ملخص
يسلِّط هذا البحث الضوء على مظاهر تراجع قوى اليسار، بشقيها التقليدي والجديد، في المملكة المغربية، ويقارن ما آلت إليه أوضاعها حاليًّا بما كانت عليه في فترات ازدهارها، لاسيما في النصف الأول من القرن العشرين، حينما كانت آنذاك تعد القوة الأبرز بين قوى وتيارات المعارضة السياسية ذات القاعدة الجماهيرية الواسعة.
ويحلِّل البحث العوامل التي أسهمت في هذا التراجع، ويتساءل عن مدى ارتباطه بضعف قدرة اليسار المغربي على تطوير أطروحاته النظرية بما يتلاءم والتحولات العالمية من جهة، وديناميات التغيير الذي شهده النظام السياسي المغربي من جهة ثانية.
الكلمات المفتاحية: المغرب، اليسار، المعارضة السياسية، النظام السياسي، القاعدة الشعبية، الدينامية الحزبية.
Abstract
This study sheds light on the manifestations of the decline of leftist forces – both traditional and new – in the Kingdom of Morocco. It contrasts their current state with the periods of their prominence during the first half of the twentieth century, particularly when they represented the most influential opposition force with a broad popular base in the country.
The research traces and analyses the factors that contributed to this decline and questions the extent to which it is linked to the Moroccan left’s limited ability to adapt its theoretical frameworks to global transformations on the one hand, and to the dynamics of political change within the Moroccan political system on the other.
Keywords: Morocco, Left, political opposition, political system, popular base, party dynamics.
مقدمة
تعد دراسة الأحزاب السياسية وتعقب مساراتها بما تتسم به من تحولات عنصرًا مهمًّا في حقل العلوم السياسية، كما أنها تستأثر باهتمام بالغ لدى النخب السياسية، وذلك لما تتيحه من إمكانية فهم العملية السياسية الجارية في البلاد، وما تشهده من تحولات تؤثر بشكل أو بآخر على طبيعة نظم الحكم. في هذا الإطار شكَّلت الأحزاب السياسية المغربية أحد الفاعلين الرئيسيين داخل النسق السياسي المغربي؛ إذ لعبت دورًا بشكل أو بآخر في تشكل ملامحه؛ مما جعلها محطَّ اهتمام العديد من الباحثين سواء الأجانب أو المغاربة، لاستجلاء مكانتها وأدوارها داخل المشهد السياسي.
من هذا المنطلق تنبعث أهمية دراسة أحزاب اليسار باعتبارها التيار الذي ظل المعبِّر الأبرز، إلى جانب الأحزاب الوطنية، عن أطروحات الحداثة كنظرة للعالم وكمشروع سياسي(1)؛ وكمكوِّن أساسي، إلى جانب باقي المكونات الأخرى، للمشهد الحزبي بالمغرب؛ حيث ارتبطت فترات نشاطها بتمثيلها للمعارضة داخل النسق السياسي. ويعد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، أبرز من مثَّل اليسار المعارض في فترة معينة، لينتقل وصف المعارضة بعد ذلك لأحزاب يسارية جديدة خرجت من رحم هذين الحزبين، كما هي الحال -على سبيل المثال- بالنسبة للحزب الاشتراكي الموحد، وحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، ثم حزب النهج الديمقراطي العمالي.
إن المتتبع لمسار اليسار بالمغرب يلاحظ أن مرحلتين بارزتين تميزانه، الأولى: مرحلة مشهود له فيها بالقوة والصمود في مواجهة المؤسسة الملكية باعتبارها محور السلطة السياسية(2)، ويمكن تسميتها بمرحلة “الاختيار الدستوري” والتي أعقبت حصول المغرب على استقلاله، وبعده “الاختيار الثوري” الذي ميز الشق الثاني من المرحلة الأولى بعدما فشل الرهان على الدستور قاعدةً لتأسيس نظام سياسي يقوم على أساس الديمقراطية الحقيقية، ثم المرحلة الثانية المعروفة باسم مرحلة “الاختيار التوافقي” الذي انطلق -تقريبًا- منذ منتصف السبعينات إلى ما بعد حكومة التناوب التوافقي(3). وقد عرفت التيارات اليسارية بمختلف مكوناتها خلالها تراجعًا وأفولًا واضحًا سواء الأحزاب التقليدية التي لم يعد ممكنًا وصفها بالمعارضة في ظل انخراطها في مسلسل الاندماج المتوج بالمشاركة في حكومة التناوب، أو الأحزاب الجديدة التي وإن كانت تحافظ على خطاب يساري معارض إلا أنها لا تملك المقومات الضرورية الكفيلة بتمكينها داخل الساحة السياسية من موقع قوي.
بيد أن الحديث عن اليسار المغربي بشكل خاص، يبقى رهينًا بالوضعية التي أصبح يعيشها بشكل عام على المستوى الدولي، لاسيما منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي؛ حيث تراجع الفكر الاشتراكي في جل بقاع العالم أمام بروز ما سُمِّي بأطروحات نهاية التاريخ التي تدفع بأن البشرية وصلت مداها في التحولات الاقتصادية والسياسية باستقرارها على النموذج الليبرالي الرأسمالي؛ باعتباره النموذج الأصلح الوحيد. وبالتالي فتراجع اليسار المغربي يأتي في سياق دولي أشمل يتسم بتراجع واضح للمنظومة الاشتراكية بشكل عام. وهو الأمر الذي دفع العديد من المفكرين إلى القيام بإعادة قراءة الإرث النظري الاشتراكي على وجه الخصوص، ومحاولة إيجاد منزلة ثالثة بين منزلتي الاشتراكية التقليدية والنيوليبرالية المتشددة، أبرزهم المفكر البريطاني “أنتوني جيدنز” من خلال كتابه “الطريق الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية”، الذي يعتبر مساهمة في إعادة تشكيل الفكر الاشتراكي التقليدي، بما يتلاءم مع تحديات العولمة وتغير الحياة الشخصية ومتطلبات الاقتصاد المعاصر(4)، ذلك بدعوته إلى إدراك متغيرات العصر ومراجعة المواقع على خريطة التطور الاجتماعي، وإعادة النظر في بعض الثوابت(5)، وهو ما لم تدركه في نظر جيدنز الأحزاب ذات التوجهات الاشتراكية؛ الأمر الذي كان سببًا بارزًا في تراجعها.
في هذا السياق، يمكن القول: إن اليسار المغربي اليوم يواجه بمختلف أطيافه تراجعًا ظاهرًا لا جدال فيه، بالمقارنة مع الفترات السابقة من مسار تطوره، والتي تمثلت أساسًا في النصف الثاني من القرن الماضي؛ حيث اتصف بكونه قوة سياسية معارضة تسعى لإقامة نظام سياسي ديمقراطي، مع ما عرفته المرحلة نفسها من توترات حادة ومحاولات وصلت حتى للسيطرة على الحكم بالقوة في بعض الأحيان. كما اتسم هذا المسار أيضًا بمجموعة من التراجعات والتنازلات التي قدمها اليسار في محطات متعددة وصلت به إلى ما آل إليه في الوقت الحاضر، وهو ما سنتناوله تفصيلًا.
انطلاقًا من هذا، يحاول هذا البحث استجلاء مظاهر وتجليات هذا الخفوت داخل النسق السياسي؛ وذلك من خلال رصد مختلف التحولات التي شهدها طيلة مساره، انطلاقًا من سؤال محوري: ما أبرز مظاهر تراجع اليسار المعارض داخل النسق السياسي المغربي؟ وما أهم أسبابه؟
انسجامًا مع هذه الإشكالية يحاول البحث اختبار فرضية مفادها أن مظاهر التراجع الميداني لليسار في المغرب ما هي إلا امتداد لضعف أطروحته النظرية وعدم القدرة على تجديدها، مسايرةً للتحولات العالمية من جهة، ومسايرة لقدرة النظام السياسي المغربي على التجدد من جهة ثانية.
سعيًا للإجابة عن هذه الإشكالية، يستند البحث من الناحية المنهجية على “المقاربة الكيفية” باعتبارها تقوم على جمع المعطيات والنصوص وتحليلها وتأويلها بهدف اكتشاف أنماط ذات دلالات تصف ظاهرة معينة، وهي ليست مجرد تقنية لجمع المعلومات وإنما طريقة في مقاربة الفضاء الاجتماعي(6). لذلك يمكن الاستناد إليها لأنها تسعفنا في دراسة تحولات هذه الأحزاب من خلال تحديد مواقفها وأبرز المحطات التي جعلتها تخفت وتصبح ضعيفة الحضور منعدمة التأثير على مستوى المشهد السياسي.
انسجامًا وما سبق، يمكن مناقشة ما آل إليه اليسار من خلال مستويين: الأول هو تراجع اليسار على مستوى حضوره وقيادته الشعبية (المحور الأول)، والثاني هو تغير الخيارات والتوجهات بما جعل من مشاركته في الحياة السياسية مشاركة شكلية لا تأثير لها (المحور الثاني).
أولًا: اليسار المغربي من الانفتاح إلى الانغلاق
يمكن اعتبار الفترة التي كان اليسار يوصف إبَّانها بكونه قوة سياسية ذات امتداد واسع على مستويات متعددة وقيادات قوية ترفع خطابات جريئة هي نفسها الفترة التي تخللها العديد من المحطات التي كانت سببًا في تراجعه وانكماشه. ولعل أهم محطة، والتي تُجمع أغلب القراءات على أنها تعكس بداية أفول نجم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية -واليسار المعارض آنذاك بشكل عام-، هي المشاركة في حكومة التناوب لسنة 1998(7)؛ إذ منذ ذلك المنعطف واليسار يشهد انحدارًا ذا أبعاد مختلفة، أبرز تمظهر له هو خفوت حضوره بالمشهد السياسي والتأثير في تفاعلاته؛ حيث يظهر ذلك على المستوى النقابي والجمعيات والمنظمات الموازية كما يظهر أيضًا على مستوى الجماهير والقيادة الشعبية.
