ملخص :

هذه الدراسة عبارة عن دراسة قانونية مسحية مقارنة، تتطرق لتناول دساتير دول العالم لمسألة حظر التمييز على أساس الدين، وتدرس مدى تأثير طبيعة النظم السياسية في شكليات التعاطي الدستوري من حيث نوعية المخاطبين بأحكام الدساتير، وتبحث الدراسة أيضا العلاقات والروابط بين الدساتير التي تحظر التمييز الديني وكيفية تناول هذه الدساتير لعلاقة الدين بالدولة، سكوتا، أو نفيا، أو إثباتا.

كلمات مفتاحية: التمييز، الدين، الدساتير، نظم سياسية، العلمانية

Abstract:

This study is a comparative legal survey study of the constitutions of various countries that pertains to the issue of prohibiting discrimination on the basis of religion. It examines the impact of the nature of political systems on the forms of constitutional drafting in terms of the nature of those addressing the provisions of constitutions. The study also examines the relationships and links between constitutions that prohibit religious discrimination and how they address the relationship between religion and state, whether through silence, denial or assertion.

Keywords: discrimination, religion, constitutions, political systems, secularism

مقدمة:

يعتبر مبدأ “حظر التمييز” من أكبر المبادئ التي قامت عليها المنظومة الحديثة لحقوق الإنسان، وقد تبنت أغلب دساتير دول العالم هذا المبدأ متأثرة بصكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان منذ منتصف القرن العشرين، ويشمل مبدأ عدم التمييز حزمة واسعة من الاعتبارات كالعرق واللون والجنس واللغة والرأي السياسي أو غير السياسي والأصل القومي أو الاجتماعي والثروة والنسب، وكذلك الدين.

ويشير التمييز على أساس الدين أو المعتقد حسب المرصد الأوربي للعمل إلى المعاملة التفاضلية للأفراد أو الجماعات على أساس نظام المعتقد أو العبادة (1)، وتتجلى هذه المعاملة التفاضلية السلبية في التشريعات أو السياسات أو الإعلام أو المناهج التربوية أو وسائل الإعلام أو الثقافة والمجتمع وغير ذلك من مناحي الحياة.

ويقصد بعبارة التعصب والتمييز على أساس الدين أو المعتقد في إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين والمعتقد الصادر في 1981، أيّ ميز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس الدين أو المعتقد ويكون غرضه أو أثره تعطيل أو انتقاص الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على أساس من المساواة.

ولما كان الحق الذي لا يعترف به القانون مجرد أمل غير حقيقي حسب تعبير جوليان بورنسايد (Julian Burnside)(2)، فقد حرصت أغلب المنظومات التشريعية في العالم على تضمين حظر التمييز على أساس الدين في دساتيرها، ومن بين 196 دولة تتناول هذه الورقة البحثية دساتيرها بالدراسة والبحث، تدرج 127 دولة حظر التمييز على أساس ديني في دساتيرها، في حين لم تتضمن دساتير 69 دولة ذلك.

 وعلى هذا تعتبر هذه الدراسة دراسة مسحية، لكونها فحصت جميع الدساتير لتستخرج منها نتائج بحثية هامة، وذلك انطلاقا من إشكالية كيفية المعالجة الدستورية لمسألة حظر التمييز على أساس الدين والمصطلحات القريبة منه كالمعتقد والضمير والوجدان في دساتير دول العالم، وهل أثرت طبيعة النظم السياسية في تناول الدساتير لهذا الحظر؟ وما مدى تأثير تبني الدولة لدين محدد بوصفه دينا رسميا، أو السكوت عن تحديد علاقة الدولة بالدين، أو تبني العلمانية بشكل صريح، في مبدأ حظر التمييز على أساس الدين؟

          وللإحاطة بكل دساتير دول العالم اعتمدنا على مشروع مقارنة دساتير العالم الذي أطلقته شركة غوغل سنة 2013 وتم تمويله من طرف ثلاث مؤسسات هي: Indigo Trust وIC2 Institute                           و International IDEA(3)، وقامت المنهجية المتبعة في هذه الدراسة على الاستفادة من كل الدساتير التي وفرتها قاعدة بيانات المشروع باللغة العربية، وكان عددها 53 نصا، ومواصلة دراسة بقية الدساتير باللغة الإنجليزية مع توثيق المراجع مترجمة إلى العربية بشكل مباشر.

          وعبر جدول قارب 200 صفحة تم استخراج كل المواد التي تتطرق إلى حظر التمييز الديني في دساتير 196 دولة، واستخراج علاقة الدولة بالدين في كل دستور، لتنقل البيانات بعد ذلك إلى جدول ثان يحتوي على تصنيف الدول حسب النظم السياسية، وذلك بغرض استخراج العلاقات القائمة بين الثابت وهو مبدأ حظر التمييز الديني، والمتغيرات الآتية:

  • طبيعة النظام السياسي، حيث قسمنا النظم السياسية إلى نظم ديمقراطية (برلمانية، رئاسية، مختلطة) ونظم غير ديمقراطية (ملكيات مطلقة، ملكيات شبه دستورية، أنظمة عسكرية وشمولية) (4)، وأضفنا مطلبا نستعرض فيه وضعية الدول العربية.
  • اختلاف صيغ التعبير عن المخاطبين بحظر التمييز الديني (المواطنة أو الإنسانية) وعلاقة ذلك بطبيعة النظم السياسية.
  • حظر التمييز الديني وعلاقة الدولة بالدين في الدساتير بين الصمت الدستوري، وتحديد دين رسمي، وتبني العلمانية بشكل صريح.

وقد انطلقنا في هذه الدراسة من جملة من الفرضيات الأولية، تقوم على اعتبار النظم الشمولية والمطلقة أقل النظم اهتماما بإدراج حظر التمييز الديني في دساتيرها، وأنها أقل النظم استخداما لمصطلحات توسع من دائرة المخاطبين بأحكام دساتيرها بحيث تنتقل من سياج المواطنة إلى رحابة الإنسانية، وافترضنا أن النظم الديمقراطية تنتهج مسارا معاكسا لذلك تماما.

أما العناصر التي لم نكن متيقنين منها وبالتالي كان من الصعوبة صياغة فرضيات بخصوصها، حتى تستكمل الدراسة، فهي ما تعلق بتأثير طبيعة النظام السياسي في تحديد دين رسمي أو تبني العلمانية أو الصمت عن العلاقة بين الدولة والدين في دساتير كل من النظم الديمقراطية والنظم غير الديمقراطية.

