كريم الماجري- Karim Mejri*
ملخص
تتناول الدراسة تصاعد الصراع الإيراني-الإسرائيلي في ضوء تحولات إستراتيجية وأمنية متسارعة، أبرزها توسع المواجهة إلى ساحات متعددة، وتزايد الاعتماد على الحروب غير التقليدية كالهجمات السيبرانية والوكلاء. كما تُبرز انعكاسات هذا الصراع على أمن الإقليم واستقراره، في ظل انكماش الردع التقليدي وتبدل التوازنات الدولية.
كلمات مفتاحية: الصراع الإيراني الإسرائيلي، الردع المتبادل، الحرب غير المتكافئة، الحرب السيبرانية، الحرب بالوكالة، محور المقاومة، التهديدات الوجودية، التحولات الجيوستراتيجية.
Abstract
This study examines the escalating Iranian-Israeli conflict in light of rapid strategic and security transformations, most notably the expansion of confrontation into multiple arenas and the increasing reliance on unconventional warfare, such as cyberattacks and proxy forces. It also highlights the implications of this conflict for regional security and stability, amid the erosion of traditional deterrence and shifting international power balances. ______________________________________________
* د. كريم الماجري، باحث أول سابق في مركز الجزيرة للدراسات.
*Dr. Karim Mejri, former Senior Researcher at Al Jazeera Centre for Studies.
Keywords: Iranian–Israeli conflict, mutual deterrence, asymmetric warfare, cyber warfare, proxy warfare, Axis of Resistance, existential threats, geostrategic shifts.
مقدمة
العلاقة بين إيران وإسرائيل (وأميركا) هي واحدة من أكثر العلاقات الإقليمية تعقيدًا وتشابكًا في الشرق الأوسط، حيث يتداخل فيها البُعد العقائدي مع الحسابات الجيوسياسية، ويتقاطع فيها التاريخي مع الأمني والعسكري. وتنبع أهمية هذه العلاقة من حجم تأثيرها في مسارات النظام الإقليمي وتوازنات القوى، فضلًا عن ارتباطها الوثيق بملفات حساسة كالصراع الفلسطيني، والبرنامج النووي، والأمن الخليجي، والتحولات في علاقات القوى الكبرى بالمنطقة(1).
وتُبرز تطورات العام 2025، مع اندلاع أول مواجهة عسكرية مباشرة بين طهران وتل أبيب في يونيو/حزيران، حجم التحول في طبيعة الصراع الذي لم يعد مجرد حرب بالوكالة أو صراع دعائي، بل غدا اشتباكًا مفتوحًا متعدد الأبعاد، يوظف فيه الطرفان أدوات تقليدية وحديثة من الضربات الجوية إلى الهجمات السيبرانية، ومن وكلاء المقاومة إلى شبكات النفوذ الدولية.
سنعمل في هذه الدراسة على تتبع مسار التحول التاريخي للعلاقات الإيرانية-الإسرائيلية، منذ مرحلة التحالف السري زمن الشاه، ومرورًا بفترة العداء الأيديولوجي الذي طبع مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية، ووصولًا إلى التصعيد غير المسبوق، في يونيو/حزيران 2025. وسنسعى إلى فهم منطق التحولات وتحليل أدوات الصراع واستشراف السيناريوهات المستقبلية، مع الأخذ في الاعتبار ديناميات القوى الناشئة إقليميًّا ودوليًّا.
ولا يمكن اختزال العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية في سردية العداء الأبدي، كما لا يجوز تأطيرها فقط ضمن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي(2)؛ فقد مرَّت العلاقة بين البلدين بتحولات دراماتيكية، حيث انتقلت من التعاون السري والبراغماتي في عهد الشاه، إلى الخصومة العقائدية بعد الثورة الإسلامية، ثم إلى صراع إقليمي غير متماثل تُخاض معاركه على أكثر من جبهة، وبوسائل عسكرية وسياسية وإعلامية واستخباراتية معقدة(3).
لقد كشفت المواجهة العسكرية الأخيرة، في يونيو/حزيران 2025، والتي استمرت اثني عشر يومًا، عن دخول الطرفين مرحلة جديدة من التصعيد تتجاوز المعادلة الكلاسيكية للردع. حيث انخرطت إسرائيل في ضربات مباشرة ضد منشآت نووية إيرانية بمشاركة أميركية، وردَّت طهران بصواريخ دقيقة وهجمات إلكترونية على العمق الإسرائيلي.
لقد تسببت حرب الاثني عشر يومًا، التي توقفت بوساطات إقليمية ودولية، بإعادة تعريف الصراع بين الطرفين بطبيعته وأدواته، وطرحت أسئلة جوهرية حول مستقبل التوازنات في الشرق الأوسط، ودور الفاعلين الإقليميين والدوليين في إدارة أو تأجيج التوتر(4).
وسنسعى في هذه الدراسة إلى تفكيك أبعاد هذا الصراع المعقد من خلال مقاربة تحليلية تتناول جذوره وآلياته وتحولاته من منظور بنيوي-وظيفي يراعي تداخل العوامل الثقافية والدينية والسياسية والعسكرية في إنتاج بيئة عداء مركبة قابلة للانفجار في كل حين، ويُبرز تعقيدات بنية العداء المركب بما يشمل أيضًا التدخل الأميركي ودور الوكلاء الإقليميين وتحولات الردع التقليدي والحديث.
أولًا: تطوّر العلاقات الإيرانية–الإسرائيلية–الأميركية
- العلاقات في عهد الشاه
على خلاف السرديات التبسيطية التي تقدم العلاقة الإيرانية-الإسرائيلية عداءً “وجوديًّا” مزمنًا، تكشف الوقائع التاريخية عن مسارٍ شديد التعرج والتعقيد بدأ بتحالف إستراتيجي خفي، ثم انقلب إلى خصومة عقائدية حادة بعد الثورة الإسلامية. لم تكن تلك التحولات وليدة الانفعالات الأيديولوجية فحسب، بل جاءت، أيضًا، نتيجة تراكمات إستراتيجية، كما يوضح الكاتب الإيراني/الأميركي، تريتا بارسي، في مؤلفه المرجعي “التحالف الغادر”؛ حيث يرى أن “العداء الحالي بين الطرفين ليس قدَرًا محتومًا، بل ثمرة تحولات سياسية وجيوسياسية طويلة المدى”(5).
في ستينات وسبعينات القرن العشرين، ربطت بين الشاه الإيراني وإسرائيل علاقات إستراتيجية وثيقة رغم الفروق الجذرية في الهوية السياسية والدينية بين الطرفين. كانت تلك العلاقة قائمة على منطق المصالح الأمنية لا على القواسم الثقافية. فقد انخرط البلدان ضمن ما عُرف تحت اسم “نظرية المحيط” الإسرائيلية، وهي عقيدة أمنية تهدف لبناء شبكة تحالفات سرية مع دول غير عربية (مثل تركيا، وإثيوبيا، وإيران) لتطويق المحيط العربي المعادي لإسرائيل(6).
وبالعودة إلى فترة نهاية عقد الأربعينات من القرن الماضي، وعلى الرغم من أن إيران صوَّتت ضد قرار تقسيم فلسطين عام 1947 ورفضت انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة، إلا أنها غيَّرت موقفها بعد سنوات قليلة. ففي عام 1950، اعترفت طهران بإسرائيل ضمن خطوة براغماتية هدفت إلى موازنة النفوذ العربي المتزايد في المنطقة، وهو ما زاد وضوحه لاحقًا مع تصاعد خطاب الوحدة العربية بقيادة جمال عبد الناصر، والذي رأت فيه كل من إيران وإسرائيل تهديدًا وجوديًّا(7).
