إن المرحلة الانتقالية بالسودان محفوفة بالمخاطر لأكثر من سبب، فالتحديات الجسيمة التي تواجهها تأتي من عدة مصادر؛ إذ تنبع من النظام السياسي الذي تم اختياره، ومن طبيعة القوى السياسية المتواجدة، ومن تراتبية أولويات المرحلة الانتقالية، ومن قضايا السلم والأمن، وأخيرًا من تفاعل الحكم الانتقالي مع محيطه الإقليمي والدولي”(91). فارتباط القوى السياسية الفاعلة في المشهد بالأطراف الخارجية، أصبح المهدد الحقيقي لتلك الفترة.
خاتمة
كان الاقتصاد هو الذي أسقط جعفر النميري حين فرض إجراءات تقشف صارمة، في مارس/آذار 1985، كما أطاح بعمر البشير(92). ومن حيث المعطيات الماثلة أمامنا والشواهد فإن الفترة الانتقالية غير مؤهَّلة بشكل كامل للوصول إلى مرحلة التحول الديمقراطي؛ حيث لا أحد يعلم إلى الآن ما الحدود الزمنية للفترة الانتقالية المستمرة منذ عامين ونيف في ظل عجز السلطة القائمة عن تكوين بعض مؤسسات الفترة الانتقالية، مثل المجلس التشريعي والمفوضيات القومية الأخرى؛ إذ بموجب اتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة يجري تجديد الفترة الانتقالية كلما توصلوا إلى اتفاق جديد مع أحدها، علمًا بأن هناك حركتين مسلحتين لم توقِّعا بعد على اتفاق مع الحكومة.
كما أن مكونات الائتلاف الحاكم نفسها ترفض الاستحقاق الانتخابي، وتعتبر أن البلاد غير مؤهلة للقيام بانتخابات، مما يعني الاستمرار في الفترة الانتقالية إلى وقت غير معلوم، ولا تزال تلك المكونات السياسية ترفض فكرة الانتخابات المبكرة حتى بعد إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول التي قام بها القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والتي تعتبرها تلك القوى السياسية انقلابًا على السلطة القائمة، في ظل إصرار المكون العسكري على تشكيل حكومة غير حزبية وعدم تسليم السلطة إلا عبر تفويض شعبي لتلك الأحزاب(93).
إن فشل عملية الانتقال الديمقراطي في السودان سينجم عنها العديد من الاختلالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية، والتي قد لا تؤدي إلى فشل التجربة الديمقراطية فقط، بل تجعل الدولة قابلة لنسخ بعض التجارب الإقليمية مثلما يجري في اليمن وليبيا، في ظل التدخل الإقليم والدولي في الشأن السوداني، وإن كان ذلك تحت ذريعة دعم الانتقال في السودان.
ويشير محمد أبو القاسم حاج حمد إلى أن السودانيين اختبروا مختلف أنظمة الحكم، النيابية التمثيلية والعسكرية، كما اختبروا مختلف التيارات الآخذة في أصولها عن الماركسية أو الإسلام التراثي أو الليبرالية… ولم يتمكنوا حتى الآن من احتواء المشكل الاقتصادي بما يحقق التقدم أو أقله بما يمنع الانهيار، ومن احتواء المشكل الجغرافي السياسي بما يحقق الوحدة أو أقله بما يمنع الحروب الأهلية، فهل العجز في أنظمة الحكم أم في الاختيارات السياسية والفكرية أم يكشف العجز عن أرجاء أخرى مجهولة في تكوين السودان والسودانيين؟(94).
المراجع
(1) عزمي بشارة، “الثورة ضد الثورة، والشارع ضد الشعب، والثورة المضادة”، مجلة سياسات عربية (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، العدد 4 سبتمبر/أيلول 2013)، ص 7.
(2) “احتجاجات تونس الليلية: دوافعها وتداعياتها”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 25 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2021)، https://bit.ly/3A6FpjV.
