ملخص

تواجه حماية الشعب الفلسطيني المحتل، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني، تحديا خاصا في ظل السياسات الإسرائيلية، المتمثلة في العنصرية والإبادة والتطهير العرقي منذ خمس وسبعين عاما. وقد اعتمدنا لمواجهة ذلك، على عدد كبير من القواعد التي تنطبق في النزاع المسلح الدولي واكتسبت وضعاً عالمياً، سواء أكانت مادة قانون تعاهدي، أم مادة قانون عرفي، الخاصة بالحماية القانونية زمن الاحتلال. ويناقش هذا المقال المعايير والمبادئ والآليات القائمة على حماية حقوق الإنسان، ويقيم آثارها على وضع حقوق الشعب الفلسطيني من وجهة النظر القانونية.

الكلمات المفتاحية.

الحماية، الاحتلال، ميثاق الأمم المتحدة، القانون الدولي الإنساني، فلسطين، إسرائيل.

 

Abstract:

The protection of the occupied Palestinian people, as stipulated in the United Nations Charter and international humanitarian law, faces a particular challenge due to Israeli policies of racism, ethnic cleansing and genocide over the past 75 years. These policies persist despite the existence of numerous rules that should be observed in international armed conflicts and have acquired global formulations, whether as treaty law or customary law, pertaining to legal protection during occupation. Hence, this paper discusses the standards, principles and mechanisms that are based on the protection of human rights and evaluates their impact on the situation of Palestinian rights from a legal perspective.

 

مقدمة

منذ عقود والشعب الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال، يعاني جرائم حرب وإبادة وفصلًا عنصريًّا. وستحاول هذه الورقة أن توضح ما ينبغي أن يكون محور الاهتمام آنيًّا ومستقبليًّا، وترى أن أحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني هي الخيار الأفضل لمواجهة جرائم الاحتلال وحماية حقوق الشعب الفلسطيني. وسيكون المنطلق في التحليل بالتركيز على القواعد والمبادئ والمطالبات الدولية، أو بالأحرى الالتزامات التي تسري على هذا الشعب، وتحظر الاستخدام المفرط للقوة والعمليات العسكرية التي تؤدي إلى وفاة وإصابة المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، والمشاركون في مظاهرات سلمية، والصحافيون(1).

وبصرف النظر عن الأعمال العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، فقد شكَّل الاحتلال الأساس لجميع الأعمال الرامية إلى تغيير الوضع القانوني للأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وتغيير طابعها الجغرافي وتركيبتها الديمغرافية، وإغلاق المناطق؛ ومصادرة الأراضي؛ وإقامة المستوطنات وتوسيعها؛ وتشييد الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة خروجًا على خط الهدنة لعام 1949؛ وغياب سيادة القانون الدولي، فضلًا عن تدمير الممتلكات والهياكل الأساسية للشعب الفلسطيني، وسحب تصاريح الإقامة من سكان القدس الشرقية وطردهم من مدينتهم، وتشريدهم قسريًّا من منازلهم.

وتستعرض الورقة بإيجاز الالتزامات التي تقضي بحماية الشعب الفلسطيني، بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. والحرص أولًا على تحديد السمات الرئيسية للحماية ونطاقها، والبحث في القواعد الدولية الفاعلة بشأن هذه الحماية، وما إذا كانت سلطة الاحتلال تحتفظ بضمان الحماية والرعاية للسكان المدنيين. ثم تحاول الورقة أن تقيم عمل أجهزة الأمم المتحدة، وتحديد نوع المبادئ التي تضمن الحماية للشعب الفلسطيني. وقد تسهم النتائج المستخلصة من الدراسة في تطوير حماية المدنيين في الأراضي المحتلة واحترامهم ومعاملتهم بشكل إنساني، وتوفير الأساس لمساءلة المستوطنين، الذين أساؤوا لحقوق الإنسان الفلسطيني، ولإمكانية فرض عقوبات جزائية في حال ارتكاب جرائم في حق الشعب الفلسطيني.

 

أولًا: مفهوم الحماية

يمثل تحديد مفهوم حماية الشعب الفلسطيني إشكالية معقدة، نظرًا لنسبية مفاهيم الحماية وتطورها عبر الزمن، وعدم ارتباطها بمفهوم قانوني واحد يوفر لجميع السكان زمن الاحتلال الاحترام والمعاملة بشكل إنساني. فما الحماية التي ينبغي أن يلتزم بها المحتل؟ وما مصدرها؟

1– تعريف الحماية

الحماية أو ما يطلق عليه بالإنجليزية “Protection” ليست إشكالية جديدة على الشعوب المحتلة، فهي مجموعة قواعد اتفاقية وعرفية تقيد سلوك دولة الاحتلال تجاه فئات المدنيين في الأراضي المحتلة وتحد من قدرتها على الإضرار بالسكان، والعمل بمبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين. وتأخذ في بعض الأحيان معنى مرادفًا وهو ضمان احترام حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، ومنع ارتكاب الجرائم المركبة بحق الشعب الفلسطيني(2). إن العناصر الفاعلة في هذا المفهوم لا تنفصل عن الحقوق المحمية للمدنيين في مواجهة دولة الاحتلال، وغير بعيدة عن قواعد ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والأنشطة القانونية والوقائية للأجهزة الدولية المختلفة(3).

غير أن الفقه الدولي يفهم الحماية على أنها مجموعة القواعد المقررة في ميثاق الأمم المتحدة وفي اتفاقية جنيف الرابعة ومن قبلها قواعد لائحة لاهاي الرابعة والقواعد التي يضمنها بروتوكول جنيف الإضافي الأول بشأن حقوق الإنسان للفلسطينيين والدفاع عنها. ويأتي ذلك في سياق الوقاية من الاحتلال الإسرائيلي، الذي يرتكب جرائم متواصلة بحق هذا الشعب(4)، ويقتل آلاف الفلسطينيين منهم أطفال، في سبيل تعزيز مشروع التطهير العرقي للفلسطينيين ونظام الأبارتهايد، وتشمل دفع إسرائيل ثمن جرائمها عبر عزلها، وإلغاء الاتفاقيات المبرمة مع الدول.

إن ما ينبغي الرهان عليه هو تطور مفهوم الحماية الذي ظهر مع انتقال مفهوم القانون الدولي من قانون لمجموعة/جماعة من الدول إلى قانون ينطبق على المجتمع الدولي بأكمله (حسب مبدأ العالمية)، ومع اتفاقات القانون الدولي الإنساني الذي يحكم النزاعات المسلحة الدولية، حُظرت إجراءات وجرائم مثل التعذيب والاستيطان ونقل المدنيين، وهدم المنازل والمساس بأماكن العبادة، وهو ما قيَّد من حرية دولة الاحتلال، ووسَّع من التزاماتها القانونية والأدبية، ودعم المنظمات الإنسانية للعمل من أجل وقاية الفلسطينيين من الاعتداءات الإسرائيلية.

وينبغي تأكيد أن حماية الشعوب المحتلة مرتبطة بالسلام؛ لأنها تكمن في مقاصد الميثاق وفي القواعد ضد مرتكبي العمل غير المشروع دوليًّا، وضمان احترام الحقوق أو الالتزامات وتأديتها. وبالنتيجة فإن المشكلة التي تنشأ هي معرفة ما إذا كانت تَحُول حقًّا دون أي تصرف يكون ضد استقلال الشعوب المحتلة. ومن المنطقي أن يصل الاجتهاد القضائي إلى هذه النتيجة؛ إذ ترى محكمة العدل الدولية في قضية جدار الفصل العنصري، أنها لا تجعل دولة إسرائيل تفلت من جبر الضرر عن الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المتضررين من بنائه.

