مقدمة

بعد مرور عقدين ونيف على نشأة الصحافة الإلكترونية في العالم العربي وبروزها كصناعة إعلامية في بيئة اتصالية ورقمية جديدة لا تزال إشكالية حرية الصحافة الإلكترونية تؤثر في بنية وهيكلية هذه الصناعة وتطور بيئتها التنظيمية التي تُمثِّل العلاقة بين الحكومة ووسائل الإعلام، وكذلك في صَوْغ إطارها الوظيفي الذي يحدد طبيعة القطاع نفسه ومصادر تمويله وأجندته ومهنيته، وموقعه وسلوكه كراوٍ للثقافة السياسية وأداة للخطاب العام وبناء الهوية. وتزداد أبعاد هذه الإشكالية تعقيدًا إذا نظرنا إلى البيئات والسياقات المختلفة التي تتفاعل مع بيئة الصحافة الإلكترونية العربية؛ حيث تعكس الأنساق السياسية ومتغيراتها، والنظم الاقتصادية، ثم القيم والمعايير التي تُؤَطِّر الفعل السياسي والأهداف التي تحكم أداءه (السياق المعياري) تضييقًا وتحكُّمًا في العمل الصحفي الإلكتروني. وهو ما تكشفه التقارير المحلية والدولية التي ترصد واقع الممارسة الإعلامية وتقيس مؤشر حرية الصحافة في المجال العربي؛ حيث تحتل معظم الدول العربية أسفل الترتيب في هذا المؤشر، وبات بعضها يمثِّل “نقاطًا سوداء للمعلومة”(1)، مما يُكرِّس “بيئة غير صديقة” بل “بيئة معادية” تنظيميًّا/تشريعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا للعمل الإعلامي وحرية الصحافة في بعض الدول.

ولئن كان هذا “الوضع الصعب”، و”السيء” في بعض الحالات والتجارب، يخص حرية الصحافة عمومًا في العالم العربي، فإن الملاحظة الاستكشافية تُبْرِز أيضًا مظاهر بيئة غير صديقة لحرية الإعلام الرقمي، ولاسيما حرية الصحافة الإلكترونية في مراحل مختلفة لِتَشَكُّل هذه الصناعة الإعلامية في المجال العربي وتطور العمل الصحفي الإلكتروني، وهو ما يجسِّده واقع الممارسة الإعلامية الإلكترونية والمنظومة القانونية التي تُؤَطِّر مجال اشتغالها. وتغلب على روح هذه المنظومةِ القانونيةِ القيودُ والعقوبات الزجرية، والإسرافُ في التجريم، والقوانينُ المُشَرِّعَة للحجب وآلياتُ الرقابة قبل رؤية تنظيم القطاع وتقنينه، بل لا يزال بعضها مسكونًا بالعقوبة الحبسية مثل قانون الصحافة والإعلام في مصر(2)، أو منع الصحفيين من حق الكتابة مثل قانون الصحافة والمطبوعات المُعَدَّل في السودان الذي منح المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية (وهو مجلس تابع لرئاسة الجمهورية) صلاحيةَ تعليق صدور الصحيفة لفترة لا تتجاوز 15 يومًا بدلًا من 3 أيام وفقًا للقانون الصادر عام 2009. كما خوَّل القانونُ المُعَدَّلُ المجلسَ القوميَّ سلطةَ إيقاف الصحفي عن الكتابة لـ”المدة التي يراها مناسبة”، أي عقوبة مفتوحة يُقَدِّر هو مداها مع سحب الترخيص مؤقتًا لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر(3)، وقد اعتبر بعض المهنيين سلطة العقوبات الإدارية التي مُنِحَت للمجلس القومي بدعةً منبوذةً في كل قوانين الصحافة في المجتمعات الديمقراطية تتناقض مع المعايير الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية(4).

ومع تزايد التضييق على الحريات الإلكترونية لاحظ عددٌ من المنظمات والمؤسسات الدولية التي تُعنى بحالة الحريات الصحفية في العالم، تراجعًا لافتًا في حرية الإنترنت بالمنطقة العربية، مثل منظمة فريدوم هاوس، في تقريرها السنوي الخاص بمؤشر حرية الإنترنت في العالم لعام 2017، الذي صنَّف دولًا مثل مصر والسودان والسعودية والبحرين والإمارات وسوريا في خانة “دول غير حرة”، ودولًا أخرى مثل المغرب وتونس وليبيا والأردن ولبنان في خانة “دول حرة جزئيًّا”(5). وهو التصنيف نفسه الذي احتلته هذه الدول في مؤشر حرية الإنترنت لمؤسسة فريدوم هاوس خلال العام 2016(6)، وهو يقيس مستوى هذه الدول فيما يخص حرية الإنترنت، وحرية وسائل الإعلام الرقمي وكذلك حرية وسهولة الوصول إلى المعلومات عبر الأجهزة والمنصات الرقمية المختلفة، وتشمل معايير التصنيف ثلاثة مجالات: عقبات الوصول إلى المعلومات، والقيود على المحتوى، وانتهاكات حقوق المستخدم.

ورغم المشتركات التي تجمع وحدات العينة في تصنيفات مؤشر حرية الإنترنت (دول حرة، حرة جزئيًّا، غير حرة)، فإن ذلك لا يعني تَمَاثُل جميع الحالات والتجارب، خصوصًا في حقل الصحافة الإلكترونية وما يميز إطارها التشريعي والقانوني والسياسي، فضلًا عن أوضاعها المهنية المختلفة؛ إذ تحتفظ تلك الحالات في المجال العربي بخصوصيتها وطابعها المحلي الذي تنتجه السياقات المتعددة (السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية) في تفاعلها مع البيئة الإعلامية، وهو ما يجعلنا نفترض أن تجربة الصحافة الإلكترونية في الأردن تتميز بتحولات وانتقالات وانعطافات واتجاهات مختلفة في استيعابها لإشكالية حرية الصحافة زهاء العقدين المنصرمين. وفي ضوء ذلك نفترض أيضًا أن العمل الصحفي الإلكتروني في الأردن أنتج مفهومًا خاصًّا أو مفهومًا جديدًا لحرية الصحافة الإلكترونية عبر تفاعله مع محيطه السياسي، كما أنتج فاعلين جددًا من خارج الجسم الصحفي التقليدي أسهموا في بلورة المفهوم الجديد لحرية الصحافة الإلكترونية وصياغة مرتكزاته ضمن سياق تطورات المشهد السياسي والاجتماعي الذي وُسِمَت إحدى محطاته بالحراك الشعبي ومطالبته بإصلاح النظام السياسي في العام 2011. وهنا، نفترض أيضًا وجود علاقة تبادلية بين مظاهر البيئة الإعلامية للصحافة الإلكترونية والسياق السياسي العام؛ إذ ينعكس هذا التفاعلُ بين بيئة العمل الإعلامي الإلكتروني والسياقات المختلفة في حالة الممارسة الإعلامية ونسق تغطيتها ومعالجتها للقضايا التي تهمُّ الرأي العام، والإطار الوظيفي للعمل الصحفي الإلكتروني، ويؤثر أيضًا في جوهر حرية الصحافة الإلكترونية وحدودها وطبيعة أبعادها، وكذلك في المنظومة القانونية التي تؤطِّر الممارسة المهنية، وعلاقة الصحافة بالسلطة والنظام السياسي عمومًا.

إذًا، تُشَكِّل هذه الفروض منطلقًا للبحث في حالة حرية الصحافة الإلكترونية* بالأردن ضمن سياقاتها القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، واستقصاء العوامل والمؤشرات الصديقة للحريات والأدوات الكابحة لها التي تؤثر في اتجاهاتها ومساراتها، والعلاقة التبادلية بين بيئة العمل الإعلامي الإلكتروني والبيئات المختلفة التي يتفاعل معها. وستركز الدراسة في مقاربة تلك الفروض ومتغيراتها على المحاور الآتية:

  1. حالة حرية الصحافة الإلكترونية: مساراتها وانعطافاتها.
  2. الإطار التشريعي والمنظومة القانونية للصحافة الإلكترونية.
  3. السياق السياسي لبيئة العمل الصحفي الإلكتروني.

تستند الدراسة في فهم حالة حرية الصحافة الإلكترونية بالأردن ومساراتها وتحولاتها إلى مدخل إيكولوجيا الإعلام الذي يُعنى بدراسة البيئات الإعلامية؛ حيث تلعب التكنولوجيا والتقنيات ونموذج المعلومات ورموز الاتصال دورًا أساسيًّا في الشؤون الإنسانية(7)، أي البحث في العلاقات بين الفاعلين ومعالجات المنظومات الإعلامية في مستويات مختلفة؛ لاسيما أن دراسة وسائل الإعلام تستدعي التفكير في المحتوى والكيفية التي يؤثر بها في الناس، وكيف يمكن لهؤلاء الذين تعرضوا لوسائل الإعلام اتخاذ إجراءات للتأثير في المنظومات الاجتماعية(8). إذًا، يدرس المدخل النظري لإيكولوجيا الإعلام كيفية تأثير الإعلام في الإدراك الإنساني، والفهم، والشعور، والقيمة، وكيف أن تفاعل الإنسان مع الإعلام يُسَهِّل أو يُعَقِّد فرصه في البقاء، وهو ما يقتضي أيضًا دراسة البيئات: هيكلها ومحتواها وتأثيرها في الناس؛ إذ تُمَثِّل البيئةُ نظامَ رسائل معقدًا يفرض على البشر بعض طرق التفكير والشعور والتصرف، وتعمل على صوغ ما يمكن رؤيته والحديث عنه ومن ثم ممارسته، وتحدد الأدوار التي يقوم بها الإنسان وتساعده على القيام بها، وتُعَيِّن ما يُسْمَح وما لا يُسْمَح له فعله. إن إيكولوجيا الإعلام تدرس وسائل الإعلام باعتبارها بنيات وهياكل(9) تؤثر في رؤية الفرد لمحيطه.

ويساعدنا هذا المدخل النظري في دراسة البيئات المختلفة للصحافة الإلكترونية في الأردن، والتي تشمل المحتوى والبنية والوظيفة والتأثير الاجتماعي وعلاقاتها التبادلية من جهة، ثم تفاعلات هذه البيئات مع السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من جهة ثانية. وتستفيد الدراسة أيضًا في مقاربتها لهذه القضايا من إثنوغرافيا التواصل لاهتمامها أولًا: بالجوانب الثقافية والاجتماعية أثناء تفسير المعاني والسلوك تفسيرًا شاملًا. وثانيًا: باعتبارها منهجية بحث اجتماعي يتميز باندماج الباحث في مجتمع الدراسة لفترة من الزمن ومراقبة ما يحدث ويسمع ما يُقال لجمع البيانات بهدف تسليط الضوء على قضايا محورية في البحث. ومن ثم فإن البحث عبر طريقة إثنوغرافيا التواصل يقع بين حدود البحث الكيفي السوسيولوجي لمجرد الفهم وبين البحث الإجرائي لأن هدفه تحليل الخطاب ثم إعادة بنائه(10). وفي سبيل الوصول إلى تفسير شمولي يستعمل المختصون في إثنوغرافيا التواصل المقابلات والملاحظات الحقلية وغيرها من وسائل جمع المعلومات(11)، وهما (أي المقابلة والملاحظة) الأداتان البحثيتان اللتان تساعدان أيضًا في تحديد اتجاهات المبحوثين والتعرف على العوامل التي تؤثر في مواقفهم، فضلًا عن تنظيم المعلومات وترتيبها وتقليل التأويل والفهم الخاطئ(12).

ويتشكَّل مجتمع الدراسة من فئات وقطاعات مختلفة تُمثِّل جزءًا من بيئة الصحافة الإلكترونية، ومكونات فاعلة في بنيتها وهيكلها وإطارها الوظيفي وموقعها كراوٍ للثقافة السياسية وأداةٍ للخطاب العام، وقد بلغ عدد مفردات عينة الدراسة 24 وحدة تشمل الفاعلين المهنيين، خاصة رؤساء تحرير المواقع الإخبارية الإلكترونية، والفاعلين النقابيين، وكتَّاب الرأي، والباحثين والأكاديميين، والفاعلين الحقوقيين، والبرلمانيين/المشرعين. وجاء توزيع وحدات العينة كالآتي: 10 صحفيين وناشرين (ناشر موقع عمون، سمير الحياري، ورئيس تحرير صحيفة المقر، سلامة الدرعاوي، ورئيس مجلس إدارة المقر، طاهر العدوان، والمحررة التنفيذية لمجلة حِبْر ومحاضرة في الإعلام الرقمي في معهد الإعلام الأردني، لينا عجيلات، ورئيسة تحرير موقع وكالة البوصلة الإخبارية، ربى كراسنة، وناشر وكالة البوصلة، عبادة الزرقان، ورئيس تحرير موقع خبرني، محمد الحوامدة، ومدير شبكة الإعلام المجتمعي ومؤسس موقع عمان نت وراديو البلد، داود كتاب، ومدير عام وكالة أنباء سرايا، هاشم الخالدي، ورئيس تحرير موقع المستقبل سابقًا، شاكر الجوهري)، وعضوان في نقابة الصحفيين الأردنيين (نقيب الصحفيين، راكان السعايدة، وعضو مجلس النقابة، خالد القضاة)، واثنان من كتَّاب الرأي (حلمي الأسمر وسميح المعايطة)، و5 من الأكاديميين والباحثين (عميد كلية الإعلام في جامعة البتراء، تيسير أبوعرجة، وعميد معهد الإعلام الأردني، باسم الطويسي، ورئيس مركز الرأي للدراسات، خالد الشقران، والباحث والناشط السياسي هاني الحوراني، والباحث والكاتب السياسي وليد حسني زهرة)، واثنان من الحقوقيين (الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، والمديرة التنفيذية لمؤسسة ميزان للقانون، إيفا أبو حلاوة)، وعضوان برلمانيان (صالح العرموطي عن كتلة التحالف الوطني للإصلاح ونقيب المحامين الأردنيين الأسبق، ومصطفى فؤاد الخصاونة عضو عن كتلة العدالة)، ورئيس هيئة الإعلام، محمد قطيشات. وقد أجرى الباحث جميع هذه المقابلات خلال الفترة الممتدة بين 18 و25 ديسمبر/كانون الأول 2017 في عَمَّان.

