مقدمة

لا تزال الحالة الإعلامية في المنطقة العربية تشكِّل انعكاسًا للمشهدين، السياسي والاجتماعي، بكل ما يتخلَّلهما من انقسامات وصراعات حادة وعنيفة في بعض الأحيان بين مختلف الأطراف المعنية لاسيما بين الفاعلين السياسيين وممثلي المجتمع المدني. وحتى في ظل التحوُّل والانفتاح الذي عرفته المنطقة في بداية الألفية الثانية مع تطور وانتشار ودَمَقْرَطَة وسائل الإعلام الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي والتفاعلي، لم تنجح وسائل الإعلام على اختلافها في لعب دورها في التنمية الوطنية بكافة أشكالها وتكريس الحريات الفردية والإعلامية ومحاربة الفساد والظلم في المنطقة.

وحافظت وسائل الإعلام التقليدية، التي ما زال جزء كبير منها يخضع لملكية الدول أو يقع تحت إشرافها أو رقابتها، على دورها الاحتكاري في تحديد الأولويات والقضايا والرسائل الإعلامية وطريقة معالجتها وفقًا للتوجه الحكومي دون أدنى مشاركة من الجمهور والتفاعل معه، لاسيما في القضايا السياسية والاجتماعية، وذلك بالرغم من الضغوط الكبيرة والمنافسة التي تعرَّضت لها على إثر تطور وسائل الإعلام الحديثة(1).

في المقابل، لعبت هذه الوسائط، التي لاقت قبولًا وانتشارًا واسعًا بين أوساط الإعلاميين والمواطنين على حد سواء، دورًا كبيرًا في توسيع مشاركة الجماهير في دائرة النقاشات العامة في مختلف الشؤون السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية في المجال العام بشكل ديناميكي وحيوي.

وتمكَّنت وسائل الإعلام الحديثة، وفي مقدمتها مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والمواقع الإلكترونية، من احتلال مركز الصدارة في المشهد الإعلامي في المنطقة كما حظيت بالاهتمام الأبرز للرأي العام العربي. تحوَّلت هذه الوسائل لمنابر إعلامية موازية للإعلاميين والصحفيين والناشطين الحقوقيين الذين وجدوا فيها متنفسًا في وجه سياسية تكميم الأفواه التي فرضتها الوسائل الإعلامية التابعة للسلطة. شهد الفضاء الافتراضي العربي على إثر ذلك ولادة مجموعة كبيرة من المبادرات الإعلامية وخاصة المواقع الإخبارية الإلكترونية التي نشطت بشكل واسع لاسيما في النصف الثاني من العقد الأول من الألفية الثانية. جاء ذلك نتيجة لازدياد أعداد مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتغيُّر سلوكياتهم وطرق التعامل مع المصادر الإخبارية الإلكترونية التي احتلَّت مكانة مركزية باعتبارها مصدرًا أساسيًّا لحصول الجمهور على الأخبار والمعلومات. في ظل هذا السياق، لعبت الصحافة الإلكترونية ووسائل الإعلام الحديثة بشكل عام دورًا كبيرًا في بداية تَشَكُّل مجال عام جديد في العالم العربي لاسيما في فترة الربيع العربي وما بعده(2).

 

  1. الإطار المنهجي والنظري للدراسة

أ- إشكالية الدراسة

في ظل هذه التحولات التي شهدها المشهد الإعلامي العربي، كما أشير سابقًا، يبرز السؤال المركزي في الدراسة: ما استراتيجيات السلطة وآلياتها في التضييق على الممارسة الإعلامية؟ وكيف أسهمت السياقات السياسية والاجتماعية والتكنولوجية لصالح الرهانات التي وضعتها السلطة؟ وما انعكاسات ذلك على ديناميكية المجال العام في المنطقة؟

إذن، تنطلق الدراسة من إشكالية مفادها أن الأنظمة المتسلطة في المجتمعات العربية تستند بشكل رئيس في سياسة قمع الحريات الإعلامية على هشاشة وضبابية وازدواجية منظومة المعلومات (الرقمية) في المجتمعات المعاصرة التي لا تزال تخضع بشكل كبير لرهانات ومصالح مجموعة من الفاعلين والقوى العالمية. وقد راهنت هذه الأنظمة على ظاهرة ارتفاع جاذبية “نظريات المؤامرة”(3) والتلاعب بالمعلومات أو المعلومات المغلوطة والمضلِّلة والمُفَبْرَكَة والإشاعات لدى مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل المجتمعية في المنطقة(4) كأداة رئيسة في تدعيم سياستها القمعية. وشكَّل الخطاب الدِّعائي والمُؤَامَرَاتِي والمُفَبْرَك الهَيْكَلَ العظمي للترسانة الإعلامية العمومية في الفضاء الرقمي العربي في مواجهة الأصوات المعارضة في الإعلام الحر والمستقل وتطويع المسار الديمقراطي في البلاد. كما لم تتوان هذه الأنظمة عن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في محاولاتها للتلاعب بالمعلومات وتقويضها ضد وسائل الإعلام الجديد والمستقل وتشويه سمعة العاملين فيه من خلال خطابي عدائي يسعى إلى التقليل من شأنهم والتعرض لمصداقيتهم وشرعيتهم.

ب- أهمية الدراسة

تأتي أهمية الدراسة في ظل التحولات العميقة والسريعة التي تشهدها الحالة الإعلامية العربية على المستوى السياسي على وجه الخصوص لاسيما في ظل تعثُّر معظم تجارب الانتقال الديمقراطي، وبروز أنظمة سلطوية جديدة تتحكَّم في المجال العام وتنزع إلى الإفراط في استخدام العنف. في ظل هذه الأوضاع، استمر تراجع الحريات الإعلامية بشكل لافت وتنوَّعت استراتيجيات السلطة بمؤسساتها المختلفة في التضييق على الممارسة الإعلامية وانتهاك الحقوق الصحفية وفرض مزيد من القيود على العاملين في مجال الإعلام والصحافة وكذلك الوسائل التي يعملون فيها، وهو ما يعمِّق أزمة الإعلام في ظل غياب مؤشرات صديقة للبيئة الإعلامية. من هنا، تسعى هذه الدراسة لتسليط الضوء على مختلف التجاوزات والخروقات الإعلامية بحق أهل الصحافة والإعلام التي جرى توثيقها لاسيما في فترة ما بعد الربيع العربي في محاولة لفهم استراتيجيات السلطة في انتهاك الحريات الإعلامية ورهاناتها وتداعيات ذلك على المسار الديمقراطي في المنطقة. وتستند الدراسة في معالجة هذه الإشكالية بشكل رئيسي على نظريات البحث في “المجال العام الجديد” في ضوء تحليل منظومة المعلومات (الرقمية) وفي ظل سيطرة وسائل الإعلام الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي والتفاعلي.

ج- منهجية الدراسة

تستند الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي في تناولها للعلاقة بين السلطة والإعلام في ضوء التحولات الإعلامية الجديدة مع تطور وتنامي وتنوع استخدامات وأدوار وسائط الإعلام المجتمعية لاسيما في السنوات الأخيرة. من هنا، فقد جرت الاستعانة بمجموعة من الأعمال التي نظَّرت لهذه الجدلية منذ بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا والتي تطرقت لمختلف الجوانب في دراسة هذه العلاقة.

ويتعرض الباحث والمحلل الأميركي المتخصص في مجال الإعلام والاتصال، نعوم تشومسكي (Noam Chomsky)، في كتابه “الميديا والديمقراطية”(5) للأسباب والعوامل التي تمنع الديمقراطيات الليبرالية اليوم من توفير مناخ من الحريات الإعلامية قادر على تعزيز مشاركة المواطنين في إدارة الأمور العمومية. وبحسب نعوم تشومسكي، لا تزال الدعاية الإعلامية أو البروباغندا بأشكالها الحديثة -لاسيما مع تطور وسائل التواصل المجتمعية التي أسهمت بشكل واسع في انتشار المعلومات المغلوطة ونظريات المؤامرة- تشكِّل أداة فعالة في قبضة السلطات الحاكمة من أجل مزيد من التضييق والرقابة على الحريات الإعلامية.

ويكاد القرن الحادي والعشرون يكون الشاهد الأكبر على الأزمات التي يعيشها المجالان، الإعلامي والعمومي، على حدٍّ سواء لتضرب بعرض الحائط بعض الأطروحات الحتمية التي صوَّرت الميديا المجتمعية كعصى سحرية ضامنة للديمقراطية والحريات الإعلامية. وتبقى “الظاهرة الترامبية” من أهم الأمثلة الدالة على حالة التعقيد التي تميِّز إشكالية العلاقة بين الإعلام والديمقراطية والمجال العام. لم يمنع ذلك محللين آخرين من استشراف أزمة المعلومات المغلوطة في ظل عصر الويب 2.0 ومن بينهم أفيف أوفاديا (Aviv Ovadya) الذي يتحدث عن “Infocalypse” أو “قيامة/نهاية المعلومات” في محاضرة له قدمها بمدينة سان فرانسيسكو قبل أشهر على انطلاق الحملة الانتخابية لدونالد ترامب(6). ويتعرض أفيف أوفاديا في تحليله لمنظومة المعلومات الراهنة والإنترنت على وجه الخصوص إلى العوامل والحوافز المادية التي تدفع بعمالقة الميديا المجتمعية الحديثة، مثل فيسبوك وتويتر وغوغل، إلى المساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر في نشر معلومات مغلوطة أو متناقضة أو الاثنتين معًا على حساب الجودة.