ثم كان أن تطورت العلاقات الثنائية خلال حكم الشاه محمد رضا بهلوي إلى مستويات متقدمة من التعاون شملت تبادل الدولتين معلومات استخباراتية، والتنسيق في مواجهة الحركات القومية واليسارية في المنطقة، وامتدت إلى مجالات الطاقة والتسليح والتجارة، وبلغت ذروتها مع تدشين خط أنابيب نفط جرى بناؤه بشكل مشترك، عام 1968، يمتد من ميناء إيلات، حيث تصل شحنات النفط الإيراني، إلى عسقلان على البحر المتوسط، حيث تضمن إيران عدم مرور صادراتها عبر قناة السويس؛ حيث يجري نقل النفط إلى ميناء عسقلان واستخدامه للتصدير إلى أوروبا، بعد اقتطاع جزء منه لتلبية احتياجات إسرائيل.
لم يكن التحالف معلنًا في بداياته، لكنه كان واسعًا ومؤسسيًّا. فقد اعتمدت إسرائيل على النفط الإيراني لتجاوز الحصار العربي، بينما استفادت إيران من الخبرة العسكرية الإسرائيلية، خاصة في المجالين الاستخباراتي والتكنولوجي(8)، وقد كشفت وثائق، أُفرج عنها لاحقًا في إسرائيل، عن تنسيق أمني طويل الأمد شمل صفقات سلاح، وتدريب قوات خاصة، وعلاقة شراكة في برامج صناعات دفاعية سرية(9). لم تكن إسرائيل، في تلك المرحلة، تُصنَّف “عدوًّا دينيًّا” في العقيدة السياسية الإيرانية الرسمية، بل كانت شريكًا مفيدًا في وجه التحديات العربية، خصوصًا تلك القادمة من مصر الناصرية والعراق البعثي.
لم تصمد كل تلك التفاهمات، التي أشرنا إليها أعلاه، طويلًا، بل سرعان ما انهارت في عام 1979؛ إذ جاءت الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني لتُعيد تعريف العدو من منظور ديني-أيديولوجي، وتحولت إيران من “حليف صامت” إلى رأس حربة “محور المقاومة” في وجه إسرائيل، كما سنُفصله في الفصل الثاني.
- تحوّلات ما بعد الثورة الإسلامية
شكَّلت الثورة الإسلامية الإيرانية، عام 1979، نقطة تحول حاسمة في طبيعة العلاقة بين إيران وإسرائيل. فمع انهيار نظام الشاه، فقدت تل أبيب أحد أقوى حلفائها غير العرب، لتحل مكانه سلطة ثورية بقيادة آية الله الخميني، الذي اعتبر إسرائيل كيانًا غاصبًا و”ورمًا سرطانيًّا” يجب اجتثاثه من الجسد الإسلامي(10).
منذ أول أيامه في الحكم قطع النظام الجديد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وحوَّل السفارة الإسرائيلية إلى سفارة لفلسطين، وجعل من العداء لإسرائيل أحد ركائز هويته السياسية والدينية. وتحولت شعارات من قبيل “تحرير القدس” و”الموت لإسرائيل” إلى مضامين تعبِّر عن التماهي بين العقيدة الثورية والسياسة الخارجية، خصوصًا مع اعتماد مبدأ “تصدير الثورة” إلى المنطقة. لكن المفارقة أن هذه القطيعة الأيديولوجية لم تمنع إيران من ممارسة بعض البراغماتية حين دعت الحاجة. فخلال الحرب الإيرانية-العراقية، تورطت طهران بشكل غير مباشر في فضيحة “إيران–كونترا”، حيث استوردت عبر وسطاء أسلحة إسرائيلية بدعم أميركي سري، وهو ما يكشف الطابع المركب لتصرفات الجمهورية الإسلامية في سنواتها الأولى، رغم حِدَّة الخطاب المعادي لإسرائيل المُعلن(11).
- تصعيد الألفية الثالثة
مع استقرار النظام الثوري في إيران وتراجع خطر الحرب مع العراق، بدأت طهران مرحلة جديدة من المواجهة مع إسرائيل عبر أدوات غير تقليدية، فانتقلت من مرحلة العداء الخطابي إلى دعم ما بات يوصف في مراحل لاحقة بـ”محور المقاومة” في لبنان وفلسطين.
في هذا السياق، جاء تأسيس حزب الله، عام 1982، أهمَّ تجلٍّ لمشروع إيران الإقليمي. فالحزب لم يكن مجرد ردٍّ على الاجتياح الإسرائيلي للبنان في ذلك العام، بل ذراعًا أمنية-عسكرية إيرانية في المشرق العربي. ومع مرور من الحرس الثوري، وبات يمثل ركيزة إستراتيجية في الردع غير المباشر ضد إسرائيل، خاصة بعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، ثم في حرب يوليو/تموز 2006.أما على الجبهة الفلسطينية، فقد قدمت طهران دعمًا عسكريًّا وتقنيًّا متقطعًا -لكنه مؤثر- لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، متجاوزة بذلك الخلافات المذهبية، ومركزة على العداء المشترك مع إسرائيل. وكان من ثمار ذلك الدعم أن أتاح لطهران نفوذًا في قطاع غزة، وفتح جبهة جنوبية تربك الحسابات الأمنية لتل أبيب.
بعد العام 2000، وبشكل خاص عقب الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003، توسعت قدرات إيران في المنطقة، فأسست شبكة واسعة من الميليشيات الموالية لها في العراق، تواصلت جغرافيًّا مع سوريا التي كانت حليفًا تقليديًّا للنظام في طهران، ثم تطورت إلى تواجد ميليشياوي واسع بعد التورط الإيراني في دعم نظام الأسد ضد الثورة السورية. لقد أوجد هذا الامتداد الجغرافي-المذهبي، ما بين طهران وبيروت عبر العراق وسوريا، ما بات يُعرف بـ”الهلال الشيعي”، وأثار ذلك قلقًا متزايدًا في تل أبيب؛ حيث عُدَّ مشروعًا لتطويق إسرائيل من ثلاث جبهات: جنوب لبنان، وغزة، وسوريا.
في مقابل هذا التمدد قامت إسرائيل باعتماد مقاربة هجومية، شملت حرب يوليو/تموز 2006 ضد حزب الله في لبنان، وشَنَّ عدة حروب على غزة، فضلًا عن ضربات جوية متفرقة ومتباعدة ضد أهداف مرتبطة بإيران في سوريا شملت تصفية قيادات ميدانية إيرانية كبيرة واستمر ذلك عدة سنوات حتى سقوط نظام الأسد، في ديسمبر/كانون الأول 2024، وانسحاب الميليشيات والخبراء الإيرانيين. وفي داخل إيران ذاتها، اعتمدت الاستخبارات الإسرائيلية أساليب الحرب السيبرانية، ومنها الهجوم الشهير بفيروس “ستاكسنت” على منشأة نطنز النووية، في 2010، إلى جانب تنفيذ سلسلة اغتيالات استهدفت علماء نوويين(12).
هكذا، إذن، دخل الطرفان في مرحلة “الصراع المركب”؛ حيث اختلطت أدوات الحرب التقليدية بوسائل غير متماثلة: من حرب الظل الاستخباراتية إلى استنزاف اقتصادي، بالإضافة، طبعًا، إلى معارك إعلامية ودعائية هدفها بناء صورة سلبية، وفي غالب الأحيان مرعبة، “للعدو” وتبرير التصعيد القادم ضده(13).