وأخيرًا، فإن كان مفهوم الحماية حظر ما يقع من ضرر على الشعوب المحتلة فحسب، فسيكون من المستحيل أن نقول إنها منفصلة عن الوقاية من التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، وحفظ الحق في احترام الأشخاص وشرفهم وكرامتهم، وتحريم النقل الإجباري الفردي أو الجماعي للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة. وكذلك عن الالتزامات المتعددة لدولة الاحتلال التي تمنع استخدام العقاب الجماعي؛ وإغلاق المناطق؛ ومصادرة الأراضي؛ وإقامة المستوطنات وتوسيعها؛ وتشييد الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة خروجًا على خط الهدنة لعام 1949؛ والتشريد القسري للمدنيين، بمن فيهم سكان المجتمعات البدوية؛ والسياسات والممارسات التي تميز ضد السكان الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.

وحتى لو كان مفهوم الحماية أثناء الاحتلال ليس هو مفهوم الحماية نفسه التي يجب أن توفرها الدولة لشعبها والأفراد التابعين لها، فإن مجموعة القواعد الاتفاقية والعرفية أرست أسس نظرية حديثة للحماية، تقوم على كبح جماح استخدام القوة، وتفادي الخسائر العرضية في أرواح المدنيين أو الإضرار بالأعيان المدنية زمن الاحتلال.

2 – الحماية الإنسانية

الحماية الإنسانية مشتقة من القانون الدولي الإنساني؛ لأنها تعني أن الأفراد الذين يعانون صعوبات نتيجة نزاع مسلح ونزوح قسري يجب أن يلقوا المزيد من العناية من المنظمات الإنسانية المختلفة. وينطبق كذلك على ضمان معاملة المدنيين الفلسطينيين بطريقة إنسانية في جميع الظروف، وبصورة خاصة السجناء والأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم الإنسانية، وتعرضوا للتعذيب والتمييز في الأراضي المحتلة. وثمة انتقاد مفاده أن هذه الحماية تأخذ تفسيرات مختلفة يهدف بعضها إلى الرعاية الفاعلة لضحايا النزاعات المسلحة، وتحسين عمليات الإغاثة الإنسانية. كما أن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تكفلها لسكان الأراضي المحتلة(5)، وتواكب عمليات الإغاثة التي تقدمها دولة الاحتلال للسكان، وفي أغلب الأحيان تتعلق بالمسؤولية في حالات العنف المتطرف ضد السكان.

وتواكب هذه الحماية المستجدات الحديثة في القانون الدولي الإنساني المتعلق بالاحتلال(6)؛ إذ أصبحت تتعلق بالقواعد الخاصة بالإغاثة وواجب المقاتلين تجنب إيذاء السكان المدنيين والجرحى، وأن يعاملوا الأسرى بطريقة حسنة. وتنطوي على حق الضحايا في المعاملة الإنسانية، وحق الجرحى في تلقي الرعاية الطبية، واحتجاز الأسرى في ظروف مقبولة، وحصول السكان على المستلزمات الأساسية لبقائهم أحياء(7).

وفي الواقع، أثار مفهوم الحماية بعض الجدل في النزاعات المسلحة غير الدولية، بعدما أقرتها المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف، فقد عبَّرت عنها بـ”الحد الأدنى” من الحماية للمتمردين المنخرطين في هذه النزاعات. ونعتقد أنه يمكن فهمها على أنها تتسع بحيث تشمل وقاية جميع الضحايا وأسرهم، ومنع التعذيب واستخدام القوة في أوضاع النزاع القائمة. وأحيانًا يتم انتقاد هذه الحماية؛ حيث لا توجد قواعد كافية تستند عليها توفر حماية أكبر لضحايا مثل هذه النزاعات. ولكن من وجهة نظرنا فإنها ليست ضعيفة حتى عندما تتعلق بضحايا الحروب الأهلية؛ فهي غير صالحة للإلغاء لاعتبارات إنسانية أو الالتزامات باحترام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وفي أي أوضاع تتطلب استخدام القوة.

3 – مسؤولية الحماية

انتقلت الحماية من مجموعة المبادئ والقواعد التي تقرر الحق في تقرير المصير، والحق في الحياة، وعدم الخضوع للتعذيب، والمعاملة الإنسانية، والحق في اللجوء للقضاء العادل، وعدم النفي والترحيل، وحرية التنقل والإقامة وغيرها، إلى “أن مفهوم السيادة ليس مطلقًا وعلى الدول أن تتخلى عن سيادتها في حال فشلها في تأمين وحماية مدنييها وغيرهم من جرائم الحرب والتطهير العرقي” .وبالتالي، فإنها متصلة باحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي، ولاسيما المبادئ الأساسية للقانون المتعلقة بالسيادة والسلام والأمن وحقوق الإنسان والنزاعات المسلحة(8).

لقد حرص الفقه الدولي على إقرار هذا المبدأ لحماية الشعوب أثناء النزاع المسلح(9)؛ فقد ظهر في تسعينات القرن الماضي إبان حروب البلقان ورواندا عندما فشل المجتمع الدولي بالتحرك لحماية المدنيين خلال تلك الحروب؛ وهو ما يعني انطباقه على أوضاع الشعب الفلسطيني، باعتباره نهجًا جديدًا لحماية المدنيين من جرائم دولة الاحتلال يتولاه المجتمع الدولي، عندما تكون دولة الاحتلال غير راغبة في حماية السكان المدنيين أو غير قادرة على حمايتهم من خسائر في الأرواح فعلية أو مرتقبة على نطاق واسع “مع نيَّة إبادة جماعية أو بدونها”، أو تطهير عرقي واسع النطاق”(10).

وبإمكان مجلس الأمن الدولي السماح بالتدخل تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لكون الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين يشكل تهديدًا للأمن والسلام العالمي، فالتزام المجتمع الدولي بهذه الحماية يترتب عليها مسؤوليته في مساعدة الشعب الفلسطيني في إنهاء أزمة الاحتلال وفي تأدية واجباته الواردة في ميثاق الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن حسب المادة الأولى.

ثانيًا: معايير الحماية في ميثاق الأمم المتحدة

صيغ ميثاق الأمم المتحدة(11) لكي يكون أداة من أدوات القانون الدولي، ويركز على التزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالمبادئ الرئيسية للعلاقات الدولية، وبُني في كلِّيته على احترام حقوق الدول، والشعوب، والفرد. غير أن أحد أكثر الآثار المثيرة للجدل، هو مدى تناسبه مع أوضاع النزاع المسلح الدولي أو العمليات العسكرية. وسنركز في الفقرات الآتية على مناقشة معايير حماية الشعب الفلسطيني.

1 – استخدام المبادئ

أقرَّ ميثاق الأمم المتحدة مبادئ توفر الحماية للشعوب أثناء الاحتلال، لكنه ميَّز تمييزًا واضحًا بين حماية الشعوب وحماية الأفراد، رغم عدم استخدامه لمصطلح الحماية، ولا عبارة “الشعوب في الأقاليم المحتلة”. وسوف نكتفي بعرض موجز للمبادئ المرتبطة بحماية الشعب الفلسطيني في نطاق ميثاق الأمم المتحدة.

أ – منع استعمال القوة

يكتسب هذا المبدأ أهمية حاسمة، ليس في حماية الشعب الفلسطيني وحمايته السكان المدنيين على الأرض فحسب، لكن له كذلك تأثيرات كبيرة على الجنود. وقد تمكن الميثاق من منع التهديد باستخدام القوة أو استعمالها في المادة 2 الفقرة 4 من الميثاق في صيغة “يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”. وقراءة هذا النص تؤكد ضرورة احترام القادة العسكريين أو الجنود الإسرائيليين سلامة أراضي دولة فلسطين واستقلالها السياسي. ويمكن القول: إن هذا المبدأ يعكس أحد التزامات إسرائيل في سياق احتلالها للأراضي الفلسطينية، إذ يمنعها من استخدام العنف ضد الشعب الفلسطيني، سيما وأن الفقه يفسر مصطلح “القوة” بأنه يشمل القوة المسلحة دون أن يشمل الأشكال الأخرى مثل الضغط السياسي أو الاقتصادي(12)، ويأتي في سياق تجريم أي استخدام للقوة.

