مقدمة
في الذكرى الحادية والسبعين لنكبة فلسطين تبرز قضية اللاجئين الفلسطينيين بوصفها أكثر التحديات تعقيدًا أمام أية فرصة لتسوية واقعية ومقبولة وقابلة للتنفيذ. لقد بدأت قضية اللاجئين منذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947، أو ما يسمى بقرار التقسيم، حيث جرى فرض تقسيم فلسطين التاريخية إلى ثلاثة كيانات تتشكَّل من دولتين إحداهما يهودية على 55% من أرض فلسطين، والأخرى عربية فلسطينية على حوالي 44% من أرض فلسطين، مع بقاء القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية. وقد شكَّل قرار التقسيم مبررًا للحركة الصهيونية لإقامة دولة على جزء من أرض فلسطين تجاوزت المساحة الواردة في قرار التقسيم، كما أدى إلى طرد وتهجير أكثر من نصف السكان العرب الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم وترابهم الوطني.
وفي عام 1948 وحده جرى تهجير حوالي 850 ألف فلسطيني شكَّلوا آنذاك 61% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 1400000 فلسطيني ليطلق عليهم لقب لاجئين. وتركَّز معظم اللاجئين الفلسطينيين إثر نكبة عام 1948 في المناطق الفلسطينية الناجية من الاحتلال، أي في الضفة والقطاع 80.5%، في حين اضْطُرَّ 19.5% من اللاجئين الفلسطينيين للتوجُّه إلى الدول العربية الشقيقة، سوريا والأردن ولبنان ومصر والعراق، بينما توجه العديد منهم إلى مناطق جذب اقتصادية في أوروبا وأميركا، وكذلك إلى دول الخليج العربية، وقد تغيرت الخريطة الديموغرافية للشعب الفلسطيني بعد طرد الجيش الإسرائيلي لنحو 460 ألف فلسطيني في عام 1967 إثر احتلال الضفة والقطاع”(1). وفي 15 مايو/أيار 1948 قامت الحركة الصهيونية بالإعلان عن قيام دولة إسرائيل، وقد توسعت مساحة هذه الدولة لتشمل 77% من أراضي فلسطين، بما في ذلك الجزء الأكبر من القدس. وبالمقابل سيطرت الأردن ومصر على بقية أراضي فلسطين التي ضمت (قطاع غزة والضفة الغربية) بما فيها القدس الشرقية.
وفي محاولة لمعالجة موضوع المهجرين نتيجة لاحتلال فلسطين، فإن الأمم المتحدة عمدت بداية إلى إصدار القرار 212، في الدورة 3، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1948، الذي يقضي بتـأسيس هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين، ثم إلى اٍصدار القرار 194، في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948، ويقضي في مضمونه بحل النزاع عبر لجنة التوفيق الدولية التي أسست بموجب ذات القرار، كما تضمن القرار إقرارًا بحق عودة لاجئي فلسطين إلى بيوتهم وقراهم التي طردوا منها. وقد تناول القرار إلى جانب الفلسطينيين، اليهود الذين فروا أو طردوا من بيوتهم حينها. وقد فشلت لجنة التوفيق الدولية التي أُسِّست بموجب القرار من الوصول إلى حل ينهي النزاع.
وقد كانت المساعدات للاجئين بداية تتم بالتعاون بين هيئة الأمم المتحدة لإغاثة لاجئي فلسطين وهيئات أخرى كالصليب الأحمر الدولي ومنظمة الكويكرز الأميركية. وحيث لم يجر حل للنزاع وبسبب استمرار وتفاقم معاناة اللاجئين، عمدت الأمم المتحدة إلى إصدار القرار رقم 302* بتأسيس هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول 1949، وباشرت الهيئة أعمالها في 1 مايو/أيار 1950، وكان من ضمن مهامها تقديم الإغاثة للاجئي فلسطين سواء أكانوا عربًا أم يهودًا.
وجاء في مطلع قرار تأسيس الأونروا، خاصة القرار رقم 212 (الدورة 3) الصادر في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1948، والقرار رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948، ما يؤكد ضرورة استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين لتلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار. كما جاء في الفقرة 20 من القرار 194 أن الجمعية العمومية توعز إلى ” وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى؛ بالتشاور مع لجنة التوفيق بشأن فلسطين التابعة للأمم المتحدة لما فيه خير أداء مهمات كل منهما”، وخصوصًا فيما يتعلق بما ورد في الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948. وهذا مؤشر واضح على ارتباط استمرار عمل الأونروا الإغاثي بحل قضية اللاجئين استنادًا إلى حقهم في العودة.
أما بالنسبة لقبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، فقد وافقت الأمم المتحدة بتاريخ 4 مارس/آذار 1949 بموجب قرارها رقم 273، الذي جاء فيه “إن الجمعية العامة؛ إذ تأخذ علمًا بالتصريح الذي تقبل به “إسرائيل” دون أي تحفظ، بالالتزامات الناجمة عن ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد باحترامها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضوًا في الأمم المتحدة، وإذ تذكر بقراريها الصادرين في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 (قرار التقسيم)، وفي 11 ديسمبر/كانون الأول سنة 1948 (القرار 194 القاضي بإعادة اللاجئين والتعويض لهم)، وتأخذ علمًا بالتصريحات والإيضاحات التي قدمها ممثل حكومة “إسرائيل” أمام اللجنة السياسية المؤقتة، بشأن تطبيق القرارين المذكورين… تقرر أن تقبل إسرائيل عضوًا في الأمم المتحدة.
بيد أن إسرائيل التي ادعت التزامها بالقرارات المذكورة، أوقفت في يونيو/حزيران عام 1952 عمل الأونروا في الأراضي التي أعلنت قيام إسرائيل عليها، وكان وقتها هنالك “17 ألفًا من النازحين اليهود (داخل إسرائيل) كانوا مسجلين في “الأونروا” وسرعان ما انخفض عددهم إلى 3000، وكانوا يتلقون المساعدات حتى يونيو/حزيران عام 1952، حين أوقفت الأونروا عملياتها في إسرائيل (2). ولذا فإن إشكالية البحث المركزية ستتناول استهداف الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب للأونروا التي أسستها الأمم المتحدة، ومدى أهمية بقائها المرتبط بتوفير حقوق اللاجئين الفلسطينيين بما فيها حقهم في العودة.
- الإجراءات المنهجية للدراسة
تعتمد الدراسة المنهج الوصفي التحليلي الذي يسعى إلى وصف الظواهر المختلفة لميدان البحث المتعلقة بحالة ومساقات التعامل الدولي والأميركي مع الأونروا، وذلك من خلال الدراسة التحليلية لتلك المساقات للحصول على وصف دقيق للنتائج الناجمة عن السياسات الحديثة لأميركا تجاه الأونروا. ويقوم البحث الوصفي التحليلي بربط وتفسير البيانات والمعطيات المتعلقة بموضوع البحث وتصنيفها، وبيان نوعية علاقة المتغيرات والأسباب والاتجاهات ثم استخلاص النتائج، والتعرف على حقيقة هذه النتائج بهدف الوقوف على وضعية الظاهرة المتعلقة بموضوع البحث. وفي هذا السياق تهتم الدراسة باستقصاء أهداف القرارات الناجمة عن السياسات الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، التي تؤدي إلى تفاقم مخاطر جوهرية على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وأيضًا مقاربة الموقف الأميركي الراهن، ودراسته كيفيًّا، وبيان خصائصه كميًّا، اعتمادًا على ما تقدمه الأونروا للاجئين من خدمات من خلال عرض أرقام وجداول المستفيدين، وتوضيح هذه العملية التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين أو حجمها، ودرجة ارتباطها مع الظواهر الأخرى المتعلقة باستهداف حق العودة.