ويساعد هذا التنوع والتعدد في وحدات العينة أيضًا في تفسير حالة حرية الصحافة الإلكترونية بالأردن ومؤشرات بيئتها الصديقة والسياقات الكابحة للحريات انطلاقًا من رؤى وزوايا مختلفة، وكذلك الإحاطة بالاتجاهات التي تعكسها ممارسة العمل الصحفي الإلكتروني في استيعاب الحرية الصحفية وحدودها وأبعادها، والعوامل المؤثرة في هذه الاتجاهات وعلاقتها بالسياقات والبيئات المحيطة بها.

  1. حالة حرية الصحافة الإلكترونية: مساراتها وانعطافاتها

تتأثر الحرية الصحافية بعوامل متعددة ومختلفة، حيث تلعب السياقات ببعديها، السوسيولوجي والتاريخي، دورًا مهمًّا في إنتاج الأفكار والمفاهيم وأيضًا الاتجاهات التي تنشأ وتترعرع في سياقات حاضنة تتدافع فيها معادلات التحدي والاستجابة كي تنتج أفكارًا سرعان ما تُترجم إلى صياغات رمزية تنبثق منها الأطر البنيوية الخاصة بكل مفهوم، فالمفهوم ابن زمنه وابن بيئته(13). من هذا المنطلق، فإن حرية الصحافة الإلكترونية وممارستها لا تنفصل عن السياقات السياسية والقانونية (في المستويين العام والخاص) والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تُؤَطِّر بيئة العمل الإعلامي الإلكتروني وتتفاعل معه. لذلك، فإن النظر في حالة الحرية الصحفية الإلكترونية بالأردن والبحث في مساراتها وانعطافاتها منذ نشأة هذا الإعلام وتطور تجاربه الصحفية يكشف اختلاف السياقات التي حكمت الممارسة الإعلامية الإلكترونية ومفهوم حرية الصحافة نفسه. وهنا، يميز الفاعلون المهنيون والباحثون المشتغلون بهذا الحقل بين ثلاثة مراحل لحالة حرية الصحافة الإلكترونية، ترتبط أساسًا بالبعدين التشريعي والسياسي، أولًا: حالة حرية الصحافة الإلكترونية قبل التشريع (2006- 2011)، أي قبل صدور أي قانون لتنظيم العمل الإعلامي الإلكتروني، ثانيًا: حالة حرية الصحافة الإلكترونية بعد التشريع (2012- 2015)، ثالثًا: حالة حرية الصحافة الإلكترونية (2016/ -).

1.1. حالة حرية الصحافة الإلكترونية قبل التشريع (2011- 2016)    

ليس ثمة سمة مخصوصة لحالة حرية الصحافة الإلكترونية في هذه المرحلة؛ إذ تمتزج فيها مظاهر مختلفة في ظل غياب منظومة أو إطار قانوني ينظِّم ممارسة العمل الصحفي الإلكتروني الذي كان يخضع خلال هذه المرحلة لمقتضيات قانون المطبوعات والنشر رقم (8) لسنة 1998 قبل أن يُعَدَّل في العام 2012 (قانون المطبوعات والنشر المُعدَّل رقم 32 لسنة 2012) ويستوعب الصحافة الإلكترونية؛ حيث ألزم في مادته (49) المطبوعات الإلكترونية التي تنشر الأخبار والتحقيقات والمقالات والتعليقات بالتسجيل والترخيص، لكن في الوقت نفسه تُطَبَّق عليها جميع التشريعات النافذة ذات العلاقة بالمطبوعة الصحفية(14).

أ- سقف مفتوح يتجاوز التابوهات

في سياق الفراغ القانوني، الذي واكب مرحلة التأسيس وتطور النشاط الصحفي الإلكتروني خلال الأعوام الستة الأولى، تشكَّلت حالة خاصة بحرية الصحافة لهذا القطاع الإعلامي؛ تختلف رؤى الفاعلين المهنيين والمشتغلين بهذا الحقل في تحديد معالمها وأبعادها وإن كان هناك شبه إجماع على “ارتفاع منسوب أو مستوى حرية الصحافة الإلكترونية” عمومًا في هذه الفترة، بل يعتبره مدير عام وكالة أنباء سرايا، هاشم الخالدي، “مستوى جيدًا، حيث كان السقف عاليًا؛ لأن الدولة لم تكن تنتبه لخطورة المواقع الإخبارية الإلكترونية”(15). وتكاد هذه الدرجة المعيارية التي تُقِرُّ بـ”مستوى جيد و/أو سقف مرتفع” للحرية تَرِد في خطاب معظم الفاعلين** كاشفةً تأثير الصحافة الإلكترونية في الحريات الإعلامية بالأردن. وهنا، يستخدم ناشر وكالة البوصلة الإخبارية؛ عبادة الزرقان، ما سمَّاه “سقفًا مفتوحًا” لوصف حالة حرية الصحافة الإلكترونية خلال هذه المرحلة، “خاصة أن النشاط الإعلامي الإلكتروني لم يكن يخضع لأي تنظيم قانوني، كما لم يكن هناك تضييق على هذا النشاط الإعلامي؛ إذ شكَّلت الصحافة الإلكترونية متنفسًا كبيرًا للجمهور تُعَبِّر عن آرائه بشكل حقيقي في بعض المراحل”(16).

وكان من مظاهر هذه الحالة -كما وصفتها المحررة التنفيذية لمجلة حِبْر والمحاضرة في الإعلام الرقمي في معهد الإعلام الأردني، لينا عجيلات- أن “توسَّعت حدود الحرية الإعلامية وظهرت مواقع ذات توجهات سياسية معارضة ونقدية، وبدأت ملامسة المحرمات سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. وسرعان ما تم تكسير الكثير من التابوهات (المقدسات) والخطوط الحمراء في العام 2011، مثل: الملك والجيش والمخابرات. وامتلكت هذه الصحافة القدرة على انتقاد المؤسسات بشكل واضح وصريح وكان الأمر غير مسبوق. فقد كنا نعالج جميع المواضيع بأبعاد نقدية دون أن نتعرض لأي إشكالات..”(17). ويلاحظ بعض الصحفيين المهنيين أن القوة التأثيرية للنشاط الصحفي الإلكتروني في المشهد السياسي وارتفاع منسوب الحرية ظهرت معالمهما قبل لحظة الربيع العربي. فقد كانت مرحلة التأسيس، وانطلاقًا من العام 2007، فترة خصبة للنقد الذي تعزَّز في العام 2008، كما يرى رئيس تحرير موقع خبرني، محمد الحوامدة، بل وجدت الصحافة الإلكترونية نفسها تقوم بدور المعارضة في العام 2009 وذلك منذ اليوم الأول لتكليف سمير زيد الرفاعي بتشكيل الحكومة (9 ديسمبر/كانون الأول 2019- 1 فبراير/شباط 2011)(18)، وقد شكَّل هذا المناخ السياسي البيئة الحاضنة و”الصديقة” لهذا الاتجاه. وفي هذا السياق، “لم يعد هناك سقف لحرية الصحافة الإلكترونية، كما يرى الباحث وليد حسني زهرة، بل أصبح هذا السقف وهميًّا؛ إذ تم خرق كل التابوهات، وباتت الصحافة الإلكترونية تتحدث عن القصر والعائلة المالكة والجيش.. إلخ. وقد أسهم ذلك في اهتمام الجمهور بهذه الوسائط الجديدة التي لا سقوف لها وكانت أقرب إلى المواطنين من الصحافة الكلاسيكية”(19).

لقد كرَّست هذه الحالة مزيدًا من الجرأة في معالجة ومتابعة قضايا الشأن العام وأيضًا في طرح الموضوعات والإشكاليات التي تعرفها جميع المجالات والقطاعات، وهو ما يشير إليه الأكاديمي وعميد معهد الإعلام الأردني، باسم الطويسي، الذي لاحظ جرأة الصحافة الإلكترونية في تناول قضايا سياسية لم يكن الإعلام يتجرَّأ عليها في السابق؛، ففي القضايا الاجتماعية مثلًا يتم نقد العشيرة، وفي السياسة يتم نقد العلاقة الأردنية-الفلسطينية، “وهي قضية تثير حساسية كبيرة في العلاقة بين الطرفين..كما أن القضايا الثقافية التي تتعلق بحقوق المرأة كان يتم تناولها بجرعة كبيرة من الحرية”(20).

هذا “السقف المفتوح” في حرية الصحافة الإلكترونية، وكذلك “الجرأة” التي وَسَمَت النشاط الصحفي الإلكتروني في متابعته لقضايا الشأن العام ومناقشة الموضوعات السياسية والاجتماعية والثقافية، يربطهما البعض بالدينامية السياسية التي خلقتها مجموعة من الأحداث في المشهد السياسي الأردني، مثل حراك المتقاعدين العسكريين والبيان الذي صدر عن هؤلاء في مايو/أيار 2010 مُطَالِبًا بإنقاذ البلاد من خلال برنامج يشتمل على عدد من البنود، داعيًا إلى تشكيل الحكومات على أساس يُمَثِّل الشعب الأردني وليس مراكز النفوذ والعائلات الحاكمة ورجال الأعمال، والالتزام والتقيد بروح الدستور ونصوصه والابتعاد عن المزاجية في اختيار شخوص الحكومة، والوظائف العليا التي يجب أن تكون بعيدة عن العلاقات الشخصية أو المالية وأن تضع المصلحة العليا للوطن فوق كل الاعتبارات من خلال اختيار شخصيات وطنية معروفة بالانتماء والنزاهة. كما طالب البيان بشن حملة حقيقية وشاملة لمكافحة الفساد ومصادرة ثروات الفاسدين، واستعادة الملكية العامة للقطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، والشروع في سياسات تنموية وطنية يكون عمادها أولوية الريف والبادية، وإطلاق حرية التنظيم والنشاط السياسي والإعلامي(21).

وهنا، نلاحظ أن بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية شكَّلت منصات لانتقاد اختيارات السلطة وأجهزتها الحكومية مستفيدة من دينامية السياق السياسي العام، وقد تعزَّز ذلك البعد النقدي للنشاط الصحفي الإلكتروني خلال الحراك السياسي الذي شهده الأردن في ظل الربيع العربي. “فقد كانت هذه اللحظة السياسية، في نظر الباحث هاني الحوراني، فترة ازدهار الصحافة الإلكترونية التي ارتفع فيها سقف الحرية، وكانت (الصحافة الإلكترونية) بجانب الإعلام الاجتماعي مصدرًا لمعرفة أصوات الحراكات، مما جعل الربيع العربي فترة الذروة بالنسبة لحرية الصحافة الإلكترونية”(22)، بل يبدو نشاط بعض المواقع الإخبارية متماهيًا مع الحراك ومع مطالبه لمجاراة الحراك الشعبي الذي رفع من سقف مطالبه السياسية والإصلاحية وانتقاداته المباشرة للحكم والدولة(23). “لقد كنا نسير معًا، يقول ناشر وكالة عمون، سمير الحياري، وندفع باتجاه الحرية والتغيير، وقد كانت التعديلات الدستورية من ثمار ما جرى في الصحافة الإلكترونية والحراك”(24). في الواقع، قد لا يكون النشاط الصحفي الإلكتروني عاملًا جوهريًّا وحاسمًا في ثمار الحراك كما يرى الحياري، لكنه “لعب دون شك دورًا في تأجيج الحراك الذي كان سقفه لا يتجاوز الإصلاح السياسي، بحسب ناشر وكالة البوصلة الإخبارية، عبادة الزرقان، حيث تفاعلت المواقع والصحف الإلكترونية مع مطالب الإصلاح والتعديلات الدستورية”(25).

