تبحث الدراسة في النماذج الاقتصادية المتنافسة بمنطقة الشرق الأوسط، وتقارن أساسًا بين النموذج الاقتصادي التركي والسعودي والإماراتي، وتحاول تحديد أبرز معالم وخصائص هذه النماذج وآليات عملها. وتستخدم الدراسة المنهج الوصفي التحليلي لبحث هيكلية هذه الاقتصادات الثلاث، ومقارنتها للتعرف على أنساقها وإجراءاتها وتدابيرها التي تحدد عمليات الإنتاج والخدمات. وتركز الدراسة على النموذج الاقتصادي التركي وأدواته الرئيسية المستخدمة لتعزيز تنافسيته في المنطقة والعالم، وتعظيم قدراته في مواجهة النماذج المنافسة.

كلمات مفتاحية: النموذج الاقتصادي التركي، الاقتصاد التركي، الاقتصاد السعودي، الاقتصاد الإماراتي، اقتصاد الشرق الأوسط.

The study examines economic models in the Middle East region and compares between the Turkish, Saudi and Emirati models in an attempt to determine their most prominent features and mechanisms. It applies the descriptive analytical method to look into the structures of these three economies and compare them in order to identify their formats (i.e. procedures and measures), which determine the operations of production and services. Furthermore, the study focuses on the Turkish model and the tools it uses to strengthen its competitiveness in the region and the world and increase its capacity to confront competing models.

Keywords: Turkish Economic Model, Turkish Economy, Saudi Economy, UAE Economy, Middle East Economy.

 

مقدمة

تتسارع الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق، فالنزاعات المحلية أصبح من الصعب التنبؤ باندلاعها؛ حيث تتداخل مجموعة واسعة من العوامل والقوى الفاعلة في الشرق الأوسط لتشكِّل المشهد السياسي والعسكري والأمني، وفي العمق هناك صراعات من نوع آخر يلعب الاقتصاد فيها دورًا كبيرًا.

يشهد التنافس بين القوى الإقليمية والدولية على موارد الشرق الأوسط تصاعدًا واضحًا؛ إذ لطالما شكَّلت الموارد الأولية المرتكز الرئيسي لهذا التنافس بين القوى المختلفة. وقد باتت الدول شرق الأوسطية في الآونة الأخيرة أكثر إدراكًا لأن هذه الموارد المحدودة لابد أن تنضب، وأن قيمتها في شكلها الحالي لا تحقق تطلعاتها لبناء اقتصادات قوية، لذلك تحوَّلت إلى بناء اقتصاداتها المحلية بمختلف الوسائل لتطوير نماذج اقتصادية ذات قيمة إضافية؛ حيث لم يعد المنتج نفسه في شكله الأولي هو المقصد، بل الفلسفة الاقتصادية وراء منتج هذه الدول التي باتت متكاملة وتحمل صورة أكثر وضوحًا من أي وقت سابق.

ويعرف الشرق الأوسط ثلاثة نماذج اقتصادية تكاد تكون مكتملة المعالم من ناحية القدرة على تميزها عن بقية النماذج الأخرى، وهي النموذج الاقتصادي الإماراتي والنموذج الاقتصادي السعودي والنموذج الاقتصادي التركي. ولاشك أن اقتصادات بعض الدول وإن كانت تحاول النهوض إلا أنها لا تزال تصارع في سبيل تشكيل نموذجها الخاص، مثل الاقتصاد المصري الذي تعرض لهزات عنيفة في السنوات التي تلت الربيع العربي، ويواجه اليوم تهديدًا حقيقيًّا يتمثَّل في قضايا المياه، وكذلك الاقتصاد الإيراني الذي يرزح تحت عقوبات منهكة من جهة، واستنزاف للموارد نتيجة التوسع في الحروب الخارجية من جهة أخرى.

وتسعى الدراسة إلى تفكيك النماذج الاقتصادية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، وتقارن بعضها ببعض، وتخصص جزءًا أكبر للنموذج الاقتصادي التركي لإبراز أدواته وآليات اشتغاله والتحديات التي يواجهها. كما يحاول البحث طرح بعض التوصيات التي تساعد في تعزيز الشكل النهائي للنموذج الاقتصادي التركي لاستكمال مجمل أركانه الشكلية والعملية.

  1. اعتبارات منهجية

أ- مشكلة الدراسة

تحاول الدراسة تحديد المعالم الرئيسية للنماذج الاقتصادية المتنافسة في الشرق الأوسط، مع التركيز بشكل أكبر على معالم وأدوات النموذج الاقتصادي التركي والتحديات التي تواجهه، وفي هذا السياق تطرح الأسئلة الآتية:

  1. ما النماذج الاقتصادية المكتملة أو شبه المكتملة في الشرق الأوسط؟
  2. ما معالم هذه النماذج؟ وكيف تخدم هذه المعالم تنافسية النموذج؟
  3. ما أبرز أدوات النموذج الاقتصادي التركي؟ وكيف يمكن تدعيمها؟

ب- أهمية الدراسة وأهدافها

تكمن أهمية الدراسة في مقاربتها للنماذج الاقتصادية واضحة المعالم في الشرق الأوسط؛ إذ تسعى لتحليل وتفكيك هذه النماذج للتعرف على مرتكزاتها ومتغيراتها. كما تهتم الدراسة بالنموذج الاقتصادي التركي باعتباره نموذجًا ممتدًّا نحو مناطق جغرافية أبعد، مثل أوروبا وأميركا، وتسعى لتحديد أدوات هذا التوسع وكيفية تثبيتها وتعزيزها. وتركز أيضًا على:

– تفكيك النماذج الاقتصادية الرئيسية في الشرق الأوسط ومعرفة مكوناتها.

– تحديد الوسائل اللازمة لتعزيز التنافسية للنموذج الاقتصادي التركي وبالتالي توسيع انتشاره.

– تطوير نماذج اقتصادية متكاملة المعالم بالاستناد إلى التجارب المذكورة في البحث.

ج- منهج الدراسة

تستخدم الدراسةُ المنهجَ الوصفي التحليلي لإبراز معالم وخصائص النماذج الاقتصادية الثلاث (التركي والسعودي والإماراتي) وتحديد آليات عملها ومكوناتها الرئيسية، كما تعتمد المنهجَ التاريخي استنادًا إلى بعض الأحداث التي تساعد في تحديد هيكلية هذه النماذج الاقتصادية، والتعرف على أنساقها (الإجراءات والتدابير) التي تحدد عمليات الإنتاج والخدمات.

 

  1. النماذج الاقتصادية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط

عند الحديث عن حجم الاقتصاد لدول الشرق الأوسط من حيث الناتج المحلي الإجمالي نجد أن هناك دولًا لديها اقتصادات تشهد نموًا قويًّا نسبيًّا، ومنها تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات وإيران ومصر؛ حيث يمكن تصنيف هذه الاقتصادات ضمن الاقتصادات الخمسين الأولى على مستوى العالم.

أولًا: معالم النموذج الاقتصادي السعودي

اعتمدت المملكة العربية السعودية في العقود الماضية على النفط حتى وُصفت بأنها إحدى أكبر الدول الريعية في المنطقة، والتصق اقتصادها بالنفط حتى صار ملازمًا له فما تكاد تُذكر المملكة العربية السعودية حتى يُذكر النفط، والعكس صحيح. هكذا صار التقلب في أسعار النفط يعني تقلبًا لاقتصاد السعودية الذي راح يتأرجح مع تأرجح أسعاره، وكانت الدولة قد عملت على صياغة موازناتها لتنشِّط القطاع الخاص الذي اعتمد عليها بشكل كبير فعاش على مناقصاتها وبرامجها، واعتمد المواطنون على المنح والقروض والعلاوات، إضافة للرواتب الحكومية التي اعتُبرت مجزية مقارنة بدول المنطقة.