وهكذا، ينزع هذا المبدأ من إسرائيل استخدام القوة في فلسطين، ومن الواضح أن الطبيعة الاستثنائية للمبدأ الذي يتمتع بصفة “القاعدة الآمرة” ((Jus Cogens، تقطع الطريق عن أي ادعاءات بشرعية الوضع الراهن في فلسطين. إن توافر السوابق على المستوى الدولي يؤكد أن هذا المبدأ ثري في مضمونه؛ إذ يوجب الالتزام بحقوق الإنسان والشعوب، ويرفض كـل استعمالات القوة الموجهة ضد الاستقلال السياسي والوحدة الترابية لدولة أخـرى، وكـل أعمال العدوان، والتهديد باستعمال القوة والمساس بسيادة دولة أخرى، وبالنتيجة فهو يعطي الشعب الفلسطيني حماية واضحة، وينظر إلى التصرفات الحصرية لسلطات الاحتلال على أنها غير مشروعة، من ذلك الاستيطان وهدم المنازل، والإعدامات بلا محاكمة أو التعسفية خارج نطاق القضاء.

ب – حقوق الإنسان

يجعل ميثاق الأمم المتحدة حقوق الإنسان ضمن مقاصد المنظمة، وهذا يؤكد العلاقة بين الميثاق والقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان اللذين يحظران جرائم الحرب مثل قتل أسرى الحرب أو المدنيين المعتقلين في أوضاع النزاعات المسلحة تمامًا مثلما هي عليه الحال في زمن السلم. وفي هذا النطاق يوجد مجال للميثاق لتكملة القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وبخاصة فيما يتعلق بحقوق السكان المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتضمنت المادة 1 من الفقرة 3 من الميثاق نصًّا صريحًا يتعلق بحقوق الإنسان، ولا يوجد أي تناقض بين وضعها في زمن السلم وفي زمن الاحتلال. ومن ناحية أخرى، فإن تكرار مصطلح حقوق الإنسان سبع مرات في الميثاق، كان الهدف منه تأكيد قابلية تنفيذها في جميع الحالات، ومنها حالة الشعب الفلسطيني في ظل الوضع السائد، ومنع انتهاكها في مختلف الظروف ومنها حالات الاحتلال.

لم يحاول الميثاق تعريف حقوق الإنسان، وإنما عالجها على أنها حقوق قابلة للتطبيق في أوضاع السلم كما في حالات الاحتلال، وعدها أحد مقاصد المنظمة العالمية التي تعمل على تحقيقها دون أي نوع من أنواع التمييز، مثل التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو الأصل القومي، أو المولد، أو أي وضع آخر.

وتجدر الإشارة إلى أن صمت الميثاق عن المفهوم، القصد منه الإفساح في المجال للفقه لتحديدها وتحليل أنواعها في مواجهة دولة الاحتلال، بما يعني أنها تشمل الحقوق المدنية والسياسية، والحق في الحياة، ومنع التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، وحق المدنيين في البقاء والتنقل داخل الأراضي المحتلة، وهذا من شأنه توطيد العلاقة بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الأوسع نطاقًا في التطبيق زمن السلم ومعرفة ما إن كانت وضعية أو عرفية. ومع ذلك فإنه لا يمكن المجادلة في أن النواة الصلبة لهذه الحقوق هي حظر الحرمان التعسفي من الحياة، ومنع كافة التدابير الضارة بالشعوب والأفراد، ومنع الإجراءات التي من شأنها أن تسبب التعذيب البدني أو إبادة الأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطة الاحتلال. فضلًا عن الالتزام بمنع إيقاع الموت نتيجة القتل العمد، أو الإهمال في رعاية المدنيين طبيًّا، والالتزام بالامتناع عن إتيان التصرفات التي تتسم بالطابع غير الإنساني ضد المدنيين المحميين(13).

ج – تقرير المصير

لا يختلف حق الشعوب في تقرير مصيرها المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة عن غيره في الصكوك الدولية الأخرى، فالدول الأعضاء في نطاق نص المادة الأولى و55 من الميثاق تتعهد بأن تأخذ الشعوب الخاضعة لهيمنة أجنبية مستقبلها بيدها وتحدِّد المسار والخيارات السياسية التي تراها مناسبة بما في ذلك تشكيل حكوماتها دونَ تأثير خارجي وأن تحدد شكل الحكم، وتندمج مع وحدة سياسية مجاورة أو الانفصال عنها(14).

وعلى الرغم من أن الميثاق قد سكت عن تحديد مفهومه، فإنه يشكل جزءًا من القانون الدولي العرفي، ويتضح من قرارات الأمم المتحدة أنه يخص الشعوب أينما كانت، سواء أكانت واقعة تحت الاحتلال مثل الشعب الفلسطيني أم لا. ولذلك يمكن الزعم بأن الدول ملزمة باحترامه نظرًا لطابعه العرفي والعالمي أيضًا، باعتباره ينطبق على مختلف شعوب العالم التي تعاني سيطرة خارجية. ونتيجة ذلك، فإن الدول الأعضاء في الجمعية العامة لم تتردد في إدانة إسرائيل لحرمان الفلسطينيين من هذا الحق، وأعلنت في قرارات كثيرة مسؤولية إسرائيل عن ذلك، غير أنها تحاول الانتقاص من هذا الحق المؤدي إلى استقلال الشعب الفلسطيني، وحماية حقوقه غير القابلة للتصرف، واتخاذه إجراءات عملية في مواجهة الاحتلال.​

تعمل إسرائيل على وضع عوائق أمام المطالبة بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فتدعي أحيانًا أنه محل جدل، وأنه لا توجد آليات معينة لتنفيذه، وأن قرارات الجمعية العامة في هذا الشأن تفتقر للإلزامية، وأن لهذا الحق وجهين لا ينطبقان على الشعب الفلسطيني. وبصفة عامة فالطريقة المؤثرة على المواقف السلبية هي وضع آليات تنفيذية، أو اتخاذ إجراءات عقابية على عدم الامتثال.

وبناء على ما سبق، يمكن أن نستنتج الآتي، ففي حين أن تقرير المصير بمعناه مبدأ عرفيًّا، يمكن أن يقدم في كثير من الأحيان الحل لنيل الشعب الفلسطيني استقلاله وفق أحكام الميثاق، إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تقف ضد القرارات التي تعلن عن ذلك. ويعزز من أهميته أنه يمثل الأساس لحقوق الإنسان الأخرى.

فما العقبة أمام تطبيقه؟ لن يكون بالإمكان الإجابة عن هذا السؤال بطريقة مُرْضية تمامًا، ولكن يمكن ردها إلى السيطرة الفعلية لسلطة الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين التاريخية، وعدم اكتراثها بالتزامات الميثاق وقرارات أجهزة المنظمة، طالما لا تنطوي على جزاءات وتعويضات، وجعل انتهاك مبدأ حق تقرير المصير ضمن الجرائم الدولية، وضمن المادة 8 من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية(15).

2 – التفاعل الممكن بين أجهزة الحماية

إن أجهزة الأمم المتحدة تتكامل في نشاطها من أجل حماية الشعب الفلسطيني، وتشكل آليات أفضل للإشراف على تطبيق حقوق الإنسان ولها القدرة على توفير حماية قوية للفرد الفلسطيني. وتتعدد الأجهزة الرئيسية والهيئات الفرعية التي تقوم بمهام خاصة زمن الاحتلال، ولكن سوف نختار منها ثلاثة فقط، لأن المقام لا يسع أكثر من ذلك.

أ – مجلس الأمن

يحتفظ مجلس الأمن الدولي بتنفيذ أحكام الميثاق المتعلقة بحماية الشعوب تحت الاحتلال وغيرها؛ إذ يمكنه إصدار قرارات تتعلق بالتحقيق في جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، ويستخدم المواد من 39 إلى 51 من الميثاق المتعلقة بالعقوبات والعمل العسكري أثناء الاحتلال. ونذكر في هذا الصدد القرار الشهير رقم 2334، المعتمد في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، الذي دافع عن حماية الشعب الفلسطيني من خلال تأكيد حقوقه الثابتة، وحثَّه على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، علاوة على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967.

