٭ Anwar Qasem Al-Khudhari أنور بن قاسم الخضري –
ملخص
شكَّلت حالات توظيف الجماعات الدينية في النزاعات السياسية بالواقع اليمني الحديث ظاهرة سياسية لافتة، وقد أسهمت في خلقها أطراف سياسية مختلفة، محلية وإقليمية. هذه الورقة حاولت رصد وتتبُّع هذه الظاهرة من حيث الأهداف والملامح والنتائج، على صعيد جماعات دينية عدَّة، وذات توجُّهات متباينة، من خلال محطَّات وأحداث عديدة، معتمدة المنهج الوصفي والتحليلي. واعتمدت هذه الورقة ثلاثة محدِّدات، هي: المحدِّد المكاني حيث التزمت الورقة الجغرافيا اليمنية؛ والمحدِّد الزماني حيث التزمت الورقة الفترة الزمنية منذ قيام الجمهورية اليمنية، عام 1962، وحتَّى كتابة الورقة؛ والمحدِّد الموضوعي حيث التزمت الورقة توظيف الجماعات الدينية ككيانات وجهود ومناشط وخطاب في النزاعات السياسية وضدَّ الأطراف الأخرى فقط. وخرجت الورقة بجملة من النتائج التي تؤكِّد وجود الظاهرة ووقوع هذه الجماعات الدينية في التوظيف السياسي باعتبارها الحلقة الأضعف، وخطورة تأثير ذلك على المشهد السياسي والاجتماعي اليمني، قديمًا وحديثًا.
كلمات مفتاحية:
توظيف سياسي، نزاعات سياسية، جماعات دينية، اليمن، الدين والسياسة.
Abstract
The utilization of religious groups in political conflicts within modern Yemen has become a significant political phenomenon, influenced by various local and regional actors. This paper aims to examine this phenomenon, focusing on its goals, characteristics, and outcomes across several religious groups with diverse orientations. Adopting a descriptive and analytical approach, the study tracks and analyzes the involvement of these religious groups in political conflicts, considering multiple key events and stages. Three key determinants are adopted: geographical context, with a focus on Yemeni territory; a temporal framework spanning from the establishment of the Republic of Yemen in 1962 to the present day; and an objective definition limiting the study to the utilization of religious groups in political conflicts and their opposition to other parties. The findings of the paper confirm the existence of this phenomenon and highlight the substantial involvement of religious groups in political exploitation, underscoring their impact on Yemen’s political and social landscape throughout history and into the present day.
Keywords:
Political employment, political conflicts, religious groups, Yemen, religion and politics.
مقدمة
يعدُّ المجتمع اليمني مجتمعًا محافظًا ومتديِّنًا، لكنَّه رغم ذلك لم ينعم بالاستقرار إذ غلبت على تاريخه دوَّامة من النزاعات والصراعات السياسية، ونشأ عن تلك النزاعات والصراعات توظيف الأطراف السياسية المتشابكة في معاركها وحروبها مع الخصوم للجماعات الدينية، نظرًا لما يمتلكه خطابها من حضور وتأثير في المجتمع. وقد استمرَّ هذا التوظيف حتَّى بعد قيام ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 والإعلان عن قيام نظام جمهوري، بل وحتَّى بعد قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو/أيار 1990، وفتح الأبواب للتعدُّدية السياسية والحزبية والتنافس الانتخابي وحرِّية التعبير والإعلام؛ وهو ما عكس أهميَّة دراسة هذه الظاهرة في أبعادها المختلفة في المشهد السياسي.
ومع بروز الجماعات الدينية، مطلع القرن العشرين، في العالمين العربي والإسلامي، باتت تلك الجماعات جزءًا من الحراك المجتمعي والسياسي، بما في ذلك الساحة اليمنية التي امتدَّ إليها حضور تلك الجماعات، وفرض انتشاره وتأثيره. وتوظيف الجماعات الدينية سياسيًّا في الدولة اليمنية الحديثة فرضته سياقات تاريخية وظروف واقعية، وطبيعة التحالفات التي حكمت مسارات التحولات السياسية منذ 1962 إلى اليوم. وفي الوقت الذي استفادت الأطراف السياسية من هذه الجماعات الدينية في معاركها، أفادت تلك الجماعات بدورها -من جهتها- بانخراطها في تلك العلاقة، سواء أكان بصيغة تشاركية أم تحالفية أو تعاونية أو من خلال مقايضات متبادلة، وهو ما جعل هذه الظاهرة تتمدَّد وتبرز.
هذه الورقة تستعرض حالات التوظيف التي جرت للجماعات الدينية في النزاعات السياسية في اليمن، منذ 1962 وحتَّى 2022؛ محاولة رسم ملامح ذلك التوظيف، وغاياته ونتائجه، سواء أكان على مستوى الأطراف المتنازعة والمتصارعة أم على المستوى العام. كما تتطرق الورقة لمدى التوظيف الخارجي، من طرف الأنظمة الإقليمية والدولية، لهذه الجماعات الدينية لصالح أجنداتها وسياساتها في اليمن، وكيف تمكَّنت من الوصول إليها وتوظيفها.
وسوف تعتمد الورقة على المنهج الوصفي والتحليلي في تناول هذه الظاهرة، من خلال تتبُّع المعلومات المتوافرة، ورصد مسار الأحداث والوقائع تاريخيًّا، وربطها بالمواقف والتصريحات والأدوار، لرسم ملامح الظاهرة وأبعادها، ومِن ثمَّ تحليلها وتفكيك مكوِّناتها لتقديم تفسير لها. وتقف الورقة عند حدود الجغرافيا اليمنيَّة مكانًا، وقضية توظيف الجماعات الدينية في النزاعات السياسية موضوعًا.
الإطار المفاهيمي
“التوظيف السياسي” المفاهيم والدلالات
“وظَّف” أي جعل له عملًا يقوم به؛ و”الوظيفة” هي “ما يتولَّاه الشخص من عمل”(1)، وقيل: هي أعمال مقدَّرة يكلَّف بها شخص ما، وتكون على الدوام أو شبه الدوام. والـ”توظيف” الإلزام(2)، ويأتي في اللغة كذلك بمعنى الاستخدام أو الإشغال أو الإعمال أو الاستغلال، فالموظَّف هو شخص مستخدم للقيام بمهام معيَّنة، ومشغول بواجبات وتكاليف، وعامل وفق خطَّة ونهج، ومستغل لإنجاز أهداف ومطالب.
ويُشار إلى استخدام أطراف أو استغلال أحداث لأهداف سياسية بأنَّه توظيف سياسي، فـالتوظيف السياسي يشير إلى قدرة السلطة الحاكمة، أو القوى السياسية بغض النظر عن موقعها، في استخدام أو استغلال أمور وأطراف وأحداث خارج نسق السياسة في السياسة، بما يحيل تلك الأمور والأطراف والأحداث إلى أدوات تحقِّق أجندات وأهداف السلطة الحاكمة أو القوى السياسية الموظِّفة لها(3).
و”يتقارب مفهوم التوظيف السياسي مع مفردات ومصطلحات شائعة ومتداولة في علم السياسة”(4)، كالاستغلال السياسي أو التلاعب السياسي أو التسييس فـ”التسييس هو عملية إلصاق السياسة بموضوعات غير سياسية، أو تحويل موضوعات مختلفة إلى موضوعات سياسية؛ وتتمُّ هذه العملية عبر الحدود الرسمية للدول، باستثمار الأفراد لعلاقاتهم القوية مع الجهات الخارجية لتحقيق نفوذ سياسي”(5).
وفي حين تهتمُّ “السياسة” و”الدين” -كلاهما- بالشأن العام، وقضايا الأفراد والمجتمع في إطار من الهيمنة الحاكمة والضابطة، ويعملان في ذات الفضاء، فإنَّ تقاطعهما وتشابكهما، وربَّما تصادمهما، أمر حتمي. لهذا، اعتنى رجال السياسة عبر التاريخ بمجال الدين، واعتنى رجال الدين بمجال السياسة؛ فتارة تجمعُ رجالَ السياسة ورجالَ الدين علاقةُ تحالف واشتراك، وتارة يغلب عليهم التنافس والخصومة.
ونظرًا لأن الدين حاضر بقوة في فطرة ووعي الأفراد، ويمثِّل حافزًا قويًّا لهم، ويعطي الآراء والأفكار البشرية إذا أُضفي عليها “صبغة دينية” قداسة وتأثيرًا على سلوكهم، فإنَّ استخدام وتوظيف الدين والمتديِّنين طاغ في ميدان السياسة، ومنذ القدم. حتَّى الصراعات السياسية الهادفة للوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها كان مثيروها يلجؤون إلى الدين للتوجيه والتعبئة العامَّة ضدَّ الطرف الآخر.
ولم يقف “التوظيف السياسي” للجماعات الدينية عند طبيعة واحدة وصورة واحدة، بل تنوَّعت طبيعته وتعدَّدت صوره، بحيث شمل التوظيف المباشر وغير المباشر، والظاهر والخفي، والإيجابي والسلبي، والأُحادي الوجهة والمتعدِّد؛ خصوصًا أنَّ الجماعات الدينية مختلفة المذاهب والمشارب والاهتمامات والأدوار، فمنها ذو وجهة سياسية، ومنها ذو وجهة اجتماعية، ومنها ذو وجهة فكرية وثقافية، ومنها ذو وجهة قتالية. وقد يكون “التوظيف السياسي” لأمر صحيح في ذاته، وإن كانت مقاصد الطرف السياسي ترمي لبُعد آخر.
إنَّ هذا المدلول الواسع والصور المختلفة لـ”التوظيف السياسي” تُفضي إلى ضرورة التعاطي الحذر مع المصطلح، ومع الأمثلة المعروضة للتباحث أو الدراسة، مع الإفساح في فضاءات للتأمل والحوار والاحتمالات. وعليه، لا يُمكن اعتبار المصطلح ذا دلالة سلبية على الدوام، ويبقى أنَّ استغلال رجال السياسة لرجال الدين، أو للمجال الديني، ظاهرة تستوجب الوقوف عندها وتحليل آثارها(6).
الجماعات الدينية
نقصد بالجماعات الدينية في هذه الورقة البحثية تلك التجمعات البشرية القائمة على رابطة وعلَّة دينية، أو لهدف ووظيفة ورسالة دينية؛ أي إنَّ للدين حضورًا في تعريفها لذاتها وهويَّتها المغايرة للآخرين؛ إذ هو المعتبر الأوَّل في تشكُّلها وقيامها وترابطها. وبالتالي فالجماعات الدينية عابرة للأنساب والأجناس والعرقيَّات والوطنيَّات والدول، كأيِّ تكتُّل بشري يقوم على الأفكار والقيم والتصورات والأيديولوجيا بعيدًا عن تلك المعاني.
والجماعات الدينية في المجتمع الإسلامي يمكن أن تكون فرقًا عقائدية أو مذاهب فقهية، فالخوارج والمعتزلة والشيعة والصوفية فرق عقائدية، والحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية جماعات فقهية. ومع سقوط الخلافة العثمانية في منتصف العقد الثاني من القرن الماضي ظهرت حركات تجديدية عدَّة، تشكَّلت في جماعات ذات اهتمامات متعدِّدة، علمية ودعوية واجتماعية وجهادية وسياسية، محاولة استئناف العمل لقيام الإسلام واقعًا في حياة المسلمين، على صعيد المجتمع أو الدولة. وهذه الجماعات تعدَّدت في أسمائها كما تعدَّدت في اهتماماتها ووظائفها.
ومن بين أبرز الجماعات الدينية في العصر الحديث: الإخوان المسلمون، وحزب التحرير، وجماعة التبليغ، وتنظيم القاعدة، والجماعات السلفية المختلفة. وقد كان لهذه الجماعات حضور وانتشار على امتداد جغرافيا العالم الإسلامي، خلال القرن الماضي وحتَّى واقعنا اليوم، بما في ذلك الساحة اليمنية.
ونظرًا لانتشارها وتأثيرها فقد باتت حاضرة في القضايا العامَّة والشأن العام، وبالتالي باتت طرفًا في تشكيل المشهد السياسي بصورة أو بأخرى. لهذا لا يمكن استبعاد الجماعات الدينية عن قراءة الأحداث والتحولات السياسية في كثير من البلدان العربية والإسلامية.
الغرب وتوظيف الجماعات الدينية في السياسة
تعدُّ الجماعات الدينية جزءًا مهمًّا من المجتمع الإنساني، بما في ذلك الدول الغربية، رغم أنَّ معظمها أخذ مبدأ العلمانية أساسًا للحكم والنظام السياسي؛ ذلك لأنَّها إحدى شرائح المجتمع المؤثِّرة في تشكيل الرأي العام، وهو ما دفع العديد من الزعامات والأحزاب السياسية لتحسين العلاقة بها، والحرص على التواصل والاتِّصال بها، ودمجها ضمن أدوات كسب الرأي العام. وقد استخدمت الأنظمة الليبرالية الغربية الكنيسة في مواجهة المدِّ الشيوعي القادم من الشرق، ووظَّفت الخطاب الديني في مناهضة الأفكار والكيانات الشيوعية. كما عمد العديد من الأحزاب في القارتين، الأوروبية والأميركية، إلى التحالف مع الكنيسة والطوائف الدينية، في كسب أصوات الناخبين في الدورات الانتخابية. وفي الولايات المتَّحدة الأميركية تبنَّت الصهيونية البروتستانتية الخطاب الديني لتبرير دعمها لإسرائيل دولة يهودية تقوم على أرض فلسطين على أنها وطن قومي لليهود. ويُعد ملك بريطانيا رئيسًا لكنيسة إنكلترا البروتستانتية، رغم كونه لا يرتبط بالعمل الكنسي. ومع إعلان جورج بوش (الابن) حملته على المنطقة الإسلامية، في 2001، أعلن أنَّها “حملة صليبية”، في محاولة لكسب التيار الديني بالولايات المتَّحدة.
وقد ظلَّت ورقة الأقليَّات الدينية في المنطقة أداة للقوى الغربية الاستعمارية لإدارة الصراع مع الدولة العثمانية، ولتشكيل المنطقة بعد سقوطها؛ إذ جنَّدت فرنسا وبريطانيا وألمانيا قضايا الأقليَّات ضمن مساوماتها السياسية تجاه المنطقة منذ وقت مبكِّر(7).
واستخدمت بريطانيا الجماعات الدينية في حروبها المختلفة، بل عملت على توليد بعض الجماعات الدينية ودعمها. ففي ظلِّ الثورات التي شهدتها الهند ضدَّ الاحتلال البريطاني، عمدت حكومة الهند البريطانية إلى دعم ميرزا غلام أحمد القادياني، وهو هندي من أصول فارسية، وكان مسلمًا ثمَّ ادَّعى النبوَّة، ليتحوَّل إلى زعيم جماعة دينية مستقلَّة، ويوجِّه أتباعه إلى حرمة قتال المحتلِّين البريطانيين ووجوب طاعتهم، والنصح لحكومة بريطانيا. وبفضل الدعم السخي الذي قدَّمته بريطانيا لميرزا غلام أصبح له أتباع وجمهور عرفوا بالقاديانية أو الأحمدية، ومثَّلوا ظاهرة العمالة لحكومة الاحتلال وخدمتها(8).
ومع احتلال الاتِّحاد السوفييتي لأفغانستان وتمدُّده جنوبًا باتِّجاه المياه الدافئة، عملت الولايات المتَّحدة الأميركية على دعم الجماعات الدينية الأفغانية التي أعلنت الجهاد ضدَّ الاحتلال الروسي، بمختلف توجُّهاتها، رغم انتمائها للإسلام، من منطلق إفشال مخطَّطات الاتِّحاد السوفييتي التوسُّعية، وتوريطه في حرب استنزاف طويلة المدى. وجنَّدت الولايات المتَّحدة لأجل هذا الهدف المنطقة العربية التي ضخَّت الأموال والرجال للانخراط في الجهاد الأفغاني في ذلك الحين.
كما استخدمت الولايات المتَّحدة الجماعات الدينية الشيعية في حربها ضدَّ نظام صدام حسين البعثي في العراق، في 2003، رغم أنَّها ادَّعت أنَّها جاءت لتحرير العراقيين، وتمكين نظام ديمقراطي في بغداد؛ إلَّا أنَّها استعانت بجماعات شيعية طائفية مسلَّحة، تعتمد العنف وسيلة سياسية في فرض إراداتها وأجنداتها الطائفية. وبالفعل باتت هذه الجماعات تحكم العراق بدعم الاحتلال الأميركي.
