مقدمة
تحوَّلت بعض شبكات التواصل الاجتماعي خلال عقد من الزمان من التركيز على التواصل الاجتماعي الذي يهدف إلى الربط الشبكي بين ملايين الأفراد الذين تجمع بينهم صداقات ومعارف وزمالة مهنة، إلى التواصل الإعلامي الذي يتم فيه تداول محتوى إعلامي تمَّ إعداده من طرف محترفين أو هواة. وقد أدى هذا التحوُّل إلى ظهور تساؤلات حول مدى استعداد هذه الشبكات لتحمُّل تبعات النشر الإعلامي التي أرستها وسائل الإعلام التقليدية عبر السنين لتجعل منها ركيزة معرفية رئيسة لا غنى للمجتمعات الحديثة عنها. ومن أبرز هذه التبعات، حرية التعبير التي تسمح بتداول المعرفة بما يتضمنه هذا التداول من تضارب في المصالح ومخاطر أخرى قد تحيله إلى تعدٍّ على حقوق الآخرين.
إن التواصل الإعلامي هو أكثر أنواع التواصل الإنساني جدلًا وخطورة من حيث تأثيره وأهميته وارتباطه ببنية المجتمعات وما تشتمل عليه من مكونات قد تفتقر إلى التناغم مثل الحكومات والمؤسسات غير الحكومية وقطاعات الشعب المختلفة والعلاقات الدولية. وهذا ما يفسر بقاء نشر المحتوى الإعلامي متركزًا في أيدي فئة محددة تتحكَّم فيه وفقًا لحسابات دقيقة تسمح بالاستمرارية على الرغم من كثرة المخاطر. وعندما فتحت ثورة الإنترنت الأبواب واسعة أمام كافة الناس لكي يتواصلوا فيما بينهم متجاوزين حدود المكان والزمان، ومكَّنتهم خدماتها ومبتكراتها من فكِّ احتكار الممارسة الإعلامية، ظهر العديد من الإشكالات المهنية والأخلاقية التي لم تكن في الحسبان، مثل: الحاجة للرقابة على المحتوى في ظل التدفق الهائل وغير المسبوق للرسائل التواصلية، وسهولة التحريف والتزوير وصناعة المحتوى الكاذب، وصعوبة الجمع بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة بإتاحة حرية التعبير والحد منها في الوقت ذاته بكيفية انتقائية أو متحيِّزة.
لقد تصدَّر فيسبوك شبكات التواصل الاجتماعي باعتباره أكبر فضاءات الويب التي تضم مليارات من الناس المتواصلين فيما بينهم في شكل شبكات من الأصدقاء وأصحاب المصالح المشتركة، الذين ينشرون المعرفة ويتداولونها بكافة أنواع الوسائط التواصلية (النص والصورة والصوت والفيديو…) وفي كافة مستويات التواصل الإنساني (بدءًا بالذاتي وصولًا إلى الثقافي). بدأ فيسبوك كموقع ويب يقدم خدمة التعريف بالذات ومن ثم التعارف بين الأصدقاء، وأصبح رويدًا رويدًا يسمح بإدراج الوسائط والمحتوى الإعلامي، إلى أن تحوَّل إلى منصة إعلامية كاملة الصلاحيات من حيث إنتاج المحتوى الإعلامي ونشره على نطاق عالمي بكافة أنواع الوسائط. وهذا ما ألقى على عاتق إدارة هذا الموقع-الشبكة مسؤولية عظمى في حمايته وتحمُّل التبعات الأخلاقية والقانونية الناجمة عن النشر وما يصحبه من تجاوزات لأكثر من ملياري ناشر متزامن.
كل ذلك دفع إدارة فيسبوك، وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، إلى مراقبة المحتوى المنشور انطلاقًا من شروط النشر المحددة سلفًا، أو من الضغوط التي تمارسها حكومات الدول في إطار الحد من قدرة معارضيها على ممارسة التواصل الإعلامي بطريقة سهلة ومؤثرة يصعب مراقبتها والتحكم فيها، بحكم الطبيعة العالمية للنشر عبر شبكة الويب.