أما أهمية البحث فتتمثَّل في إلقاء الضوء على سياسة هذا الطرف الدولي الساعي لإنهاء الأونروا، ومعرفة مدى تأثير ذلك على حقوق لاجئي فلسطين وفي مقدمتها حقهم في العودة إلى بيوتهم وديارهم التي طردوا منها. كما أن مراجعة ما توفر من مصادر معلوماتية ودراسات ووثائق متعلقة بالموضوع، تساعد الباحث على تفسير تداعيات السياسة الأميركية الراهنة على حقوق اللاجئين الفلسطينيين ومحاولة إنهاء قضيتهم، لأنه من اللافت أن الولايات المتحدة الأميركية كانت، قبل اتخاذ الرئيس دونالد ترامب موقفه تجاه الأونروا، الداعم الأكبر ماليًّا للأونروا التي تعتمد على التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بخلاف المؤسسات الدولية الأخرى كمنظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين… إلخ. وهنا يجب أن نشير إلى غياب دراسات وأبحاث أكاديمية تتناول هذا الموضوع المرتبط بسياسات الرئيس دونالد ترامب لإنهاء وتصفية موضوع اللاجئين في صفقة القرن، وذلك لأن سياسة الرئيس ترامب لم تنسجم مع سياسات الرؤساء السابقين فيما يتعلق بدعم الأونروا؛ إذ لم تكن الولايات المتحدة الأميركية من الداعمين الأساسيين للأونروا فحسب، بل كانت من الأعضاء الفاعلين في الهيئة الاستشارية لها منذ تأسيسها عام 1949.
لذا تتمحور مشكلة البحث حول استهداف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المكرَّس في بعض قرارات الشرعية الدولية، مع التركيز على استهداف مضامين قرار تأسيس الأونروا؛ إذ بعد حوالي 70 عامًا على لجوء الفلسطينيين، الذين يتلقون مساعدات وخدمات الأونروا، تعمل أميركا بالتوافق الكامل مع إسرائيل لإلغاء هذه المنظمة الدولية والعمل على تسليم مهامها للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، معتبرين أن الأونروا تبالغ في تسجيل اللاجئين وأحفادهم، لأن الذين ينبغي أن يعتبروا لاجئين هم فقط من بقوا أحياء نتيجة النزاع عام 1948، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم 50 ألفًا.
وتفترض الدراسة في سياق المخاطر التي تواجه حق عودة اللاجئين الفلسطينيين:
– عدم وجود توافق دولي مع الموقف الأميركي المتمثل في وقف دعم الأونروا، التي تتابع تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم، والدعوة لإلغائها.
– عدم الإقرار بحق العودة الجماعي للاجئين الفلسطينيين يشكِّل عائقًا أمام التسوية بالتوازي مع غياب مواجهة عربية صريحة لسياسة الرئيس الأميركي.
إن محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين “ليست بالأمر الجديد غير أنها اشتدت منذ تولي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مفاتيح البيت الأبيض، وارتفعت وتيرتها بعد إعلانه اعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، وإزاحتها عن أية عملية تفاوضية مقبلة، وأصبحت تواجه شبح الشطب بالقرار الأميركي الأخير وقف تمويلها بالكامل.
بعد القدس جاء الدور على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مقدمة لتصفية قضيتهم، وتجاوز حق عودتهم، فعمدت الإدارة الأميركية في البداية إلى خفض موازنتها والمساعدات المقدمة لها، بهدف إدخالها في ضائقة مالية، وإمعانًا في التنكيل بالفلسطينيين قررت وقف التمويل بالكامل”(3). ويبدو جليًّا أن المحاولات الإسرائيلية الأميركية الراهنة تأتي لإنهاء دور الأونروا، بالعمل على تجفيف مواردها، أو دمج تفويضها ضمن صلاحيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في سياق المخططات الأشمل، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفي القلب منها قضية اللاجئين وحق العودة. وهذه المخططات ذات سياقات وأبعاد إقليمية ودولية تتصل باشتراطات “عملية التسوية” في نسختها الجديدة التي يسميها الإعلام بـ”صفقة القرن”، ولها في الوقت عينه تداعيات وآثار في كل منطقة من مناطق عمليات الأونروا، فيما يتعلق بتقديم الخدمات (4). ولهذا تهدف الدراسة إلى بحث الصعوبات والمعيقات التي تواجه حقوق لاجئي فلسطين في العودة حسب قرارات القيادة الأميركية، ودراسة تأثيرات ترهُّل الموقف الرسمي الفلسطيني في إطار ما سمي بالواقعية. وفي سياق معالجة الفرضيات المذكورة أعلاه، ستعمد الدراسة إلى إلقاء الضوء على مسار تناول القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، وصولًا لما آلت إليه الحالة الراهنة من استهداف لحقوق لاجئي فلسطين.
- القرارات الدولية وحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة
إثر الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 15 مايو/أيار عام 1948، وما رافق ذلك وتبعه من أعمال إرهابية وتنكيل وقتل جماعي ضد الشعب الفلسطيني، شهدت المنطقة واحدة من أكبر عمليات التهجير القسري، أسفرت عن لجوء مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى مناطق مجاورة بحثًا عن الأمن، تاركين وراءهم بيوتهم وممتلكاتهم، يحدوهم الأمل في العودة إليها غير أن حلم العودة سرعان ما تحول إلى مشكلة كبيرة ومعقدة هي مشكلة اللاجئين التي سرعان ما فرضت نفسها على المجتمع الدول.
وقد حدا ذلك بالأمم المتحدة إلى إصدار العديد من القرارات الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، وحقهم في العودة إلى ديارهم مع حفظ حق التعويض للذين يرغبون في العودة ولكل من لا يرغب بالعودة لسبب أو لآخر. وكان أبرز وأقدم القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة حول اللاجئين، هو القرار رقم 194 الذي أشرنا إليه سابقًا، والذي خصص الفقرة رقم 11 لمسألة اللاجئين ونصها الذي جاء فيه: “تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، عن كل مفقود أو مصاب بضرر من قبل الحكومات والسلطات المسؤولة”.
وقد أصبح القرار 194 بمثابة حجر الزاوية في بناء الشرعية الدولية التي تأسس عليها حق العودة والتعويض بالنسبة للفلسطينيين. كما أن عددًا كبيرًا من الوثائق والقرارات الدولية أكدت على هذا الحق وزادته قوة وصلابة ووضوحًا. فقد نصت المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتبر من إنجازات الأمم المتحدة في مجال إقرار معايير القانون الدولي على ما يلي:
- لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة.
- حق كل فرد أن يغادر أي بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه.
ولأن هيئة التوفيق الدولية من أجل فلسطين فشلت في تنفيذ موجبات القرار 194 الذي أسست استناداً له، فقد كان لا بد للأمم المتحدة من تأمين استمرار عمل الأونروا في تقديم الغوث والمساعدة للاجئين، حيث اعتمدت على الدول المانحة وفي مقدمها الدول الغربية وعلى رأسها أميركا، بانتظار الحل السياسي المؤجل. ولذا فقد عملت الجمعية العامة على تمديد ولاية الأونروا لفترات تراوحت بين ثلاث وخمس سنوات. ولهذا فإن تمويل الأونروا لم يكن جزءًا من الموازنة العامة للأمم المتحدة، كما هو الحال مع باقي منظمات الأمم المتحدة كاليونيسف.