وحاولت الولايات المتَّحدة استغلال جماعة “فتح الله كولن” بتركيا للقيام بانقلاب عسكري على حكومة “حزب العدالة والتنمية”، في 2016، بناء على أنها الأكثر حضورًا وتأثيرًا في المشهد العام، والأكثر قابلية لأن تخلف الحزب الحاكم هناك. وقد نقلت صحيفة “حرِّيَّت” التركية، عن وزير الداخلية وقتها، “سليمان صويلو”، اتَّهامه لواشنطن بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل الذي حدث في 2016، والذي تتَّهم أنقرة “فتح الله كولن”، المقيم في الولايات المتَّحدة الأميركية، وجماعته “جماعة الخدمة”، بالمسؤولية عنه(9).
الأنظمة العربية وتوظيف الجماعات الدينية سياسيًّا
ظلَّ العديد من الأنظمة العربية يتمسَّح بالدين لإضفاء صبغة شرعية عليه في الإطار الشعبي، رغم ارتكاب هذه الأنظمة لمخالفات كبيرة للدين. إذ حرصت تلك الأنظمة على حضور الشعارات الدينية في أدبيَّاتها وأوراقها الرسمية ولافتاتها، وعلى إبراز قياداتها وهم يمارسون بعض الشعائر التعبُّدية، وعلى استدعاء النصوص الدينية في الخطابات والتصريحات الرسمية، وعلى إبراز علاقة ودِّية مع رجال الدين المعيَّنين في وظائف الدولة ذات الأدوار الدينية الموالية. هذه الأعمال وغيرها من السياسات تهدف إلى تقبُّل المجتمعات العربية المتديِّنة في معظمها للسلطة القائمة بوصفها سلطة شرعية، لا ينبغي مخالفتها أو الخروج عليها.
ومع بروز الجماعات الدينية عمدت الأنظمة العربية إلى توظيفها، على الصعيد الداخلي أو الخارجي. فقد عمد نظام أنور السادات بمصر إلى تشجيع الجماعات الإسلامية ضدَّ الأحزاب اليسارية في محاولة لتخفيف وطأة تلك الأحزاب الأيديولوجيَّة المنظَّمة المعارضة لحكمه. كما عمدت دول الخليج لاستقطاب عناصر من جماعة “الإخوان المسلمين” لإيقاف المدِّ اليساري ومواجهته في أدبيات التعليم والإعلام في منتصف القرن الماضي. وتبنَّت السعودية دعم التيَّار السلفي على مستوى العالم الإسلامي، في إطار مواجهة المدِّ الشيعي الذي بدأ النظام الإيراني يتولَّى دعمه من منطلق تصدير الثورة في المنطقة. كما أسهم النظام السوري في تسهيل انتقال عناصر “تنظيم القاعدة” من وإلى العراق خلال الفترة (2003- 2010)، لإبقاء الاحتلال الأنجلو-أميركي للعراق في حالة تهديد مستمر، بحيث يصرف توجهه عن احتلال سوريا أو توجيه ضربة لها.
وقد عملت الأنظمة العربية بمختلف أنواعها على إبقاء ورقة الدين حاضرة في السياسة الداخلية، وفي سبيل نزع الشرعية عن المعارضين وجماعات الإسلام السياسي، خصوصًا بعد ثورات الربيع العربي في 2011. وقد قبلت بعض الجماعات الدينية، من طرق صوفية أو تكوينات منتسبة للتيَّار السلفي أو تكتُّلات وشخصيات مستقلَّة، الانخراط في العملية السياسية لصالح السلطة الحاكمة.
وسيظلُّ توظيف الجماعات الدينية حاضرًا في المنطقة العربية نظرًا لحضور الدين العميق في وعي المجتمعات العربية المسلمة، واستمرار الصراعات القائمة على البعد الديني بين الطوائف، وعلى مستوى الأديان والحضارات الأخرى. وهذا يتطلَّب دراسة الظاهرة بدقَّة وتمعُّن، لتجنيب المنطقة كوارث خطرة تكرِّس تشويه الدين ورجاله في وعي الشعوب.
توظيف الجماعات الدينية في الحالة اليمنية
يُعدُّ المجتمع اليمني مجتمعًا متديِّنًا، وقد انعكس هذا على الواقع الاجتماعي منذ وقت مبكِّر من القرن الماضي. وهو ما جعل اليمن بيئة مستقطبة للجماعات الإسلامية المختلفة، وساحة لعدَّة دعوات ومناشط، مثل الإخوان المسلمين والسلفيين والجهاديين والتبليغ وحزب التحرير وغيرهم. حتَّى بات حضور هذه الجماعات بارزًا على صعيد التأثير السياسي، سلبيًّا أو إيجابيًّا، وعلى مستوى الخطاب والسلوك. ونظرًا لهذا الحضور أصبح توظيف هذه الجماعات الدينية على الصعيد السياسي خطَّة متَّبعة لدى النخبة السياسية الحاكمة، ولدى القوى الإقليمية والدولية النشطة في الساحة اليمنية، وخصوصًا في النزاعات السياسية والصراعات العسكرية؛ وسواء انخرطت هذه الجماعات الدينية بوعي منها، أو بغفلة، أو من قبيل التقاطعات وتبادل المنافع، في تلك النزاعات والصراعات.
وهنا يمكن رصد هذا التوظيف من خلال استعراض أبرز مظاهر وأهداف التوظيف للجماعات الدينية والنزاعات التي جرى توظيفها سياسيًّا في اليمن، وآثارها على المشهد السياسي.
الإخوان المسلمون
نشأت جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر، على يد مؤسِّسها حسن البنَّا، في العقد الثالث من القرن العشرين (1928). وقد تمكَّنت الجماعة من مدِّ حضورها وتأثيرها خلال عقدين من تأسيسها إلى عدَّة دول عربية وإسلامية، لما مثَّلته في تلك المرحلة التاريخية من فكرة تعبِّر عن الأصالة والتطلُّع إلى استعادة دولة الإسلام ودوره الحضاري، في ظلِّ الانكسار الذي حدث للخلافة العثمانية، وتمزُّق العالم الإسلامي إلى دويلات مفكَّكة تحتلها قوى أجنبية.
وقد ارتبطت جماعة “الإخوان” باليمن في وقت مبكِّر جدًّا؛ إذ تطلَّع “البنَّا” إلى أن يكون اليمن منطلقًا لدعوة وحركة الجماعة(10). وأسهمت الجماعة في الوقوف إلى جانب المعارضة السياسية المطالبة بالإصلاح والتغيير، أو ما كان يُعرف بـ”حزب الأحرار”، الذي كان يتزعَّمه الأديب والشاعر الثائر، محمَّد محمود الزبيري. ومِن ثمَّ أسهمت الجماعة في تشكيل الحركة الدستورية التي عملت على الانقلاب على الإمام يحيى حميد الدين، في 1948، والإعلان عن نظام ملكي دستوري(11). ورغم فشل تلك التجربة في مهدها، والضربة القاصمة التي وُجِّهت للجماعة(12)، إلَّا أنَّ الجماعة استمرَّت في نشر دعوتها ومدِّ علاقاتها، حتَّى تمكَّنت أن تفرض وجودها وحضورها، وأن تسهم في المنعطفات والأحداث الآتية.
مع نجاح ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، التي دعمها النظام المصري، بزعامة جمال عبد الناصر، الذي دخل في حالة خصومة وعداء مع جماعة “الإخوان” في مصر، شهد اليمن انفراجًا في الوضع السياسي، بعد أن سقط حكم الأئمَّة بما مثَّله من انغلاق واستبداد وإرهاب للشعب، ليقوم نظام جمهوري حديث ينصُّ دستوره على مبدأ الإعلاء من مكانة الشعب على حساب مكانة الحاكم الفرد المطلق؛ وهذا بدوره أتاح للأحزاب والتيَّارات والجماعات المختلفة -والتي باتت حاضرة على الصعيد الشعبي- أن تتحرَّك بحرِّية، وإن لم تتشكَّل وتعلن عن نفسها رسميًّا.
كان نظام جمال عبد الناصر يعمل على إيجاد موالين له في أوساط الضبَّاط والنُّخب اليمنية، وسعى في جعل اليمن تبعًا لسياسة القيادة في جمهورية مصر العربية، وهذا ما دفع المملكة العربية السعودية للدخول في صراع مع مصر على الساحة اليمنية؛ إذ اختار النظام السعودي الانحياز لقوى الملكية ودعم أنصار الإمامة الزيدية، في سبيل مواجهة خطر المدِّ الناصري الذي بدأ يتهدَّده.
فرض هذا الصراع على الساحة اليمنية حالة من الانقسام والتباين في المجتمع، ما بين موالٍ لمصر، وموالٍ للسعودية، ومحايد يرى أنَّ اليمن ينبغي أن تكون مستقلَّة لا تابعة. وكانت جماعة “الإخوان” ضمن التيَّار الثالث، فلم تكن لتتخلَّى عن الجمهورية وتنحاز للملكية والإمامة، ولم تكن لتنخرط تحت قيادة النظام المصري وهي التي تجرَّعت عداوته في مصر. هذا الحياد جنَّب “الإخوان” مخاطر جمَّة على صعيد الجماعة وعلى صعيد المجتمع، وأتاح لهم الحفاظ على قواهم وسمعتهم، وأكسبهم شعبية أكبر.
حرصت جماعة “الإخوان” -عقب قيام النظام الجمهوري- على الحضور في القضايا الوطنية والشأن العام، وانخرطت في الوظائف العامَّة للدولة الحديثة، وشاركت في صناعة الوعي والحراك الجماهيري. ومع بدء الصراع على السلطة بين الأحزاب والقوى السياسية الأخرى -الناصريين(13) والبعثيين واليساريين- أصبحت الجماعة تشعر بتهديد قادم، فهذه الأحزاب ذات رؤية شمولية ومنهج إقصائي وموقف معاد -وفي أقل الأحوال سلبي- للدين، وفي حال تمكَّنت من السلطة بشكل مطلق ستقضي على أهداف الجماعة في إقامة حكم إسلامي نموذجي في اليمن.
بدأ الصراع بين الأحزاب يأخذ طابعًا عسكريًّا، وقاد المقدَّم إبراهيم الحمدي، ذو الميول الناصرية، انقلابًا عسكريًّا، في 13 يونيو/حزيران 1974، وأطاح بالرئيس عبد الرحمن الإرياني (أوَّل رئيس مدني للجمهورية العربية اليمنية)(14). وعقب مقتله، بدأت قوى اليسار تتطلَّع للإمساك بمقاليد السلطة، خصوصًا وأنَّها تمكَّنت من الإمساك بها في الشطر الجنوبي لليمن، وهو ما أوقع الشمال في صراع داخلي جديد مع قوى اليسار.
كان مسعى اليسار للوصول إلى الحكم والإمساك بمقاليد السلطة يتهدَّد هُوية المجتمع اليمني ودينه، وهو ما استنفر جماعة “الإخوان” لمواجهة هذا الخطر الداهم، والتصدِّي له مع القوى الوطنية الأخرى. وقد مثَّل وصول المقدَّم علي عبد الله صالح للرئاسة، في 17 يوليو/تموز 1978، وهو القادم من المؤسَّسة العسكرية، بثقافة قبلية محافظة، بدعم إقليمي من السعودية، فرصة لجماعة “الإخوان” للتصدِّي لمخطَّطات قوى اليسار المندفعة للحكم.
كما أنَّ صالح الذي وصل للحكم بدون سند شعبي أو حزبي كان بحاجة إلى جماعة “الإخوان” لإيقاف مدِّ قوى اليسار التي باتت تتهدَّد سلطته، خاصَّة أنَّ التيَّارين، الإسلامي واليساري، تحكمهما علاقة تضاد وعداء، في حين كان تيَّارا البعث والناصري يريان في اليسار منافسًا سياسيًّا، وربَّما حليفًا سياسيًّا مفترضًا. ومِن ثمَّ فإنَّ تحالف صالح مع التيَّار الإسلامي آمَنُ لبقائه في السلطة، وأقدر على مواجهة الفكر اليساري بفكر نقيض. ومن هنا نشأ التحالف بين صالح، رئيسًا للجمهورية العربية اليمنية، وجماعة الإخوان، قوَّة شعبية دينية حليفة.
مثَّل اليسار الحاكم في الجنوب تهديدًا لصنعاء “لأنَّ الحكم في الجنوب كان يهتمُّ بالأيديولوجيا والنظريَّات الاشتراكية، والاتِّجاه الماركسي تحديدًا، وهذا الفكر لا يمكن أن يقابله اتِّجاه فكري إلَّا الاتِّجاه الديني، فأُسنِد إلى الإخوان المسلمين القيام بهذه المهمَّة”، ومِن ثمَّ فكلَّما تصاعد الصراع مع الجنوب قوي نفوذ جماعة “الإخوان”؛ وهي بحسب القيادي اليساري، عبد الباري طاهر، “حسابات سياسية”، ففي حين كان لنظام اليسار في الجنوب أداة سياسية في الشمال لم يكُ ثمَّة مَن يواجهها، ولا يمكن أن تواجه بالجيش والأمن فحسب، بل “بأداة سياسية تنظيمية وفكرية أخرى، فلا يوجد أحد يقوم بهذه المهمَّة إلَّا الإخوان المسلمون”(15).
تقدَّمت جماعة “الإخوان” إلى الرئيس صالح بمبادرة تعتمد على المخاطر المشتركة التي يمثِّلها العمل المسلَّح لليسار على الطرفين (“صالح” و”الإخوان”)، وعرضت عليه -عبر وفد منها- إمكانية “التعاون” بينهما لمواجهته، وقدَّمت مخطَّطًا يوضِّح مساحة الالتقاء الواسعة بين الرئيس والجماعة فكريًّا وسياسيًّا(16). وقد قدَّم صالح للجماعة الدعم اللَّازم للمواجهات المسلَّحة، وفتح لها المجال للعمل في الميدان، مع تقديم سند لوجستي لها. وبالفعل، تمكَّن الإخوان من خلال تضحيات كبيرة من القضاء على خطر “الجبهة الوطنية” اليسارية، وإرغامها على الارتداد إلى مناطق ضيِّقة بعد أن كادت صنعاء تسقط بيدها.
بوقوف جماعة الإخوان مع صالح، وانخراطهم في الصراع ضدَّ “الجبهة الوطنية”(17)، تمكَّنت الجماعة من تعزيز حضورها في الدولة والمجتمع، وتوسيع دائرة انتشار فكرها وحركتها للقضاء على خطر الفكر اليساري وحركته. وبهذا حقَّق كلُّ طرف أهدافه السياسيَّة، ففي حين قضى صالح على القوى المهدِّدة لسلطته في الشمال، جنت جماعة “الإخوان” مكاسب متعدِّدة على الصعيدين، الاجتماعي والسياسي، وأصبحت حليفًا موثوقًا للنظام، وهو ما أتاح لها حضورًا كبيرًا في “المؤتمر الشعبي العام”(18)، المظلَّة السياسية للحكم في الجمهورية العربية اليمنية، والذي تشكَّل على أساس بديل لكلِّ الأحزاب(19). فكان لها تأثير في صياغة “الميثاق الوطني” باعتباره هويَّة جامعة للقوى الوطنية في الشمال(20).
خلق تحالف صالح مع جماعة الإخوان نوعًا من الاستقرار للنظام في الشمال، دام حتَّى 1990. ومع تحوُّل “صالح” بشكل منفرد نحو إعلان الوحدة بالاشتراك مع “الحزب الاشتراكي اليمني”، بدأ الخلاف يدبُّ بين طرفي التحالف. وفي ظلِّ الإعلان عن قيام الوحدة بين الشطرين، في 22 مايو/أيار 1990، وإتاحة العمل الحزبي والتعدُّدية السياسية، جرى الإعلان عن عدَّة أحزاب، بما فيها التجمُّع اليمني للإصلاح، امتدادًا لجماعة “الإخوان المسلمين” في اليمن، والتي خرجت كوادرها عن مظلَّة “المؤتمر الشعبي العام” أسوة ببقيَّة الأحزاب الأخرى في الشمال.
مع الإعلان عن قيام حزب الإصلاح، وقيام نظام ديمقراطي يأخذ بالتنوُّع الحزبي والتعدُّد السياسي، أصبح الإخوان أكثر تحرُّرًا في تشكيل توجُّههم السياسي واتخاذ مواقفهم السياسية؛ وإن ظلَّ الاتِّصال والارتباط مع صالح قائمًا في ظلِّ السياقات الظرفية في حينه. وقد تمكَّن الحزب من الفوز في الانتخابات النيابية في 1993؛ ما أهَّله للدخول في شراكة مع الحزبين الآخرين في السلطة. ومع ارتفاع حدَّة الخلاف بين صالح ونائبه، علي سالم البيض، تجاه عدَّة قضايا، أصبحت الوحدة اليمنية مهدَّدة بالفشل، خاصَّة أنَّ قوى إقليمية ودولية غذَّت نوازع الخلاف ودفعت الحزب الاشتراكي لتبنِّي موقف متراجع عن الوحدة.