ومنذ العام 2015، ظهر أن هناك تحولات بدأت تتسم بها السياسة والاقتصاد السعوديان ليدخل الاقتصاد مرحلة التشكُّل والتكوين دافعًا بنفسه إلى وسط الاقتصادات الكبرى في المنطقة وطامحًا أن يكون أحد الاقتصادات المؤثِّرة في العالم، ومن أهم ملامحه:

  1. اقتصاد يعتمد على الطاقة: تُعد السعودية أحد أكبر منتجي الطاقة في العالم، والمحدِّد الرئيسي لأسعار النفط، وتحاول ترسيخ هذا المفهوم ليس فقط من خلال الطاقة التقليدية، بل كذلك عبر التحوُّل نحو الطاقة البديلة؛ حيث أقرَّت داخليًّا مشاريع عديدة للاعتماد على الطاقة البديلة في توليد الكهرباء؛ فعلى سبيل المثال في 2020، جرى إطلاق مشاريع طاقة تحت عنوان “الجولة الثالثة” بسعة تصل إلى 1200 ميغاوات من الطاقة الشمسية الكهروضوئية(1)، وهي سلسلة مشاريع تسعى السعودية من خلالها للتحوُّل إلى الطاقة البديلة. وخارجيًّا، أطلقت السعودية العنان للشركة الأكبر بين القطاع الخاص والحكومي وهي شركة “أكواباور” التي باتت تستثمر في دول الجوار وبعض دول العالم؛ حيث تمتلك مشاريع في المغرب ومصر وجنوب إفريقيا إضافة إلى الإمارات والسعودية. وتسعى الشركة لضخِّ عشرة مليارات دولار في الفترة المقبلة لتوسيع استثماراتها، خاصة مع دخول صندوق الاستثمارات السعودي بحصة أكبر في الشركة وجعلها قطبًا أساسيًّا في تحقيق رؤيته للاستحواذ على قطاع الطاقة في المنطقة(2).

 

  1. تحوُّل في دور الدولة من الإنفاق على القطاع الخاص إلى الشراكة: تعتمد السياسة الجديدة على أسلوب أكثر فعالية في الإنفاق، فقد اعتادت الدولة سابقًا الإعلان عن مناقصات ضخمة لتنفيذ أعمالها، واليوم تؤسس قطاعات اقتصادية جديدة وغير مسبوقة، مثل قطاع تدوير النفايات وتوفير الطاقة بالشراكة مع القطاع الخاص الذي بدا أن الحكومة عازمة على التقليل من تغوُّله ومنعه من الوصول إلى إمبراطوريات اقتصادية منافسة لها اقتصاديًّا وسياسيًّا في إطار حملات مكافحة الفساد، وكذلك إزاحة المتعاونين مع كبار رجال الأعمال في الدولة، والتقليل من أدوارهم، وتحويل المؤسسات الحكومية إلى قطاعات تقنية تؤدي خدمة للمواطن دون أي حسابات سياسية أو ولاء لغير الملك وولي العهد، مع تقدم واضح لدور القطاع الحكومي على شكل مؤسسات يشارك فيها المواطنون من خلال طرحها في البورصة. ويلعب صندوق الاستثمارات العامة الدور الأهم في تهيئة الأجواء وجعل المؤسسات الحكومية تعمل في شكل إداري قريب من القطاع الخاص وبالشراكة معه.
  2. طرح جزء من أرامكو في السوق كخطوة للانفتاح على العالم: ترغب السعودية في أن يستثمر الأجانب في الشركة، وأن تتشابك اقتصاديات دول كبرى مع اقتصادها مما يجعلها تدفع بعضها البعض وبالتالي تستفيد من الروافع الخارجية. ويتوقع أن تُبقِي الحكومة على الحصة الأكبر بيدها، ولكن إعطاء الأجانب جزءًا من حصة رأس مال “أرامكو” سيطوِّر من عمل الشركة خارج المملكة وداخلها، وسيجعل مصالح كبار المستثمرين المشترين لهذه الأسهم متشابكة مع مصالح المملكة مما يضمن لها استثمارات في الخارج وتحقيق مكاسب اقتصادية أكبر على مستوى العالم.
  3. التحول نحو الاقتصاد الأخضر: في سياق متصل مع قضايا التوجه نحو الطاقة البديلة، طرحت السعودية مبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر” لتقدم نفسها قائدًا للمنطقة في مجال التحول الأخضر(3) وتكسب بذلك ريادة التحوُّل في هذا المجال، وهي إذ ستنفق مبالغ ضخمة في هذا الجانب فإنها تتوقع أن تحقق مكاسب أيضًا من خلال الخبرات التي ستكتسبها والتحوُّل المناخي متوسط الأمد المتوقع حصوله لديها، وستكتسب المملكة سمعة جيدة في هذا الجانب، خاصة في الدول الغربية والأحزاب الخضراء والمنظمات الدولية التي تطمح لنفس الهدف.

وفي العام 2020، كانت في السعودية 72 شركة كبرى تعمل بمجال الطاقة المتجددة أبرزها “أكواباور”، ونستطيع أن نرى من خلال الشكل رقم (2) توزع أعمال هذه الشركات.

  1. الإصرار على البقاء بين الاقتصادات الكبرى: فقد استضافت السعودية قمة “مجموعة العشرين” (G20)، التي تجمع أكبر عشرين اقتصادًا دوليًّا، وتبرعت لمؤسسات دولية، وبدأت تعزيز هذا المسار من خلال تقديم مرشح لها لقيادة منظمة التجارة العالمية، والحرص على وجودها الدولي في معظم المؤسسات والصناديق والمؤتمرات لربط اسمها بأسماء الاقتصادات الكبرى. وفي هذا السياق، أقرَّت السعودية قانون المقر الإقليمي للشركات، الذي تسعى من خلاله لوجود أكبر عدد ممكن من الشركات العالمية في أراضيها.

هكذا يسير الاقتصاد السعودي نحو تكوين سمعة اقتصاد طاقوي مَرِن ومتأقلم مع الشكل الحديث لهذه الطاقة، تقوده رؤوس أموال حكومية وخاصة ضخمة في مختلف المجالات وبخبرات وطنية تسيطر على معظم الوظائف، وبذلك يتموضع الاقتصاد السعودي في قلب الشرق الأوسط من خلال أربعة عناصر رئيسية ينافس من خلالها، هي:

– الطاقة بكل أشكالها سواء التقليدية أو المتجددة؛ حيث تسعى المملكة للتموضع فيها من خلال التركيز في استثمارات أكبر داخليًّا وخارجيًّا في هذا القطاع ورسم صورة جيدة لها كاقتصاد نظيف.

– رؤوس الأموال الضخمة المملوكة لكل من الحكومة عن طريق ذراعها الاستثمارية، أو للقطاع الخاص الذي استفاد في وقت سابق من الطفرة النفطية والدعم الحكومي، ويمكن لهذه الأموال أن تتجه نحو استثمارات مباشرة وغير مباشرة في مختلف القطاعات داخل وخارج المملكة والتي تمتلك السعودية أرضية مقبولة من الخبرة في كل منها.

– التشابك مع الاقتصادات الدولية الكبرى للدفع أو ضمان تحريك الاقتصاد المحلي.

– الدعم المالي من خلال التبرعات والقروض لبعض الدول الكبرى في المنطقة، مثل مصر والسودان، والذي يضمن لها القدرة على الوصول وحشد الطاقات السياسية والبشرية للاستثمار في المنطقة.

هكذا نجد أن السعودية ترسم لاقتصادها معالم واضحة لتجعل منه نموذجًا قياديًّا في المنطقة عن طريق التحولات الأخيرة التي اتخذتها، ولكن من جهة أخرى يعاب على هذا النموذج ما يلي:

– ضعف الكفاءات السعودية المشغِّلة للاقتصاد، والتي تُجرَى لها عملية تهيئة وضغط كبيرين من خلال برامج التوطين والتدريب في داخل السعودية وخارجها، ولكن لا يظهر أن هذه البرامج قد أظهرت نتائجها بشكل واضح حتى الآن.

– قضايا حقوق الإنسان التي تشكِّل عامل ضغط على السعودية، فهي من جهة تسعى لتكون خضراء وقيادية في هذا المجال وهذا يضمن لها تأييدًا كبيرًا من قِبَل المؤسسات الدولية التي تسهم المملكة في تمويلها، ولكنها من جهة أخرى لا تزال حرية الصحافة لديها مقيدة، ولديها اعتقالات لناشطين ومفكرين وهناك مشاكل سابقة في السنوات الأخيرة ترسم سجلًّا قد يمنع الشراكة الاستراتيجية مع بعض الشركات العالمية.