لم تكن الولايات المتحدة طرفًا محايدًا في النزاع الإيراني-الإسرائيلي، بل لعبت منذ الثورة الإيرانية دور العامل الإستراتيجي المضاعف لحدة الصراع. فعلى إثر أزمة احتجاز الرهائن، عام 1979، قطعت واشنطن علاقاتها مع طهران، وانخرطت في بناء تحالف صلب مع تل أبيب يقوم على “ردع التهديد الإيراني” باعتباره مشتركًا بين الطرفين(14).
تعززت هذه العلاقة الأمنية-العسكرية في تسعينات القرن العشرين، ثم تصاعدت بقوة بعد إدراج الرئيس جورج بوش الابن إيران ضمن “محور الشر،” عام 2002، وربطها بالإرهاب الدولي. وتحول التنسيق الأميركي-الإسرائيلي ضد طهران إلى محور رئيسي في السياسات الإقليمية للبلدين، خاصة بعد الكشف عن البرنامج النووي الإيراني في 2003؛ مما فجَّر سباقًا استخباراتيًّا ودبلوماسيًّا واقتصاديًّا ضد إيران.
اعتمدت واشنطن في علاقتها بإيران مقاربة مزدوجة جمعت بين “العقوبات القصوى” و”الردع المشترك”. وقد قاد الرئيس دونالد ترامب هذه الإستراتيجية إلى أقصى مداها، في 2018، حين انسحب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات مشددة على طهران، ودعم إسرائيل في تنفيذ عمليات استهداف مراكز نفوذ إيران في سوريا والعراق.
أما إيران، فاعتبرت الوجود الأميركي في المنطقة (امتدادًا عضويًّا وجبهات متقدمة للنفوذ الإسرائيلي). وأعادت ربط الصراع مع إسرائيل بالوجود العسكري الأميركي في الإقليم، معتبرة أي تهديد عسكري ضدها سيكون، بالضرورة، ثلاثي الأضلاع (واشنطن-تل أبيب-الحلفاء الإقليميون).
في المقابل، استغلت إسرائيل علاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة لتقويض الجهود الدبلوماسية تجاه إيران، سواء في عهد الرئيسين الأميركيين السابقين، باراك أوباما وجو بايدن؛ حيث مارست ضغوطًا هائلة على الكونغرس والإدارة لعدم التوصل إلى “اتفاق نووي ضعيف”، بينما استثمرت في التنسيق الاستخباراتي الذي سمح لها بتنفيذ اغتيالات معقدة، أبرزها اغتيال العالم محسن فخري زاده، عام 2020(15).
مع دخول الألفية الجديدة، بدأ التوتر بين إيران وإسرائيل يأخذ منحى أكثر خطورة على إثر انكشاف البرنامج النووي الإيراني أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في العام 2003. رأت إسرائيل في هذا المشروع تهديدًا وجوديًّا مباشرًا لها فشنَّت حملة دبلوماسية وإعلامية حثيثة لتصوير إيران “نظامًا مارقًا نوويًّا”، محذرة من تكرار سيناريو كوريا الشمالية في الشرق الأوسط(16).
ترافقت الحملة مع إطلاق عمليات اغتيال للعلماء النوويين الإيرانيين، وشن الهجمات السيبرانية، كما كثفت إسرائيل غاراتها في سوريا والعراق ضد مواقع تعدها مخازن أسلحة إيرانية أو ممرات لوجستية نحو حزب الله.
في المقابل، لم تتراجع طهران، بل عززت تعاونها مع الحلفاء في (محور المقاومة)، ورسخت وجودها العسكري في سوريا بعد اندلاع الثورة عام 2011. وشكَّلت ميليشيات شيعية موالية لها في العراق؛ مما جعل مخاوف تل أبيب من قيام “جسر بري” يصل طهران ببيروت مرورًا بدمشق، أمرًا واقعًا؛ حيث منح إيران قدرة هجومية إستراتيجية على حدود إسرائيل الشمالية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ومع اندلاع عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها حركة حماس ضد إسرائيل، اتهمت تل أبيب إيران بتقديم دعم نوعي مباشر للمقاومة الفلسطينية، معتبرة الهجوم امتدادًا لنفوذ طهران. ورغم نفي الأخيرة، توسعت المواجهة إلى “حرب ظل” شملت هجمات سيبرانية متبادلة واغتيالات في كل من سوريا ولبنان.
تحولت غزة إلى ساحة اختبار جديدة للعلاقة بين إيران والوكلاء، فإسرائيل لم تَرَ في الحرب مجرد تحدٍّ فلسطيني بل تمرينًا إيرانيًّا على تطويقها من الجنوب، في الوقت الذي كانت فيه جبهتا الشمال (حزب الله) والشرق (الميليشيات في سوريا والعراق) قيد التهيئة لموجة تصعيد جديدة(17).
بلغ التصعيد ذروته، في يونيو/حزيران 2025، حين اندلعت أول مواجهة عسكرية مباشرة وشاملة بين إيران وإسرائيل، بمشاركة الولايات المتحدة. فخلال اثني عشر يومًا، تبادل الطرفان الضربات الجوية والصاروخية، وشهدت الحرب عمليات اغتيال وهجمات سيبرانية واستخدام تكتيكات جديدة في التضليل الإعلامي والاختراق الاستخباراتي.
استهدفت إسرائيل منشآت نووية رئيسية في نطنز وفوردو وأصفهان، بينما ردَّت إيران بصواريخ باليستية استهدفت مدنًا إسرائيلية، إلى جانب هجمات بطائرات مسيرة، تجاوزت دقة بعضها كل التقديرات السابقة. وقد بلغ التصعيد حدًّا دفع دولًا كقطر وسويسرا وألمانيا إلى إطلاق مبادرات وساطة لوقف النار، انتهت بهدنة هشة، في 24 يونيو/حزيران 2025.
أظهرت هذه الحرب هشاشة الردع التقليدي في ظل التقدم النوعي في قدرات الطرفين. فرغم تفوق إسرائيل التقني، أثبتت طهران، من جانبها، قدرة على تهديد العمق الإسرائيلي، وإبقاء الحرب مفتوحة على عدة جبهات. وهكذا دخل الطرفان مرحلة “الردع المتبادل المهدد”؛ حيث لا يملك أي منهما القدرة على الحسم، لكنه يستطيع تكبيد الآخر ثمنًا باهظًا.
ولعل أخطر ما في هذه المرحلة هو أن شروط الصراع أصبحت مفتوحة على جميع السيناريوهات من التدويل إلى التفكك الداخلي، ومن حرب استنزاف طويلة الأمد إلى اندلاع مواجهات متكررة تحت سقف “اللا-حسم”.
لم يكن العداء الإيراني لإسرائيل، بعد 1979، موقفًا سياسـيًّا تقليديًّا، بل جزءًا مكونًا لهوية النظام الجديد. فالثورة الإسلامية، بقيادة آية الله الخميني، لم تكتفِ بإسقاط نظام الشاه فقط، بل أعادت، أيضًا، تعريف إيران باعتبارها “دولة مقاومة” ضد المشروع الصهيوني، وربطت مشروعيتها الداخلية والخارجية بموقفها من فلسطين وإسرائيل. وهكذا تحولت القضية الفلسطينية إلى ركيزة في الخطاب السياسي والديني الإيراني، فبات دعم “المستضعفين “-وفق أدبيات الثورة- يعني بالضرورة دعم حركات المقاومة الإسلامية، خصوصًا في لبنان وفلسطين، ورفض أي تسوية مع إسرائيل باعتبارها “كيانًا زائلًا”.