في 1994، اندلع صراع مسلَّح بين الحزب الاشتراكي اليمني، بزعامة علي سالم البيض، الذي اتَّجه إلى مدينة عدن وأعلن منها الانفصال، ونظام صالح المتمسِّك بالوحدة. وحفاظًا على الوحدة اليمنية، واستنقاذًا للجنوب من سطوة اليسار الماركسي، انحاز الإصلاح للتحالف مع “صالح”، الذي عمل من جهته على استقطاب الإصلاح إليه، وتوظيف قواه السياسية والاجتماعية والخطابية لصالح القضاء على “الحزب الاشتراكي اليمني” ومشروع الانفصال الذي تبنَّاه؛ وهنا أعاد الإخوان صياغة خطاب ديني عام في مواجهة “الاشتراكي” ومخاطره على الهُوية والدين في اليمن.
حشد صالح “تحالفًا واسعًا من الأطراف السياسية والاجتماعية، يقع في القلب منه التجمُّع اليمني للإصلاح، بقدراته التنظيمية والسياسية والإعلامية والجماهيرية، وإلى جانبه القوى القبلية، وبعض التنظيمات الإسلامية الجهادية”. ومع بوادر اندلاع الحرب، واتِّجاه “الاشتراكي” نحو الانفصال، قام الإصلاح بدور محوري في التعبئة الشعبية لصالح الوحدة، وشدَّ من أزر صالح، وحفَّزه وبقيَّة القيادات السياسية على الحفاظ على الوحدة، حتَّى لو تطلَّب الأمر خوض مواجهة عسكرية مع قيادات الحزب الاشتراكي، وتشدَّدت قيادة الجماعة في مقاومة أيِّ ضعف أو تردُّد لدى تلك القيادات حيال المحافظة على مكسب الوحدة، كما أسهمت بقدر كبير في الأعمال القتالية، والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وتأمين التأييد الشعبي للمجهود الحربي، كما اجتهد علماء الإصلاح في إبراز المشروعية الدينية والأخلاقية للحرب، إلى جانب مشروعيَّتها القانونية(21).
مع انتهاء حرب الانفصال، أصبح الإصلاح شريكًا للمؤتمر في السلطة، غير أنَّ صالح رأى في تنامي قوَّة ونفوذ وانتشار الإصلاح تهديدًا لسلطته المطلقة، لذا عمل على إقصاء الحزب خلال انتخابات 1997. وشيئًا فشيئًا بدأ العمل على تقليص نفوذه وحضوره، ومهاجمة رموزه وإنكار أدواره النضالية. وقد أبدى صالح نظرته إلى “الإخوان المسلمين” بقوله: عبارة عن “ورقة سياسية”، عبارة عن “كرت”(22). وهو ما دفع الإصلاح، وعلى لسان أمينه العام، للإعلان عن فكِّ الارتباط والتحالف مع المؤتمر(23).
هذه الأدوار التي قام بها الإخوان في اليمن، قبل الوحدة وبعدها، يفسِّرها البعض منهم بأنَّها مقتضيات العمل السياسي التي تستدعي التقاطعات والتحالفات والشراكات الآنيَّة، والتخادم المتبادل، بل يرى الأمين العام للتجمُّع اليمني للإصلاح، محمَّد اليدومي، أنَّ تحالف جماعة الإخوان مع صالح في مرحلة سابقة كان تحالفًا على مبادئ(24). ويراه آخرون من داخل الحزب بأنَّه “توظيف” و”استغلال”، وأنَّه نتاج “أنَّهم [أي الإصلاحيين] ليسوا سياسيين بالقدر الذي يمكِّنهم من لعب أدوار مهمَّة، تستبعدهم من حالة الاستخدامات الدائمة كقَدَرٍ لازَمَهم، وفخٍّ يستدرجهم للعب أدوار غير واعين بها”، ومِن ثمَّ لم يكونوا منذ السبعينات وحتَّى أوائل التسعينات إلَّا “أدوات استخدام بيد النظام، سواء أكان ذلك طوعًا أم كرهًا، وكثيرًا ما كانوا مستغفلين وغافلين عمَّا يخطِّط له النظام الحاكم، ممثَّلًا برئيسه، علي عبدالله صالح، الذي أجاد ضبط إيقاعهم وحركتهم بما يمكِّنه من تحقيق أهدافه وإحكام سيطرته”(25).
غير أنَّ ما يمكن إثباته هو أنَّ جماعة “الإخوان المسلمين” حقَّقت مكاسب جمَّة من تقاطعاتها مع السلطة، على المستوى الخاص، وعلى مستوى اليمن عمومًا. وما كان للجماعة أن تقضي على خطر المدِّ الشيوعي الذي استحال إلى قوَّة صاعدة، مدعومة من قوى دولية مختلفة، تمتلك السلاح وتمتهن البطش دون هذا التحالف مع السلطة. كما أنَّها سكنت في جسد الدولة، وخصوصًا في مؤسَّسة التعليم والتربية، وهو ما أتاح لها خدمة نشر الدعوة والمفاهيم الإسلامية، في وقت كانت وظائف الدولة حكرًا على بقايا الملكية الإمامية، وأفراد التيَّارين، الناصري والبعثي، اللَّذين تمكَّنا -نتيجة قواهما العسكرية والإسناد الخارجي لهم- من فرض حضورهم في مؤسَّسات الدولة المختلفة، بما في ذلك الجيش والأمن والخارجية وغيرها.
السلفيُّون
مع دخول الاحتلال الأجنبي (الاستعمار الغربي) إلى المنطقة العربية ظهرت أصوات تنادي بـ “الحداثة” بمنظورها الغربي، وتدعو إلى القطيعة مع الماضي والتراث؛ وهنا برزت دعوات مقابلة تدعو إلى العودة إلى الجذور ونهج السلف لاستعادة الأمجاد وبعث الهُويَّة الإسلامية. عُرف هذا التيَّار فيما بعد بـ”السلفية”؛ وهي سلفية تشكَّلت في مدراس عديدة على مستوى الوطن العربي، بما في ذلك مصر والشام والمغرب وبلاد الحرمين وغيرها، وتصاعدت كغيرها من التيَّارات في القرن العشرين.
مع قيام الدولة السعودية الثالثة، على يد الملك عبد العزيز آل سعود، تبنَّى النظام دعوة الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب كأيديولوجيا سياسية، وهي دعوة سلفيَّة بالأساس. وتشكَّلت المؤسَّسات الدينية والتعليمية في السعودية وفق مقرَّرات هذه الدعوة. وأخذ النظام السعودي على عاتقه -في ظلِّ انتشار أفكار ثورية ضدَّ الملكيَّات- نشر الدعوة السلفية في المنطقة؛ وخصوصًا مع بروز جمهورية إيران الإسلامية كنظام “اثنا عشري” أيديولوجي، وتبنِّيها لمبدأ “تصدير الثورة” إلى المنطقة.
أخذت السلفية في معظم البلدان العربية والإسلامية أواخر القرن العشرين طابع الدعوة والتعليم، بعد أن كانت مطلع القرن ذات طابع تجديدي وإصلاحي ونهضوي وثوري، كما في المغرب والجزائر والشام ومصر، تتحرَّك في ميادين السياسة ومقاومة الاستعمار والمشاركة في ميدان الإصلاح والتغيير الاجتماعي والتثوير المعرفي.
كان حضور السلفيين في اليمن خافتًا، وعلى هامش المعترك السياسي والعسكري، وتمثَّل في منابر علمية ودعوية لعدد من الرموز والشخصيَّات العلمية. ولم تتشكَّل للسلفيين أطر تنظيمية إلَّا بعد قيام الوحدة، وتحوُّل معظم التيَّارات الفكرية إلى أحزاب وتنظيمات سياسية؛ ما دفع فريقًا من السلفيين لمواكبة هذا التحوُّل والتوجُّه نحو تشكيل كيانات ناظمة لأفرادهم وجهودهم ومؤسَّساتهم، وإن لم يعلنوا عن قيام جماعات بشكل صريح وواضح؛ فقد أعلنوا عن تشكيل جمعيَّات خيرية، وهو الإطار القانوني الذي كان متاحًا في حينه.
ونتيجة غلبة التأثير الفكري والفقهي لسلفية بلاد الحرمين على علماء ودعاة اليمن أخذ هؤلاء بذات الرؤى والأفكار والفتاوى والمواقف الخاصَّة بالديمقراطية، فقد استحال موقف سلفية بلاد الحرمين تجاه الديمقراطية إلى أيديولوجيا صلبة، وعزَّز ذلك رغبة النظام الحاكم في السعودية في غلق الأبواب أمام الأحزاب القومية واليسارية “الثورية”، التي ماجت بها المنطقة منتصف القرن العشرين.
وفي فترة ما بعد الوحدة اليمنية، نشأ خلاف وجدل طويل بين جماعة “الإخوان” التي تشكَّلت في حزب سياسي وبين التيَّار السلفي الذي بدا رافضًا بقوَّة فكرة التحزُّب والديمقراطية، من منطلق ديني بحت، موجِّهًا سهامه إليها باعتبارها تهديدًا لهويَّة المجتمع اليمني. وكان أبرز مَن تولَّى مهاجمة الديمقراطية والتحذير منها الشيخ السلفي، مقبل بن هادي الوادعي. كان الوادعي زيديًّا متعصِّبًا، وفرضت عليه ظروف المعيشة التوجُّه إلى بلاد الحرمين لكسب العيش، وهناك تلقَّى تعليمه وأكمل دراسته الجامعية، وانخرط في سلك الدعوة السلفية. ثمَّ أُخرِج من السعودية بسبب علاقته بحركة “جهيمان”، أواخر عقد السبعينات من القرن العشرين. ورغم انخراطه بعد عودته إلى اليمن مع الإخوان إلَّا أنَّه عاد لتركهم، والعمل مستقلًّا عنهم، ليؤسَّس مركزه العلمي الشهير بـ”دمَّاج”، بمحافظة صعدة الشمالية(26).
بُعيد إعلان قيام الوحدة اليمنية، أصدر “الوادعي” شريطًا أوضح فيه أنَّ السعودية قدَّمت له عبر أشخاص دعمًا ماليًّا لإعلان الجهاد ضدَّ الاشتراكيين، وأبدى رفضه لقبول ذلك، وإدراكه لتآمر السعودية على اليمن، ورغبتها في خلق فتنة احتراب داخله، محذِّرًا من النظام السعودي بوصفه “عميلًا” كما كان يردِّد في حينه(27)؛ رغم إصداره الفتوى بعدم جواز الوحدة مع الحزب الاشتراكي بوصفها وحدة مع “الشيوعيين” الكفرة(28).
كان موقف السلفيين من الديمقراطية يخدم نظام صالح وحزبه، والأحزاب المنافسة لحزب “التجمُّع اليمني للإصلاح”، وإن لم يكن ذلك بقصد من السلفيين؛ إذ كانوا يدفعون باتِّجاه عدم المشاركة في الترشُّح والانتخاب، وهذا بدوره يضعف الحضور الإسلامي في المشهد السياسي، خصوصًا أنَّ سهام “الوادعي” وطلبته بدأت تتوجَّه نحو “الإصلاح”، باعتباره قد انحرف عن الجادَّة ووقع في محرَّمات كفرية!
هذا الموقف السلفي من الديمقراطية(29)، الرافض لتشكيل أحزاب سياسية والدخول في منافسات انتخابية، والمحرِّم لتشكيل الأحزاب وقيام تعدُّدية سياسية، والناعت للديمقراطية بالكفر بشكل مطلق، كان يخدم الأنظمة العربية الحاكمة، بما فيها الأنظمة الملكية الساعية لإبقاء الحكم فردانيًّا بالمطلق. لهذا كان يُسمح للتيَّار السلفي بالعمل والحركة والصدع بآرائه وأفكاره ومواقفه، لتجييرها لصالح الأنظمة والحكَّام، وضدَّ حضور الأحزاب الإسلامية التي ارتأت المشاركة في العمليَّة السياسية بهدف المدافعة والتغيير.
وهذا الموقف الرافض للديمقراطية هو موقف قديم وحاضر في أدبيَّات حسن البنَّا؛ وكان يأخذ طابعًا عقديًّا أو مبدئيًّا عند بعض علماء الأمَّة نتيجة غلبة الأحزاب العلمانية على المشهد في حينه(30)، فهو لم يكن موقفًا للسلفية في نجد وبلاد الحرمين كما يتصوَّر البعض؛ إذ لم تشهد تلك البقاع قيام نظام جمهوري أو ديمقراطي أو أحزاب سياسية، بل كان رأيًا فقهيًّا وعقديًّا معتبرًا عند عدد من الرموز والمرجعيَّات في عدد من البلدان التي دخلتها الأنظمة الحديثة والأفكار والرؤى الوافدة.
بعد 1990، شهد التيَّار السلفي في اليمن انقسامًا حادًّا، على إثر الخلاف بين عدد من العلماء والدعاة بالسعودية مع النظام على مسألة دخول القوَّات الأجنبية (الأميركية والبريطانية) للبلاد، للاستعانة بها ضدَّ نظام العراق. فقد عملت السعودية على إبراز صوت “علمائي” و”دعوي” يعزِّز سلطة الحاكم ويشكِّك في آراء ونوايا العلماء والدعاة المعارضين، ويتَّهمهم بالخروج على “ولاة الأمر”. وقد تصدَّر هذا الفريق رجلان محسوبان على التوجُّه السلفي، هما: ربيع بن هادي المدخلي ومحمَّد أمان الجامي، وإليهما ينسب تيار “الولاة” المغالي في طاعة الحكَّام حدَّ إهدار مكانة العلماء ودور الأمَّة، فيقال: “المداخلة” و”الجاميَّة”(31). وتبنَّت السعودية هذا الخطاب وصدَّرته للعالم الإسلامي لتحسين صورتها التي اهتزَّت نتيجة دخول القوَّات الأجنبية لأرض الحرمين. وقد وجد هذا التيَّار بغيته في مركز “دماج” الذي كان يقوم عليه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي.
نما تيَّار “المداخلة” و”الجامية” وتطوَّر برعاية بعض أنظمة المنطقة، وأصبح مع مرور الوقت مخترقًا أمنيًّا، وموجَّهًا ضدَّ الجماعات الإسلامية التي تنشد الإصلاح والتغيير، ومقارعة الفساد والاستبداد وإزاحة الشريعة عن السياسة؛ حتَّى أصبح هذا التيَّار في اليمن مختصًّا بمهاجمة التوجُّهات السلفية المغايرة وحزب الإصلاح. كما كان دور هذا التيَّار في دفع الناس للعزوف عن الانتخابات قويًّا جدًّا، من خلال نشاط دؤوب في فترة الانتخابات يشمل معظم المحافظات. وهو بذلك -دون شكٍّ- كان يضرُّ بجمهور حزب الإصلاح، باعتبار أنَّه يسحب من رصيده الجماهيري باسم الدين وتحت غطاء الفتاوى المحرِّمة للانتخابات والتصويت فيها.
وفي حين كان التيَّار “المدخلي” و”الجامي” يحرِّم الديمقراطية ويراها كفرًا بواحًا، وكان يُضفي على الرئيس صالح وصف “ولي الأمر” الذي تجب طاعته، في منحى مخالف بالأساس للدستور والتوصيف القانوني لرئيس الجمهورية في إطار من منظومة قانونية تستوعب الحقوق والواجبات والمسؤوليَّات. وقد بلغ بهذا التيَّار الغلو والتوظيف السياسي حدَّ الوقوف إلى جانب نظام “صالح” ضدَّ الثورة الشعبية التي خرجت في 11 فبراير/شباط 2011، وإطلاقه الفتوى بتحريمها وتجريمها وتضليلها واعتبارها فتنة، بل وتجويز مواجهتها بالسلاح(32).
ومِن قبيل التناقض في هذا التيَّار السلفي دعوته إلى البعد عن السياسة وعن الحكَّام، وانخراطه بشكل كلِّي في قضايا سياسية لصالح النظام والحاكم، ومن منطلق نظرة غالية وتوصيف شرعي لهما (للنظام والحاكم) لا يمتُّ للواقع بصلة. ومؤخَّرًا، تحوَّلت بعض شخصيَّات في هذا التيَّار من حلقات العلم إلى معسكرات القتال، مجنِّدة نفسها قوَّة مسلَّحة تواجه قوى يمنية مختلفة لصالح دول إقليمية(33)، وتنتمي إلى كيانات سياسية بامتياز، كـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، التابع لعيدروس الزبيدي (القيادي اليساري سابقًا)، و”المكتب السياسي للمقاومة الوطنية”، التابع للعميد طارق محمَّد صالح (القيادي المؤتمري الذي سبق له التحالف مع جماعة الحوثي). والجامع بين هذه الكيانات التمويل الخارجي والتمرُّد على السلطة الشرعية (في وقت سابق لتسكينها في مجلس القيادة الرئاسي).