– احتمالية انهيار النموذج؛ حيث إن النموذج الذي تسعى المملكة لرسمه لا يزال في بداياته ومؤشراته التي تسانده على الأرض ضعيفة وإن كانت بدأت بالظهور، وهو ما يجعل إمكانية تدهور وانهيار هذا النموذج قائمة بالفعل، وربما تشكِّل التهديدات السياسية القسم الأكبر من التهديد للنموذج الاقتصادي الحالي فالهجمات الحوثية على المنشآت السعودية مستمرة وانخراط الطبقة الحاكمة في عمليات صراع داخلية لا تزال مستمرة.

الجدول (1): علاقة السعودية التجارية مع أبرز دول العالم وتركيبة التجارة- مليار ريال (2019)

أبرز السلع المستورَدة أبرز السلع المصدَّرة الواردات الصادرات الدولة
رادار، سيارات، قطع طائرات، منصات حفر، معدات شخصية وقود، مواد كيماوية 70 95 أميركا
زيوت وقود، ورق، مواد غذائية وقود، مواد كيماوية 5.5 0.122 روسيا
سيارات، أدوية، قطع طائرات وقود، مواد كيماوية 12 7 بريطانيا
سيارات، معدات طبية وقود، مواد كيماوية 28 2.4 ألمانيا
معدات المطابخ، الأثاث وقود، مواد كيماوية 16 19 إيطاليا
أدوية، معادن وقود، مواد كيماوية 5.5 29 بلجيكا
قطع طائرات، سيارات، أدوية وقود، مواد كيماوية 19 19 فرنسا
قاطرات ومعدات مصاعد، سيارات، أجزاء طائرات عمودية وقود، مواد كيماوية 9 18.6 إسبانيا
مواد غذائية، مبردات هواء وقود، مواد كيماوية 2.5 2.1 أستراليا
بذور، حليب، تذاكر حفلات وقود، مواد كيماوية 6.8 35 هولندا

المصدر: استنادًا إلى تقارير التجارة الخارجية لعدة سنوات (هيئة الإحصاء السعودي)

ثانيًا: معالم النموذج الاقتصادي الإماراتي

شكَّلت الصورة النمطية للإمارات كدولة نفطية تحديًا للبلاد التي سرعان ما بدا أنها تجاوزتها في الآونة الأخيرة. فعلى الرغم من أن النفط يمثِّل أحد أهم موارد البلاد إلا أنه بدا واضحًا أن الإمارات أصبحت تتموضع في مكان مختلف تمامًا من الناحية الاقتصادية ليس كدولة نفطية وحسب، ولكن كمركز أعمال إقليمي وعالمي، وساعد أسلوب الإدارة غير المركزية للإمارات دبي نسبيًّا على تطوير الأعمال بشكل يضمن التنوع ويجعل التنافس الداخلي عاملًا مهمًّا في تطوير الدولة، ولعل معالم النموذج الاقتصادي الإماراتي يمكن أن تتسم بما يلي:

  1. مركز أعمال إقليمي: تجذب الإمارات عددًا كبيرًا من الشركات العالمية لخدمة المنطقة؛ إذ لديها ما يقرب من 4 آلاف فرع لشركات أجنبية وخليجية. وتستقبل دبي ما يزيد عن 10 ملايين سائح سنويًّا رغم صغر حجمها، ويعمل الإماراتيون بجانب الأجانب على إنشاء مزيد من الشركات التي تمارس أعمالًا في مختلف القطاعات داخل وخارج الإمارات.
  2. الاستفادة من اقتصاديات الموقع: تقع الإمارات في موقع استراتيجي في قلب آسيا لتصل الدول الآسيوية الكبرى بدول الشرق الأوسط، كما تمتلك منظومة لوجستية ضخمة تساعد على الاستفادة من هذا الموقع، فمطار دبي استقبل عام 2019 قرابة 90 مليون مسافر، وهو بذلك أحد أكبر مطارات العالم استقبالًا للمسافرين. وتمتلك الإمارات قدرات برية ضخمة للنقل؛ حيث تصل الشاحنات الخارجة منها إلى مختلف دول المنطقة، وتمتلك شركات نقل كبيرة تستطيع إيصال البضائع لمختلف الأماكن في المنطقة، مما يجعلها دولة مقر إقليمي لمختلف شركات العالم.
  3. بيئة أعمال مرنة: تمتلك الإمارات بيئة تشريعية مرنة مقارنة بأية دول أخرى في العالم؛ حيث يصنف البنك الدولي في تقرير بيئة الأعمال، الذي يصدر عنه سنويًّا، الإمارات في المركز 16 عالميًّا(4) في سهولة إنشاء الأعمال الجديدة وممارستها، وهي بذلك تنافس ماليزيا وتايوان وتتقدَّم على كل الدول العربية بدرجات واضحة؛ حيث يليها المغرب في المركز 53 عالميًّا. وتمتلك الإمارات منظومة بنكية ومالية عالية التقنية تساعد المؤسسات العاملة على تحقيق أعمالها، وكذلك بنى تحتية ونظامًا أمنيًّا متقدمًا نسبيًّا يحقق الرضى والحماية للمستثمرين.
  4. مركز للتقنية: تحاول الإمارات أن تضع نفسها في مصاف الدول الكبرى في مجال التقنيات المتقدمة، فقد أطلقت، في يوليو/تموز 2020، مسبار “الأمل” نحو المريخ، ولئن كانت اعتمدت على خبرات أجنبية في إطلاق المسبار إلا أنها حرصت على وضع أسماء عربية في تصميمه، كما حرصت على إطلاق أقمار صناعية وبعثات فضاء، وبرامج ضخمة للتقنيات على غرار برنامج تأهيل “مليون مبرمج عربي”، الذي جرى إطلاقه بالشراكة مع “مايكروسوفت” وشركات تقنية أخرى. وتحرص الإمارات على استضافة خبراء وباحثين موالين لها، وقد عززت هذا الطموح من خلال برنامج تجنيس الكفاءات الذي أعلنت عنه مؤخرًا(5).

هكذا، فإن الإمارات تتموضع من خلال نموذج قائم على نقاط القوة الآتية:

– بيئة الأعمال السهلة والمرنة التي تمتلك بنى تحتية وتقنية عالية التأهيل، ومنظومة حماية أمنية وعلاقات دولية تساعد على استقرارها؛ مما يجذب المستثمرين ورجال الأعمال الراغبين بالعمل في المنطقة لجعلها مركزًا لهم.

– الموقع المميز للإمارات والبنى التحتية العالية في قطاع النقل واللوجستيك التي تجعل الإمارات مؤهلة للعب دور بالاستفادة من اقتصاديات الموقع.

– تقديم تسهيلات خدمية للمستثمرين من لحظة وصولهم إلى المطار وحتى لحظة مغادرتهم، وتتضمن هذه التسهيلات تلبية كل متطلباتهم الترفيهية والخدمية والدينية والاعتراف التام بحقوقهم وضمانها لجعلهم يشعرون بأنهم في مكان آمن ومريح.

ولكن من جهة أخرى، يعاب على النموذج الاقتصادي الإماراتي ما يلي:

– اعتماده على تقديم الخدمات بشكل رئيسي مما يجعله يتأثر أكثر من أي نشاط آخر بالأزمات التي تحصل في المنطقة وعلى مستوى العالم.

– محاولات الاستقرار والبناء والقفزات التي تطمح الإمارات لتحقيقها قد تدمرها السياسة الإماراتية التي تسعى للعب دور إقليمي أكبر من حجمها السياسي، كما هي الحال في اليمن وليبيا وسوريا، مما يحمل احتمال مواجهة بين الإمارات وأية حكومات مستقبلية قد تقوم في هذه الدول لا تتوافق ومصالح الإمارات مما يهدد مجمل النموذج.