كما يوحي بذلك عنوانها، اعتمدت هذه الدراسة بشكل أساسي على المنهج المقارن والمنهج الإحصائي المسحي الشامل، بالإضافة إلى المنهج الوصفي الذي يعتمد التحليل أداةً من أهم أدواته.

          يكاد يكون هناك إجماع بين فقهاء وخبراء القانون الدستوري والعلوم السياسية حول تقسيم النظم السياسية في العالم إلى نظم ديمقراطية ونظم غير ديمقراطية، غير أن الدخول في تفاصيل كل قسم ومحاولة تحديد مؤشرات تحظى بالقبول العام يطرح الكثير من الانقسام، ولعل هذه التباينات هي التي جعلت أغلب الدساتير لا تفصح صراحة عن طبيعة نظام الحكم الذي تتبناه الدولة، وإنما يصمم كل دستور توازنا بين السلطات (أو عدم توازن) حسب ظروف الدولة وتفاعل القوى المؤثرة فيها، ثم يأتي بعد ذلك خبراء العلوم السياسية والقانون الدستوري ليصنفوا لنا الأنظمة السياسية مستخدمين نماذج بعينها، وبما أن معايير تعريف تلك النماذج هي معايير متباينة، فإن تصنيف الدول يحدث حوله الاختلاف والتباين أيضا(5).

          وقد بدأنا كل عنوان رئيس من الدراسة بجدول يقارن بالأرقام والنسب بين الثوابت والمتغيرات التي ذكرناها أعلاه، لنخلص في الخاتمة إلى المقارنة بين مجاميع كل جدول، أي بين النتائج التي أظهرتها لنا كل من النظم الديمقراطية والنظم غير الديمقراطية حول مسألة حظر التمييز على أساس الدين.

أولا: حظر التمييز الديني في دساتير النظم الديمقراطية:

يمكن تقسيم النظم السياسية الديمقراطية في العالم وفق المعايير المشتركة التي تحظى بقبول عام، إلى ثلاثة نظم رئيسية هي: النظام الرئاسي، النظام البرلماني، والنظام المختلط أو النظام شبه الرئاسي كما يسميه البعض، وفي هذه الورقة سوف نتطرق إلى التناول الدستوري لمبدأ حظر التمييز الديني وفق هذه الأنظمة المذكورة مع تفريع النظم البرلمانية إلى فرعين هما: النظم الجمهورية البرلمانية والنظم الملكية البرلمانية (6)، معتمدين على تحليل البيانات التي وردت في الجدول أدناه:

الجدول رقم 1: حظر التمييز الديني في دساتير النظم الديمقراطية

 
النظم محل الدراسة حصر تطبيق حظر التمييز الديني على المواطنين تطبيق حظر التمييز الديني على الناس بشكل عام السكوت عن علاقة الدين بالدولة تعيين دين رسمي للدولة تبني العلمانية في الدساتير
النظم البرلمانية

(43 نموذجا)

13 دستورا

30%

30 دستورا

70%

26 دستورا

60%

6 دساتير

14%

11 دستورا

26%

النظم الرئاسية

(51 نموذجا)

10 دساتير

20%

41 دستورا

80%

27 دستورا

53%

دستوران

4%

22 دستورا

43%

النظم المختلطة

(14 نموذجا)

8 دساتير

57%

6 دساتير

43%

7 دساتير

50%

3 دساتير

21%

4 دساتير

21%

المجموع

108 نماذج

31 دستور

29%

77 دستورا

71%

60 دستورا

56%

11 دستورا

10%

37 دستورا

34%

  • دساتير النظم البرلمانية:

          المعيار الأساسي الذي يتميز به النظام البرلماني هو اندماج السلطتين التشريعية والتنفيذية بعضهما في بعض، مع تبعية وعلوية للسلطة التشريعية، لأن بقاء وانقضاء السلطة التنفيذية يعتمد عليها، ومن مقتضيات هذا الاندماج، انتخاب رئيس الحكومة بواسطة السلطة التشريعية، وخضوعه للمساءلة البرلمانية والتصويت بحجب الثقة، وهو في هذا المسار يعتمد على مساندة حزبه له، وفي الغالب يكون لرئيس الدولة أو الملك في النظام البرلماني دور شكلي، ونستعرض ضمن هذا العنوان التناول الدستوري لمبدأ حظر التمييز الديني بين النظم الجمهورية البرلمانية والنظم الملكية البرلمانية.

          في النظم الجمهورية البرلمانية، ومن ضمن 28 دولة تعتمد هذا النظام في دساتيرها، اتجهت 21 دولة إلى اعتماد صيغ مفتوحة تشمل جميع الناس، للتعبير عن حظر التمييز الديني، حيث استخدمت كل من ألمانيا، وسويسرا، وكرواتيا، واليونان، وإثيوبيا، مصطلح “كل شخص أو كل الأشخاص” (7)، وذهبت ألبانيا، وكوسوفا، وإستونيا، وفنلندا، وإيسلندا وغيرها من الدول البرلمانية الأوربية إلى استخدام مصطلح “أي أحد أو كل واحد” (8)، كما استخدم دستور ترينيداد وتوباغو مصطلح “الأفراد” (9)، وعبر دستور جمهورية الدومينيك عن هذا المبدأ بمصطلح “الناس” (10)، وتصل النسبة المئوية لاعتماد الصيغ العامة في التعبير عن حظر التمييز الديني في دساتير النظم الجمهورية البرلمانية إلى 75% من مجمل الحالات المدروسة.

وحصرت 7 دول هي: إيطاليا، والعراق، والهند، وبلغاريا، ومقدونيا، وبنغلاديش، وسنغافورة، التمتع بهذا الحق في مواطنيها فقط (11)، وتصل النسبة المئوية لاعتماد صيغة المواطنة في التعبير عن حظر التمييز الديني في دساتير النظم الجمهورية البرلمانية إلى 25% من مجمل الحالات المدروسة، ويبدو أن السمة المشتركة بين هذه الدول ما عدا إيطاليا، هي انتماؤها للشرق أو للمعسكر الشرقي في تاريخها القريب، في حين عبرت الفئة الأولى من الدول من خلال تبنيها لمصطلحات تتجاوز المواطنة إلى الإنسانية، عن ثقافة حقوق الإنسان ضمن المنظومة الغربية التي تنتمي إليها.