1- الانغلاق على مستوى المنظمات الموازية
شكَّلت المركزيات النقابية طيلة مسار المغرب المستقل قوة دفع حقيقية تستند إليها الأحزاب السياسية من أجل التأثير في التفاعلات السياسية، لاسيما الأحزاب اليسارية منها؛ ذلك أن نضالات الطبقة العاملة تقوم بدور فعال على مستوى موازين القوى، وتمثلت أبرز المركزيات النقابية قوة وحضورًا داخل المشهد السياسي بالمغرب في الاتحاد المغربي للشغل الذي تأسس سنة 1955، والذي أسهم، سنة 1959، في تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ليكون ذراعًا نقابية له؛ حيث كان هذا التيار أحد الأعمدة الرئيسية التي تكون منها الحزب إن على المستوى الجماهيري أو المستوى القيادي(8)، لكن الأمر لم يستمر على هذا المنوال من التوافق وذلك بسبب نشوء جملة من الاختلافات(9) أدت إلى انفصال الحزب عن الاتحاد المغربي للشغل. وفي سنة 1978، تأسست الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل كمركزية نقابية بديلة تتبع الحزب ومرتبطة عمومًا بحركة التحرر الوطني من أجل الاشتراكية(10) والتي كان على رأسها “نوبير الأموي”، عضو المكتب السياسي للحزب آنذاك، والذي اتسم بقوة وجرأة جعلت المركزية النقابية تحتل مكانة متميزة داخل المشهد السياسي، غير أن جرأته كانت مصدر إزعاج للدولة والحزب على حدٍّ سواء(11). لهذا قامت هذه النقابة بتأطير وتنظيم العديد من الإضرابات التي كان لها وقعها الخاص في الساحة السياسية، مثل إضرابي 1981 و1984 إثر الإعلان عن بعض الزيادات في أسعار المواد الغذائية، واستمر ارتباط الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الاشتراكي إلى حدود حكومة التناوب حيث ظهر الخلاف واضحًا في التوجهات والاختيارات بين قيادة الحزب وقيادة النقابة(12)؛ الأمر الذي أدى بالذراع النقابية إلى تأسيس حزب جديد، سنة 2001، تحث اسم “المؤتمر الوطني الاتحادي”.
وقد شكَّل المؤتمر الرابع للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، المنعقد في 14 مارس/آذار 2001، نهاية هذه النقابة كمنظمة جماهيرية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رغم إنشائها لحزب جديد تحت اسم “المؤتمر الوطني الاتحادي”. غير أن الانشقاق الذي وقع دفع العديد من النقابيين إلى ترك الكونفيدرالية والانضمام إلى النقابة العمالية الجديدة التي تأسست سنة 2003 وهي “الفيدرالية الديمقراطية للشغل”(13)، وهو ما أسهم في إضعاف موقع الحزب خاصة في انتخابات 2003 للجان الإدارية المشتركة؛ حيث لم تستطع المنظمة النقابية الجديدة الهيمنة على القطاع العام، كما بدت تمثيليتها ضعيفة بالمقارنة مع ما كانت تحققه الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل في سنوات 1983 أو 1992، وفق ما تشير إليه النتائج(14).
وقد انعكس هذا التراجع على دور هذه النقابات المتعددة، خاصة فيما يتعلق باهتمامها بالقضايا الكبرى المطروحة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي؛ إذ ظلت غائبة عن أجندات العمل النقابي(15)، الذي بقي رمزيًّا مرتبطًا بالاحتفالات التي تخلِّدها هذه المنظمات في الأول من مايو/أيار من كل عام، ولم تكن قلَّة التأثير في الميدان إلا انعكاسًا طبيعيًّا لتراجع دور الأحزاب السياسية بصفة عامة واليسار بصفة خاصة.
وإذا كان حضور اليسار قد عرف تراجعًا على المستوى النقابي، فإن ذلك قد انعكس أيضًا على مستوى التنظيمات الشبابية؛ إذ يمكن التأريخ لهذا التراجع بلحظة انسحاب الطلبة الاتحاديين من الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إبان المؤتمر السابع عشر المنعقد في 26 أغسطس/آب 1981، نتيجةً لما كان يعتمل داخل الحزب من مشاكل وتحديات(16)، إضافة إلى الانسحاب غير المعلن لطلبة التقدم والاشتراكية؛ الأمر الذي كان من أهم أسباب إجهاض المؤتمر، ومنذ ذلك الحين والمنظمة الطلابية تعيش على وقع أزمة مستمرة؛ إذ لم تستطع الاستمرار في تنظيم مؤتمراتها، لأن خروج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد أثَّر على قوة الاتحاد الوطني للطلبة بصورة ملموسة لأنه خروج لأكبر قوة سياسية آنذاك داخل الحركة التقدمية(17).
لقد شكَّلت هذه المحطة بداية تواري الأحزاب اليسارية “التقليدية” عن الأوساط الجامعية بالشكل الذي كانت عليه، في حين استمر اليسار الراديكالي حاضرًا داخل الجامعة ممثلًا فيما بات يُعرف بـ”الطلبة القاعديين” (أي الذين يعملون على القواعد الطلابية مباشرة بعيدًا عن القيادات البيروقراطية) في مواجهة الطلبة الإسلاميين الذين برزوا وأصبحت لهم مواقع قيادية داخل بعض الجامعات منذ بداية التسعينات والذين حاولوا ملء الفراغ الناتج عن تراجع الحركات اليسارية(18). ولعل ما يؤكد انخفاض الحضور الاتحادي داخل الجامعة هو ما وقع سنة 1996 بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء حيث مُنع الطلبة الاتحاديون من تنظيم أنشطة فصل الربيع من طرف جماعة “العدل والإحسان”(19) دون رد فعل ملحوظ من الطلبة الاتحاديين، وذلك ما أثبت ضعف شباب الحزب في معقله التاريخي(20)، وبالنتيجة ضعف الحضور والتأطير الحزبي للحركة الطلابية.
إن هذا التراجع ربما كان انعكاسًا للعلاقة المتشنجة التي كانت تربط الحزب بشبيبته، والتي اتسمت بعدة محطات كان الاختلاف فيها بارزًا. ولعل أول منعطف حاسم ظهرت فيه الشبيبة الاتحادية بموقف مخالف لما كان يدعو له قادة الحزب، هو الاستفتاء حول دستور 1996 حيث لم تكن قيادة الشبيبة الاتحادية مقتنعة بمضمون الدستور الذي قدمه الملك، بينما قيادة الحزب كانت تدعو إلى التصويت بـ”نعم” على هذا الدستور(21). لكن مسار التصدع هذا لم يقف عن هذا الحد؛ إذ شكَّل قبول الحزب المشاركة في حكومة التناوب نقطة خلاف أخرى بين الطرفين زادت من توسيع الشرخ بينهما (الحزب والشبيبة)، وتُوِّج ذلك إبان المؤتمر الوطني السادس للحزب، المنعقد نهاية مارس/آذار عام 2001، باختيار بعض الشبيبة مقاطعة المؤتمر، بينما اختار البعض الآخر الانسحاب منه والانخراط في حركة تصحيحية من داخل الحزب، أخذت فيما بعد اسم “جمعية الوفاء للديمقراطية”؛ الأمر الذي أدخل قيادة الحزب والشبيبة في صراع محتدم انتهى بالانشقاق والالتحاق بجمعية الوفاء للديمقراطية باليسار الاشتراكي الموحد الذي غيَّر اسمه، سنة 2005، إلى الحزب الاشتراكي الموحد(22).
لقد استمر تراجع اليسار التقليدي على مستوى القطاعات الموازية التي تتوزع بين القطاع الطلابي، الذي اعتبر الحزب الاشتراكي الموحد غير فاعل وغير قادر على المبادرة والإبداع لتجميع الفصائل الطلابية التقدمية الأخرى(23)، كما أنه لا يتوفر على شبيبة قوية قادرة على زرع الأمل في الشباب المغربي(24)، بالإضافة إلى ما شكَّله الاختلاف حول المركزيات النقابية التي ينبغي لمناضلي ومناضلات الحزب الاشتغال فيها، وما ترتب عليه من فقدان العديد من الكوادر العاملة في القطاع النقابي وقد جاء هذا في وقت يعيش فيه العمل النقابي عمومًا في المغرب أزمة تتجلى مظاهرها في في ضعف الانخراط في صفوفها والذي لا يتجاوز 10%(25). إن علاقات اليسار التقليدي الملتبسة بالنقابات والخاضعة لحسابات ضيقة وشخصية أثَّرت سلبيًّا عليه وعلى النقابات في آن معًا(26).
وما يقال عن الاشتراكي الموحد يمكن أن ينطبق على باقي مكونات اليسار المعارض، أي حزب فيدرالية اليسار (الذي تشكَّل باندماج حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي إضافة إلى تيار اليسار الوحدوي وفعاليات يسارية أخرى)، وحزب النهج الديمقراطي؛ حيث اعتبر حزب فيدرالية اليسار مهام اليسار التاريخية مؤجلة بسبب تشتت وتشرذم المناضلين بين تنظيمات نقابية متعددة ذات رؤى ومهام متعارضة(27)؛ وهذا إقرار بضعفه على مستوى العمل النقابي، والأمر نفسه بالنسبة لباقي القطاعات الموازية.