وقد بات هذا العداء، المقرون بالشرعية الثورية، ثابتًا أساسيًّا غير قابل للتنازل عنه، فالتنازل، أو التراجع حتى وإن كان تكتيكيًّا، سيكون بمنزلة انتحار رمزي للنظام الذي ربط وجوده التاريخي بعقيدة العداء الدائم لتل أبيب، وهذا ما أضفى على الصراع طابعًا دينيًّا وأيديولوجيًّا يصعب كسره بالمفاوضات أو بتبدل التحالفات(18).
على الطرف الآخر، لم تكن إسرائيل أقل توظيفًا للرمزية والهوية. فمنذ صعود إيران كقوة إقليمية بعد 2003، تبنَّت تل أبيب خطابًا يصور الجمهورية الإسلامية تهديدًا وجوديًّا يوازي النازية في ثلاثينات القرن الماضي. استخدمت إسرائيل ورقة البرنامج النووي، والدعم الإيراني لحزب الله وحماس، كأدوات تحشيد دبلوماسي وديني، مُصورةً إيران قائدًا لمحور راديكالي يسعى لتطويقها وتدميرها.
وقد غذَّت هذه الرؤية المخاوف من “الهلال الشيعي”، ودفعت نحو مزيد من التنسيق مع الأنظمة العربية المحافظة، وأسهمت في تمهيد الطريق لاتفاقيات التطبيع (أبراهام) التي لم تُخفِ أنها موجهة، ضمنيًّا، ضد النفوذ الإيراني المتنامي في الإقليم(19).
بالإضافة إلى ما تقدم، لا يمكن فهم طبيعة هذا الصراع، بشكل أفضل، من دون تحليل البُعد الثقافي والإعلامي في بلورته. ففي إيران، تحولت إسرائيل إلى صورة مجازية للغرب الاستعماري والظلم العالمي، وهو ما تم توظيفه في السينما والدراما والخطاب الديني والتعليم أيضًا، لتثبيت صورة “الشيطان الأصغر” في الوعي العام الإيراني.
أما على الجانب الآخر، في إسرائيل، فقد صُوِّرت إيران ثيوقراطية متطرفة تسعى لإبادة الدولة العبرية. وقد عززت هذه المقاربة الخطاب الأمني داخل المجتمع الإسرائيلي، ووُظِّف ذلك في الحملات الانتخابية وفي مناهج التعليم، وفي تبرير السياسة التوسعية بشكل عام.
غذَّى هذا التفاعل المتبادل حالة من “العداء المركب”، الذي لا يقتصر على النخب السياسية أو العسكرية وحسب، بل يتغلغل في الوعي الشعبي أيضًا، بما يجعل كل محاولة للتهدئة تبدو غير طبيعية أو مريبة لدى الجمهور في كلا البلدين.
في بعد آخر، لكنه شديد الاتصال، أخذت ملامح النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، مع بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تتغير بوتيرة متسارعة، مدفوعة بجملة من التحولات العميقة، في مقدمتها تراجع حضور بعض القوى التقليدية (مثل مصر وسوريا)، وبروز فاعلين جدد من غير الدول، وتعاظم دور التحالفات غير الرسمية.
أسهم هذا التحول البنيوي في تقويض قواعد الاشتباك القديمة، وفتح المجال أمام فاعلين إقليميين مثل إيران وإسرائيل لتوسيع نفوذهم عبر مسارات متقاطعة، بلغت ذروتها في مواجهة عسكرية مباشرة، في يونيو/حزيران 2025. إذ برزت إيران فاعلًا حيويًّا في أكثر من ساحة، مستفيدة من هشاشة المنظومات الأمنية والسياسية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ووجدت في تصدير نموذج “المقاومة الإسلامية” وسيلة لتعزيز شرعيتها داخليًّا، وخلق أوراق ضغط خارجية في وجه خصومها. كما نجد، في المقابل، أن إسرائيل كثَّفت إستراتيجيتها الوقائية عبر الضربات الجوية والسيبرانية، وعبر التحالفات الإقليمية الجديدة مع دول الخليج ضمن إطار “الردع المحيط”. وقد فاقم انسحاب الولايات المتحدة التدريجي من ملفات الشرق الأوسط -في ظل أولوياتها المتزايدة تجاه محور آسيا وروسيا- من حدة التوتر؛ إذ بدا أن واشنطن تركت فراغًا تكتيكيًّا ملأته قوى إقليمية بمقاربات هجومية بدلًا من التوازنات الردعية. كما أن فشل العودة إلى الاتفاق النووي، و”التطبيع المتسارع” الذي قادته إدارة ترامب الثانية، أسهما في تعزيز شعور إيران بحالة الحصار مما جعل المواجهة المباشرة خيارًا أقرب من أي وقت مضى(20).
في هذا السياق، جاء تصعيد يونيو/حزيران 2025، حلقةً منطقيةً في سلسلة الاشتباكات المتراكمة؛ حيث انتقل الصراع من ظلال “حروب الوكلاء” إلى اختبار مباشر وشامل، استُخدمت فيه كل أدوات الردع المتاحة -من الضربات الجوية إلى الحرب السيبرانية، ومن الاغتيالات الدقيقة إلى الوساطات المركبة-. وبهذا المعنى، فإن حرب الاثني عشر يومًا لم تكن قطيعة مع الماضي، بل تتويجًا لمسار تصادمي طويل أعادت فيه القوى الإقليمية رسم حدود النفوذ بالقوة، في غياب قواعد اشتباك فعالة.
ثانيًا: حرب الاثني عشر يومًا
باغت سلاح الجو الإسرائيلي العالم، مع مطلع فجر يوم 13 يونيو/حزيران 2025، بشن ضربات جوية مكثفة على منشآت نووية ومراكز صاروخية إيرانية في عمق الداخل الإيراني. لم يكن الهجوم الذي أُطلق عليه في تل أبيب الاسم الرمزي “عَم كِلافي” -ويُترجَم حرفيًّا من العبرية إلى العربية “شعب كلبؤة”، كما عُرفت الحملة أيضًا باسم “عملية الأسد الصاعد”- مجرد غارة اعتيادية، بل عملية منسقة ذات طابع إستراتيجي، شاركت فيها، لاحقًا، قاذفات أميركية متقدمة(B-2) وطائرات “إف-35” تحت اسم “مطرقة منتصف الليل.
استهدفت الضربات المنشآت النووية، بالإضافة إلى مقار في طهران وتبريز وشيراز يُعتقد أنها تؤوي خبراء في البرنامج النووي. كما استهدفت مخازن صواريخ باليستية وقواعد للحرس الثوري، وهو ما دلَّ على أن العملية لم تكن جزئية، بل استهدفت البنية التحتية لمنظومة الردع الإيرانية كاملة، سواء النووية منها أو التقليدية. كما استهدفت نيران سلاح الجو الإسرائيلي مستشفيات ومدارس ومناطق سكنية، بالإضافة إلى مبنى التليفزيون الإيراني الرسمي، وأوقعت ضحايا بالمئات من المدنيين بين قتيل وجريح، ودمرت مرافق مدنية وخدماتية كثيرة. وقد استهدفت الضربات الإسرائيلية عددًا كبيرًا من قيادات الصف الأول في الحرس الثوري الإيراني والجيش؛ حيث تمت تصفية قائد الحرس، اللواء حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري(21)، وعشرات آخرين من القيادات العسكرية والأمنية الأساسية، فضلًا عن عدد من العلماء النوويين البارزين، ومن ذوي الخبرات الخاصة المرتبطة مباشرةً ببرنامج إيران النووي(22). وقد تواصلت عمليات الاستهداف ضد القيادات العسكرية والعلمية طوال أيام الحرب، فيما كشفت طهران بعد نحو ثلاثة أسابيع على وقف إطلاق النار عن أن الرئيس الإيراني، مسعود بزكشيان، أصيب بجروح طفيفة في قدمه خلال قصف إسرائيلي استهدف اجتماعًا لمجلس الأمن القومي الإيراني اعتبرته محاولة لاغتيال القيادات السياسية العليا للبلاد(23).