سكتت نصف دساتير النماذج المدروسة عن تحديد طبيعة العلاقة بين الدين والدولة (12)، أما النصف الآخر فقد تراوحت فيه الإشارة إلى هذه العلاقة بين دول تسمي دينا معينا  عل أنه دين للدولة مثل العراق (13) وبنغلاديش، وإن كانت هذه الأخيرة تتفرد بالجمع في دستورها بين تعيين الإسلام دينا للدولة في المادة 2 وفي نفس الوقت ينص دستورها في المادة 12 على أن مبادئ العلمانية ينبغي أن تتحقق، ودول تسمي كنيسة بعينها على أنها كنيسة للدولة كاليونان (14)، وذهبت إيطاليا في دستورها إلى النص على تساوي جميع الأديان (15)، في حين أحالت سويسرا تنظيم هذه العلاقة إلى ما تقرره الكانتونات الـــ26  المكونة للاتحاد السويسري (16) ، واتجهت بعض الدول إلى الإعلان بصيغة النفي أنه لا دين رسميا للدولة مثل ألبانيا وإثيوبيا، وإن كانت هذه الأخيرة قد أضافت فقرة إلى دستورها تقرر فيها صراحة أن الدين منفصل عن الدولة (17)، وذهبت بعض الدول إلى تبني العلمانية صراحة في دساتيرها مثل كوسوفا، وصربيا (18)، وبنغلاديش، في حين لا تشير دساتير دول أخرى إلى العلمانية صراحة ولكنها تنص على مقتضاها وهو فصل الدين عن الدولة مثل كرواتيا، ومقدونيا، وسلوفينيا، وفيجي، وسلوفاكيا (19).

وإذا عبرنا عن العلاقة بين الدين والدولة في دساتير الجمهوريات البرلمانية بلغة النسب والأرقام وربطنا هذه المسألة بمبدأ حظر التمييز الديني، نجد أن الدساتير التي سكتت عن توضيح هذه العلاقة تمثل 50% من الحالات المدروسة، والملاحظ أنه يغلب عليها استخدام مصطلحات عامة لا تنحصر في المواطنة عند التعبير عن حظر التمييز الديني، وتمثل نسبة الدساتير التي تتبنى العلمانية بشكل صريح أو بشكل ضمني من خلال النص على فصل الدين عن الدولة أو تلك التي تنفي تبني الدولة لدين معين 43%، وهي كذلك يغلب عليها تجنب التعبير عن من يحظر عليه التمييز الديني بمصطلح “المواطن” واستخدام مصطلحات عامة بدل ذلك، بينما تمثل نسبة الدساتير التي تتبنى دينا بعينه 7% من مجمل الحالات المدروسة وهي تنح وجهة مغايرة لباقي الدساتير، إذ يغلب عليها استخدام مصطلح “المواطن” أو “تسمية جنسية المخاطبين” بدل استخدام المصطلحات العامة.

          أما في النظم الملكية البرلمانية، فمن ضمن 15 نموذجا للنظم الملكية البرلمانية تمت دراستها في هذه الورقة، تبنت  دساتير كل من المملكة المتحدة، والنرويج، وهولندا، وكندا، وأندورا، وجامايكا، وساموا، وتوفالو، ونيوزيلندا، صيغًا مفتوحة في تطبيق مبدأ حظر التمييز الديني، حيث استخدمت المملكة المتحدة وجامايكا ونيوزيلندا مصطلحات عامة مبنية للمجهول مثل: “يحظر التمييز على أساس الدين” (20)، وذهبت كل من هولندا وساموا وتوفالو إلى تكييف الحظر ليشمل جميع “الأشخاص” (21)، بينما عبرت كندا عن ذلك بمصطلح “الأفراد” (22)  واستخدمت أندورا مصطلح “المخاطبين” (23) ، ووظفت النرويج مصطلح “سكان” (24)، وتصل نسبة استخدام المصطلحات التي تتجاوز مفهوم المواطنة بالنسبة للنظم الملكية البرلمانية إلى 60% من بين جميع الحالات المدروسة في هذا الفرع.

          أما بقية النماذج الستة، فقد حصرت انطباق حظر التمييز الديني في مواطنيها، سواء باستخدام مصطلح “المواطنين” كما هو الحال في دساتير كل من ليسوتو، وبابوا غينيا، وماليزيا، والدانمارك (25)، أو بتسمية حملة الجنسية بشكل صريح كما هو الحال في دستور إسبانيا وكمبوديا (26)، وتصل نسبة حصر حظر التمييز الديني في المواطنين لدى دساتير النظم الملكية البرلمانية إلى 40%.

          ومن السمات البارزة للنظم الملكية البرلمانية أنها لا تتبنى العلمانية بشكل صريح في دساتيرها، ونجد أن أغلب هذه الدول تؤثر في دساتيرها عدم التطرق للعلاقة بين الدين والدولة، فمن بين 15 نموذجا درسناها لا نجد إلا الدستور الماليزي يعين الإسلام دينًا للاتحاد (27)، ودستوري النرويج والدانمارك يحددان الكنيسة الإنجيلية اللوثرية كنيسةً للدولة (28) ، وبلغة الأرقام فإن 80% من النظم الملكية البرلمانية تسكت عن تحديد العلاقة بين الدين والدولة و20% فقط منها تخصص مادة لتحديد هذه العلاقة.

وكسمة بارزة أيضا، اتجهت بعض الملكيات البرلمانية في دساتيرها إلى حظر ترشح رجال الدين للمناصب التمثيلية، وهذا الاختيار كان اختيارا مشتركا لبعض “الدول-الجزر” كسانت كيتس، وسانت لوسيا، وسانت فينسنت (29)، وذهبت بلجيكا إلى نفي حق الدولة في التدخل سواء في التعيين أو في تنصيب وزراء من أي دين على الإطلاق، وقريبا من ذلك نص الدستور الأسترالي على عدم جواز فرض أي اختيار ديني كمؤهل لتبوُّؤ أي منصب حكومي، غير أن الدانمارك كانت منسجمة مع دستورها الذي يسمي كنيسة رسمية للدولة بأن نص أيضا على اشتراط أن يكون الملك عضوا في الكنيسة الإنجيلية اللوثرية.

  • دساتير النظم الرئاسية:

          تتجلى أقصى تجليات الفصل الجامد بين السلطات، في النظام الرئاسي الذي يقوم على اعتبار السلطتين التنفيذية والتشريعية وكيلين منفصلين عن جمهور الناخبين، فهما تنشآن وتستمران بشكل منفصل، وفي النظام الرئاسي يعتبر رئيس الدولة هو نفسه رئيس الحكومة، وينتخب بشكل مباشر عن طريق الاقتراع العام، أو بشكل غير مباشر عن طريق هيئة منتخبة وسيطة، وتعتبر ولاية الرئيس ولاية ثابتة لا يقطعها حجب للثقة ولا مساءلة سياسية أمام السلطة التشريعية، وبالتالي لا يعتمد الرئيس أثناء ولايته على دعم حزبه للاحتفاظ بمنصبه.