الجدول (2): أبرز مؤشرات تحسين بيئة الأعمال في الإمارات خلال 2020(6)

م المؤشرات النسبة والترتيب
1 نسبة العاملين في القطاع المعرفي مقارنة ببقية العاملين في الدولة 39%
2 نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج المحلي 1.3%
3 مؤشر الابتكار العالمي المرتبة 34 عالميًّا
4 المؤشر العالمي لريادة الأعمال المرتبة 4 عالميًّا
5 مؤشر سهولة الأعمال المرتبة 16 عالميًّا
6 مؤشر التنافسية العالمي المرتبة 25 عالمياً

ثالثًا: معالم النموذج الاقتصادي التركي

تمتلك تركيا إمكانيات بشرية ضخمة وموقعًا استراتيجيًّا مهمًّا بين آسيا وأوروبا، وقد حقق الاقتصاد التركي قفزات كبيرة سمحت له بأن يكون بين الاقتصادات الكبرى على مستوى العالم، ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية أخذ الاقتصاد التركي يتحسن وكذلك الظروف الاقتصادية للمواطنين. ولا شك أن معالم الاقتصاد التركي أخذت بالتشكُّل في السنوات القليلة الماضية بشكل أكبر منها في أي وقت سابق؛ حيث حرص الرئيس، رجب طيب أردوغان، على بناء نموذج اقتصادي تركي يتناسب مع ما يخدم الدور السياسي الذي تطمح إليه تركيا في العالم، ولعل معالم هذا الاقتصاد يمكن رصدها في النقاط الآتية:

  1. النهضة التنموية اللافتة: وهي النهضة التي انتشلت تركيا من مصاف الدول المتأخرة إلى مصاف الدول المتقدمة، حيث حققت تركيا نهضة كبيرة قابلة للتعميم والدراسة من قِبَل دول المنطقة التي تتشابه ظروفها مع تركيا، واستطاع المواطن التركي أن ينعم بخدمات الحكومة والقطاع الخاص بشكل ملحوظ. وبَنَتْ تركيا تجربتها على اقتصاد السوق والاستثمارات المتدفقة من القطاع الخاص وتهيئة البيئة الاقتصادية للعمل، وتنافست بلدياتها في تقديم خدمات أكبر للمواطنين واستثمار الموارد المحلية لسدِّ الدَّيْن العام والصرف على الخدمات، كل ذلك انعكس على المؤشرات الاقتصادية الكلية التركية التي أصبحت واقعًا يمكن الاستفادة منه.
  2. نموذج اقتصاد مناسب لشعوب الشرق الأوسط والشعوب المسلمة: حيث تعمل الحكومة الحالية على زيادة عدد العاملين في الاقتصاد التشاركي/الإسلامي، وتطوير منظومة تعليمية خاصة لهذا المجال من خلال جامعات ومؤسسات غير رسمية، ويطرح الرئيس رؤيته لسعر فائدة منخفض يشجع الاستثمار، وقامت الدولة باتباع مبادئ أخلاقية وترويجها على أنها جوهر الاقتصاد الإسلامي الذي اعتبره الرئيس علنًا الحل للأزمات.
  3. المنتج الحلال: تنتشر المنتجات التركية في مختلف دول العالم مستهدفة الأتراك والمسلمين البالغ عددهم أكثر من مليار شخص ليعتمدوا على المنتج التركي لارتباطه بمسائل عقائدية تجعلهم يفضلونه على غيره، وتقوم فلسفة المنتجين الأتراك على استهداف المسلمين في مختلف هذه الدول مع اتباع مبادئ جودة معقولة وأسعار منطقية.
  4. موطن رأس المال الهارب من الحروب: بدأت تركيا بجذب استثمارات رجال الأعمال الفارين من الأزمات في كل من سوريا وفلسطين واليمن والعراق وليبيا وغيرها من الدول التي تتعرض لأزمات مختلفة، مقدمة لهم كافة التسهيلات الممكنة من تبسيط الإجراءات إلى منحهم الجنسية إلى متابعتهم بشكل مباشر والتعرف على مشاكلهم.
  5. الاستفادة من الموقع: تقع تركيا في قلب العالم تقريبًا وتمتلك وصلًا بأوروبا وآسيا وبين قوميات عربية وبلقانية وقوقازية وغيرها، وتمتلك بحر مرمرة ومضيق البوسفور مما يجعلها مؤهلة للعب دور أكبر، إضافة إلى دورها الحالي المتمثل في السيطرة على معابر وأنابيب الطاقة وجزء من التجارة العالمية والعلاقات التجارية مع مختلف دول المنطقة.

هكذا، فإن النموذج التركي يجري بناؤه حاليًّا على فلسفة تنسجم مع الدور السياسي التركي المأمول، بحيث يتم ضمان اصطفاف المسلمين والفارين من الحروب لتأييد هذا الاقتصاد، وتطوير علاقات من خلال الاستفادة من الموقع وشبكات الأعمال للمقيمين من غير الأتراك لإرسال المنتج التركي خلف الحدود وجذب الاستثمارات؛ حيث تعتبر نقاط قوة هذا التموضع نابعة من:

– الهيكل الإنتاجي التركي المرن والقوي، الذي حقق تنمية كبيرة بالاعتماد على التسهيلات الحكومية والسياسات التي اتبعتها تركيا في وقت سابق مما شكَّل سمعة تركيا الاقتصادية.

– الأعداد الكبيرة للمسلمين الراغبين باستهلاك المنتج التركي والباحثين عنه لانسجامه مع المبادئ الإسلامية ورخص سعره وجودته النسبية.

– القدرة على الاستفادة من الموقع المميز لتركيا لجذب الاستثمارات وتطوير شراكات تجارية وشراكة عبور وتقديم خدمات مترافقة مع بنى تحتية تركية جيدة وتسهيلات قانونية مميزة.

ولكن يعاب على هذا النموذج ما يلي:

– وجود أزمات هيكلية في الاقتصاد التركي تجعل عددًا كبيرًا من المهاجمين له يشكِّكون في إمكانية نقله أو تبنِّيه من قِبَل أية دولة عربية أو إفريقية أو آسيوية؛ حيث يواجه الاقتصاد التركي مشكلة مديونية وتضخم مزمن.

– عدم القدرة على استكمال تبني مبادئ وتعاليم الاقتصاد الإسلامي رغم التصريح بها لأسباب تتعلق بالاقتصاد نفسه وبعمق الأزمات والمشاكل السياسية داخل تركيا مما يجعل التصريحات يتم التشكيك فيها باعتبارها مجرد وسيلة لجذب الاستثمارات وكسب التعاطف من قبل شعوب المنطقة.

الجدول (3): نقاط القوة والضعف للنماذج الاقتصادية الثلاث

تركيا الإمارات السعودية البلد
نموذج تنموي ناجح واقتصاد إسلامي عصري الموقع وبيئة الأعمال المرنة والبنى التحتية المتطورة الطاقة التقليدية والمتجددة والتشابك الدولي فلسفة النموذج الاقتصادي
نقاط الضعف نقاط القوة نقاط الضعف نقاط القوة نقاط الضعف نقاط القوة مقارنة
أزمات هيكلية هيكل إنتاجي قوي ومرن يعتمد على الخدمات بشكل كبير بيئة أعمال سهلة ومرنة ضعف الكفاءات البشرية السعي لقيادة اقتصاد الطاقة في المنطقة  

 

1

 

عدم التقدم خطوات في الاقتصاد الإسلامي منتج تركي حلال يصل لمسلمي الأرض تعارضه مع السياسة الإماراتية الإشكالية في المنطقة موقع متميز مشاكل ملف حقوق الإنسان التشابك مع اقتصادات المنطقة والعالم  

 

2

مشاكل داخلية الاستفادة من الموقع الاعتماد على الخبراء وضعف كفاءة المهنيين المحليين تقنيات متقدمة نموذج قيد التشكُّل الدعم المالي لدول المنطقة لأهداف سياسية  