لم تكتف إسرائيل بذلك، بل استهدفت، أيضًا، قدرات الدولة الإيرانية، بما في ذلك مؤسسات حكومية، بهدف تقويض قدرة النظام على إدارة شؤون الدولة. وتمكنت الهجمات السيبرانية الإسرائيلية من الوصول إلى النظام المصرفي الإيراني وتعطيل خدمات البنوك الإلكترونية وأجهزة الصراف الآلي. كما تم تنفيذ هجمات على البث التليفزيوني الحكومي واختراق شاشات التليفزيون الإيرانية لبث رسائل مناهضة للنظام.
لم تتأخر طهران كثيرًا في الرد. فخلال أقل من 12 ساعة، أطلقت إيران عملية “الوعد الصادق 3″، وضمت سلسلة من الهجمات الباليستية وبالطائرات المسيرة التي استهدفت مواقع عسكرية ومدنية في إسرائيل، خصوصًا في النقب وتل أبيب ونهاريا، بالإضافة إلى قواعد في الجولان والجليل. ونظرًا للتعتيم الإعلامي وكبح التسريبات التي قد تنبئ عن الخسائر الفعلية التي لحقت بإسرائيل، لم يبق للمحللين سوى الاعتماد على الإحصاءات والأرقام المقدمة من السلطات هناك، والتي هي بكل تأكيد غير كافية لتقييم جاد لحجم الخسائر(24).
جاءت الضربات الإيرانية ضمن سياق ردٍّ إستراتيجي على عمليات إسرائيلية استهدفت بنى تحتية نووية وعسكرية داخل الأراضي الإيرانية؛ حيث اعتبرت طهران هذه العمليات خرقًا خطيرًا لسيادتها ومقدمة لمسار تصعيدي قد يقوض توازن القوى التقليدي في المنطقة.
اتسم الرد الإيراني باستخدام تكتيكات متعددة المستويات، جسدتها عملية “الوعد الصادق 3” التي تضمنت إطلاق أكثر من مئة طائرة مسيرة وما يفوق مئتي صاروخ باليستي وصواريخ فرط صوتية وبعض المقذوفات التي أُطلقت من غواصات، لأول مرة في الصراع الإيراني-الإسرائيلي. وقد ظهر بوضوح أن الهجوم الإيراني استهدف استنزاف الدفاعات الجوية الإسرائيلية وإرباك بنيتها التقنية من خلال التوالي الزمني للموجات الصاروخية وتعدد منصات الإطلاق.
ورغم نجاح منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية متعددة الطبقات، مثل “القبة الحديدية”، في اعتراض غالبية المقذوفات، إلا أن نسبة من الصواريخ والمسيرات تمكنت من الوصول إلى أهداف في مناطق حضرية وعسكرية حساسة شملت تل أبيب، حيفا، بتاح تكفا، ورحوفوت. يمكن رصد أثر هذه الضربات في الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بالبنية التحتية المدنية والعسكرية؛ حيث أدى القصف إلى سقوط عشرات القتلى ووقوع مئات الإصابات، فضلاً عن أضرار بالغة في منشآت طبية (مثل مستشفى سوروكا) ومراكز بحثية (معهد وايزمان للعلوم)، وقد أسهم كل ذلك في خلق حالة من الإرباك المجتمعي وتقويض الشعور التقليدي بالأمن داخل العمق الإسرائيلي.
خلال هذه الفترة من الحرب، منذ 13 يونيو/حزيران، ظلت إسرائيل تطالب الولايات المتحدة بمساعدتها بشكل مباشر في تدمير منشأة فوردو النووية المحصنة في عمق كبير تحت الجبل وسط إيران. استجابت الولايات المتحدة لذلك، فَجْر يوم 22 يونيو/حزيران، بقيام أكثر من 130 طائرة أميركية منها سبع قاصفات إستراتيجية من طراز B2 ، وصواريخ توما هوك انطلقت من الغواصات بقصف منشأة فوردو بقنابل ضخمة خارقة للتحصينات العميقة، وكذلك قصف منشأتي نطنز وأصفهان.
في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، قامت إيران بقصف قاعدة (العديد) العسكرية الأميركية في قطر بالصواريخ. أكدت قطر والولايات المتحدة أن القاعدة كانت خالية قبل وقت من بدء الحرب، وأنها أو أية قاعدة أخرى في المنطقة لم تشارك في عمليات قصف إيران. أعلنت قطر أن قواتها للدفاع الجوي أسقطت جميع الصواريخ الإيرانية باستثناء صاروخ واحد سقط في منطقة خالية، وقد ندَّد رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية بالهجوم الإيراني، وقال إنه تصرف غير مقبول وينتهك سياسة حسن الجوار، لكنه أردف أن بلاده قامت بناء على طلب من الولايات المتحدة بالاتصالات اللازمة مع إيران الأمر الذي أسفر عن إعلان الرئيس الأميركي عن وقف إطلاق النار ليل يوم 23 يونيو/حزيران بعد ساعات من القصف الإيراني لقاعدة العديد(25).
توقف إطلاق النار، صبيحة يوم 24 يونيو/حزيران، بعدما شهد اختراقات من الجانبين، لكنه جرى بناء على تفاهمات سياسية وليس بموجب اتفاق ملزم؛ مما جعله مجرد إجراء هش لا يُنهي حالة الحرب التي اندلعت فعليًّا بين الطرفين.
وفضلًا عن الآثار العسكرية المباشرة فقد امتد التصعيد ليشمل مضامين نفسية وجيوسياسية واضحة؛ إذ كشفت الأحداث عن تراجع صورة الحصانة والدفاع المطلق لإسرائيل من الهجمات المباشرة، وتنامي مخاوف شعبية انعكست بوضوح من خلال معدلات الإخلاء الجماعي والانهيارات الجزئية في منظومات الإنذار، وهو ما غيَّر بشكل واضح من معادلات الردع التقليدية في المنطقة، كما أظهرت نتائج الحرب بجلاء انزياحًا ملحوظًا في موازين القوى الإقليمية ومسارح التأثير المتبادلة؛ مما يمثل تطورًا مهمًّا في دراسة مدى هشاشة منظومات الردع الإقليمية وعناصر الاستقرار الإستراتيجي في الشرق الأوسط.
ثالثًا:ما بعد الحرب: تحولات الردع وإعادة تشكيل البيئة الإقليمية
انتهت حرب الاثني عشر يومًا دون منتصر واضح. فرغم الضربات القاسية التي وجهتها إسرائيل وأميركا لمنشآت نووية إيرانية، ورغم الصواريخ الإيرانية الدقيقة التي وصلت إلى قلب تل أبيب وباقي أهم المدن الإسرائيلية الأخرى، لم تنجح أي من القوتين في تغيير موازين الردع جذريًّا.
اقتصاديًّا، تكبد الطرفان خسائر كبيرة؛ حيث تعرضت المنشآت الحيوية الإيرانية للكثير من الخسائر، أما إسرائيل، فشهدت ركودًا طارئًا في قطاعات المال والتكنولوجيا، وتضررت بنيتها التحتية، خصوصًا في قطاعي الطاقة والنقل.