يعد هذا التباعد الذي أصبح ظاهرًا بين أحزاب اليسار المعارض ومختلف التنظيمات الموازية من نقابات وشبيبات حزبية وأذرع طلابية، من أبرز تجليات أزمة اليسار على مستوى قنواته داخل المجتمع، بعد أن كان حضوره بها واستناده عليها في وقت من الأوقات بمنزلة محرك أساسي له، لكن حينما يتجرد الحزب -أي حزب- من هذه “المتكآت” التي تعد ضرورية لتعزيز قوته وتدعيم شرعيته يصبح قصير الظل ضعيف التأثير في مجريات الساحة السياسية، وهذا ما انطبق على اليسار المعارض بشكل عام.
2- ضعف الحضور الجماهيري
إن تراجع اليسار على مستوى القنوات التنظيمية انعكس بشكل بارز على حضوره داخل الساحة الجماهيرية وتواريه كقيادة شعبية كانت في وقت من الأوقات محطَّ آمال الشعب المغربي. ويمكن ملامسة هذا الخفوت من خلال مظاهر عديدة لاحت في الأفق بعد نهاية تجربة التناوب التوافقي سنة 2002، وبخاصة من بعد قبول الاتحاد الاشتراكي الاستمرار في الحكومة رغم تعيين إدريس جطو وزيرًا أول تكنوقراطي من خارج المنظومة الحزبية، على رأس حكومة المفترض أن يكون على رأسها عبد الرحمن اليوسفي كونه الكاتب الأول للحزب الذي تصدَّر الانتخابات في تلك المرحلة.
بعد هذا الحدث، قدَّم اليوسفي استقالته من الحزب؛ الأمر الذي اعتبرته وثيقة “28 نوفمبر/تشرين الثاني 2003″(28) الصادرة عن المكتب السياسي للحزب، إيذانًا بميلاد مرحلة جديدة(29). هذه المرحلة التي كان فيها على اليسار (التقليدي) أن يتخلى عن فكرة المعارضة بل وحتى عن أفكاره التي طبعت مساره والمرتبطة أساسًا بالجماهير الشعبية والكادحة، ليصبح من الأحزاب “الحكومية” إلى جانب أحزاب أخرى كان ينتقدها ويصفها بـ”الإدارية”.
إن هذا التحول كانت له تداعياته على مكانة اليسار -الذي لم يعد وصف “المعارض” ينسجم معه- داخل الساحة السياسية، ذلك بانكماشه الجماهيري الذي بدت ملامحه واضحة مع النكسة التي مُنِيَ بها في انتخابات 2007، حيث لم يحصل سوى على 38 مقعدًا بنسبة %10 من نسبة التصويت، وكانت هذه النتائج سببًا مباشرًا في تأزم وضعية المكتب السياسي المسؤول أمام قواعده عن مآلات الحزب(30). ولعل من المشاهد الدلالة على وضعية الحزب المتأزمة بعد هذه المحطة الانتخابية ما شهدته أشغال الدورة التاسعة للمجلس الوطني التاسع للحزب، المنعقدة في 11 يناير/كانون الثاني 2008؛ حيث طلب أحد أعضاء الحزب من الحضور قراءة الفاتحة على روح أحد المتوفين، فمازحه أحدهم بطلب “قراءة الفاتحة على الاتحاد الاشتراكي أيضًا”(31). هذه وإن كانت هذه مزحة فإن لها دلالة عما أصبح يعتور الحزب -واليسار عمومًا- من مشاكل وتحديات. فإن كانت هذه نظرة أهل الحزب لأنفسهم فكيف تكون نظرة عموم الجماهير نحوه. ولعل هذا يؤكد ما جاء في الوثيقة المنبثقة عن المجلس الوطني للحزب، يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2007، المتعلقة بتقييم انتخابات 2007، من إقرار بأن “غياب الانفتاح التنظيمي على الجماهير الشعبية وقواها الحية، منهجية خاطئة في تدبير الانفتاح”(32)، إضافة إلى السلوك الذي أصبح ينتهجه في الممارسة الانتخابية بانفتاحه على الأعيان من أجل الحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان؛ الأمر الذي كانت له نتيجة عكسية؛ حيث أسهم في تدني صورة الحزب في المجتمع وأصبح يُنظر إليه كسائر الأحزاب الأخرى التي لا يهمها سوى الحصول على المقاعد(33)، وهذه الخاصية التي باتت ترتبط بمختلف نخب اليسار التقليدي أدت إلى فقدان شرعيتها وسط شرائحها الاجتماعية(34).
انعقد المؤتمر الوطني الثامن للاتحاد الاشتراكي ما بين 13 و15 يونيو/حزيران 2008، لكنه فشل في إتمام أشغاله واضطر إلى تأجيلها لموعد لاحق؛ ما أحدث نوعًا من خيبة الأمل لدى القاعدة(35). هذه كلها مؤشرات تدل على وصول اليسار التقليدي إلى منعطف حاسم في مساره اتسمت معالمه بانخفاض منسوب ثقة الجماهير فيه كحامل لهمومها ومدافع عن آمالها. حدث هذا في وقت كان اليسار “الجديد” منخرطًا في دينامية توحيدية بين مختلف البنيات التي تحمل توجهات متقاربة ساعيًا وراء بناء قوة يسارية قادرة على تحقيق ما يصبو له.
إن الدينامية السياسية التي عرفها العالم العربي عمومًا أواخر سنة 2010 ومطلع سنة 2011؛ من خلال ما سُمِّي بثورات الربيع العربي، والتي تأثر المغرب بها من خلال حركة 20 فبراير، التي رفعت عدة مطالب سياسية، من بينها: محاربة الفساد، وإبعاد بعض وجوه الحكم القديمة من قيادات حزبية ومسؤولين مخزنيين كبار(36)، وقيام النظام، في إطار احتواء هذه الحركة، باتخاذ مجموعة من الإجراءات أبرزها وضع دستور جديد(37)؛ كشف عن مدى اتساع الهوة بين اليسار التقليدي والجماهير الشعبية، حيث كانت الحركة مصرة على التحرك خارج الأطر الحزبية والنقابية السائدة(38)، وهذا في حدِّ ذاته دليل على البون الشاسع -بسبب فقدان الثقة- الذي أضحى قائمًا بين الجماهير المتطلعة إلى انتقال ديمقراطي حقيقي، وبين الأحزاب السياسية عمومًا واليسار التقليدي بشكل خاص -الذي طالما كان في السابق هو المظلة السياسية لكافة الاحتجاجات والإضرابات الكبيرة التي عرفها النصف الثاني من القرن العشرين- والذي لم يتردد في بداية انطلاقة حركة 20 فبراير في التعبير عن موقفه الرافض لها، على غرار باقي الأحزاب الأخرى والتي شملت حزب التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، رغم مشاركة بعض أعضاء شبيبة الاتحادية وشبيبة العدالة والتنمية في هذه الحركة متحدِّين بذلك قرارات أحزابهم بعدم المشاركة، ولو أن ذلك يخفت بعد الإعلان عن المراجعة الدستورية(39). لكن الأمر مختلف بالنسبة لمكونات اليسار الجديد/المعارض التي التحقت بالحركة من المجموعات الشبابية والتي أبرزها حزب النهج الديمقراطي والاشتراكي الموحد، والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وهي التنظيمات التي أعلنت منذ بداية انطلاق حركة 20 فبراير عن الدعوة لتأييدها والانخراط فيها(40)، وبذلك شكَّلت اختلافًا وتمايزًا بالنسبة لليسار التقليدي، جعلها تتصف بمواصفات اليسار المعارض الذي ينحو دائمًا تجاه الجماهير ويساند مواقفهم، وليس التماهي مع الخطاب الرسمي للسلطة السياسية من أجل التقرب منها والمحافظة على المكانة التي يطمح فيها، وهو ما تأكد بشكل جلي في حراك الريف؛ حيث خرجت جميع الأحزاب المشكِّلة للحكومة آنذاك بما فيها حزبا التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وعبَّروا عن رفضهم لهذه الانتفاضة ونشطوا في مهاجمتها(41)، في خطوة استباقية عن موقف المؤسسة المَلَكية الذي اعترف بأحقية المطالب المرفوعة(42)؛ الشيء الذي يُظهر الهاجس الذي بات يحكم معظم الأحزاب السياسية بما فيها اليسار التقليدي بالانخراط في عملية التقرب من السلطة المركزية، والتخلي في المقابل عن وظيفة الحزب الأساسية بوصفه جهازًا للوساطة بين الدولة والشارع ومدمجًا للمطالب الشعبية في النظام السياسي، مثلما يبرز حضوره في درجة تعبئته المواطنين والدفاع عن قضاياهم(43)، وهي الوظيفة التي لم يعد اليسار التقليدي يقوم بها منذ مشاركته في حكومة التناوب، على العكس من مكونات اليسار الأخرى التي، وإن كانت هي أيضًا تعاني من ضعف تنظيمي وتشرذم يقلص من حضورها على مستوى الساحة السياسية، فإن خطابها لا يزال ينسجم مع مبادئ اليسار، لاسيما في الدفاع عن الجماهير والوقوف بصفهم، وهو ما جعلها تتبنى مطالب حراك الريف وتدعمه كباقي حركات المناطق الأخرى(44).