3

المصدر: من إعداد الباحث بالاستناد إلى فقرات البحث

رابعًا: التنافس الاقتصادي بين النماذج الثلاث

تتشابه الاقتصادات الثلاث (السعودي والإماراتي والتركي) في كونها تتنافس في منطقة جغرافية واحدة تقريبًا، ففي حين أن تركيا تمتلك مساحة مناورة أكبر نظرًا لموقعها بين دول آسيوية وشرق متوسطية وأوروبية صغيرة تستطيع التعاون معها، فالسعودية قد تلعب دورًا أكبر مع الدول الإفريقية القريبة منها. ويأتي موقع الإمارات بين الدول الآسيوية الكبرى ودول الشرق الأوسط كميزة نسبية لها، ويقترب الناتج المحلي الإجمالي لتركيا من نظيره السعودي، وكلا البلدين يتنافسان ورغم أن الاقتصاد الإماراتي يعد أصغر منهما من حيث مقارنة الناتج المحلي الإجمالي إلا أنه يتقارب معهما إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار عدد السكان بل ويتفوق عليهما، ولا تقتصر عوامل التنافس على الأرقام فقط بل نستطيع أن نلاحظ أن التنافس الاقتصادي بين النماذج الاقتصادية الثلاث يتمحور حول نقاط معينة كما يلي:

  1. قضية الموقع: تتنافس الاقتصادات الثلاث في قضية الموقع؛ حيث نلاحظ أن لكل منها موقعًا مميزًا في بقعة ما من الشرق الأوسط، ويُعتقد أن التنافس يكون على جغرافية الشرق الأوسط سواء من خلال التنافس في البحر المتوسط بين الإمارات وحلفائها من جهة وبين تركيا من جهة أخرى، كما يوجد تنافس بين هذه الدول في منطقة القرن الإفريقي التي تستثمر فيها موانئ دبي من أجل تأمين التجارة البحرية في موريتانيا، وتستثمر تركيا في مناطق زراعية ضمنها وتقدم مساعدات عدَّة للحكومة، كما تسعى المملكة العربية السعودية لتأمين المنطقة من خلال مبادرتي الشرق الأوسط الأخضر ومبادرة اتحاد دول البحر الأحمر.
  2. الطاقة: تُعد مسألة الطاقة قضية ذات ميزة نسبية لكل من الإمارات والسعودية على حساب تركيا التي تمتلك ميزة في قضية إمدادات الطاقة، وتسعى الدولتان لعدم تمكين تركيا من السيطرة على مزيد من المنافذ للإمداد، خاصة في خلافها مع دول البحر المتوسط ولكن الأخيرة تسعى لكسب المعركة من خلال توافقها مع اليونان ومصر.
  3. بيئة الأعمال: تتقدم الإمارات على كلا البلدين في جذب الأعمال وتسهيلها والتنافسية الدولية، ولكن تركيا تمتلك ميزات جيدة في تأسيس الأعمال وقدرتها على جذب الهاربين من الأزمات في المنطقة، ويعتقد أن الاصطفاف السياسي لكل من الإمارات وتركيا هو ما يحدد قدرتهما على جذب رؤوس الأموال النازحة من دول المنطقة. وتعتبر السعودية طاردة حاليًّا لرؤوس الأموال نظرًا للإصلاحات التي تتبناها دون أن تأخذ بعين الاعتبار عدد السنوات الطويلة التي قضاها رأس المال أو العامل المؤهل في المملكة.
  4. الطاقة الخضراء: تمتلك تركيا ميزة كبيرة في إنجاز مشاريع الطاقة القائمة على المياه والشمس والرياح وكذلك في مشاريع الطاقة التقليدية الصناعية، ويعتقد أن طموح السعودية في هذا الجانب لا يزال بعيدًا عمَّا تمتلكه الكفاءات التركية في هذا الجانب، ولكن امتلاك السعودية لرأس المال والطاقة التقليدية يجعلها تتقدم على تركيا في هذا المجال ويعتقد أن الخبرات الأجنبية ستظل حاضرة في هذا الجانب عند الشركات السعودية.
  5. القدرات الصناعية: تتفوق تركيا على كل من الإمارات والسعودية في قدرتها الإنتاجية والصناعية بشكل واضح، ويُعد هيكل الإنتاج التركي متقدمًا ومرنًا وقابلًا للتطوير أكثر من نظيريه في السعودية والإمارات. وتسعى السعودية للمنافسة في هذا الجانب بقوة عن طريق المدن الصناعية التي تنشئها كما تمتلك الإمارات مراكز تجميع وتصنيع أجنبي متقدمة عن تلك التي في السعودية.
  6. اللغة: تعتبر اللغة مسألة ثقافية اقتصادية مهمة في مسائل الاستثمار والمنافسة، ويعاب على العنصر التركي عدم استخدامه للغة عالمية، فيما يمتلك الإماراتيون بشكل رئيسي لغة إنجليزية جيدة ومعظم العاملين الأجانب كذلك فيها بمن فيهم صغار العمال، وبدرجة أقل في السعودية مما يجعل رأس المال العربي والأجنبي يميل لوجوده في هذه المناطق أكثر من غيرها.
  7. السياحة: تُعد الدول الثلاثة (السعودية والإمارات وتركيا) متنافسة في مجال السياحة، فتمتلك السعودية السياحة الدينية التي تسيطر عليها كليًّا دون أية منافسة من أية دولة أخرى، وتسعى تركيا لتطوير مقامات ومزارات ومناسبات دينية جاذبة للغير وناجحة نسبيًّا، لكنها لا يمكن أن تنافس المملكة لقداسة الشعائر في الأراضي السعودية، والتي تدخل في عقيدة المسلمين عبر العالم، وتهمل السعودية معظم المقامات والمعالم التاريخية لأسباب تتعلق بمنهجها مما يحرمها من موارد كبيرة كانت قد تأتي من زيارة المتاحف والأماكن المختلفة. وتعتبر الإمارات مركزًا ضخمًا للسياحة الدولية وتنافس بذلك تركيا التي تمتلك سمعة عالية وطقسًا ومزايا طبيعية في مجال السياحة إضافة لرخص السياحة فيها، ويتوقع أن تتفوق تركيا على كلا البلدين في السياحة لجهة الموارد وأعداد السياح.

الجدول (4): بعض المؤشرات الرئيسية للاقتصاد التركي والسعودي والإماراتي 2019

الإمارات تركيا السعودية المؤشر م
421 762 792 الناتج المحلي الإجمالي (مليار دولار) 1
(مع المقيمين) 10 83 ( مع المقيمين) 34 عدد السكان (مليون نسمة) 2
43.5 10 22.8 متوسط الدخل للفرد (ألف دولار) 3
-2 15 -2 التضخم (%) 4
5 13 12 البطالة (%) 5
463 380 400 التجارة الدولية (مليون دولار) 6
النفط مصنوعات ومواد غذائية النفط أهم السلع 7
السياحة السياحة الحج والعمرة أهم الخدمات 8
25 61 36 الترتيب في مؤشر التنافسية العالمي(7) 9
21 86 52 الترتيب في مؤشر الشفافية(8) 10
16 33 62 الترتيب في مؤشر بيئة الأعمال 11

المصدر: من إعداد الباحث بالاستناد إلى بيانات البنك الدولي ومؤسسات دولية (2019)

  1. أدوات النموذج الاقتصادي التركي وسبل تعزيزها

أولًا: الأدوات الرئيسية وآليات العمل

لا شك أن الاقتصاد التركي قفز بشكل كبير في السنوات التي تلت وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في 2002، واليوم تُعد تركيا بين اقتصادات الدول العشرين الكبرى في العالم؛ إذ بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي عام 2002 قرابة 231 مليار دولار، وفي 2014 بلغ قرابة 800 مليار دولار(9). كما تضاعف متوسط دخل الفرد ثلاث مرات على أقل تقدير وقد شكَّل ذلك حلقات من التحسن؛ حيث دعمت الصناعة قدرات الفرد على الاستهلاك ودعمت القوة الشرائية القدرة على تطوير الصناعات. واستطاعت تركيا أن ترتكز إلى عدد واسع من المنتجات في تقوية الصناعة التركية. ومن أبرز المنتجات التي تميزت بها تركيا والتي يمكن أن يعتمد عليها النموذج الاقتصادي التركي كأدوات مهمة في تكوينه ما يلي:

  1. صناعة النسيج في تركيا: تطورت الصناعات النسيجية التركية بشكل لافت مستندة إلى النموذج التركي؛ حيث اعتمدت الصناعات النسيجية على الإرث والثقافة في قدرتها على التسويق، فالملابس التركية تجد إقبالًا ليس لكونها ذات جودة وبأسعار منافسة فقط، بل لأنها عصرية وتتناسب مع الثقافة الإسلامية للمرأة والرجل، وكذلك السجاد الذي تُستوحى رسوماته في معظم الحالات من الثقافة الإسلامية وإرث المنطقة.