(3) “تونس: الرئيس يستكمل انقلابه على الدستور ويخاطر بأزمة وطنية”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 28 سبتمبر/أيلول 2021، (تاريخ الدخول: 20 ديسمبر/كانون الأول 2021)، https://bit.ly/3F8Hv3Y.
(4) “الانتخابات التشريعية في الجزائر: تواصل فرز الأصوات وتسجيل أقل نسبة مشاركة منذ 20 عامًا”، فرانس24، 13 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 20 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/3x7DA4i.
(5) عز الدين عبد المولى، العرب والديمقراطية والفضاء العام في عصر الشاشات المتعددة، ط 1 (بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2015)، ص 19.
(6) Seymour Martin Lipset, “Some Social Requisites of Democracy: Economic Development and Political Legitimacy,” The American Political Science Review, Vol. 53, no. 1 (March 1959): 75.
(7) Stephan Haggard and Robert R. Kaufman, “The Political Economy of Democratic Transitions,” Comparative Politics, Vol. 29, no. 3, (April, 1997): 263-283.
(8) عزمي بشارة، الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تموز/يوليو 2020)، ص 231.
(9) “إنهاء الشراكة: السودان يتأرجح بين الانهيار أو الاتفاق مجددًا”، مركز الجزيرة للدراسات، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 20 ديسمبر/كانون الأول 2021)، https://bit.ly/3JRHrci.
(10) قدَّم رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، في 22 يونيو/حزيران 2021، مبادرة أسماها بـ”الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال: الطريق إلى الأمام”، أكد فيها على المصالحة الوطنية بين مكونات الثورة بهدف العبور والوصول إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي. انظر: وكالة السودان للأنباء، النص الكامل للمبادرة، 22 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 24 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/35TwGUm.
(11) حسنين توفيق إبراهيم، “الانتقال الديمقراطي: إطار نظري”، مركز الجزيرة للدراسات، 24 يناير/كانون الثاني 2013، (تاريخ الدخول: 3 أبريل/نيسان 2021)، https://bit.ly/2Ta00Df.
(12) Sujian Guo and Gary A. Stradiotto, Democratic Transitions Modes and outcomes (London: Routledge 2014), “accessed April 3, 2021”. https://bit.ly/3pOWPOp.
(13) Ibid.
(14) Samuel P.Huntington, The Third Wave: Democratization in the Late Twentieth Century (London: University of Oklahoma Press, 1993), 37.
(15) محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، ط 2 )بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1997)، ص 82-83.
(16) عطا الحسن البطحاني، إشكالية الانتقال السياسي في السودان: مدخل تحليلي، (الخرطوم، المركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني، 2019)، ص 7.
(17) تيم نبلوك، صراع السطلة والثروة في السودان: منذ الاستقلال وحتى الانتفاضة، ترجمة الفاتح التجاني ومحمد علي جادين، (الخرطوم، دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع، 2019)، ص 234.
(18) المحبوب عبد السلام محمد علي، الحركة الإسلامية السودانية: دائرة الضوء.. خيوط الظلام، ط 3 (الخرطوم، مدارات للطباعة والنشر والتوزيع، 2018)، ص99.
(19) أحمد إبراهيم أبو شوك، الانتخابات القومية في السودان لسنة 2010: مقاربة تحليلية في مقدمتها ونتائجها، ط 1 (بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2012)، ص 44.
(20) “فوز عمر البشير في انتخابات الرئاسة السودانية”، بي بي سي، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2021)، https://bbc.in/3AW73QZ.
(21) “إعلان الطوارئ بمدينة عطبرة بالسودان بعد احتجاجات على ارتفاع الأسعار”، رويترز، 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، (تاريخ الدخول: 12 يناير/كانون الثاني 2021)، https://bit.ly/3e1ZkqA.
(22) “البيان رقم واحد كاملًا للجيش السوداني وإعلان اعتقال البشير واقتلاع نظامه”، يوتيوب، 11 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 5 فبراير/شباط 2019)، https://bit.ly/3tG95lj.
(23) “السودانيون يعبرون نحو الدولة المدنية بتوقيع اتفاق المرحلة الانتقالية”، الجزيرة نت، 17 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 18 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3k07B2h.