وانتهى المطاف بهذا التيَّار عقب التدخُّل العسكري لـ”التحالف العربي”، بقيادة السعودية، في اليمن، للمشاركة في القتال(34)، والدخول في المجال السياسي، بل والوصول إلى السلطة من خلال صور من التحالفات والتبعيَّة لأطراف إقليمية أهَّلتهم لتولِّي بعض الوزارات (كما هي الحال مع هاني بن بريك)، أو تعيينهم في مجلس القيادة الرئاسي (كما هي الحال مع أبو زرعة عبد الرحمن المحرمي). ولم يكتف هذا الفريق بهذا التحوُّل والانخراط التام في السياسة، بل جنَّد نفسه وأتباعه للقتال في الصراع الدائر اليوم(35)، والقيام بعمليَّات اغتيال موجَّهة ضدَّ مسؤولين ودعاة ومشايخ وشخصيات اجتماعية، وخصوصًا من حزب “الإصلاح”، وربَّما ضدَّ الحكومة الشرعية والرئيس “هادي” ذاته(36)؛ بل ذهب بعيدًا في تأييد عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل والقبول بها(37).
عدا عن التيَّار “المدخلي” و”الجامي”، شهد التيَّار السلفي تحوُّلات عدَّة تجاه الحضور والمشاركة السياسية؛ إذ بدأت تظهر أقوال وتراجعات تجيز المشاركة في الترشُّح والانتخابات من منطلق “الضرورة” أو “المصلحة”. ورغم ذلك لم يكن لهذه الأقوال والمراجعات تأثير في تشكيل تحوُّل بارز. وكان التحوُّل الأبرز هو مع اندلاع ثورة 11 فبراير/شباط 2011، حيث شهدت المنطقة العربية حراكًا شعبيًّا ضدَّ استبداد الأنظمة الحاكمة، وهو ما دفع السلفيين الحركيين في اليمن لتغيير نظرتهم للواقع، وانخراط بعضهم في ميادين الثورة الشعبية.
مع نجاح مطالب ثورة 11 فبراير/شباط بسقوط النظام، وإعلان عدد من القوى عن تشكيل أحزاب جديدة في الساحة، سعى السلفيون إلى تشكيل حزب سياسي. غير أنَّ ضعف السلفيين في استيعاب خلافاتهم جعلهم يخرجون بعدة أحزاب، أبرزها “اتِّحاد الرشاد اليمني” و”حزب السلم والتنمية”. ونتيجة هذا التحوُّل في الموقف السلفي كان من الظاهر أنَّ التيَّار الإسلامي سيكون هو الأقوى حضورًا في المشهد السياسي(38)؛ وهو ما جعل القوى الدولية المناوئة لما باتت تُطلق عليه “الإسلام السياسي” تعمل لأجل عرقلة مسار التحوُّل والتغيير في اليمن، وعبر توظيف مكوِّنات متمرِّدة على المجتمع والدولة ولديها عداء كامن للإسلاميين بمختلف توجُّهاتهم.
هكذا نجد أنَّ السلفيِّين لم يكونوا بعيدين عن السياسة، في حالة رفضهم لها وبُعدهم عنها، أو في حالة إقبالهم عليها وانخراطهم فيها، وأنَّه جرى توظيفهم بشكل أو بآخر من قبل السلطة وأطراف إقليمية لتحقيق أجندات سياسية، بما في ذلك محاولة القضاء على ظاهرة “الإسلام السياسي”، وتكريس العداء له، وهو ما أعاق تقدُّم حزب “الإصلاح” انتخابيًّا في عدَّة محطَّات، وأضرَّ بحضوره عقب ثورة 11 فبراير/شباط، وصبغ التدخُّل الإقليمي بصبغة شرعية.
تنظيم القاعدة
تشكَّل “تنظيم القاعدة” بعد احتلال الاتَّحاد السُّوفيتي لأفغانستان، في 25 ديسمبر/كانون الأول 1979، إذ استقطب ذلك الاحتلال الشباب المسلم لـ”الجهاد” دفاعًا عن أفغانستان. وقد استغلَّت الولايات المتَّحدة هذا الصراع في حينه لإنهاك الاتِّحاد السُّوفيتي في حرب استنزاف بأفغانستان فعمدت إلى دعم “الجهاد الأفغاني”، والدفع بالأنظمة العربية الموالية لها للوقوف خلفه؛ وهناك تشكَّلت ظاهرة “المجاهدين العرب”، من خلال الأفراد الذين اتَّجهوا من البلدان العربية للقتال في أفغانستان، وكان الشباب اليمني من بين الشباب الأكثر حضورًا في تلك الظاهرة.
في 11 أغسطس/آب 1988، أُعلن عن تأسيس “تنظيم القاعدة”، بزعامة أسامة بن لادن، ليضمَّ أغلب مَن تبقَّى من المقاتلين العرب على أرض أفغانستان في تلك المرحلة، بهدف التَّحوُّل إلى كيان نصرة للشُّعوب الإسلامية المضطهدة والمعتدى عليها. ليصبح هذا الاسم -لاحقًا- جزءًا من الفاعلين غير الرَّسميين المؤثِّرين على المسرح الدُّولي.
في مطلع التِّسعينات، وعقب تحرير كابل في 1992، عاد معظم المقاتلين العرب إلى ديارهم، وتفاجؤوا بوجود قوَّات أجنبية في بلدانهم، استُقدمت في أزمة الخليج الثانية في 1990، واستقرَّت بها الحال في المنطقة. وفي 1996، أعلن “تنظيم القاعدة” عن تشكيل جبهة جهاد عالمي لطرد القوَّات الأجنبية من الأراضي الإسلامية.
لم يشكِّل الشباب اليمني الذي شارك في الجهاد الأفغاني خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي بعد عودته لليمن ظاهرة واضحة، ولم يتنظم في كيان معلن، وظلَّ حضوره رمزيًّا ومحصورًا جدًّا. غير أنَّ حوادث الاغتيال التي ظهرت على الساحة اليمنية بعد الخلاف الذي نشأ بين المؤتمر الشعبي العام و”الحزب الاشتراكي اليمني”، وخصوصًا في 1993، بدأت تستدعي ظاهرة المجاهدين العائدين من أفغانستان في الصحف اليمنية.
ففي الفترة (1993-1994)، وجَّهت صحف الحزب الاشتراكي أصابع الاتِّهام لنظام صنعاء بشأن استخدام شباب الجهاد، أو ما كان يُطلق عليهم وصف “الأفغان العرب”، ضدَّ رموز الحزب وكوادره، من خلال عمليَّات الاغتيال والتهديد والخطف. وأصبح الحزب يتحدَّث عن رعاية صالح لجماعات التطرُّف والعنف، ويسوِّق ذلك على الصعيد الإقليمي والدولي(39). كما اتَّهم الحزب “صالح” باستخدام “الأفغان العرب” في حرب 1994، ضمن القوَّات المسلَّحة الحكومية التي اجتاحت المحافظات الجنوبية في مواجهاتها مع قوَّات الحزب “الاشتراكي”. وهي مشاركة أكَّدها أمير “أنصار الشريعة”، خالد عبد النبي، بقوله: “وقعت أحداث صيف 1994 ونحن في أبين، وشاركنا في تلك الحرب ضدَّ قوَّات الحزب الاشتراكي”. وهذه المشاركة كانت بتوجيه من أسامة بن لادن، حسبما أفاد المسؤول الإعلامي الأسبق لتنظيم القاعدة، أحمد منصور(40).
كانت مشاركة شباب الجهاد العائدين من أفغانستان في حرب 1994 مدفوعة بعدَّة أمور، جعلت “صالح” يُفيد من مشاركتهم، وهي:
- عوامل الثأر التي ظلَّت لدى أبناء المحافظات الجنوبية الذين مارس عليهم الحزب “الاشتراكي” أعمال القتل والاغتيال والسَّحل والتعذيب، نتيجة سياسة العنف والبطش التي كان ينتهجها في الجنوب قبل الوحدة.
- أخذ الحزب “الاشتراكي” بالأفكار الشيوعية الإلحادية الواضحة، وقيامه بفرضها على أرض الواقع من خلال القوانين ومناهج التعليم ووسائل الإعلام وأدوات السلطة المختلفة؛ ما جعله في صدام مباشر مع هوية المجتمع اليمني في الجنوب.
- تبنِّي الحزب الاشتراكي لمبدأ العلمانية في الدستور عقب الوحدة، وإن بدأ في تخفيف خطابه اليساري المتطرِّف؛ ما جعله في صدام مباشر مع الجماعات الإسلامية المنادية بتطبيق الشريعة، والمجتمع اليمني المتديّن عمومًا.
- إبقاء الحزب “الاشتراكي” قبضته الأمنية والعسكرية رغم قيام الوحدة، من خلال القوَّات الأمنية والعسكرية التابعة له والتي كانت تمسك بالوضع في المحافظات الجنوبية، وهو ما مثَّل تهديدًا لعودة أبناء الجنوب الفارِّين من بطش الحزب قبل الوحدة لتلك المحافظات عقب الوحدة.
- إعلان الحزب للانفصال مجدًّدًا والعودة بالأمور إلى ما قبل 22 مايو/أيار 1990، وهو ما يعني عودة معاناة أبناء الجنوب من الحكم الشمولي اليساري المتطرِّف، والقائم على القبضة الأمنية والبطش.
انخرط الشباب المجاهدون في القتال ضدِّ قوات الحزب في حرب 1994كما أسلفنا، وقُتِل العديد منهم في المعارك التي خاضوها على امتداد جغرافيا المحافظات الجنوبية. وقد أتاح لهم نظام “صالح” الحراك والتنقُّل في ميادين المعركة، والقتال صفًا إلى صف مع القوَّات المسلَّحة واللجان الشعبية.
غير أنَّ هؤلاء الشباب لم يجدوا ثمرة لقتالهم ذلك، سواء على صعيدهم الشخصي أو على صعيد المجتمع والدولة؛ ما دفعهم للبحث عن مشروع “نضالي” جديد.
وقد برز “تنظيم القاعدة” ومنتسبوه في اليمن تحت لافتات عدَّة؛ فقد عمل تحت اسم “جيش عدن-أبين الإسلامي”، خلال الفترة 1997- 1998، ثمَّ “تنظيم القاعدة-فرع اليمن”، خلال الفترة 2000-2009(41)، وفي منتصف عام 2007، أُعلِن عن “كتائب جند اليمن”، كفصيل منشقٍّ عن “تنظيم القاعدة”؛ ثمَّ جرى الإعلان عن “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب”، خلال الفترة 2009- 2011، من خلال اندماج فرعي “تنظيم القاعدة”، في كلٍّ من السعودية واليمن(42).
عقب انطلاق ثورة 11 فبراير/شباط 2011، ظهر التنظيم تحت اسم “أنصار الشَّريعة”، وحاول استغلال الوضع لبسط نفوذه على المحافظات الجنوبية (أبين، شبوة، حضرموت)، بتسهيل من قبل “صالح” وقياداته العسكرية والأمنية والقبلية(43)؛ فقد وظَّف “صالح” بقدراته “تنظيم القاعدة” لصالح أجنداته الخاصَّة الداخلية والخارجية، بهدف الاستثمار في الجوانب الأمنية والعسكرية، والجانب الاقتصادي والسياسي.
وبحسب هاني مجاهد -الناشط السابق في “تنظيم القاعدة” الذي تحدَّث إلى قناة الجزيرة- فإنَّ “صالح” كان يدعم فرع “تنظيم القاعدة” في اليمن ويوجِّهه، وأنَّه كان يمارس “لعبة مزدوجة”، وأنَّ ابن أخ الرئيس صالح، العقيد عمَّار محمَّد عبد الله صالح، هو المسؤول الأمني الذي كان وراء تشغيله مخبرًا في “القاعدة” لحساب الحكومة اليمنية، مؤكِّدًا أنَّ العقيد قام بترتيبات لضمان وصول مواد متفجِّرة إلى “تنظيم القاعدة”(44).
وبالفعل، تمكَّن التنظيم من بسط سيطرته على محافظة أبين ومناطق مجاورة لها(45)، وأعلن عن قيام إمارته الخاصَّة، وكان يستدعي لها أتباعه ومناصريه. وأخذ التنظيم في بناء قدراته وتشكيل هياكله كسلطة أمر واقع. وكان صالح يقدِّم لهم -وعبر وسطاء- الدعم والتمويل والمشورة(46).
وأكَّد تقرير لجنة الخبراء في الأمم المتَّحدة تواطؤ صالح، وأفراد عائلته، وصلاته الوثيقة مع “تنظيم القاعدة” وزعمائه في اليمن؛ وأشار إلى أنَّ وزير الدفاع الموالي لـصالح، محمَّد ناصر أحمد، عقد لقاءات عدَّة جمعت صالح بقيادات في “تنظيم القاعدة” لوقف العمليَّات العسكرية ضدَّ التنظيم في أبين، وأنَّ أوامر عسكرية صدرت -في مايو/أيار 2011- من يحيى صالح، ابن شقيق صالح والمسؤول عن وحدة مكافحة “الإرهاب”، بانسحاب القوَّات العسكرية من محافظة أبين نحو العاصمة صنعاء، ما سهَّل لـ”تنظيم القاعدة” شنَّ هجوم على المحافظة والسيطرة عليها حتَّى منتصف 2012. وبحسب تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتَّحدة، الصادر في سبتمبر/أيلول 2014، فإنَّ صالح دعم أعمالًا تخريبية وأعمال عنف، من خلال تقديم دعم مالي وسياسي، عبر قنوات مختلفة، مستخدمًا عملاء له في “تنظيم القاعدة” من أجل تنفيذ عمليَّات التصفية الجسدية، واستهداف المرافق العامَّة والعسكرية، لإضعاف سلطة الرئيس، عبد ربِّه منصور هادي(47).
لقد استخدم صالح “تنظيم القاعدة” في عدَّة ملفَّات؛ إذ استخدمه ضدَّ خصومه السياسيِّين، فاغتال التنظيم بعضهم وهدد آخرين، وأتاح صالح لهم الحركة بغية إبقاء اليمن منطقة قلقة وغير قابلة لاستقبال قوَّات أجنبية، خصوصًا أنَّ الدول الغربية كانت تبحث في فترة التسعينات من القرن الماضي تعزيز حضورها في دول المنطقة(48). كما أنَّ صالح عمل على تقديم نظامه على أنه شريك في “الحرب على الإرهاب” عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001(49)، وحارسًا أمينًا لحدود السعودية من أيِّ تهديدات من طرف التنظيم. وفي 2011، حاول الإفادة من “القاعدة” في خلق حالة من الفوضى التي تعيق مسار التغيير في اليمن(50).
مؤخَّرًا، أصبح “تنظيم القاعدة” يتخادم مع جماعة الحوثي في المحافظات الشمالية، ومع “المجلس الانتقالي الجنوبي” في المحافظات الجنوبية. وفي حين أنَّه الحلقة الأضعف فإنَّ البعض يقرأ هذا التخادم في إطار توظيف كلٍّ من جماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي لهذا التنظيم لأجنداتهم السياسية الخاصَّة.
كما كشف تقرير استقصائي لقناة “بي. بي. سي” البريطانية عن دور دولة الإمارات العربية المتَّحدة في تمويل اغتيالات بدوافع سياسية في اليمن، وأنَّ أغلب الأشخاص الذين استُهدفوا في تلك الاغتيالات كانوا من أعضاء حزب “الإصلاح”. كما كشف التقرير الاستقصائي أنَّ الإمارات استخدمت لهذا الغرض قوَّات من المرتزقة الأميركيين، وأنَّها ذهبت أبعد من ذلك حيث جنَّدت عناصر سابقين في “تنظيم القاعدة” لحساب جهاز أمني أنشأته للعمل الميداني لقتال جماعة الحوثي وفصائل أخرى مسلَّحة. وقد حصلت قناة “بي. بي. سي” البريطانية على وثيقة تفيد بأنَّ أحد عشر عنصرًا سابقًا في “تنظيم القاعدة” باتوا يعملون حاليًّا لصالح وحدة النخبة في “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتيًّا. ومِن بين تلك الأسماء التي ورد ذكرها في التقرير: ناصر الشيبة، مسؤول العمليَّات في “تنظيم القاعدة”، الذي سبق أن سُجِن بتهمة الاشتراك في الهجوم على المدمِّرة الأميركية “يو. إس. إس. كول”، عام 2000، قبالة سواحل عدن. وقد أكَّدت مصادر متعدِّدة للقناة أنَّ “الشيبة” أصبح قائدًا في ميليشيات “المجلس الانتقالي الجنوبي”(51).