وتُعد تركيا وباكستان أكبر دولتين مصدِّرَتين للمنتجات النسيجية في المنطقة، وقد ارتكزت الصناعة النسيجية التركية إلى توافر المواد الأولية حيث تصنع تركيا القطن العضوي، وقد شكَّل قطاع الغزل والنسيج ما يقرب من 7% من الناتج المحلي الإجمالي التركي ويعتقد أن هذا الرقم قابل للزيادة، حيث تصدِّر تركيا ثلثي إنتاجها.

  1. المنتج الغذائي: تمتلك تركيا صناعة غذائية رائدة فهي بلد واسع من حيث المساحة ولديه وفرة نسبية في المياه والأراضي والأيدي العاملة، وهذا كله يؤهِّل لقاعدة صناعات غذائية قوية.
  2. السياحة في تركيا: تستقبل تركيا سنويًّا ما يزيد عن 40 مليون سائح(10)؛ حيث توفر السياحة 600 ألف فرصة عمل للمواطنين الأتراك، وتسهم بحوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلا شك تلعب مجموعة من العوامل في تقوية القطاع السياحي التركي ولعل من أبرز هذه العوامل ما يلي:

– الجغرافية التركية: حيث تمتلك تركيا موقعًا مميزًا ومساحة واسعة موزعة على 81 ولاية تركية لكل منها ميزاتها الخاصة في السياحة وربما مناخها الخاص، وتعتبر إسطنبول المدينة السياحية الأولى في تركيا. وتأتي المناطق القريبة من إسطنبول، مثل: يلوا وبورصة وسبانجا، كوجهات سياحية مميزة لما تشتمل عليه من خدمات ومشاهد طبيعية إضافة إلى مدن أنطاليا وآلانيا وبودروم وغيرها من المناطق التي تتوافر فيها معالم خاصة تترك في نفس الزائر رغبة بالعودة مرة أخرى.

– التاريخ التركي: تعتبر المدن التركية مسرحًا لأحداث تاريخية تمتد لمئات السنين، ولا تزال تركيا تحتوي على عدد واسع من الأماكن التاريخية، ففي الجنوب نجد أنطاكيا التي اعتُبرت عاصمة للكنائس المسيحية الشرقية، نحو أورفا التي تحتوي مقام النبي إبراهيم الخليل، وحتى الساحل التركي الذي يضم مسرح أسباندوس في ولاية أنطاليا وحصن كيفا في ولاية أزمير وغيرها من المواقع التاريخية التي ربما يكون أبرزها في إسطنبول نفسها، وتساعد الثقافة الشعبية للأتراك على تنمية هذه الأماكن والاهتمام بها حيث يتبنى الأتراك منهجًا دينيًّا معتدلًا ومحافظًا محبًّا لكل ما هو تاريخي ومتعلقًا بالماضي فتجده يحترم ويحافظ على هذه الأماكن ويسعى لتنميتها.

– الثقافة التركية: تُعد تركيا دولة إسلامية من حيث أغلبية السكان وعدد المساجد الهائل الموجود فيها والطقوس الدينية والمكتبات والاهتمام بالتراث الديني. ولا شك أن الإجراءات الحكومية والخدمات والتسهيلات المقدمة من الحكومة المركزية والبلديات أسهمت بشكل كبير في تشجيع السياحة، ولكن بشكل عام فإن الثقافة والتاريخ هما جزءان رئيسيان في السياحة التركية التي تعتبر أحد أهم الوسائل لتسويق صورة تركيا في الخارج، “وظلت حكومة حزب العدالة والتنمية تشجع السياحة الحلال منذ سنوات، وأكدت من جديد سياسيًّا هذا الموقف على مدار عام 2016″(11).

  1. العقارات: يعتبر سوق العقارات في تركيا أحد ملامح تركيا الحديثة، وتقدم الحكومة تسهيلات جيدة لتشجيع شراء العقار في تركيا خاصة للأجانب؛ حيث تبدأ التسهيلات من القروض العقارية إلى قضية منح الجنسية التي يستطيع من خلالها مشتري العقار أن يحصل على الجنسية التركية في حال شرائه لعقار تبلغ قيمته 250 ألف دولار في الحد الأدنى(12)؛ إذ في ظل الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وخروج عدد كبير من المستثمرين من هذه الدول نجد أن تركيا تشكل ملاذًا آمنًا لهم. فهناك أعداد واسعة من الأفغان والإيرانيين والعراقيين والسوريين(13) وكذلك الخليجيين إضافة للمصريين واليمنيين والفلسطينيين اشتروا في تركيا. ولو نظرنا إلى قائمة هذه الدول نجد أن معظمها يعاني من نزاعات داخلية حيث يطمح من يشتري العقار في تركيا لأن يتمتع بإقامة مستقرة نسبيًّا.
  2. قطاع المالية التركي: تمتلك تركيا بنكًا مركزيًّا رسميًّا مؤسَّسًا منذ عام 1930 ودارًا للبورصة عرفتها البلاد منذ عام 1866 تحت اسم بورصة الأوراق المالية العثمانية، وبالعثمانية كانت تعرف بــ”درسعادت تحويلات بورصة سي”. وحاليًّا، فإن أكثر من 34% من الأصول تتركز في البنك الزراعي (زراعات بنكسي(، وبنك الإسكان (يابي كردي بنكسي)، وعيش بنكسي، وآق ‌بنك. ويوجد أيضًا فروع في تركيا للعديد من البنوك الأجنبية، وعدد من البنوك التجارية العربية، التي تزاول الصيرفة الإسلامية.

وتعتبر الصيرفة الإسلامية النقطة الرئيسية التي تحاول الحكومة جعلها مرتكزًا لقطاع المالية التركي، وتعمل البنوك التركية تحت اسم بنوك تشاركية، ويعمل في هذا القطاع بنكان حكوميان هما بنك الوقف التشاركي، وبنك الزراعة، إضافة إلى ثلاثة بنوك خاصة، وهي: البركة، والبنك الكويتي التركي، وبنك التمويل، وفي الفترة الأخيرة انضم إليها البنك العقاري، ويتوقع أن تدخل بنوك أخرى في ممارسة الصيرفة الإسلامية، وأن تتضاعف أصول هذه البنوك في السنوات المقبلة.

وتشير دراسات في الاقتصاد والصيرفة الإسلامية إلى أن التركيز المستقبلي للحكومة يستهدف تنمية هذا القطاع؛ فقد افتتحت جامعة صقاريا مركزًا لأبحاث الاقتصاد الإسلامي وتخصصات في الدراسات العليا، وكذلك كل من جامعتي إسطنبول الحكومية وجامعة صباح الدين زعيم الخاصة، كما افتُتح معهد للتمويل الإسلامي، ويعمل عدد من الجامعات على الانخراط في هذا المجال من خلال دراسات عليا للطلاب الأتراك والأجانب على حدٍّ سواء.

وتسير مدينة إسطنبول التركية بثبات نحو التحول إلى عاصمة التمويل الإسلامي في العالم، مدعومة بحزمة من التشريعات والبنى التحتية والفنية للنهوض بصناعة الصيرفة والتمويل المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية(14)؛ حيث يُتوقع أن انزياح الأسواق المالية من الغرب للشرق وتنامي مراكز مالية، مثل شنغهاي ودبي وغيرهما، سيساعد على وصول إسطنبول لقمة المراكز المالية في هذا الجانب.