- الإطار المنهجي للدراسة
أ- إشكالية البحث
تكمن إشكالية هذا البحث في معضلة الجمع بين حرية التعبير التي تشكِّل قِوام التواصل الإعلامي الاحترافي، باعتبار أن وسائل الإعلام التقليدية الاحترافية قد تحسن استغلال هذه الحرية في البيئات الملائمة (الديمقراطية) بمصاحبة أخلاقيات المهنة، والاضطرار لمراقبة المحتوى الذي لا يخضع لانتقائية العمل الإعلامي التقليدي، مثلما يحدث عند شبكات التواصل الاجتماعي. وتتعمق الإشكالية عندما تأتي الرقابة من الضغوط الخارجية التي تمارسها بعض الحكومات على شبكات التواصل الاجتماعي، والتي تعتبر كل محتوى معارض لها يشكِّل إساءة لاستخدام حرية التعبير، بغضِّ النظر عن الأسس العادلة التي يستند إليها هذا المحتوى؛ الأمر الذي يجعل شبكات التواصل الاجتماعي تبدو في نظر الكثيرين منحرفة عن المبادئ الفلسفية التي قامت عليها، وفي مقدمتها تمكين الجماهير من ممارسة حرية التعبير من خلال فكِّ الاحتكار الذي ظلت تمارسه وسائل الإعلام التقليدية طيلة قرون مضت، قبل ظهور شبكة الويب وانتشارها في تسعينات القرن الماضي.
تتجلى هذه الإشكالية في المثال الصارخ الذي تُقدِّمه شبكة فيسبوك من خلال اضطرارها للقيام بالمراقبة بصفة دائمة للتخلص من المحتوى غير الملتزم بسياسة النشر التي وضعتها الشبكة، والاستجابة لشكاوى أعضاء الشبكة، وشكاوى الحكومات التي تثير جدلًا حول مدى انطلاقها من انتهاكات حرية التعبير أو من تعارضها مع سياسات تلك الحكومات وممارساتها.
وهنا يمكن طرح التساؤل الإشكالي الآتي: إلى أي مدى تستطيع شبكة فيسبوك، وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي، الاستمرار في توفير فضاء رحب لممارسة حرية التعبير من خلال نشر المحتوى الإعلامي، في ظل نزوع الحكومات للهيمنة على المحتوى الإعلامي الذي ترى فيه تهديدًا وجوديًّا يقتضي الضغط على هذه الشبكات من أجل سلبها قدراتها التواصلية التي جعلت منها أكبر الوسائل التواصلية والإعلامية على مرِّ التاريخ؟
ب- منهج البحث
نظرًا لأن تحوُّل شبكات التواصل الاجتماعي من كونها مجرد فضاء تواصلي يلتقي عبره المتواصلون قصد التعبير عن طبيعتهم الاجتماعية، إلى النهوض بأدوار المنصات التي تُمكِّن روادها من ممارسة التواصل الإعلامي، ولَّد مجموعة من الإشكالات المتعلقة بممارسة مهنة الإعلام، فإن هذا البحث سوف يعتمد على المنهج النوعي التفسيري في النظر في هذه الإشكالات وما نتج عنها من جدال واحتجاجات على المسِّ بحرية التعبير وبروز التحيُّزات السياسية.
ويقوم المنهج النوعي التفسيري على الفهم الذاتي للحقيقة، والاختلافات الجوهرية التي تجعل الظواهر متفردة ويصعب تعميمها. كما يعتمد على دور الباحث في تشكيل الحقيقة وقياسها، حيث يتطور البحث ويتعدَّل أثناء العملية البحثية؛ الأمر الذي قد يفضي إلى خلاصات نظرية هي نتاج التعمق في التحقيق والتفسير(1). وغالبًا ما يُنتج البحث النوعي كلمات وأفكارًا، مقارنة بالبحث الكمي الذي قد ينتج أرقامًا ومعلومات(2).
يستخدم المنهج النوعي طرائق متعددة لمقاربة الإشكاليات أبرزها الاستقراء التحليلي، والنظرية المؤسِّسة، وتحليل الخطاب، والتفكيك، وتحليل المحادثة، والتحليل المسرحي، والتحليل التأويلي، والتحليل ما بعد الحداثي، والتحليل السردي، والتحليل السيميولوجي، والتحليل البنيوي، والتحليل ما بعد البنيوي. وهناك من يورد 27 طريقة تشترك في انتمائها للتفسير والتأويل(3).
هكذا، فإن البحث سوف يسعى لتبيان الإشكالية التي وقعت فيها شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال التركيز على تجربة شبكة فيسبوك، والمتمثلة في اللجوء لرقابة المحتوى الإعلامي الذي ينشره مستخدمو هذه الشبكة، وما ينتج عن هذا النشر من ضغوط سياسية واقتصادية تضع هذه الشبكات بين مطرقة وسندان من يسعون للتمتع بحرية التعبير التي تكفلها المواثيق الدولية وبشَّرت بها ثورة الإنترنت، ومن يسعون للتضييق على حرية المعارضين السياسيين.
وعلى الرغم من أن البحث سيركِّز على الربط بين السياقات التي تشتغل فيها شبكات التواصل الاجتماعي وتحليل أمثلة من شبكة فيسبوك، إلا أنه لن يغفل بعض الحالات التي تعزز ما ورد في إشكالية البحث لتبيان أن الأمر قد لا يقتصر على فيسبوك بل هو أقرب إلى الظاهرة التي تعمُّ شبكات تواصل اجتماعي أخرى.