وعلى صعيد آخر، وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 1950، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 428 (د-5)، القاضي بإنشاء مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، التي بدأت عملها بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني 1951. واقتصرت ولاية المفوضية في البداية على الأشخاص الذين أصبحوا لاجئين بسبب ما وقع من أحداث في أوروبا قبل 1 يناير/كــــانون الثاني 1951. ثم تمَّ توسيع تكليفها ليشمل اللاجئين في العالم بأسره حسب بروتوكول عام 1967، الذي ألغيت بموجبه القيود الجغرافية والزمنية. وتتمثَّل المسؤولية الأساسية للمفوضية، والمبيَّنة في الفقرة 1 من نظامها الأساسي، في توفير “حماية دولية” للاجئين، والسعي من خلال مساعدة الحكومات إلى إيجاد حلول دائمة لمشكلة اللاجئين التي تتجسد في أحد الحلول الثلاثة: 1- العودة الطوعية 2- الاندماج المحلي 3- إعادة التوطين.
وولاية المفوضية تشمل اللاجئين بشرط أن لا يكونوا ضمن ولاية منظمة دولية أخرى، فقد استثنت اتفاقية 1951 لاجئي فلسطين من بنودها، حيث جاء في المادة (د) من الاتفاقية، بأنها لا تنطبق على الأشخاص الذين يتمتعون بحماية أو مساعدة، من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في إشارة إلى (الأونروا)، والوكالة التي أسست لمتابعة شؤون اللاجئين في كوريا. وقد جاء استثناء الأونروا استجابة لطلب الدول العربية التي رأت بأن كارثة اللجوء الفلسطيني نتجت عن قرار إنشاء إسرائيل من قبل الأمم المتحدة، لذلك عليها تحمل المسؤولية المباشرة عما أصاب اللاجئين الفلسطينيين.
وفي عام 1974، أعيد إدراج قضية فلسطين في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكد القرار 3236 (د-29) من جديد حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، في تقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنية، وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. وفي العديد من المناسبات عبَّر المجلس عن قلقه من الحالة السائدة في الميدان، ودعا إلى وقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي الذي أكد أنه ليس له أي شرعية قانونية، كما دعا إلى عودة الفلسطينيين المهجَّرين. وفي وقت لاحق، وفي سياق محاولة حل الصراع، فإن الأمم المتحدة وضعت المبادئ الأساسية للتوصل إلـى تسويــة سلميــة قائمة على التفاوض (تُعرف بصيغة “مبدأ الأرض مقابل السلام”) في قراريها 242 (1967) و383 (1973)، الصادرين عن مجلس الأمن. بيد أن المجتمع الدولي لم يتمكن حتى اللحظة الراهنة من تنفيذ أي من قراراته المتعلقة بحقوق الفلسطينيين، ومن بينها حقهم في العودة.
- الموقف الإسرائيلي من حق الفلسطينيين في العودة
أعلنت إسرائيل “أنها لن توافق في أي حال من الأحوال على عودة اللاجئين إلى أراضيها، كما أنها عبَّرت عن تحفظها بشأن عودة اللاجئين إلى الكيان الفلسطيني الذي سيقام في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتنفي إسرائيل رسميًّا مسؤوليتها عن مشكلة اللاجئين وتتهم -عادة- الفلسطينيين أنفسهم والدول العربية بذلك. ويتبنى الجمهور الإسرائيلي هذه المواقف”(5). ولهذا فقد شكَّل مسار التسوية السياسية، حسب اتفاق أوسلو عام 1993، منعطفًا خطيرًا فيما يتعلق بقضية فلسطين عمومًا وقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم على وجه الخصوص، حيث إن الاتفاق المذكور قدَّم اعترافًا بإسرائيل وأحال قضية اللاجئين إلى ما سمي بمفاوضات الحل النهائي، هذا عدا عن القبول بما سمي بالحكم الذاتي الذي يمثِّل شكلًا متقدمًا من أشكال التبعية الاقتصادية والسياسية والأمنية للاحتلال.
وقد وجد كل ذلك تداعياته لاحقًا في المعاهدات والاتفاقات الثنائية التي حددت مسار كافة أشكال العمل السياسي الفلسطيني على قياس مصالح إسرائيل. وفي إطار فهم أهمية حق العودة أشار أنيس الصايغ إلى مخاطر “اتفاقات أوسلو التي أوصدت باب العودة، وتنازلت للعدو عن الأراضي كلها”(6). ومن حيث المبدأ فإن موقف إسرائيل من حق عودة اللاجئين الذي أقرته الأمم المتحدة، يتمثَّل في “اتفاق في الرأي داخل المؤسسة السياسية في إسرائيل على رفض حق اللاجئين في العودة إلى الأراضي الإسرائيلية، سواء الحق المبدئي أو الحق العملي. إن اسرائيل ترفض هذا الحق في الدرجة الأولى على الصعيد المبدئي؛ إذ ينطوي اعتراف إسرائيل بـ”حق العودة” على إقرار بمسؤوليتها عن نشوء المشكلة، وربما حتى بتحمل تبعتها”(7). ولهذا فإن المشاريع الإسرائيلية، التي جاءت بعد هزيمة عام 1967 ركزت على ما يلي:
– معظم الأفكار والمشاريع جاءت لتؤكد على التوجه الإسرائيلي نحو ترسيخ الاحتلال للمناطق العربية المحتلة.
– الإجماع داخل المجتمع الإسرائيلي، وبكل فئاته الاجتماعية والسياسية، على نظرية عدم العودة مطلقًا إلى حدود ما قبل عام 1967.
– إقرار ما يسمى بسياسة الأمر الواقع في المناطق المحتلة عن طريق وضع استراتيجية مدعومة اقتصاديًّا لملء تلك المناطق بالمستوطنات بمختلف أنواعها.
– منع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم مهما كلف هذا الأمر من خسائر سياسية واقتصادية (8).
اٍن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم وبيوتهم التي اقتلعوا منها إبان النكبة وفقًا للقرار 194 “كان ولا يزال خطًّا أحمر بالنسبة لإسرائيل والقوى الدولية التي تساندها. وكذلك هو الحال بالنسبة لصناع ما يسمى “عملية السلام” التي أطلقتها اتفاقيات أوسلو. فحق العودة في كافة المبادرات ذات الصلة التي أطلقت في أعقاب تلك الاتفاقيات تعني حصريًّا العودة إلى أراضي “الدولة الفلسطينية” الموعودة مع بعض الحالات الفردية الاستثنائية المتعلقة بلم شمل العائلات مع ذويها في فلسطين المحتلة عام 1948. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل “تحمل بتياراتها الدينية واليمينية، لا سيما الليكود، واليسارية وبخاصة حزب العمل، مواقف متشددة تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية العربية المشروعة، حيث ترفع “لاءات” العودة إلى حدود 4 يونيو/حزيران 1967 وتقسيم القدس باعتبارها “العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل” وتجاه حق عودة اللاجئين الفلسطينيين ووقف التوسع الاستيطاني”(9). وأكثر من ذلك فإن إسرائيل تستهدف حتى الفلسطينيين الذين بقوا فوق ترابهم الوطني، وتعمل على إيجاد قوانين لعدم السماح لهم بالعودة إلى بيوتهم وقراهم التي طردوا أو فروا منها، ولذا فإن الكثير من الفلسطينيين المهجرين في داخل الوطن المحتل لا تسمح لهم إسرائيل بالعودة لبيوتهم. ويلخص الباحث صلاح عبد ربه الموقف الإسرائيلي بالنقاط التالية التي تشير إلى رفض حق العودة وإنهاء الأونروا(10):
- رفض مطلق لحق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم مبدئيًّا وعمليًّا.