  1. إبراز الجانب القوي في تركيا: وذلك من خلال حصاد التقنيات الذي صبَّ في صالح التقنية العسكرية؛ حيث نجد أن شركات تركية عريقة كانت تعمل في مجال التقنيات المنزلية كشركة فيستل (VESTEL) التي تنتج شاشات وبرادات وغسالات وأجهزة هاتف ذكية باتت تشارك في صناعات عسكرية مهمة وتنتج بنفسها طائرات مسيَّرة. كما أن هناك عددًا من الشركات التركية العاملة في القطاع العسكري، والتي حصدت بشكل كبير ما توصلت إليه بقية القطاعات من تقنية، خاصة التقنيات الإلكترونية والكاميرات وأجهزة التحكم وغيرها.

ثانيًا: وسائل تعزيز تنافسية الاقتصاد التركي

يحمل النموذج الاقتصادي التركي الراهن الكثير من نقاط القوة، ويعتقد أن إجراء بعض التعديلات على مسائل محددة والاهتمام ببعضها الآخر سيكون له أثر بالغ على تنافسية هذا النموذج، ويمكن إجمال النقاط أو الوسائل التي تعزز من هذه التنافسية كالآتي:

  1. تعزيز اقتصاد الثقافة: يمكن تعريف اقتصاد الثقافة بـ”الديناميكيات المرتبطة بالتعبيرات والأنشطة الثقافية المادية وغير المادية المساهمة في السوق الاقتصادية عبر استراتيجيات التوزيع والإنتاج وتعميم الخدمات الثقافية المتاحة للناس”(15). ويمكن لتركيا عبر استخدام وتوظيف خارطتها الثقافية القائمة على القيم الإسلامية المعتدلة أن تحقق مزيدًا من التنافسية في عالم الأعمال؛ حيث إن الأدوات الراهنة للنموذج الاقتصادي التركي القائم على المنتج الحلال والألبسة التركية والسياحة والعقارات تؤسس لأرضية ثقافية يمكن استكمالها عن طريق:

– توسيع المسؤولية الاجتماعية للشركات التركية: تتمتع الشركات التركية الكبرى بمسؤولية اجتماعية ملحوظة، ولكن معظمها يقوم على أساس الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد القومية وحسب، ويمكن لمزيد من الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية الثقافية للمجتمع الإسلامي في مختلف أنحاء العالم أن تشكِّل ميزة لهذه الشركات، وتأتي الميزة من تجاوز تقييم السلع والخدمات التركية على أساس التكلفة وحسب، ولكن يمكن أن يتم أخذ جزء من الثمن على أساس البعد الثقافي الموجود في السلعة، وسينعكس ذلك على ربحية الشركات التركية بشكل رئيس، والنقطة الثانية هي أن الأسواق التي ستفتح أمام هذه الشركات ستكون أكبر، ومما لا شك فيه أن ما يزيد عن 80 مليون تركي في السوق الداخلية هو رقم كبير، ولكن ملايين أخرى يمكن أن تدخل في أسواق منتجات هذه الشركات على أساس تبني البعد الثقافي المتعلق بتوسيع المسؤولية الاجتماعية.

– إعادة تموضع الأعمال الفنية التركية في الفضاء الدولي والإقليمي على أساس تاريخي، أي تبني المزيد من الثقافة الإسلامية في نموذج الأعمال الدرامية، والسينمائية وكذلك اللوحات الفنية بما يضمن الاستفادة منها في الترويج للنموذج وكذلك دمجها داخل المنتجات، فعندما يكون هناك خطوط ولوحات أكثر يمكن استخدامها في الطباعة على الألبسة أو أغلفة المنتجات على سبيل المثال لا الحصر. كما يمكن للأعمال الفنية كالمسلسلات والأفلام أن تساعد في جذب السياح وزيارة الأماكن التي تظهر في هذه الأعمال. وستسهم هذه الأعمال كلها في الناتج المحلي الإجمالي بوصفها منتجات وستدفع بقية المنتجات لتحقيق أهدافها مما يجعلها تستفيد من التشابكات الاقتصادية المطروحة في هذا الجانب.

– دعم القواعد الثقافية في الخارج: حيث إن الترويج للثقافة لن يكون في داخل تركيا، بل من خلال مراكز ثقافية ودور نشر ومسارح ومدارس في عدد واسع من الدول، كما أن إقامة المعارض الفنية ومعارض المنتجات القائمة على النموذج الاقتصادي التركي سيكون لها أثر كبير في العملية برمتها.

– تطوير البنى المعمارية التركية لتحوي بُعدًا ثقافيًّا أي ألا تكون الأبنية والمجمعات السكنية عالية وواسعة ومريحة وحسب، ولكن أن تحتوي على بعض القيم والتصميمات المستوحاة من الثقافة والتاريخ الإسلامي مما يجعل قيمتها أعلى وأكبر.

– تعزيز الشراكات بين الأدب والفن وعالم الأعمال بحيث تجري الاستفادة بشكل متبادل بين هذه المجالات وبما يخدم النموذج الاقتصادي.

  1. الاستفادة من الجغرافية والمناخ: في ظل موقع مميز لتركيا يمكن للبلاد أن تقوم بمزيد من الأعمال لتشجيع كل من اقتصاديات النقل والعبور واقتصاديات السياحة، مثل الاتفاقيات لتسهيل زيارات الأجانب كإلغاء التأشيرات مع الدول الكبرى (الصين مثلًا)، وتوقيع اتفاقات لجذب مزيد من المراكز الإقليمية للشركات الكبرى نحو تركيا بالاستفادة من الموقع والقدرة على إيصال منتجاتها إلى دول المنطقة، كما أن التفاوض مع الشركات والمؤسسات لتعديل منتجاتها بما يتوافق مع الثقافة التركية وثقافة دول الجوار يمكن أن يسهم في صقل صورة النموذج التركي.
  2. 3. المساهمة في بناء المنتجات الحضارية وليس تكديس منتجات الحضارة: في عصر العولمة واتسام المنتجات بالنمطية والتقييس نجد أن خطوط الإنتاج باتت تعمل في سبيل التصريف وزيادة الكميات، وأصبح هدف الجهاز التسويقي هو إضفاء صورة مثالية على هذه المنتجات، كما أن عملية البيع باتت تُمارَس مع تجاوزات أخلاقية في كثير من الأحيان ولكثير من السلع حتى أصبح تكديس المنتجات في المستودعات ثم في موانئ الشحن ثم في المنازل هو سمة العصر الراهن. من هنا تأتي أهمية أن تسهم الماكينة الصناعية ببناء منتجات تخدم الحضارة البشرية عن طريق التوافق مع مبادئ الأخلاق وقيم الشريحة المستهدفة وليس ليِّها وكسر عنقها لما يخدم الماكينة، لذلك يجب التركيز على منتج مفيد يقدم منفعة، وأن تخدم عملياتُ الابتكارِ والإبداعِ التقدمَ العام لمجمل البشرية لا أن تكرره.
  3. التوجه نحو تعزيز التعاونيات لرفع مستوى المعيشة: يمكن تعريف الشركة التعاونية بأنها شركة يمتلكها أعضاؤها كأن تتعاون مجموعة كبيرة من المواطنين على تأسيس سوق مركزية يستفيدون من أرباحها، ففي نهاية العام تعود لهم الأرباح أو تُجرى لهم خصومات معينة على الأسعار، وهذا كله يحقق لهم زيادة الرفاه في مستوى المعيشة وتعزيز القيمة الشرائية. إضافة إلى ذلك، يمثل التوسع في هذا النوع من الشركات توافقًا مع نموذج التمويل الإسلامي الذي تسعى إسطنبول لتطويره، وكذلك يتوافق مع منهجية التعاون ويقوي الروابط الاجتماعية بين الأتراك فيما بينهم كما أنه يساعد على كسر الاحتكار لكبار التجار ويشجع على إيجاد قيادات تجارية جديدة.
  4. التوجه نحو التكتلات الاقتصادية: تمتلك تركيا الكثير من المزايا الاقتصادية ولديها بعض التحديات؛ حيث تستطيع التكتلات الاقتصادية التكفل بتخفيف حدة التحديات، خاصة في مجال الطاقة. فالتكتلات الاقتصادية أصبحت سمة العالم المعاصر، وتوافق تركيا مع بعض الدول التي تتوافق معها اقتصاديًّا وسياسيًّا سيجعلها تتجاوز بعض العقبات وتدخل في مفاوضات تجارية بالاستناد إلى قوة أكبر في الفضاء الدولي، وتهدف تركيا من تكتلها مع بعض الدول لأن تحظى بفرص قيادة وأن تقلِّل من مخاطر الانخراط في المجتمع الدولي بشكل منفرد إضافة إلى المكاسب التي تتوقع الحصول عليها من هذا التعاون.
  5. التصدير في مواجهة التضخم: يشكِّل انخفاض الليرة التركية وزيادة التضخم تحديًا رئيسًا للأتراك بشكل عام، ولكنه من جهة أخرى يجعل أسعار السلع في تركيا أرخص نسبيًّا من مثيلاتها في أي مكان آخر خارجها، وهو ما يلفت النظر لفوائد انخفاض سعر الصرف الذي يمكن استغلاله لتشجيع الصادرات عن طريق تقوية مرونة الجهاز الإنتاجي التركي للاستجابة للطلب العالمي، وكذلك تشجيع السياحة التي ستكسب ميزة أيضًا بسبب انخفاض الأسعار.