ووصم القرار الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية بأنها لا تكتسب أي شرعية قانونية، وطالب إسرائيل بتفكيك ما أقامته من مستوطنات في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية؛ مما يجعل تصرفاتها تجاه الشعب الفلسطيني انتهاكًا بموجب القانون الدولي، انطلاقًا من افتراض ضمني مسبق مفاده أن إسرائيل تمارس احتلالًا للأراضي الفلسطينية منذ النكبة عام 1948. ويدين قرار المجلس جميع التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي ووضع الأرض الفلسطينية المحتلة والتي تشمل إلى جانب تدابير أخرى المستوطنات وتوسيعها، ونقل المستوطنين الإسرائيليين ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتشريد المدنيين في انتهاك للقانون الدولي والقرارات ذات الصلة(16).

ورغم سعي تلك القرارات إلى حماية الشعب الفلسطيني إلا أنها غير حاسمة؛ نظرًا لافتقارها إلى آليات تطبيقية، إذ تكتفي بالاعتراض على إقامة المستوطنات، وارتكاب الجرائم الجماعية، مثل الإعدامات العلنية دون محاكمة، كما تفتقر تلك القرارات إلى إجراءات عقابية، مثل العقوبات الاقتصادية المقررة بموجب المادة 41 من الميثاق، فضلًا عن التخلي عن استخدام المادة 39 من الميثاق. وبشكل عام، فإن قرارات مجلس الأمن لم تأخذ في الاعتبار مقتضيات الفصل السابع من الميثاق وممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبدلًا من التركيز على موضوع الحماية الفعلية، آثر المجلس السكوت عن آليات تنفيذية للقرارات التي أصدرها، وهو شرط حاسم لتشجيع الامتثال للقانون الدولي الإنساني في الأراضي المحتلة(17).

بناء على ما سبق، يتبين أن مجلس الأمن لم يستطع تحقيق أي إنجاز قانوني لحماية الشعب الفلسطيني؛ فلماذا؟ رغم أن حماية الشعوب المحتلة مبدأ مركزي في القانون الدولي فإن المجلس يجد نفسه مقيدًا في مسألة توفير الحماية للشعب الفلسطيني بسبب استخدام الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن حق الفيتو. فضلًا عن ذلك، فإن إسرائيل عُرفت بأنها لا تكترث للقانون والمجتمع الدولي.

ب – الجمعية العامة

إن من الالتزامات الرئيسية للجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بالشأن الفلسطيني، أنها تصدر قرارات وتتخذ قدر الإمكان كافة التدابير التي في وسعها لحماية الشعوب في أوضاع الاحتلال. فلها نهج ثابت في تذكير سلطات الاحتلال بالتزامات الميثاق، وتأكيدها حماية الفلسطينيين منذ النكبة عام 1948، غير أنها لم تتمكن من التوصل إلى حل مرض في هذا المجال، ويعود ذلك، إلى حد كبير، إلى غياب نظرة إيجابية إلى قراراتها في القضية الفلسطينية، فهي في نظر البعض غير ملزمة لأطراف النزاع بحكم طبيعتها، وتعدها سواء أتعلقت بحالة الاحتلال أم السلم، نظرة خاطئة نظرًا لارتباطها بتطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة، فضلًا عن كونها وسيلة لاكتساب الشرعية للنشاط، والتأثير على أطراف النزاع.

إن الأوضاع التي تتطلب من الجمعية التدخل لحماية الشعب الفلسطيني ملزمة بموجب المادة 13 من ميثاقها. وفي هذا السياق، أصدرت قرارات بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم(18)، والاعتراف بحق الفلسطينيين في السيادة على أراضيهم(19)، وصنفت الصهيونية على أن شكل من أشكال العنصرية والتمييز(20)، ومنحت فلسطين صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة(21).

يبدو واضحًا من مثل هذه القرارات أن الجمعية تقر فعليًّا بنوع من المساواة بين شعب ودولة فلسطين وباقي شعوب ودول العالم، وتعد إسرائيل دولة مهددة للسلام ومنكرة للقانون الدولي المتعلق بحقوق شعب ودولة فلسطين. وبالرغم من أنها اقتصرت في الماضي على ترسيخ الحماية الإنسانية الأساسية، مثل حظر القتل وسوء المعاملة، فإنها اتجهت مؤخرًا إلى موضوع شرعية احتلال إسرائيل للشعب الفلسطيني، وواصلت المطالبة بتطبيق القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان في وضع الاحتلال.

وقد طلبت مؤخرًا من محكمة العدل الدولية الإدلاء برأيها في مسألة شرعية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية(22). وقد أثار هذا القرار نقاشات طويلة وصعبة بين نحو أربعين دولة في الجمعية العامة(23)، ونظرًا لتأثيره على مستقبل إسرائيل فقد فرضت على إثره عقوبات على السلطة الفلسطينية تضمنت إجراءات مالية وغيرها لجعلها “تدفع ثمن” تحركها من أجل صدور القرار(24).

ولقد استندت الجمعية في هذا الأمر على نص المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، فهي وإن كانت لا تملك سلطة تنفيذية، إلا أنها قامت بذلك عملًا بالمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة. ويظهر القرار المذكور أن للجمعية نهجين لتطبيق قانون حقوق الإنسان في أوضاع الاحتلال وتحقيق الحماية للشعب الفلسطيني: الأول: اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإصدار فتوى بشـأن الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها الطويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمِّها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها، واعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن. والثاني: هو في اعتبار أنه حتى في ظل وجود سيطرة فعلية على فلسطين، فيجب تقييم مسألة ما إذا كان هناك انتهاك لحقوق الإنسان الفلسطيني، واحترام قواعد القانون الدولي الإنساني في أوضاع الاحتلال.

ج – محكمة العدل الدولية

تختلف محكمة العدل الدولية جوهريًّا عن الأجهزة المقررة في ميثاق الأمم المتحدة، فليس لديها تفويض بتنفيذ الحماية، ولكن لها نظام أساسي يتضمن نصوصًا مرجعية لها قيمة الاتفاقيات، وتتمتع بما للعُرف من قوة، وتعمل وفقًا للمادة 96 من الميثاق، والمادة 65 من النظام الأساسي للمحكمة بخصوص موقف القانون الدولي من القضايا المعروضة عليها(25). وقد أخذت المحكمة بعين الاعتبار حماية الشعب الفلسطيني كما يظهر من رأيها الاستشاري، أي فتواها القانونية(26) عن شرعية بناء الجدار والآثار القانونية المترتبة عليه(27).

وتظهر فعاليتها بخصوص حماية الشعب الفلسطيني، من مضمون رأيها المنشور، في 9 يوليو/تموز 2004، تلبية لطلب الجمعية العامة بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول 2003، بحيث إنها ردت، من منطلق القانون الدولي الإنساني، على ادعاء إسرائيل بأن اتفاقية جنيف الرابعة لا تسري على المناطق الفلسطينية، بإعلانها عن حقيقة أولى مفادها، أن الضفة الغربية وقطاع غزة لم تكن مرة من المرات جزءًا من إسرائيل، نظرًا لكون هذه المناطق قد سقطت في أيدي إسرائيل نتيجة لحرب مع دولتين موقعتين على تلك الاتفاقية، ولذلك فإنه يتوجب أن تتفق سيطرة إسرائيل على المناطق الفلسطينية مع اتفاقية جنيف الرابعة(28).

أما الحقيقة الثانية، فهي أن بناء الجدار الفاصل يهدف إلى خدمة المشاريع الاستيطانية، التي تشكل خرقًا للمادة 49 من الاتفاقية، وأنه يمثل قيدًا على السكان المدنيين المقيمين ما بين الجدار الفاصل وبين الخط الأخضر(29)؛ مما قد يؤدي إلى ترحيلهم، وهذا أيضًا مخالف للمادة نفسها من الاتفاقية. فضلًا عن ذلك قررت أن السيطرة على الأراضي الخاصة والمرتبطة بإقامة الجدار الفاصل، يشكل مسًّا بالأملاك الشخصية؛ مما يعد خرقًا للمواد 46 و52 من لوائح لاهاي لعام 1907، والمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة.