إن الغاية من وراء تسليط الضوء على مواقف اليسار بخصوص أبرز الاحتجاجات التي عرفها المغرب بعد تجربة التناوب، هي إبراز التحولات التي حدثت لهذا التيار السياسي المعارض -سابقًا- ومعرفة كيفية تحوله من الانخراط في الدينامية الاحتجاجية في جل المناسبات منافحًا عن المطالب الشعبية إلى الانكفاء واتخاذ مواقف رسمية، والتي ربما كانت من المسبِّبات التي أدَّت إلى “أفوله” وخفوته داخل القواعد الشعبية. وهذا التراجع تعود أصوله بشكل أساس -كما تمت الإشارة سابقًا- إلى مرحلة التناوب التوافقي وإحباطاتها التي أثَّرت على الرأسمال الحزبي الجماعي للمعارضة، حيث لم تعد قادرة على الاستفادة كما في الماضي من ذخيرة النضال الوطني أو المناداة بمبادئ الديمقراطية، وهو ما أكدته انتخابات 2007(45)، وتأكد أيضًا بوضوح بعد سنة 2011 من خلال سيادة الإسلاميين للمشهد السياسي، وحيازتهم المرتبة الأولى طيلة عشر السنوات الموالية، وهو ما عُدَّ ملئًا للفراغ الذي خلَّفه تراجع اليسار داخل المشهد السياسي.
ثانيًا: من المجابهة إلى الاندماج
من المعروف أن دور اليسار المعارض بدأ يتقلص داخل الساحة السياسية المغربية منذ محطة التناوب التوافقي، كما سبق القول، وتعزز ذلك بعد انتخابات 2002 وتعيين إدريس جطو وزيرًا أول. هذه المحطات الفاصلة في مسار اليسار المعارض كشفت عن تحولات مهمة ليس فقط في المواقع وإنما كذلك في الخيارات والخطاب التي طرأت على اليسار وكان عنوانها هو الاندماج في النسق الذي كانت تعارضه في السابق، ومنذ ذلك الحين بدأت تحيد عن صف المعارضة وتذهب إلى حدِّ تسمية نفسها بالمعارضة القديمة(46). إن معالجة هذا التحول تقتضي تقسيم هذا المحور إلى فرعين، حيث يمكن الحديث في الفرع الأول منه عن أبرز معالم مسلسل الاندماج منذ الإرهاصات الأولى لمنعطف التناوب والتي جاءت بعده، والحديث في الفرع الثاني عن ضعف مشاركة اليسار بمختلف تلاوينه داخل النسق المؤسساتي.
1- مسار الاندماج
يمكن ملاحظة مسار اندماج اليسار في الوسط، الذي كان يعارضه في السابق، من خلال مرحلتين. المرحلة الأولى تمثّلت في مقدمات وبوادر هذا الاندماج داخل النسق السياسي بشكل تدريجي. أما المرحلة الثانية فقد تُوِّجت بدخول اليسار في حكومة التناوب، وهو ما ترسّخت بعده فكرة الاندماج وأصبحت واقعًا قائمًا.
أ- بوادر الاندماج
إن إرهاصات اندماج اليسار التقليدي والحيد عن المعارضة “الصلبة”، ظهرت بالخصوص مع مؤتمرين: الأول هو المؤتمر الاستثنائي الذي عقده الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عام 1975، والثاني: المؤتمر الوطني الذي عقده أيضًا حزب التقدم والاشتراكية في نفس العام، وأكدا مجموعة من المبادئ ذات التوجه الماركسي من أجل دمقرطة البلاد(47)، والتي ما لبثت أن تبددت مع الزمن. لكن عمومًا منذ تلك الفترة توجه اليسار المعارض نحو الديمقراطية والدعوة إلى إصلاح المجتمع من داخل المؤسسات، باعتماد برنامج سياسي يدافع عن الحريات وتطوير الديمقراطية ونزاهة الانتخابات، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين المواطنين، ومحاربة الفساد(48). لكن مع تطور الأحداث وصولًا إلى حكومة التناوب التوافقي، تراجعت هذه الطروحات النظرية بفعل الواقع، خاصة بعد المشاركة في حكومة التناوب بناء على انتخابات وُصِفت من طرف بعض المرشحين والمراقبين بأنها غير نزيهة(49)، بل إن منحى الاندماج كان قد بدا واضحًا قبلها، وتحديدًا مع بداية التسعينات، خاصة بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، الذي تملص من التزاماته ومواقفه المشتركة مع الكتلة بتصويته بـ(نعم) على دستور 1992 قبل العرض الأول للتناوب سنة 1993(50)، بدعوى أن هناك مكتسبات ديمقراطية جديدة قادرة على فتح آفاق جديدة للقوى الديمقراطية، وبأن مشروع مراجعة الدستور، يلبي في الجوهر أهم المقترحات التي تقدم بها الحزب ومطامح القوى الديمقراطية بخصوص تدعيم دولة القانون وحماية حقوق الإنسان(51). أما حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي وإن كان موقفه مع باقي أعضاء الكتلة هو عدم المشاركة في الاستفتاء حول دستور 1992، فإنه لم يَفُتْهُ تأكيد أهمية بعض التعديلات المقترح إدخالها على دستور 1972، وحتى موقفه بـ”عدم المشاركة” اعتُبر توجهًا ينم عن عدم القيام بحملة ضد الدستور والتصويت عليه(52)، وبذلك كانت هذه بوادر أولى توحي بتحولات مهمة في مسار اليسار تأكدت بقبول دستور 1996 والتصويت عليه بـ(نعم) من طرف مكوِّني اليسار التقليدي كليهما؛ حيث إن حزب التقدم والاشتراكية لم يعمل إلا على تزكية موقفه من دستور 1992، في حين، الذي سيعرف الطريق نحو التحول التاريخي هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي خلصت لجنته المركزية بعد اجتماعها، يوم 4 سبتمبر/أيلول 1996، إلى ضرورة التعامل الإيجابي مع التعديل الدستوري المقترح للاستفتاء، المقرر يوم 13 سبتمبر/أيلول 1996(53)، كإشارة سياسية وإعرابًا عن حُسن النية لتشجيع الطرف الآخر (المؤسسة الملكية) على التعاون لإنجاح التجربة(54). أما المكون اليساري الآخر للكتلة وهو منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي تنتمي لليسار الجديد باعتبارها امتدادًا لمنظمة 23 مارس، فقد ظهرت أولى معالم اندماجها مع التحول الذي طرأ في موقفها بخصوص قضية الصحراء، وذلك بمساندتها للموقف الرسمي للنظام، إضافة إلى تحولها الفكري الذي جعلها تنتقل للعمل في إطار الشرعية(55)، لكن موقفها من المسألة الدستورية (دستور 1996) أحدث شرخا في صفوفها؛ إذ انقسمت إلى تيار تمثله “الكتابة الوطنية للمنظمة” (بمنزلة المكتب السياسي أو الأمانة العامة) الذي عبَّر عن رفضه الصريح لمشروع المراجعة باعتبار أنها لا تستجيب في الشكل والمضمون لطموحات الشعب المغربي في إقرار مؤسسة برلمانية تمارس فعليًّا السلطة التشريعية، وفي تأسيس حكومة حقيقية؛ الأمر الذي ترك الأزمة مفتوحة ولم يسمح بالتفرغ لحل المعضلات التي تمس حياة المواطنين وتنمية البلاد(56)، وتيار آخر مثَّله مجموعة من القياديين داخل المنظمة كان يدعو لضم صوتهم للصوت المشترك للكتلة الديمقراطية والتصويت بـ”نعم” على مشروع المراجعة الدستورية، وهو التيار الذي أسس الحزب الاشتراكي الديمقراطي(57) الذي التحق فيما بعد بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتعد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بموقفها هذا، التنظيم الوحيد الذي أصرَّ على تأكيد اختلافه وذلك برفضه المشاركة في سيرورات مؤسساتية تقترن بمحاولات الإدماج السياسي(58). لكن عمومًا اتضح جليًّا التوجه المهيمن لمجمل اليسار في التعامل مع الدستور الذي كان يطالب اليسار بضرورة إعداده عن طريق الجمعية التأسيسية وليس بالشكل الممنوح الذي قُدِّم به، والذي يمكن طرح هذا السؤال بخصوصه: هل كان دستور 1996 يستجيب فعلًا لمعظم مطالب اليسار المعارض آنذاك بالقدر الذي يجعل جل مكوناته توافق عليه، أم كان ما قدمه اليسار مجرد تنازلات لمسايرة المؤسسة الملكية ومساهمة منه في مدِّ جسور الوصل بين الطرفين تيسيرًا لمحطة التناوب التوافقي؟
طُبعت الممارسة السياسية لأحزاب اليسار المعارض في تلك الفترة بنهج مسايرة النظام والقبول بشروطه، حتى بدا الصراع بين الطرفين ليِّنًا بل إنه اندثر مع الوقت. ولعل ما قاله عبد الهادي بوطالب، وهو الذي كان مستشارًا للملك الراحل، الحسن الثاني، بخصوص عبد الرحمن اليوسفي بعد دخوله تجربة التناوب من أنه “أصبح خادمًا للأعتاب الشريفة، ويحلف بها، ومخزنيًّا أكثر من السابقين”(59)، يلخص كم هي درجة الانعطاف والتحول التي قام بها اليسار الذي كان معارضًا “شرسًا” للنظام في السابق؛ مما يحيل إلى تبدل المواقف تجاه المؤسسة الملكية التي كانت، وإلى وقت ليس بالبعيد، لا ترى كل مكونات اليسار دمقرطة للبلاد من دون تحويلها إلى ملكية برلمانية يتمتع فيها الملك بصلاحيات سيادية فقط. لقد أصبح جزء من هذا اليسار نفسه (اليسار التقليدي) لا يرى مشكلة في النظام، وتراجع عن مواقفه بخصوصه، فمنذ أن وافق حزب التقدم والاشتراكية على ما سُمِّي بالمسلسل الديمقراطي الذي انطلق في منتصف السبعينات اختار خيار التوافق والاعتراف بالشكل الملكي للنظام ومرجعيته الدينية مع الاستمرار بالمطالبة بالاشتراكية العلمية مرجعًا أيديولوجيًّا(60). وحتى هذه فإنه سيُبدي تراجعه عنها خلال مؤتمراته الموالية(61)، في حين يمثل المؤتمر الوطني الرابع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سنة 1984، بداية مرحلة جديدة في علاقة الحزب بالنظام الملكي، من خلال تراجعه عن المطالبة بالملكية البرلمانية(62)؛ حيث جاء ضمن تقرير المؤتمر ما يؤكد ذلك بالقول: إن “مجمل القول في هذا المجال أننا ننادي بإقرار سلطة حكومية كاملة المسؤولية تتمتع بثقة واسعة معبَّر عنها بكل حرية، وتخضع للمراقبة والمتابعة بشكل ديمقراطي. وليس معنى هذا أننا ننادي بنظام البرلمانية الصوري الذي أكل عليه الدهر وشرب والذي لا يمكن أن يفرز إلا انعدام الاستقرار[…]. إن صاحب الجلالة الحامي الأعلى للدستور والساهر على وحدتنا الترابية يمكن له أن يستعمل في أي وقت السلطات الخاصة من أجل الحفاظ على المؤسسات الدستورية وعلى الاستقرار الحكومي وضمان انسجام المشاريع وفاعلية التسيير”(63)، فهذا المقتطف يظهر درجة التحول الكبيرة التي أبداها الاتحاد الاشتراكي خلال مسار تطوره، ومنذ مؤتمر المصالحة (المؤتمر الرابع 1984) لم يعد الموقف من تبني شعار الملكية البرلمانية من طرف الحزب يقلق النظام الملكي، لأنه وإن كان لا يزال يرفعها شعارًا فإنه يرفعها فقط من ناحية الشكل وليس المضمون، أي لم تلتزم ممارسته بما يفرضه هذا الشعار وذلك الموقف من ناحية المضمون(64). وبعبارة أخرى أصبح هذا المصطلح (الملكية البرلمانية) إما مستبعدًا من بياناته ومقرراته إرضاءً للمؤسسة الملكية وتعبيرًا عن التراجع عنه كمطلب، وإما يُذكر شكلًا من دون حمولة مفاهيمية وما تقتضيه من تكتيك وخطوات إجرائية في سبيل النضال من أجله كمطلب عُرف به اليسار المغربي تاريخيًّا.