من جهته، قام الباحث الألماني يورغن هابرماس (Jürgen Habermas) بتحليل العلاقة بين المجالين، الإعلامي والسياسي، من منظور آخر ربما يكون أكثر إيجابية وأقل حتمية في آن معًا، إلى أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية في مجتمعات ما بعد الحداثة في إعادة صياغة مفهوم المجال العام؛ إذ أسهمت هذه الوسائل بشكل كبير في محو الحدود بين المجالين، الخاص والعام، وظهور مجالات متعددة ومتوازية تتلاقى فيها خطابات الفاعلين المتناقضة من مختلف الخلفيات السياسية والثقافية والدينية والمجتمعية(7) بحيث يصبح معها المجال العام الراهن ساحة للصراعات بين السلطة وضد السلطة. ويقدِّم التاريخ الحديث للمجتمعات الغربية والعربية على وجه الخصوص أمثلة عديدة على تشرذم المجال العام وتفكُّكه وإعادة تشكيله تحت سيطرة وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية من أبرزها “ثورات الربيع العربي” التي اجتاحت المنطقة منذ أواخر العام 2010 في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والمغرب والجزائر.

لعبت هذه الوسائط بدون شك دورًا مركزيًّا في انطلاقة شرارة الحركات الاحتجاجية في المنطقة العربية وإعادة تشكيل المجال العام العربي(8)؛ حيث أتاحت الثورة الرقمية لفئات الشباب النقاشَ والتحاورَ حول الشؤون السياسية والاجتماعية والدينية، وفي بعض الحالات كسرَ بعض التابوهات وقيود الرقابة الحكومية وحاجز الخوف من السلطة وإحياء الأمل ببزوغ فجر جديد من الحريات والديمقراطية(9). في المقابل، حذَّر بعض المحللين والمهتمين بالشأن الإعلامي العربي من المغالاة في الدور المعطى لهذه الوسائط في الثورات العربية أو “الحتمية التكنولوجية”(10) التي تجسَّدت على سبيل المثال في الأسماء التي أطلقها البعض على هذه الثورات كـ”ثورة الفيسبوك” أو “ثورة التويتر”(11).

لقد أصبح الفضاء العام في المجتمعات العربية المعاصرة ساحة مفتوحة لمختلف أشكال الخطابات والتمثُّلات والمشاركات لاسيما مع تطور شبكات التواصل الاجتماعية في السنوات الأخيرة دون أن تتمكَّن هذه الأخيرة من أن تصبح أدوات فعلية للدَّمَقْرَطَة(12) كما أظهرت تجارب الربيع العربي وما بعدها. فبالرغم من ظهور أشكال من الديمقراطية التشاركية في بعض الحالات بقيت الأنظمة الاستبدادية والمتسلطة في حالات أخرى تتحكَّم في المجال العام ما أسهم في تراجع الحريات الإعلامية والفردية بشكل لافت، كما تُظهر تقارير المؤشرات التي تصدرها المنظمات الدولية، مثل فريدم هاوس، ومراسلون بلا حدود(13).

د- عينة الدراسة

ارتكزت الدراسة في قسمها الميداني على مجموعة من التقارير لمنظمات دولية ومحلية غير حكومية كمنظمة “مراسلون بلا حدود”، و”منتدى الصحفيين الأحرار في الجزائر”، و”شبكة راصدي حرية الإعلام بالمغرب” و”مرصد الحريات الصحفية في العراق” و”المرصد العربي لحرية الإعلام في مصر” التي وثَّقت للتعديات والتجاوزات والإجراءات القمعية التي تبنتها السلطات السياسية والحاكمة على المستويات المحلية والإقليمية والعربية خلال العام 2019. كما شملت العينة مجموعة من المقالات الصحفية لوسائل إعلامية ودوريات مستقلة تناولت حالات وقضايا الانتهاكات الإعلامية والصحفية. وتعرض هذه الدراسة النوعية من منظور مقارن لمختلف أشكال وآليات القمع ومستوياتها بالعلاقة مع السياقات والأوضاع في الحالات التي شملتها العينة.

  1. استراتيجيات السلطة وآلياتها ورهاناتها في التضييق على الممارسة الإعلامية

كشفت دراسة ظاهرة تراجع الحريات الإعلامية والصحفية في المجتمعات العربية عن مجموعة من الاستراتيجيات التقليدية والمستحدثة التي تبنَّتها السلطات الحاكمة وأدواتها في سعيها لتقويض الوسائل الإعلامية وتضييق الخناق على العاملين فيها. كما أظهرت أيضًا درجة اعتماد السلطات على هشاشة كل من المنظومتين الاجتماعية والإعلامية الجديدة على وجه الخصوص والتي تتسم بنوع من الانفلات الإعلامي بحيث يصبح “ضبط الإعلام والإعلاميين” مطلبًا عامًّا متفقًا عليه من قِبَل مختلف الأطراف السياسية والمدنية. في حين استخدمت آلياتٌ أخرى ترسانةً من القرارات الإدارية والقضائية والإجراءات الأمنية من إغلاق وإقالات واعتقالات وملاحقات تعسفية بهدف معلن يتلخص في “ضرورة تنظيم الإعلام الخارج عن القانون”، وهدف غير معلن يتجسَّد في تطويع الوسائل الإعلامية والعاملين فيها. أما بالنسبة للاستعانة بالقوى الأمنية والاستخبارات، فقد سُجِّلت زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة وخاصة ممارسة ضغوط مباشرة وصلت أحيانًا إلى حد التعذيب والاغتيال.

1.2. من الاعتقال التعسفي إلى التصفيات

يعتبر الاعتقال التعسفي بحق الصحفيين والصحفيات من أقدم الوسائل التي اعتمدت عليها الأنظمة المتسلطة والاستبدادية في التضييق على الممارسات المهنية لهؤلاء وأكثرها شيوعًا في العالم العربي. وغالبًا ما تترافق مثل هذه الإجراءات القمعية، التي تبلغ أعلى مستوياتها لاسيما في فترات الفوران الاجتماعي كالمظاهرات والإضرابات والاحتجاجات الشعبية، بعنف رمزي وجسدي خلال فترات الاستجواب والحجز.

سجَّلت الجزائر في الفترات الأخيرة، على إثر انطلاق موجة الاحتجاجات والمطالبات الشعبية بتغيير النظام الحاكم، في 22 فبراير/شباط 2019، حالات عديدة من التوقيفات التعسفية بحق أهل الصحافة. ففي 28 يونيو/حزيران 2019، ألقت الشرطة الجزائرية القبض على رئيس تحرير صحيفة “لو بروفنسيال” (Le Provincial) اليومية المحلية الناطقة باللغة الفرنسية، مصطفى بن جامع، أثناء تغطيته للتظاهرة الجزائرية الأسبوعية، المناهضة للنظام في عنابة شرق البلاد. وكان الصحفي ابن جامع قد أفاد لوسائل إعلامية ومؤسسات حقوقية بتعرضه “للصفع واللكم بالإضافة إلى التعنيف اللفظي من ذم وقدح من قبل عناصر الأمن الوطني خلال فترة احتجازه التي دامت ثماني ساعات”(14). أثارت التغطية الإعلامية للاحتجاجات الشعبية في الجزائر، ولاسيما لمظاهرات الجمعة، 22 شباط/فبراير 2019، التي اتسمت بالتعتيم على مجريات الأمور في الشارع الجزائري، جدلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحافة الإلكترونية المحلية (“الوطن” و”ليبرتي”) والعربية والدولية التي عرضت لمختلف الآليات التي تبنتها السلطة، ومن بينها قطع شبكة الإنترنت، والضغط على القنوات الإعلامية الخاصة، التي تأسَّست منذ العام 2012 بعد فتح مجال القطاع السمعي البصري أمام القطاع الخاص، لإجبارها على تجنب تغطية المسيرات وتحريف مطالب المحتجين.

كما أسهمت الحروب والنزاعات المسلحة وظهور الجماعات الجهادية العنيفة التي عرفتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة بشكل كبير في ارتفاع حوادث الاعتقال والتعذيب بين صفوف الصحفيين والإعلاميين. فمنذ اندلاع الثورة السورية، قامت السلطات الحاكمة بشن حملة ضد الصحفيين المعارضين للنظام بسبب تغطيتهم لمجريات الأحداث في البلاد وتعاملهم مع وسائل إعلام إقليمية ودولية. وقد سجلت البلاد حالات وفيات متعددة بين صفوف الصحفيين والناشطين في المجال الإعلامي ومن بينهم رائد فارس وحمود جنيد، اللذان قُتلا في العام 2018.

وأشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقرير لها تم نشره مؤخرًا، إلى مشاركة قوات النظام الحاكم بنسبة 90% من مجمل الانتهاكات التي تعرَّض لها الصحفيون السوريون منذ اندلاع الثورة في البلاد. كما يُوثِّق التقرير أيضًا مقتل ما لا يقل عن 689 عاملًا وناشطًا في الحقل الإعلامي و418 حالة خطف واعتقال واختفاء قسري منذ بداية الحراك الشعبي. كما يتطرَّق التقرير إلى تصاعد عمليات الاعتداء على العاملين والناشطين في الحقل الإعلامي من قِبَل التنظيمات الإسلامية المتطرفة والعنيفة، ومن بينها تنظيم “الدولة الإسلامية” وهيئة تحرير الشام التي استهدفت أيضًا الصحفيين الأجانب في المناطق الخاضعة لسيطرتها(15).

وبالرغم من تناقص عدد الصحفيين الذين تم قتلهم في سوريا المصنفة في الدرجة 174 في قائمة البلدان الـ180 التي شملها تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود”، والذي أشرنا إليه في بداية هذه الدراسة، إلا أنه بلد لا يزال يُشكِّل تهديدًا كبيرًا على الصحفيين كما هي الحال في العراق واليمن وليبيا، حيث تحتل هذه الأخيرة المركز 162 في القائمة المذكورة.

فمنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في فبراير/شباط 2019، يشهد العراق عودة لمسلسل اغتيال أهل الصحافة والإعلام في ظل جو عدائي شديد موجَّه ضد هؤلاء، لاسيما من قِبَل قوى سياسية ومؤسسات حكومية، بحسب مرصد الحريات الصحفية في العراق(16). فقد قامت السلطات العراقية باعتقال وتعذيب مجموعة من الصحفيين على خلفية المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية التي عرفتها البلاد، ومن بينهم الإعلامي ومقدم البرامج في “راديو ديموزي”، هادي المهدي، قبل أن يتعرض للاغتيال برصاصة في الرأس في منزله. وكان آخر ما كتبه الصحفي هادي المهدي على صفحته في فيسبوك قبل ساعة من مقتله أنه يعيش حالة من الرعب: “كفى…أعيش منذ ثلاثة أيام حالة رعب فهناك من يتصل ليحذرني من مداهمات واعتقالات للمتظاهرين وهناك من يقول ستفعل الحكومة كذا وكذا وهناك من يدخل متنكرًا ليهددني في الفيسبوك…”(17). واللافت في العراق، وغيرها من الدول العربية التي تقبع تحت سطوة النزاعات المسلحة لاسيما اليمن وليبيا وسوريا، أن جرائم الاعتقالات والاغتيالات بحق الصحفيين والإعلاميين لا تحظى بتحقيقات جادة ومفصلة، وغالبًا ما تسجَّل ضد مجهول. تجدر الإشارة إلى أن مسلسل الاغتيالات هذا قد انطلق مع بداية الغزو الأميركي للبلاد في العام 2003، حيث قُتِل أكثر من 259 صحفيًّا عراقيًّا وأجنبيًّا من العاملين في المجال الإعلامي، و146 صحفيًّا و53 فنيًّا ومساعدًا إعلاميًّا، واختطف 64 صحفيًّا ومساعدًا إعلاميًّا، قُتِل أغلبهم وما زالت مجموعة منهم في عداد المفقودين وفقًا لإحصائيات مرصد الحريات الصحفية الذي أكد مسؤولية كل من السلطة والقوات الأميركية والجماعات الجهادية العنيفة في مثل هذه العمليات.

غير أن اللجوء إلى الآلية الأمنية والاستخباراتية من قِبَل السلطة لتطويع أهل الصحافة والإعلام في المنطقة العربية قد ارتبط بشكل مباشر بازدياد سطوة الأنظمة الاستبدادية ذات الطابع الشمولي وتشديد قبضتها على وسائل الإعلام بشكل عام حتى خارج سياق الحروب والنزاعات المسلحة في الداخل. فقد أشار تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” لحالة المملكة العربية السعودية التي شغلت المركز 172 لتصبح “واحدة من أسوأ عشر دول في العالم للصحفيين”.

وكان لحادثة الاغتيال البشعة التي تعرَّض لها الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، أثر مباشر في تراجع المملكة لهذا المستوى المتدني في التصنيف وفي تسليط الضوء على التجاوزات والخروقات والجرائم التي تمارسها بعض السلطات الحاكمة الاستبدادية والسلطوية وأدواتها في المنطقة العربية. كما تُجَسِّد هذه الحادثة، لاسيما على مستوى التخطيط والتنفيذ، تحولًا جذريًّا في نهج القصاص والعقاب المتبع في حق الأصوات الإعلامية المعارضة.

لطالما أثارت كتابات جمال خاشقجي طوال مسيرته الإعلامية حفيظة السلطات الحاكمة وأدواتها في المملكة التي لم تتوان عن اتباع مختلف الأساليب المعهودة من المضايقات والانتهاكات الحقوقية والإنسانية بحقه في محاولة لإسكاته. ففي العام 2010، أرغمت هذه السلطات جمال خاشقجي على تقديم استقالته من صحيفة “الوطن” بعدما سلَّطت عليه التيار الديني المتشدد في البلاد على إثر انتقاده للفكر السلفي ودعواته المتكررة للتحديث والإصلاح قبل أن تمنعه نهائيًّا من الكتابة في صحيفة “الحياة” والتغريد على وسائط التواصل الاجتماعي في العام 2017؛ ما دفعه إلى مغادرة المملكة للولايات المتحدة، حيث استعاد نشاطه الإعلامي في صحيفة “واشنطن بوست” هذه المرة عبر سلسلة من المقالات النقدية التي سلَّطت الضوء على التجاوزات الحقوقية بحق الإعلاميين والناشطين الحقوقيين في المملكة ولسياسة ولي العهد، محمد بن سلمان: “إن ولي العهد ينقل البلاد من التطرف الديني إلى نسخته الخاصة من التطرف المبنية على: وجوب قبولكم إصلاحي بدون أي تشاور، مصحوبًا باعتقالات واختفاء منتقديه”(18).

ومن اللافت في السياق العربي الراهن، أن ظهور هذا النهج الجديد المرتكز على العنف المفرط في التعاطي مع الإعلاميين والصحفيين المستقلين والناشطين في المجال الحقوقي قد ارتبط بقدوم ما أُطلق عليه “الأنظمة الشابة”، لاسيما في الحالة السورية والسعودية. ومن المفارقة، أن هذه الأخيرة لم تتوان عن رفع شعارات التحديث والديمقراطية والحرية في محاولة لكسب الرأي العام على المستويات المحلية والإقليمية والدولية. واتسمت سياسة هذه الأنظمة بالكثير من الارتجالية والنرجسية السياسية (الملك، الأمير، الحاكم) مقابل القليل من الحنكة والخبرة السياسية. هذه هي حال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المعروف بمواقفه الارتجالية وتصريحاته الاستفزازية وقراراته الصارمة، خاصة بحق الأصوات المنتقدة والمعارضة لسياسته. وتعتبر حملة الاعتقالات الواسعة وغير المسبوقة في تاريخ البلاد بأمر من ولي العهد، والتي طالت مجموعة من الأمراء والسياسيين ورجال الدين والإعلاميين والناشطين الحقوقيين، أكبر دليل على هذه العقلية الجديدة في تسيير شؤون البلاد. وتندرج قضية “عملاء السفارات” ضمن هذه الحملة التي شنتها السلطات السعودية ضد معارضيها من الناشطين الحقوقيين. وحصدت هذه القضية ردود فعل واسعة، لاسيما من قِبَل الإعلاميين المعارضين، وعلى رأسهم جمال خاشقجي، الذي انتقد مناخ التحريض الذي تمارسه السلطة وأدواتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى وسم “عملاء السفارات” الذي أطلقته حسابات معروفة بقربها من السلطات الرسمية. وكان الوسم قد تصدَّر قائمة الأكثر تفاعلًا على موقع تويتر بعد انطلاقه بأيام.