أما عسكريًّا، فقد تسببت الضربات الإسرائيلية بمقتل بعض من أهم القيادات العسكرية الإيرانية، لكن نتائج الضربات التي استهدفت المنشآت النووية ظلت غير واضحة على وجه اليقين، وانتهت الحرب باحتفاظ الطرفين بقدراتهما الهجومية الجوية والصاروخية على وجه الخصوص.
ولم تُفضِ الحرب إلى أي تسوية سياسية شاملة، بل أنتجت توازنًا هشًّا، وأعادت خلط أوراق التحالفات الإقليمية والدولية، ودفعت عدة أطراف -مثل تركيا ودولة قطر والمملكة العربية السعودية- إلى إعادة صياغة مواقفها من الصراع الإيراني-الإسرائيلي ضمن معادلات أكثر واقعية(26).
كان من أبرز مخرجات هذه الحرب ذلك التحول الذي أحدثته في طبيعة الردع؛ إذ لم تعد المعادلة تقتصر على الرؤوس النووية أو الصواريخ الباليستية، بل أصبحت تشمل عناصر “الحرب المركبة” مثل الاختراقات السيبرانية كمصدر دائم للقلق الإستراتيجي؛ والدعاية الإعلامية في إعادة تشكيل الإدراك الجماعي؛ والاغتيالات الدقيقة كسلاح ردع سياسي ومعنوي؛ والحرب الاقتصادية المقنعة من خلال العقوبات الثانوية والهجمات على سلاسل الإمداد.
وهكذا، انتقل الصراع من مفهوم “الردع النووي المتبادل” إلى ما يمكن تسميته “ردع المحاور”؛ حيث يحاول كل طرف ردع كامل البيئة الإقليمية التي تدعمه أو يتحرك ضمنها.
لا يمكن التنبؤ بمآلات الأوضاع بشكل حاسم، لكن يمكننا، على الأقل، تصور بعض السيناريوهات الأكثر احتمالًا في ضوء السياقات التي قرأناها أعلاه، والتي قد تزيد أو تنقص عن ثلاثة سيناريوهات كبرى(27).
السيناريوهات المستقبلية
أ. الجمود الإستراتيجي
قد تستمر مرحلة ما بعد الحرب في ظل التهدئة الهشة دون اندلاع جولة جديدة في المدى القريب. ويفترض هذا السيناريو نجاح الجهود الوسيطة في احتواء التصعيد، وبقاء الطرفين في حالة “ردع نشط”؛ ما يجعل أي ضربة كبرى مخاطرة غير محسوبة.
من العوامل الداعمة لهذا السيناريو يمكننا ذكر الإرهاق الاقتصادي، والخوف من التدويل، وضعف الجبهات الداخلية. أما المعيقات التي قد تسهم في عدم تحقق هذا السيناريو فتتمثل في غياب اتفاق دائم، واستمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا.
ب. الانفجار المتجدد
قد يتحقق هذا السيناريو في حال وقوع عملية اغتيال شخصية وازنة جدًّا مثلًا، أو توجيه ضربة مباغتة تستهدف منشأة نووية لم تُدمر في الحرب الأخيرة، أو ربما تقوم إيران بالمبادرة هذه المرة بشن هوم صاروخي في حال تعرضها لتهديد عسكري او اقتصادي جدي وخطير؛ إذ قد ينفجر حينها الصراع مجددًا. وقد يترافق تحقق هذا السيناريو مع تغييرات في القيادة أو حدوث تحولات داخلية.
من بين أهم العوامل الداعمة لتحقق هذا السيناريو رغبة إسرائيل في منع إيران من إعادة بناء مشروعها النووي، ومن الجانب الإيراني فإنه قد يكون أحد المخارج الممكنة لوضع المجتمع الدولي في أزمة يمكن أن تفضي إلى تقليل الضغط الاقتصادي الذي يهدد الغرب بتصعيده ضد طهران. أما ما يمكن أن يحول دون حدوث كل ذلك فقد يكون تنامي المعارضة الدولية لتجدد الصراع وتحفظ واشنطن وضغط الأسواق.
ج. التسوية الجزئية
قد يتم فرض تسوية تدريجية عبر وساطة أطراف دولية تقضي بتجميد بعض الأنشطة النووية الإيرانية مقابل وقف الضربات الإسرائيلية، ومن ثم تنطلق رحلة العودة إلى مفاوضات إقليمية.
تدعم مصلحة أوروبا في الاستقرار وضغط الأسواق النفطية ورغبة واشنطن في التفرغ للصين وروسيا هذا السيناريو. أما ما قد يحول دون تحققه فيمكن أن يكون رفضًا أيديولوجيًّا إيرانيًّا لأي اعتراف بإسرائيل، وانقسامًا داخليًّا في تل أبيب حول التسوية(28).
رابعًا: أبعاد وتداعيات استمرار وتطور الصراع
إن استمرار الصراع الإيراني-الإسرائيلي، أو تطوره إلى مواجهة أكثر عدائية ومباشرة، سيكون أحد أبرز العوامل التي ستعيد رسم ملامح الوضع الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط، وتؤثر بشكل مباشر على أمن المنطقة واستقرارها. فقد أظهرت أبرز التقارير الصادرة عن معهد الدراسات الإستراتيجية الدولية ومعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن كل تصعيد عسكري أو سيبراني بين الطرفين سيقود حتمًا إلى التسريع في مدى وزخم سباق التسلح، وسيدفع قوى إقليمية، مثل السعودية وتركيا ومصر، إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، على حدٍّ سواء، إما عبر صفقات تسليح ضخمة مع الولايات المتحدة وأوروبا، أو عبر تطوير برامج صاروخية وتقنيات سيبرانية محلية. وعلى سبيل المثال، فقد أعلنت المملكة العربية السعودية، بعد حرب يونيو/حزيران 2025، عن أكبر صفقة دفاع جوي في تاريخها مع فرنسا وأميركا. ومن جانبها، بدأت دول الإمارات العربية المتحدة في تطوير قدراتها السيبرانية الهجومية، بينما زادت تركيا من وتيرة مناوراتها العسكرية في البحر الأبيض المتوسط وأعادت تقييم تحالفاتها مع إسرائيل وقطر في ضوء تصاعد التوتر الإيراني-الإسرائيلي(29).
من شأن هذا التحول في موازين القوى الدفع بالمنطقة نحو حالة يسود فيها نظام أمني متعدد الأقطاب؛ حيث تتداخل مصالح القوى الإقليمية مع حسابات القوى الكبرى، ويصبح لكل فاعل إقليمي مساحة مناورة خاصة به ضمن معادلة الردع أو التصعيد(30). وفي حال تطور الصراع إلى مواجهة مباشرة، أو حرب مفتوحة، فإن ذلك سيهدد منظومات الأمن الجماعي التقليدية مثل مجلس التعاون الخليجي، أو حتى التحالفات العربية-الإسرائيلية الناشئة (اتفاقيات أبراهام).
من ناحية أخرى، تحول الصراع الإيراني-الإسرائيلي إلى ساحة اختبار للحروب السيبرانية والاقتصادية؛ حيث باتت الهجمات على البنية التحتية الحيوية (الكهرباء، المياه، النقل، المال) جزءًا من أدوات الردع والهجوم. فقد شهدت تل أبيب هجومًا سيبرانيًّا إيرانيًّا عطَّل شبكة الكهرباء لمدة يومين كاملين، وردَّت إسرائيل بهجوم سيبراني على منظومة الطاقة في أصفهان، وهو ما يعكس تصاعد خطورة هذا النوع من المواجهات. كما أدت الحرب إلى ارتفاع أسعار النفط وتراجع الاستثمارات الأجنبية في المنطقة بنسبة 22% خلال النصف الأول من 2025، وفق تقديرات المختصين(31). ولا شك في أن هذه الحروب غير التقليدية تضعف ثقة المستثمرين وتؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتدفع دول المنطقة إلى الاستثمار في الأمن السيبراني على حساب التنمية الاجتماعية، وغيرها من القطاعات الأخرى ذات الحيوية بالنسبة للمجتمع.