إن التحليل النوعي للمعطيات المتوفرة للباحث يتغيَّا تحديد الملامح العامة لظاهرة الممارسات الإعلامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي وما يرتبط بها من ظواهر جديدة على الوسط الإعلامي مثل تزييف الأخبار ودور التكنولوجيا الرقمية الشعبية في التماهي بين الخبر والإشاعة وبين الصحافي المحترف والصحافي المواطن. أي إن التحليل لا يتعاطى مع العينات المدروسة كحالات مخصوصة ومنعزلة، بل كمؤشرات دالَّة على توجهات أشمل تتداخل فيها عوامل كثيرة. ويظل الخيط الناظم للتحليل، هو الرقابة على المحتوى والتي تتمظهر بكيفية مباشرة وغير مباشرة من خلال سماتها التي عُرفت في الإعلام التقليدي، وسمات جديدة أتت بها الثورة الرقمية وخوارزمياتها المستندة إلى الذكاء الاصطناعي.
- السمات التواصلية لشبكات التواصل الاجتماعي
إن الفلسفة التي انطلقت منها شبكات التواصل الاجتماعي تتمثَّل في تحويل التواصل الاجتماعي الحقيقي الذي يتم ضمن المجتمعات البشرية في مختلف مستوياتها (بدءًا من الأسرة والأصدقاء والجيران والزملاء وصولًا إلى سكان المنطقة المخصوصة) إلى تواصل اجتماعي رقمي يتخطى الحدود الجغرافية ويتسم بالعالمية انطلاقًا من الخصائص التواصلية لشبكة الويب (الفورية والتفاعلية ودعم الوسائط المتعددة).
وقد بدأت شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي مشوارها كنافذة على الأصدقاء (مع ظهور شبكة فيسبوك في فبراير/شباط 2004) والمعارف تتسع لتشمل الآلاف في مختلف بقاع العالم، ويمكن التواصل معهم دون قيود وقتية. ثم تطور الأمر لتصبح هذه الشبكات فضاء للتعاون بين المتواصلين والتنسيق فيما بينهم من أجل تبادل المعرفة والقيام بمبادرات يستفيد منها المجتمع خارج حدود شبكة التواصل(4).
تختلف مواقع شبكات التواصل الاجتماعي عن غيرها من مواقع الويب في ثلاث سمات: أولًا: أن تجربة المستخدمين مع مواقع شبكات التواصل الاجتماعي موجَّهة نحو ربط الاتصال فيما بينهم؛ فكافة مواقع شبكات التواصل الاجتماعي تسمح للأفراد بإنشاء ملف شخصي، وتوضيح قائمة المستخدمين الآخرين الذين يشاركهم الاتصال (قائمة الأصدقاء)، واستعراض وتجاوز قائمة الاتصال الخاصة بهم إلى قوائم الآخرين. ثانيًا: تسمح شبكات التواصل الاجتماعي لمستخدميها بتبادل الرسائل التواصلية ومشاركة المحتوى الرقمي والتعليق عليها. ثالثًا: شبكات التواصل الاجتماعي التي تركز على العلاقات بين المستخدمين -مثل فيسبوك- تدعم العلاقات الاجتماعية في العالم الحقيقي الموجودة مسبقًا؛ الأمر الذي يجعلها داعمًا للحياة الاجتماعية وتوسيعًا لنطاقها(5).
ومنذ أن انتشرت تقنية الجيل الثاني من شبكة الويب (Web 2.0)، في عام 2004، والتي غيَّرت الطريقة التي يتم بها توليد محتوى موقع الويب وأضفت عليه ديناميكية، استطاعت شبكات التواصل الاجتماعي أن تتيح لمستخدميها إمكانية الاتصال فيما بينهم وإنتاج المحتوى ومشاركته مباشرة(6)، عبر التعليق والتفاعل والتمرير والتنزيل والنسخ والمشاركة. وتؤدي مشاركة المحتوى إلى زيادة المهارات التواصلية للمستخدمين، خاصة أولئك الممارسين للتواصل التعليمي (معلمين ومتعلمين)(7)، كما أن شبكات التواصل الاجتماعي تتيح للمستخدمين مجموعة من الإمكانيات غير المتوفرة في شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية، مثل: البحث عن المحتوى عبر الشبكة المعنية أو عبر شبكة الويب(8).
كما تتيح شبكات التواصل الاجتماعي للمستخدمين إمكانية مراجعة المحتوى وتنقيته قبل النشر؛ الأمر الذي يجعلهم يمارسون قدرًا من الرقابة الذاتية تفاديًا للتبعات غير المرغوبة، وخاصة ما يسميه البعض بـ”رقابة الدقيقة الأخيرة” والتي لا تؤثر كثيرًا على المعلومات والأفكار الواردة في المحتوى، ولكنها تُجنِّب المستخدم الوقوع في الأخطاء البسيطة التي قد تفسد العمل، إذا انتفت إمكانية التراجع بعد النشر(9).