          يعتبر النظام الرئاسي أكثر الأنظمة انتشارا في العالم، حيث يعتمده أكثر من ربع دول العالم، وفي هذه الدراسة قمنا بدراسة 56 دولة تعتمد النظام الرئاسي في الحكم، وتبين أن 5 منها هي موزمبيق، وأفغانستان، وقيرغيزستان، وإندونيسيا، ومالديف، لا تنص دساتيرها بأي شكل من الأشكال على حظر التمييز على أساس الدين، في حين أن 51 دولة منها تضمنت دساتيرها هذا المبدأ، وتباينت صيغ التعبير عنه، بين دول تحصر التمتع بهذا الحق في مواطنيها فقط مثل ليبيريا، وغينيا بيساو، وبوركينافاسو، وجزر القمر، والكونغو، ومالي، وتوغو، ونيجيريا، وكوريا الجنوبية، وأوزبكستان (30)، وأخرى وهي الأكثرية توسع نطاق الحماية الدستورية لتسري على “كل أحد”  كما هو الحال في دساتير الإكوادور، والبرازيل، وسورينام، وكوديفوار، وأذربيجان، وغينيا، وتركيا، وكازاخستان، وبوروندي، والكاميرون (31)، أو تسري على “كل الأشخاص”  كدساتير السلفادور، وزمبابوي، وزامبيا، وقبرص، وغانا، وناميبيا، وتنزانيا، ومالاوي، والمكسيك، وجورجيا، وكينيا، وغامبيا، وأوغندا، وجيبوتي وجزر الماريشال (32)، وهناك عدد قليل من الدساتير استخدم مصطلح “الأفراد” كدستور بوليفيا، وكولومبيا، ومدغشقر، ونيكاراغوا (33)، وقريب منه دستور بنين ودستور النيجر اللذان استخدما مصطلح “الجميع” (34)، ودستور طاجيكستان ودستور تشاد اللذان استخدما مصطلح “الكل” (35)، بينما انفرد دستور البيرو بمصطلح “الإنسان” (36)، ودستور وسط أفريقيا بمصطلح “الكائن البشري” (37)، ودستور باراغواي بمصطلح “العاملين” (38)، في حين استخدمت كل من بنما، وغينيا الاستوائية، والغابون، والسنغال، مصطلحات مفتوحة ومبنية للمجهول من قبيل  “لن يكون هناك أي تمييز ديني” أو “يحظر كل تمييز ديني”(39).

          من خلال ما سبق نستنتج أن دساتير النظم الرئاسية تتبنى تطبيق حظر التمييز الديني على المواطنين بنسبة 20%، وتستخدم صيغا تتجاوز المواطنة بنسبة 80%.

          سكتت دساتير 27 دولة عن تحديد طبيعة العلاقة التي تربطها بالدين من بين 51 دستور للأنظمة الرئاسية تمت دراستها، أي بنسبة 53% (40) ، وذهبت كل من المكسيك، ووسط أفريقيا، وجورجيا، والنيجر، وكوريا الجنوبية، وأذربيجان، وطاجيكستان إلى التصريح بفصل الدين عن الدولة (41) ، واكتفت نيكاراغوا، وكينيا، وغامبيا، ونيجيريا بالإعلان عن طريق النفي أنه لا دين رسميا للدولة (42)، في حين تبنت 9 دول صراحة العلمانية في دساتيرها وهي غينيا، ومدغشقر، وتشاد، والغابون، وتركيا، وكازاخستان، وبوروندي، والكاميرون والسنغال (43)، وهي في معظمها مستعمرات فرنسية قديمة، واكتفت أوغندا بالنص على أنها ليست دولة دينية (44)، لتصل نسبة الدول ذات النظام الرئاسي التي تنفي تبنيها لأي دين رسمي أو تفصل الدين عن الدولة أو تتبنى العلمانية إلى 41%.

 وذهبت كل من جزر القمر وجيبوتي إلى التصريح بأن الإسلام دين الدولة (45)، في حين أعلنت إندونيسيا في دستورها أن الدولة تقوم على الإيمان بالله الواحد (46)، لتصل نسبة الدول التي تعين في دستورها دينا محددا للدولة إلى 6%.

في دراستنا لدساتير النظم الرئاسية، رصدنا بها ميزتين أساسيتين فيما يخص حظر التمييز الديني في الوظائف والعمل بشكل عام، الأولى أن دساتير هذه الدول تميل إلى النص على هذا الحظر أكثر من النظم شبه الرئاسية والنظم الجمهورية البرلمانية، ويتضح ذلك في دساتير كل من باراغواي، وسورينام، ونيكاراغوا، وساحل العاج، ومدغشقر وموزمبيق (47)، والميزة الثانية هي النص على حالة التنافي بين عضوية الهيئات التمثيلية كالبرلمان وشغل وظائف دينية، حيث نصت على هذا التعارض دساتير كل من الأرجنتين، والدومينيك، والمكسيك التي زادت على ذلك عدم جواز أن يشغل الرئيس منصبا دينيا وألا يكون خادما في أي طائفة دينية (48) .

  • دساتير النظم المختلطة (شبه الرئاسية):

          يقوم النظام المختلط أساسا على ازدواجية السلطة التنفيذية، فهي سلطة برأسين، ينتخب فيها رئيس الدولة بالاقتراع العام، ولا يتمتع عادة الرئيس ولا السلطة التشريعية فيها بسيطرة كاملة على اختيار أو تعيين أو إقالة رئيس الوزراء، وبينما يتمتع رئيس الدولة بصلاحيات تنفيذية كبيرة في هذا النظام، ولا يخضع لمساءلة البرلمان، فإن رئيس الوزراء يخضع لهذه المساءلة من خلال التصويت على حجب الثقة.