2.2. سياسة “التخوين” و”التدعيش”

قامت السلطات السعودية، في مايو/أيار 2018، باعتقال سبعة من الناشطين الحقوقيين، ومن بينهم ثلاث نساء، وهن: لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النفحان، بتهم تتعلق بـ”عمل منظَّم للتجاوز على الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية في ما يدعم أنشطتهم، وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج بهدف النيل من أمن المملكة واستقرارها وسلمها الاجتماعي والمساس باللُّحمة الوطنية …”. واللافت في هذه القضية أمران، الأول: يتعلق بخطاب “التخوين والعمالة” الذي تبنَّته السلطة في محاولة لتبرير وشَرْعَنَة مثل هذه التجاوزات بحق الحقوقيين والمعارضين بشكل عام. أما الثاني: فيتعلق بسياسة الحشد الشعبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حملات التشهير، ومن بينها وسم “عملاء السفارات” على موقع تويتر والتقرير المصور على منصة “قطريليكس”(19)، وفي الصحافة المكتوبة والإلكترونية حيث عَنْوَنَت صحيفة “الجزيرة” السعودية “الوطن يلفظ الخونة” قبل التحقق من التهم أو صدور حكم قضائي(20).

لم تقتصر سياسة التخوين، التي تبنَّتها السلطات الحاكمة، على منطقة الخليج بل تعدَّتها لتطول دولًا أخرى في الشرق الأوسط ومن بينها لبنان الذي يواجه أيضًا أزمة تدهور الحريات الإعلامية والصحفية. فقد عرف المشهد الإعلامي اللبناني في السنوات الأخيرة ازديادًا ملحوظًا في اللجوء إلى خطاب التخوين في محاولة لإسكات الأصوات المعارضة بين الأوساط الصحفية والإعلامية. ومن آخر حملات “التخوين” بحق الإعلاميين والصحفيين، نذكر تلك التي تعرضت لها الصحفية والإعلامية والناشطة الحقوقية والنسوية، ديانا مقلد، والإعلامية في قناة “المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشيونال” (LBCI)، ديما صادق، ومقدم برنامج “دي.إن.إيه” على قناة “العربية” الإعلامي، نديم قطيش، على وسائط التواصل الاجتماعي عبر وسم #ابواق_الصهيونية و‫#أبواق_الصهاينة على إثر إعادة نشر كاريكاتير للمرجع الشيعي، الإمام الخامنئي، جرى نشره في مجلة “كورييه إنترناسيونال” الفرنسية على صفحاتهم في تويتر. علمًا بأن هذا الأخير تمت إزالته من صفحات المجلة من قِبَل الرقابة اللبنانية. وتجري ملاحقة هذين الأخيرين بالإضافة إلى الصحفي في قناة “الحرة”، عمر حرقوص، والمصور الصحفي الحر، وائل اللادقي، في شكوى “مثيري النعرات الطائفية” التي تقدَّم بها الشاعر المقرب من التيار الشيعي، فادي حدرج. وتُجَسِّد الحالة اللبنانية آلية تنفيذ العقاب بحق الإعلاميين “المزعجين” بطريقة غير مباشرة من قِبَل أذرع السلطة في ظل ضعف هذه الأخيرة أو عجزها عن إتمام المهمة.

أما في المغرب العربي، فقد أخذت آلية “التخوين” و”العمالة” شكلًا جديدًا بحيث جرى إدراجها ضمن سياسة “مكافحة الإرهاب”. وتمثِّل قضية الصحفي المغربي، علي أنوزلا، مُؤَسِّس موقع “لكم. كوم” الإلكتروني الذي اعتُقل بتهمة “الترويج للإرهاب”، في العام 2014، هذا النهج الجديد الذي تبنَّته السلطة للتحكُّم في مجالات الحريات وشَرْعَنَة قمعها بمختلف الوسائل والطرق. لذلك، يمكن اعتبار اعتقال علي أنوزلا وغيره من أصحاب الكلمة الحرة تجسيدًا لثقافة الخوف والانتقام للسلطة وأبواقها من وسائل الإعلام التحريضية والدعائية لتعزيز ثقافة الصمت وكتم الأفواه.

ولعل الحالة المغربية تعبِّر بشكل واضح عن ازدواجية السلطة التي تُظْهِر الكثير من نوايا الإصلاح في الخطاب الرسمي، خاصة في الشِّقِّ الموجه منه إلى الاستهلاك الخارجي. في المقابل، تغلب سيطرة الهاجس الأمني على أرض الواقع، والذي تُرجم من خلال المتابعات ضد الصحفيين، واعتقال الناشطين، والتضييق على الحريات، ومنع التظاهرات، وحظر الأنشطة، والحرمان من الحق في التنظيم وسواها من الإكراهات والتجاوزات(21).

كما لاحقت تهمةُ “الخيانة” و”العمالة”، وتبعاتها من اعتقالات واغتيالات، أهلَ الإعلام والصحافة على وجه الخصوص، لاسيما في المناطق التي وقعت تحت سيطرة الجماعات الجهادية المتطرفة العنيفة والميليشيات المسلحة. فقد شهدت السنوات الأخيرة طوفان مجموعة من التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “الدولة الإسلامية”، وانتشار سطوتها في المنطقة والعالم.

ومارس هذا التنظيم أبشع الجرائم بحق الصحفيين والإعلاميين بين تهديد وخطف وتعذيب واغتيال ليس فقط في المناطق الواقعة تحت سيطرته وإنما في العالم أجمع(22)، ولم يتوان عن اللجوء إلى الدعاية ونظرية المؤامرة في حملاته الإعلامية ونشر خطاب الكراهية ضد هؤلاء، لاسيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما أصدر التنظيم بيانات وفتاوى، تم نشرها بشكل واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دعا فيها لتصفية هؤلاء ومصادرة جميع أملاكهم بتهمة “التضليل” و”الخيانة” لما أُطلق عليه اسم “الدولة الإسلامية”. فلم يلبث أن تم إعلان “الخلافة”، في 29 يونيو/حزيران 2014، من مدينة الموصل، حتى قام التنظيم باستهداف الصحفيين والمراسلين والإعلاميين العراقيين في الموصل وإعدام العشرات منهم بتهمة “الخيانة والتجسس”، من بينهم رعد محمد العزاوي الذي كان يعمل مصورًا في قناة “سما صلاح الدين” ومراسل قناة “سما الموصل”، قيس طلال، رميًا بالرصاص وسط المدينة والصحفي، ثائر العلي، والكاتب والصحفي، فاضل الحديدي، والإعلامي، مهند العكيدي، ومقدمة البرامج في قناة “الموصلية” الفضائية، ميسلون الجواري، وغيرهم(23).

أما في اليمن، فقد جرى تسجيل مجموعة من حالات الاعتقال والتعذيب والقتل بحق الصحفيين وعائلاتهم من قِبَل جماعة الحوثي، لاسيما مع ازدياد حدة الصراع والتوتر في البلاد. ومن آخرها قضية الصحفي، يحيى السواري، الذي تعرض للتوقيف لمدة 56 يومًا في سجون غير قانونية بمديرية الغيضة عاصمة محافظة المهرة بأوامر من السلطات الحاكمة ويروي الصحفي تفاصيل اعتقاله في منشور على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، بتاريخ 27 أغسطس/آب 2019: “طوال فترة الاعتقال لم أكن أدري أين أنا، تم نقلي لأكثر من سجن معصوب العينين ويداي مقيدة إلى ظهري. في التحقيق تعرضت لتعذيب نفسي وجسدي شديد وصل لحد الصعق بالكهرباء والتهديد بقتل أخي الصغير… كان التحقيق كله يحاول إيجاد علاقة لي بضباط إيرانيين أو قطريين أو عُمَانيين أو شخصيات من حزب الله لتفسير نشاطي الإعلامي في المهرة…”(24). كما تناول أيضًا حيثيات توقيف أخيه من قبل الجهات نفسها.

ويقبع عشرات الصحفيين في زنازين ميليشيات الحوثي منذ انقلابها على الدولة؛ حيث أقدمت على إغلاق جميع الصحف والقنوات المناوئة لها، ما اضطر العديد من الصحفيين للهروب خارج البلاد خوفًا من الملاحقات. كما سجلت في بداية العام 2019 حالة وفاة الصحفي، أنور الراكان، بسبب الأمراض الناجمة عن سوء المعاملة التي تعرَّض لها خلال فترة اعتقاله التي دامت حوالي السنة من قِبَل جماعة الحوثي.

3.2. العراقيل القانونية والملاحقات القضائية وسياسة كتم الأفواه

لطالما استندت السلطات الحاكمة في المنطقة العربية على الملاحقات القانونية والقضائية بحق “المزعجين” من أهل الإعلام والصحافة، إلا أن السنوات التي تلت انطلاق الاحتجاجات في الشارع العربي في أواخر العام 2010 أو ثورات الربيع العربي شهدت تزايدًا ملحوظًا في اللجوء إلى هذه الآلية.