الشيبة الذي ورد اسمه ضمن تقرير “بي. بي. سي” الاستقصائي، الذي بُثَّ في 23 يناير/كانون الثاني 2024، والمكنَّى بـ”أبو جهيمان” هو من أبناء قبيلة باكازم، من محافظة أبين، وهو يعمل الآن في تهريب النفط بين عدن والحديدة، ويتردَّد على الإمارات. وقد شارك “الشيبة” في تنفيذ كمين ضدَّ قوَّات الجيش الوطني في أبين، عام 2019، وذلك بعد ضرب الطيران الإماراتي أرتالًا من الجيش الوطني على مدخل مدينة عدن، ما أدَّى إلى مقتل 12 جنديًّا في ذلك الكمين(52).
لم يكن صالح الوحيد الذي استغلَّ “القاعدة”، فالحوثيون قدَّموا أنفسهم بعد سقوط صنعاء كحلفاء للغرب في محاربة “القاعدة” و”الإرهاب”، وهو ما جعلهم يصفون خصومهم بأنَّهم “قاعدة” و”دواعش” استدعاءً لتحالف الغرب معهم. ومن ناحية أخرى يستفيد الحوثيون من “تنظيم القاعدة” كونه مناوئًا للحكومة الشرعية، وقادرًا على العمل في مناطقها ضدَّ الجيش والأمن، من خلال الاستيلاء على مناطق تابعة للشرعية (كما جرى في حضرموت)، أو من خلال اغتيال قيادات أمنية وعسكرية تابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية الحكومية.
ولهذا، ففي الوقت الذي يُدير الحوثيُّون صراعًا مسلَّحًا مع “تنظيم القاعدة” في مناطق نفوذهم من جهة، يعملون على توجيه وجود التنظيم وتحرُّكه نحو مناطق الشرعية من جهة أخرى. وقد أعلن الحوثيون، في 20 فبراير/شباط 2023، عن تبادل للأسرى مع “تنظيم القاعدة”، غداة اتِّهام رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، الحوثيين بالتخادم مع التنظيمات الإرهابية، مؤكِّدًا أنَّ لدى الحكومة اليمنية أدلَّة تتضمَّن إفراج الجماعة عن عشرات المحكومين بقضايا “الإرهاب”، وذلك أثناء مشاركته في جلسة حوارية خلال مؤتمر “ميونخ” للأمن(53).
وهذا لا يمنع في المقابل، أنَّ “التحالف العربي” تمكَّن من إقناع فريق من “تنظيم القاعدة” بالقتال معه ضدَّ الحوثيين في وقت مبكِّر من حربه في اليمن. فقد حصلت قناة “بي. بي. سي” البريطانية على أدلَّة تفيد بأنَّ قوَّات من “التحالف العربي”، الذي تقوده السعودية باليمن، قاتلت خلال إحدى المعارك الكبرى على الجبهة نفسها مع مسلَّحين موالين لـ”تنظيم القاعدة” ضدَّ الحوثيين. وقد زار فريق يعمل على فيلم وثائقي لـ”بي. بي. سي” الخطوط الأمامية قرب مدينة تعز، حيث توجد قوَّات من الإمارات والسودان ومسلَّحون تابعون لتنظيم القاعدة يقاتلون الحوثيين، وذلك في نقاط تماس منفصلة. لكنَّ معدِّي الوثائقي لاحظوا أنَّ لكلِّ طرف شكوكه فيما ستؤول إليه الأمور في المستقبل(54).
هكذا نجد أنَّ “تنظيم القاعدة” وقع في توظيف من العديد من الأطراف، حيث بات نتيجة ملاحقته أمنيًّا الحلقة الأضعف في العلاقة مع القوى الأخرى، فكلُّ تقاطعاته مع بقيَّة الأطراف جعلت جهوده تصبُّ لصالحها، كونها كانت الأقدر على استغلال نتائجها واستثمار آثارها.
جماعة الحوثي (أنصار الله)
في 1994، برز اسم حسين الحوثي كشخصيَّة شمالية زيدية مناصرة للحزب “الاشتراكي” في مواقفه ضدَّ النظام؛ ما جعله يدخل في مواجهة مع نظام “صالح”، لجأ على إثرها للفرار -هو ووالده بدر الدين الحوثي- إلى خارج اليمن. ثمَّ عاد بعد عام 1997، لينخرط -بعد زيارته وبقائه في إيران هو ووالده- في نشاط “تنظيم الشباب المؤمن”، وهو التنظيم الزيدي الإحيائي الذي تأسَّس مطلع التسعينات من القرن العشرين، على يد طليعة من الشباب الزيدي بغية إحياء المذهب والحفاظ على أتباعه من حالة التحوُّل التي شهدها المجتمع الزيدي (الشيعي) لصالح التسنُّن.
كان حسين الحوثي مرشَّحًا عن “حزب الحقِّ” في محافظة صعدة في انتخابات 27 أبريل/نيسان 1993، وفاز بعضوية مجلس النوَّاب. وانضمَّ لاحقًا، وبعد أن هيمن على “تنظيم الشباب المؤمن”، إلى حزب المؤتمر الشعبي العام، وقدَّم لهم الرئيس صالح دعمًا ماديًّا وماليًّا، وذلك قبل دخول الطرفين في صراع مسلَّح امتدَّ من 2003 وحتَّى 2010.
وقد صرَّح الرئيس صالح، في لقاء له بجمع من العلماء والدعاة بصنعاء في 2004، بأنَّه تبنَّى التنظيم ودعمه بتوصية من شخصيَّات حوله “على أساس أنَّهم شباب مؤمن، وأنَّهم معتدلون وغير متعصِّبين”، و”يريدون دعم الدولة حتَّى يبتعدوا عن الارتباط والتبعية الخارجية”(55). ويبدو أنَّ صالح سعى لاحتوائهم بهدف توظيفهم سياسيًّا لصالح نفوذه وهيمنته، وعندما ظهر حسين الحوثي بأفكار تناهض هذه الغاية لـصالح، بدأ الخلاف يدبُّ بين الطرفين، ودخلا في صراع مسلَّح في 2004، انتهى بالقضاء على حسين الحوثي.
لاحقًا، دخل صالح في عدَّة حروب مع جماعة الحوثي، لكنَّها كانت حروبًا محكومة بقواعد اشتباك بين الطرفين، وتخدم أجندات كلِّ طرف منهما؛ فـ”صالح” أراد خلق “فزَّاعة” لأحزاب المعارضة للبقاء في الحكم، وللسعودية لابتزازها ماليًّا، وقادة الجماعة أرادوا خلق “مظلوميَّة” ظاهرة لدى المجتمع الزيدي، وميدانًا للتدريب على القتال والكرِّ والفرِّ والتهريب وبناء القدرات والإمكانات العسكرية. لهذا كانت الحرب تتوقَّف وتشتعل باتِّصال من “صالح”، والذي رفض الوساطات المختلفة لحلِّ النزاع. وتذهب وثيقة أميركية، صدرت في 9 ديسمبر/كانون الأول 2009، إلى أنَّ الحوثيين يحصلون على أسلحتهم من الجيش اليمني(56).
في إطار داخلي، مثَّلت جماعة الحوثي “معادلًا موضوعيًّا لـلإصلاح” في المناطق الزيدية، وكان احتضان صالح لها يهدف إلى سحب البساط الديني من الإصلاح إلى جناح زيدي موال له(57). هذا من ناحية؛ ومِن ناحية أخرى كان مشروع توريث السلطة الذي بدأ صالح يعدُّ له قد وجد رفضًا من قبل التيَّار الجمهوري في المؤتمر، بما في ذلك ثاني أقوى رجل في الدولة (اللواء علي محسن الأحمر)، بالتَّالي جرى العمل على إيجاد صدام بين جماعة الحوثي و”الفرقة الأولى مدرَّع”، التابعة للواء علي محسن الأحمر، تستنزف طاقته وموارده وقواه البشرية الموالية له(58).
بعد نجاح ثورة 11 فبراير/شباط 2011 في إسقاط نظام صالح، سعى صالح للتَّحالف مع جماعة الحوثي الَّتي انخرطت في ثورة 11 فبراير/شباط مطالبة بإسقاطه، وسهَّل من تمكينها في محافظة صعدة وما حولها، من خلال تسليم عدد من المعسكرات والمقرَّات الحكومية والأمنية، وتسليمهم العديد من المواقع، وهو ما جعلهم قوَّة ضاربة في المحافظة، وطمَّعهم في مدِّ نفوذهم إلى بقيَّة المحافظات المجاورة (حجَّة والجوف وعمران).
عمل صالح على توظيف جماعة الحوثي للقضاء على خصومه السِّياسيِّين الَّذين أيَّدوا ثورة 11 فبراير/شباط، سواء منهم العسكريون (كاللواء علي محسن الأحمر ومن معه من القيادات)، أو القبليون (كأبناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وغيرهم من المشايخ المؤيِّدين للثورة)، أو حزب “الإصلاح”(59). وبالفعل أسهم هذا التحالف -الذي دُعِم إقليميًّا ودوليًّا- في إسقاط محافظة عمران، ثمَّ سقوط صنعاء في يد جماعة الحوثي في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وذلك خلال 12 ساعة. لقد أراد “صالح” أن ينتقم لنفسه من تلك القوى، فوجد جماعة الحوثي خير مَن يمكن أن يمثِّل قوَّة خشنة ومتوحِّشة وخارجة عن القانون والأخلاق والأعراف والقيم، فتحالف معها، ودفعها لقتال خصومه نيابة عنه وعن قوَّاته المسلَّحة(60).
ولم يكن صالح هو وحده مَن عمل على توظيف جماعة الحوثي، فحتَّى دول الإقليم قامت بتوظيفهم. وكانت إيران هي أكثر الدول الإقليمية استثمارًا وتوظيفًا لهم؛ حيث استطاعت تزويدهم بالخبرات والقدرات العسكرية واللوجستيَّة التي جعلت منهم جماعة منظَّمة مسلَّحة، تمتلك أجهزة عسكرية وإعلامية واقتصادية، خلال عقد ونصف تقريبًا. وطوَّعت التيَّار الزيدي من خلال جماعة الحوثي للدخول في عداء مع دول الجوار (السعوديَّة تحديدًا). وباتت جماعة الحوثي تمثِّل تهديدًا للدول المجاورة من خلال تجنيد مواقفها وقدراتها وسلوكها لصالح النظام الإيراني(61). والشواهد على الارتباط والعلاقة الوظيفية بين جماعة الحوثي وإيران أوضح من أن يُستدلَّ عليها، خصوصًا مع انخراط الجماعة فيما يُسمَّى “محور المقاومة” أو “حلف الممانعة”، والذي يضمُّ الجماعات الشيعية في المنطقة بزعامة النظام الإيراني.
كما أنَّ دول الإقليم الناقمة على ثورة 11 فبراير/شباط، والمحاربة لما تصفه بـ”الإسلام السياسي”، عملت على توظيف الحوثيين لأجنداتها السياسية؛ فقد أكَّد الجنرال السعودي المتقاعد، أنور عشقي، في 14 أغسطس/آب 2016، في لقاء خاصٍّ مع قناة روسيا اليوم، أنَّ الحوثيين خانوا وخذلوا دولة خليجية موَّلتهم لضرب “الإصلاح”، لكنَّهم بدلًا من ذلك احتلُّوا صنعاء، وأنَّهم أيضًا خانوا الولايات المتَّحدة عندما وعدوها بالتصدِّي للإرهاب فإذا بهم يحتلُّون صنعاء(62).
أمَّا على الصعيد الدولي، فقد قدَّم الحوثيُّون أنفسهم كمقاتل بالوكالة عن الولايات المتَّحدة وبريطانيا في “الحرب على الإرهاب”، وجنَّدوا مقاتليهم لصالح القضاء على عناصر تنظيم القاعدة في اليمن؛ وفي سبيل مدِّ نفوذهم للمحافظات الأخرى تحت تغطية سلاح الجوِّ الأميركي(63). وقد سبق لمسؤول أمني أميركي أن ألمح إلى التعاون بين الطرفين بقوله، في تصريحات نشرتها مجلَّة “فورين بوليسي” في 2014: إنَّ “أميركا لا يُهمُّها مَن يتعاون معها، بقدر اهتمامها باستمرار ذلك على الجغرافيا اليمنية”، مضيفًا أنَّ “الحوثيِّين حقَّقوا في حربهم ضدَّ القاعدة في مدينة رداع ما عجزت عنه السلطات الحكومية خلال (10) سنوات”. وفي المقابل، ألمح عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي، محمَّد العماد، إلى هذا التعاون، بقوله لقناة الجزيرة، في يناير/كانون الثاني 2015: “مصالح الأميركيين تلتقي مع الحوثيين في حربهم على القاعدة”(64).
والخلاصة هنا، هي أنَّ جماعة الحوثي تمكَّنت من توظيف نفسها لأجندات الآخرين للوصول إلى أهدافها، بما في ذلك تأسيسها في البدء على رؤية تخادمية مع إيران، على يد حسين بدر الدين الحوثي؛ الذي تمكَّن من تحويل “تنظيم الشباب المؤمن”(65) من بُعدِه الزيدي المحلِّي لصالح أجندات إيرانية إقليمية ودولية، مستلهمًا أفكار وآراء وشعارات ثورة “الخميني” في إيران(66)، وهو ما جعل الجماعة ذراعًا من أذرع إيران النشطة في المنطقة. فالجماعة لم تتوقَّف على أهدافها الداخلية، بل ذهبت أبعد من ذلك في تهديد أمن دول الجوار (والسعودية خصوصًا) لصالح الأهداف الإيرانية. كما باتت جزءًا من “محور الممانعة”، الذي تتزعَّمه إيران في المنطقة وتنخرط فيه كلُّ الجماعات الموالية لها وأدواتها التابعة لها. وهذه الحقيقة هي ما جعلت الجماعة قادرة على تحقيق مكاسبها وأجنداتها، في ضوء الدعم المادي والمالي واللوجستي الذي قدَّمته إيران لها، والمحور الموالي لها في المنطقة، رغم الحصار المفروض عليها عقب انطلاق عملية “عاصفة الحزم” العسكرية، في 26 مارس/آذار 2015.
الصوفيَّة
تشكَّلت فرق التصوُّف وظهرت في التاريخ الإسلامي بعد القرن الثالث الهجري؛ حيث بدأ التصوُّف يتحوَّل من سلوكيَّات وأفراد إلى طرق ومناهج وجماعات لها مراجعها وقادتها ورموزها وأسماؤها. وقد انتشر التصوُّف في العالم الإسلامي بشكل كبير نتيجة عوامل عديدة، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وفكرية؛ وكان اليمن ضمن جغرافيا انتشار حركة التصوُّف من وقت مبكِّر.
عادة، تبتعد مراجع ورموز وقيادات التصوُّف عن السياسة والسلطة باعتبارها تنافي الصفاء الروحي والنقاء الأخلاقي والزهد في الدنيا؛ غير أنَّ ذلك لا يُلغي وجود نوع من التخادم بين تلك المراجع والرموز وبين أصحاب السلطة والنفوذ من النوافذ الخلفية.
في اليمن، ومنذ 1962، لم تنخرط الجماعات الصوفيَّة في الصراعات السياسية أو النزاعات الحزبية، كما لم تتشكَّل بعد 1990 في أيِّ كيان سياسي أو حزبي، وظلَّت تيَّارًا دينيًّا اجتماعيًّا محافظًا على مسلكه الدعوي والحركي. وقد أتاح قيام الوحدة اليمنية في 1990، وفقدان الحزب الاشتراكي اليمني الهيمنة في المحافظات الجنوبية في 1994، الحرِّية والحركة والانتشار للجماعات الصوفية في الجنوب، حيث حضورها الأكبر. فقد مارس الحزب الاشتراكي اليمني الاضطهاد والتنكيل بالعلماء والفقهاء والدعاة من كافَّة الأطياف، بما في ذلك الصوفية.