وهكذا جاءت حكومة التناوب لتزيل بعض الضبابية التي كانت تخيُّم فوق مواقف اليسار، ولتقطع الشك باليقين أن اليسار المعارض التقليدي لم يعد كذلك، وأنه أقبل على تحولات مفصلية كان لها تأثيرها على موقعه ومكانته داخل النسق السياسي والمجتمعي بالمغرب ما بعد هذه المرحلة.
ب- تأكيد الاندماج
عرفت سنة 2002 منعطفًا حاسمًا في مسار المعارضة التاريخية -قبل التناوب- إذ شكَّلت فرصة لاختيار إحدى الخيارين، إما العودة إلى موقع المعارضة ومحاولة ترميم ما خلَّفته فترة التمهيد للتناوب بل وحتى فترة المشاركة في الحكومة بالنظر إلى هزالة الحصيلة، واستعادة الدور الذي عُرف به اليسار من قبل، أو القبول بالاستمرار داخل نسق التدبير المؤسساتي وتأكيد الاندماج داخله، وبالتالي إرسال رسائل مطمئنة للمؤسسة الملكية مفادها أن “المعارضة التاريخية” التي كانت قبل التناوب لن تتجدد بعده، وبالتالي لم تعد تشكِّل مصدر قلق له، وهذا الخيار الأخير هو الذي استحسنه اليسار نتيجة لحجم التنازلات السابقة التي قدمها والتي حالت دون استطاعته الاضطلاع بدوره الذي أَلِفَتْه القواعد الشعبية. إن هذه السنة (2002) اعتبرها البعض سنة فارقة في التاريخ السياسي العريق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (واليسار التقليدي بشكل عام) كونه لم يحتج على الإخلال بالمنهجية الديمقراطية، التي غضب بسببها عبد الرحمن اليوسفي ورفض الاستمرار في توافق مغلوط(65). أما الحزب فقد قرر الاستمرار في المشاركة، وبهذا تمت العودة إلى منطق المخزن المتحكم والمهيمن في توجيه الحياة الحزبية(66). ولعل ما يؤكد هذا بشكل جلي هو النجاح في تنظيم انتخابات 2007 وقبول نتائجها من طرف كل الفاعلين، وبهذا يكون “القصر” قد استكمل آخر حلقات مسلسل إدماجه لأحزاب المعارضة التاريخية وترويضها وتحويلها من أحزاب ذات مشروعية تاريخية وقدرة تعبوية كبيرة قادرة على الضغط على النظام وإحراجه، إلى مجرد أحزاب عادية مُقلَّمة الأظافر(67)، فلم تعد بعد ذلك -على حدِّ تعبير عَلَّال الأزهر- سوى مجرد تكملة في “الجوقة” الحكومية(68)، بمشاركتها في الحكومات الموالية وتحالفها مع الأحزاب التي كانت تنعتها بالإدارية، بل تحالفت حتى مع النقيض الأيديولوجي المتمثل في الحزب “الإسلامي” (العدالة والتنمية) الذي استطاع أن يملأ الفراغ الذي خلَّفه قصور الأحزاب اليسارية التاريخية.
هذا التحول على مستوى الميدان واكبه تحول نظري على مستوى الأفكار؛ حيث تخلت عن طروحاتها، وبخاصة عن الثورة الوطنية والديمقراطية ومقولة الجماهير الشعبية الكادحة، والأفكار التي طعَّمت بها بياناتها الأيديولوجية (الاشتراكية من منظور الاتحاد الاشتراكي، والمنهج الماركسي والطبقة العاملة والفلاحين في أدبيات حزب التقدم والاشتراكية)، وتبنَّت مقولات مجردة كدولة الحق والقانون مع الترويج لأساليب غير معهودة في مواقفها الاقتصادية والاجتماعية كالخوصصة والاستثمار الخاص المباشر واستعمال قاموس ليبرالي، إضافة إلى الامتثال الحرفي لتوصيات البنك الدولي الرامية نحو ليبرالية سوق العمل وفق سياسة تقشفية صارمة على حساب الأبعاد الاجتماعية(69)؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع الارتباط بين هذا المكون السياسي وقواعده الشعبية؛ حيث فقد جزءًا من خصوصيته داخل المشهد السياسي سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة؛ مما جعل القواعد الشعبية تضعه في موقع مماثل لبقية الأحزاب من حيث التصورات والتمثلات.
إبان هذه المرحلة التي أصبح فيها اندماج اليسار التقليدي من المسلَّمات، كان اليسار الآخر(70) يعيش مرحلة مخاض تنظيمي ساعيًا إلى الوحدة لبناء حزب يساري كبير يستطيع التأثير في توازنات اللعبة السياسية، وهذا ما يجعله بصورة أو بأخرى مندمجًا كذلك داخل النسق السياسي القائم، لكن ما يميزه هو خطابه وبعض مواقفه المتماشية مع الخطاب اليساري المعهود، فتجلَّت أبرز مظاهر اندماجه في المشاركة الانتخابية بعد أن كانت متمسكة بموقف المقاطعة في عهد الراحل الحسن الثاني لما طبع تلك الفترة من عدم نزاهة انتخابية، غير أن متغيرات الساحة السياسية الوطنية والدولية، وتولي الملك محمد السادس زمام الأمور بعد رحيل والده، عام 1999، واعتماده أسلوب حكم مغايرًا، إضافة إلى إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، عام 2004، للنظر في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خلال فترة الملك الحسن الثاني، حدَّت من مساحة الشكوك التي غذَّتها أحزاب اليسار الجديد(71) تجاه سياسة الدولة واختياراتها، فقررت المراهنة على خيار المشاركة في الانتخابات بدل مقاطعتها، باعتبارها آلية لا محيد عنها لتعزيز الديمقراطية وتقوية دولة المؤسسات(72). وانخرطت بذلك في المسلسل الانتخابي بشقيه، التشريعي والجماعي، لكن ليس بشكل مستمر، فخلال انتخابات 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 كان لها موقف آخر وهو المقاطعة على غرار حركة 20 فبراير، وتمثلت هذه القوى التي قاطعت الانتخابات في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والحزب الاشتراكي الموحد إضافة إلى حزب النهج الديمقراطي(73)، بل قاطعت حتى الاستفتاء حول دستور 2011 بدعوى أنه دستور ممنوح لا ينسجم وما تطمح إليه هذه القوى السياسية؛ حيث كان الحزب الاشتراكي الموحد، الذي يعتبر الإصلاحات الدستورية مطلبًا مركزيًّا في تصوراته، قد أرسل، يوم 28 يناير/كانون الثاني 2007، مذكِّرة للملك تتضمن تصوره للإصلاحات الدستورية، والتي طالب من خلالها في إطار منهجية تحضير وإعداد التعديلات الدستورية بتشكيل فريق من الكفاءات الوطنية يُراعَى فيه تمثيل مختلف اتجاهات الرأي العام، يُعْهَد إليه بوضع صياغة أولية للتعديلات بغاية الوصول إلى تعاقد وطني حولها(74)، ولم يطالب بجمعية تأسيسية منتخبة كما كانت عليه الحال في السابق، لكنه سعى بعد ذلك إلى المشاركة في الانتخابات الموالية في إطار موحد تحت لواء فيدرالية اليسار الديمقراطي التي كانت تضم الأحزاب اليسارية المعارضة باستثناء حزب النهج الديمقراطي، والتي اندمجت، عام 2022، في إطار حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي باستثناء الحزب الاشتراكي الموحد الذي انسحب من الفيدرالية ولم يعد يريد الاندماج نتيجة لبعض الخلافات بين الأمينة العامة للحزب (نبيلة منيب) وباقي مكونات الفيدرالية عشية انتخابات 2021 التي خاضها الحزب بمفرده بعيدًا عن باقي المكونات الأخرى.