وجزمت المحكمة كذلك، بعدم شرعية الجدار الفاصل بناء على انتهاك إسرائيل للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فرأت أنه يسري بأكمله على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمس مختلف الحقوق المقننة في الاتفاقيات والمواثيق التي وقَّعت إسرائيل عليها، وهي: الحق في حرية الحركة، الحق في عدم التدخل في خصوصية البيت والعائلة، والمقننة في المواد 12 و17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أما حقوق العمل، والحق في مستوى حياة لائق، والحق في الصحة والتعليم، فهي مقننة في المواد 6، و11، و12، و13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وذلك خلافًا لرأي إسرائيل التي رأت عدم انطباق هذا القانون على الوضع في الأراضي المحتلة.

ويبدو أن المحكمة استخدمت المعايير المستلهمة من القانون الدولي الإنساني، إن لم يكن بصراحة فضمنيًّا، وخاصة معيار ما إذا كانت توجد ضرورة لحماية الشعب الفلسطيني، والحد من ضم الأراضي الفلسطينية وخسائره على الأرض المحتلة. وهي لا تشكك في أحقية الفلسطينيين في أرضهم، وتهديد إسرائيل السكان المحليين وتعرض حياتهم للخطر بناء على معايير القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن المحكمة انتهت إلى وجود تبعات وآثار للجدار الفاصل على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. كما سجلت وجود مخاوف كبيرة؛ من أن يؤدي مسار الجدار الفاصل، إلى إيجاد “حقائق على الأرض”، ينتج عنها ضم فعلي لمساحات من الأراضي الفلسطينية؛ مما سوف يؤدي إلى التأثير على الحدود ما بين إسرائيل والدولة الفلسطينية. على أن المحكمة كانت لها نتيجتان مهمتان: الأولى: هي أنها رأت بأن الضم الفعلي لأجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، سوف يشكِّل خرقًا لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. والثانية: أنه يتوجب على إسرائيل التوقف عن إقامة الجدار الفاصل، وتفكيك أجزائه التي أقيمت في الضفة الغربية، وإلغاء الأوامر التي صدرت بخصوص إقامته وتعويض الفلسطينيين الذين تضرروا جرَّاء ذلك.

أما الرأي الثاني للمحكمة، فلم يصدر بعد؛ لأن الجمعية العامة تقدمت لها مؤخرًا بطلب ضمن قرار مؤرخ في 30 ديسمبر/كانون الأول 2022 بشأن الآثار المترتبة على انتهاكات إسرائيل المستمرة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير(30). ونعتقد أن النتيجة ستكون، فضلًا عن مناشدة المجتمع الدولي بالامتناع عن مساندة إسرائيل في إنشاء المستوطنات واتخاذ الوسائل القانونية لإيقاف انتهاكات القانون الدولي الإنساني وضمان تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، تأكيدَ وجود آثار قانونية خطيرة نشأت عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 واستيطانها وضمها لها.

وبخصوص حماية الشعب الفلسطيني، سوف تستخدم المحكمة لغة أقرب إلى لغة القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان بدلًا من ميثاق الأمم المتحدة، فتقيم السياسات الإسرائيلية وممارساتها بمقتضى مواد من هذين القانونين.

 

ثالثًا: المبادئ المؤطِّرة للحماية في القانون الإنساني

ما يظهر من جميع معايير اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، هو أن المبادئ المتعلقة بالجانب القانوني للحماية المفترض تطبيقها على الشعب الفلسطيني، متعددة ومختلفة، ولا يمكن حصرها عندما تقوم إسرائيل بأنشطة استيطانية، أو الإساءة إلى حقوق الإنسان، أو سيطرة الجيش على أماكن وجود المدنيين في المخيمات مثلًا، أو أثناء اعتقال الفلسطينيين والتحقيق معهم.

1 – تطبيق مبادئ الاتفاقيات

قبل الانتقال إلى بيان مبادئ الاتفاقيات وعلاقتها بحماية الشعب الفلسطيني، فإننا نعني بها المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني المتعلقة مثلًا بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وحظر مهاجمة العاجزين عن القتال، وحظر التسبب في معاناة لا داعي لها، وحماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة. غير أننا سنركز على المبادئ التي تسير جنبًا إلى جنب الحماية في حالات الوقوع تحت الاحتلال.

ب – مبدأ المعاملة الإنسانية

تمس الممارسات الإسرائيلية حقوق الإنسان الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وتلغي مبدأ المعاملة الإنسانية التي توجبها صفة الإنسان(31) والموجبة احترام كرامة الأشخاص المدنيين الواجبة التطبيق عالميًّا. ومن مظاهر المسِّ بهذا المبدأ القيود المفروضة على حرية التنقل(32) المؤدية إلى تقويض حقوق الأفراد في الرعاية الصحية والعمل والتعليم والحياة الأسرية، وإلى تفكك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأسرية. وتقوض هذه الانتهاكات مجتمعة حق الفلسطينيين في تقرير المصير وفي مستوى معيشي مناسب(33).

وإذا كان هذا المبدأ يُستخدم لحماية الفلسطينيين، ولا يقتصر تطبيقه على شروط معينة مثل توفير الموارد المادية في دولة الاحتلال، وعدم التمييز من أي نوع كان، منه التمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره، أو المنشأ الوطني أو الاجتماعي، أو الممتلكات أو المولد، أو أي مركز آخر، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فإن السلطات الإسرائيلية لا تلتزم به في داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.

وكما ذكرنا آنفًا، فهي تنتهك حق الفلسطينيين في التنقل بين غزة والضفة الغربية. وتفرض القيود المادية على التنقل بحرية في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، في الوقت الذي ينبغي أن تكفل اتساق جميع القواعد والمتطلبات الإدارية ذات الصلة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. والواقع أن المعاملة الإنسانية تقتضي رفع القيود، ليس على حرية الفلسطينيين في التنقل فحسب(34)، بل التكفل بالجرحى والمرضى جهد المستطاع وتقديم الرعاية الطبية للمرضى المدنيين.

ب – مبدأ عدم محاربة الشعوب المحتلة

يرتبط هذا المبدأ بمبدأ تقليدي هو التمييز بين المدنيين والمقاتلين، والغرض منه حماية السكان المدنيين في زمن الاحتلال، ويشمل التمييز بين ما هو مدني (والأعيان المدنية) والمقاتلين (والأهداف العسكرية). ويقيد هذا المبدأ حاليًّا شن الجيش الإسرائيلي اعتقالات مكثفة في صفوف الفلسطينيين، كما حدث ويحدث في الضفة الغربية والقدس، ويمنعه من شن غارات على قطاع غزة والتسبب في عشرات القتلى والمصابين.

وانطلاقًا من هذا المبدأ، فإنه إذا شارك فلسطيني بشكل مباشر في مهاجمة قوات إسرائيلية، فيمكن أن تتبع إجراءات قانونية في ملاحقته، تقوم على إلقاء القبض عليه، واستجوابه، ومحاكمته، وعدم اللجوء إلى إجراءات القوة، نظرًا للخطر المميت الذي قد يلحق المدنيين، وهو أمر غير مشروع وغير مطلوب أصلًا حتى لحياة الجنود. ويوضح القانون الدولي الإنساني المستند إلى الاتفاقيات وقوف هذا المبدأ على حماية المدنيين. والقاعدة القانونية أن المدني هو الشخص غير المقاتل، وحرفيًّا “شخص مدني”، وهو أي فرد غير تابع للقوات المسلحة. وينبغي أن يُحمى هؤلاء في حالة الاحتلال العسكري، الذي يسيطر فيه العسكريون الإسرائيليون على فلسطين التاريخية(35).