- الاعتراف بحق العودة يعني الإقرار بالمسؤولية عن نشوء المشكلة.
- لا يجوز ترك أي قرار بشأن العودة في يد الفلسطينيين كَلَمِّ الشمل مثلًا.
- إعادة اللاجئين إلى منازلهم يقوض نسيج المجتمع والشعب الإسرائيلي.
- العودة تهدد الصبغة اليهودية للدولة، خاصة بوجود 18% من سكان إسرائيل من فلسطينيي 1948.
- الحل الديمقراطي غير قابل للنقاش، ومن هنا فإن الحفاظ على المجتمع اليهودي هدف أسمى.
- تتعهد الدول العربية في إطار الاتفاقات معها بتوطين اللاجئين على أراضيها.
- يجري استبدال الأونروا بالدول المضيفة، وتنشأ سلطة دولية لإعادة تأهيل اللاجئين وتحسين أوضاعهم على اعتبار أن إسرائيل غير راضية عن الأونروا، ليس فقط بسبب صفتها الدولية الشاهد على مشكلة اللاجئين، وإنما لكونها جهازًا ثبت فشله في تفكيك المشكلة من وجهة نظر إسرائيلية.
ولمواجهة ما تمثِّله الأونروا بالنسبة للاجئي فلسطين، فإن أهداف إسرائيل المركزية تمثَّلت في إنهائها باعتبارها المنظمة الدولية الوحيدة التي تم تخصيصها لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين لحين عودتهم إلى ديارهم. وبالتالي فهي الشاهد القانوني والسياسي الحي والفاعل على حقوق الفلسطينيين بالعودة، ويتم تأكيد ذلك من خلال قرارات التمديد لها من الأمم المتحدة، وهي تضم السجل الرسمي المقبول دوليًّا لأعداد اللاجئين. وقد جرت محاولات من إسرائيل والقوى المؤيدة لها للتخلص من الأونروا بطرق مختلفة، من بينها تخفيض التمويل المقدم لها من قبل الدول المانحة وتشجيع الدول المانحة على التخلص من التزاماتها تجاه الأونروا بشتى الوسائل.
- أميركا و(صفقة القرن)
إن التراجع البارز في موقف الولايات المتحدة من “قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة” بقضية اللاجئين الفلسطينيين بدأ منذ الدورة التاسعة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1994، فبعد أن كان مندوب واشنطن، في كل دورة للجمعية العامة يتقدم بمشروع قرار يعيد التأكيد على القرار 194، أخذ يلتزم بالموقف الإسرائيلي بالامتناع عن التصويت على القرار وكانت حجة مندوبة الولايات المتحدة لتبرير موقف بلادها “أن مثل هذه القرارات التي ترسم حلًّا للقضايا العالقة بين المتفاوضين تشكل تأثيرًا من الأمم المتحدة على المفاوضات الدائرة في الشرق الأوسط وتعتبر تدخلًا فيها”(11).
وفي إطار سياسات الولايات المتحدة الأميركية تجاه الأونروا، فإن الإدارة الأميركية بدأت في استهدافها مباشرة عبر توجهات لجنة الميزانيات في مجلس الشيوخ الأميركي، التي صادقت بتاريخ 26 مايو/أيار 2012 على تعديل صغير في قانون المساعدات الخارجية. وينص التعديل على إلزام وزارة الخارجية الأميركية بتقديم تقرير للكونغرس عن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من ديارهم في العام 1948، وعدد أنسالهم من بين 5 ملايين فلسطيني يتلقون مساعدات من وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة (الأونروا). وقد تم تقديم اقتراح التعديل من قبل السناتور الجمهوري، مارك كيرك، الذي يعتبر أحد المؤيدين المركزيين لإسرائيل في واشنطن. ويطالب اقتراح القانون بأن تقوم الإدارة الأميركية في واشنطن بتحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين، وكيف ارتفع العدد من 750 ألف لاجئ في العام 1950 إلى 5 ملايين لاجئ اليوم، بالرغم من وفاة عدد كبير من اللاجئين الذين هجروا من ديارهم. أي أن مطلب الكونغرس هو الحصول على معلومات مفصلة بشأن العدد الحقيقي للاجئين، وفحص عدد أبناء الجيل الثاني من اللاجئين والجيل الثالث أيضًا، كما ستقوم الولايات المتحدة بفحص عدد الأجيال التي سيتم فيها اعتبار أنسال اللاجئين لاجئين. وتبيَّن أن اقتراح تعديل القانون الذي قدمه السناتور كيرك بدأ في مكتب عضو الكنيست الإسرائيلي، عينات ويلف (من كتلة “هعتسمئوت”) مع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل (إيباك)، ومع عناصر طاقم السناتور كيرك الساعيين باتجاه تعديل القانون.
ومنذ عام 2013 صادقت لجنة تخصيص الميزانيات في مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على تعديل قانون ميزانية المساعدات الخارجية للعام 2013، الذي يلزم الخارجية الأميركية بتقديم تقرير عن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجِّروا من ديارهم فقط في عام 1948، وفي أعقاب حرب 1967، بشكل منفصل عن أعداد نسلهم.