انتشر التصوُّف في اليمن الشمالي في تهامة وتعز والبيضاء وإب، أمَّا في اليمن الجنوبي فتعدُّ حضرموت حاضرته وحاضنته الأكبر، ثمَّ عدن. ويتجلَّى حراك الصوفية في أربطتهم العلمية، ومزاراتهم الدينية (ومعظمها قباب بنيت على قبور رموز للصوفية بهدف قصدها والتبرُّك بها). وفي حين يتَّجه نشاط الصوفية للأحوال الشخصية، والأوراد والابتهالات، والطقوس التعبُّدية، والاحتفاليَّات بمناسبات خاصَّة تضفي عليها صبغة دينية وفق نمط وفلسفة خاصَّة بكلِّ فريق منها، فإنَّ ذلك لم يجعلها في منأى عن محاولات الاستقطاب والتوظيف من الأطراف السياسية.
فقد سعى الرئيس صالح في سبيل استقطاب هذا التيَّار، وخصوصًا في الجنوب وتهامة، ليشكِّل خطابًا دينيًّا منافسًا لخطاب “الإخوان المسلمين” والسلفيِّين في اليمن، لهذا أتاح لهم الحضور في القنوات الرسمية والمنابر العامَّة، وجرى فتح كلِّيَّات جامعية خاصَّة بهم، وفق رؤاهم ومناهجهم الخاصَّة بهم، وتوطين رموزهم في عدد من الوزارات والمؤسَّسات الحكومية، كالأوقاف والعدل والجهاز القضائي وغيرها؛ كما جرى استقطاب المتخرِّجين من معاهدهم وكلِّيَّاتهم في الوظائف الحكومية(67). كلُّ هذا كان بهدف كسب مواقف هذا التيَّار إلى جانب “المؤتمر الشعبي العام”، وزعيمه، علي عبد الله صالح، في الانتخابات والاستفتاءات والترويج لهما مجتمعيًّا. وقد تمكَّن “صالح” من تحقيق بعض المكاسب خلال فترة حكمه من توظيفه لهذا التيَّار، وخصوصًا في المحافظات الجنوبية.
في 2011، كان موقف عامَّة الصوفية في اليمن عدم التدخُّل في الاحتجاجات المناهضة لنظام “صالح”، غير أنَّ هناك مَن ساند نظام “صالح” ضدَّ هذه الاحتجاجات، كالشيخ حسين الهدَّار والشيخ محمَّد مرعي، حيث دافعوا عنه ورفضوا ما وصفوه بـ”الفتنة” و”الخروج على الحاكم”(68).
بعد تدخُّل “التحالف العربي” في اليمن، في 26 مارس/آذار 2015، على إثر انقلاب جماعة الحوثي على الدولة في 21 سبتمبر/أيلول 2014، خضع التيَّار الصوفي في اليمن لاستقطابات القوى المحلِّية والإقليمية على حدٍّ سواء. وانحازت بعض رموز هذا التيَّار إلى أطراف الصراع.
ففي مناطق الحديدة وتعز وإب والبيضاء، تحالف رموز الصوفية مع جماعة الحوثي وصالح، وبرزت عدَّة أسماء موالية لجماعة الحوثي خصوصًا؛ من ذلك:
- سهل بن عقيل باعلوي: الذي تزعَّم الدعاية والمناصرة لجماعة الحوثي بمحافظة تعز، وانحاز لها، لذا يصفه الحوثيون بـ”مُفتي محافظة تعز”، وقد نعاه زعيم جماعة الحوثي، عبد الملك الحوثي، عند وفاته بكونه “العلامة الكبير”، و”صوتًا عاليًا في وجه الوصاية الأميركية على اليمن”، والعدوان الأميركي-السعودي على اليمن(69).
- عدنان الجنيد: الذي أسَّس “ملتقى التصوُّف” في مدينة تعز، وأيَّد دخول ميليشيا جماعة الحوثي إلى المدينة، لكنَّه قُتِل على يد حوثيي صعدة في 19 مارس/آذار 2020. وقد ظلَّ “الجنيد” يصف مناصري الحكومة الشرعية بـ”مرتزِقة العدوان”؛ متَّهمًا إيَّاهم بجرائم التطهير العرقي والحرب الطائفية، ومعتبرًا حرب جماعة الحوثي ضدَّ خصومها “جهادًا حسينيًّا عَلَويًّا”، بقيادة، عبد الملك الحوثي(70).
- عبد اللطيف عبد الرحيم، الذي عُرف بولائه للرئيس صالح، وظلَّ يزاول عمله نائبًا لوزير الأوقاف من مدينة صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.
ورغم زحف جماعة الحوثي نحو مدينة عدن، وقيام أبناء المدينة بتشكيل مقاومة شعبية، التزم رموز الصوفية الصمت والحياد دون أيِّ إدانة أو استنكار لتوجُّه جماعة الحوثي لاقتحام المدينة. فقد حافظ أبو بكر بن علي المشهور -الذي أسس جامعة الوسطية الشرعية للعلوم الإسلامية والإنسانية بحضرموت ورأس مركز العيدروس أحد أربطة الصوفية في عدن- على الحياد، حتَّى وفاته في 27 يوليو/تموز 2022. وقد أقامت حكومة الإنقاذ الوطني التابعة لجماعة الحوثي في صنعاء “أربعينيَّة” أشادت فيها بآثاره ومآثره ومواقفه(71).
وفي مدينة تريم التي تعد معقل الصوفية في محافظة حضرموت، التزم رموز الصوفية الصمت والحياد، بمَّن فيهم الشيخ عُمر بن حفيظ، مؤسِّس دار المصطفى للدِّراسات الإسلامية.
من جهته، وقف الشيخ علي الجفري(72)، المدعوم إماراتيًّا(73)، من عدوان جماعة الحوثي على مركز “دمَّاج” بصعدة موقف الحياد، إذ رأى ما يحدث في دمَّاج “معركة سياسية”، ولم يَرَ نصرة أيٍّ من الطرفين، وأن ما جرى توظيف من طرف الساسة المتنافسين على السلطة للانتماءات الدينية(74). كما أنَّه ظلَّ بعيدًا عن تأييد الحكومة الشرعية، داعيًا إلى عدم الاقتتال، في وقت كانت تتوجَّه جماعة الحوثي نحو مناطق الجنوب!
إنَّ بقاء هذا الفصيل العريض من الصوفية على الحياد “يكشف عن قناعة غامضة توحي بعدم الاعتراف بشرعية الحكومة التي انقلبت عليها جماعة الحوثي”(75).
وفي حين أنَّ البعض يرى أنَّ دافع بعض رموز الصوفية للوقوف مع جماعة الحوثي الاشتراك في النسب “الهاشمي”، إلى حدِّ الانخراط مع جماعة الحوثي في حروبها وتبريرها، يرى آخرون أنَّ حالة الخصومة التي سادت بين التيار الصوفي وبين المكوِّنات السنَّية الأخرى كانت هي الدافع لهذا الانحياز.
إنَّ تجميد وعي النَّاس للمخاطر التي تتهدَّدهم من طرف الأنظمة المستبدَّة، أو الطوائف الباغية، أو المحتل الأجنبي، وتصوير النضال والمقاومة والجهاد باعتباره فتنة، وترسيخ الورع السلبي في ضمير المجتمعات بحيث تفقد الاستجابة لمتطلَّبات الواقع والظروف المحيطة بهم، من أفضل ما يخدم تلك الأطراف في حال النزاعات؛ إذ يثبِّط الناس عن مناصرة المتصدِّرين لمناهضة الأنظمة المستبدَّة والطوائف الباغية والمحتل الأجنبي. وهذا القدر من دور الصوفية هو ما يوظِّفه أولئك لتحقيق أجنداتهم ومطامعهم ومخطَّطاتهم.
هيئات العلماء اليمنية
تشكَّلت في اليمن مجموعة من الجمعيات وروابط العلماء، انتسب إليها عدد من العلماء والمشايخ في سبيل تبنِّي مواقف شرعية تجاه النوازل والأحداث والقضايا العامَّة. وقد تصدَّر المشهد ثلاثة كيانات، هي: جمعية علماء اليمن، وهيئة علماء اليمن، ورابطة علماء اليمن.
جمعية علماء اليمن، هي هيئة رسمية، تمثِّل مظلَّة لعلماء اليمن عمومًا، لكن يغلب على أعضائها الشخصيات التقليدية. وقد جرى استغلال مواقف وبيانات هذه الجمعية في عدَّة محطَّات؛ إذ مثَّلت بياناتها في بعض مواقفها صوتًا للنظام الحاكم؛ ففي 2005، وتجاه ملف الحرب في صعدة، وفي حين وصف بدر الدين الحوثي الصراع المسلَّح الذي نشب بين أتباعه وبين القوَّات الحكومية، منذ 2004 وحتَّى 2005، “بالحرب المذهبية”، وأنَّها “حرب إبادة جماعية”، أصدرت حوزة “قُم” بإيران، بيانًا ندَّدت فيه بما أسمته “ممارسات السلطة اليمنية ضدَّ الشيعة”، مؤكِّدة أنَّ ما يجري هو “إبادة جماعية لشيعة أهل البيت”، كما أصدرت حوزة “النجف” بيانًا مناصرًا لجماعة الحوثي. وهذا بدوره دفع جمعية علماء اليمن إلى إصدار بيان، ردًّا على بياني حوزتي “قُم” و”النجف”، نفت فيه أيَّ اضطهاد للزيدية والإمامية الاثني عشرية، وقالت: إنَّ الواقع الذي يعيش فيه أبناء اليمن قاطبة يقوم على ثوابت شرعية وقانونية ودستورية، لا فرق فيها بين مذهب ومذهب. ورأى بيان الجمعية -التي أغلب أعضائها من المراجع الزيدية- أنَّ التمرُّد المسلَّح في بعض مناطق صعدة “لا يعبِّر عن المذهب الزيدي”، واصفًا ما قام به حسين الحوثي بـ”الفتنة” التي “تسبَّبت في إزهاق الأرواح، وسفك الدماء، وإتلاف الأموال، وزعزعة الأمن والاستقرار”، وشدَّد على أنَّ الرئيس صالح أكَّد مرارًا أنَّ الدولة لا تستهدف مذهبًا أو جماعة أو أسرة بعينها، وأنَّه ملتزم بحماية مصالح ومقدَّرات وأمن الأمَّة بأجمعها(76).
وفي شأن الاحتجاجات التي اندلعت في الجنوب، والإعلان عن تشكيلات مسلَّحة مطالبة بالانفصال، أصدرت جمعية علماء اليمن بيانًا بهذا الشأن رأى أن الوحدة التي تمَّت في 1990 نعمة ربانيَّة “يتطلَّب من الجميع رعايتها”، وأنَّ “الحفاظ عليها واجب شرعي أمر الله سبحانه به”، ولا يجوز التفريط بها، وفي ظلِّها تحقَّق الكثير والعديد من “المشاريع التنموية والاقتصادية الكبرى التي عمَّقت التواصل ويسَّرت التنقُّل”، في مجال المواصلات والاتِّصالات، والتعليم العام والجامعي، والصحَّة، والمياه والكهرباء، و”فتحت مجالات الاستثمار المتنوِّعة المحلِّية والأجنبية، وغير ذلك”. وأضاف البيان “أنَّ أيَّ دعوة إلى عصبية أو مناطقية أو قبلية أو طائفية أو عنصرية كلُّها أمور تحرِّمها الشريعة الإسلامية”، و”أنَّ طاعة ولي الأمر الذي أمَّن السبل وأشاع التسامح أمر واجب”، و”أنَّ أيَّ خروج على النظام الذي نظَّمه الدستور والقوانين المنبثقة من الشريعة الإسلامية يعدُّ فتنة ومفسدة، لما يترتب عليه من سفك للدماء وإقلاق للأمن وإهدار للأموال”. وناشد العلماء في بيانهم الدولة بكامل أجهزتها أن تقوم بما يجب عليها شرعًا وقانونًا(77).
وفي 2011، التقى صالح بعدد من علماء الجمعية مع طيف من العلماء والدعاة والمشايخ، في جامع الصالح بالعاصمة صنعاء، داعيًا إلى التحاكم إلى “كتاب الله”، الذي رفعه بيده أمام الحاضرين، والابتعاد عن الفتنة، مدينًا موقف المعارضة السياسية والمحتجِّين من الثوَّار في الساحات. وحاول “صالح” استمالة موقف العلماء إلى جانبه من خلال تقديم مقترحات كبادرة حسن نيَّة(78). وقد صدر عن الاجتماع بيان دعا أطياف العمل السياسي إلى تحقيق التقارب والتفاهم، وبما يجنِّب الوطن الفتنة والاقتتال؛ ما يعني إصرار “صالح” على التمسُّك بالسلطة إلى الحدِّ الذي قد يفضي بالأمر إلى القتال، وإن لم يصرِّح البيان بذلك. وفي هذا لغة تهديد وتخويف في حال رفضت تلك الأطراف العودة عن مسار الثورة ضدَّ نظام حكم لأكثر من ثلاثين سنة دون أيِّ تحوُّلات جوهرية في اليمن على مستوى السياسة والاقتصاد والأمن والتعليم والخدمات.
أمَّا هيئة علماء اليمن فهي هيئة مستقلَّة، رأسها الشيخ عبد المجيد عزيز الزنداني، القيادي في جماعة “الإخوان المسلمين” والتجمُّع اليمني للإصلاح. وهي تضمُّ فضلا عن الشخصيَّات العلمائية في “الإصلاح” شخصيات علمائية من التيَّار السلفي. وكانت للهيئة مواقف مختلفة من قضايا عدَّة. غير أنَّ أبرز موقف لها يمكن أن يُقرأ في سياق توظيفه من طرف النظام الحاكم، موقف الهيئة من تلميح الإدارة الأميركية باحتمال غزو اليمن، وذلك بسبب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. ومع تكرار هذا التوجُّه من طرف الإدارة الأميركية، أصدرت هيئة علماء اليمن بيانًا حذَّرت فيه من مغبَّة غزو اليمن، ومشيرة إلى أنَّ أيَّ توجُّه كهذا سيقابل بإطلاق دعوة الجهاد. وقد وجد البيان -الذي وقَّعه أكثر من 150 شخصية من علماء ودعاة اليمن- صدى في الإعلام الغربي، فقد نقلت صحيفتا “الجارديان” و”التايمز” عن البيان قوله: “إذا أصرَّ أيُّ بلد أجنبي على العدوان وغزو البلاد أو التدخُّل في شؤونها بشكل عسكري أو أمني فإنَّ الجهاد وقتال المعتدين يصبح فرضًا على أبنائنا المسلمين”(79). وقد أتى هذا البيان رغم حالة التقييد والتضييق والتهميش التي فرضها نظام صالح، بعد 2001، على التيَّار الإسلامي، لكنَّه مثَّل موقفًا داعمًا للنظام في ظلِّ الضغوط الغربية -بزعامة الولايات المتَّحدة الأميركية- عليه بشأن إتاحة اليمن لقيام قواعد عسكرية.
وعقب تقارب التجمُّع اليمني للإصلاح مع أحزاب يمنية معارضة أخرى، وتشكيل اللقاء المشترك، أكبر تحالف معارض لنظام صالح، أُعلن في منتصف 2008 عن تشكيل “هيئة الفضيلة”، وهي كيان مجتمعي دعوي هدف للقيام بواجب “الحسبة” كما هو مقرَّر في الفقه الإسلامي، حفاظًا على هويَّة ودين وأخلاق المجتمع اليمني. ورغم السياقات الظرفية التي فرضت هذا التوجُّه على الساحة المجتمعية، إلَّا أنَّ البعض رأى في الإعلان عن هذه الهيئة في ذلك التوقيت توظيفًا سياسيًّا، حيث اعتقد الكاتب والباحث اليمني، زايد جابر، أنَّ “ظهور هيئة الفضيلة في هذا التوقيت بالذات يأتي كمحصِّلة للتحالف بين السلطة والتيَّار السلفي، وذلك لتحقيق عدَّة أهداف”، أهمَّها: “خلط الأوراق السياسية على أحزاب اللِّقاء المشترك المعارض، ومحاولة تفكيك العلاقة بين “الإصلاح” وبقيَّة أحزاب المشترك، أو نقل الصراع إلى داخل “الإصلاح” نفسه”، و”مواجهة (الإصلاح) في الانتخابات القادمة، وذلك بتخويف الناس من هذه الهيئة واحتمالات وصول “الإصلاح” إلى السلطة”، و”مواجهة الحراك الجنوبي والتمرُّد في صعدة تحت مبرِّر محاربة الدعوات الانفصالية وأفكار التشيُّع”(88).