استفادت شبكات التواصل الاجتماعي من أهم خصائص الويب، ألا وهي دعم الوسائط المتعددة، في تشجيع المستخدمين على إنتاج المحتوى بكيفية سهلة وسريعة تتسم بالفعالية والملاءمة لعادات التلقي المعاصرة. فباستخدام تطبيقات مثل “ستوريفاي” (Storify) (توقف في 16 مايو/أيار 2018 وأصبح البديل Storify 2) يستطيع المستخدِم أن ينتج محتوى قائمًا على السرد القصصي، يحتوي العديد من عناصر الوسائط المتعددة المبذولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي(10).
هناك من يُجْمِل خصائص شبكات التواصل الاجتماعي -انطلاقًا من التكنولوجيا المستخدمة فيها- في أربع خصائص:
– أولًا: الدمج: ويتمثَّل في دمج مئات الملايين من شتات المستخدمين المتواصلين فيما بينهم وهم يتبادلون المعلومات ضمن منصة واحدة.
– ثانيًا: فعالية الوقت: وتتم من خلال الإلقاء والتلقي الفوري للبيانات والمعلومات، وهذا يجعل شبكات التواصل الاجتماعي جاذبة للمستخدمين.
– ثالثًا: قلة الجهد: حيث يبذل مستخدم شبكات التواصل الاجتماعي أقل جهد ممكن في التواصل عبرها والحصول على المعلومات، لأنها لا تحتاج إلى مهارات خاصة أو تدريب احترافي، فضلًا عن كون الاشتراك فيها مجانيًّا.
– رابعًا: الترتيب: تتسم شبكات التواصل الاجتماعي بالانفتاح والديناميكية بفضل تقنية الويب (2.0)، التي تساعد في ترتيب المحتوى تجنبًا للفوضى التي قد تحدث من جرَّاء إلقاء كمٍّ هائل من الرسائل التواصلية من لدن ملايين المستخدمين(11).
- سياسات الشبكات الاجتماعية في الرقابة على المحتوى
رأينا في السمات التواصلية لشبكات التواصل الاجتماعي الرقمي، كيف أنها تتيح للمستخدمين إمكانية إضافة المحتوى وتبادله وتنزيله. وهذه سمة أصيلة، لأن هذه الشبكات لا تقوم على إنتاج المحتوى وتقديمه للمتلقين مثلما تفعل مواقع الويب الأخرى، لذا لابد لها من وضع سياسة عامة توجه عمليات النشر بحيث توازن بين حرية التعبير والحفاظ على حقوق الآخرين. وقد أصبح معلومًا أن من أبرز خصائص مواقع الويب، إتاحة التفاعلية للمتواصلين وتمكينهم من أدواتها، لدرجة أصبحت معها هذه التفاعلية أحد معايير فعالية موقع الويب وجودته وحيويته. والتفاعلية تتحقق من خلال إلقاء المتلقي-المستخدم-الزائر للرسائل التواصلية التي تعبِّر عن وجهة نظره أو شعوره، أو تلك التي تُثْرِي المحتوى.
ولم تكتف شبكات التواصل الاجتماعي التي تشجِّع المستخدمين على ممارسة التواصل الإعلامي بتقديم سياساتها التي تنظم عملية نشر المحتوى، بل خطت خطوات متقدمة في الرقابة على المحتوى بعد أن يتم نشره، على الرغم من صعوبة القيام بهذه الرقابة في ظل وجود مئات الملايين من المستخدمين المتواصلين بكيفية متزامنة وبالغة التشعُّب، مثلما يحدث في شبكة فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها.
1.3. ملامح سياسات الرقابة على المحتوى
على الرغم من أن شبكات التواصل الاجتماعي البارزة قد التزمت بأن تكون منفتحة وشفافة في مجال تبادل المعلومات وتمكين الناس من التداول الحر لجعل العالم أكثر انفتاحًا واتصالًا(12)، فإنها على صعيد التطبيق تمارس قدرًا من الرقابة الداخلية والرقابة الخارجية التي تفرضها عليها مصالحها التجارية، والتي قد تأخذ طابعًا سياسيًّا(13).
ومن بين الأمور التي دعت شبكات التواصل الاجتماعي لوضع سياسات لفرض رقابة على المحتوى، استغلال بعض المتطرفين لهذه الفضاءات في ممارسة أنشطتهم ونشر أفكارهم التي قد تشكِّل خطرًا على المجتمعات. ولكن الإشكال يكمن في أن تعريف شبكات التواصل الاجتماعي للتطرف غامض وفضفاض، مما أتاح للفاعلين السياسيين والمتحكمين في المحتوى أن يقرروا -وفقًا لرؤيتهم الخاصة- ما يمكن تصنيفه كمحتوى متطرف فيُحذف، وما يمكن تصنيفه كمحتوى معتدل فيُترك(14).