عمومًا، فإن ما يميز مكونات هذا المكوِّن اليساري هو تصوراتها المتقاربة بخصوص مجموعة من القضايا التي تعتبرها مركزية، إضافة إلى كونها تسعى -حسب وثائقها- إلى بناء قوة يسارية مؤثرة في مجريات الصراع وفي النضال الديمقراطي عبر إعادة بناء اليسار على أسس نقدية وإحداث قطيعة مع الأخطاء الجسيمة لأحزاب اليسار التقليدي(75). وبذلك فهي تشكل معارضة يسارية حديثة، تذهب في التوجه العام الذي راهنت عليه المعارضة التقليدية السابقة، أي صياغة برنامج ديمقراطي يقوم على تحليل موضوعي لطبيعة الأزمة المجتمعية، ويطرح ضرورة قيام ديمقراطية حقة بما تشتمله من حريات عامة وأساسية وتوزيع عادل للخيرات الوطنية وبناء اقتصاد وطني يحقق الرفاه والازدهار(76).
أما تصوراتها التي لا تزال منسجمة والخطاب اليساري المعارض، فبالنسبة لطبيعة النظام السياسي يرى حزب فيدرالية اليسار، أن من معيقات التحول الطبيعة المحافظة والسلطوية للنظام بالقول: إن “الدولة المخزنية مستندة إلى عوامل دينية وثقافية ورمزية وعلى كل وسائل الترغيب والترهيب، [وإنها قد عملت] على إعادة إنتاج التشكيلة الاجتماعية في ظل التحولات والتأثيرات البنيوية التي أدخلها الاستعمار على الهيكلة الطبقية للمجتمع المغربي وإخضاع أنماط الإنتاج المحلية لنمط الإنتاج الرأسمالي”(77)؛ وهذا ما “لم يسهم في تحديث الدولة والتحول من دولة تقليدية محافظة ومطوقة ومعيقة لحركية المجتمع إلى دولة الحداثة والديمقراطية”(78). ولتجاوز ذلك وتحقيق تغيير ديمقراطي حقيقي، يجب الانتقال من الملكية شبه المطلقة أو النظام السلطوي إلى نظام الملكية البرلمانية، أو بعبارة أخرى: الانتقال من الدولة المخزنية إلى الدولة الوطنية الديمقراطية بمحتواها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي(79). وفي تصور الملكية البرلمانية، يرى الحزب الاشتراكي الموحد أن الشعب هو مصدر السلطة والسيادة تعود للشعب ويكون للملك فيها دور رمزي، ويرى في هذا النظام الصيغة الوحيدة للتوفيق بين الملكية الوراثية والديمقراطية، ويعتبر أن الملكية تكون برلمانية عندما تحترم في نظامها السياسي قيم المواطنة الكاملة وإلغاء مفهوم الرعية، على أن يحمل الملك وحده لقب أمير المؤمنين ويكون سلطة إشراف رمزية. كما تطرح وثيقة الملكية البرلمانية للحزب أن الملك يمارس جميع وظائفه في حدود البنود المكتوبة في الدستور فقط دون تأويل واسع أو عام لما جاء فيه يتعدى نطاق ما تقرره صراحة مواد الدستور(80). وبهذا تكون الأحزاب اليسارية المعارضة والتي تقبل بقواعد اللعبة السياسية تتوحد حول تصور واحد لنظام الحكم الواجب أن يسود بالمغرب والقادر على تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي. كما تتوحد رؤيتها حول قضايا أخرى كالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، كلها تتطلب إقرار دستور ديمقراطي متوافَق عليه ومناقَش من طرف مكونات المجتمع المغربي السياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية(81).
أما حزب النهج الديمقراطي الذي ينفرد بتوجهه نحو عدم قبول قواعد اللعبة الانتخابية ويقاطع دائمًا المحطات الانتخابية، وفاء لإرثه النظري المستمد من أدبيات المنظمة الماركسية-اللينينية “إلى الأمام”، فيرى في تصوره للديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، أنها تندرج في إطار وضع حدٍّ للاستبداد المخزني والحكم الفردي المطلق، وذلك بإقرار دستور ديمقراطي من حيث طريقة بلورته ومضمونه والمصادقة عليه، يضعه مجلس تأسيسي معبِّر عن إرادة الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر كل السلط. دستور يقطع مع الحكم الفردي المطلق ويضمن فصلًا حقيقيًّا للسلط، ويشير إلى هوية الشعب المغربي المتعددة الأبعاد ويساوي بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات، كما يرفع القداسة عن المؤسسات والمسؤولين وتكريس حق النقد البنَّاء والمسؤول لأدائها، ويقر فصل الدين عن الدولة ويمنع الاستغلال السياسي للدين(82)، كما يربط هذا الحزب التغيير الديمقراطي بتحرير اقتصاد البلاد من التبعية للمراكز المالية الإمبريالية ومحاربة اقتصاد الريع في إطار برنامج اقتصادي متكامل(83).
إن الناظر إلى هذه المكونات اليسارية الجديدة التي باتت تحمل وصف المعارضة، يجد أنها تتوافق حول تصوراتها لمجموعة من القضايا المجتمعية بما ينسجم والفكر اليساري “المألوف”، عكس المعارضة التقليدية التي أصبح تعبيرها عن المرجعية اليسارية يختلف اختلافًا جوهريًّا عما كانت عليه في السابق. رغم أن هذه المكونات تختلف هي الأخرى فيما بينها حول بعض القضايا الجزئية كمسألة المشاركة الانتخابية من عدمها، وطرق ممارسة الصراع، ومسألة التحالفات؛ إذ نجد حزب النهج الديمقراطي مثلًا ينحو نحو التحالف الميداني حتى مع النقيض الأيديولوجي، المتمثل في جماعة العدل والإحسان التي تُعد من جماعات الإسلام السياسي الراديكالي كما يُعد هو أيضًا في المقابل من اليسار الراديكالي، لكن عمومًا يمكن القول: إن التوجه الغالب في هذا اليسار المعارض، وإن كان يحمل مظاهر الاندماج، لا يزال يحمل خطابًا يساريًّا معارضًا، لكن موقعه داخل البنية المؤسساتية ينبئ بأنه يعيش وضعية متأزمة، وهو ما ستتطرق له الفقرات الموالية.
2- ضعف المشاركة المؤسساتية
إن تلك الفكرة التي برَّر بها اليسار -خاصة التقليدي- دخوله التدبير الحكومي والمشاركة الانتخابية المستمرة، والتي مفادها أنه سيناضل من داخل المؤسسات لإقامة الديمقراطية الحقيقية، وأن الاستمرار في المعارضة لن يجدي نفعًا؛ تكسَّرت على صخرة الواقع، بعد التنازلات التي قدمتها هذه القوى لفائدة السلطة السياسية ودخولها النسق دون شروط؛ ما جعلها تحتل مواقع ضعف في هذه المؤسسات التي كانت تزعم أنها ستُحدث التغيير المنشود من داخلها، وخير دليل على ذلك المسلسل الانتخابي الذي عرفه المغرب بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2002 إلى آخر استحقاقات انتخابية لسنة 2021، باعتبار الانتخابات هي الآلية الديمقراطية التي تمكِّن الأحزاب السياسية من دخول النسق المؤسساتي والتفاعل فيه، والتي تعكس إلى حدٍّ ما -لاسيما في الأنظمة الديمقراطية- مدى حضور وقوة القوى السياسية بالمشهد السياسي.. هذا المسلسل عرف تراجعًا ملحوظًا لليسار مقارنة بسنة 2002، وذلك بالنظر إلى نتائج انتخابات 2007 التي تدحرج فيها الاتحاد الاشتراكي إلى الصفوف الخلفية وراء الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار مؤدِّيًا بذلك ثمن انشقاقاته المتواترة(84)، ليتأكد الأمر مع الانتخابات الجماعية لسنة 2015؛ إذ لم يحصل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سوى على8.43 % من المقاعد المتحصل عليها على الصعيد الوطني واحتل بذلك الرتبة السادسة وطنيًّا، أما المكون الثاني لليسار التقليدي وهو التقدم والاشتراكية فحصل على نسبة %5.61واحتل المرتبة السابعة، وبهذه المعطيات العددية يعد الاتحاد الاشتراكي الخاسر الأول في هذه الانتخابات حيث انتقل من المرتبة الرابعة في انتخابات 2009 إلى المرتبة السادسة، كما أنه من تجليات تراجعه أنْ أصبح يتذيل الأحزاب الوازنة في البلاد(85)، والأمر نفسه بالنسبة للتقدم والاشتراكية الذي لم يستطع تحقيق فوز ملحوظ في مختلف الجماعات، أما تحالف فيدرالية اليسار والتي تمثل اليسار المعارض بعد تراجع المعارضة التقليدية فلم يحصل إلا على 330 مقعدًا أي %1.06من عدد المقاعد الجماعاتية على الصعيد الوطني، وهو ما يعد هزيمةً قد مُني بها(86). أما إذا انتقلنا إلى الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021 فيتأكد ضعف حضور اليسار بالنسيج المؤسساتي بما في ذلك المحلي والمركزي؛ إذ حصل الاتحاد الاشتراكي على %7.56 والتقدم والاشتراكية على %4.75 من نسبة عدد المقاعد المتحصَّل عليها في الانتخابات الجماعية على المستوى الوطني. أما فيدرالية اليسار فقد حصلت فقط على 211 مقعدًا بنسبة %0.65، في حين حصل الحزب الاشتراكي الموحد بعد انشقاقه عن الفيدرالية وخوضه الانتخابات بمفرده، على 104 مقاعد بنسبة %0.32. أما الانتخابات التشريعية فحافظت على نفس التراتبية السابقة؛ إذ حصل الاتحاد الاشتراكي على 34 مقعدًا والتقدم والاشتراكية على 22 مقعدًا، ومقعدين لكلٍّ من فيدرالية اليسار والاشتراكي الموحد.