تُعلن رابطة علماء اليمن عن نفسها بأنَّها كيان مستقل، وهي تضمُّ في عضويَّتها عددًا من المرجعيات الزيدية والصوفية، وهو ما جعلها تستمرُّ في أداء أعمالها في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي في الشمال(81)، دون تهديد أو إعاقة. وقد أسهمت الرابطة في إصدار بيانات إدانة ضدَّ “التحالف العربي” باعتبار أنَّ ما يقوم به “عدوان” ضدَّ اليمن وشعبه، مع إضفاء الشرعية في مقابل ذلك على سلطة الانقلاب التي تشكَّلت في صنعاء عقب 21 سبتمبر/أيلول 2014، بتمرُّد جماعة الحوثي وإسقاطها للدولة.
وقد باركت الرابطة ما ورد في خطاب زعيم جماعة الحوثي، عبد الملك الحوثي، بمناسبة العيد التاسع لمـا تطلق عليه الجماعة “ثورة 21 سبتمبر”، واصفة إيَّاه -في بيانها- بأنَّه “قائد الثورة”، وواصفة انقلاب 21 سبتمبر بـ”ثورة”، ودعت أبناء الشعب اليمني إلى الالتفاف حول “هذا القائد الهمام والقيادة السياسية، والخروج الحاشد والمشرِّف في الثاني عشر من ربيع الأوَّل بما يليق بإيمان وتاريخ الشعب اليمني، ونصرة لله ولكتابه ولرسوله واستجابة للقيادة المباركة”(82). ومِن ثمَّ فرابطة علماء اليمن تحلُّ اليوم محلَّ جمعية علماء اليمن بالنسبة للنظام السابق بالأمس، في سبيل إسناد ما يقوم به الحوثيون من أعمال برؤية شرعية مذهبية ودينية.
هكذا نجد أنَّ حالة الاستقطاب والتوظيف امتدَّت إلى كيانات العلماء المختلفة، الرسمية والمستقلَّة، في سبيل استغلال الخطاب الديني لها ومواقفها العملية لأجندات سياسية في حالات معيَّنة.
خاتمة
بناء على ما سبق، يمكن القول: إن الساحة اليمنية التي شهدت نزاعات سياسية عدَّة، على صعيد الداخل وعلى صعيد التدخُّل الخارجي، دفعت الفاعلين السياسيين إلى توظيف الجماعات الدينية لتحقيق أجنداتهم الخاصَّة، باعتبارها الحلقة الأضعف والطرف الأقل حيلة. كما يمكن القول: إنَّ هذه الجماعات الدينية انخرطت -بصورة أو بأخرى- في تلك النزاعات تحت ذرائع مختلفة؛ وعليه يمكن استخلاص النتائج الآتية:
- أنَّ الرئيس صالح وظَّف جماعة “الإخوان المسلمين” في القضاء على قوى اليسار الاشتراكي، في مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وأنَّ الجماعة رأت في ذلك التوظيف فرصة للقضاء على قوى اليسار باعتبارها مهدِّدًا للدين وهوية المجتمع الثقافية والأخلاقية؛ وحقَّقت مكاسب خاصَّة لها نتيجة لهذا التخادم.
- أنَّ النظام السعودي وظَّف تيار “المداخلة” و”الجامية”، في التيَّار السلفي، لمهاجمة الديمقراطية والتعدُّدية السياسية والتحريض ضدَّ “التجمُّع اليمني للإصلاح”، لتكريس رؤية مضادَّة لفكرة “الإسلام السياسي” الذي يطرح رؤية للحكم خارج الإطار “الملكي”.
- أنَّ النظام السعودي وظَّف تيَّار “المداخلة” و”الجامية”، في التيَّار السلفي، في الصراع الجاري في اليمن منذ 26 مارس/آذار 2015 بهدف إزاحة تيَّار “الإسلام السياسي” وإضعاف وجوده السياسي والعسكري والاجتماعي.
- أن “تنظيم القاعدة” خضع لتوظيف الرئيس “صالح” لأغراض عدَّة، ضدَّ الاشتراكيين المناوئين له، ولصالح ابتزاز الإقليم، ولصالح ردع مطامع القوى الغربية في نيل وجود عسكري لهم في اليمن، وضدَّ تحقيق ثورة 11 فبراير/شباط 2011 لأهدافها وغاياتها. وبالتالي كان التنظيم أداة في عدَّة نزاعات وصراعات.
- أنَّ جماعة الحوثي وُظِّفت من قبل الرئيس “صالح” ضدَّ خصومه، ومِن قبل دول الجوار ضدَّ “الإسلام السياسي”، ومِن طرف النظام الإيراني لتعزيز نفوذه وتحالفاته في المنطقة، وهو ما جعلها في حالة صراع منذ بروزها في 2003.
- أنَّ الرئيس صالح عمل على توظيف التيَّار الصوفي في إطار تعزيز نفوذه ضدَّ خصومه السياسيِّين، كما جرى توظيف موقفهم المحايد (سلبيًّا) من قبل دولة الإمارات لصرف الناس عن تأييد الحكومة الشرعية ودفع الجماعات المتمرِّدة إحقاقًا للقيم والمبادئ والحقوق العادلة.
المراجع
(1) مجموعة مؤلِّفين، المنجد في اللغة العربية المعاصرة، دار المشرق، بيروت- لبنان، ط، 2013، ص 1540.
(2) ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر، بيروت- لبنان، ط، 1968، ج 9/358.
(3) انظر:
– مشاريع العمل الإسلامي ومشكلة التوظيف السياسي، مجلة البيان، العدد (341)، محرَّم 1437هـ/ أكتوبر/تشرين الأول-نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 6 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/BmnVIPkH
– ياسين بن علي، مفهوم التوظيف السياسي، جريدة التحرير، 6 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/eqXvZzy7
(4) عمر عبد الله محمد الكروش، التوظيف السياسي لمبادئ حقوق الإنسان (1991- 2003).. الولايات المتحدة الأميركية- دراسة حالة، جامعة الشرق الأوسط، عمَّان-الأردن، دراسة ماجستير، مارس/آذار 2018، ص 61، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/mGWpB6MD
(5) د. إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، الموسوعة الميسَّرة للمصطلحات السياسية، دار الكتب العربية، القاهرة- مصر، د. ط./د. ت.: ص 105.
(6) لمزيد فائدة، انظر: د. لؤي صيوح ود. طه حاج طه ولؤي أبو حسين، التوظيف السياسي للقضايا والتطورات الدولية كذريعة للتدخل الإنساني، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد (40)، العدد (6)، 2018، ص 223.
(7) لمزيد فائدة، انظر: د. بان غانم أحمد الصائغ، سياسة بريطانيا تجاه النصارى واليهود في الدولة العثمانية (1914- 1839).. دراسة تاريخية، كلية العلوم السياسية- جامعة الموصل، مجلة التربية والعلوم، العدد (5)، المجلد (19)، 2012، (تاريخ الدخول: 22 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/ql4S8x27
(8) لمزيد فائدة، انظر: م. د. زينة حارث جرجيس، أثر الاحتلال البريطاني في ظهور القاديانية في الهند (1888- 1908)، مجلة الأستاذ، كلِّية التربية- جامعة بغداد، العدد (224)، المجلَّد (2)، 2018، ص285- 300، (تاريخ الدخول: 24 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/SWyR2TVy
(9) انظر: وزير تركي يتهم أميركا بالوقوف وراء انقلاب 2016 الفاشل، رويترز، 4 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/MsTASgYe
(10) د. ناصر محمد الطويل، الحركة الإسلامية والنظام السياسي في اليمن من التحالف إلى التنافس، مكتبة خالد بن الوليد، صنعاء- اليمن، ط 1، ص 116، نقلًا عن كتاب: مصرع الابتسامة، ص 42.
(11) يمكن الرجوع في هذا الشأن إلى كتاب: مصرع الابتسامة.. سقوط مشروع الدولة الإسلامية في اليمن (1938- 1948)، حميد أحمد شحرة، المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية، صنعاء- اليمن، ط 1، 1998.
(12) انظر في هذا الشأن كتاب: مصرع الابتسامة، مرجع سابق.
(13) يروي الإعلامي أنور العنسي عن المشير عبد الله السلال قوله له إنَّه لم يتمكَّن من “كبح جماح صغار الضبَّاط المتأثِّرين بجمال عبد الناصر، خصوصًا بعدما وعدوه بتنصيبه رئيسًا للجمهورية إذا سلَّمهم مفاتيح قصر السلاح، وهو ما فعله تمامًا ليلة 26 سبتمبر 1962”. انظر: أنور العنسي، عبد الله السلال: الرئيس اليمني الذي أعاد طائرته الرئاسية وأوسمته بعد عزله وهو في الخارج، بي. بي. سي، في: 30 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 9 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/D64dyt3o
(14) “تولَّى المقدَّم إبراهيم الحمدي رئاسة الجمهورية عقب الانقلاب على الإرياني، وأعلن تعليق العمل بالدستور، وشكَّل مجلس القيادة العامَّة للقوَّات المسلَّحة من سبعة أعضاء لحكم البلاد. عزَّز مجلس القيادة (المجلس الرئاسي) دور الجيش في السياسة اليمنية”. انظر: ميساء شجاع الدين، المجالس الرئاسية في اليمن: استكشاف المحاولات السابقة لتقاسم السلطة والإمكانيات من أجل المستقبل، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 12 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 17 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/u8RYoGu7
(15) انظر: محمد الغباري، الرؤى المتضادَّة.. سنوات الصراع في اليمن، مؤسَّسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، القاهرة- مصر، ط1/2021م: ص 36، 37.
(16) انظر: الطويل، الحركة الإسلامية والنظام السياسي في اليمن، مرجع سابق، ص 179.
(17) كانت هي لافتة اليسار في الشمال، والمدعوم من قبل نظام اليسار الحاكم في الجنوب.
(18) تأسس في 1982، من 309 أعضاء.
(19) انظر كلام عبد الباري طاهر بهذا الشأن في: الغباري الرؤى المتضادَّة، مرجع سابق: ص34.
(20) انظر: عبد القوي حسَّان، الحركة الإسلامية في اليمن.. دراسة في الفكر والممارسة (التجمع اليمني للإصلاح نموذجًا)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، ط 1، 2014، ص 93.
(21) الطويل، الحركة الإسلامية والنظام السياسي في اليمن، مرجع سابق: ص86 و87.
(22) في مقابلة له على قناة الجزيرة الفضائية، برنامج “بلا حدود”، أُجريت في 13 سبتمبر/أيلول 2006، (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/ph7VvZq0
(23) انظر: حوار محمد علي [الصحيح عبد الله] اليدومي مع برنامج “بلاد حدود”، قناة الجزيرة، في: 7 مارس/آذار 2001، (تاريخ الدخول: 19 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/FYxQ6zmk
(24) انظر: المرجع السابق نفسه.
(25) انظر: ردَّاد السلامي، هل قدر “الإخوان” أن يكونوا “كروتًا” سياسية؟، القدس العربي، 11 أبريل/نيسان 2009، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2023)، https://2u.pw/xhcCP7R
(26) ينظر في شأن الشيخ مقبل الوادعي كتاب “الشيخ مقبل الوادعي.. آراؤه العلمية الدعوية (دراسة ونقد)”، لمحمَّد بن موسى العامري، د. ن.، ط 1995؛ وكذلك حديث الباحث الفرنسي “فرانسوا بورغا”، عنه في كتابه: الإسلام السياسي في زمن القاعدة، ترجمة سحر سعيد، الصادر عن قدمُس للنشر والتوزيع، دمشق-سوريا، ط1/2006، تحت عنوان: “خفايا مسار أيديولوجي: سلفي يمني بين الراديكالية «الدينية» والاستراتيجية الاجتماعية”: ص39- 46.
(27) هذا الكلام كان منشورًا عبر شريط صوتي “كاسيت”، لإحدى محاضراته، ثمَّ طبع في كتابه “المخرج من الفتنة”، لكنَّه حُذف من الكتاب بطلب “الوادعي” نفسه، عقب استقبال النظام السعودي له لعلاجه آخر عمره، وقبل وفاته بفترة قصيرة جدًّا. فهو مثبت في الطبعات الأولى للكتاب. ومَن كان يعرف الوادعي ومواقفه من النظام السعودي في تسعينات القرن العشرين يعرف هذا الأمر. وقد عُرض على الوادعي حذف كلامه عن النظام السعودي مقابل استمرار الدعم، وكان يرفض ذلك: فهو يقول: “بعض الأفاضل من السعوديين كان يساعد الدعوة بالمال الكثير.. فلمَّا خرج كتاب (المخرج من الفتنة) و(السيوف الباترة) جاءتني رسالته القاسية؛ رسالة خطيَّة يقول: أنت تتكلَّم في الحكومة السعودية، كنت أظنُّ أنَّ لك عقلًا. ثمَّ رسالة شفهيَّة: إذا لم تشطب الكلام في (المخرج) و(السيوف الباترة) فسنقطع عنك المساعدة؟! فقلت له: بعيد.. بعيد أن أشطب الكلام من (السيوف الباترة) ومِن (المخرج من الفتنة) إلَّا إذا كان فيها شيء يخالف الكتاب والسنَّة أو يخالف الواقع”. انظر كتابه: غارة الأشرطة: ص 288.
(28) يمكن الرجوع في هذا الشأن إلى كتاب “تنظيم القاعدة.. النشأة- الخلفية الفكرية- الامتداد”، سعيد علي الجمحي، مكتبة مدبولي، القاهرة- مصر، ط 1، 2008.
(29) وهو موقف كان حاضرًا أيضًا داخل جماعة “الإخوان” في اليمن، نظريًّا، بادئ الأمر، وبقوَّة، خصوصًا في المرجعيَّات العلمية والدعوية.
(30) انظر كمثال كتاب “حكم المشاركة في الوزارة في الأنظمة الجاهلية”، لمحمَّد عبد القادر أبو فارس، عمَّان- الأردن، 1991.
(31) انظر لمزيد فائدة كتاب “الجامية في الميزان.. دراسة موضوعية نقدية”، مشاري سعيد المطرفي، دار النور المبين، ط 1، 2019، (تاريخ الدخول: 15 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/9ZDOXl8
(32) كتب يحيى بن علي الحجوري، القائم على مركز دمَّاج عقب وفاة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، رسالة بعنوان: “لماذا جُلُّ الشعب اليمني يُحبُّ الرئيس علي عبد الله صالح وفقَّه الله؟”، ونشرها موقع مأرب برس، في: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، فيها ثناء بالغ للرئيس “صالح” وذمٌّ لمعارضيه بوصفهم بغاة وقتلة يسفكون الدماء ومفسدون في الأرض، (تاريخ الدخول: 27 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/VHT7XVzW
(33) يقول الباحث في الشؤون اليمنية، “لوران بونيفوي”: “مِن الواضح أنَّ تغيُّرًا على مستوى الأجيال قد حدث. ما أريد قوله هو أنَّ لدينا الآن موجة ثالثة من السلفيين، بعد الآباء المؤسِّسين الذين يعبَّر عنهم بمقبل الوادعي، حتَّى وفاته في عام 2001. فقد وقع الجيل الذي أتى بعدهم في خلافات لا تنتهي أدَّت إلى تشظِّي الحركة السلفية في قضايا مرتبطة بالتَّسييس. الموجة الثالثة يجسدها رجال ذوو مؤهَّلات مكتسبة في ساحة المعركة، وهم أقلُّ اهتمامًا بالنقاء الأيديولوجي والديني، ويتقبَّلون بشكل واضح أن يتمَّ استخدامهم كأداة من قبل القوى الإقليمية”. انظر: خمسة أسئلة عن الجماعات السلفية في اليمن، المركز اليمني للسياسات، فبراير/شباط 2022، (تاريخ الدخول: 13 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/Iou8MZf
(34) من ذلك “ألوية العمالقة”، وهي قوَّات تشكَّلت بدعم من دولتي “التحالف العربي”، السعودية والإمارات، وهي تضمُّ أكثر من خمسة ألوية عسكرية، بقوَّة بشرية تتجاوز (12) ألف مقاتل، ينتمي معظمهم إلى التيَّار السلفي، ويمثِّل أبناء المحافظات الجنوبية أكثر من 85% من بنية الألوية الأساسية، بينما يمثِّل أبناء المحافظات الشمالية 15%. وهي تشكيلات لم تندمج ضمن وزارة الدفاع، مثلها في ذلك مثل قوَّات “المجلس الانتقالي الجنوبي” و”المقاومة الوطنية” التابعة للعميد طارق صالح.