(24) “ثورة ديسمبر: السياقات والفاعلون وتحديات الانتقال الديمقراطي في السودان”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/36haJ1O.
(25) Huntington, The Third Wave, 35.
(26) Samuel P. Huntington, “Democracy’s Third Wave,” Journal of Democracy, Vol. 2, no. 2, (Spring 1991), 31.
(27) Lipset, “Some Social Requisites of Democracy,”: 75.
(28) “الدين الخارجي يوازي الناتج المحلي الإجمالي: 20% متوسط نمو الاقتصاد السوداني خلال السنوات الأربع الماضية”، البيان، 25 يناير/كانون الثاني 2007، (تاريخ الدخول: 22 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3heVLzv.
(29) خالد عثمان الفيل، “التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لفيروس كورونا المستجد في السودان”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 21 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3ymZmkE.
(30) “ما سر تراجع الاقتصاد السوداني رغم فك الحصار والخروج من قائمة الإرهاب؟”، سبوتنيك عربي، 11 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3jJravH.
(31) Steve H. Hanke, “Hanke’s Inflation Satellite,” The Johns Hopkins University, June 17, 2021. “accessed June 20, 2021”. https://tabsoft.co/2Uv1KHi.
(32) محمد عبد الجبار حسن، “الاقتصاد السوداني: زيادة الأجور والقفز نحو المجهول”، الجزيرة نت، 20 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 5 يناير/كانون الثاني 2021)، https://bit.ly/3hiMTsE.
(33) للتوسع، انظر: “انهيار جديد للعملة السودانية والدولار يقترب من حاجز 500 جنيه”، الجزيرة نت، 31 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 1 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/3xltsVI.
(34) “GDP per capita (current US$)- SUDAN,” worldbank.org, “accessed May 21, 2021”. https://bit.ly/3hoVs52.
(35) “What WFP is doing in Sudan,” wfp.org, “accessed May 25, 2021”. https://bit.ly/3dFOV3Q.
(36) “جبريل إبراهيم وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني”، قناة الجزيرة، 17 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 18 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/3hTzeHH.
(37) “العسكري: ندير الاقتصاد بأموال الجيش والدعم السريع”، موقع النيلين، 29 يونيو/حزيران 2019، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/2V6zEmh.
(38) “ثورة ديسمبر: السياقات والفاعلون وتحديات الانتقال الديمقراطي في السودان”، مرجع سابق.
(39) “Sudan crisis: The ruthless mercenaries who run the country for gold, Published,” BBC news, July 20, 2019, “accessed April 21, 2021”. https://bbc.in/3jKvrii.
(40) حسن الحاج علي أحمد، عديلة تبار، “الأمننة والديمقراطية في القرن الإفريقي: حالات جيبوتي والصومال والسودان”، مجلة سياسات عربية (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، العدد 39، تموز/ يوليو 2019)، ص 53.
(41) “إمبراطورية حميدتي الاقتصادية: 5 مصادر لثروته أبرزها الذهب والتمويل السعودي الإماراتي”، العربي الجديد 23 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3yym0XC.
(42) عبد الفتاح ماضي، “الجيوش والانتقال الديمقراطي: كيف تخرج الجيوش من السلطة؟”، مجلة سياسات عربية (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، العدد 24 يناير/كانون الثاني 2017) ص 11.
(43) ها-جوون تشانج، السامريون الأشرار: الدول الغنية والسياسات الفقيرة وتهديد العالم النامي، ترجمة أحمد شافعي، (القاهرة، الكتب خان للنشر والتوزيع، 2017)، ص 40.
(44) المرجع السابق، ص 41.
(45) “IMF and World Bank Consider Sudan Eligible for Assistance under the Enhanced Heavily Indebted Poor Countries (HIPC) Initiative,” imf.org, March 23, 2021, “accessed April 5, 2021”. https://bit.ly/3wliX3j.
(46) Joseph E Stiglitz, “Decades of free-market orthodoxy have taken a toll on democracy,” the Guardian, May 11, 2019, “accessed February 5, 2021”. https://bit.ly/3ADHEeO.