إن الغاية من وراء تسليط الضوء على هذه النتائج الانتخابية التي حققها اليسار بمختلف مكوناته، أي المعارضة التقليدية والجديدة طيلة العشرين سنة الأخيرة تقريبًا؛ هي إظهار موقع اليسار داخل المؤسسات التمثيلية من خلال مكانته الانتخابية، باعتبار أن الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة للمشاركة في النسق المؤسساتي والتدبيري الذي يُمكِّن هذه القوى من طرح تصوراتها وتنزيلها على أرض الواقع.
وبالنظر إلى هذه النتائج نجدها تعكس المستوى المتدني لحضور اليسار داخل المؤسسات التمثيلية سوء أكان اليسار التقليدي الذي وعلى الرغم من أنه تقدم كل أحزاب اليسار الأخرى من حيث المقاعد، فإن ذلك لا يمثل شيئًا داخل الساحة السياسية عامة ولا يعكس تاريخ قوته في الماضي، أم كان يسارًا جديدًا معارضًا فإنه أيضًا يحتل مراتب متأخرة لا تنسجم وخطاباته الرامية إلى كونه يمثل الطبقات الكادحة من الشعب؛ مما يقوض إمكانية طرح تصوراته داخل هذه المؤسسات وإحداث التغيير المنشود.
خاتمة
من خلال ما سبق يمكن الوصول إلى نتيجة أساسية تعكس الوضع الحالي لليسار المعارض، والتي مفادها أن وظيفة المعارضة في المغرب تاريخيًّا كان يضطلع بها اليسار -أو يقوم بالدور الأساسي فيها- في مختلف مراحل التطور السياسي المغربي. وانطلاقًا من ذلك، يمكن القول: إن المغرب عرف يسارين معارضين في تاريخه إلى الآن، الأول: هو المعارضة التقليدية التي اندثرت أو كادت ولم تعد تحمل هذا التوصيف؛ إذ أصبحت مجرد أحزاب سياسية لا تختلف في خطابها أو ممارستها عن باقي الأحزاب الأخرى المستظلة بظل النظام السياسي. أما الثاني، وهو ما يمكن وصفه بالمعارضة اليسارية الجديدة والتي تضم حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي والاشتراكي الموحد وحزب النهج الديمقراطي العمالي، فهذه المعارضة هي الأخرى ضعيفة من حيث حضورها وقوتها الميدانية، لكن ما يميزها هو أنها ما زالت تحمل خطابًا وممارسة راديكاليين -إلى حدٍّ ما- مختلفيْن ينزعان نحو فترة قوة المعارضة اليسارية، لكنها تظل ضعيفة التأثير ولا تستطيع القيام بأدوارها التي تنادي به في خطاباتها، مما يمكن معه القول: إنها تعيش أزمة مقارنةً بما كانت عليه في السابق.
المراجع
- عبد الحي مودن، اليسار المغربي: الفكرة والممارسة، الدفاتر الزرقاء، العدد 14، سنة 2009، ص 6.
- قوة اليسار التي طبعت مساره السياسي إبان الفترة الزمنية المحصورة بين حصول المغرب على استقلاله والمشاركة في حكومة التناوب، لا يُعنى بها أن هذا المكون السياسي قد عرف مرحلة ذهبية كبيرة على مستوى الانتخابات مثالًا، وإنما تجلَّت قوته في انخراطه الشعبي ووجوده على مستوى العديد من المنظمات الموازية التي كانت تشكِّل سندًا له، والدور الذي كان يلعبه في التوازنات داخل الساحة السياسية؛ حيث كان يشكل أحد أطراف المعادلة التي كانت المؤسسة الملكية تشكِّل طرفها الثاني، كما تجلَّت مظاهر قوته أيضًا في صموده أمام القمع الذي كان يتلقاه من طرف السلطة السياسية؛ مما كان يعكس مقدار قوته وحضوره الموضوعي على مستوى المشهد السياسي.
- ينظر: أيوب المريني، تحولات اليسار المعارض في المغرب: سؤال القوة داخل النسق السياسي، مجلة المستقبل العربي، عدد 553، 2025.
- عبد الحي مودن، مرجع سابق، ص 8. وفيما يتعلق بـ”حكومة التناوب التوافقي”، فالمقصود بها الحكومة التي امتدت مدة ولايتها ما بين سنة 1998 و2002، تتويجًا لمسار الإدماج الذي عملت عليه المؤسسة الملكية منذ بداية تسعينات القرن الماضي؛ قصد إشراك المعارضة، لاسيما اليسارية، في التدبير الحكومي، وبالتالي إدماجها في “النسق السياسي الرسمي”، لتصبح بعد ذلك “معارضة تقليدية”.
- أنتوني جيدنز، الطريق الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية، ترجمة: أحمد زايد ومحمد محيي الدين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2010.
- المرجع نفسه، ص 21.
- جمال فزة وحسن أحجيج، البحث الكيفي في العلوم الاجتماعية: نظريات وتطبيقات، المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2019، ص 35.
- منتصر حمادة، صعود وأفول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مجلة وجهة نظر، عدد مزدوج 36-37، صيف 2008، ص 21
- عبد المجيد الهلالي، الحزب والنقابة 1959-1972 (مقاربة تاريخية)، منشورات مركز أطلنتيس للمعرفة والتنمية، الطبعة الأولى، يوليو/تموز 2020، ص 103.
- بخصوص هذه الاختلافات، يُنظَر: المرجع السابق، ص 113-123.
- عبد اللطيف المنوني ومحمد عياد، الحركة العمالية المغربية (صراعات وتحولات)، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، 1985، ص 79.
- محمد حفيظ وأحمد بوز، اليوسفي كما عشناه (أوراق من زمن السياسة)، دار الفاصلة للنشر، الطبعة الأولى، 2021، ص 68.
- بخصوص تفاصيل الخلافات بين قيادة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل الممثلة في شخص نوبير الأموي، وقيادة الحزب في شخص عبد الرحمن اليوسفي، يُنظر:
- محمد حفيظ وأحمد بوز، اليوسفي كما عشناه، مرجع سابق، ص 65-92.
- Ghassane LAMRANI, L’USFP CRISE PASSAGÈRE OU PRÉMISSES D’UN DÉCLIN ANNONCÉ ? « Sociologie électorale de l’Union Socialiste des Forces Populaires », Ittissalat Sabou, Imp. ANAJAH EL-JADIDA CASABLANCA, 2009, P 90, 91
- Ibid, P 92
- عبد الرحيم المنار أسليمي، التوجهات الكبرى للمشهد الحزبي والنقابي بالمغرب خلال سنة 2004، منشورات وجهة نظر، مطبعة النجاح الجديدة، 2005، ص 53.
- محمد ضريف، الحركة الطلابية المغربية-قراءة في أزمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (1956-1996)، منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 1996، ص 73.
- المرجع نفسه، ص 74-75.
- Ghassane LAMRANI, op.cit, p 99
- للتفصيل، يُنظر: محمد حفيظ وأحمد بوز، مرجع سابق، ص 129.
- Ghassane LAMRANI, op.cit, p 99.
- محمد حفيظ وأحمد بوز، مرجع سابق، ص 135-136.
- المرجع نفسه، ص 191-192.
- الحزب الاشتراكي الموحد، وثائق المؤتمر الوطني الثاني، المنعقد ببوزنيقة 16-17-18 فبراير/شباط 2007، مطبعة سوماكرام، الطبعة الأولى، 2007/2008، ص 38.
- المرجع نفسه، ص 37.
- المرجع نفسه، ص 40.
- الحزب الاشتراكي الموحد، وثائق المؤتمر الوطني الرابع، المنعقد أيام 19-20-21 يناير/كانون الثاني 2018، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 2021، ص 300.
- حزب فيدرالية اليسار، وثيقة “العمل الجماهيري”، المؤتمر الاندماجي المنعقد أيام 16-17-18 ديسمبر/كانون الأول 2022.
- بخصوص الوثيقة، يُنظر: مجلة نوافذ، الاتحاد الاشتراكي: اليسار والكتلة (نقاش حول وثيقة 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2003 الصادرة عن المكتب السياسي لحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”)، العدد 22/23، أبريل/نيسان 2004، ص 166.
- منتصر حمادة، صعود وأفول الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مجلة وجهة نظر، عدد مزدوج 36/37، صيف 2008، ص 22.
- منتصر حمادة، مرجع سابق، ص 23.
- المرجع نفسه.
- المرجع نفسه.
- توفيق مطيع، نخبة اليسار المغربي: المسار والآفاق 1996-2010 دراسة سوسيوسياسية، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام والعلوم السياسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-أكدال، جامعة محمد الخامس-الرباط، السنة الجامعية 2010-2011، ص 107-108.
- المرجع نفسه، ص 108.
- منتصر حمادة، في الأداء السياسي للأحزاب المغربية خلال عام 2008، سلسلة كراسات إستراتيجية (5) مجلة وجهة نظر، ص 46.
- يقصد بالمسؤولين المخزنيين الذين يشتغلون داخل البنية السلطوية والإدارية المرتبطة بالمخزن باعتباره نسقًا تاريخيًّا سياسيًّا وثقافيًّا يرمز إلى السلطة المركزية بالمغرب. يُنظر للتفصيل أكثر في مفهوم المخزن: هند عروب، المخزن في الثقافة السياسية المغربية، دفاتر وجهة نظر (4)، الطبعة الأولى، 2004.