وفي الإطار نفسه عرضت عام 2015 المذكرة رقم 3829 على لجنة الشؤون الخارجية الأميركية من أجل توفير الشفافية والمحاسبة والإصلاح داخل “الأونروا”. وأبرز ما جاء في المذكرة التي وافق عليها الكونغرس الأميركي في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أن الولايات المتحدة كانت المساهم الأكبر للأونروا بين عامي 1950 و2015، وساهمت في موازنتها بمعدل 277 مليون دولار بين عامي 2009 و2015. وفي ختام المذكرة، تم إيراد توجهات الكونغرس إزاء “الأونروا”، وجاء فيها ضرورة إزالة مواطني الدول المعترف بها من وصاية “الأونروا”، وتغيير تعريف “الأونروا” للاجئ الفلسطيني ليتماشى مع تعريف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومن أجل متابعة معاناة اللاجئين الفلسطينيين ينبغي تحويل مسؤولية هؤلاء لتصبح من مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
وفي تبيان التمادي في السياسة الأميركية لدعم إسرائيل، فإنه منذ انتخاب، دونالد ترامب، رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية “أخذت السياسة الأميركية أقصى درجات الانحياز إلى إسرائيل. فقد نَقل ترامب السفارة الأميركية إلى القدس، متحديًا بذلك تراثًا طويلًا من تجميد قرار النقل هذا، كما أوقف التمويل الأميركي عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). وقد ترافق هذان القراران مع تحولات كبرى شهدها العالم، وتمثَّلت في صعود اليمين إلى سدة الحكم في عدد من دول المركز، وفي تعاظُمِ دور إسرائيل والدعم الذي تتلقاه، وفي عجز منظمة التحرير (والسلطة الفلسطينية) عن تعديل موازين القوى لصالح القضية الفلسطينية، وفي الانقسام والصراع بين محاور عربية عدة. هذه العوامل سهلت محاولة تصفية وكالة الغوث، تمهيدًا لتصفية قضية اللاجئين وحق العودة”(12). وجاءت تلك القرارات إثر رفض الفلسطينيين خطة السلام الأميركية التي لم يعلن عنها بشكل رسمي حتى الآن، لكن تسريبات متواترة أكدت أنها تتضمن انتقاصًا خطيرًا للحقوق الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بمدينة القدس، وملف اللاجئين، والاستيطان. وفي إطار فرض حلول تتناسب مع رؤية إسرائيل والحركة الصهيونية، أصدرت الإدارة الأميركية الحالية سبعة قرارات مصيرية تضرب عمق القضية الفلسطينية، خاصة ملفي “القدس” و”اللاجئين”. وتشمل هذه القرارات: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتقليص مساعدات الأونروا، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وقطع كامل المساعدات عن السلطة الفلسطينية، وكذلك عن الأونروا، ووقف دعم مستشفيات القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وفي سياق العمل على إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين فإن صفقة القرن “في شقها الفلسطيني تتضمن فرض حلول لقضية اللاجئين الفلسطينيين تتجاوز مرجعيات القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وقد تمحورت الحملة الأميركية في هذا الخصوص حول ثلاثة عناوين مترابطة تتعلق بتجفيف الموارد المالية للأونروا، وإعادة تعريف اللاجئ، وفرض التوطين، وتهدف مجتمعة إلى تصفية القضية الفلسطينية(13). وبالتالي فإن التعامل الأميركي مع قضية فلسطين وحقوق شعبها، وبغض النظر عن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق لاجئي فلسطين في العودة إلى ديارهم وبيوتهم التي طردوا أو فروا منها، يتمثَّل في سعي واشنطن بكل ما أوتيت من قوة إلى تصفية القضية الفلسطينية، بالضغط على أصحابها الأصليين، بوسائل عدة لعل آخرها، ما أعلنته بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بذريعة أنها منحازة بشكل لا يمكن إصلاحه، ما تسبب في أن تواجه الوكالة الأممية الدولية أكبر أزمة مالية في تاريخها، ويبدو جليًّا أن واشنطن تسعى لإنهاء مبدأ حق العودة للاجئين الفلسطينيين، عبر إنهاء الأونروا.
لقد بدأت السياسة الهادفة لإنهاء الأونروا عمليًّا في عهد إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ففي فبراير/شباط 2018 قالت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، نكي هایلي، إن واشنطن ستوقف الدعم المالي المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى أن یعود الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل. وبالتالي فإن الإدارة الأميركية بدعم من الرئيس ترامب تقود مخططًا يستهدف تصفية وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، والالتفاف على حق العودة الثابت بهدف شطبه من مواثيق وقرارات الأمم المتحدة؛ إذ تبذل إدارة ترامب جهودًا مضنية من أجل تنفيذ مخططها الذي يتساوق مع صفقة القرن.
وفي إطار الخطة الأميركية التي يبرمجها الرئيس الأميركي وفريقه لإنهاء القضية الفلسطينية، كشفت صحيفة “هآرتس” اليسارية الإسرائيلية عن ملامح “صفقة ترامب” أو “صفقة القرن”، معتبرة أن وقف واشنطن لتمويل الأونروا هو بداية تنفيذ خطة السلام الأميركية الجديدة، وأن الخطوط العريضة للخطة أصبحت واضحة وتبدأ بزيادة البناء في المستوطنات، ووجود مخطط استيطاني إسرائيلي يفصل مدينة القدس بشكل نهائي وكامل عن امتدادها الفلسطيني، وذلك لدفن فكرة قيام دولة فلسطينية ذات تواصل إقليمي في الضفة الغربية. ورأت أن الخطوة الثانية في خطة ترامب هي إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وتبدو الخطوتان وقد نفذتا على أرض الواقع، بيد أنه يبقى في الخطة الأميركية محاولة القضاء على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو ما بدا واضحًا من استهداف الأميركيين لـ “الأونروا”(14).
كما تأتي المحاولات الإسرائيلية الأميركية الراهنة لإنهاء دور الأونروا عبر العمل على تجفيف مواردها، أو دمج تفويضها ضمن صلاحيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في سياق المخططات الأشمل، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفي القلب منها قضية اللاجئين وحق العودة. وهذه المخططات ذات سياقات وأبعاد إقليمية ودولية تتصل باشتراطات “عملية التسوية” في نسختها الجديدة التي تحمل اسم “صفقة العصر” ولها في الوقت عينه تداعيات وآثار كارثية في كل منطقة من مناطق عمليات الأونروا، فيما يتعلق بتقديم الخدمات (15).
وبما أن “تمويل الأونروا هو طوعي بطبيعته، فإن ذلك جعل توافر خدماتها مرهونًا باستعداد المانحين لتمويلها، وبالتالي فإن هذه التبعية جعلت الوكالة عرضة للضغط والتدخل السياسي. وفي الواقع، يكشف التحليل التاريخي لمحاولات إسرائيل وسلوك الإدارة الأميركية منذ بداية عملية أوسلو للسلام عن وجود استراتيجية منظمة ومدروسة تهدف إلى القضاء على الحقوق الأساسية للفلسطينيين بشكل عام، وحقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين بشكل خاص. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى إلغاء الأونروا باعتبارها الشاهد الرئيس على فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل لأكبر وأطول قضية لجوء وتهجير قسري في العالم(16). ولذا بدأنا “نشهد منذ أواخر سنة 2015، وحتى قبل ذلك في لجنة الموازنات بالكونغرس الأميركي في سنة 2013، حملة إسرائيلية أميركية شرسة ومنسقة على الأونروا في الأمم المتحدة، تُشكِّك في مبرر وجودها سياسيًّا أو أخلاقيًّا، بهدف تقويض هذا الوجود. وتتلخص مقولات تلك الحملة في: اتهام الأونروا بأنها تشكل “عقبة أمام السلام”؛ وتعمل على إدامة الصراع العربي الإسرائيلي” و”تطبق معايير مزدوجة عندما لا تعيد توطين اللاجئين الفلسطينيين”؛ وبأن مجرد تخصيص منظمة من منظمات الأمم المتحدة لكي تعنى بالفلسطينيين دون غيرهم من لاجئي العالم يعد بمثابة “انحياز ممنهج من قبل نظام الأمم المتحدة ضد إسرائيل”(17).