انطلقت سلسلة التوقيفات والملاحقات القانونية التي استهدفت الصحفيين والناشطين المغاربة بوتيرة متصاعدة منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في البلاد عام 2011، والتي كانت تؤطرها حركة 20 فبراير/شباط. ولم تقتصر هذه الإجراءات التعسفية على جماعة الصحفيين المحليين بل طالت أيضًا المراسلين والصحفيين الأجانب بالإضافة إلى عدد من الناشطين الحقوقيين ما يؤكد عزم السلطة على المضي في حكم البلاد بقبضة من حديد، ضاربة بعرض الحائط الحريات والحقوق الإعلامية والفردية، بحسب ما جاء في التقرير الأخير لمرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان. ويعرض التقرير ثلاث آليات تبنَّتها السلطة لهذه الغاية، وهي: أولًا: الحرمان من التسجيل القانوني لمزاولة العمل، وثانيًا: عرقلة البرامج والمشاريع الميدانية بحجة البيروقراطية، وثالثًا: عرقلة الحصول على التمويل(25). وتعكس مثل هذه السياسات وجود حساسية مفرطة للنظام تجاه كافة أشكال النقد في محاولة يائسة للترويج لصورة مثالية لمجتمع حداثي وديمقراطي وليبرالي لاسيما أمام الغرب.

وتتميز حالات القمع الممارس على الصحفيين في الحالة المغربية عن مثيلاتها في الدول الأخرى باستنادها إلى القانون الجزائي والالتفاف على قانون الصحافة في تعرضها لأهل الصحافة والإعلام. وطبقًا لهذا المنطق، فإن الملاحقات القانونية التي تطول الصحفيين المستقلين لا تتعلق شكلًا بمهنة الصحافة وإنما بـ”مخالفات قانونية” مُفَبْرَكَة ومُقَوْلَبَة بحسب مستوى الإزعاج الملحق بالسُّلطة. وعلى ما يبدو، فإن السلطة الأمنية المغربية لا تتوانى عن اللجوء إلى المنظومة التشريعية عندما يتعلق الأمر بإسكات أهل الصحافة(26).

هذا ما حدث في مسلسل التوقيفات والتحرشات القضائية التي طالت مسؤولين وصحفيين في “الجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية”، من بينهم المعطي منجب وستة آخرون، وهم: هشام منصوري وهشام الميرات ومحمد الصبر وعبد الصمد آيت عايشة ورشيد طارق ومرية مكريم، منذ العام 2014، بتهمة “المساس بالأمن القومي” و”تلقي تمويل أجنبي بدون تصريح”(27). وتسعى السلطات من وراء هذه التحرشات القضائية إلى سياسة كتم الأفواه لكل من تسول له نفسه انتقاد السلطة والتسبب بإزعاجها. ولا تخلو هذه الآلية من رغبة واضحة وصريحة في النيل من كرامة الإعلاميين المستقلين والنيل من صحتهم النفسية والجسدية من خلال المماطلة في محاكمتهم، وهو ما يطرح مسألة أخرى في ظل الأنظمة المتسلطة التي لا تتوانى في بعض الحالات عن المساس باستقلالية القضاء وتطويعه في سبيل خدمة أهدافها السياسية.

أما بالنسبة للجزائر، فلا تختلف الأوضاع كثيرًا عن مثيلاتها في المغرب؛ حيث قامت قوات الأمن في نهاية العام 2015 بإغلاق قناة “الوطن” الخاصة وحجز أجهزتها بأمر من وزير الاتصال، وذلك على خلفية بث برنامج تضمَّن انتقادات وتهديدات لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة. وجاءت هذه الحادثة في غياب صدور حكم قضائي بهذا الخصوص.

 كما تتجسد جدلية العلاقة بين الإعلام الخاص والسلطة الحاكمة في استخدام هذه الأخيرة للجزاءات المادية لتطويع المؤسسات الإعلامية المستقلة. وقد سجلت الجزائر في السنوات الأخيرة عددًا مرتفعًا من الخروقات الإعلامية التي لم تكتف بخنق المؤسسات الإعلامية ماليًّا بل لعبت أيضًا على الهشاشة الاجتماعية للصحفيين والإعلاميين في سبيل النيل من الحريات الصحفية. وتعتبر الأزمة التي يعيشها مجمع “الوقت الجديد” الإعلامي، التابع لرجل الأعمال، علي حداد، شاهدًا على آلية السلطة الحاكمة في اللعب على الهشاشة الاجتماعية للصحفيين والإعلاميين في سبيل خنق أصواتهم. لم ينفك المهنيون العاملون في مختلف المؤسسات الإعلامية التابعة للمجمع الذي يضم قناتي “دزاير تي في”، و”دزاير نيوز”، وجريدتي “وقت الجزائر” و”لو تون دالجيري”، عن التظاهر والاحتجاج للمطالبة بدفع مستحقاتهم المالية ووضع حدٍّ لسياسة إنهاء عقود العمل التي تطول ما يقارب مئتي عامل في المجمع منذ اعتقال المسؤول عنه بتهمة “الفساد”. لم يعمل الحراك، الذي جذب مجموعة من المتضامنين من أهل المهنة وسواهم، على تليين موقف السلطات التي آثرت الإمعان في سياسة الابتزاز وإهدار الحقوق والوقوف موقف المتفرج بدل إطلاق أي مبادرة من شأنها أن تفضي إلى الانفتاح الإعلامي. إن تصريح وزير الإعلام الجزائري، حسن رابحي، حول هذا الملف والقاضي بأن “الصحافة بوصفها صحافة حرة هي حرة في تسييرها، وإذا فشلت في تسيير شؤونها، فعليها تدارك هذا الوضع وحل مشاكلها” يجسِّد شكلًا ومضمونًا سياسة خنق المؤسسات الصحفية ماليًّا(28).

4.2. تشويه الإعلام الحر عبر الجزاءات الأخلاقية

تنوعت الآليات والاستراتيجيات التي لجأت إليها السلطات الحاكمة في العالم العربي لاستباحة الحريات الإعلامية والفردية للصحفيين لتشمل حملات تشويه السمعة وصولًا إلى “الجزاءات الأخلاقية” بهدف النيْل من سمعتهم ومصداقيتهم لدى الجماهير. وسجَّل المغرب أحدث مسلسلات حملات التشويه والجزاءات الأخلاقية في قضية الصحفية، هاجر الريسوني، التي أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية المحلية والعربية والدولية(29).

وقامت السلطات المغربية في الأول من شهر سبتمبر/أيلول 2019 بتوقيف الصحفية في الدورية الإلكترونية “أخبار اليوم”، هاجر الريسوني، بتهمة “الإجهاض” ما أثار حملة استنكار واسعة بين صفوف الصحفيين والحقوقيين وعلى شبكات التواصل الاجتماعي على المستويات المحلية والدولية ندَّدت بـ”التشهير” بالصحفية. وطالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بـ”الإفراج الفوري” عن الريسوني والملاحَقين معها (ومن بينهم خطيبها)، مندِّدة بما اعتبرته “تدهورًا خطيرًا للحقوق والحريات” في البلاد(30). وبالرغم من أن القانون المغربي يعاقب الإجهاض إلا أن الملاحقات القانونية بحق المخالفات والمخالفين لا تزال نادرة بحسب الإحصائيات في البلاد الصادرة عن المنظمات الأهلية غير الحكومية المتخصصة بهذا الشأن.

إن استهداف هاجر الريسوني في مثل هذه القضية يندرج ضمن المناخ العام من التضييق على الحريات الصحفية والعامة في المغرب وبالتالي لا يمكن فصله عن الدور الذي لعبته الصحفية في نقد الحكومة من خلال التحقيقات والمقالات التي نشرتها حول مواضيع وملفات ساخنة من بينها “حراك الريف” وأزمة التعليم(31). ويبدو أن خطاب النقد الذي تبنته الريسوني في مقالاتها الأخيرة (ومن بينها “ملفات اجتماعية حارقة على طاولة العثماني…دخول سياسي ساخن ينتظر الحكومة”، و”أزمة الأساتذة المتعاقدين” و”ملف الطلبة الأطباء” و”أزمة المكفوفين حاملي الشهادات”) قد أثارت حفيظة السلطة ضدها. بالإضافة الى ذلك، قامت هاجر الريسوني عبر سلسلة من التحقيقات بتسليط الضوء على قضية معتقلي ما سُمي بـ”حراك الريف”، والتي شكَّلت على ما يبدو القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة مع السلطة.