ج – مبدأ حظر الأعمال الانتقامية

 عندما تَقَرَّر مبدأ حظر الأعمال الانتقامية/الثأرية أثناء الاحتلال كان الهدف حظر توجيه أي أعمال عقابية أو اقتصاص ضد السكان المدنيين(36)، سواء أكان من الذين ينفذون هجمات ضدها أم من غيرهم، طالما أنهم يتمتعون بصفة المدنيين. فهذا المبدأ يمنع إسرائيل من شنِّ هجمات في شكل أعمال انتقامية ضد السكان الفلسطينيين، على اعتبار أنه لا ذنب لأحد في الأفعال المعاقب عليها. كما يكرس الحماية للأشخاص المدنيين والجرحى والمرضى، ويحمي الأشياء التي لا غنى عنها لحياة السكان المدنيين، ويمنع استخدام المدنيين درعًا لأهداف عسكرية أو عمليات عسكرية أو لحماية هذه الأهداف من الهجمات(37).

ويدخل في نطاق الأعمال الانتقامية الإجراءات الإسرائيلية، فهي تحرم عائلات الفلسطينيين من حقوق معينة، مثل حقهم في المأوى، وسجن من ينفذ هجمات ضدها، وغلق المنازل وهدمها، وإلغاء حق أقارب المهاجمين الفلسطينيين في الضمان الاجتماعي، فضلًا عن إلغاء بطاقات الهوية الإسرائيلية لأقارب المهاجمين، وتسهيل الإجراءات اللازمة لحصول المستوطنين على تراخيص حمل الأسلحة النارية بدعوى الدفاع عن أنفسهم. وهو ما يؤكد أن جميع القرارات الحكومية تصب في دائرة الانتقام من الشعب الفلسطيني، وفي تجاهل كامل لسيادة القانون الدولي الإنساني.

وتتحقق الحماية وفق هذا القانون من خلال عدم جعل العائلات الفلسطينية هدفًا للأعمال الانتقامية، فهذا القانون يمنع إسرائيل من التعرض للأعيان المدنية(38) الضرورية لحياة السكان، والتي لا يجوز مهاجمتها، أو تدميرها، أو إزالتها، ويمنع التعرض للأعيان الثقافية وأماكن العبادة(39) والبيئة الطبيعية(40)، وكذلك الأعمال والمنشآت التي تضم مواد خطرة(41) حتى لا يلحق الضرر بالمدنيين الأبرياء.

 

2 – المبادئ الأكثر خصوصية

تُفهم المبادئ الأكثر خصوصية بأنها مجموعة القواعد واجبة التطبيق قانونًا على الفئات المحمية، فهي تتعلق بحماية هؤلاء في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتكفل حقوقهم المقررة في القانون الدولي الإنساني. ولقد استخدم هذا القانون مصطلح “الأشخاص المحميون” في سياق النزاعات المسلحة الدولية فحسب، ولم يحدد المبادئ المنطبقة على هؤلاء، ولكنها متأصلة في اتفاقيات جنيف وبروتوكول جنيف الأول. وهكذا، فإنه لا يمكن إثارة كافة المبادئ ذات الصلة بالفئات المحمية بحكم عددها، وننظر في ثلاثة منها فقط، لأهميتها في هذا المجال.

أ – مبدأ عدم جواز الخروج على أحكام الحماية المقررة للفئات المحمية

في ظروف الاحتلال المركبة يتوجب العودة إلى مبدأ عدم جواز الخروج على أحكام الحماية المقررة في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان للفئات المحمية(42) من الشعب الفلسطيني. ومن حيث الإطار العام، قد يثار تساؤل مفاده: هل يمكن أن نشتق من هذا المبدأ قواعد تخص الفئات المحمية من الشعب الفلسطيني؟ وللإجابة عن هذا التساؤل لابد من الإشارة إلى ثلاث قواعد تنطبق على هذه الحالة، وهي:

عدم حمل الفئات المحمية على التنازل عن حقوقها

يمكن فهمها بعدم تنازل الفئات المحمية(43) في أي حال من الأحوال جزئيًّا أو كليًّا عن حقوقها الخاصة، وفي ضوء ذلك، فإنه يمكن استخلاص الاستنتاج الآتي، ففي حين أن الشخص الذي يتمتع بالحماية يمكنه أن يتصرف بحرية في حقوقه الإنسانية التي يكفلها له قانون حقوق الإنسان، فإنه لا يجوز له أن يتنازل عن الحقوق المقررة له في القانون الدولي الإنساني، ولو كان ذلك بإرادته؛ إذ لا يجوز له أن يحدد هو “وضعه الخاص” في حالات الاحتلال، ولو أنه تصرف بغير ذلك لتوقف مفعول الحماية التي يحظى بها(44).

والغرض من ذلك، هو جعل هذه القاعدة ذات تطبيق عام، وسد الذرائع أمام دولة الاحتلال لتبرير عدم تطبيقها بدعوى وجود تنازلات تحصل عليها في الغالب تحت تأثير القهر أو الإكراه، ومنع ممارسة سلطة الاحتلال أي ضغوط مادية أو معنوية لحمل الفئات المحمية على التنازل عن حقوقها(45). ومن بين القواعد التي يمكن الاستناد عليها قواعد اتفاقية جنيف الرابعة، التي تخص الأشخاص المحميين، وتحظر عليهم التنازل عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية، أو بمقتضى اتفاقات أخرى، وإن وُجدت فإنها تطبق بمعاونة وتحت إشراف الدول الحامية التي تكلف برعاية مصالح أطراف النزاع.

الاحترام الواجب للفئات المحمية في جميع الأحوال

لقد أوجب القانون الدولي الإنساني، من خلال اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول، احترام الفئات المحمية في ظروف الاحتلال، وعدم تجزئة أفراد هذه الفئات، بمعنى أنهم يتمتعون بالوضع القانوني نفسه قبل الاحتلال، وعند حالات الاحتلال وعند خضوعهم للاحتجاز، فهم باعتبارهم أفرادًا في هذه الحالة يظلون محميين بقواعد القانون الدولي الإنساني، ومتمتعين بتلك الحماية بصورة دائمة، وبدون أي استثناء في هذا الخصوص، وذلك مراعاة للقواعد التي تحكم المدنيين في ظروف الاحتلال(46).

عدم الإضرار بالحقوق الممنوحة للفئات المحمية

لاحظنا أن الحماية الدولية الخاصة للفئات المحمية لا تختلف عن الحماية الدولية العامة الممنوحة لغير هذه الفئات، مثل فئة أفراد الخدمات الطبية، ولا تنقص أو تؤثر فيها وإنما تصبح حماية إضافية تكون عن طريق عقد اتفاقات خاصة بين الأطراف المتحاربة(47). وهذا إنجاز محمود للمجتمع الدولي في إقرار هذه القاعدة لحماية هذه الفئات في أحوال الاحتلال.

ومن خلال تلك القواعد، يمكن الاستنتاج أن قواعد القانون الدولي الإنساني ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق غاية، هي الحفاظ على الفئات المحمية في مواجهة واقع الاحتلال الإسرائيلي؛ إذ يلزمها بضمان الحماية والرعاية لسكان الأراضي المحتلة، ولو أن الاستجابة لتلك القواعد منعدمة في الوقت الحاضر، وهذا قصور يجب تداركه.

ب ـــ مبدأ ديمومة الحماية للفئات المحمية حتى نهاية الاحتلال

يجب حماية واحترام الفئات المحمية في جميع الظروف، والسبب هو سيطرة إسرائيل على فلسطين التاريخية. وتظل تلك الحماية طالما استمرت حالة الاحتلال، ولا يجوز حرمانها من الحماية أو تأدية واجباتها أو عدم السماح لها بالوصول إلى أهدافها أثناء الاحتلال.