وهناك خطاب الكراهية الذي تسعى جل شبكات التواصل الاجتماعي للحيلولة دون انتشاره عبر منصاتها. إن السبب الرئيس لحظر شبكات التواصل الاجتماعي لخطاب الكراهية هو الضرر النفسي الذي يُلحقه هذا المحتوى بضحاياه؛ فقد وجد أحد المنظِّرين في مجال العِرق أن خطاب الكراهية يجعل أعضاء المجموعة المُسْتَهْدَفَة يميلون إلى استيعاب الرسالة والتوصُّل إلى الإيمان بنقصهم، وهذا يعتبر التأثير الأكثر ضررًا لخطاب الكراهية، فضلًا عن أن الاستمرار في نشر خطاب الكراهية قد يؤدي إلى تأثير سلبي على الأقليات والنساء والمجموعات الأخرى المُسْتَهْدَفَة(15).
إن الأدوات التي تستخدمها شبكات التواصل الاجتماعي في الرقابة على المحتوى تتسم بالتنوع والديناميكية -حالها حال شبكات التواصل الاجتماعي ذاتها- وتشمل أربع مجموعات: البحث عن الكلمات (التي تم تصنيفها مسبقًا)؛ وتحليل الموضوعات والميول العاطفية، وتحليل أنماط الانتشار، والجمع بين الأساليب الثلاثة(16).
لقد أصبحت ممارسات الرقابة على المحتوى عبر شبكات التواصل الاجتماعي أمرًا واقعًا؛ مما دفع إلى ظهور الرقابة الذاتية التي يقوم بها مستخدمو الشبكات تجنبًا للإشكالات التي تترتب على الاستخدام السيء للمحتوى من قَبِيل تزويره أو سوء تأويله. ودفع هذا التوجه إلى إيجاد برمجيات تساعد المستخدمين على تتبع محتواهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، من شاكلة “يوتراك” (uTrack) الذي يقوم بتجميع المحتوى الذي ألقاه المستخدم في كافة شبكات التواصل الاجتماعي ويتتبع مآلاته(17).
ومعلوم أن شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها شبكة فيسبوك، تتيح للمستخدم مجموعة من الأدوات والإجراءات التي تساعده على القيام بالرقابة الذاتية على المحتوى الذي ينشره، وما يُنشر في فضائه من لدن أفراد شبكته (أصدقائه). ومن أبرز طرق الرقابة الذاتية: اختيار المشاركة أو عدم المشاركة مع الآخرين؛ وحظر المستخدمين من مشاهدة المحتوى(18).
إن الأثر الأكبر لرقابة المحتوى عبر شبكات التواصل الاجتماعي يلحق بالصحافيين الذين تأقلموا سريعًا مع الإمكانيات الكبيرة لممارسة التواصل الإعلامي عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ الأمر الذي دفع منظمة “مراسلون بلا حدود” -في إطار جهودها لمكافحة الرقابة الرقمية- لكي تطالب هذه الشبكات بما يلي:
– نشر تقاريرها المتعلقة بالشفافية متضمنة الطلبات التي تتلقاها من الحكومات من أجل حذف المحتوى أو حذف حسابات بعض المستخدمين.
– احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
– اعتماد قواعد الأخلاق وآليات التتبع الفعَّالة للتكنولوجيا التي يستخدمها الصحافيون.
– حظر تصدير تكنولوجيا المراقبة إلى الدول الاستبدادية.
– تطبيق مبادئ “العقود المسؤولة”، والتي بموجبها تتحمَّل الشركات مسؤولية جزئية عن انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة التي قد تنجم عن التقنية التي تستخدمها أو تنتجها(19).
وفي تقريرها لعام 2019 حول الرقابة الرقمية -والذي يحمل عنوان “من الذي يحمي ظهرك” (Who Has Your Back)- تناولت مؤسسة الحدود الإلكترونية (EFF) (وهي منظمة تُعنى بالدفاع عن الحريات المدنية في العالم الرقمي) سياسات الرقابة على المحتوى التي تضعها شبكات التواصل الاجتماعي بسبب الضغوط الحكومية الهائلة. وتنقسم هذه السياسات إلى ست فئات:
– الشفافية في الإبلاغ عن طلبات الإزالة الحكومية بناء على أسس قانونية.
– الشفافية في الإبلاغ عن طلبات الإزالة الحكومية التي تزعم حدوث انتهاكات لسياسة الشبكة.