- المسار الفلسطيني والعربي في مواجهة مشاريع تصفية حق العودة والقضية الفلسطينية
في إطار الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني فإنه من المعلوم أن “منظمة التحرير الفلسطينية بمضمونها الكفاحي استطاعت سابقًا أن تستمر كرمز مُعَبِّر عن استمرارية القضية ووجود الشعب الفلسطيني في حالة نضالية، في ظل استمرار حالة الحرب بين العرب وإسرائيل. ولكن عندما تنتهي هذه الحالة فسوف تصبح منظمة التحرير صيغة غير قابلة بمضمونها الحالي للاستمرار والبقاء. ومن هنا تأتي مسؤولية البحث عن صيغة جديدة تتحايل على الحالة الجديدة التي من المتوقع أن تنشأ عندما تنتهي حالة الحرب بين العرب وإسرائيل بصورة رسمية، صيغة جديدة للمحافظة على استمرارية القضية الفلسطينية واستمرار النضال لمنع تبعثر الشعب الفلسطيني، ووقوعه مجددًا في براثن اليأس والشعور بالعجز، وبالوصول الى نهاية المطاف”(18). أما السلطة الفلسطينية فلا تزال واهمة بإمكانية تحقيق تقدم ناتج عن المفاوضات مع إسرائيل، حين ألقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في 27 سبتمبر/أيلول 2018، خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية، وشدد خلاله على مسار المفاوضات وعملية السلام. وغاب عن خطاب عباس أي ذكر لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة، مكتفيًا بالإشارة إلى ضرورة الاستمرار بدعم وكالة (الأونروا) وجعل دعمها التزامًا دوليًّا ثابتاً، مذكِّرًا بأنها قد تأسست بقرار من الجمعية العامة عام 1949، وتمَّ تفويضها بتقديم المساعدة للاجئين إلى أن يتم التوصل “لحل دائم لقضيتهم” على حد قوله، دون التذكير بالحل الأممي عبر تنفيذ القرار رقم 194 الذي ينص على عودة اللاجئين إلى الأراضي التي هجِّروا منها عام 1948(19). كما أظهر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، اهتمامه بحماية مستقبل شباب إسرائيل، متجاهلًا حق الشباب الفلسطيني المشرد واللاجئ في مختلف مناطق الشتات في العودة إلى ديارهم وبيوت أجدادهم.
لذا فإن ما ينبغي التأكيد عليه هنا، هو أن “هذا الموقف الرافض لحق العودة وفق مبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة كان يتغذَّى دومًا من التنازلات الفلسطينية في هذا الخصوص، ومن اهتزاز المكانة المركزية لحق العودة في الفكر السياسي الفلسطيني وفي الممارسة السياسية”(20). أما بالنسبة للدول العربية التي جاء في الفقرة الثانية من قرارات مؤتمرها، الذي عقد في الخرطوم من 29 أغسطس/آب إلى 1 سبتمبر/أيلول 1967، أن المؤتمرين قرروا تضافر الجهود لإزالة آثار العدوان على أساس أن الأراضي المحتلة أراض عربية يقع عبء استردادها على الدول العربية جمعاء. وفي الفقرة الثالثة اتفق الملوك والرؤساء على توحيد جهودهم في العمل السياسي على الصعيد الدولي والدبلوماسي لإزالة آثار العدوان وتأمين انسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية من الأراضي العربية المحتلة بعد عدوان 5 يونيو/حزيران وذلك في إطار نطاق المبادئ الأساسية التي تلتزم بها الدول العربية، وهي عدم الصلح مع إسرائيل أو الاعتراف بها وعدم التفاوض معها والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه. بيد أن القرار المذكور لم يعد له معنى على الصعيد التنفيذي لدى العديد من الدول العربية، التي تساوقت سياستها سرًّا وعلانية مع مسارات التطبيع مع إسرائيل.
ويرى البعض في ذلك خطوة تتوافق مع مسارات التسوية التي تجريها السلطة الفلسطينية؛ إذ لم يكن بوسع إدارة ترامب أن تتجرأ وتطرح مبادرات أو صفقات تنهي القضية الفلسطينية، وتتخذ خطوات كنقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس واعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، لولا المشاركة العربية في هذه الصفقة التي تصل حد التواطؤ (21). لذلك فإن الأوضاع العربية المترهلة والتي لم تعد مواجهة إسرائيل من أولوياتها، قدمت تسهيلات للإدارة الأميركية بتنفيذ ما سمي صفقة القرن التي رتبها الرئيس ترامب وفريقه، والهادفة إلى حسم وضع القدس، باعتبارها عاصمة إسرائيل، وإنهاء قضية اللاجئين.
ويشير أحد الباحثين إلى أن “ترامب يراهن على السعودية والإمارات لإسقاط الأونروا وحق العودة، حيث يتوسع المشروع الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية، في ظل صمت عربي رسمي وفي بعض الأحيان تواطؤ علني”(22). كما أن الضغط على السلطة الفلسطينية كي تستمر في المفاوضات يؤشر إلى التمهيد للوصول إلى المفاوضات النهائية من أجل تنفيذ ما سمي سلامًا إقليميًّا بين إسرائيل والدول العربية، تقودها السعودية، فدول عربية كثيرة أصبحت تستخدم مفاوضات السلطة وسيلة وحجة لدورها في التفاوض (23).
- موقف الأونروا من محاولة تصفيتها
ظلت (الأونروا) تعتمد منذ تأسيسها على الدعم الطوعي للدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي الممول الرئيسي لتنفيذ برامجها، وقد أعربت الأونروا عن خيبة أملها من إعلان الولايات المتحدة وقف التمويل للوكالة بعد عقود من الدعم السياسي والمالي القويين، وقالت إن هذا القرار “قرار مفاجئ بالنظر إلى قيام الأونروا والولايات المتحدة بتجديد اتفاقية التمويل في ديسمبر/كانون الأول من عام 2017 حيث اعترفت الولايات المتحدة بالإدارة الناجحة والمتفانية والمهنية للوكالة”.
لقد كانت الولايات المتحدة نفسها دائمًا المانح الأكبر والأكثر سخاء للأونروا؛ إذ قدمت إسهامات قيمة للغاية في أعمال الأونروا الإنسانية المنقذة للحياة. وفي يناير/كانون الثاني 2018 أبلغت الولايات المتحدة الأونروا عن تخفيض قدره 300 مليون دولار في الدعم الذي تقدمه لميزانيتها، إذ قدمت 60 مليون دولار مقارنة بـ 364 مليون دولار في عام 2017. وقالت المنظمة بعد ذلك الإعلان إنها ستستمر “بمزيد من التصميم في التواصل من أجل حشد الدعم مع الشركاء الحاليين -20 منهم حتى الآن ساهموا بمزيد من المال مقارنة بعام 2017، بما في ذلك دول الخليج وآسيا وأوروبا- ودول أخرى جديدة”(24). كما لفتت الأونروا إلى أن الأمم المتحدة مطالبة بتحمل مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني عمومًا واللاجئين بشكل خاص، وتوفير الدعم المالي الكافي لاستمرار برامج وكالة (الأونروا) التي تقدم خدمات مهمة وضرورية لملايين اللاجئين.