وفي رصدنا لحالة حرية الصحافة الإلكترونية في هذه المرحلة يجب ألا نُغفِل متغيرًا آخر كان له دور مهم في الدرجة المعيارية التي بلغتها الحرية، ويتمثَّل في خصوصية الصحافة الإلكترونية نفسها التي تسمح للمتلقي/المستخدم بالتفاعل مع المحتوى باعتبار ذلك أحد مفاتيح القيمة المضافة لهذا الإعلام. وبشكل عام هناك خاصيتان تميِّزان التفاعلية، أولًا: أن الاتصال يكون متعدِّد الاتجاهات بين المرسلين والمستقبلين، وثانيًا: أن مشاركة الأفراد يتم التحكم فيها أثناء عملية الاتصال(26)، وهذا يعني أن الاتصال أصبح في اتجاهين تتبادل فيه أطراف عملية الاتصال الأدوار، ويكون لكل طرف فيها القدرة والحرية في التأثير على عملية الاتصال في الوقت والمكان الذي يُناسبه وبالدرجة التي يراها(27). ويترتب على ذلك ما يلي:

– لا يقف دور المستقبِل عند حدود التلقي والقيام بالعمليات المعرفية في إطار الاتصال الذاتي بعيدًا عن المرسل أو القائم بالاتصال، أو تكون قراراته في حدود القبول والاستمرار، أو التوقف والعزوف عن العملية الاتصالية فقط، ولكن تحوَّل المستخدم إلى مشارك في عملية الاتصال ومؤثِّر في بناء عناصرها باختياراته المتنوعة والمتعددة.

– لا تتوقف المشاركة فقط على الاختيار المطلق من بين المخرجات أو المحتوى النهائي في عملية الاتصال، بل تمتد إلى التأثير في عملية بناء المحتوى وتوجيهه سواء كان هذا التأثير تزامنيًّا مع عرض البرامج أو المحتوى أو غير تزامني عند التعرض إلى البرامج طبقًا لخيارات زمن التعرض بالنسبة للمتلقي(28).

وهنا، أصبحت التعليقات تحظى بأهمية اتصالية بالغة باعتبارها مؤشرًا محددًا لحجم انتشار الصحيفة الإلكترونية وتأثيرها في المشهد الإعلامي والسياسي، وأيضًا عاملًا مساعدًا في جذب المعلنين، لذلك أفسحت المواقع الإخبارية المجال واسعًا لتعليقات المستخدمين، “وكانت تتفاعل مع الجمهور الذي يعبِّر عن وجهة نظره بكل حرية ويطرح وجهة نظره كاملة في ظل سقف مرتفع للحرية، يقول عبادة الزرقان، لاسيما أنه لم يكن هناك اسم صريح يميز المشارك”(29). وقد سمح ذلك للمستخدم المنتِج للمحتوى بالمساهمة في توسيع فضاء حرية الرأي والتعبير وتعزيز المجال العام لتفاعل الآراء والأفكار؛ فقد “بات المواطن الفاعل الرئيسي الذي دفع الصحافة الإلكترونية لخرق السقوف وتجاوز الخطوط الحمراء والتابوهات، كما يرى الباحث وليد حسني زهرة، فهو لم يكن مستعدًّا للالتزام بهذه الخطوط الحمراء أو التابوهات أو القوانين والتشريعات، ولا ننسى دور الموقع الإخباري الإلكتروني نفسه والعاملين فيه خاصة الصحفيين الإلكترونيين والجيل الجديد من الصحفيين؛ فهؤلاء هم الفاعلون الجدد في رسم حدود حرية الصحافة الإلكترونية”(30).

كان طبيعيًّا أن يؤثر هؤلاء الفاعلون الجدد، لاسيما الصحفيون الإلكترونيون والصحفي المواطن وبعض كتاب الرأي، وهم أحد مؤشرات البيئة الصديقة للحريات، في الحالة الإعلامية الجديدة، وأيضًا في مفهوم الحرية الإعلامية وحرية الصحافة الإلكترونية تحديدًا؛ حيث نشأ مفهوم جديد تجسَّدت أهم أبعاده في الجرأة غير المسبوقة في تناول قضايا الشأن العام، وتجاوز الخطوط الحمراء والتابوهات، وهو ما لاحظه الأكاديمي وعميد كلية الإعلام في جامعة البتراء، تيسير أبوعرجة “أحسسنا أن هناك حالة جديدة، وموضوعات جديدة، وأسماء لكتاب جدد لم يكونوا معروفين ولأساتذة جامعيين..أحسسنا أن هناك رغبات مدفونة تسعى للتعبير عن نفسها في هذه المرحلة”(31). إذًا، خلقت الحوامل الجديدة بيئة إعلامية إلكترونية جديدة مفتوحة بسقف عال، ومفهومًا جديدًا للحرية الصحفية جعل الصحافة التقليدية، لاسيما الصحافة المكتوبة، خارج سوق المنافسة على الخبر والمعلومة، كما يرى الباحث وليد حسني زهرة، “وأصبح هذا السقف وهميًّا في قضايا، مثل: المخابرات والعائلة المالكة والجيش، وهو ما لا يجرؤ عليه الإعلام في دول عربية كثيرة”(32).

ب- فوضى السقف الوهمي 

بموازاة هذه الأبعاد التي حدَّدها الصحفيون المهنيون وكتَّاب الرأي وكذلك الباحثون والأكاديميون لحالة حرية الصحافة الإلكترونية خلال هذه المرحلة، وتُظهر في مجملها الدرجة المعيارية التي ميَّزت هذه الحرية من خلال “المستوى المرتفع و/أو الجيد والسقف المفتوح” الذي أكسبها طابع الجرأة وفتح الباب واسعًا لتسكير التابوهات وتجاوز الخطوط الحمراء، فإن ثمة بُعْدًا آخر يُمَثِّل الجانب السلبي الذي أنتجه هذا السقف المفتوح لحرية الصحافة الإلكترونية. فقد كانت “الفوضى” سمة بارزة للنشاط الصحفي الإلكتروني انعكست سلبًا على حرية الصحافة الإلكترونية، وأنتجت “ممارسات غير مهنية ولا أخلاقية” كانت لها تبعات على هيكلة القطاع ومَأْسَسَتِه.

وهنا، يرصد الفاعلون المعنيون بحرية الصحافة الإلكترونية بعض مظاهر هذه الفوضى في:

– انتشار الأخبار المفبركة والشائعات بسبب الحرية المنفلتة التي ليس لها ضوابط. ويعزو البعض هذا الانفلات إلى عملية الاستقطاب بين مراكز القوى داخل أجهزة الدولة وخارجها، وكذلك الخلفية الصحفية للعاملين في الصحافة الإلكترونية الذين اشتغل معظمهم في الصحافة الأسبوعية؛ حيث اعتمد هؤلاء على الإثارة والتلاعب بالأخبار والألفاظ في تناول بعض القضايا المرتبطة بالفساد، وهو ما أعطى انطباعًا سيئًا عن الصحافة الإلكترونية وخلق الفوضى في الحرية(33).

– انتشار التعليقات الوهمية لإلهاب واستثارة حماس المستخدمين/المعلقين للاشتباك(34).

– إصدار الأحكام القاسية بدل التنوير وإطلاع الرأي العام على المعلومات والحقائق، كما تم توظيف الصحافة الإلكترونية لمحاكمة الأفراد والتجاوز على حقوق الآخرين والاغتيال الرمزي والمعنوي للشخصية(35).

– التشويش الفكري والثقافي الذي تعرض له الجمهور بسبب إغراق المشهد الإعلامي بالصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية، حيث اختلط الحابل بالنابل، كما يرى الصحفي سمير الحياري، وهو ما انعكس سلبًا على جودة المنتج الإعلامي.

– بروز خطاب الكراهية من خلال التعليقات التي أخرجت أشياء مدفونة لدى الناس، بحسب رأي الأكاديمي تيسير أبوعرجة، وكان بعضها يُسِيء أيضًا إلى العشيرة والعائلة والثوابت الوطنية ويثير النعرات ويتدخل في الحياة الخاصة ويخرق الخصوصية(36). بالإضافة إلى القذف والإساءة إلى القيم الاجتماعية، كما يشير الكاتب ووزير الإعلام الأسبق، سميح المعايطة(37).

– انتشار ظاهرة الابتزاز لاستقطاب الإعلانات عبر الضغط بكل الوسائل، كما يلاحظ نقيب الصحفيين الأردنيين، راكان السعايدة؛ إذ أصبحت المواقع الإخبارية منصات لكسب المال، حيث تُسَلِّط الضوء على مستثمر معين للاستفادة منه ماديًّا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم يعد النشر قائمًا على الحقائق والتوثيق والرأي والرأي الآخر. وهو ما شكَّل، في نظر السعايدة، ضربًا لمعايير العمل الصحفي وأخلاقياته وميثاق الشرف المهني(38). لكن هذه الظاهرة تثير أيضًا إشكالية أخرى ترتبط بمصادر تمويل هذا القطاع والتي تتداخل فيها عوامل اتصالية ومصالح اقتصادية وسياسية، وهو ما يؤثِّر في استقلالية المواقع الإخبارية الإلكترونية ومن ثم دورها وإطارها الوظيفي وموقعها في المجال العام كراو للثقافة السياسية وأداة للخطاب، لذلك يصبح متغير التمويل محددًا أساسيًّا لطبيعة البيئة الإعلامية الإلكترونية بكل مكوناتها وعناصرها.

2.1. حالة حرية الصحافة الإلكترونية بعد التشريع (2012- 2015) 

اكتسبت الصحافة الإلكترونية زخمًا كبيرًا وحضورًا قويًّا في سياق الحراك الشعبي، مما جعل بعض التجارب الصحفية تعيش حالة انغمارٍ وتماهٍ مع تطورات هذا الحراك ومساراته، وقد أسهم النشاط الصحفي الإلكتروني عمومًا -قبل مرحلة التشريع- في ضخِّ جرعات من الجرأة وسَّعت مساحات حرية الرأي والتعبير وأدت إلى تكسير الخطوط الحمراء والتابوهات التي لم تستطع الصحافة التقليدية والإعلام الرسمي الاقتراب منها. لكن في المقابل أنتجت الفوضى وانفلات حرية الصحافة الإلكترونية مظاهر سلبية أضرت -أولًا- بالنشاط الصحفي الإلكتروني، وثانيًا: بالمجتمع ومنظومته القيمية والثقافية، كما لاحظ معظم الفاعلين المهنيين والباحثين والأكاديميين المعنيين بهذا الحقل الإعلامي.

دفع هذا الواقع السلطة/الحكومة إلى العمل على تنظيم الحقل الصحفي الإلكتروني وقَوْنَنَةِ نشاطه عبر مجموعة من التشريعات كان أبرزها قانون المطبوعات والنشر المُعدَّل رقم (32) لسنة 2012 الذي استوعب الصحافة الإلكترونية لأول مرة -كما ذكرنا آنفًا- وألزمها بالتسجيل والترخيص(39)، وقانون مكافحة الإرهاب المُعدَّل رقم (18) لسنة 2014، ثم قانون الجرائم الإلكترونية رقم (27) لسنة 2015 (بنسختيه المعدَّلتين 2017 و2018). وكانت هذه القوانين أثارت انتقادات محلية ودولية(40) لتأثيرها السلبي، بحسب رأي لينا عجيلات، على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، حيث أصبح الصحفيون يواجهون تهمًا تحت طائلة قانون منع الإرهاب(41).

وهنا، لا تختلف آراء عينة الدراسة كثيرًا في تقييمها لحالة حرية الصحافة الإلكترونية خلال المرحلة الثانية؛ حيث يكاد يُجمع معظم الصحفيين المهنيين والباحثين والأكاديميين على تراجع منسوب الحرية و”السقف المفتوح والعالي والمستوى الجيد” الذي ميَّز المرحلة الأولى(42). وفي هذا السياق، نلاحظ تنوع اللغة التوصيفية في خطاب هؤلاء الفاعلين لتحديد سمات وأبعاد هذا التراجع، فيستخدم مدير وكالة أنباء سرايا، هاشم الخالدي، “انخفاض مستوى الحريات” بسبب القيود على النشر، خاصة التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، بينما كان هدف هذه القوانين في نظر ناشر وكالة عمون، سمير الحياري، هو “الحد من السقوف وقَصْقَصَة الأقلام والآراء”، “وقد تأثَّرنا بذلك، وخشينا على أنفسنا؛ لأننا كنا أمام طريقين إما السجن أو البقاء، وآثرنا البقاء بالحد الأدنى على أن نُسجَن”(43). ويرى الباحث وليد حسني زهرة أن المنظومة القانونية التي اعتمدتها الحكومة لتنظيم العمل الصحفي الإلكتروني كان لها “تأثير سلبي كبير” على سقف حرية الصحافة الإلكترونية، خاصة قانون الجرائم الإلكترونية بنسخه المُعدَّلة التي اعتبرها أكثر خطورة على النشاط الصحفي الإلكتروني(44).