– تقديم إشعار ملائم للمستخدِمين عند نشرهم محتوى يستحق الحذف أو يؤدي إلى تعليق الحساب.
– تمكين المستخدمين من استئناف قرار الحذف أو التعليق.
– الشفافية فيما يتعلق بعدد الاستئنافات.
– الدعم العام لمبادئ سانتا كلارا الخاصة بالحد الأدنى للشفافية والمحاسبة(20).
2.3. سياسات الرقابة على المحتوى في فيسبوك
حرصت شبكة فيسبوك على وضع سياسة تواصلية مفصَّلة لضبط المحتوى المنشور من لدن المستخدِمين، بعد أن تطورت العمليات التواصلية بينهم من ممارسة التواصل الاجتماعي (كالتعارف وتبادل التحايا والتعبير عن عمق العلاقات والمؤازرة، وغيرها) إلى ممارسة التواصل الإعلامي (عبر نشر الأخبار ومختلف أجناس تقديم المحتوى الإعلامي: كالمقابلة والتقرير والتحقيق والاستطلاع والعمود ومقال الرأي…)، خاصة انطلاقًا من عام 2013 عندما مكَّنت المستخدمين من تحويل صفحاتهم إلى منصات إعلامية مصغَّرة ينشرون عبرها محتواهم الإعلامي أو محتوى غيرهم عبر اللصق أو المشاركة.
لقد أسمت فيسبوك هذه السياسة “معايير المجتمع”، وضمَّنتها ستة أقسام، هي: “العنف والسلوك الإجرامي”، و”السلامة”، و”المحتوى محل الاعتراض”، والنزاهة والمصداقية”، و”احترام الملكية الفكرية”، و”الطلبات ذات الصلة بالمحتوى”(21). ويشتمل كل قسم على نقاط تفصيلية تتناول كيفية التعاطي مع بعض القضايا، والمواضيع والخطابات المحظورة، وحقوق الملكية الفكرية، وأخلاقيات النشر الأخرى (من ضمنها الموضوعية).
وتعترض شبكة فيسبوك على نشر خمسة أنواع من المحتوى: “الخطاب الذي يحض على الكراهية”، و”المحتوى العنيف أو الصادم”، و”العُري والنشاط الجنسي للبالغين”، و”الإغواء الجنسي”، و”القسوة وعدم مراعاة مشاعر الآخرين”(22).
من أبرز النقاط التي تم التعرض لها في معايير مجتمع الفيسبوك، والتي تندرج ضمن قسم المحتوى محل الاعتراض، “الخطاب الذي يحض على الكراهية”. ولا شك أن الحديث عن خطاب الكراهية يثير العديد من الإشكالات السياسية والفلسفية، عندما يصبح بالإمكان اعتبار رد العدوان أو الانتقاد أو الدفاع عن الهوية والثقافة أو التعبير عن الغضب الناتج عن الظلم، ضربًا من ضروب خطاب الكراهية عند الطرف الآخر المتلقي لهذا الخطاب.
ويعرِّف فيسبوك الخطاب الذي يحض على الكراهية بهجوم مباشر “على الأشخاص على أساس ما نطلق عليه السمات المحمية: العرق والسلالة والأصل القومي والانتماء الديني والتوجُّه الجنسي والطبقة الاجتماعية والجنس والنوع والهوية الجنسية والأمراض أو الإعاقات الخطيرة. كما نوفِّر أيضًا بعض أشكال الحماية على أساس حالة الهجرة. ونقوم بتعريف الهجوم كخطاب يحض على العنف أو الازدراء، أو ينطوي على عبارات دونية أو دعوات للإقصاء أو التمييز”(23).
وعلى الرغم من أن التفاصيل الواردة في حظر الخطاب الذي يحض على الكراهية، تشير إلى تهذيب ما يتداوله المستخدمون الأفراد فيما بينهم، إلا أنه يسهل استخدامها استخدامًا سياسيًّا من لدن الحكومات والكيانات السياسية للتبليغ عن أي انتقاد أو رأي معارض باعتباره حاضًّا على الكراهية؛ الأمر الذي يُدْخِل إدارة فيسبوك في تحديات ويجعلها تواجه بعض الاتهامات بممارسة الرقابة التي تحدُّ من حرية التعبير تحت ضغوط جهات سياسية نافذة.
فقد بيَّن ريتشارد ألان (Richard Allan)، نائب رئيس فيسبوك لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، في مقال بعنوان: “الأسئلة الصعبة: من يقرر ماهية خطاب الكراهية في مجتمع شبكي عالمي؟” أنه بالرغم من تعريفهم لخطاب الكراهية في ارتباطه بما يسمونه مهاجمة السمات المحمية للناس، إلا أنه لا توجد إجابة متفق عليها عالميًّا ما إذا كان خطاب ما قد هاجم هذه السمات، لوجود خيط رفيع يفصل بين المقبول وغير المقبول يجعل الأمر نسبيًّا. وهذا يدفعهم إلى النظر في السياق، والأخذ بنوايا الناشرين المعلنة، والتراجع عن الأخطاء التي يتم ارتكابها عن غير قصد(24).