وفي مواجهة استهداف الأونروا ندد حقوقيون بقرار واشنطن وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، حيث أشار نائب المدير العام لمنظمة الحقوق المدنية لحقوق الإنسان بلندن، روان كريغ، أن “تصريحات ترامب وأعوانه تعكس ضبابية في رؤية الإدارة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، وتجاه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص، فالمعلومات التي أدلى بها هؤلاء المسؤولون مغلوطة، فبرامج الأونروا تتمتع بسجل حافل في مجال التنمية البشرية وقدمت نتائج غير مسبوقة خلال 70 عاما… والادعاء بأن برامجها تعاني من خلل هو في حد ذاته خلل في الرؤية والتقييم، وتعني أن القرار سياسي في المقام الأول، وهدفه الأول والأخير استغلال المعونات -وأميركا المانح الأكبر- للضغط على السلطة الفلسطينية وفرض رؤية سياسية يسعى ترامب ونتانياهو لفرضها بكافة السبل”(25). ولذا فإن الأمم المتحدة على الدوام تفيد بأن تجديدها ولاية (الأونروا) يتم بسبب العجز عن تنفيذ حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
- أهمية بقاء الأونروا للاجئي فلسطين والدول المضيفة
ارتبط قرار إنشاء الأونروا عام 1949 بوجود مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وبانتظار التوصل إلى حل لهذه المشكلة تستمر الأونروا في تقديم وتوفير الخدمات الأساسية للاجئين. ويعتبر اللاجئون الفلسطينيون أن برامج الأونروا تمثِّل ضمانة المجتمع الدولي بأن حقهم في المطالبة بحل عادل ما زال قائمًا ولم يطوه النسيان. وعلى السلطة الفلسطينية والدول العربية المضيفة أن ترفض رفضًا قاطعًا إنهاء خدمات هذه المؤسسة الدولية أو إحلال أخرى مكانها؛ إذ يجب أن تبقى شاهدًا على هذه المأساة ما دامت قضية اللاجئين بعيدة عن الحل الدائم والعادل المستند إلى القرارات الدولية (26). كما أنه من البيِّن أن المشروع الأميركي يخالف قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التي كَفَلَت حق اللاجئين، خاصة القرار الأممي 194. وهو يؤكد أن استهداف الأونروا يسير ضمن مخطط مبرمج يتساوق مع توجهات إسرائيل في استهداف الأونروا. كما أن هذه السياسات لن تجد آليات تطبيقية تتمثَّل في استيعاب الفلسطينيين خارج فلسطين، وبالأخص أولئك المسجلين كلاجئين لأن ذلك لا يمثِّل خيارًا لهم، ولا لأبنائهم وأحفادهم، فما زالت مطالب أولئك اللاجئين وأبنائهم بالعودة إلى ديارهم تشكِّل عنصرًا أساسيًّا من الخلاف مع إسرائيل. وبالتالي فإن التمسك ببقاء الأونروا يمثِّل عنصرًا جوهريًّا في بقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين العادلة حية في القرارات الأممية، وبالتالي فإنه ليس من حق دولة واحدة أخذ قرار بشأنها.
ولتلخيص ما يتعلق بأهمية دور الأونروا، نشير إلى أن تأسيس منظمة خاصة باللاجئين الفلسطينيين، يُعَدُّ سابقة للأمم المتحدة بالنسبة للتعاطي مع قضية اللاجئين في العالم. وتبرز هذه الخصوصية من أن الأمم المتحدة عندما أسست المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بعد توقيع معاهدة جنيف عام 1951، استثنت اللاجئين الفلسطينيين من حمايتها وضماناتها. كما أن مسؤولية المجتمع الدولي تجاه الفلسطينيين عمومًا واللاجئين خصوصًا، يُعَدُّ شهادة على مسؤولية المجتمع الدولي تجاه هذه القضية رغم أنها لا تعتبر نفسها مسؤولة عن خلق المشكلة، “صحيح أن الأمم المتحدة هي التي أنشأت الأونروا، لكنها لا تعتبر نفسها مسؤولة عن تشريد الشعب الفلسطيني. إن الالتزام العملي القائم، يمثل محاولة لامتصاص أثار الجريمة التي ارتكبها المجتمع الدولي بتقسيم فلسطين وتشريد أهلها، ومحاولة للتعويض ببعض الخدمات الحياتية كي لا يؤدي الحرمان والإفقار إلى عدم استقرار أمني أو سياسي (27). كما أن الأونروا هي المنظمة الوحيدة التي أسستها الأمم المتحدة، دون أن تفرد لها بابًا في موازنتها، بل حضت ولا تزال الدول والهيئات الحكومية وشبه الحكومية على التبرع للأونروا لاستمرار أنشطتها.
خلاصة
حُرِم الفلسطينيون من ممارسة حق العودة الذي ضمنته المواثيق الدولية والإقليمية والدساتير بسبب التعنت الإسرائيلي الذي يواجه هذا الحق بالقوة والقوانين الوطنية والعنف، مع العلم بأن كل دول العالم اعترفت بهذا الحق ما عدا إسرائيل. ولهذا فقد استفادت إسرائيل في العقدين ونيف الماضيين، من غياب استراتيجية فلسطينية وعربية تتصدى للاستيطان وللاحتلال، وتجعل إسرائيل تدفع ثمن استمرارها فيهما. كما “استفادت إسرائيل كثيرًا مما يطلق عليه “العملية السلمية”، ومن المفاوضات الثنائية المباشرة مع السلطة الفلسطينية، واستعملت هذه المفاوضات للاستفراد بالفلسطينيين وللاستقواء عليهم، ولتجريدهم من مختلف عوامل قوتهم ولتخفيض تطلعاتهم الوطنية، وغطاءً لاستمرار الاستيطان، ووسيلة ناجحة لتجنب الضغط والعقوبات الدولية، وأداة لتجنب التوصل إلى حل مع الفلسطينيين (28).
لذا فإن عدم الوصول إلى حل لعودة اللاجئين إلى وطنهم وبيوتهم يجعل دور الأونروا المميز مرتبطًا بتجاوز دورها بتقديم الإغاثة المباشرة إلى تقديم الخدمات في ميادين الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، حيث تقدم الخدمات للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها، والبالغ عددهم 5,442,947 حسب بياناتها لعام 2018، وهم موزعون على النحو التالي: 469,555 في لبنان، و2,206,736 في الأردن، و551,873 في سوريا، و828,328 في الضفة الغربية، و1,386,455 في قطاع غزة المحاصر. وهذا ما يساهم إلى حد ما في توفير بعض الأسس المعيشية اللازمة في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللاجئون في قطاع غزة المحاصرة، وسوريا التي أدى النزاع فيها إلى تهجير ما يزيد على 200 ألف لاجئ من بيوتهم، كما أدى عدم إعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية بما فيها الحق في العمل بالمهن الحرة، إلى هجرة مئات الآلاف إلى الخارج.
وفي ظل الوضع الصعب الذي عاشه اللاجئون الفلسطينيون على مدى الأعوام السابقة، فقد اعتبرت الأونروا طوال حوالي سبعين عامًا حكومة غير معلنة للاجئين الفلسطينيين على الصعيد الخدماتي. كما أن هذه المنظمة أنشئت لأهداف سياسية، وهي المساهمة في صون السلام وعدم حصول اضطرابات يمكن أن تنتج عن عدم حل قضية اللاجئين، عبر تقديمها المساعدة للاجئي فلسطين.
ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في مناطق اللجوء، فإن الشباب الفلسطيني يتمسك بحق العودة إلى وطنهم فلسطين، ويظهرون ذلك عبر مسيرات العودة في غزة التي تكرس حق الشعب الفلسطيني في العودة مهما يطول الزمان. ومن الأمثلة أيضًا ما يمارسه الشباب الفلسطيني في المسيرات التي حصلت في سوريا ولبنان عام 2011، حين سمح للاجئين بالوصول إلى حدود وطنهم، وقام العديد منهم بالقفز فوق الأسلاك الشائكة والدخول إلى وطنهم فلسطين.