ويستخدم الأكاديمي، باسم الطويسي، لغة تتشاكل مفرداتها مع خطاب الفاعلين المهنيين؛ إذ يؤكد “تراجع منسوب الحرية” لاسيما بعد أن فقدت الصحافة الإلكترونية خصوصيتها التفاعلية مع الجمهور؛ إذ كانت “الحكومة تعتبر التعليقات غير راشدة وقد تقود إلى الفتن والمشاكل والاضطرابات والإضرار بحرية الآخرين”(45). بينما يُقِرُّ رئيس مركز الرأي للدراسات، خالد الشقران، بـ”تراجع نسبي” لحرية الصحافة الإلكترونية، مُؤَيِّدًا ضبط هذا الحقل الإعلامي خاصة أن “الممارسين المهنيين ليسوا هم مَنْ يدير المواقع الإخبارية، بل كل من هبَّ ودبَّ يعتبر نفسه صحفيًّا”(46). وخلافًا لذلك، يرى الكتاب سميح المعايطة أن المرحلة الثانية خدمت المواقع الإخبارية الإلكترونية وأصبحت مؤسسات إعلامية تكفل حقوق الصحفيين والعاملين فيها، ولها أيضًا عنوان معروف وليس مجهولًا، حيث توافرت ظروف تقاض أفضل(47).

ويعزو الأكاديمي، تيسير أبوعرجة، المشكلة التي واجهتها الصحافة الإلكترونية في هذه المرحلة إلى أدائها المهني؛ إذ لا توجد هناك نية لدى أحد لخنق حريات الناس والتضييق عليها، بل إن الأداء المهني هو الذي فرض حالة معينة وجعل أكثر من جهة تطالب برد الفعل أو على الأقل مراجعة المشهد “لذلك، حدث تغيير وأصبحنا لا نقرأ عن حالات ابتزاز بعد 2011. فعدد كبير من المواقع أصبح لديه رغبة في أن يمارس نشاطًا مهنيًّا”. وفي هذه المرحلة، يلاحظ أبوعرجة “زيادة الأداء المتوازن والمنضبط، أي الحرية المسؤولة التي أصبحت عنوانًا لهذه المرحلة. وأعتقد أن وسائل الإعلام لم تخسر حريتها لكن الذي خسرته هو الرغبات الدفينة لدى البعض في الإساءة أو الابتزاز ولا يمتُّ ذلك إلى الصحافة بشيء”(48).

لكن الصحفيين المهنيين وكتَّاب الرأي والحقوقيين يتوقفون كثيرًا عند إجراءات اتخذتها الحكومة في معالجة ملف الصحافة الإلكترونية؛ يعتبرونها تراجعًا حقيقيًّا ونكوصًا عن المكتسبات التي تحققت في مجال الصحافة الإلكترونية، خاصة قرارها بحجب 291 موقعًا إلكترونيًّا، خلال يونيو/حزيران 2013، في سياق تنفيذها لقانون المطبوعات والنشر الذي يُلْزِم هذه المواقع بالتسجيل والترخيص (الفقرة أ- المادة 49)، وهو ما رفضه ناشرو الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية، فلجأت الحكومة إلى حجبها. وقد اعتبر مركز حماية وحرية الصحفيين هذه الخطوة “انتهاكًا جماعيًّا واسع النطاق ومخالفًا لمعايير حرية الإعلام وحرية الإنترنت”، وعدَّها مؤشرًا على “التراجع الشديد الذي وَسَم واقع الحريات الإعلامية في الأردن خلال العام 2013″؛ إذ “حاصرت الحكومة الإعلام وبالذات الإعلام الإلكتروني بتطبيق تعديلات قانون المطبوعات والنشر الذي أدى إلى إغلاق عدد كبير منها…وتعددت الحالات التي أُحِيل فيها إعلاميون إلى القضاء وبالأخص محكمة أمن الدولة لمحاكمتهم على أساس قانون العقوبات عن مواد إعلامية قاموا بنشرها”(49). كما ارتفع مؤشر الرقابة الذاتية بنسبة 91.3%، وهي نتيجة طبيعية لقانون المطبوعات والنشر الذي فرض، بحسب مركز حماية وحرية الصحفيين، قيودًا على الإعلام الإلكتروني والتعليقات التي ينتجها المواطنون تعقيبًا على ما يُنشر من أخبار في المواقع الإخبارية، الأمر الذي دفع الصحفيين لممارسة الرقابة الذاتية على التعليقات إضافة إلى حذرهم من الخوف الكبير عند كتابة الأخبار خوفًا من الملاحقة القانونية(50).

في هذا السياق العام الذي يُؤَطِّر المشهد الإعلامي، صنَّفت منظمة فريدوم هاوس في تقريرها السنوي لعام 2013 الأردن في المرتبة 155 بعد ليبيا والمغرب ومصر ضمن 197 دولة واعتبرته “دولة غير حرة”(51)، كما تراجع الأردن في مؤشر حرية الصحافة في تقرير لشبكة مراسلون بلا حدود عام 2014 بمقدار سبع درجات عن العام 2013(52). ورصدت وكالة سرايا الإخبارية واقع الحريات الإعلامية في نهاية المرحلة الثانية خلال العام 2015 ضمن تقرير يحمل عنوانًا دالًّا على مسارها “مراقبون: 2015 عام سيء للحريات الإعلامية”(53).

3.1. حالة حرية الصحافة الإلكترونية (2016/ -)

في هذه المرحلة ترسخت أُطُر مَأْسَسَة قطاع الصحافة الإلكترونية بعد أن “أدركت الدولة، بحسب رئيس تحرير صحيفة المقر الإلكترونية، سلامة الدرعاوي، أن التشعب الكبير في المواقع الإخبارية الإلكترونية يلحق ضررًا كبيرًا برسالة الإعلام ومهنيته وهيكليته، ويُسَبِّب أيضًا أذى للدولة؛ لذلك بدأت عملية ضبط هذه المواقع”(54)، وقد أسهمت جهود مأسسة هذا القطاع الذي تحوَّل إلى صناعة إعلامية في “إنتاج نموذج مهني -كما يرى الأكاديمي باسم الطويسي- تجسده مواقع إخبارية نشأت في السنوات القليلة الماضية تحاول أن تقدم صورة جديدة مهنية مثل صحيفة المقر وعمان نت والغد..ضمن 170 موقعًا مسجلًا رسميًّا، وهي مرحلة في بدايتها تسعى لبناء نموذج اقتصادي ناجح، وفي حال لم يؤسَّس هذا النموذج فستبقى الصحافة الإلكترونية عرضة للاختطاف والخضوع لأجندة من يمولها”(55).

أنتج هذا السياق المُؤَسَّسي أيضًا ما يسميه الأكاديمي تيسير أبوعرجة بـ”الحرية المسؤولة” التي شكَّلت الحلَّ الذي يراه المجتمع طريقة للحفاظ على الثوابت في ظل الظروف التي يعيشها الأردن، والتحولات والعواصف التي عرفتها المنطقة العربية(56). لكن هذا لا يعني في نظر بعض الفاعلين المهنيين بيئة إعلامية صديقة للحريات تخلو من الأدوات الكابحة والقيود التي تعيق نشاط الصحفيين وحرية الرأي والتعبير عمومًا، “فقد ازدادت القضايا التي تُرْفَع ضد الأشخاص في قضايا النشر خلال عامي 2016 و2017، بحسب رأي المحررة التنفيذية لمجلة حبر، لينا عجيلات، وملاحقة الناس بسبب كتاباتهم وتدويناتهم على فيسبوك، وهو أحد ملامح هذه المرحلة”، الأمر الذي تشيره إليه أيضًا نسخ القانون المعدل للجرائم الإلكترونية الذي يغلِّظ العقوبة الحبسية والغرامات في بعض القضايا الإشكالية مثل “خطاب الكراهية”(57)، خاصة بعد أن اتجهت المواقع الإخبارية الإلكترونية لإسناد تغطيتها الإعلامية بدعامات شبكات الإعلام الاجتماعي الذي تحوَّل إلى وسائل إعلام خاصة بالمستخدمين؛ حيث لا مجال فيه للرقابة أو فَلْتَرَة مشاركاتهم كما هو شأن التعليقات في الصحافة الإلكترونية.

 

  1. الإطار التشريعي والتنظيم القانوني للصحافة الإلكترونية

ظلت الصحافة الإلكترونية الأردنية والفاعلون المهنيون يمارسون نشاطهم الإعلامي خارج التشريع حوالي سبعة أعوام دون أن يكون هناك إطار قانوني لتنظيم مجال عملهم، كما رأينا آنفًا، حتى منتصف عام 2012 عندما صدر قانون المطبوعات والنشر المُعدَّل رقم (32)، ثم تناسلت القوانين التي سعت إلى “ضبط” الممارسة الصحفية الإلكترونية.

1.2. تعدد المنظومة القانونية

يستند الإطار القانوني الذي ينظِّم العمل الصحفي الإلكتروني إلى قوانين متعددة مجالًا ومنظورًا؛ يتجاوز عددها، بحسب رأي بعض المهنيين والباحثين، عشرين قانونًا(58)، وهو ما يثير أسئلة كثيرة بشأن هدف هذا التعدد والتشعب في المراجع القانونية، الذي يعتبره كثيرون فوضى تشريعية(59) وظاهرة غير صحية تؤثر سلبًا على النشاط الإعلامي وحرية الصحافة الإلكترونية، كما تشير رئيسة تحرير موقع وكالة البوصلة الإخبارية، ربى كراسنة؛ إذ يُشَتِّت تعدُّدُ القوانين انتباهَ الصحفيين ويخلق لديهم توجسًّا دائمًا إزاء القانون الذي سيكونون تحت طائلته إذا ما تعرضوا للمساءلة(60). وهو ما يعتبره أيضًا نقيب الصحفيين، راكان السعايدة، “أمرًا خاطئًا أن يُحاكم الصحفي أو المؤسسة الإعلامية، تارة بقانون العقوبات وتارة أخرى بقانون المطبوعات والنشر ومرة بقانون الجرائم الإلكترونية ثم قانون الاتصالات وقانون منع الإرهاب وقانون أمن الدولة. وهذا طبعًا يعيق الحريات، فلا يستطيع الصحفي أن يعرف مرجعيته أو يعبِّر عن نفسه. فنحن ندعو دائمًا إلى تنظيم هذا القطاع في قانون واحد وشامل يُشكِّل مرجعية التقاضي بغض النظر عن القوانين الأخرى”(61).

ويهدف هذا التعدد في المرجعيات القانونية، في نظر مدير عام أنباء وكالة سرايا، هاشم الخالدي، إلى “اصطياد الصحفيين ومعاقبتهم من خلال تكييف الحالة وفقًا لقانون الجرائم الإلكترونية أو قانون منع الإرهاب بدل قانون المطبوعات والنشر”(62). كما أن تعدد القوانين يؤدي، في نظر النائب البرلماني عن كتلة التحالف الوطني للإصلاح، صالح العرموطي، إلى النزاع في تطبيق القانون، وتشتيت العقوبة الواحدة في أكثر من قانون، وهو خلل تتحمل مسؤوليته الحكومة والمجالس النيابية المتعاقبة، ويعزو ذلك إلى ضعف الخبرة والهاجس الأمني في معالجة هذه القضايا، “والأصل أن يكون هناك قانون واحد”(63).

وقد لا يكون الهاجس الذي يحكم وضع هذه القوانين محليًّا وإنما يأخذ بعين الاعتبار مصالح الدولة في جوارها الإقليمي، وهو ما يلاحظه رئيس مجلس إدارة صحيفة المقر، طاهر العدوان؛ إذ إن تعدد القوانين لا يستهدف القضايا الصغيرة التي يكون فيها قدح وذم، بل يستهدف القوى الأكبر؛ “لذلك زُجَّ في السنوات الأخيرة ببعض السياسيين في السجن بعدما نشروا مقالات في فيسبوك؛ وهذا يرتبط بالسياق العربي العام الذي يحيط بالأردن وعلاقته ببعض الدول، إذ لا تتحمل الدولة أن يُقْدِم أي أردني على مهاجمة دولة أخرى، وهو ما يؤثر على حاجتها للمساعدات والأسواق. كما أن مسيرة الإصلاح التي توقفت دفعت إلى كبت الأفكار، لكن للأمانة لا يزال سقف الحرية في الأردن، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو الصحافة الإلكترونية، أكبر من أي بلد آخر”(64). بينما يُفسِّر الكاتب، حلمي الأسمر، تعدد الإطار القانوني بـ”حرص السلطة على محاصرة الحالة الإعلامية الإلكترونية والسيطرة على المشهد الإعلامي، وهو جزء من لعبة المطارِد الذي يضع القانون والمطارَد الذي يحتال عليه، ثم تنتبه السلطة فتستدرك على القانون، وهي لعبة مستمرة لا تنتهي”(65)؛ مما يجعل القانون سواء في بعده المحلي أو الإقليمي معيقًا، في نظر البعض، لتشكيل بيئة صديقة للحريات تؤثر في تطورها.