وتنتمي هاجر الريسوني الى عائلة معروفة في المغرب، فهي ابنة شقيق أحمد الريسوني، من أعلام التيار الإسلامي في المغرب وأحد قادة حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي للعدالة والتنمية والعضو المؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المعروف بانتقاداته اللاذعة للنظام الحاكم، ما يعزِّز فرضية “المؤامرة السياسية” التي تداولها مقرَّبون ومناصرون للريسوني. وفي هذا السياق، فإن اعتقال هاجر الريسوني يمكن اعتباره ليس فقط انتقامًا من الخط التحريري للجريدة بل أيضًا بمنزلة تصفية حساب مع المعارضة السياسية. كل ذلك، جعل من الريسوني موضوعًا دسمًا لحملات التشهير و”السب والقدح” من طرف الأبواق الإعلامية الموالية للسلطة الساعية من جهة إلى تأكيد ولائها وجذب الفضوليين من الجماهير من جهة ثانية. وكانت قضية هاجر الريسوني قد خرجت للرأي العام عن طريق قناة “شوف تي في” الإلكترونية، بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول 2019، في مقال عنونته “اعتقال صحافية أخبار اليوم هاجر الريسوني والقضية فيها الإجهاض والعلاقة الجنسية”(32). ودفع الخطاب المستخدم في المقال إلى الواجهة أيضًا عمل الصحفية في مجلة أخبار اليوم وصلة القرابة مع أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

تجدر الإشارة الى أن مدير تحرير الجريدة التي تعمل بها هاجر الريسوني، توفيق بوعشرين، حُكم عليه بالسجن لمدة 12 عامًا، لإدانته بتهم تتعلق بجرائم جنسية والاتجار بالبشر.

كما يبرز أيضًا في ملف التشهير و”الجزاءات الأخلاقية” في المغرب الذي استهدف مجموعة واسعة من السياسيين المعارضين والناشطين الحقوقيين بالإضافة إلى الصحفيين، من بينهم صحفيو الجمعية المغربية للصحافة الاستقصائية على وجه الخصوص، ملف هشام منصوري الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عشرة أشهر بتهمة الزنا، في مايو/أيار من العام 2014، في محاولة لإسكاته وتشويه صورة الصحافة المعارضة بشكل عام. وهنا أيضًا، لعبت الصحافة الإلكترونية المقربة من السلطة دورها في المساهمة في حملة التشهير و”التبرير” للرواية الحكومية عندما نشرت صورة عن القرار الصادر عن وزارة التربية الوطنية حول موضوع عزل الصحفي الذي كان يعمل مستشارًا في التوجيه التربوي بذريعة “انقطاعه عن العمل دون مبرر”(33).

وفي مقال آخر نشره موقع الأيام 24 بعد فترة وجيزة من توقيف الصحفي بعنوان “ولاية الرباط تعلن عن سبب اعتقال الناشط هشام منصوري” شدَّد على الصفة القانونية وشرعية الإجراءات من خلال سردية استندت على التكرار المفرط في النص الذي لم يتجاوز الصفحة: “أعلنت ولاية الرباط عن كون سبب الاعتقال تم طبقًا للمقتضيات القانونية، موضحة أن ذلك تم بتهمة الخيانة الزوجية وإعداد منزل للدعارة”، “وأوضحت ولاية الأمن بالرباط، أن توقيف هشام منصوري وشريكته في فعل الخيانة الزوجية وإعداد منزل للدعارة تم في احترام تام للمقتضيات القانونية المنظِّمة لتفتيش المنازل، وبعد إطلاع المشتبه فيهما على جميع الحقوق والضمانات المقررة قانونًا”(34).

إن آلية التشهير التي تبنَّتها السلطات المغربية في السنوات الأخيرة، والتي شكَّلت مادة دسمة للصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي بين مندِّدين بمثل هذه الأساليب الملتوية لإسكات الأصوات الصاعدة ومباركين لها، لاسيما من قبل أبواق المقربين من النظام الحاكم، لم تقتصر فقط على الصحفيين والحقوقيين بل طالت أيضًا فاعلين في الأحزاب السياسية مثل حزب العدالة والتنمية، وجماعة العدل والإحسان، بهدف إسكات صوت المعارضة. كما كشفت دراسة العلاقة بين الإعلام والسلطة الحاكمة في الحالة المغربية مدى انتشار هذه الآلية الجديدة لقمع الحريات الإعلامية والصحفية في البلاد التي لا تتعرض بشكل مباشر لممارسة المهنة الصحفية وإنما تستند إلى حملات تشويه سمعة هؤلاء من خلال اتهامات في مجال الحق العام للطعن في مصداقيتهم لدى الرأي العام. بالإضافة إلى ذلك، لجأت هذه السلطات، في سبيل تحقيق أهدافها لقمع الحريات الصحفية بشكل واسع، إلى آلية التجسس والقرصنة والتعدي على الحياة الشخصية للصحفيين. كما تسعى السلطات من وراء هذه الأساليب الملتوية إلى نشر صورة “مثالية” عن الممارسة الديمقراطية في البلاد إلى الرأي العام الدولي(35).

5.2. سياسة الحجب للتحكم في المجالات العامة الافتراضية  

من الآليات التي لجأت إليها الأنظمة التسلطية للتحكم في المجالات العامة الافتراضية نشير إلى سياسة الحجب التعسفية التي تبنَّتها السلطات المصرية بشكل واسع، لاسيما في السنوات الأخيرة، واستهدفت من خلالها المواقع الإلكترونية الإخبارية على وجه الخصوص قبل أن تشمل عددًا كبيرًا من مواقع الإنترنت التي تقدم محتوى وخدمات مختلفة وتوفر للمستخدمين ساحة للنقاشات العامة حول مختلف القضايا في البلاد. فقد وصل عدد المواقع التي تعرضت للحجب في العام 2017 إلى 513 موقعًا، بحسب التقرير الذي أصدرته مؤسسة “حرية الفكر والتعبير”(36). كما يعرض التقرير لآليات وتقنيات وسياقات الحجب التي تبنَّتها السلطات المصرية تجاه مجموعة من المواقع، من بينها موقع “هيومن رايتس ووتش “، في 5 سبتمبر/أيلول 2018، على إثر نشر تقرير بعنوان “هنا نفعل أشياء لا تصدق” عن التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي. ويستند التقرير المذكور إلى مقابلات مع عدد من المحتجزين السابقين وعائلاتهم ممن تعرضوا للتعذيب، ويبيِّن كيف يستخدم عناصر وضباط الشرطة والأمن الوطني التعذيب بانتظام أثناء تحقيقاتهم لإجبار المعارضين المشتبه بهم على الاعتراف أو الكشف عن معلومات لمعاقبتهم. بعد أيام قليلة من حجب الموقع أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات بيانًا ترد فيه على التقرير وتصفه بـ”المنحاز” وأنه اعتمد على “الرواية الإخوانية للأحداث”.

وليس من المستغرب لجوء السلطات المصرية لمثل هذه الحجج في سياستها الدفاعية التي تقوم على التضليل وتحوير الأحداث للطعن في مصداقيتها، خاصة بعد إصدار القضاء المصري حكمًا بحظر جماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية وبالتالي مصادرة وإدارة أموالها. وأعقب صدور الحكم حظر نشاط 16 موقعًا إلكترونيًّا و16 قناة.

توالت بعد ذلك حالات حجب المواقع الإخبارية المصرية بالتركيز على الحقوقية منها كموقع “حقوق إنسان” و”الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” و”المفوضية المصرية للحقوق والحريات” و”المرصد العربي لحرية الإعلام” و”صحفيون ضد التعذيب” وغيرها من المواقع. ثم توسعت موجة الحجب لتطول أيضًا المواقع العربية.

وتندرج مثل هذه الإجراءات التعسفية ضد الصحافة الإلكترونية ضمن سياسة عامة تبناها النظام المصري منذ عقود في سبيل إطباق السيطرة على مجال الصحافة لدعم نفوذه السياسي والأيديولوجي والترويج لأفكاره ومواقفه، والتأثير في القرارات التي تخدم سياسته في الحكم(37). وتجدر الإشارة إلى أن مصر قد احتلت المرتبة 163 (من أصل 180 بلدًا) في جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة لمنظمة “مراسلون بلا حدود” الذي أشرنا إليه في بداية هذه الدراسة.

  1. المبادرات الإعلامية في وجه الانتهاكات

عرفت الساحة العربية في السنوات الأخيرة مجموعة من المبادرات الفردية والجماعية التي أطلقها صحفيون وإعلاميون في وجه الانتهاكات العديدة التي تطول حريات الإعلام والصحافة في العالم العربي. اتخذت هذه المبادرات أشكالًا عديدة من بينها العصيان والمنتديات والمراصد والتجمعات بهدف التنديد بهذه الممارسات ورصدها وتوثيقها وتقديم الدعم اللازم للمتضررين. وتعبِّر هذه المبادرات على اختلافها عن ديناميكية وحيوية الحقل الإعلامي العربي الذي يعيش منذ تسعينات القرن الماضي جملة من التحولات على مختلف المستويات من جهة، ومدى مقاومة وولاء بعض الإعلاميين وتشبثهم بالمهنية الإعلامية ومراعاتهم لأخلاقياتها بالرغم من الصعوبات المختلفة التي تعرقل مسيرتهم من جهة ثانية. وفيما يلي عرض مختصر لبعض هذه المبادرات التي لا تنفك عن التطور والازدهار في عالمنا العربي:

1.3. العصيان الإعلامي  

أطلق مجموعة من الصحفيين بالتزامن مع بدء الحراك الشعبي في الجزائر “منتدى الصحفيين الأحرار” لمتابعة مجريات التطورات في الحقل الصحفي والإعلامي ورصد القيود والضغوط والتهديدات التي يعيشها الصحفيون والصحافة والإعلام بشكل عام. وصدر عن المنتدى في بداية انطلاقته مجموعة من البيانات والتقارير التي تناولت بشكل واسع تفاقم ظاهرة الانتهاكات التي تواجهها وسائل الإعلام في الجزائر من قِبَل النظام الحاكم على إثر انطلاق الاحتجاجات في البلاد(38).