(47) Joseph E Stiglitz, “Neoliberalism must be pronounced dead and buried. Where next? Project Syndicate,” the Guardian, May 30, 2019, “accessed February 6, 2021”. https://bit.ly/3hMFjFJ.
(48) “عقيدة الصدمة: كيف استثمرت الرأسمالية في الكوارث؟”، يوتيوب، 27 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الدخول: 3 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/2TM2oQU.
(49) Joseph E Stiglitz, “Decades of free-market orthodoxy have taken a toll on democracy,” op, cit.
(50) “مهاتير محمد الحلقة الحادية عشرة”، قناة الجزيرة، 14 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 12 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3yBj7VW.
(51) نبلوك، صراع السلطة والثروة في السودان، مرجع سابق، ص 265-266.
(52) منصور خالد، النخبة السودانية وإدمان الفشل، (الخرطوم، الساق للنشر والتوزيع، 2014)، ج 1، ص 16.
(53) محمد أبو القاسم حاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل، ط 2 (بيروت، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع 1996)، ج 2، ص 199-207.
(54) المرجع السابق، ص 211ـ-212.
(55) نبلوك، صراع السلطة والثروة في السودان، مرجع سابق، ص 227.
(56) “الصادق المهدي الحلقة الخامسة عشرة”، قناة الجزيرة، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3wtRnB4.
(57) “مساومة التطبيع حاضرة بقوة: هل تنتشل زيارات المسؤولين الأميركيين موازنة السودان لعام 2021؟”، الجزيرة نت، 7 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3AJrkt0.
(58) انظر: إبراهيم البدوي، “حول إصلاح الاقتصاد السوداني: الرؤية، والبرامج والسياسات”، معهد الدراسات والبحوث الإنمائية، جامعة الخرطوم، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2012)، https://bit.ly/3AHL8Nk.
(59) “السودان.. الحزب الشيوعي يدعو “لإسقاط” الائتلاف الحاكم وإقامة حكم مدني ديمقراطي”، الأناضول، 1 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 28 أبريل/نيسان 2021)، https://bit.ly/36n35TB.
(60) البدوي، “حول إصلاح الاقتصاد السوداني”، مرجع سابق.
(61) المرجع السابق.
(62) “سقوط البشير كان محتومًا بعد تخلي الإمارات عنه”، رويترز، 3 يوليو/تموز 2019، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2021)، https://reut.rs/3yFjzCn.
(63) “Sudan: Is it being exploited by foreign powers?,” BBC news, July 10, 2019, “accessed March 21, 2021”. https://bbc.in/3xc1L1v.
(64) “من يسرق الذهب في السودان؟”، الجزيرة نت، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 21 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3Anhq05.
(65) محمد الحسن ولد لبات، السودان على طريق المصالحة، (بيروت، المركز الثقافي للكتاب، 2020)، ص 265.
(66) حاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل، مرجع سابق، ص 199.
(67) “H.R.7682- Sudan Democratic Transition, Accountability, and Fiscal Transparency Act of 2020,” CONGRESS*COV, July 29, 2020, “accessed March 2, 2021”. https://bit.ly/3nJbTct.
(68) أحمد إبراهيم أبو شوك، “السودان والتطبيع مع إسرائيل: البعد التاريخي والراهن السياسي”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 19 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 3 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/2UzJOf1.
(69) “حمدوك: استثمار الجيش في الإنتاج غير مقبول والتطبيع مسؤولية المجلس التشريعي”، القدس العربي، 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، (تاريخ الدخول: 31 يناير/كانون الثاني 2021)، https://bit.ly/3xxB3jU.
(70) “Secretary Blinken’s Call with Sudanese PM Abdalla Hamdokm,” US Department of State, June 27, 2021, “accessed June 28, 2021”. https://bit.ly/3hRBm2G.
(71) فولكر بيرتس، “السودان يحرز تقدمًا كبيرًا في العملية الانتقالية، ولكن التحديات هائلة”، موقع الأمم المتحدة، 9 مارس/آذار 2021، (تاريخ الدخول: 17 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/2Vq35zU.