ويُقدِّم الأكاديمي، تيسير أبوعرجة، أطروحة تفسيرية لتعدد القوانين التي يضعها في سياقها المحلي وتطور المستحدثات التكنولوجية التي تحتم وجود تنظيم قانوني جديد يستوعب الحالة الإعلامية الجديدة؛ فـ”الذي يفرض التغيير في الحقيقة ليس هو المُشرِّع، بل الظروف السياسية والأحداث التي تمر بها المنطقة، وتطورات المشهد الإعلامي والاتصالي. فقد ظهرت الصحافة الإلكترونية ولم يكن هناك تشريع ثم فوجئنا بمواقع التواصل الاجتماعي. فالدولة كانت مضطرة لسن تشريعات جديدة لمواكبة تطورات الحالة الإعلامية الناشئة”(66). ويرى الأكاديمي والبرلماني عن كتلة العدالة، مصطفى الخصاونة، أن تعديل القوانين يحصل في كل النظم التشريعية؛ لأن الصحافة الإلكترونية صحافة حديثة إذا ما قورنت بالوسائل التقليدية وبالتالي لم يكن هناك تنظيم فأوجد المشرِّع تنظيمًا، لكن خلال التطبيق العملي ظهر أن القانون غير كاف فاضطر للتدخل في أكثر من مرحلة كي يجري تعديلًا أو تغييرًا على القانون أو المواد التشريعية لتنظيم هذا القطاع بالشكل الذي يخدم المصلحة العليا أو المصلحة العامة(67).

بالمقابل، تحدد الجهات الرسمية المسؤولة عن تنظيم وتنمية قطاع الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع قانونين لا ثالث لهما لتنظيم الحقل الإعلامي، بحسب رئيس هيئة الإعلام، محمد قطيشات، فهناك قانون الإعلام المرئي والمسموع الذي ينظِّم عمل الإذاعات والتليفزيونات، وقانون المطبوعات والنشر وهو ينظم عمل الصحف الورقية والمطبوعات الإلكترونية، “أما ما يشير إليه البعض بشأن وجود عشرين قانونًا أو أكثر لتنظيم العمل الإعلامي فهذا الأمر غير صحيح”. ويرى قطيشات أن “وضع سياسة جنائية واحدة في قانون واحد لا يمكن فقهيًّا وعلميًّا وتشريعيًّا بسبب تعدد النتائج والأضرار التي تحدث عن تعدد الأفعال..”، وحجته في ذلك: “عندما تريد أن تُنَظِّم ما يدور داخل المحكمة فتحتاج أن تضع قانونًا اسمه قانون انتهاك حرمة المحاكم.. إضافة إلى ذلك ففي القواعد العامة لأي قانون في العالم هناك تعدد معنوي وتعدد مادي، ويقصد بالأول تعدد الأفعال، أما التعدد المعنوي فإن الفعل الواحد ينطبق عليه أكثر من نص جرمي وهذا معروف في كل الدنيا”(68).

ويعني ذلك إقرارًا بتعدد المراجع القانونية التي تنظم العمل الإعلامي؛ الأمر الذي يعتبره الفاعلون المهنيون والحقوقيون مشكلة حقيقية تؤثر في الحالة الإعلامية الراهنة، لذلك يطالب هؤلاء بقانون شامل وإطار مرجعي واحد لتنظيم القطاع. ويرجع سبب هذه المشكلة، بحسب سلامة الدرعاوي، رئيس تحرير صحيفة المقر، إلى عدم فهم الدولة لطبيعة الإعلام الإلكتروني، وعدم قدرتها على توحيد موقفها الذي تتجاذبه جهات مختلفة بشأن تنظيم هذا القطاع، خاصة أن القوانين التي يتم فرضها تنزع إلى تقييد العمل الصحفي الإلكتروني وليس رفع مهنيته(69).

2.2. فلسفة المنظومة القانونية

تهدف كل منظومة قانونية إلى تحديد أنماط نموذجية للسلوك القانوني في سياق بيئته السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والاقتصادية، وأيضًا القوة الملزمة له التي تستند إلى الإجراءات الجزائية والمدنية من خلال الضبط أو التقييد أو المنع. وهنا، يلاحظ معظم الفاعلين المهنيين والباحثين والأكاديميين المعنيين بحقل الصحافة الإلكترونية الأردنية أن المشرع كان مسكونًا بهواجس القيود التي يعكسها المنظور الأمني في تنظيم النشاط الصحفي الإلكتروني، مما جعل المنظومة القانونية لا تتواءم مع روح الدستور ولا تستلهم مبادئه، بحسب رأي هؤلاء الفاعلين المهنيين والباحثين وحتى بعض المشرعين مثل النائب عن كتلة التحالف الوطني للإصلاح، صالح العرموطي، الذي يرى أن “قانون المطبوعات والنشر وقانون الجرائم الإلكترونية يتعارضان مع الدستور (المادة 128، الفقرة 1)(70) ويُشكِّلان حَجْرًا على العقل والفكر”.

ومن القيود التي تُؤَطِّر فلسفة هذه القوانين المنظمة للصحافة الإلكترونية:

أ- القيود السياسية: تبرز هذه القيود من خلال هلامية متن بعض المواد القانونية، خاصة قانون الجرائم الإلكترونية الذي يُقدِّم تعريفًا فضفاضًا لخطاب الكراهية باعتباره “كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الإقليمية أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات” (المادة 2). وهنا، يبدو تأثير السياق أو المحيط الإقليمي في تحديد مفهوم/مضمون خطاب الكراهية في محاولة لحفظ مصالح الأردن وعلاقاته الخارجية. لذلك يرى نقيب الصحفيين، راكان السعايدة، أن “المشكلة لها بعد سياسي”، متسائلًا: “ما الأسس التي تحدد خطاب الكراهية؟ ليس هناك أي أسس، وهو ما يستدعي وضع ضوابط لا تتجاوزها السلطة التقديرية؛ أما أن تكون هذه السلطة مطلقة فهذا يمثِّل مشكلة تؤثر سلبًا على حرية الصحافة الإلكترونية؛ لأن أي نص يمكن أن يُكَيَّف، وأي مادة صحفية يمكن أن تجد بشأنها مدخلًا لنص قانوني”(71). ولا يخلو أيضًا قانون العقوبات مما يعتبره الصحفيون تقييدًا على حريتهم الصحافية، مثل الجرأة بإطالة اللسان على الملك (المادة 195، الفقرة أ)(72) كما يشير رئيس تحرير موقع خبرني، محمد الحوامدة، أو الإساءة لدول الجوار أو تسهيل ودعم أي جماعة أو تنظيم يقوم بأعمال إرهابية في (المادة 3، الفقرة ه) التي قد تصنف بموجبها أية مادة صحفية باعتبارها ترويجًا للإرهاب.

ب- القيود الجزائية: تتجسد هذه القيود في العقوبات الحبسية؛ حيث زُجَّ بالصحفيين في السجن وفقًا لقانون الجرائم الإلكترونية وقانون منع الإرهاب في قضايا النشر، كما يوضح مدير عام وكالة أنباء سرايا، هاشم الخالدي، “ولم يعد الصحفي يعرف الخبر الذي يتجاوز القانون مما لا يتجاوزه؟”(73)، فـ”أنت تحتاج، يقول رئيس تحرير صحيفة المقر الإلكترونية، سلامة الدرعاوي، إلى فحص التحليل والتعليقات، وامتد الأمر إلى صفحات التواصل الاجتماعي التي يجب أن تراقبها 24 ساعة، وهو ما يستنزف تجربتك في أشياء غير منتجة..وقد أثَّر ذلك على الحرية الصحافية التي بدأ سقفها يتراجع؛ لأنك تبتعد عن القضايا التي تثير لك المشاكل. إذًا، فالتُّهْمَة جاهزة في القانون ويمكن في أي قصة أن توجه إليك، وهذا يحول دون أن تقوم الصحافة بدورها الحقيقي في كشف الحقائق ومتابعة القضايا اليومية ونقل العمل العام وآراء المواطنين بشكل جيد”(74). ولعل أشد هذه القيود الجزائية، في نظر ناشر موقع عمون، سمير الحياري، هو حجب الموقع الإخباري الإلكتروني الذي يعتبره أمرًا صعبًا وكارثة كبرى بالنسبة للمؤسسة الصحفية والعاملين فيها(75).

ج- القيود الأمنية: تتحكم الرؤية الأمنية في فلسفة القوانين خوفًا من الحرية، كما يشير الباحث وليد حسني زهرة(76)، وهي تتناقض مع روح الدستور. وتُستخدم هذه القوانين، بحسب رأي الباحث هاني الحوراني، للحفاظ على الوضع الراهن وترسيخه وحمايته(77).

د- القيود المهنية: تتمثل أساسًا في صعوبة حصول الصحفيين على المعلومات من المؤسسات والجهات الرسمية رغم وجود قانون بهذا الشأن (قانون ضمان حق الحصول على المعلومات لسنة 2007)، وإذا تم الوصول إليها يكون أوانها قد فات وسياقها غير مناسب، إضافة إلى الرقابة الذاتية التي تجعل الصحفيين لا ينشرون المعلومات والحقائق التي يحصلون عليها من مصادرهم الخاصة، كما يرى سمير الحياري، وذلك بسبب القوانين والضغوط التي تمارس على الإعلاميين(78).

ه- القوانين غير المكتوبة (أو القوانين غير الرسمية): تجسدها تدخلات الأجهزة الأمنية والمخابرات في نشاط الصحفيين، مثلما ذكر البعض، عبر المكالمات الهاتفية التي تهدف إلى الضغط والتَّحكُّم فيما يُنشَر وما لا ينشر، وقد تتمثَّل أحيانًا في تعطيل بعض الأعمال الإدارية التي لا علاقة لها بالإعلام، مثل الحصول على تصريح أو جواز سفر…إلخ.

ولئن كانت هذه القيود جزءًا من واقع حالة حرية الصحافة الإلكترونية في بعض مراحلها السابقة، ومؤشرًا لبيئة غير صديقة للحريات، فإنها لا تبدو واقعية في نظر مدير عام هيئة الإعلام، محمد قطيشات؛ لأن “روح القانون مُسْتَلْهَمَة –أولًا- من الأسباب الموجبة له وهي تجريم الأفعال المخالفة للقانون التي تُشكِّل انتهاكًا لحقوق السمعة والشرف والكرامة للمواطنين فيما يتعلق بالمادة 11 ]قانون الجرائم الإلكترونية[ بشأن القدح والذم. فالقانون عندما يُجرِّم فعلًا بالباطن يحمي مصلحة ويحمي حقًّا، وبالتالي يريد أن يحقق التوازن بين المصالح. ثانيًا: حتى الآن هناك 168 موقعًا إخباريًّا إلكترونيًّا، وتنشر هذه المواقع مواد صحفية ناقدة بأعلى سقف ممكن يصل في بعض الأحيان إلى الإساءة والشتم وهي تقع ضمن النقد، لماذا؟ ليس من باب التسامح ولكن من باب إحقاق الحق؛ لأن القضاء أعطى الإعلامي حق النقد ولو بعبارات قاسية. إذًا، فما يراه الصحفيون تقييدًا هو عبارة عن ضوابط وضعها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 19 قبل الدستور الأردني..فهناك حقوق الدولة والنظام العام والآداب وبعد ذلك حقوق المواطنين وسمعتهم وعدم الدعوة إلى الكراهية والعنصرية والحرب والعنف..وهذه الضوابط لا تشكِّل خطرًا على حرية الصحافة؛ لأن المجتمع الدولي اعتبرها غير خطيرة على حرية الرأي والتعبير عندما صاغ الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، وبالتالي هناك إجماع دولي على حماية حق السمعة للمواطنين وحماية الأمن القومي”(79).

هذا الرأي الذي ينفي نزعة التقييد عن الإطار القانوني لتنظيم الصحافة الإلكترونية نجده لدى البرلماني والأكاديمي مصطفى الخصاونة، الذي أكد أولًا أن الدستور ضمن حرية التعبير عن الرأي ولم يتحدث عن الاعتراف بها؛ لأنها حق من الحقوق التي لا تحتمل الحوار والجدال، لكنها حق تقف ممارسته عند حقوق الآخرين. فلابد أن تكون هناك ضوابط ولا أقول قيود أو موانع. فـالمانع بالمطلق والقيد يحد من الحرية والضابط يرسم الإطار والحدود. ثانيًا: “نعتمد في الأردن المعايير الدولية المثلى. والمعايير الدولية الحقيقية في كل الحريات والحقوق تتحدث عن الضوابط فيما يتعلق بحرمة الأسرة والمصلحة العليا للمجتمع والأمن الوطني وحرمة الأشخاص”(80).