          وفي هذه الورقة تطرقنا لدراسة دساتير 14 دولة تعتمد النظام المختلط، ولاحظنا أن دساتير كل من روسيا، وجنوب أفريقيا، والبوسنة والهرسك، ومنغوليا، وأنغولا، وغوايانا، تعتمد صيغة مفتوحة تتجاوز المواطنة في النص على حظر التمييز على أساس الدين، وقد استخدمت للتعبير عن ذلك مصطلحات مثل “كل شخص، كل الأشخاص، لا أحد” (49)، في حين حصرت كل من أوكرانيا، ومولدوفا، وباكستان، وفرنسا، والرأس الأخضر، وساو تومي وبرينسيب، وسريلانكا، وفلسطين، التمتع بهذا الحق في مواطنيها فقط (50)، وتعتبر نسب استخدام صيغ المواطنة والصيغ التي تتجاوز المواطنة في دساتير النظم المختلطة، متوازنة أكثر مما عليه الحال في نظم الحكم الأخرى، حيث تستخدم 57% من الدساتير محل الدراسة صيغة المواطنة، وتستخدم 43% منها صيغا تتجاوز المواطنة، ويسجل للنظم المختلطة انحيازها لتضييق شريحة المخاطبين بحظر التمييز الديني وحصرها في المواطنين، بخلاف التوجه العام لنظام الحكم البرلماني والرئاسي.

          ومن بين نماذج الدساتير الـــ14 محل الدراسة، سكتت دساتير كل من مولدوفا، وروسيا، وجنوب أفريقيا، والبوسنة والهرسك، وأنغولا، والرأس الأخضر، وغوايانا، عن تحديد علاقة الدولة بالدين، أي ما يعادل 50% من مجمل النماذج، ويبدو أن هذا يشكل نمطا مضطردا في جميع أنظمة الحكم التي درسناها، حيث نجد دائما أن نصف عدد الدول في كل نظام يتجنب تحديد هذه العلاقة دستوريًّا.

          وتباين تعامل النصف الآخر من الدول محل الدراسة مع مسألة علاقة الدولة بالدين، فتراوحت الإشارة إلى هذه العلاقة بين دول تسمي دينا معينا دينا للدولة مثل باكستان وفلسطين في تسمية الإسلام وسريلانكا في تسمية البوذية (51)، وذهبت منغوليا في دستورها إلى النص على عدم تدخل الدولة في الشؤون الدينية وعدم تدخل الدين في الشؤون السياسية (52) ، في حين حث الدستور الأوكراني الدولة على تطوير الهوية الدينية للسكان الأصليين والأقليات (53)، وذهبت بعض الدول إلى تبني العلمانية صراحة في دساتيرها مثل فرنسا وساوتومي وبرينسيب (54)، وهكذا تقدر نسبة الدول التي تسمي دينا أو كنيسة معينة بشكل رسمي بـ21%، والنسبة نفسها بالنسبة للدول التي تتبنى العلمانية بشكل صريح أو ضمني، وهذا يجعل الدول ذات النظام المختلط أكثر الدول ميلا لتسمية دين معين على أنه دين رسمي في دساتيرها، وأقلها تبنيا للعلمانية مقارنة بالدول التي تتبنى النظامين البرلماني والرئاسي.

          وعلى عكس الدول ذات النظامين البرلماني والرئاسي، لا نجد بين الدول ذات النظام المختلط دولة غير باكستان يحظر دستورها التمييز الديني في تقلد الوظائف (55).

ثانيا: حظر التمييز الديني في دساتير النظم غير الديمقراطية:

          باتباع المنهجية نفسها التي اتبعناها أعلاه، نتطرق هنا لتناول حظر التمييز الديني في دساتير الملكيات المطلقة والملكيات شبه الدستورية (1)، والنظم العسكرية (2)، ويلخص الجدول الآتي بالنسب والأرقام وضعية حظر التمييز الديني في دساتير النظم غير الديمقراطية

الجدول رقم 2: حظر التمييز الديني في دساتير النظم غير الديمقراطية

 
النظم محل الدراسة حصر تطبيق حظر التمييز الديني على المواطنين تطبيق حظر التمييز الديني على الناس بشكل عام المبدأ مقدم ضمن أول عشر مواد في الدستور السكوت عن علاقة الدين بالدولة تعيين دين رسمي للدولة تبني العلمانية في الدساتير
الملكيات المطلقة

(5 نماذج)

دستور واحد

20%

4 دساتير

80%

دستور واحد

20%

دستوران

40%

3 دساتير

60%

0

0%

الملكيات شبه الدستورية

(4 نماذج)

دستوران

50%

دستوران

50%

دستور واحد

25%

0

0%

3 دساتير

75%

1 دستور

25%

النظم العسكرية والشمولية

(6 نماذج)

4 دساتير

67%

دستوران

33%

0

0%

3 دساتير

50%

دستوران

33%

دستور واحد

17%

المجموع

15 نموذجا

7 دساتير

47%

8 دساتير

53%

دستوران

13%

5 دساتير

33%

8 دساتير

53%

دستوران

13%

  • دساتير الملكيات المطلقة والملكيات شبه الدستورية:

          الملكيات المطلقة هي نظم الحكم التي تقوم على توارث الملك والسلطة، ويكون للملك فيها دور محوري وتدخل في السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، أما الملكيات شبه الدستورية فهي تلك النظم الوراثية أيضا التي تنازل فيها الملك عن بعض سلطاته لصالح الرعية فأصبحت تجرى بها انتخابات تشريعية تنبثق عنها حكومة، مع بقاء الملك يستأثر بالكثير من السلطات التنفيذية.

          وتتطرق هذه الدراسة لدراسة 7 ملكيات مطلقة هي: الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وبوتان، وبروناي، وإسواتيني. وقد تفاعلت كل النماذج -ما عدا السعودية وبروناي- بشكل إيجابي في دساتيرها مع حظر التمييز الديني، واستخدمت في ذلك صيغا مختلفة، إذ إنه من بين النماذج الخمسة محل الدراسة، استخدمت سلطنة عمان وحدها مصطلح “مواطنين” عند التطرق لحظر التمييز الديني (56)، أما دساتير الدول الأخرى فقد استخدمت مصطلحات “الأفراد” كما هو حال الإمارات (57)، واستخدم الدستور القطري مصطلح “الناس” (58)  في حين استخدمت كل من بوتان وإسواتيني مصطلح “شخص وأشخاص” (59).  وهذا في الحقيقة يفسره تجنب الملكيات المطلقة عادة استخدام مصطلح المواطنة لارتباطه بالتمثيل والمحاسبة، وتصل نسبة توظيف مصطلح المواطنة إلى 20%، في حين تصل نسبة استخدام صيغ المخاطبين العامة إلى 80%.

وعند ربط مسألة حظر التمييز الديني بطبيعة العلاقة التي تجمع بين الدولة والدين في دساتير الدول الخمسة محل الدراسة، نجد أن كلا من قطر، وعمان، والإمارات، قد نصت دساتيرها على أن الإسلام دين الدولة (60)، أي بنسبة 60%، في حين سكتت دساتير كل من إسواتيني وبوتان عن ذلك، أي بنسبة 40%.