(35) من أبرز التشكيلات العسكرية المحسوبة على السلفيين اليوم، والتي نشأت بدعم من دولتي “التحالف العربي”، السعودية والإمارات، “ألوية العمالقة” المنتشرة في بعض المحافظات الجنوبية والساحل الغربي، و”كتائب أبي العباس” في محافظة تعز، عدا عن بعض الفصائل في “قوَّات النخبة” و”قوَّات الأحزمة الأمنية”، وأخرى ترابط على الحدود الجنوبية السعودية للدفاع عنها، وأخيرًا “قوَّات درع الوطن”. انظر: عبد السلام قائد، عسكرة الدين.. لماذا تجند الإمارات والسعودية الجماعات السلفية في اليمن؟، قناة بلقيس، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 6 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/icUWM4R
(36) انظر: غضب إماراتي على إطاحة الرجل القوي في عدن.. لهذه الأسباب قرَّر هادي عزل هاني بن بريك، صحيفة إيلاف الإلكترونية، 30 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/UkV0If9Q
(37) انظر: هاني بن بريك يروج للتطبيع مع إسرائيل، عربي21، 23 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/UJyDWz0
(38) يذكر الكاتب أنَّه عقب نجاح الثورة زار اليمن عدد من الباحثين الغربيين، لاستجلاء آراء السلفيين باختلاف مكوِّناتهم حول السياسة والمشاركة السياسية، تحت لافتة الدراسات الجامعية والبحوث؛ فقد مثَّلت مصر حالة مخيفة للغرب بصعود التيَّار الإسلامي وسيادته للمشهد، فكان اليمن مؤهَّلًا لهذا المسار أيضًا. وكان الكاتب قد التقى بأحد الباحثين واستشفَّ أنَّ الحوارات التي تجرى هي حوارات استخباراتيَّة أكثر منها أكاديمية، فالغرب كان يتخوَّف من مآلات الأحداث في المنطقة.
(39) عبد الولي الشميري، ملحمة الوحدة اليمنية.. ألف ساعة حرب، د.ن.، ط3، 1995، ص 198. ويمكن الرجوع أيضًا لكتاب: خير الله خير الله، حرائق اليمن شهادات من الداخل.. من انهيار دولة الجنوب إلى انهيار الدولة، دار العرب للنشر والتوزيع والدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت- لبنان، ط1، 2016.
(40) محمد أحمد علي المخلافي، قضية دولة القانون في الأزمة اليمنية، الجزء الثاني، الحرب الدائمة ومشروع بناء الدولة، دار عناوين بوكس، القاهرة- مصر، ط1، 2021، ص 27.
(41) شهدت تلك الفترة قيام فرع التنظيم باليمن باستهداف المدمِّرة الأميركية (USS Cole)، في المياه الإقليمية، مقابل ساحل مدينة عدن؛ كما بارك فرع التنظيم باليمن هجمات أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
(42) تبنَّى في تلك المرحلة عدَّة عمليَّات ضدَّ القوَّات الحكوميَّة، وشخصيَّات مسؤولة، وقاد حركة واسعة من تأطير الشَّباب وتجنيدهم، ومثَّل قلقًا إقليميًّا ودوليًّا.
(43) هذا بالرغم من ظهور زعيمي التنظيم، “أسامة بن لادن” ومساعده “أيمن الظَّواهري”، في مقطع مرئي، مؤيِّديْن الثَّورات الشَّعبية، عام 2011، وداعين للالتحام مع الشَّارع العربي والوقوف مع مطالبه.
(44) “مخبر القاعدة” يكشف علاقة علي صالح بالتنظيم، الجزيرة نت، 4 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024م)، https://2u.pw/HmbevF9
وقد علمت صحيفة “القدس العربي” اللندنية، من مصدر دبلوماسي، أنَّ الحكومة اليمنية بدأت بتحريك ملفٍّ قانوني دولي ضدَّ “صالح” وأسرته، وطلبت من الشرطة الدولية (إنتربول) توجيه مذكِّرة توقيف في حقِّ نجل شقيق “صالح” العميد، عمار محمَّد عبدالله صالح، وكيل جهاز الأمن القومي سابقًا، والذي أقاله الرئيس “هادي” من منصبه الراهن، وعيَّنه ملحقًا عسكريًّا في إثيوبيا، وإحالته للمحاكمة جرَّاء انكشاف دوره في العمل مع عناصر “القاعدة” في اليمن، وتقديمه الدعم المادي والمعلوماتي واللوجستي والمواد المتفجِّرة لعناصر التنظيم، لتنفيذ عملياتهم الإرهابية ضدَّ أهداف غربيَّة في الأراضي اليمنية. وذكر مصدر دبلوماسي أنَّ “عمَّار” غادر إثيوبيا قبيل بثِّ فيلم “مخبر القاعدة” بساعات، تفاديًا ﻻعتقاله فيها، مع إعلان إقالته من منصبه الدبلوماسي؛ حيث توجَّه إلى دولة الإمارات. انظر: اليمن: الكشف عن إدارة صالح لتنظيم القاعدة سيسهم في القضاء على مستقبله السياسي، القدس العربي، 13 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/vhOx5K2
(45) كما هي الحال مع مدينة عزَّان في شبوة.
(46) بحسب شهادات استمع لها الكاتب، ولقاءات مع شخصيَّات كان لها صلة بـ”تنظيم القاعدة”، خلال عام 2012 و2013.
(47) علي عبد الله صالح والقاعدة.. تحالف الشيطان، سكاي نيوز عربية، 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/hFXnfWA
(48) جرى تهريب المتَّهمين في حادثة المدمِّرة الأميركية “يو. إس. إس. كول”، من سجن الأمن السياسي بعدن، ثمَّ من سجن الأمن السياسي بصنعاء، وذلك في 3 فبراير/شباط 2006، من خلال حفر أنفاق تحت الأرض. وكان (13) فردًا من الفارِّين الثلاثة والعشرين من المتَّهمين في حادثة تفجير المدمِّرة الأميركية “كول”، وناقلة النفط الفرنسية “ليمبيرج”. والمفارقة أنَّ من بين الفارين “جمال البدوي” المتَّهم الثاني في القضية، وهو نفسه الذي قاد عملية الهروب السابقة، لمتَّهمي “كول”، من سجن عدن بعد أن حفر هو وثمانية من رفاقه نفقًا تحت الأرض. وكانت المحكمة الابتدائية قد حكمت عليه بالإعدام، لكنَّ محكمة الاستئناف خفَّفت الحكم إلى السجن (15) عامًا. انظر: القصة الكاملة لهروب 23 متهمًا من القاعدة من سجنهم في اليمن، العربية نت، 11 فبراير/شباط 2006، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024م)، https://2u.pw/GVnCNCVC
(49) كشف أيمن دين، العضو السابق في تنظيم “القاعدة”، في حوار خاص لوكالة “سبوتنيك”، عن علاقة الرئيس الأسبق، علي عبد الله صالح، و”تنظيم القاعدة”؛ وذكر أنَّ “صالح” كان يطلب من “القاعدة” زيادة العمليات الإرهابية في بلاده من أجل الحصول على المزيد من الأموال لمكافحة الإرهاب في اليمن؛ حيث كانت الولايات المتحدة رصدت ميزانية ضخمة لمكافحة الإرهاب في اليمن. انظر: عضو سابق في “القاعدة” يكشف سر التعاون بين الرئيس اليمني السابق والتنظيم، وكالة سبوتنيك عربية، 21 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/nt1EQXQ
(50) وفي المقابل، هناك مَن يقول: إنَّ “تنظيم القاعدة” استُخدم كورقة إقليمية ضدَّ استقرار اليمن وأمنه، وترحيل أزمة المجاهدين “الأفغان العرب” لليمن لتظلَّ محلَّ استقطاب لهم، ما يخفِّف الضغوط الأمنية على دول الإقليم.
(51) انظر: نوال المقحفي، تحقيق لبي بي سي يكشف أن الإمارات العربية المتحدة موَّلت اغتيالات سياسية في اليمن، بي. بي. سي. عربي، 23 يناير/كانون الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2024) https://2u.pw/itp1os9
(52) انظر: تغريدة الناشط الجنوبي عادل الحسني، (تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/KuHFiuxV
(53) ميليشيا الحوثي تقر بإطلاق سراح عناصر إرهابية من “القاعدة”، العربية نت، 20 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/wVHMkr4
(54) انظر: مسلحو القاعدة في اليمن “على جبهة واحدة مع التحالف السعودي” في معركة ضد الحوثيين، بي. بي. سي. عربي، 22 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024) https://2u.pw/Z9IguHNU
(55) انظر: رئيس الجمهورية: لا توجُّه ضدَّ المذهب الزيدي والفتنة يجب القضاء عليها، المؤتمر نت، 3 يوليو/تموز 2004، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/LlRqhMd2
(56) جمانة فرحات، الجيش اليمني متورِّط في تسليح أتباع الحوثي، صحيفة الأخبار اللبنانية، 18 أبريل/نيسان 2011، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/3O7sOLa1
(57) يمكن الرجوع إلى شهادة عضو مجلس النوَّاب اليمني وعضو المؤتمر الشعبي العام وأحد مشايخ صعدة، عثمان مجلِّي، حول الموضوع في برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة. انظر: حقيقة استخدام الرئيس اليمني للحوثيين لمواجهة الإخوان المسلمين في اليمن مع عثمان مجلي، قناة الجزيرة، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، (تاريخ الدخول: 22 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/oOkSJFiN
(58) انظر في هذا الشأن: ناصر محمد ناصر، الصراع مع الحوثيين.. جذور المشكل وآفاق الحل، مركز الجزيرة للدراسات، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، (تاريخ الدخول: 27 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/xXiASin1
وكذلك: العربي صديقي، الابن سرُّ أبيه.. الجمهوريانية السلالية في مصر وليبيا واليمن، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، نوفمبر/تشرين الثاني 2009، (تاريخ الدخول: 6 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/IdB56Ez5
(59) انظر: منير الماوري، تقرير دولي يكشف علاقات صالح مع “القاعدة” والحوثيين، العربي الجديد، 25 أبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 6 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/j1EggO2
(60) أثبتت التسجيلات المسرَّبة، واللقاءات التي كانت تظهر لوسائل الإعلام عبر صور مبعوثين بين الطرفين، ثمَّ التحالف الذي دفع الطرفين للاشتراك في حكومة واحدة عام 2016، والإعلان عن تحالفها الخفي، أنَّ “صالح” وظَّف جماعة الحوثي في أجنداته، وأنَّ الجماعة في المقابل استغلَّت أحقاد “صالح” لتتسلَّق عليها نحو السلطة والنفوذ، لينتهي الأمر به قتيلًا على يد الجماعة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
(61) انظر في هذا الشأن: أمل العالم، العلاقات الحوثية-الإيرانية: حلف مصلحي بغطاء مذهبي، مركز الجزيرة للدراسات، 8 أبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 5 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/KzOju0yQ
(62) عاد وكرَّر هذا التصريح على قناة “الحوار”، في 16 أغسطس/آب 2016، موضحًا أنَّ المقصود بالدولة الخليجية الإمارات العربية المتَّحدة، (تاريخ الدخول: 27 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/sihKGbQD
(63) انظر على سبيل المثال: محلل عسكري: عملية البيضاء تعكس التخادم الحوثي مع الأميركيين، الموقع بوست، 29 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/s2VcV7yR
(64) انظر: هل تعاون الحوثيون مع أميركا؟، موقع عدن الغد، 30 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 7 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/CTs4KvnE
(65) كان توجُّه هذا التنظيم (الذي شكَّل النواة الأولى لجماعة الحوثي لاحقًا) ثقافيًّا إحيائيًّا في الوسط الزيدي، وبأهداف محلِّيَّة خالية من الشعارات والأفكار والأجندات الخارجية. وقد تأسَّس هذا التنظيم على يد المرجع الزيدي صلاح فليتة ومحمَّد عزَّان وعبد الكريم جدبان وآخرين. انظر: محمد يحيى عزَّان.. تنظيم الشباب المؤمن باليمن، برنامج لقاء اليوم- قناة الجزيرة، 10 أبريل/نيسان 2007، (تاريخ الدخول: 25 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/WFqJ5XG؛ وكذلك: محمَّد جميح، الحركة الحوثية في اليمن من “الشباب المؤمن” إلى “أنصار الله”، عربي21، 10 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/JLq7Bil
(66) انظر في هذا الشأن كتاب: إيران والحوثيون.. مراجع ومواجع، لأحمد أمين الشجاع، مجلة البيان- مركز البحوث والدراسات، الرياض- السعودية، ط1، 1434هـ 2013.
(67) هذه الأمور استحقاقات طبيعية يفترض نيلها بموجب الدستور ومن خلال إعمال القوانين التي تقف على حدٍّ سواء من جميع المواطنين والأطراف، غير أنَّ “صالح” كان يقدِّم هذه الأمور كمحاولة للاستقطاب والتوظيف.
(68) انظر: الصوفية في اليمن.. الفكر والواقع، منتدى مجال، ديسمبر/كانون الأول 2021: ص28، (تاريخ الدخول: 25 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/8Ihc1Us
(69) السيد عبد الملك الحوثي يعزي في وفاة السيد المجاهد العلامة سهل بن عقيل، قناة المنار، 13 فبراير/شباط 2021، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/KLGLGGx
(70) انظر: كربلاءُ العصر.. الجريمةُ الشاهدةُ على طغاة الزمان وأدواتهم المارقة، موقع “أنصار الله”، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022، (تاريخ الدخول: 6 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/77hNRX7T
(71) انظر: إحياء أربعينية العلامة أبو بكر المشهور في العاصمة صنعاء، موقع “أنصار الله”، 12 سبتمبر/أيلول 2022، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/M2nviy1v
(72) وهو ابن السياسي اليمني، عبد الرحمن الجفري، رئيس حزب “رابطة أبناء اليمن”، وهو حزب مدعوم سعوديًّا وكان داعمًا لانفصال الجنوب.
(73) سعت الإمارات من خلال إمكاناتها المالية لتأسيس قوى فكرية وثقافية ناعمة تعمل على إفراغ الإسلام من بعده السياسي لتحويله إلى شعائر وطقوس تعبُّدية على الهامش من التأثير في الواقع، وذلك في حربها ضدَّ ما تطلق عليه “الإسلام السياسي”. وقد اختارت الإمارات التوجُّه الصوفي ليكون واجهة للعمل من خلاله في هذا التوجُّه. لهذا أنشأت ودعمت عددًا من المؤسَّسات التي أوكلت إدارتها لرموز صوفية، وأتاحت لها العمل على مستوى عالمي. من هذه المؤسَّسات مؤسَّسة “طابة”، و”مجلس حكماء المسلمين”، و”منتدى تعزيز السلم”، وجميعها مؤسَّسات تقع مقرَّاتها الدائمة في الإمارات وتحظى بعناية شخصيَّة من حاكم الإمارات.
(74) رأي الحبيب علي الجفري في الحرب بين السنة والشيعة الحوثيين في اليمن، مقطع متوافر على الرابط التالي (تاريخ الدخول: 27 ديسمبر/ كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/xzcUthup
(75) أمجد خشافة، صوفية اليمن بين الحياد والتناغم مع الحوثي، مجلة البيان، الرياض- السعودية، 24 مارس/آذار 2016، (تاريخ الدخول: 25 ديسمبر/كانون الأوَّل 2023)، https://2u.pw/W26C4iP8
(76) حرب بيانات بين علماء اليمن ومراجع شيعة في إيران والعراق، الجزيرة نت، 8 مايو/أيار 2005، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/LAWrBvF
(77) علماء اليمن: الوحدة نعمة والحفاظ عليها واجب شرعي على كل أبناء اليمن، المؤتمر نت، 30 أبريل/نيسان 2009، (تاريخ الدخول: 6 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/K1EJcXvc
(78) انظر: لدى لقائه أمس أصحاب الفضيلة بجمعية علماء اليمن.. الرئيس: لكل مشكلة حل ونحن مستعدون للرحيل لكن ليس عن طريق الفوضى، أخبار اليوم، 1 مارس/آذار 2011، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/PK5yZgLI
(79) رابطة علماء اليمن تدعو لـ”الجهاد” إذا تدخَّل الأجانب، بي. بي. سي. عربي، 15 يناير/كانون الثاني 2010، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/bHLPfP0J
(80) انظر: عبد الكريم هائل، هيئة الفضيلة في اليمن.. بين الديني والسياسي والحقوقي، سويس إنفو، 22 يوليو/تموز 2008، (تاريخ الدخول: 6 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/HftXgu8
(81) انظر: موقع رابطة علماء اليمن، (تاريخ الدخول: 2 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/WDMR05Sn
(82) رابطة علماء اليمن تبارك ما ورد في خطاب قائد الثورة، وكالة سبأ (الخاضعة لجماعة الحوثي)، 22 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 4 يناير/كانون الثاني 2024)، https://2u.pw/0dWZcW4d
أنور بن قاسم الخضري، رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث، اليمن. *
Anwar Qasem Al-Khudhari ،Head of Aljazeera Alarabia Center for Studies and Research, Yemen.