إن من شأن استمرار الصراع، كذلك، تعميق الانقسامات الطائفية والسياسية في المنطقة. فإيران تواصل تعبئة حلفائها على أساس طائفي (حزب الله، الحوثيون، الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا)، بينما توظف إسرائيل خطاب “الخطر الإيراني” لحشد الدعم العربي والخليجي. وقد تصاعد التوتر بين الشيعة والسنَّة في العراق ولبنان بعد كل جولة تصعيد، مع اندلاع اشتباكات في بغداد وبيروت، في حين كثفت إسرائيل جهودها لتعزيز تحالفاتها مع الإمارات والبحرين والمغرب في مواجهة “المحور الإيراني”(32). وما من شك في أن هذا الاستقطاب يزيد من حجم التهديدات التي تستهدف تقويض الاستقرار الداخلي في عدة دول عربية، كما يزيد، أيضًا، من احتمالات تفكك الدول الهشة أو اندلاع حروب أهلية جديدة(33).
ويرى مراقبون أن هذا التدويل يهدد بتحويل المنطقة إلى ساحة صراع بالوكالة بين القوى الكبرى، ويقلل من قدرة الفاعلين المحليين على التحكم بمسارات التصعيد أو التسوية(34).
ويُضعف استمرار التصعيد الإيراني-الإسرائيلي فرص تسوية الصراعات الأخرى في المنطقة، مثل الأزمة السورية واليمنية، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، فكل طرف يستخدم هذه الملفات ورقة ضغط في المواجهة الكبرى؛ حيث صعَّدت إيران دعمها لحماس والجهاد الإسلامي في غزة بعد كل تصعيد مع إسرائيل، فيما كثفت تل أبيب ضرباتها في سوريا ولبنان، وتزامن فشل المبادرات الأممية في اليمن وسوريا مع تصاعد التوتر بين الطرفين. لذا تظل احتمالات التسوية الإقليمية رهينة بتطورات هذا الصراع؛ إذ يصعب تحقيق أي اختراق دبلوماسي ما لم يتم احتواء المواجهة بين طهران وتل أبيب.
لقد خرج الصراع الإيراني-الإسرائيلي/الأميركي من قمقمه التقليدي ولم يعد مجرد نزاع بين دولتين، بل بات بنيةً صدامية متداخلة تضم قوى رسمية وغير رسمية، وشبكات إعلامية، وأدوات تكنولوجية، وحسابات جيوسياسية عابرة للحدود. ولم يعد ممكنًا فهمه فقط عبر توازن القوى، بل ينبغي تفكيكه ضمن منطق “الفوضى المتموضعة” التي تعيد تشكيل المنطقة.
والأرجح ألا تتم أي تسوية حقيقية عبر التفاهم بين طهران وتل أبيب فقط، بل من خلال إعادة رسم كامل لخريطة الاصطفافات الإقليمية، وترسيخ قواعد اشتباك جديدة تُراعي الطبيعة المركبة للتهديدات المعاصرة.
أوضحنا، في الفقرات السابقة، أن الصراع الإيراني-الإسرائيلي لم يعد محصورًا في النطاق الجغرافي أو الأيديولوجي الضيق، بل أصبح ساحة اشتباك مركب تشمل الفضاء السيبراني، وساحات الحلفاء، والحروب بالوكالة، والتضليل الإعلامي. فمنذ خروج إيران من دائرة التحالفات التقليدية، بعد 1979، اصطدمت مباشرة بالمصالح الأمنية والإستراتيجية الإسرائيلية، وهو ما فاقمه الغطاء الأميركي لإسرائيل وفشل مسارات التسوية. وإن كانت حرب يونيو/حزيران 2025 قد كشفت عن توازن جديد في معادلة الردع، فإنها لم تضع حدًّا للصراع، بل أعادت تشكيله ضمن منطق الردع المتبادل والمفتوح. ولعل أخطر تحدٍّ في هذا الصراع هو طابعه البنيوي، بحيث لا يمكن تجاوزه دون إعادة هيكلة كاملة للنظام الإقليمي، ومعالجة الأسباب الجذرية، وإعادة بناء الثقة في منظومة أمنية شاملة تتجاوز منطق التفوق والهيمنة. يبقى المستقبل مفتوحًا على كل الاحتمالات، بين تسوية تُفرض من الخارج أو مواجهة تتكرر أو تعايُش دائم مع التوتر، وما لم يتم خلق توازنات إقليمية جديدة مبنية على تفاهمات شاملة تتجاوز منطق الاستقطاب، وما لم تبرز مبادرات إقليمية ودولية جذرية لإعادة بناء منظومة أمن جماعي تتجاوز منطق المحاور والهيمنة، فإن المنطقة ستبقى عرضة لتكرار دورات العنف، مع كل ما يحمله ذلك من تكلفة بشرية وتنموية وإستراتيجية عالية التكلفة(35).
المراجع
(1) Maurice Labelle, Trita Parsi, Treacherous Alliance: The Secret Dealings of Israel, Iran, and the U.S., Book Reviews, (Viewed at 11/7/2025): https://journals.lib.unb.ca/index.php/jcs/article/view/15245/19642
(2) Iran and Israel: From allies to archenemies, how did they get here?, Aljazeera English, 6/11/2023, (Viewed at 11/7/2025): https://www.aljazeera.com/news/2023/11/6/iran-and-israel-from-allies-to-archenemies-how-did-they-get-here
(3) Rana Nejad, Iran and Israel’s Covert Pragmatic Friendship, /new Lines Magazine, 29/1/2025 (Viewed at 11/7/2025): https://newlinesmag.com/argument/iran-and-israels-covert-pragmatic-friendship/
(4) International Crisis Group, A Twelve-Day War, A New Middle East? 27/6/2025, (Viewed at 13/7/2025): https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/iran-israelpalestine/twelve-day-war-new-middle
(5) Maurice Labelle, Op.Cit.
(6) Leon Hadar, The collapse of Israel’s ‘Periphery Doctrine’ Foreign Policy, 26/6/2010 (Viewed at 13/7/2025): https://foreignpolicy.com/2010/06/26/the-collapse-of-israels-periphery-doctrine/
(7) Between Partnership and Enmity: The Complex History of Israeli-Iranian Relations, Mena Research Center, 17/6/2025 (Viewed at 14/7/2025): https://www.mena-researchcenter.org/between-partnership-and-enmity-the-complex-history-of-israeli-iranian-relations/
(8) Luciana Manfredi, El conflicto árabe -israelí : Historia y perspectivas de resolución , 2007, (Viewed at 11/7/2025): https://www.academia.edu/43258073/El_conflicto_%C3%A1rabe_israel%C3%AD_Historia_y_perspectivas_de_resoluci%C3%B3n?sm=b
(9) Par Zoé Boiron, Accord sur le nucléaire iranien: que s’est-il passé depuis le retrait américain?, 9/5/2019 (Viewed at 11/7/2025): https://www.lefigaro.fr/international/accord-sur-le-nucleaire-iranien-que-s-est-il-passe-depuis-le-retrait-americain-20190508
(10) Éric Denécé, Le renseignement, clé de voûte de la sécurité d’Israël, Politique Internationale, (Viewed at 11/7/2025): https://politiqueinternationale.com/news/coup-de-projecteur/le-renseignement-cle-de-voute-de-la-securite-disrael.