  1. السياق السياسي لبيئة العمل الصحفي الإلكتروني

في علاقة الاعتماد بين الإعلام والسياسة تعكس وسائل الإعلام تفاعلات محيطها السياسي وتُشكِّل مرآة لصراعات وتجاذبات هذا المحيط، وبدون هذه الوسائل لا يستطيع أفراد المجتمع خارج الحلقة السياسية الاطلاع على مجريات الأحداث والوقائع. لذلك، فإن البيئة السياسية تحكم طبيعة وعمل ووظائف وسائل الإعلام، خاصة الوظيفة السياسية، من خلال مجموعة التشريعات القانونية التي تنظم نشاطها(81). ومن ثم تعكس أيضًا هذه العلاقة التبادلية بين البيئة السياسية والتشريعات القانونية طبيعة النظام السياسي، والدوائر المتشابكة التي تتعلق بعملية صنع القرارات، ووسائل ممارسة السلطة وأهدافها وطبيعتها ومركز الفرد واختصاصاته داخلها، وأشكال توزيع القوة وعناصرها المختلفة التي تسيطر على الجماعة وكيفية تفاعلها مع بعضها، والقيم الأساسية للمجتمع ونسقه الثقافي والأهداف والمثل العليا التي تميزه.

وفي هذا السياق، ترى المحررة التنفيذية لمجلة حِبْر، لينا عجيلات، أن الحالة الإعلامية في الأردن والحريات الإعلامية لا يمكن فصلها عن طبيعة النظام السياسي، “لذلك، فالقيود التي تُؤَطِّر المنظومة القانونية لتنظيم الصحافة الإلكترونية تعكس بنية نظام سياسي يستخدم أدوات الديمقراطية الشكلية غير الحقيقية المفرغة من مضمونها ومعناها؛ وتفردًا في الحكم”(82). ويُقِرُّ نقيب الصحفيين الأردنيين، راكان السعايدة، أن البيئة القانونية وبيئة الإعلام تمثِّل أيضًا انعكاسًا لإرادة سياسية وجدت نفسها غير قادرة على تحمل هذا الواقع؛ لذلك تريد تقييده وإعادة ضبطه “ونعتقد أن معالجة الاختلالات لا يكون بفرض مزيد من القوانين ولا بتقييد حالة الحريات، وإنما بالحوار وإعطاء النقابة الدور الذي يُمكِّنها من معالجة هذه الاختلالات. إذًا، يجب أن تفكر الدولة بشكل مختلف فلا يمكن أن تفرض أجندتك على الإعلام، وهنا، نحتاج إلى الشفافية التامة وضمان التدفق السريع للمعلومات ومراجعة شاملة لحالة الإعلام الرسمي والخاص وكذلك أن تراجع المؤسسة سياستها الإعلامية وهو ما يساعد على بناء حالة الإعلام بشكل أكثر جدوى ومهنية…”(83).

هذا الربط بين الحالة الإعلامية والحالة السياسية نجده أيضًا في خطاب عضو مجلس النقابة، خالد القضاة، الذي لا يفصل التضييق على الحريات الإعلامية عن التضييق الذي يمارس على باقي مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات النقابية والهيئات الحزبية، ويفسر هذه الحالة العامة المركبة بـ”الفجوة الكبيرة بين الأطروحات العامة والتطبيق على مستوى سياسات الحكومة. فالملك يتحدث عن الحريات التي تبلغ عنان السماء لكن على الأرض شيء آخر.. نحن نقول: إن الدستور والقوانين مثلها مثل قلب الإنسان لا يجوز كلما طرأ شيء جديد أن نقوم بعمليات جراحية؛ لأنها ستضر بالبيئة التشريعية كما أن التعديلات جاءت مشوهة لحماية مجموعة من المتنفذين وتحصينهم ضد النقد”(84).

ويتبنى هذه الأطروحة أيضًا بعض المشرعين، مثل النائب عن كتلة التحالف الوطني للإصلاح، صالح العرموطي، الذي يرى أن الحالة الإعلامية جزء من الحالة السياسية، “وأن التضييق لا يقتصر على حرية الإعلام والصحافة وإنما يشمل كل القطاعات ومؤسسات المجتمع المدني بما فيها الأحزاب والنقابات المهنية، وهذا ينعكس سلبًا على الجانب الاقتصادي والتشريعي والاجتماعي والأمني..”. ويؤدي، في نظره، إلى “العبث بالدولة وإضعاف مؤسساتها والتضييق على الحريات وتصبح هناك هوة بين مؤسسة الحكم والشعب”(85).

إذًا، تبدو العلاقة التبادلية بين الحالة الإعلامية والنظام السياسي مستحكمة في السياق الأردني، لذلك يعتبر بعض الباحثين الإعلام مسبارًا لقياس الحريات ودرجة حرارة الديمقراطية، وطبيعة النظام السياسي و”رؤيته الفلسفية” للحريات، وهنا، نفهم رأي الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، الذي يربط بدوره الحالة الإعلامية بطبيعة النظام السياسي، مصنفًا الأردن ضمن دول الهامش الديمقراطي، “لكنه في الوقت نفسه ليس دولة مستبدة ولا دولة ديكتاتورية، كما لا توجد انتهاكات جسيمة مثل القتل والاختفاء القسري للصحفيين، ويستطيع الأردن أن يسجل تقدمًا غير مسبوق في ملف الحريات بجهد بسيط من خلال تعديل البيئة التشريعية واتباع سياسات وممارسات منضبطة تتواءم مع التوجهات التي يتحدث عنها الملك”. ويرى أن الخلل في هذا الوضع يتمثَّل في عدم إنفاذ السلطة التنفيذية لرؤية الملك؛ “فالمجتمعات التي توجد فيها حرية التعبير وحرية الإعلام تستطيع مقاومة البيئات الطاردة للحريات بمعنى أن النظام السياسي يقوى بحرية التعبير وحرية الأحزاب وحرية العمل النقابي وحرية الإعلام وليس عكس ذلك”(86).

وتكشف الحالة الإعلامية، في نظر رئيس مجلس إدارة صحيفة المقر، طاهر العدوان، وجود خط في قوى الدولة كان الملك سماه بـ”الشد العكسي” خلال أيام الربيع العربي، وهذه القوى تستفيد من الحالة الفوضوية في الإعلام، ولا ترغب في نظام سياسي يخلق رأيًا عامًّا. لذلك، فإن الهدف من تلك القوانين هو الحيلولة دون خلق صحافة إلكترونية. وعندما يتحدث العدوان عن الخلل الذي أنتج هذا الواقع، يُشَخِّصُه في “غياب إصلاح سياسي حقيقي يؤدي إلى المسؤولية أي المحاسبة والمراقبة وتحديد المسؤوليات. فإذا كان النظام السياسي لا يسمح بآليات دستورية للمراقبة وأحزاب وقوى معارضة وقوى في الحكم ستبقى الأمور ضائعة. وهذه معضلة العالم العربي كله. إذا لم تخلق آليات للمراقبة يبقى دور الإعلام مجرد كلام لا تأثير له وتسود النظرية الذهبية: “قولوا ما شئتم ونحن نفعل ما نشاء”(87).

ولا تبدو هذه المعادلة بين المنظومة القانونية لتنظيم الصحافة الإلكترونية والنظام السياسي، الذي يعتبره البعض مغلقًا، واقعيةً أو تجد ما يبررها في السياق السياسي العام بالنسبة لعدد من الصحفيين والباحثين، فالنظام السياسي ليس مغلقًا في نظر رئيس تحرير موقع خبرني، محمد الحوامدة، بل “إن الخلل في الأجواء التي تدفع السلطات للتعامل مع المحتوى الصحفي بنص القانون وليس روح هذا القانون، “فعندما يكون النقد مباحًا ضد الحكومة وكل السلطات باستثناء الجيش وقرارات القضاء والملك لا أرى في ذلك قيودًا على حرية الصحافة الإلكترونية”(88). ويرى رئيس مركز الرأي للدراسات، خالد الشقران، أن النظام السياسي منفتح في السياسة العامة وحتى الحريات العامة، “فلسنا دولة بوليسية في النهاية، لدينا في الأردن ميزة إيجابية؛ حيث إن البلد لا تُحكَم بالقوانين فقط، وإنما هناك علاقة بين الناس والملك، وهذه العلاقة لا تكسر القوانين.. فضلًا عن ذلك ليس لدينا تصفية ولا احتجاز ولا اختطاف”(89).

ويرافع رئيس هيئة الإعلام، محمد قطيشات، لدحض حالة التضييق التي يتحدث عنها البعض، بواقع الممارسة الإعلامية الإلكترونية التي لا تعكس في نظره نظامًا سياسيًّا مغلقًا، “إذا كنا نتحدث عن الدور الفكري والتوعوي فهناك سقف عال لحق النقد ولابد أن نشكر الإعلام. وإذا كنا نتحدث عن البعد السياسي فلابد أن نشكر الإعلام الإلكتروني الذي ساهم في تجاوز الأردن للأزمات. وإذا كنا نتحدث عن مكافحة الفساد فلا بد أن نشكر الإعلام الإلكتروني. لا أدري لماذا يتحدث البعض عن التضييق على الإعلام الإلكتروني بالعكس نحن نطلب من هذا الإعلام أن يشتغل أكثر. لدينا إيمان عميق في هيئة الإعلام بأن صوت العقل ممثلًا في الإعلام المحترف -والإعلام الإلكتروني جزء منه- هو الذي يجب أن يغلب على تفاعل الناس”(90).

خاتمة

تكشف الرؤى المختلفة للفاعلين المهنيين والمعنيين بحقل الإعلام الطابعَ الإشكاليَّ لحرية الصحافة الإلكترونية في الأردن بالنظر إلى العلاقة التبادلية بين متغيرات بيئتها المهنية والقانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فقد أبرزت المراحل الثلاث التي تشكَّلت فيها حالة حرية الصحافة الإلكترونية مدى تأثير البيئة الإعلامية والاتصالية الجديدة، وخصوصية الوسيلة نفسها (الويب 2.0)، في صَوْغ المفهوم ودلالاته وأبعاده الجديدة التي ارتبطت بـ”سقف مفتوح” (“سقف عال”، و”مستوى جيد”) في معالجة قضايا الشأن العام، وهو “سقف غير مسبوق” في المشهد الإعلامي الأردني لـ”جرعاته الزائدة” قبل مرحلة التشريع حتى غدا سقفًا وهميًّا مجالًا ومنظورًا. وقد أسهم أيضًا السياق السياسي العام ودينامية الحراك الشعبي الذي تزامن مع أحداث الربيع العربي في بلورة تلك الدرجة المعيارية (مستوى جيد) التي اعتبرها البعض مكسبًا للحالة الإعلامية في الأردن، فضلًا عن بروز فاعلين جدد في المشهد الإعلامي الإلكتروني.

لكن سرعان ما تراجع هذا “السقف المفتوح” في ظل منظومة قانونية يعتبرها معظم الفاعلين المهنيين والباحثين المعنيين بحقل الإعلام تقييدًا لحرية الصحافة الإلكترونية و”نكوصًا عن المكتسبات”. وهنا، يبرز مرة أخرى تأثير البيئة التشريعية والسياسية والاقتصادية باعتبارها سياقات كابحة لحرية الصحافة الإلكترونية، وهو ما يستدعي النظر في الشروط والعوامل المناسبة لتجاوز الإشكاليات التي تثيرها هذه البيئات غير الصديقة للحريات. ويرى العديد من الفاعلين المهنيين والباحثين أن الخطوة الأولى تتطلب إيجاد “بيئة صديقة للحريات” تتمثَّل في عقلية جديدة تمتلك الخبرة في إدارة ملف الإعلام؛ لأن ذهنية الدولة لا تزال -في نظر هؤلاء- محافظة في تدوير القيادات والتشريعات، وفي سن القوانين وتنظيم القطاع. كما أن هذه البيئة الصديقة للحريات تحتاج لتشريعات وقوانين لا تنزع فلسفتها وروحها للتقييد والتجريم والعقاب كما يبدو في قانون الجرائم الإلكترونية الذي يعتبره البعض “عبثًا بالأمن الوطني” لتحصينه فئة ضد النقد بكل أشكاله، ما يؤدي إلى ظواهر سلبية تُعطِّل إنجاز مسلسل الانتقال الديمقراطي الطويل الذي يعيشه الأردن منذ العام 1989. ويرى هؤلاء المهنيون أن الذي حمى الأردن خلال فترة الربيع العربي هو مساحة النقد التي كانت تتوفر في الأردن، فكسرت التابوهات التقليدية والمحرمات السياسية والاجتماعية والثقافية “لذلك، يجب التعامل مع الإعلام باعتباره جزءًا من الأمن المجتمعي وحماية الأمن الوطني والاستقرار والتنمية المستدامة وليس على مقاس بعض أجنحة السلطة”.

وستكون البيئة الصديقة للحريات محصَّنة أيضًا بحق الحصول على المعلومات التي لا يزال الصحفيون يواجهون حتى اليوم صعوبات وعقبات كثيرة من أجل الوصول إليها جرَّاء البيروقراطية والهواجس الأمنية. كما أن انتشار بعض أنواع الخطاب (الكراهية، التحريض..) والشائعات والأخبار الزائفة لا يجب النظر في نتائجها عبر المسارعة لسن القوانين وإنما البحث عن أسبابها ومعالجة جذورها. ولا يمكن أيضًا إغفال تعزيز المجال العام الذي شكَّلت فيه الصحافة الإلكترونية خلال إحدى مراحل تطورها منصات للنقاش العام تسمح بمشاركة تفاعلية لجميع أفراد المجتمع، وهو ما كان يُمثِّل عنصر قوتها. وقد يصبح هذا المجال أكثر فاعلية في ظل بيئة سياسية تكون صديقة للحريات.