كما شهدت الجزائر نوعًا من العصيان الإعلامي لمجموعة من مهنيي التليفزيون العمومي للتنديد بتدخل السلطات لصالح التعتيم الإعلامي على الحراك والمسِّ بشرعيته بالرغم من تعرُّضهم للعقوبات الإدارية وغيرها من أساليب الاستفزاز والشحن النفسي التي أشارت إليها الباحثة آنفًا بهدف تشويه سمعتهم والطعن في مصداقيتهم أمام الرأي العام. توالت بعد ذلك، حالات العصيان الإعلامي في البلاد لتطول مجموعة من الصحفيين والمهنيين العاملين في الإذاعة الرسمية للتأكيد على حقهم في التغطية المهنية المستقلة للحراك الشعبي. بالإضافة إلى ذلك، تناولت وسائل الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع ظاهرة الاستقالات الفردية والجماعية لإعلاميين وصحفيين في المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة للتعبير عن رفضهم لكافة أشكال تقويض الحريات الإعلامية من قِبَل السلطات، ومن بين هؤلاء نشير إلى مدير الأخبار في قناة “البلاد تي في” ورئيس تحرير جريدتها وموقعها الإلكتروني، ورئيسة تحرير القناة الإذاعية الوطنية الثالثة، الناطقة باللغة الفرنسية، الصحفية مريم عبدو، والصحفي بقناة “الشروق تي في”، قادة بن عمار، وغيرهم.

2.3. صمود واستمرار وانفتاح عبر الإعلام المستقل

فتح الإعلام الجديد، لاسيما عبر المواقع الإخبارية المستقلة التي عرفت رواجًا في السنوات الأخيرة، فرصًا جديدة أمام الإعلاميين والصحفيين المضطهدين في بلادهم والمدافعين عن حرية الإعلام والصحافة لتصبح هذه الأخيرة أداة فعالة في وجه آليات واستراتيجيات التضييق التي وضعتها الأنظمة التسلطية والاستبدادية. في المقابل، وجد هؤلاء في هذه المواقع متنفسًا ووسيلة ناجعة للصمود والاستمرار في ممارسة المهنة بشكل يتوافق مع الأخلاقيات والمواثيق الدولية. ونشير في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر إلى تجربة الصحفي، علي أنوزلا، الذي اتُّهم بـ”الترويج للإرهاب” وعانى من الحجب لموقع “لكم. كوم” من قِبَل السلطات المغربية، كما أشرنا سابقًا، قبل أن يعيد إطلاقه باسم جديد “لكم2.كوم” بعد أقل من عامين. كما تُجَسِّد هذه الحالة قدرة بعض الصحفيين والإعلاميين في العالم العربي على الاستمرارية والتجديد والإصرار على مزاولة واحترام أخلاقيات المهنة عبر الاستفادة من الفرص التي يوفرها الإعلام الجديد اليوم لاسيما عبر المواقع الإخبارية المستقلة التي انتشرت في الساحة الإعلامية العربية.

3.3. برامج الرصد ضد الانتهاكات

انطلقت من المغرب في السنوات الأخيرة مجموعة من المبادرات الجماعية ضد ارتفاع وتيرة الانتهاكات الإعلامية التي تعيشها البلاد في السنوات الأخيرة، ومن بينها “شبكة راصدي حرية الإعلام بالمغرب” من قِبَل مجموعة من الإعلاميين والناشطين الحقوقيين، وتتمثَّل مهمتها الأساسية في “تجميع أكبر عدد من أخبار الانتهاكات والخروقات والاعتداءات والتضييقات على الصحفيين ومن هم في حكمهم، وعلى مستعملي الإنترنت، كما تتلقى الشكاوى والتبليغات عنها، وتتيح للراصدين ولعموم المهتمين إنجاز استمارات وبطاقات بشأنها والتعريف بالحالات، سواء تعلقت باعتداء أو انتهاك أو خرق أو تهديد… لفضحها ونشر المعلومات المتوفرة حولها بعد التحقق من صحتها. كما تقوم شبكة راصدي حرية الإعلام بتقديم إحصائيات عن الانتهاكات، تهم نوعيتها والمسؤول عنها والضحايا والمستهدفين وغيرها من التصنيفات. ومن ثمة تنجز الشبكة، انطلاقًا مما سبق، تقارير رصدية لحرية الإعلام بالمغرب”(39). كما يهتم المرصد بكافة أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات الصحفية خارج الحدود الجغرافية للمملكة على المستويين الإقليمي والدولي.

ولاقت مثل هذه المبادرات رواجًا في الدول العربية في الآونة الأخيرة، بحيث ارتفع عدد المراصد الإعلامية في المنطقة بشكل لافت. أما في العراق، فقد قامت مجموعة من الصحفيين والإعلاميين بمبادرة “مرصد الحريات الصحفية” الذي يهتم برصد الانتهاكات والخروقات التي تطول أهل المهنة وتقديم الدعم القانوني اللازم من أجل ملاحقة المخالفين أمام المحاكم المختصة(40). وفي مصر، يتابع “المرصد العربي لحرية الإعلام” عمله في توثيق الانتهاكات التي تطول أهل الإعلام والصحافة في البلاد في شكل تقارير شهرية وفصلية وسنوية مفصلة(41).

خلاصة

أشار الإعلامي ومؤسِّس ومدير “مركز حماية وحرية الصحفيين”، وهو مؤسسة مجتمع مدني عربية تُعنى بالدفاع عن الإعلام وتطوير احترافه المهني، عقب تعليقه على نتائج التقرير الأخير لمنظمة “مراسلون بلا حدود” حول حرية الصحافة، قائلًا: “إن مساحة الحرية الإعلامية تواجه حُكَّامًا تضيق صدورهم بالانتقادات، وقد ساهم الإعلام الرقمي في تعقيد المشهد أكثر؛ ذلك أن قدرة احتكار السلطة السياسية للإعلام تزيد مقابل انتهاك حرية الإعلام”(42). كما أوضح أن الإعلام الرقمي قد أفرز اتجاهين، الأول: يتمثَّل في توسيع مساحة انتقادات الجمهور وتوسيع وصولها، والثاني: يتمثَّل في تسريع غضب السلطة السياسية، ما أدى إلى تنامي خطاب الكراهية من قِبَل السلطة. ويمكن للتصريحات المعادية لوسائل الإعلام، ولاسيما عندما تستغلها شخصيات سياسية وتُضخِّمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن تطرح إشكاليات فعلية. ومؤخرًا، أعرب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقه إزاء الحالات التي يعمد فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون و/أو سلطات حكومية إلى تشويه صورة وسائط الإعلام أو ترهيبها أو تهديدها، مما يزيد من تعرُّض الصحفيين للتهديد والعنف، ويقوض ثقة الجمهور في مصداقية الصحافة.

في ظل مناخ المدِّ والجزر بين كل من مؤسسات وأهل الإعلام الجديد ومستخدميه والسلطة يبدو المشهد الإعلامي العربي رهينة العشوائية والانفلات والتناقضات التي تميِّز العصر الرقمي؛ ما يجعل المجال العام العربي ساحة للصراعات والاحتدامات والنزاعات المستمرة بين مناصرين للسلطة ومعادين لها وغياب شبه تام للمواطن العادي الذي سئم من هذه الأجواء المشحونة وفقد الأمل والثقة في إمكانية إيجاد مخرج للأزمات. لذلك، يصعب استشراف الحالة الإعلامية في العقود المقبلة خاصة في ظل تشبث السلطة بمفهومها الأحادي لدور الإعلام في التنمية الديمقراطية والمشاركة السياسية لكافة المواطنين. إن جهود السلطة اليوم في المنطقة العربية تنصبُّ بشكل رئيسي في تقوية الجانب السلبي للإعلام الجديد عبر المساهمة في إنتاج ونشر خطاب الكراهية وتدعيم نظريات المؤامرة والدعاية والتضليل المعلوماتي على حساب التعددية والمشاركة السياسية والانفتاح الديمقراطي.

المراجع

(1) أحمد قران الزهراني، السلطة السياسية والإعلام في الوطن العربي، )بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2015)، ص 281.

(2) باسم الطويسي، “الصحافة الإلكترونية في العالم العربي: سياقات النشأة وتحديات التطور”، مركز الجزيرة للدراسات، 11 فبراير/شباط 2019، (تاريخ الدخول: 8 أغسطس/آب 2019)، https://bit.ly/333Yjqj.