- خلفيات الرقابة على المحتوى: دراسة حالة للمحتوى الفلسطيني
رأينا سابقًا كيف أن شبكات التواصل الاجتماعي، تجنح إلى رقابة المحتوى الذي ينشره المستخدمون، بحجة الحفاظ على أخلاقيات التواصل الإنساني الرقمي في فضاءات مفتوحة لكافة الناس، مثل: تجنب إيذاء الآخرين ومحاربة خطاب الكراهية، ومحاربة التنميط، ومحاربة الاعتداء على الملكية الفكرية. لكن النظر في خلفيات بعض الحالات الرقابية مصحوبة بسياقاتها السياسية والصراعية الممتدة، يقود إلى فعل شبيه بما تفعله بعض وسائل التواصل الإعلامي التي تنطلق من سياساتها التحريرية وأجندتها الخاصة التي تضعها جهات تتحكَّم فيها تمويليًّا وأيديولوجيًّا.
وإذا نظرنا في محتوى إشكالي مثل المحتوى الفلسطيني عبر شبكات التواصل الاجتماعي بصفة عامة، وشبكة فيسبوك بصفة خاصة، نجد أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي الذي يختزل الصراع العربي-الإسرائيلي الشامل ماثل وراء قرارات الرقابة على المحتوى الفلسطيني، طالما أن معايير التواصل المعتمدة تتيح للطرف الآخر أن يستغل ما ورد ضمن الخطاب الذي يحض على الكراهية ويُفَسِّرُه من وجهة نظره مطالبًا بتطبيق اللوائح على هذا المحتوى سواء بالحذف أو إيقاف النشر.
إن تعرُّض المحتوى الفلسطيني، عبر شبكة فيسبوك، للرقابة يلفت النظر إلى الخلفية السياسية التي تنطلق منها إدارة فيسبوك في تكييف قراراتها بحذف ذلك المحتوى أو حظر النشر من الحساب المعني؛ الأمر الذي يجعل المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان وحرية التعبير تنتقد ممارسات شبكة فيسبوك وتضعها أمام مسؤولية ضرورة عدم انتهاك حرية التعبير طالما أنها ارتضت تمكين مستخدميها من النشر، الأمر الذي يجعلها أكبر فضاء رقمي لممارسة التواصل الإعلامي.
فقد انتقدت مؤسسة سكاي لاين الدولية (ومقرها في ستوكهولم) شبكة فيسبوك، لأنها قامت بحذف بعض المحتوى الفلسطيني وحظرت مجموعة من الصفحات، وقامت بتهديد بعض المواقع الإعلامية الفلسطينية عبر الشبكة بحذف المحتوى والمنع من النشر، من بينها صفحة “قدس نيوز” (Quds News) و”جبهة العمل الطلابي التقدمية” (Taqadomi) وبوابة “الهدف الإخبارية” (Al-Hadaf News)(25).
صورة رقم (1) تبيِّن حظر فيسبوك لصفحة قدس نيوز(26)
صورة (رقم 2) توضح حظر فيسبوك لبوابة الهدف الإخبارية(27)
وقد رصدت “صدى سوشيال”، وهي “مبادرة شبابية فلسطينية انطلقت من الحاجة للتعامل مع إدارات مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لإنصاف المحتوى الفلسطيني الذي يتعرض لانتهاكات عديدة من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي وبمساعدة محتملة من إدارة منصات التواصل الاجتماعي”(28)، رصدت مجموعة من الانتهاكات التي تقوم بها شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها شبكة فيسبوك، من خلال تقاريرها الشهرية.
ونلاحظ من خلال رصد صدى سوشيال لانتهاكات شبكات التواصل الاجتماعي للمحتوى الفلسطيني، أن شبكة فيسبوك تتصدر هذه الشبكات بانتهاكاتها (انظر الجدول رقم (1) أدناه) التي تتمثل في حذف الصفحات والحسابات الشخصية والحظر المؤقت وحذف المنشورات.