المراجع

(1) يُظْهِر التصنيف العالمي لحرية الصحافة في نسخته السادسة عشرة لمنظمة مراسلون بلا حدود خلال العام 2018 وضعًا سيئًا لواقع الصحافة العربية؛ إذ جاءت معظم الدول العربية في ذيل القائمة التي تقيس أوضاع الصحافة في 180 بلدًا حول العالم، حيث تواجه حرية الصحافة “وضعًا خطيرًا” في بعض الدول العربية التي باتت تُشكِّل نقاطًا سوداء للمعلومة، مثل سوريا التي احتلت المرتبة (177) والسعودية (169) والصومال (168) واليمن (167) وليبيا (162) ومصر (161) والعراق (160)، أو تواجه “وضعًا صعبًا” مثل المغرب (135) والجزائر (136) وعمان (127). للتوسع راجع: “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2018: كراهية الصحافة تهدد الديمقراطيات”، مراسلون بلا حدود، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2JqOb0W

(2) أقرَّ البرلمان المصري قانون تنظيم الإعلام والصحافة في يونيو/حزيران 2018، ولا تزال بعض مواده تنص على العقوبة الحبسية التي تصل أحيانًا إلى خمسة أعوام (المادة 110)، وأيضًا الحبس مدة لا تقل عن سنة وتُضاعَف العقوبة في حدها الأدنى والأقصى في حالة العود (المادة 104 و107). راجع: “الأهرام تنشر النص الكامل لمشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام”، الأهرام، 10 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2IT2QmH

(3) صادق مجلس الوزراء السوداني على قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية في يونيو/حزيران 2018، وهو القانون المُعَدِّل لقانون الصحافة الصادر عام 2009، وتضمنت التعديلات استيعاب الصحافة الإلكترونية، وقد أثار القانون انتقادات كثيرة في صفوف المهنيين وكذلك الاتحاد العام للصحفيين السودانيين باعتباره قانونًا مُقَيِّدًا لحرية الصحافة والصحفيين، ووسَّع أيضًا من سلطة الجزاءات الممنوحة للجهاز الإداري (المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية) وخارج سلطة المحاكم. للتوسع انظر: “تعديلات قانون الصحافة السوداني تُجْهِز على الحريات المتبقية”، العرب، 29 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2EiEW5r

(4) عبد الرزاق، عزمي، “قانون جديد للصحافة السودانية.. إعصار ضد الحريات”، ألترا صوت، 27 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 12 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2EiFg49

(5) “Freedom on the Net: Manipulation Social Media to Undermine Democracy”, Freedom House, November 2017, (Visited on 13 October 2018):

https://bit.ly/2PAeZiZ

(6) “Freedom on the Net: Silence the Messenger: Communication Apps under Pressure”, Freedom House, 14 November 2016, (Visited on 13 October 2018):

https://bit.ly/2g84plT

* يراد بالصحافة الإلكترونية في هذه الدراسة المواقع الإخبارية الإلكترونية التي نشأت في بيئة اتصالية رقمية جديدة منذ العام 2006، كما تشير معظم الدراسات التي تناولت تاريخ الصحافة الإلكترونية في الأردن، مثل وكالة عمون الإخبارية، ووكالة أنباء سرايا، وموقع خبرني، وصحيفة المقر، ووكالة البوصلة الإخبارية، وصحيفة السوسنة، وعمان نت، وهلا الأخبار، وجو 24، والوكيل نيوز (…) حتى بلغ عددها 400 موقع إلكتروني بين عامي 2011 و2013. ولا يشمل هذا التعريف المنصات الإلكترونية (الكربونية) الموازية للنسخ الورقية، مثل الدستور والرأي، وكذلك المواقع الإخبارية الإلكترونية التي نشأت عبر الويب وتنطلق من التجارب الورقية.

للمزيد حول تاريخ الصحافة الإلكترونية في الأردن، انظر: جمعية المواقع الإلكترونية الإخبارية الأردنية، الصحافة الإلكترونية، 1 سبتمبر/أيلول 2014، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2J6dLJD

للاطلاع على عدد المواقع الإلكترونية حتى نهاية العام 2013، راجع: “الأردن يحجب نحو 290 موقعًا إخباريًّا إلكترونيًّا بسبب عدم الترخيص”، jordannewsagency، 5 يونيو/حزيران 2013، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2AnOqIF

(7) “An Overview of Media Ecology (Lance Strate)”, Media Ecology Association, (Visited on 15 October 2018):

https://bit.ly/TPGojI

(8) “Media Ecology – An Introduction”, mediaecologies.wordpress, (Visited on 15 October 2018):

https://bit.ly/2IWUom7

(9) Islas, Octavia; Bernal, Juan David, Media Ecology: A Complex and Systematic Metadiscipline”, philosophies, (N 1, 2006), p. 191.

(10) ابن محمد المفلح، من تحليل الخطاب إلى بناء الخطاب: رؤية في توظيف اللغة أداة للتغيير والتطوير، (كنوز المعرفة، الأردن، 2017)، ص 35-36.

(11) المرجع السابق، ص 36.

(12) مزج الباحث في جمع المعلومات المرتبطة بمحاور الدراسة بين المقابلة المُقَنَّنَة والمقابلة الحرة؛ ففي الأولى تكون الأسئلة محددة مسبقًا من قِبَل الباحث، ويتم طرح نفس الأسئلة في كل مقابلة وفي الغالب حسب نفس التسلسل، ويعتبر هذا النوع علميًّا أكثر من المقابلات الأخرى لتوفيره الضوابط اللازمة التي تسمح بصياغة تعميمات علمية. أما المقابلة الحرة فمرنة لا قيود عليها، ويمكن تعديل الأسئلة وتغييرها وزيادتها أو نقصانها بحسب الظروف وأوضاع المبحوثين. للتوسع راجع: هلال المزاهرة، منال، مناهج البحث الإعلامي، (دار المسيرة، الأردن، 2014)، ط 1، ص 240-241.

واستخدم الباحث أيضًا الملاحظة المنظمة، أي غير المباشرة، وفيها انتباه مقصود ومنظم ومضبوط للظاهرات أو القضايا من أجل اكتشاف أسبابها وقوانينها، وهي الملاحظة العلمية بالمعنى الصحيح؛ توجهها فرضية معينة أو نظرية محددة، وتتم في ظروف مخطط لها عندما يحدد فيها الباحث المشاهدات التي يريد أن يجمع عنها بيانات. انظر: وحيد دويدري، رجاء، البحث العلمي: أساسياته النظرية وممارسته العلمية، (دار الفكر، دمشق، 2008)، ص 316-320.

(13) العناني، خليل، “سياقات الحرية وإشكالاتها: قراءة في أطروحات عبد الله العروي”، الملتقى الفكري للإبداع، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2017، (تاريخ الدخول: 22 أكتوبر/تشرين الأول 2011):

https://bit.ly/2CZAqqW

(14) قانون المطبوعات والنشر وفقًا للقانون المعدل رقم 32 لسنة 2012″، شبكة قانوني الأردن، 24 سبتمبر/أيلول 2012، (تاريخ الدخول: 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2Sdditi

(15) الخالدي، هاشم، مدير عام وكالة أنباء سرايا، مقابلة مع الباحث، 19 ديسمبر/كانون الأول 2017.

** خلال المقابلات التي أجراها الباحث -سواء مع الفاعلين المهنيين أو الحقوقيين المعنيين بالحريات الإعلامية أو كتَّاب الرأي أو الباحثين والأكاديميين المشتغلين بحقل الصحافة الإلكترونية- لاحظ تواتر هذه الدرجة المعيارية (مستوى جيد و/أو سقف مرتفع وسقف عال) في توصيف حالة حرية الصحافة الإلكترونية، “فقد كنَّا، يقول الصحفي سمير الحياري وناشر موقع عمون، ننتقد الأوضاع بسقف عال جدًّا، وننشر كل بيانات المعارضة والمقالات الممنوعة في الصحف الورقية”، وهو ما عبَّر عنه أيضًا محمد الحوامدة، رئيس تحرير موقع خبرني؛ إذ “كان سقف الحرية مرتفعًا في هذه المرحلة، وزاد مستوى الحريات في فترة الربيع العربي”، ويُقِرُّ داوود كتاب، مدير شبكة الإعلام المجتمعي ومؤسس موقع عمان نت وراديو البلد، بهذه الحالة التي كان فيها “مستوى الحرية جيدًا رغم التدخلات التي يكون مصدرها غالبًا القوانين والإجراءات غير المكتوبة مما يؤدي إلى تعطيل أعمال لا علاقة لها بالإعلام، لكن رسالتها واضحة وتهدف إلى الضغط والتحكم”. وينسب الصحفي والكاتب، حلمي الأسمر، الفضل في الحفاظ على ما بقي من حريات في العالم العربي إلى الصحافة الإلكترونية التي عرفت فيها الحرية خلال هذه المرحلة “سقفًا مرتفعًا”، “وشكَّلت المنصات الإلكترونية ملاذات للصحفيين الذين كانون يتطلعون للتعبير الحر خاصة ممن كانون يعملون في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية ويتعسَّر عليهم التعبير فوجدوا في هذه المنصات سقفًا عاليًّا للتعبير والتفَّ حولها طلاب الحرية”. ولأن مالكي الصحف الإلكترونية كانون يريدون تحقيق النجاح، كما يرى الناشط والباحث السياسي هاني الحواري، “فقد كان السقف عاليًا دون أن تتعرض لعقوبات صارمة”. ومن موقع الأكاديمي، يرى تيسير أبوعرجة، عميد كلية الإعلام في جامعة البتراء، أن “الصحافة الإلكترونية فرضت واقعًا جديدًا، أغرت الكثيرين بدخولها حتى ناف عدد المواقع على 400 وكانت الحريات واسعة”. ونجد هذا الوصف أيضًا لدى الحقوقيين المعنيين بالحريات الإعلامية، حيث يؤكد نضال منصور، الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، أن “هذه المرحلة عرفت هوامش جيدة جدًّا للحريات”.

(16) الزرقان، عبادة، ناشر وكالة البوصلة الإخبارية، مقابلة مع الباحث، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(17) عجيلات، لينا، المحررة التنفيذية لمجلة حِبْر، مقابلة مع الباحث، 22 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(18) نشر موقع خبرني بمناسبة تعيين سمير زيد سمير الرفاعي رئيسًا للحكومة، في 9 ديسمبر/كانون الأول 2009، مقالًا بنفس العنوان “سمير زيد سمير الرفاعي” انتقد فيه تكليف الرجل، واعتبره مفاجأة لمختلف الأوساط السياسية والشعبية في الأردن، وعبَّر عن خشيته من “التوريث السياسي” بتعيين سمير الرفاعي رئيسًا للحكومة، فهو ابن رئيس الوزراء الأسبق، زيد الرفاعي، وحفيد رئيس الوزراء الرفاعي (الجد). وأبدى الموقع حذره من الحكومة الجديدة، مشيرًا إلى نقص خبرة سمير الرفاعي وعدم تمرُّسه بشكل كاف لرئاسة الحكومة. للمزيد انظر: “سمير زيد سمير الرفاعي”، خبرني، 9 ديسمبر/كانون الأول 2009، (تاريخ الدخول: 26 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2yAsxnR

(19) حسني زهرة، وليد، باحث وكاتب سياسي، مقابلة مع الباحث، 25 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(20) الطويسي، باسم، عميد معهد الإعلام الأردني، مقابلة مع الباحث، 21 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(21) “نص بيان المتقاعدين العسكريين- حول التوطين”، الرأي برس، 9 مايو/أيار 2009، (تاريخ الدخول: 26 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

https://bit.ly/2ORzafU

(22) الحوراني، هاني، باحث وناشط سياسي، مقابلة مع الباحث، 21 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(23) حسني زهرة، وليد، حيرة الشاهد: الإعلام الأردني في الربيع العربي والحراك الشعبي، (دار ورد، الأردن، 2015، ط 1، ص 268.

(24) الحياري، سمير، ناشر وكالة عمون، مقابلة مع الباحث، 18 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(25) الزرقان، عبادة، ناشر وكالة البوصلة الإخبارية، مقابلة مع الباحث، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(26) Steve, J. Encyclopedia of New Media, (Sage, London, 2003), p. 241.

(27) عبد الحميد، محمد، الاتصال والإعلام على شبكة الإنترنت، (عالم الكتب، القاهرة، 2007)، ط 1، ص 30.

(28) المرجع السابق، ص 30-31.