 

استنتاجات

– يتموضع في الشرق الأوسط خمسة اقتصادات كبيرة نسبيًّا أبرزها الاقتصادان التركي والسعودي اللذان يدخلان في إطار أكبر عشرين اقتصادًا في العالم، وتمتلك كل من تركيا والسعودية رؤية اقتصادية تقوم على نموذج حديث وتنافسي كما تعمل الإمارات على تكوين نموذجها الخاص المنافس لهذين الاقتصادين بشكل واضح.

– يرتكز النموذج الاقتصادي السعودي على الطاقة التقليدية ويحاول المضي نحو تبني الطاقة البديلة وتملكها، كما يمتلك رؤوس أموال ضخمة تتركز بيد كل من صندوق الاستثمار الحكومي والقطاع الخاص السعودي، كما يقوم النموذج على تقديم الدعم المالي السخي لبعض الدول الصديقة في سبيل تحقيق الأمن وتعزيز الموارد البشرية وتطوير وصوله في المنطقة.

– يرتكز النموذج الاقتصادي الإماراتي إلى بيئة أعمال مرنة وسهلة إضافة لموقع مميز وبنى تحتية قوية تقدم الخدمات للمستثمرين والشركات، ويحاول النموذج أن يدمج التكنولوجيا في مختلف حقوله ويحقق قفزات نوعية في هذا المجال.

– يقوم النموذج الاقتصادي التركي على هيكل إنتاج ضخم ومرن مستندًا للثقافة الإسلامية والتاريخ الثقافي المشترك بين الأتراك والشعوب المسلمة، ويعتمد النموذج على الموقع والجغرافيا لتطوير قدراته.

– تتنافس النماذج الاقتصادية الثلاث في قضايا الموقع؛ حيث يسعى كل منها لجذب الاستثمارات، وخاصة مقرات الشركات العالمية، ومسائل الطاقة، حيث يدرك الجميع أهمية التحول نحو تعدد مصادر الطاقة وتطوير قدراته بحيث يحقق قيمة مضافة من الطاقة المتجددة. كما تتنافس النماذج بتطوير بيئة الأعمال، وتسهيل حركة المستثمرين. وتُعد مسألة السياحة إحدى أبرز النقاط التي تعزز التنافس؛ حيث يمتلك كل نموذج إمكانياته الخاصة في هذا القطاع.

– يرتكز النموذج الاقتصادي التركي على مجموعة من الأدوات التي تعزز تنافسيته وقدراته في المنطقة والعالم، أبرزها مسألة اللباس الإسلامي بوصفه متطلبًا لعدد واسع من الزبائن، وكذلك المنتج الغذائي الحلال، إضافة إلى الاستثمار في التاريخ والجغرافيا. ويسعى النموذج إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال بالاستفادة من توطين رؤوس الأموال المهاجرة من المنطقة على خلفية النزاعات المتزايدة، كما يسعى إلى إدماج المالية الإسلامية في هياكله بشكل أوسع في الفترة المقبلة.

– تقف مجموعة من المسائل في وجه تطوير النموذج الاقتصادي التركي، فالتضخم والديون تجعل القفزات التي حققها محلَّ شك بشأن قدرته على الاستمرار في النمو بنفس الوتيرة السابقة، كما أن الخلافات الداخلية ورفض المعارضة للفلسفة التي يتبناها الحزب الحاكم في الاقتصاد والسياسة تجعل من استمرارية النموذج وإمكانية تطويره أمرًا صعبًا.

– يمكن للنموذج الاقتصادي التركي أن يحقق مزيدًا من التقدم من خلال الاستثمار في اقتصاديات الثقافة عبر توظيف الخارطة الثقافية التركية في المنتجات وجعل الشركات التركية تشترك في المسؤولية الاجتماعية، وكذلك تطوير القدرة على الاستفادة من المناخ والجغرافيا التركية.

– يمكن للنموذج الاقتصادي التركي أن يعزز تنافسيته من خلال بناء مزيد من الشراكات على أساس الدخول في تكتلات اقتصادية تكسر حدة نقاط الضعف في النموذج وتعزز من نقاط القوة.

– لتقليل التحديات التي يواجهها النموذج الاقتصادي التركي لابد من التركيز على التصدير في مواجهة التضخم من خلال تطوير مرونة الإنتاج داخل الجهاز الصناعي التركي، والتوجه نحو تعزيز أساليب التمويل التي تتناسب وثقافة الشعب التركي وتتواءم مع النموذج الاقتصادي القائم كأسلوب التعاونيات لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين الأتراك.

المراجع

(1) “إطلاق المرحلة الثالثة من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة في المملكة العربية السعودية”، وزارة الطاقة السعودية، بدون تاريخ، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3p9JEYl.

(2) للمزيد من المعلومات، يمكن مراجعة موقع شركة “أكوا باور”، بدون تاريخ، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3mh0anH.

(3) “سمو ولي العهد يعلن مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر”، وكالة الأنباء السعودية، 27 مارس/آذار 2021، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3mits5b.

(4) World Bank, “Doing Business in 2020,” worldbank.org, October 24, 2019, “accessed September 1, 2021”. https://bit.ly/3syoaqv.

(5) للاطلاع على المزيد حول قانون الجنسية، راجع: “الإمارات تفتح التجنيس لفئات معينة”، دويتشه فيله، 30 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3e45qq3.

(6) “رؤية الإمارات 2021″، موقع “رؤية 2021″، بدون تاريخ، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3FdVQwP.

(7) Klaus Schwab, “The Global Competitiveness Report 2019,” (the World Economic Forum, 2019), 39.

(8) Transparency International, “Corruption Perceptions Index,” (2020), 212.

(9) للمزيد حول تطور الناتج المحلي الإجمالي وبقية المؤشرات، راجع: “مؤشرات الاقتصاد التركي 2002-2015″، المركز الديمقراطي العربي، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3yOfcXa.

(10) للمزيد حول قطاع السياحة في تركيا، راجع: “القطاع السياحي في تركيا يستهدف تحقيق أرقام قياسية”، وكالة الأناضول، 26 يوليو/تموز 2019، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3mpeCuL.

 (11) Rida Akyol, “How Turkey Plans to Boost Halal Tourism,” AL monitor,” May 9, 2016, “accessed September 8, 2021” https://bit.ly/3GVCOMb.

(12) دينيز باران، “قواعد جديدة للحصول على الجنسية التركية عن طريق الاستثمار”، الجزيرة نت، 25 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 2 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3jdgipg.

(13) رغم أن التملك المباشر للسوريين في تركيا يعد أمرًا غير مسموح إلا أن السوري يستطيع التملك من خلال شركة مرخصة رسميًّا.

(14) “مقابلة مع رئيس المركز المالي التابع لرئاسة الجمهورية: إسطنبول أمام فرصة للتحول إلى مركز عالمي للتمويل الإسلامي”، وكالة الأناضول، 6 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 2 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/2UMJOsw.

(15) دبي علي وآخرون، “دراسة حول الاقتصاد الثقافي في الجزائر: واقع وآفاق”، المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مارس/آذار 2021، (تاريخ الدخول: 2 سبتمبر/أيلول 2021): https://bit.ly/3GU7o90.