ج ــ مبدأ الشك يفسَّر لصالح الشخص المحمي

إن الغرض من حظر المادة يتمثل على ما يبدو في عدم جعل الشك ذريعة لدولة الاحتلال لتبرير عدم تطبيقها القانون الدولي الإنساني، ومنع عرقلة الفئات المحمية من تأدية واجباتها. وتكررت هذه القاعدة في المادة 50/1 من البروتوكول الأول في صيغة أخرى: “وإذا ثار شك حول ما إذا كان شخص ما مدنيًّا أو غير مدني فإن ذلك الشخص يعد مدنيًّا”. وقبل ذلك بخصوص الأسرى، حيث إن المادة 5/ 2 من الاتفاقية الثالثة: “وفي حالة وجود أي شك بشأن انتماء أشخاص قاموا بعمل حربي وسقطوا في يد العدو في إحدى الفئات المبينة في المادة الرابعة فإن هؤلاء الأشخاص يتمتعون بالحماية التي تكفلها الاتفاقية إلى حين البت في وضعهم بواسطة محكمة مختصة”. فهذه إذن هي أحد المبادئ التي ينبغي على إسرائيل التقيد بها في مثل حالة الفئات الفلسطينية المحمية، أي إنها يجب أن تأخذ بأنه عندما يثور شك حول ما إذا كان شخص فلسطينيًّا مدنيًّا -ما لم يكن يحمل بطاقة إثبات شخصيته- فله حق التمتع بالحماية المقررة بموجب القانون الدولي الإنساني إلى أن يثبت عكس ذلك.

رابعًا: ملاحظات ختامية

إن حماية الشعب الفلسطيني قد تطورت من خلال الالتزامات التي تنص عليها الاتفاقيات والقرارات والمبادئ الكثيرة المناهضة للاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وقد أصبحت معها جزءًا من الحقوق الإنسانية ومن القانون الدولي العرفي، ورغم ذلك لم تخضع القيادة الإسرائيلية للأحكام التي تعكس خطورة الجرم، بل تمادت باعتماد قوانين عنصرية وجرائم تطهير عرقي، متمثلة في إلغاء جنسية أو إلغاء إقامة أي أسير فلسطيني قاوم الاحتلال، فضلًا عن بناء الجدار وسياسات الاستيطان، وهي الجرائم نفسها التي يعرفها نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية.

لقد تنكرت إسرائيل للالتزام الرئيسي المحدد في ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات القانون الدولي الإنساني وهو الحفاظ على السلم والأمن واحترام حقوق الإنسان وحق تقرير المصير وعدم استخدام القوة مع الغير، ومعاقبة مرتكبها بأحكام تعكس خطورة الفعل. ووفقًا لما صدر من أحكام، يلزم اتخاذ تدابير للنظر في الجرائم المعنية، ورد الاعتبار لموضوع حماية الشعب الفلسطيني، بما في ذلك عودة اللاجئين، والعضوية الدائمة لفلسطين في الأمم المتحدة، وتقديم طلبات للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في وضع الاحتلال، وعدم الإفلات من العقاب وملاحقة مرتكبي الجرائم بحق الفلسطينيين. وتُبنى الدعاوى على سلسلة من الالتزامات المقررة في ميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، المدعومة بقرارات تحظر الاستيطان ومهاجمة المدنيين، والخطر الذي يتهدد حياتهم في وطنهم.

وينبغي وضع حد لعدم امتثال إسرائيل للقانون الدولي؛ وذلك باتخاذ مجموعة من الخطوات، تبدأ بتجميد عضويتها في الأمم المتحدة وفي اتفاقيات جنيف لعام 1949 كنوع من الضغط السياسي، وصولًا إلى فرض عقوبات اقتصادية وفقًا لما استقر عليه العرف الدولي.

ومن المأمول أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية بالدور المنوط بها بموجب المواد 6 و7 و8 من نظامها الأساسي، وذلك بفتح تحقيق بشأن الاستيطان الذي يعد وفقًا لهذا النظام جريمة دولية، وتضع حدًّا لإفلات القائمين عليه من العقاب. وفي حال الاعتراض على التحقيق وعدم تعاون القائمين عليه، يبلَّغ مجلس الأمن الدولي بذلك، حتى يستخدم صلاحيته المنوطة به في الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بحفظ السلم والأمن الدوليين. وهذا يعني أن المجلس يمكنه استخدام المواد 39 و40 و41 و42 من الميثاق القائمة على إجراءات تجبر إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي الإنساني ولمبدأ سيادة القانون، وحماية الشعب الفلسطيني واحترام معايير حقوق الإنسان في المناطق المحتلة، وحتى لا تظل إسرائيل استثناء من نظام مهم، هو التحقيق في الجرائم الإرهابية الممارسة ضد الشعب الفلسطيني ومحاكمة مرتكبيها.

المراجع

 

(1) دعمت الجزائر على الدوام حماية الشعب الفلسطيني، وحقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشريف، بقدر التوصيف الذي قررته الصكوك الدولية الجديدة، وسيكون لدعوتها تأثير على الوضع الاحتلالي في فلسطين. ومن تابع اجتماع الفصائل الفلسطينية بالجزائر، شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، ومؤتمر القمة الذي عقدته جامعة الدول العربية بالجزائر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وموقفها في المؤتمر الذي عقدته أيضًا جامعة الدول العربية، يوم 12 فبراير/شباط 2023، في القاهرة تحت عنوان “القدس: صمود وتنمية” يتأكد من ضرورة الوفاء بالمعايير التي تستدعي تطبيق القانون الدولي الإنساني، وهو دعم مستمر في ظل واقع عالمي مأزوم.

(2) يقصد بجريمة حرب مركبة، وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مجموعة من الأفعال الجرمية الخطرة التي تُرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين.

(3) يقوم التحليل على أن النزاع في فلسطين هو نزاع دولي محكوم بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني المنطبق على الاحتلال. وبالتالي لن نتناول الأنشطة المتعلقة بالنزاعات المسلحة غير الدولية، التي لا يوجد بها قانون احتلال ينظمها.

(4) صادق الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي يوم 15 فبراير/شباط 2023، على مشروع قانون يقضي بإلغاء جنسية أي أسير فلسطيني قاوم الاحتلال وسياساته العنصرية أو سحب إقامته.

(5) نظم الباب الثاني من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الحماية الإنسانية للسكان من بعض عواقب الحرب، وعالج الجزء الأكبر من الاتفاقية الحماية الإنسانية المقررة للمدنيين على أراضي العدو وكذلك المدنيين في الأراضي المحتلة.

(6) نذكر مثلا المادة 75 من البروتوكول الإضافي الأول التي تتناول الضمانات الأساسية التي لابد وأن يتمتع بها كافة الأشخاص الذين في قبضة أي طرف من أطراف النزاع؛ إذ تنص: “يتمتع هؤلاء الأشخاص كحد أدنى بالحماية التي تكفلها لهم هذه المادة دون أي تمييز مجحف يقوم على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء أو الانتماء القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر أو على أساس أية معايير أخرى مماثلة”.

(7) بمقدور منظمات إنسانية عديدة أن تشارك في الحماية الإنسانية. وتشمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رغم عدة فروق جوهرية بينهما؛ فبينما تركز الأولى على ضحايا الحروب، تركز الثانية على حماية اللاجئين.

(8) للاستزادة، انظر: عمر سعد الله، حل النزاعات الدولية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2005، ص 193.

(9) نذكر مثلًا إيف ماسينغهام (Massingham Ive)، لتُراجع مقاله “التدخل العسكري لأغراض إنسانية: هل تعزز عقيدة مسؤولية الحماية مشروعية استخدام القوة لأغراض إنسانية؟”، المجلة الدولية للصليب الأحمر، المجلد 91، العدد 876، ديسمبر/كانون الأول 2009، ص 158.

(10) تكررت الإشارة لهذه المسؤولية في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات الأمانة العامة وقرارات مجلس الأمن، وقد تم تعيين مفوض أممي مسؤول عن تنفيذ مسؤولية الحماية، هو السيد “دينغ فرانسيس” بعد نهاية عقد واحد من ظهور هذا النوع من المسؤولية علنًا عبر تقرير اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدول في 16 سبتمبر/أيلول 2000 المعروفة بلجنة “ICISS”. وقد أصدرت تقريرها المعنون “مسؤولية الحماية”، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2001، الذي تضمن الكثير من المفاهيم والدعوة إلى التحول من مفهوم السيادة على أنها سلطة إلى مفهوم السيادة على أنها مسؤولية.