(72) حاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل، مرجع سابق، ص 714.
(73) خالد، النخبة السودانية وإدمان الفشل، مرجع سابق، ص51.
(74) Huntington, “Democracy’s Third Wave,”: 33.
(75) Ibid, 33.
(76) Huntington, The Third Wave, 35.
(77) “الفترة الانتقالية.. اختلاف القوى السياسية يهدد (الانتقال الديمقراطي)”، قناة سودانية 24، 26 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2021)، https://bit.ly/3xY4qfA.
(78) “الحرية والتغيير: تأخر الإصلاح يهدد الفترة الانتقالية”، قناة سودانية 24، 16 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 16 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/374wvpz.
(79) “عوامل نجاح الثورة السودانية متوفرة رغم جسامة التحديات”، مركز الجزيرة للدراسات، 26 مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2021)، https://bit.ly/3AvHTbw.
(80) “مناوي: المصالحة الوطنية هي المخرج ويجب أن تشمل المؤتمر الوطني أيضًا”، قناة طيبة الفضائية، 8 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 29 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/2UjYcI0.
(81) “السودان.. حزب البشير يدعو الجيش إلى الابتعاد عن الصراع السياسي”، الأناضول، 30 نوفمبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 1 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3jJ6y6y.
(82) حسن الحاج علي أحمد، “الانقلاب العسكري بمنزلة عملية سياسية: الجيش والسلطة في السودان”، مجلة سياسات عربية (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، العدد 24، كانون الثاني/ يناير2017)، ص 53.
(83) نقلًا عن بشارة، الانتقال الديمقراطي وإشكالياته، مرجع سابق، ص 528.
(84) نقلًا عن بشير عبد الفتاح، “بين يناير 2011 ويوليو 2013: جيش مصر في قلب العاصفة”، مجلة سياسات عربية (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، العدد 4، سبتمبر/أيلول 2013)، ص 82.
(85) عزمي بشارة، “الانتقال الديمقراطي: إشكاليات نظرية وتجارب عربية”، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، يوتيوب، (تاريخ الدخول: 10 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3hfppVf.
(86) ماضي، الجيوش والانتقال الديمقراطي”، مرجع سابق، ص 11.
(87) هي الوثيقة الدستورية الموقَّعة بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، في 20 أغسطس/آب 2019، بفندق كورنثيا بالخرطوم، بحضور دولي وإقليم مشهود والتي قسمت السلطة وطريقتها بينهما، انظر الجريدة الرسمية لوزارة العدل السودانية المنشورة في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تاريخ الدخول: 2 مارس/آذار 2021)، https://bit.ly/3hCrCt0
(88) جين شارب، من الدكتاتورية إلى الديمقراطية: إطار تصوري للتحرر، ترجمة خالد دار عمر، ط 2 (بوسطن، مؤسسة ألبرت أينشتاين، 2003) ص 45.
(89) أحمد إبراهيم أبو شوك، صلاح الدين الزين محمد، “الانتقال الديمقراطي في السودان (2019-2022): التحديات والآفاق”، مجلة لباب للدراسات الاستراتيجية والإعلامية (مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، العدد 6، أيار/مايو 2020)، ص 29.
(90) وصف محمد الفكي، عضو مجلس السيادة ورئيس لجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال العامة وتفكيك نظام الـ30 من يونيو/حزيران، أثناء مخاطبة أعضاء اللجنة، أن عملها هو “عمل سياسي في المقام الأول”، وكالة سونا للأنباء، 21 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2021)، https://bit.ly/36B8INQ.
(91) ولد لبات، السودان على طريق المصالحة، مرجع سابق، ص 255.
(92) عبد الوهاب الأفندي، “إنه الاقتصاد يا أذكياء السودان”، العربي الجديد، 1 فبراير/شباط 2020، (تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2021)، https://bit.ly/3stSCPK.
(93) “إنهاء الشراكة”، مرجع سابق.
(94) حاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل، مرجع سابق، ص 716.