(11) Nicole Gnesotto, Israël – Iran : arrêter la stratégie du pire, Institut Jacques Delors, 16/4/2024, (Viewed at 11/7/2025): https://institutdelors.eu/publications/israel-iran-arreter-la-strategie-du-pire/
(12) فضيحة إيران-كونترا: كشفت هذه العملية، المعروفة باسم قضية إيران-كونترا، عن حقيقة متناقضة: كانت إيران، التي ندَّدت بإسرائيل كعدو، تشتري، بدعم غير مباشر من الولايات المتحدة، أسلحة من تل أبيب. وهذا يوضح الطبيعة البراغماتية والمتناقضة أحيانًا للسياسة الخارجية الإيرانية حتى في بداية الجمهورية الإسلامية، عندما كان الخطاب المعادي لإسرائيل شديدًا بشكل خاص. كانت الآثار المترتبة على هذه القضية مهمة؛ حيث كشفت عن تعقيد العلاقات الدولية والطريقة التي يمكن أن تؤدي بها المصالح الجيوسياسية في بعض الأحيان إلى تحالفات وأفعال مفاجئة.
(13) Timeline: Israeli Attacks on Iran, Iran Primer, 31/7/2024, (Viewed at 11/7/2025): https://iranprimer.usip.org/blog/2022/aug/11/timeline-israeli-attacks-iran
(14) اختلاف قواعد اللعبة: الصراع الإيراني الإسرائيلي من منظور نظرية الألعاب الفائقة، الملتقى الإستراتيجي، 14 يونيو/حزيران 2025 (تاريخ الدخول: 14 يوليو/تموز 2025)، https://shorturl.at/OGcGF
(15) “اغتيال فخري زاده في إيران: كواليس عملية الموساد تكشف تفاصيل “غير مسبوقة” .”يورونيوز عربية، 9 يوليو/تموز 2025، (تاريخ الدخول: 14 يوليو/تموز 2025)،
(16) Francesco Petrucciano, What is at stake between Tel Aviv, Teheran and Washington? Geopolitica.Info, 15/6/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://www.geopolitica.info/israel-iran-new-pearl-harbour/
(17) اغتيال فخري زاده في إيران: كواليس عملية الموساد تكشف تفاصيل “غير مسبوقة، Euro News، 9 يوليو/تموز 2025 (تاريخ الدخول: 14 يوليو/تموز 2025)،
https://arabic.euronews.com/2025/07/09/fakhrizadehs-assassination-behind-the-scenes-mossad-operation-reveals-horrific-and-unpre
(18) Background and Status of Iran’s Nuclear Program, Arms control, (Viewed at 14/7/2025): https://www.armscontrol.org/research-reports/2014-06/section-1-background-status-irans-nuclear-program
(19) Hicham Alaoui, Vers un nouvel ordre régional au Proche-Orient, June 2025, (Viewed at 14/7/2025): https://www.monde-diplomatique.fr/2025/06/ALAOUI/68457
(20) Silvia Boltuc, Iran’s Backing of Palestine: A Historical and Ideological Convergence, Speciale Urasia, Volume 19 Issue 3, (Viewed at 14/7/2025): https://www.specialeurasia.com/2023/12/18/irans-backing-of-palestine/
(21) Zoé Boiron, Accord sur le nucléaire iranien: que s’est-il passé depuis le retrait américain?, 9/5/2019, (Viewed at 14/7/2025): https://www.lefigaro.fr/international/accord-sur-le-nucleaire-iranien-que-s-est-il-passe-depuis-le-retrait-americain-20190508
(22) La Operación “Martillo de Medianoche” Pucara, 4/7/2025, , (Viewed at 14/7/2025): a. https://www.pucara.org/post/la-operaci%C3%B3n-martillo-de-medianoche
(23) Hossein Salami, jefe de la Guardia Revolucionaria: Israel acaba con su gran objetivo en Irán, Elpais, (Viewed at 14/7/2025): https://elpais.com/internacional/2025-06-13/israel-bombardea-instalaciones-nucleares-y-militares-en-iran-y-mata-al-jefe-de-la-guardia-revolucionaria.html
(24) شادي عبد الحافظ، غموض “إف-35”.. هل أسقطتها الدفاعات الجوية الإيرانية حقًّا؟، الجزيرة نت، 17 يونيو/حزيران 2025 (تاريخ الدخول: 14 يوليو/تموز 2025)، https://shorturl.at/QaDNt
(25) وكالة فارس للأنباء، كيف حاول العدو الصهيوني اغتيال المسؤولين الإيرانيين على غرار اغتيال الشهيد نصر الله؟، 13 يوليو/تموز 2025 (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2025)، https://shorturl.at/C0Hln
(26) Ezzat Ibrahim, The Israel–Iran Media War..How narratives shape conflicts, 23/6/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://futureuae.com/en-US/Mainpage/Item/10264/the-israeliran-media-war-how-narratives-shape-conflicts
(27) وزارة الخارجية القطرية، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية: الهجوم على قاعدة العديد غير مقبول ونتمسك بسياسة حسن الجوار، 24 يونيو/حزيران 2025 (تاريخ الدخول: 16 يوليو/تموز 2025)، https://shorturl.at/GrQWK
(28) Hasan Alhasan, Rebuilding GCC–Iran relations in the shadow of war. The International Institute for Strategic Studies (IISS), 3/7/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://www.iiss.org/online-analysis/online-analysis/2025/07/rebuilding-gcciran-relations-in-the-shadow-of-war/
(29) Understanding the War between Israel and Iran, Stanford, 18/6/2025. (Viewed at 14/7/2025): https://fsi.stanford.edu/news/understanding-war-between-israel-and-iran-qa-amichai-magen-and-abbas-milani
(30) Paul Salem, The Israel-Iran war: Scenarios for the days and years ahead, 18/6/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://www.mei.edu/publications/israel-iran-war-scenarios-days-and-years-ahead
(31) Mahmoud Hamdy Abo El-Kasem, The Middle East Conflict and Indications of Change in the Strategic Environment, International Institute for Iranian Studies, 10 Feb 2025, (Viewed at 14/7/2025): https://rasanah-iiis.org/english/centre-for-researches-and-studies/the-middle-east-conflict-and-indications-of-change-in-the-strategic-environment/
(32) Gulf states on high alert after US strikes Iran’s nuclear sites, Ruetre, 22/6/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://www.reuters.com/world/middle-east/bahrain-kuwait-prepare-possible-iran-conflict-spread-2025-06-22/
(33) Iran and Israel crisis: what does it mean for the price of oil? The Guardian, 16/6/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://www.theguardian.com/business/2025/jun/16/iran-israel-conflict-middle-east-oil
Amr Hamzawy, Ending the New Wars of Attrition: Opportunities for Collective Regional Security in the Middle East. Carnegie Endowment for International Peace, 5/3/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://carnegieendowment.org/research/2025/03/ending-the-new-wars-of-attrition-opportunities-for-collective-regional-security-in-the-middle-east?lang=en
(34) Israel-Iran Conflict Spurs China to Reconsider Russian Gas Pipeline. WSJ, 24/6/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://www.wsj.com/world/china-russia-gas-pipeline-iran-conflict-e19523b3
(35) Israel and Iran at War: What Comes Next? CSIS, 17/6/2025, (Viewed at 14/7/2025): https://www.csis.org/analysis/israel-and-iran-war-what-comes-next