(29) الزرقان، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(30) حسني زهرة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(31) أبوعرجة، تيسير، عميد كلية الإعلام في جامعة البتراء، مقابلة مع الباحث، 25 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(32) حسني زهرة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(33) يبدو هذا المظهر السلبي للحرية الصحافية الإلكترونية (الأخبار المفبركة) بارزًا في حديث خالد القضاة، عضو مجلس نقابة الصحفيين، ويعتبر ذلك نتيجة طبيعية للفوضى في هذا القطاع الإعلامي والاستقطاب بين أجهزة الدولة التي كانت تدعم بعض المواقع الإلكترونية على حساب أخرى. ونجد هذا التفسير أيضًا لدى الأكاديمي باسم الطويسي؛ إذ حاولت بعض القوى السياسية ومراكز قوى في الدولة وخارجها خلال هذه المرحلة توظيف الصحافة الإلكترونية لصالحها مما أسهم في ظهور ممارسات لا أخلاقية مثل الابتزاز وخطاب الكراهية. بينما يفسر طاهر العدوان، رئيس مجلس إدارة المقر، هذه الفوضى بغياب المهنية.

(34) كانت التعليقات الوهمية، كما يرى نضال منصور الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، من مواطن الخلل في العمل الصحفي الإلكتروني؛ تضمنت إساءات وترويجًا لخطاب العنصرية والكراهية.

(35) يشير خالد الشقران، رئيس مركز الرأي للدراسات، إلى هذه المظاهر التي لازمت السقف المفتوح للحرية الصحافية الإلكترونية في سياق ظاهرة الابتزاز التي استفحلت في المشهد الإعلامي الإلكتروني خلال هذه المرحلة، حيث حوَّل الجسم الصحفي المواقع الإلكترونية إلى تجارة؛ فعانت أولًا من أهلها ومنتسبيها وبات هذا الجسم يشتغل في الابتزاز، ويمارس اغتيال الشخصية بحجة نشر الحقائق.

(36) أبوعرجة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(37) المعايطة، سميح، كاتب ومحلل سياسي، مقابلة مع الباحث، 21 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(38) السعايدة، راكان، نقيب الصحفيين الأردنيين، مقابلة مع الباحث، 18 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(39) أصدر مركز حماية وحرية الصحفيين مطالعة قانونية لمشروع قانون المطبوعات والنشر، أعدَّها المدير السابق لوحدة المساعدة القانونية للإعلاميين (ميلاد)، المحامي محمد قطيشات، الذي أصبح مديرًا عامًّا لهيئة الإعلام، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وتؤكد المطالعة رفضها للقيود التي وضعتها الحكومة على حرية الإعلام في مشروع قانون المطبوعات والنشر المعدل، وأكدت أن “الحرص على الحريات وتطوير الحالة المهنية وتعزيز حالة التنظيم الذاتي لا يتم بترخيص وحجب المواقع الإخبارية الإلكترونية”، وطالبت بتطبيق العقوبات الواردة في قانون المطبوعات دون سواه على المواد الصحفية والتعليقات الواردة من المتصفحين والمنشورة على أي مطبوعة إلكترونية عبر حزم الإنترنت المستخدمة في الأردن. واعتبرت عدم التسجيل في سجل الشركات للمطبوعة الإلكترونية ظرفًا مشددًا للعقوبة. وأوضحت المطالعة أن تعريف المطبوعة الإلكترونية في مشروع القانون المعدل يجعلها تنصرف لكل المواقع الإلكترونية الموجودة على شبكة الإنترنت، وهذا سيجعل القانون غير قابل للتطبيق، ويلزم في الوقت ذاته وفقًا لهذا التعريف مواقع إلكترونية مثل ياهو وغوغل وفيسبوك ويوتيوب وتويتر بالترخيص في الأردن.

للتوسع راجع: “مركز حماية وحرية الصحفيين يصدر مطالعة قانونية لمشروع قانون المطبوعات المعدل تكشف عن القيود التي يفرضها”، مركز وحماية وحرية الصحفيين، 1 سبتمبر/أيلول 2012، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2OZs3Ca

(40) كان مشروع تعديل قانون المطبوعات والنشر إضافة إلى مشروع تعديل قانون هيئة مكافحة الفساد وقانون العقوبات سببًا في تقديم طاهر العدوان، وزير شؤون الإعلام والاتصال، استقالته من حكومة معروف البخيت (1 فبراير/شباط- 17 أكتوبر/تشرين الأول 2011) التي أصرت -بحسب نص الاستقالة- على إدراج القوانين الثلاثة التي وصفها بالقوانين العرفية في الدورة الاستثنائية لمجلس النواب رغم أن الحكومة ناقشت التعديلات المقترحة على قانون المطبوعات والخاصة بالمواقع الإلكترونية (مرتين) في مجلس الوزراء ولم يوافق على إدراجها في الدورة الاستثنائية. واعتبر القوانين ضربة إلى نهج الإصلاح وإلى الاستراتيجية الإعلامية التي عمل على صياغة أهدافها لوضع أسس الانتقال من مرحلة عدم استقرار الحريات الإعلامية إلى مرحلة استقرار هذه الحريات على مجموعة من القوانين والممارسات المهنية والأخلاقية ومواثيق الشرف التي تقود بشكل تدريجي إلى مناخ عام تقترن فيه الحرية بالمسؤولية في النشر. لكن يبدو، في نظره، أن “قوى الشد العكسي وأنصار الفساد والمضللين لهم الصوت الأعلى والقدرة على إجهاض كل إرادة وطنية مخلصة وصادقة”.

للتوسع راجع: العدوان، طاهر، المواجهة بالكتابة: من ملفاتي في السياسة والصحافة، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2017)، ص 105-137.

ونشرت أيضًا منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا انتقدت فيه قانون مكافحة الإرهاب الذي يهدد في نظرها الحقوق ويتوسَّع في تعريف الإرهاب ليشمل أعمالًا من قبيل “تعكير صلات (الأردن) بدولة أجنبية”، واعتبرت أن المخاوف الأمنية المشروعة لا تمنح الحكومة ضوءًا أخضر لمعاقبة الانتقاد السلمي لحكام أجانب والنظر إليه باعتباره إرهابًا، مطالبةً الأردن بتوسيع مساحة النقاش العلني بدلًا من تقليصها. انظر: “الأردن: تعديلات قانون الإرهاب تهدد الحقوق”، هيومن رايتس ووتش، 17 مايو/أيار 2014، (تاريخ الدخول: 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2zb9VKI

(41) شكَّلت هذه القوانين في نظر البعض، مثل عبادة الزرقان، ناشر وكالة البوصلة الإخبارية، مِقْصَلَةً تستهدف الصحفيين، وحددت السقف مقارنة بمستوى الحرية الذي كان سائدًا في المرحلة الأولى، كما أنهت التفاعل مع الجمهور؛ لأن قانون الجرائم الإلكترونية يجرِّم الناشر ورئيس التحرير في حال نشر أي مادة لا تناسب السقف الذي وضعته السلطة. وتربط لينا عجيلات هذ التراجع بالسياق السياسي العام في البلاد خلال العام 2012 الذي زُجَّ فيه بالنشطاء إلى السجن بتهم إطالة اللسان وتقويض نظام الحكم والعمل على تغيير الدستور، كما أُقِرَّ قانون انتخابات جديد لا يختلف عن سابقه وكان قانونًا للصوت الواحد. “ففي نهاية هذا العام شهدنا العودة عن كثير من المكتسبات”، عجيلات، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(42) يشير الكاتب حلمي الأسمر إلى تراجع حرية الصحافة الإلكترونية، ويربط ذلك بالمناخ العام الذي ساد فيه القمع خاصة بعد انفجار منصات التواصل الاجتماعي؛ فأصبح لدى السلطة هاجس السيطرة على عقول الناس وازدادت القبضة الأمنية. وفي وصف مشبع بالسخرية يرى أن “سقف الحرية ليس منخفضًا فقط بل إن الكاتب يزحف أحيانًا على بطنه كالدودة حتى ينفذ من الرقيب الداخلي الذي يمثل مشكلة كبيرة”، الأسمر، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(43) الحياري، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(44) حسني زهرة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(45) الطويسي، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(46) الشقران، خالد، رئيس مركز الرأي للدراسات، مقابلة مع الباحث، 18 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(47) المعايطة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(48) أبوعرجة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(49) مركز حماية وحرية الصحفيين، حالة الحرية الإعلامية في الأردن 2013: العتمة الإلكترونية، ص 12-13.

(50) المرجع السابق، ص 20.

(51) “الأردن في المركز 155 عالميًّا بحرية الصحافة”، المدينة الإخبارية، 1 مايو/أيار 2014، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2CPhrOK

(52) “الأردن يتراجع سبع درجات على مؤشر حرية الصحافة”، إرم، 13 فبراير/شباط 2014، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2zjMpuX

(53) أشار التقرير إلى أن عام 2015 كان عامًا سيئًا لحرية الصحافة في الأردن، مستشهدًا بتوقيف عدد من الصحفيين والكتَّاب ومدونين على صفحات التواصل الاجتماعي، واعتبر أن قانون الجرائم الإلكترونية وحده بات سيفًا مسلطًا على أقلام الصحفيين وحرياتهم، حيث طالت الاعتقالات عددًا منهم. للتوسع، انظر: “مراقبون: 2015 عام سيء للحريات الإعلامية”، وكالة سرايا، 13 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2Q0sokw

(54) الدرعاوي، سلامة، رئيس تحرير صحيفة المقر الإلكترونية، مقابلة مع الباحث، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(55) الطويسي، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(56) أبوعرجة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(57) عجيلات، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(58) يشير داوود كتاب، مدير شبكة الإعلام المجتمعي ومؤسس موقع عَمَّان نت وراديو البلد، إلى أن هناك عشرين قانونًا ينظم نشاط الصحافة الإلكترونية، ضمنهما قانونان يمثِّلان مشكلة اليوم وهما قانون العقوبات الذي يسمح بالاعتقال، وقانون الجرائم الإلكترونية الذي يسمح بتوقيف الصحفي من خلال المادة (11). ويذكر الباحث وليد حسني زهرة أن ثمة حولي 25 قانونًا (قانون المطبوعات والنشر، قانون الجرائم الإلكترونية، قانون منع الإرهاب، قانون محكمة أمن الدولة، قانون الفساد، قانون حماية وثائق وأسرار الدولة، قانون استقلال القضاء…).

(59) نجد هذه اللغة التوصيفية التي تعتبر تعدد الإطار القانوني المنظِّم للصحافة الإلكترونية “فوضى تشريعية” عند خالد القضاة عضو مجلس النقابة، وكذلك في حديث ربى كراسنة، رئيسة تحرير موقع وكالة البوصلة الإخبارية، والباحث وليد حسني زهرة، وغيرهم كثير. ومن جانبه، يرى الدكتور باسم الطويسي أن تعدد المراجع القانونية أو ما يسميه بـ”المظلات القانونية” في العمل الإعلامي التي شهدها الأردن على مدى عشرين عامًا الماضية تمثل “فوضى تشريعية” تسمح للسلطة أو للحكومات بتقييد الحريات والسيطرة على المشهد الإعلامي متى ما شاءت ومن أكثر من منظور وزاوية.

(60) كراسنة، ربى، رئيسة تحرير موقع وكالة البوصلة الإخبارية، مقابلة مع الباحث، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(61) السعايدة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(62) الخالدي، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(63) العرموطي، صالح، صالح العرموطي عن كتلة التحالف الوطني للإصلاح، مقابلة مع الباحث، 25 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(64) العدوان، طاهر، رئيس مجلس إدارة صحيفة المقر، مقابلة مع الباحث، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(65) الأسمر، حلمي، كاتب صحفي، مقابلة مع الباحث، 21 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(66) أبوعرجة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(67) الخصاونة، مصطفى، برلماني عن كتلة العدالة، مقابلة مع الباحث، 25 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(68) قطيشان، محمد، رئيس هيئة الإعلام، مقابلة مع الباحث، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(69) الدرعاوي، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(70) تنص المادة 128، في فقرتها الأولى، من الدستور: “لا يجوز أن تؤثِّر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها”. انظر: الدستور الأردني، (مطبوعات مجلس النواب، 2016)، ط 6، ص 66.

(71) السعايدة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(72) جاء في المادة 195 من قانون العقوبات الأردني: “يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من: أ) ثبتت جرأته بإطالة اللسان على جلالة الملك. ب) أرسل رسالة خطية أو شفوية أو إلكترونية أو أي صورة أو أي رسم هزلي إلى جلالة الملك أو قام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامة جلالته أو يفيد بذلك. وتطبق العقوبة ذاتها إذا حمل غيره على القيام بأي من تلك الأفعال”، انظر: الزعبي، تيسير، قانون العقوبات الأردني وتعديلاته لغاية عام 2012، موسوعة الأردن القانونية، ص 101.

(73) الخالدي، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(74) الدرعاوي، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(75) الحياري، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(76) حسني زهرة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(77) الحوراني، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(78) الحياري، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(79) قطيشات، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(80) الخصاونة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(81) علاوي، جبار، الاتصال السياسي، (دار أمجد، الأردن، 2015)، ص 132.

(82) عجيلات، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(83) السعايدة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(84) القضاة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(85) العرموطي، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(86) منصور، نضال، الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، مقابلة مع الباحث، 20 ديسمبر/كانون الأول 2017.

(87) العدوان، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(88) الحوامدة، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(89) الشقران، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.

(90) قطيشات، مقابلة مع الباحث، مرجع سابق.