- محمد شقير، السلوك الانتخابي بالمغرب (بين الشفافية السياسية والمقاطعة الشعبية)، دفاتر وجهة نظر (30)، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2015، ص 154.
- توفيق عبد الصادق، حركة 20 فبراير بالمغرب: دراسة في سياقات التحرك وبنية الحركة، مجلة المستقبل العربي، عدد 474، أغسطس/آب 2018، ص 65.
- عبد اللطيف حسني، في تخريب التنظيمات النقابية (موقف الحركة العمالية المغربية من حراك 20 فبراير)، مجلة وجهة نظر، العدد 59، شتاء 2014، ص 35.
- توفيق عبد الصادق، مرجع سابق، ص 64.
- تصريحات قادة أحزاب الأغلبية الحكومية بخصوص حراك الريف إثر اجتماعها الذي خلص إلى قرار رفضها ومنعها إياه. يُنظَر إلى الريبورتاج الموثق لذلك عبر الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=D4wzDxABk8o
- ينظر: بلال التليدي، المغرب: تعقيدات حراك الريف وخيارات الدولة، تقرير صادر عن مركز الجزيرة للدراسات، 25 يوليو/تموز 2017.
- الحبيب أستاتي زين الدين، الأحزاب السياسية في المغرب ومأزق التوترات الاجتماعية الجديدة، مجلة سياسات عربية، العدد 46، سبتمبر/أيلول 2020، ص 69.
- وثائق المؤتمر الوطني الرابع للحزب الاشتراكي الموحد، مرجع سابق، ص 302.
- Abderrahim El Maslouhi, La gauche marocaine, défenseure du trône. Sur les métamorphoses d’une opposition institutionnelle, L’Année du Maghreb, V / 2009, p 9
- نبيل فتال، الأحزاب السياسية وإشكالية ممارسة السلطة عبر المؤسسات الدستورية (دراسة على ضوء دستور 2011)، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-المحمدية، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، السنة الجامعية: 2017-2018، ص 74.
- عقد حزب التقدم والاشتراكية مؤتمره العام، سنة 1975، وأكد فيه مجموعة من المبادئ ذات التوجه الماركسي ووصف نفسه بأنه “يشكِّل حزب الطليعة الثورية للطبقة العاملة والجماهير الكادحة، وأنه يضع نشاطاته في إطار أفق تشييد الاشتراكية… وأن الاشتراكية التي يتبنَّاها هي اشتراكية علمية من حيث أساليبها، وأنها تنهل من مناهل الواقع الوطني والشعبي (…) وأن الحزب يأخذ بعين الاعتبار موازين القوى، ويعمل على تغييرها عن طريق النضال الحازم، رافضًا كل انتهازية (…). وبأن نضال الشعب المغربي ينبغي أن يتجه ضد الإمبريالية والأوليغارشية، الشبيهة بالرأسمالية والإقطاعية، (…) ويكتسي جوانب سياسية واقتصادية وأيديولوجية مختلفة، ويمكنه أن يأخذ شكل الكفاح المسلح في المعركة من أجل التحرر الوطني”. انظر: عبد العالي حامي الدين، الدستور المغربي ورهان موازين القوى، دفاتر وجهة نظر (7)، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، سنة 2005، ص 105.
- محمد أقضاض، اليسار المغربي بين التجربة والأفق، مجلة الربيع، العدد الخامس، السنة الثالثة، 2017، ص 102.
- اعتُبرت هذه الانتخابات التي أوصلت حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية غير نزيهة، بعدما شكَّك أعضاء الحزب أنفسهم فيها بدعوى أنها زُوِّرت لصالح الحزب، ويُذكر في هذا الإطار أبرز حالة دالَّة على ذلك، وهي حينما تنازل محمد حفيظ، وهو عضو بارز في الحزب آنذاك، عن مقعده بدائرة مبروكة البلدية السلامة بالدار البيضاء، بدعوى أن المقعد زُوِّر لصالحه، وهو الأمر نفسه الذي وقع مع محمد أديب في دائرة مديونة. يمكن التفصيل أكثر في هذا والاطلاع على حيثيات هذه الوقائع كما رواها محمد حفيظ، وهو المعني بالأمر، وأحمد بوز، الذي كان آنذاك عضوًا في اللجنة الوطنية للانتخابات للحزب، إضافة إلى كونه عضوًا في هيئة تحرير جريدة “النشرة” التابعة للحزب، في كتابهما:
- محمد حفيظ وأحمد بوز، اليوسفي كما عشناه: أوراق من زمن السياسة، دار الفاصلة للنشر، الطبعة الأولى: 2021، ص 265 إلى ص 300.
- عبد العالي حامي الدين، مرجع سابق، ص 106.
- حسن طارق، اليسار وأسئلة التحول: دراسة للتحولات السياسية لليسار المغربي خلال التسعينات، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2006، ص 29.
- المرجع نفسه، ص 32-33.
- المرجع نفسه، ص 43.
- المرجع نفسه، ص 45.
- محمد المريني، اليسار المغربي: الثورة والإصلاح، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2005، ص 29 إلى ص 40.
- حسن طارق، مرجع سابق، ص 47.
- المرجع نفسه، ص 48-49.
- جون كلود سانتوشي، الأحزاب السياسية المغربية تحت المجهر: تعددية تحت المراقبة، ترجمة: محمد حمادي، دفاتر وجهة نظر (3)، مطبعة النجاح الجديدة 2003، ص 122.
- منتصر حمادة، صعود وأفول الاتحاد الاشتراكي …، مرجع سابق، ص 20.
- Abdellah El Harchiche, Le déclin de la gauche au Maghreb : Le cas du Maroc, Mémoire Maitrise en Science politique, Université LAVAL – Québec / Canada, 2020, P 35
- Ibid, P 35.
- علال الأزهر، تاريخ أزمة اليسار المغربي، مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، الطبعة الأولى، 2019، ص 49.
- المرجع نفسه.
- المرجع نفسه، ص 68-69.
- فريد لمريني، حركة شباب 20 فبراير ومشهد التغيير في المغرب: محاولة سوسيو-سياسية، مجلة وجهة نظر، العدد 49، صيف 2011، ص 9.
- رشيد شريت، النخب الحزبية في العهد الجديد: من التعادلية والخيار الثوري إلى “الحرافيشية” و”بطلب منه!”، مجلة وجهة نظر، عدد مزدوج 56–57، ربيع وصيف 2013، ص 19.
- محمد الهاشمي، صناعة الحزب الأغلبي في المغرب: من الحزب السياسي الكلاسيكي إلى التنظيم الجوكر، مجلة وجهة نظر، عدد مزدوج 36–37، ربيع صيف 2008، ص 31.
- علال الأزهر، مرجع سابق، ص 53.
- عبد الرحيم المنار أسليمي، نهاية المشروعية التاريخية لدى الحركة الوطنية: غياب الرمزية وأزمة التمثيل السياسي، مجلة وجهة نظر، العدد 14، شتاء 2002، ص 11.
- يقصد باليسار الآخر كل الأحزاب اليسارية الجديدة التي خرجت من رحم اليسار التقليدي خلال مختلف المراحل وما زالت تحمل خطابًا مخالفًا له، وهي: الحزب الاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، وحزب النهج الديمقراطي العمالي.
- هنا مصطلح “اليسار الجديد” يقصد به الجديد من حيث الزمن وليس بالمفهوم الذي كان سائدًا في أواخر الستينات وبداية السبعينات.
- عبد الصمد بن شريف، اليسار المغربي من المواجهة إلى المشاركة، جريدة العربي الجديد، بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول 2015.
- محمد شقير، السلوك الانتخابي بالمغرب…، مرجع سابق، ص 156.
- وثيقة للحزب الاشتراكي الموحد بعنوان “الإصلاحات الدستورية مدخل للإصلاح الشامل”، ص 26.
- حزب فيدرالية اليسار، وثيقة “الهوية والخط السياسي” المقدمة في إطار المؤتمر الاندماجي المنعقد بتاريخ 16-17-18 ديسمبر/كانون الأول 2022.
- عبد القادر الشاوي، اليسار المغربي: من المعارضة إلى الاندماج، مجلة نوافذ، العدد الرابع، يونيو/حزيران 1999، ص 51.
- وثيقة “الهوية والخط السياسي” المقدمة في إطار المؤتمر الاندماجي لحزب فيدرالية اليسار المنعقد بتاريخ 16-17-18 ديسمبر/كانون الأول 2022، ص 9.
- المرجع نفسه، ص 9.
- المرجع نفسه، ص 14.
- عبد الغني القباج، قراءة نقدية في تصورات مكونات فيدرالية اليسار الديمقراطي في الملكية الديمقراطية: حقوق الإنسان والانتخابات، مجلة وجهة نظر، العدد 64، ربيع 2015، ص 44-45.
- المرجع نفسه، ص 36.
- حسن الصعيب، النهج الديمقراطي: في الهوية والأيديولوجية والبناء التنظيمي، مجلة وجهة نظر، العدد 64، ربيع 2015، ص 64.
- المرجع نفسه.
- محمد شقير، السلوك الانتخابي بالمغرب…، مرجع سابق، ص 138.
- حسن قرنفل، أصوات الفقراء، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 2020، ص 193 و195.
- المرجع نفسه، ص 19. ويُقصد بـ”المقاعد الجماعاتية” عدد المقاعد المخصَّصة للأعضاء المنتخبين في المجالس الجماعية (البلدية أو القروية) بالمغرب، ويُحدَّد هذا العدد وفقًا لحجم الجماعة الترابية وعدد سكانها، كما ينص على ذلك القانون التنظيمي للجماعات.
* أيوب المريني، باحث في العلوم السياسية، جامعة محمد الخامس، الرباط.
*Ayoub El Mrini, Researcher in Political Science at Mohammed V University, Rabat.