وبمقارنة هذه الأرقام والنسب مع نظيرتها في نظم الحكم الديمقراطية نصل إلى النتائج الآتية:

  • أن الملكيات المطلقة تضاهي النظم الرئاسية في قلة استخدام صيغ المواطنة، وكثرة استخدام الصيغ العامة، مع اختلاف الخلفيات، إذ يبدو أن هناك ميلا إلى تجنب استخدام مصطلح المواطنة في ظل النظم الملكية المطلقة، كما أن صيغة المواطنة لا تستخدم بكثرة في دساتير النظم الرئاسية رغبة في توسعة مجال تطبيق حظر التميز الديني بحيث يشمل المواطنين وغير المواطنين.
  • تعتبر الملكيات المطلقة أقل النظم سكوتا عن تحديد علاقة الدين بالدولة في دساتيرها.
  • الملكيات المطلقة أكثر النظم اعتدادا بالدين وتنصيصا عليه في دساتيرها.
  • الملكيات المطلقة أقل النظم تنصيصا على العلمانية في دساتيرها، بل إن نسبة ذلك تساوي 0% في النماذج التي درسناها.

أما فيما يخص دساتير الملكيات شبه الدستورية، فمن ضمن النماذج الستة (06) التي تمت دراستها، نجد أن نموذجين منها هما المغرب وموناكو لم ينص دستوراهما على حظر التمييز الديني، في حين ذهبت دساتير كل من الأردن، والكويت، والبحرين، ونيبال إلى تبنٍّ صريح لهذا المبدأ، حيث منع الأردن هذا التمييز على الأردنيين فقط، ومنعته نيبال على المواطنين، في حين استخدم دستورا الكويت والبحرين مصطلح “الناس” (61)، وهكذا تكون نسبة لجوء النظم شبه الدستورية إلى استخدام مصطلح المواطنة هي 50% وتضاهيها نفس النسبة فيما يخص استخدام مصطلحات عامة للتعبير عن المخاطبين بالمبدأ.

أما عن العلاقة بين الدين والدولة فقد نصت دساتير الأردن، والكويت، والبحرين، على أن الإسلام دين الدولة (62)  في حين تعتبر نيبال علمانية، وهكذا تكون نسبة تحديد دين ما في دساتير هذا النوع من أنظمة الحكم هي  75%، وتصل نسبة اعتماد العلمانية إلى 25%.

وبمقارنة هذه الأرقام والنسب مع نظيرتها في نظم الحكم الديمقراطية نصل إلى النتائج الآتية:

  • الملكيات شبه الدستورية تستخدم صيغ المواطنة والصيغ العامة بشكل متساو، وهي في ذلك أفضل من النظم شبه الرئاسية ومن الملكيات المطلقة.
  • النماذج المدروسة من الملكيات شبه الدستورية كلها تتجنب السكوت عن علاقة الدولة بالدين في دساتيرها، حيث قدرت نسبة السكوت الدستوري بــ0%.
  • الملكيات شبه الدستورية أكثر نظم الحكم تحديدا لدين الدولة بين كل النظم التي درسناها أعلاه، بيد أن تلك التي لا تحدد دينا معينا تتبنى العلمانية تلقائيا.
  • دساتير النظم العسكرية والشمولية:

          تتطرق هذه الدراسة لــ10 نماذج من النظم العسكرية والشمولية في العالم، هي كالآتي: سوريا، ومصر، وكوبا، وإريتريا، وميانمار، وتركمانستان، ولاو، وموريتانيا، والسودان، وتايلاند. ولا تتطرق النماذج الأربعة الأخيرة لأي حظر للتمييز على أساس الدين في دساتيرها، أما النماذج الستة الأخرى فتتباين في صيغ التعبير عن المخاطبين بالحظر؛ حيث تستخدم كل من مصر وسوريا وميانمار مصطلح “المواطنين” (63)، وينص دستور إريتريا على أنه “لا أحد يتعرض للتمييز على أساس الدين …” (64)، ويجمع دستور تركمانستان بين مصطلحي “شخص” و”مواطن” ( (65)، لتبلغ نسبة توظيف المواطنة 67%، ونسبة توظيف مصطلحات عامة تشمل جميع الناس 33%.

          ومن بين هذه الدول الست سكتت دساتير إريتريا وميانمار وتركمانستان عن توضيح العلاقة بين الدولة والدين، في حين نص الدستور السوري على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع وأن دين الرئيس هو الدين الإسلامي (66)، ونص الدستور المصري على أن الإسلام دين للدولة (67)، وتبنت كوبا العلمانية (68)، وهكذا تمثل نسبة السكوت الدستوري بــ50%، في حين تحدد 33% من النماذج المدروسة دينا رسميا لها، وتمثل النماذج التي تتبنى العلمانية 17%.

وبمقارنة هذه الأرقام والنسب مع نظيرتها في نظم الحكم الديمقراطية ونظم الحكم غير الديمقراطية نصل إلى النتائج الآتية:

  • النظم العسكرية والشمولية أكثر النظم على الإطلاق توظيفا لمصطلح المواطنة عند التعبير عن حظر التمييز الديني في دساتيرها، وبالتالي فهي كذلك أقل النظم على الإطلاق استخداما لمصطلحات عامة تضمن استفادة جميع الناس، بغض النظر عن المواطنة، من هذا الحق.
  • النظم العسكرية والشمولية أكثر النظم تبنيا لدين ما في دساتيرها مقارنة مع النظم الديمقراطية، وأقلها مقارنة مع الملكيات المطلقة والكليات شبه الدستورية.
  • النظم العسكرية والشمولية أقل النظم بعد الملكيات المطلقة تبنيا للعلمانية في دساتيرها.

خاتمة:

          لقد اكتفت هذه الدراسة بالتطرق للدول التي تنص دساتيرها على حظر التمييز الديني، ولكن لا بأس بأن نثبت هنا ضمن النتائج المتوصل إليها التي لها علاقة وطيدة بموضوع الدراسة، أن نسبة دساتير الدول ذات النظم الديمقراطية التي لا تتطرق لحظر التمييز الديني لا تتجاوز 9% من بين 119 نموذجا تمت دراسته، وأن نسبة دساتير الدول ذات النظم غير الديمقراطية التي لا تتطرق لحظر التمييز الديني تتجاوز 39%، مما يدل على أن النظم الشمولية والمطلقة هي أكثر النظم تجنبا للنص على حظر التمييز الديني في دساتيرها مقارنة بالنظم الديمقراطية.