من المؤكد أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين لن تحل إلا بعودتهم مهما حصل من تحولات، ذلك أن الشعب العربي والفلسطيني وحتى إسرائيل بمختلف مكوناتها يدركون الحقيقة التي لا لبس فيها، والتي تتمثَّل في أن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إذا ما طبق سيعني نهاية إسرائيل بما هي عليه كدولة يهودية عنصرية وبالتالي وأد المشروع الصهيوني برمته. وحيث إن تأسيس الأونروا من قبل المجتمع الدولي، كان يستند إلى اعتقاد مفاده أن القضية الفلسطينية ستجد طريقها إلى الحل بشكل سريع، وأن “مهمة الأونروا، سوف تكون موجزة، ذلك أن بعض اللاجئين سوف يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، بينما يجري امتصاص الآخرين في الدول العربية المحيطة(29)، ولأن هذا الحل الجزئي لا يقبله اللاجئون الفلسطينيون، لأنهم متمسكون بالعودة إلى ترابهم الوطني، فإن استمرار أعمال الأونروا حيوي للاجئي فلسطين لحين التوصل إلى حل عادل لقضيتهم، ما يتوجب على الجانب الفلسطيني والعربي والجامعة العربية ومنظمات حقوق الإنسان، العمل وفق خطة متماسكة(30) تتمثَّل في رفض أي تغيير في الوضع القانوني أو المؤسسي أو الوظيفي للأونروا، واعتبار أن مهمتها لا تنتهي إلا بانتهاء مسألة اللاجئين الفلسطينيين، حسب قرارات الشرعية الدولية بعودتهم إلى ديارهم أو تعويض من لا يرغب بذلك، والتواصل الدبلوماسي والبرلماني والشعبي مع دول العالم ومنظمات المجتمع المدني الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، لاستمرار دعم الأونروا في تقديم خدماتها، دون انتقاص دورها باعتبار هذا الدعم جزءًا من المسؤولية القانونية والإنسانية للمجتمع الدولي، لأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وتنبيه دول العالم والمنظمات الدولية إلى الأخطار الإنسانية والسياسية المترتبة على تخفيض خدمات الأونروا، باعتبار ذلك سيكون مدعاة إلى مزيد من عدم الاستقرار والتطرف في المنطقة. لهذا فإن مهمة الأونروا كانت حيوية وستبقى حيوية للاجئين لحين عودتهم، وأن بقاء الأونروا والحفاظ عليها يشكل عاملًا حيويًّا في الحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، بما فيها حقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين.
المراجع
(1) المدلل، ولي، أبو عامر، عدنان، دراسات في القضية الفلسطينية، (جامعة الأمة للتعليم المفتوح، غزة، فلسطين، 2013)، ط 1، ص 179.
* الاسم الدقيق هو وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل (لاجئي فلسطين) في الشرق الأدنى.
http: www. unrwa.org
(2) تاكنبرغ، ليكس، وضع اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي، ترجمة بكر عباس، (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003)، ط 1، ص 68.
(3) محمد، الرنتيسي، “محاولات أميركية حثيثة تستهدف تصفية قضية اللاجئين”، البيان، 2 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 3 مارس/آذار 2019):
https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2018-09-02-1.3347314
(4) صالح، محسن، أحمد، وائل، مخططات تصفية الأونروا: إلى أين؟، (مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2018)، ص 3.
(5) غانم، أسعد، “دولة فلسطينية-إسرائيلية ثنائية القومية: نحو حل اتحادي للمسألة الفلسطينية-الإسرائيلية”، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 11، العدد 41، شتاء 2000)، ص 14.
(6) صايغ، أنيس، في ذكرى اغتصاب فلسطين 1948: نصف قرن من الأوهام، منشورات فلسطين المسلمة، لندن، 1999)، ط 1، ص 42.
(7) غازيت، شلومو، “قضية اللاجئين الفلسطينيين من منظور إسرائيلي”، (مجلة الدراسات الفلسطينية، بيروت، العدد 22، ربيع 1995)، ص 86.
(8) عدوان، أكرم محمد، “المشاريع والأفكار الصهيونية تجاه تسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي 1973 –1922″، (مجلة الجامعة الإسلامية، سلسلة الدراسات الإنسانية، المجلد 12، العدد 2، يونيو/حزيران 2004)، ص 312.
(9) سعد الدين، نادية، حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بين حل الدولتين ويهودية الدولة، (مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2011)، ص 13.
(10) عبد ربه، صلاح، اللاجئون وحلم العودة إلى أرض البرتقال الحزين، (مركز المعلومات البديلة، بيت لحم، 1996)، ص 24-25.
(11) فيصل، علي، اللاجئون الفلسطينيون ووكالة الغوث، (دار التقدم العربي للصحافة والطباعة والنشر، بيروت، 1996)، ص 31.
(12) جابر، فراس، قضية اللاجئين والأونروا: صراع البقاء”، الآداب، 28 ديسمبر/كانون الأول 2018، (تاريخ الدخول: 5 مارس/آذار 2019):
(13) سليمان، جابر، “التحديات الدولية التي تهدد قضية اللاجئين وحق العودة”، (مداخلة في ندوة المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج، بيروت)، 31 يناير/كانون الأول 2019.
(14) الشامي، غسان مصطفى، “أميركا.. رأس الحربة في تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين”، الجزيرة نت، 9 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 6 مارس/آذار 2019):
(15) صالح، وائل، مخططات تصفية الأونروا: إلى أين؟، مرجع سابق، ص 1.
(16) “آن للمجتمع الدولي أن يتحرك لوقف النكبة المستمرة”، الحق، 12 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 6 مارس/آذار 2019):
(17) صالح، وائل، مخططات تصفية الأونروا: إلى أين؟، مرجع سابق، ص 3.
(18) الحوت، شفيق، الفلسطيني بين التيه والدولة، (د.ن، 1977)، ط 1، ص 124.
(19) “حق العودة أبرز الغائبين عن خطاب عباس وحالة رفض شعبية وفصائلية لمضمونه”، بوابة اللاجئين الفلسطينيين، 27 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 6 مارس/آذار 2019):
(20) سليمان، “التحديات الدولية التي تهدد قضية اللاجئين وحق العودة”، مرجع سابق.
(21) حمامي، إبراهيم، صفقة القرن: الحلم القديم الجديد، (لندن، 2018)، ص 15.
(22) النعامي، محمد، “ترامب يراهن على السعودية والإمارات لإسقاط الأونروا وحق العودة”، مجلة ميم الإلكترونية، سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2019):
(23) العلي، محمود، “سقوط حل الدولتين والمأزق الفلسطيني”، العربي الجديد، 9 أبريل/نيسان 2018.
(24) “غوتيرس: نأسف لقرار واشنطن”، قناة الكوفية الفضائية، 1 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2019):
https://www.alkofiya.tv/post/7320
(25) وردي، نادية، “حقوقيون بريطانيون حول وقف تمويل الأونروا تصفية للقضية الفلسطينية”، الوطن، 5 سبتمبر/أيلول 2018.
(26) عبد ربه، اللاجئون وحلم العودة إلى أرض البرتقال الحزين، مرجع سابق، ص 88.
(27) الناطور، سهيل، دور ومستقبل وكالة الغوث الدولية في قضية اللاجئين، (دار التقدم العربي للصحافة والطباعة والنشر، بيروت، 1996)، ص 9.
(28) محارب، محمود، “الهجمة الاستيطانية غير المسبوقة هي مشروع حكومة نتنياهو الوحيد”، (سياسات عربية، العدد 6 يناير/كانون الثاني 2014)، ص 30.
(29) UNRWA 1950-1990, Serving Palestine Refugees, (Public Information Office, Austria, Vienna, April 1990)، p. 2.
(30) بدران، إبراهيم، “استمرار الأونروا…وحقوق اللاجئين الفلسطينيين”، عربي 21، 21 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 7 مارس/آذار 2019):