(11) وُقـِّع ميثاق الأمم المتحدة، في 26 يونيو/حزيران 1945، في سان فرانسيسكو في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيئة الدولية وأصبح نافذًا في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1945.

(12) انظر بوراس عبد القادر، التدخل الدولي الإنساني وتراجع مبدأ السيادة الوطنية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، عام 2009، ص 130.

(13) ثبت في المؤتمر التأسيسي في سان فرانسيسكو، أنه من المستحيل، بسبب ضيق الوقت، أن يتم إلحاق كتيب مكتوب لحقوق الإنسان بالميثاق. غير أنه تم اتخاذ قرار بإنشاء هذا الكتيب فور دخول الميثاق حيز التنفيذ، عن طريق الهيئة المتخصصة ذات الصلة، وهي لجنة حقوق الإنسان.

(14) يحمل عدة معان، فهو حق قـانـونـي دولي وأحـد أهم مـبادئ حقـوق الإنسـان، ويعني كذلك الاستقلال وقيـام دولة ذات سيادة. وكذلك أنه حق كامن في مجموع السكان في إقـليم خاضع للاحتلال والذين يشكلون شعـبًا واحدًا. انظر: عمر إسماعيل سعد الله، تقرير المصير السياسي في القانون الدولي المعاصر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ص 4، 1986.

(15) لا يمكن أن يستفيد الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير في ظل الوضع الراهن؛ لأن بعض الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمـن تقف في وجه تطبيقه باستخدام حق النقض (الفيتو) بطريقة مجحفة.

(16) انظر قرارات المجلس على الرابط الإلكتروني الآتي:

https://shorturl.at/mABW1

(17) يمكن لمجلس الأمن أن يتصرف بموجب الفصل السابع من الميثاق (المواد من 39 – 51) من الميثاق، فيصدر من خلال ذلك قرارات أو يقرر اتخاذ تدابير للحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو إعادتهما (المادة 39 من الميثاق).

(18) بموجب القرار رقم 194 لعام 1948.

(19) بموجب القرار رقم 3236 لعام 1974.

(20) بموجب القرار رقم 3379 لعام 1975.

(21) بموجب القرار رقم 19/67 لعام 2012.

(22) انظر القرار المعتمد في 30 ديسمبر/كانون الأول 2022.

(23) أكدت جميعًا “دعمها الثابت” لمحكمة العدل الدولية والقانون الدولي، معربة عن “قلقها العميق حيال قرار الحكومة الإسرائيلية فرض إجراءات عقابية ضد الشعب الفلسطيني والقيادة والمجتمع المدني بعد الطلب الذي تقدمت به الجمعية العامة” إلى المحكمة.

(24) فُرضت تلك العقوبات في 6 يناير/كانون الثاني 2023.

(25) ذكرت المحكمة مرات عديدة في الماضي أن المادة 65 فقرة (1)، من نظامها الأساسي التي تنص على أن المحكمة يمكن أن تعطي رأيًا استشاريًّا (مع التشديد على كلمة يمكن)، ينبغي تفسيرها بأنها تعني أن للمحكمة سلطة اجتهادية تخولها الامتناع عن إعطاء رأي استشاري حتى مع تلبية شروط سلطتها القضائية (شرعية التهديد باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها، رأي استشاري، تقارير محكمة العدل الدولية 1996)، (صفحة 234 فقرة 14).

(26) نشير إلى أن للرأي الاستشاري للمحكمة طبيعة خاصة؛ إذ يتسم بأنه غير ملزم، إلا أن له وزنًا قانونيًّا كبيرًا، لكونه يتضمن تفسيرًا رسميًّا لأحكام القانون الساري، ولأنه صادر عن “الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة”[1]، كما يتيح، في حال التقدم بطلب إبداء رأي استشاري، للدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة الإدلاء بإفادات خطيَّة للمحكمة، وفي حال قررت المحكمة عقد جلسة علنية بشأن القضية، فيمكن الترافع شفويًّا. انظر المادة 92 من ميثاق الأمم المتحدة.

(27) طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك خلال جلستها الاستثنائية العاشرة الطارئة المنعقدة يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2003، حول شرعية بناء الجدار. انظر نص القرار في الوثيقة، القرار ES-10/13

(28)  للاستزادة، انظر: https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4110

(29) الهدف من الجدار الطويل منع دخول السكان الفلسطينيين إلى إسرائيل أو المستوطنات القريبة، ومحاولة لإعاقة حياة الفلسطينيين وضم أراضيهم إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي.

(30) تم التصويت على القرار بناء على ما جاء في تقرير اللجنة الرابعة للجمعية العامة المعنية بالمسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار، تحت إشراف المقررة السيدة ماريا نويل باريتا تاسانو (من أوروغواي) اعتُمِد بأغلبية 87 صوتًا واعتراض 26 دولة وامتناع 53 دولة عن التصويت.

(31) انظر اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية، الدورة الرابعة والأربعون (1992)، التعليق العام رقم 21، المادة 10 (المعاملة الإنسانية للأشخاص المحرومين من حريتهم)، منشور على الرابط الآتي:

http://hrlibrary.umn.edu/arabic/hrc-gc21.html

(32) تعد حرية التنقل شرطًا مسبقًا للتمتع بطائفة واسعة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وتعتمد ممارسة بعض الحقوق، كالحق في العمل والصحة والتعليم، إلى حدٍّ كبير على القدرة على التنقل بحرية واختيار مكان الإقامة.

(33) تستخدم السلطات الإسرائيلية نظام التصاريح لتقييد ومراقبة تنقل الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة خارج مناطقهم السكنية المباشرة.

(34) ينبغي رفع إسرائيل الحصار المفروض على غزة، تطبيقًا لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان وقرار مجلس الأمن 1860(2009).

(35) قررت المادة 50 من البروتوكول الإضافي الأول في فقرتها الأولى الحماية القانونية للسكان الفلسطينيين، حينما أعلنت أنه إذا ثار الشك حول ما إذا كان الشخص مدنيًّا من عدمه، فإن ذلك الشخص يعد مدنيًّا.

(36) انظر البروتوكول1، المادة 51-6.

(37) أنظر البروتوكول1، المادة 51-7.

(38) انظر البروتوكول 1، المادة 52؛ إذ يجب ألا تكون عرضة لهجمات عنيفة أو مباشرة أو عشوائية أو أعمال انتقامية.

(39) انظر المادة 53.

(40) انظر المادة 55.

(41) انظر المادة 55.

(42) ينص البروتوكولان الإضافيان الأول والثاني لعام 1977، على تعريف أكثر مرونة للفئات المختلفة للأشخاص المحميين، ويعززان الأحكام التي تهدف إلى ضمان مستوى حماية أساسي. ويدرج البروتوكولان كذلك الضمانات الأساسية التي يجب تأمينها لجميع الضحايا في حالة نزاع دولي أو داخلي ممن لا يستفيدون من نظام تفضيلي أو تصنيف محدد (البروتوكول 1 المادة 75، والبروتوكول 2 المادة 4).

(43) إن فئتين من الأشخاص لا تتمتعان بحماية القانون الدولي الإنساني، هما: الجواسيس، والمرتزقة. فقد تطرق إليهما البروتوكول الأول لعام 1977 في مادتيه 46 و47.

(44) تنص المادة السابعة من اتفاقية جنيف الثالثة على أنه “لا يجوز للجرحى والمرضى وكذا أفراد الخدمات الطبية والدينية التنازل بأي حال من الأحوال جزئيًّا أو كليًّا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية أو بمقتضى الاتفاقات الخاصة إن وجدت”.

(45) انظر المـادة 7 مـن الاتفاقية الثالثة.

(46) انظر المادة 1 والمادة 3 المشتركة مـن اتفاقيـات جنيف.

(47) اتفاقيات الهدنة أو اتفاقات نقل الجرحى أو المرضى وغيرها من الاتفاقات: انظر على سبيل المثال المواد 10/1، 15/2- 3، 23/ 2 – 3، 28/3، 31/ 2، 36 / 1 – 3، 37 /1، 52 من اتفاقية جنيف الأولى.