عند القراءة المقارنة لمجموع الجدول رقم 1 الخاص بالنظم الديمقراطية، والجدول رقم 2 الخاص بالنظم غير الديمقراطية، نجد أن هذه الأخيرة أقل انفتاحا على استخدام الصيغ العامة في تحديد المخاطبين بأحكام الدستور، بينما تعد النظم الديمقراطية أكثر انفتاحا على هذه الصيغ التي تتيح تطبيق بنود الحقوق والحريات، بما في ذلك حظر التمييز الديني، على أكبر شريحة ممكنة من المخاطبين، بما يتجاوز مفهوم المواطنة إلى مفهوم الإقامة، بل حتى الوجود في إقليم الدولة بشكل غير قانوني، ونفس الملاحظة تنطبق على استخدام صيغ المواطنة، فالنظم غير الديمقراطية أكثر تمسكا بحصر تطبيق بنود الحقوق والحريات على مواطنيها فقط، بينما تتجه إلى العكس من ذلك النظم الديمقراطية، حيث نجدها تهتم بالإنسان أكثر بدل المواطن.

          تميل النظم الديمقراطية إلى السكوت عن علاقة الدولة بالدين في دساتيرها، وذلك بسبب غلبة الجوانب الإجرائية التي تضبط العلاقة بين السلطات، في حين تعتبر دساتير النظم غير الديمقراطية أقل الدساتير سكوتا عن تحديد هذه العلاقة، فهي تعطيها أهمية بالغة، وينعكس هذا الوضع بشكل مباشر على تعيين دين رسمي في دساتير الدول، حيث تعتبر النظم الديمقراطية أقل النظم تعيينا لدين ما أو كنيسة ما بشكل رسمي في دساتيرها، في حين ترتفع هذه النسبة بشكل كبير في النظم غير الديمقراطية، وهذه ظاهرة تحتاج إلى تأمل ودراسة، إذ يبدو أن هناك توظيفا للدين أو تمسكا شكليا به بحيث لا ينعكس ذلك إيجابا على تبني الديمقراطية وتطبيقها، ومن ناحية أخرى، تعتبر النظم الديمقراطية أكثر النظم تمسكا بالعلمانية في دساتيرها مقارنة بالنظم غير الديمقراطية.

          ونختم بنتيجة مرتبطة بالعناصر التي ترددنا في صياغة فرضية حولها في المقدمة، لنقول الآن بدون تردد، والأرقام تثبت ذلك، إن النظم الديمقراطية تجنح دائما في دساتيرها إلى السكوت عن العلاقة بين الدين والدولة، في حين أن دساتير النظم المطلقة والشمولية تجنح في الغالب إلى تسمية دين رسمي للدولة.

المراجع:

  • Observatory EurWork, “Discrimination on the grounds of religion or belief “, available in: (shorturl.at/ewDIU) visited on 19/12/2022.
  • Julian Burnside, “It’s Time. A Bill of Rights for Australia” (Speech delivered at the 2008 International Human Rights Day Address, Bob Hawke Prime Ministerial Centre, University of South Australia).
  • تم إطلاق المشروع من طرف Google Ideas التي تحولت فيما بعد إلى Jigsaw وهي عبارة عن حاضنة أعمال ومشاريع تهتم بحرية الوصول إلى المعلومات، انظر: at/goWXY تمت زيارته بتاريخ 26-07-2020.
  • تم الاعتماد على تقسيم النظم السياسية الذي قامت به ونشرته جامعة ميغيل الكندية على الرابط: at/egGO8 تمت زيارة الموقع بتاريخ 15-06-2020.
  • س.ماينوورينغ وآخرون، “الرئاسة والديمقراطية: تقييم نقدي”، السياسة المقارنة، مجلد 4، عدد 29، 1997، ص-ص 449-471.
  • تم اعتماد التقسيم -مع بعض التحوير- الذي أجرته ونشرته جامعة ميجيل سنة 2007 المتوفر على الرابط: at/EMOW6 تمت زيارة الرابط بتاريخ 18-07-2020.
  • انظر: دستور ألمانيا، المادة 3؛ دستور سويسرا، المادة 8؛ دستور كرواتيا، المادة 14؛ دستور اليونان، المادة 5؛ إثيوبيا، المادة 25.
  • انظر دساتير: ألبانيا، المادة 18؛ كوسوفا، المادة 24؛ إستونيا، المادة 12؛ فنلندا، المادة 6؛ آيسلندا، المادة 65؛ هنغاريا، المادة 15؛ سلوفاكيا، المادة 12؛ سلوفينيا، المادة 14؛ تيمور الشرقية، المادة 12.
  • انظر: دستور ترينيداد وتوباغو، المادة 4.
  • انظر: دستور جمهورية الدومينيك، المادة 39
  • انظر دساتير: إيطاليا، المادة 3؛ والعراق، المادة 14؛ والهند، المادة 15؛ وبلغاريا، المادة 6؛ ومقدونيا، المادة 9؛ وبنغلاديش، المادة 28؛ وسنغافورة، المادة 12.
  • نقصد بذلك دساتير كل من ألمانيا، والبرتغال، والنمسا، والهند، وإستونيا، وفنلندا، وآيسلندا، وهنغاريا، وجمهورية الدومينيك، وسنغافورة، وتيمور الشرقية، وترينيداد وتوباغو، وفانواتو.
  • الدستور العراقي، المادة 2.
  • الدستور اليوناني، المادة 3.
  • الدستور الإيطالي، المادة 8.
  • الدستور السويسري، المادة 72.
  • انظر دستوري: ألبانيا، المادة 10؛ وإثيوبيا، المادة 11.
  • انظر دستوري: كوسوفا، المادة 8؛ صربيا، المادة 11.
  • انظر دساتير: كرواتيا، المادة 41؛ مقدونيا، المادة 7؛ سلوفينيا، المادة 7؛ فيجي، المادة 4؛ سلوفاكيا، المادة 1.
  • انظر دساتير: المملكة المتحدة، المادة 14؛ وجامايكا، المادة 13؛ ونيوزيلندا، المادة 21.
  • انظر دساتير: هولندا، المادة 1؛ وساموا، المادة 15؛ وتوفالو، المادة 11.
  • دستور كندا، المادة 15.
  • دستور أندورا، المادة 6.
  • دستور النرويج، المادة 16.
  • انظر دساتير: ليسوتو، المادة 26؛ وبابوا غينيا، المادة 2؛ وماليزيا، المادة 8؛ والدانمارك، المادة 71.
  • انظر دستوري: إسبانيا، المادة 14؛ وكمبوديا، المادة 31.
  • دستور ماليزيا، المادة 3.
  • انظر دستوري: الدانمارك، المادة 4؛ والنرويج، المادة 16.
  • انظر دساتير: كسانت كيتس، المادة 28؛ وسانت لوسيا، المادة 26؛ وسانت فينسنت، المادة 26.
  • انظر دساتير: ليبيريا، المادة 18؛ وغينيا بيساو، المادة 24؛ وبوركينافاسو، المادة 1؛ وجزر القمر، المادة 2؛ والكونغو، المادة 15؛ ومالي، المادة 2؛ وتوغو، المادة 2؛ ونيجيريا، المادة 42؛ وكوريا الجنوبية، المادة 11؛ وأوزباكستان، المادة 18.
  • انظر دساتير: الإكوادور، المادة 11؛ والبرازيل، المادة 5؛ وسورينام، المادة 8؛ وكوديفوار، المادة 4؛ وأذربيجان، المادة 25؛ غينيا، المادة 8؛ وتركيا، المادة 10؛ وكازاخستان، المادة 14؛ وبوروندي، المادة 22؛ والكاميرون، المادة 13.
  • انظر دساتير: السلفادور، المادة 3؛ وزمبابوي، المادة 56؛ وزامبيا، المادة 266؛ وقبرص، المادة 28؛ وغانا، المادة 17؛ وناميبيا، المادة 10؛ وتنزانيا، المادة 13؛ ومالاوي، المادة 20؛ والمكسيك، المادة 1؛ وجورجيا، المادة 11؛ وكينيا، المادة 27؛ وغامبيا، المادة 33؛ وأوغندا، المادة 21؛ وجيبوتي، المادة 3؛ وجزر الماريشال، المادة 12.
  • انظر دساتير: بوليفيا، المادة 14؛ وكولومبيا، المادة 13؛ ومدغشقر، المادة 6؛ ونيكاراغوا، المادة 27.
  • انظر دستوري: بنين، المادة 26؛ والنيجر، المادة 8.
  • انظر دستوري: طاجاكستان، المادة 17؛ وتشاد، المادة 14.
  • دستور البيرو، المادة 2.
  • دستور وسط أفريقيا، المادة 6.
  • دستور باراغواي، المادة 88.
  • انظر دساتير: بنما، المادة 19؛ وغينيا الاستوائية، المادة 15؛ والغابون، المادة 1؛ والسنغال، المادة 5.
  • هذه الدول هي: الإكوادور، والبرازيل، والبيرو، وبوليفيا، وكولومبيا، وسورينام، والسلفادور، وبنما، وبنين، وزمبابوي، وزامبيا، وليبيريا، وغينيا بيساو، وقبرص، وغانا، وبوركينافاسو، والكونغو، ومالي، وتوغو، وكوديفوار، وناميبيا، وتنزانيا، ورواندا، ومالاوي، وغينيا الاستوائية، وجزر الماريشال، وأوزباكستان.
  • انظر دساتير: المكسيك، المادة 130؛ ووسط أفريقيا، المادة 25؛ وجورجيا، المادة 8؛ والنيجر، المادة 3؛ وكوريا الجنوبية، المادة 20؛ وأذربيجان، المادة 18؛ وطاجاكستان، المادة 8.
  • انظر دساتير: نيكاراغوا، المادة 14؛ وكينيا، المادة 8؛ وغامبيا، المادة 100؛ ونيجيريا، المادة 10.
  • انظر دساتير: غينيا، المادة 1؛ ومدغشقر، المادة 2؛ وتشاد، المادة 1؛ والغابون، المادة 2؛ وتركيا، المادة 2؛ وكازاخستان، المادة 1؛ وبوروندي، المادة 1؛ والكاميرون، المادة 14؛ والسنغال، المادة 1.
  • دستور أوغندا، المادة 7.
  • انظر دستوري: جزر القمر، المادة 97؛ وجيبوتي، المادة 1.
  • دستور إندونيسيا، المادة 29.
  • انظر دساتير: باراغواي، المادة 88؛ وسورينام، المادة 28؛ ونيكاراغوا، المادة 82؛ وكوديفوار، المادة 14؛ ومدغشقر، المادة 28؛ وموزمبيق، المادة 251.
  • انظر دساتير: الأرجنتين، المادة 73؛ والدومينيك، المادة 32؛ والمكسيك، المادتين 55 و82.
  • انظر دساتير: روسيا، المادة 19؛ وجنوب أفريقيا، المادة 9؛ والبوسنة والهرسك، المادة 4؛ ومنغوليا، المادة 14؛ وأنغولا، المادة 23؛ وغوايانا، المادة 149.
  • انظر دساتير: أوكرانيا، المادة 24؛ ومولدوفا، المادة 16؛ وباكستان، المادة 26؛ وفرنسا، المادة 1؛ والرأس الأخضر، المادة 22؛ وساو تومي وبرينسيب، المادة 15؛ وسريلانكا، المادة 12؛ وفلسطين، المادة 9.
  • انظر دساتير: باكستان، المادة 2؛ وفلسطين، المادة 4؛ وسريلانكا، المادة 9.
  • دستور منغوليا، المادة 9.
  • دستور أوكرانيا، المادة 11.
  • انظر دستوري: فرنسا، المادة 1؛ وساوتومي وبرينسيب، المادة 8.
  • دستور باكستان، المادة 27.
  • دستور عمان، المادة 17.
  • دستور الإمارات، المادة 25.
  • دستور قطر، المادة 35.
  • انظر دستوري: بوتان، المادة 7؛ وإسواتيني، المادة 20.
  • انظر دساتير: قطر، المادة 1؛ وعمان، المادة 2؛ والإمارات، المادة 7.
  • انظر دساتير: الأردن، المادة 6؛ والكويت، المادة 29؛ والبحرين، المادة 18؛ ونيبال، المادة 18.
  • انظر دساتير: الأردن، المادة 2؛ والكويت، المادة 2؛ والبحرين، المادة 2.
  • انظر دساتير: مصر، المادة 53؛ وسوريا، المادة 33؛ وميانمار، المادة 248.
  • دستور إريتريا، المادة 14.
  • دستور تركمانستان، المادة 28.
  • دستور سوريا، المادة 3.
  • دستور مصر، المادة 2.
  • دستور كوبا، المادة 14.