(3) تستند نظريات المؤامرة إلى مزاعم وقوف قوى خفية وشريرة لتفسير الأحداث والوقائع من خلال أسلوب سردي يقوم على التبسيط والتسطيح. ولا تخص هذه النظريات مجالًا بذاته بل تخترق كل المجالات السياسية والاجتماعية والدينية والعلمية، ومن أبرزها فكرة الكائنات الفضائية التي تتحكَّم في العالم وصنع الأمراض الوبائية مثل الإيدز والإيبولا للقضاء على السود الأفارقة.

(4) بخصوص أطروحات نظريات المؤامرة الأكثر رواجًا في المجتمعات العربية، فإن معظمها يدور حول فكرة أن “الغرب يخطط دائمًا وأبدًا للقضاء على المسلمين والإسلام”، وأن اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وأحداث شارلي إيبدو الفرنسية 2015 وتفجيرات مدريد ولندن وغيرها هي من تدبير الغرب، وأن تنظيمي القاعدة والدولة وغيرها من الجماعات الجهادية العنيفة هي أيضًا جماعات مُفَبْرَكَة، وأن الغرب يخطط أيضًا لمشروع تقسيم المنطقة، وأن الثورات العربية هي أيضًا مؤامرة غربية.

(5) Noam Chomsky, Médias et démocratie: Les exploits de la propagande, trad. Française (Montréal: Editions Ecosociété, coll. Grands textes, 2005).

(6) Charlie Warzel, “He Predicted the 2016 Fake News Crisis. Now He’s Worried About An Information Apocalypse,” BuzzFeedNews, February 11, 2018, “accessed October 10, 2019”. https://bit.ly/2wsr2q8.

(7) Jürgen Habermas, L’espace public: Archéologie de la publicité comme dimension constitutive de la société bourgeoise, trad. Marc Buhot de Launay (Paris: Payot, 1988).

(8) Pierre Mercklé, Sociologie des réseaux sociaux (Paris: La Découverte, coll. Repères, 2016), 86.

(9) Mounir Bensalah, Réseaux sociaux et révolutions arabes? (Paris: Michalon, 2012), 195.

(10) Michaël Bachir Ayari & Vincent Geisser, Renaissances arabes. 7 questions clés des révolutions en marche (Paris: Les éditions de l’atelier, 2011).

(11) Habibul Haque Khondker, “Role of the New media in the Arab Spring,” Globalizations, no. 5, (2011): 675-679.

(12) Gérald Bronner, La démocratie des crédules (Paris: Presses universitaires de France, 2013).

(13) Reporters Sans Frontières, “Classement mondial de la liberté de la presse 2019 : la mécanique de la peur,” rsf.org/fr, “accessed September 14, 2019”, https://bit.ly/2UKvdfS.

(14) “الصحفي مصطفى بن جامع يتهم الشرطة الجزائرية بممارسة العنف الجسدي واللفظي ضده”، algeriatimes.net، 1 يوليو/تموز 2019، (تاريخ الدخول: 14 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/35FXUfN.

(15) “مقتل 689 إعلاميًّا في سوريا منذ بداية الحراك الشعبي، و418 قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري”، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bit.ly/2oEHCTX.

(16) “اغتيال الإعلامي البارز هادي المهدي في بغداد”، مرصد الحريات الصحفية، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bit.ly/2VMLTRa.

(17) المرجع السابق.

(18) “من هو جمال خاشقجي”، الجزيرة نت، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bit.ly/2vh7pkt.

(19) في 22 مايو/أيار 2018، أي بعد ثلاثة أيام من صدور المقال، نشرت منصة “قطريليكس” تقريرًا مصورًا لتأكيد الاتهامات الموجهة ضد الناشطة، لجين الهذلول. واستند التقرير إلى لغة عاطفية تخاطب مشاعر المتلقين، مثال: “خرجت على الثوابت الدينية والوطنية لبثِّ الفوضى”، و”قدمت الدعم المالي لعناصر معادية لاستقرار السعودية”، وتم تعزيز هذه اللغة باللجوء إلى المؤثرات الصوتية والبصرية في مشهد النار المشتعلة المرفقة بعبارة: “فمن تخدم الهذلول؟”.

(20) “القبض على 7 قاموا بالتواصل المشبوه مع جهات خارجية”، صحيفة الجزيرة، 19 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019):  https://bit.ly/2KEF8tI.

(21) علي أنوزلا، “المغرب…حرية مع وقف التنفيذ”، DW، 3 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bit.ly/31iPWFX

(22) نشير هنا إلى حادثة اغتيال صحفيي شارلي إيبدو، في 7 يناير/كانون الثاني 2015، والتي قام بتنفيذها عضوان من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وباركها تنظيم “الدولة الإسلامية”.

(23) “صحفيو الموصل يموتون وسط صمت رهيب”، مراسلون بلا حدود لحرية الإعلام، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bit.ly/33BhcB3.

(24) “الإعلامي السواري يروي تفاصيل الانتهاكات التي تعرض لها في سجون السعودية بالمهرة”، الخبر اليمني، 27 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019): https://bit.ly/35GKeB4.

(25) تعرضت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في السنوات الأخيرة لمجموعة من الإجراءات التعسفية تجسدت في رفض السلطات الحكومية لأكثر من خمسين طلبًا رسميًّا بإنشاء فروع لها في مختلف المناطق المغربية لتصل لحد الطلب للسلطات المختصة بسحب صفتها كجمعية معترف بها في مجال المصلحة العمومية.

Anahit Miridjanian, “Au Maroc, des ONG de plus en plus muselées,” Libération, Janvier 28, 2018, “accessed October 10, 2019”. https://bit.ly/35Gz2ok.

(26) Mohamed Ezzouak, “Au Maroc, les journalistes sous surveillance ?,” Yabiladi, Septembre 19, 2019, “accessed septembre 15, 2019”. https://bit.ly/2MlirPc.

(27) “متابعة الناشط المغربي المعطي منجب وستة آخرين بتهمة المس بأمن الدولة”، القدس العربي، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2BjZo1u.

(28) “منتدى الصحفيين الأحرار يحصي قيود الصحافة الجزائرية”، العربي الجديد، 24 يونيو/حزيران 2019، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2mitYEn.

 (29)Reporters sans frontières, “Maroc: Hajar Raissouni, nouvelle victime de l’acharnement judiciaire contre les journalistes,” September 9, 2019, “accessed September 15, 2019”. https://bit.ly/2IUb6E0.

(30) “المغرب: النيابة العامة تؤكد ملاحقة الصحافية هاجر الريسوني بتهمة الإجهاض”، فرانس 24، 5 سبتمبر/أيلول 2019، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2lCZpc3.

(31) للاطلاع على نماذج من مقالات هاجر الريسوني، يمكن الرجوع إلى الموقع الإلكتروني “اليوم 24”. انظر: “ملفات اجتماعية حارقة على طاولة العثماني… دخول مدرسي ساخن ينتظر الحكومة”: alyaoum24.com، https://bit.ly/2MnPpOO.

(32) يمكن الاطلاع على المقال المذكور عبر هذا الرابط:  https://bit.ly/2k0eAf4.

(33) “وزارة التربية الوطنية تعزل هشام منصوري من وظيفته بعد إدانته”، أحداث أنفو، 15 أبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2MkjIGa.

(34) ماجدة أبو عزة، “ولاية الرباط تعلن عن سبب اعتقال الناشط هشام منصوري”، الأيام 24، 30 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2MRsRVT.

(35) Elena Gottarelli, “Presse au Maroc: de la censure à l’autocensure,” L’œil de la Maison des Journalistes, Août 16, 2018, “accessed septembre 15, 2019”. https://bit.ly/32mV64Z.

(36) Freedom of Thought and Expression Law Firm, “Blocked Websites’s

List in Egypt,” afteegypt.org, “accessed septembre 15, 2019”. https://bit.ly/2MkUSGc.

(37) عواطف عبد الرحمن، قضايا التنمية الإعلامية والثقافية في العالم الثالث، (القاهرة، دار الفكر العربي، 1987).

(38) لمعرفة المزيد من المعلومات حول المرصد، انظر: “إطلاق منتدى الصحفيين الأحرار: إنشاء شبكة للدفاع عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي”، الجزائر، 3 يونيو/حزيران 2019، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2IWXGHr.

(39) لمعرفة المزيد من المعلومات حول المرصد، انظر: “مهمة الشبكة”، مرصد حريات، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/33yTmpu.

(40) لمعرفة المزيد من المعلومات حول المرصد. انظر: مرصد الحريات الصحفية، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2MjMHtA.

(41) لمعرفة المزيد من المعلومات حول المرصد، انظر: المرصد العربي لحرية الإعلام، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/33DOXBW.

(42) عبير الكالوتي، “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2019 يظهر غضب السلطة من الإعلام”، عربيTRT، 19 أبريل/نيسان 2019، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/31mck19.