الجدول رقم (1) يرصد انتهاكات شبكات التواصل الاجتماعي للمحتوى الفلسطيني(29)
المجموع | عدد انتهاكات الشبكات الأخرى | عدد انتهاكات فيسبوك | الفترة الزمنية | م |
10 | – | 10 | أغسطس/آب 2018 | 1 |
20 | – | 20 | سبتمبر/أيلول 2018 | 2 |
16 | 10 | 6 | أكتوبر/تشرين الأول 2018 | 3 |
41 | تم انتهاك أغلب المحتوى | نوفمبر/تشرين الثاني 2018 | 4 | |
37 | ديسمبر/كانون الأول 2018 | 5 | ||
50 | 3 | 47 | فبراير/شباط ومارس/آذار 2019 | 6 |
24 | أبريل/نيسان 2019 | 7 | ||
30 | تم انتهاك أغلب المحتوى | يونيو/حزيران 2019 | 8 | |
23 | 2 | 21 | يوليو/تموز 2019 | 9 |
17 | 2 | 15 | أغسطس/آب 2019 | 10 |
وبيَّنت صدى سوشيال في تقريرها السنوي لعام 2018 أن شبكة فيسبوك حذفت 83 حسابًا فلسطينيًّا بينها 26 حسابًا لمؤسسة إعلامية؛ وحظرت 14 حسابًا فلسطينيًّا(30).
عند النظر في خلفيات الرقابة التي تفرضها شبكة فيسبوك على المحتوى الفلسطيني، يجد الباحث الضغوط التي تتعرض لها الشبكة من الجانب الآخر الإسرائيلي، بما يشكِّله من ثقل يتمثَّل في الدعم الكبير الذي تقدمه الإدارة الأميركية لإسرائيل، ونفوذ هذه الأخيرة في أميركا والغرب بسبب فعالية جماعات الضغط.
ومن أمثلة الضغوط التي تمارَس على فيسبوك، تصريح جلعاد إردان، وزير الأمن العام، في 14 يوليو/تموز 2016، الذي وصف فيه فيسبوك بأنه “مسخ”، لأنه أصبح المنصة المفضلة للفلسطينيين للتنديد بالسياسة الإسرائيلية والتعبير عن نيتهم مهاجمة الإسرائيليين. وجاء هذا التصريح إثر كتابة محمد طرايرة في صفحته عبر فيسبوك: “الموت حق وأنا أطالب بحقي”(31). ولم يقتصر الضغط على التصريح واللوم، بل تعداه إلى إيداع إردان ووزيرة العدل، إيليت شاكيد، لمشروع قانون في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) من شأنه أن يمكِّن المحاكم من إجبار فيسبوك على إزالة المحتوى الذي يعتبر عنيفًا. وتعزيزًا للمسعى ذاته، رفعت شركة محاماة إسرائيلية دعوى ضد فيسبوك في محكمة أميركية(32).
ومن ثمرات الضغوط الإسرائيلية على شبكة فيسبوك، الاتفاق الذي أبرمته فيسبوك مع الحكومة الإسرائيلية على التعاون من أجل التصدي للتحريض عبر الشبكة، وهذا مربوط بالمساعي الإسرائيلية التشريعية لإرغام الشبكة على التصدي للمحتوى الذي ترى إسرائيل أنه يحرض على العنف. ولا شك أن الجهود الرقابية المشتركة بين إسرائيل وفيسبوك تستهدف في المقام الأول الفلسطينيين وبقية العرب والمسلمين(33).
إن الحديث عن المحتوى الفلسطيني عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وما يتعرض له من رقابة، يحيلنا إلى خصوصية هذا المحتوى، حيث إن المحتوى المُلْقَى عبر شبكات التواصل الاجتماعي عادة ما يُنْسَب إلى أفراد أو مؤسسات، ونادرًا ما يُنْسَب إلى أُمَّة أو شعب أو دولة أو مجتمع ما؛ ذلك أن الرقابة على المحتوى الذي ينشره أفراد أو مؤسسات تنتمي إلى فلسطين، تستدعي الصراع الطويل الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بسبب احتلال أرضه ونضاله من أجل استعادة هذه الأرض. وفي سياق هذا الصراع مع إسرائيل، تتسرب الخلفيات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تجعل المحتوى الفلسطيني محتوى إشكاليًّا بغضِّ النظر عن انتهاكه لسياسات النشر التي تضعها شبكات التواصل الاجتماعي، طالما أنه يهاجم إسرائيل التي تتمدد في الإعلام العالمي وكافة العوالم الرقمية.
وبالرغم من الجهود التي تبذلها شبكة فيسبوك -باعتبارها كبرى شبكات التواصل الاجتماعي- من أجل مراقبة المحتوى الذي يخالف سياستها التي تسميها معايير المجتمع، إلا أنها تفشل في معاملة المحتوى الفلسطيني في إطار خصوصيته النضالية وقضيته العادلة التي تعترف بها الأمم. فالمحتوى الفلسطيني الذي ينتقد الممارسات والسياسات الإسرائيلية، لا يمكن تصنيفه باعتباره محتوى يبث خطاب الكراهية في مقابل أفعال إسرائيلية على الأرض تتجاوز إلى ما هو أبعد من الكراهية، وأي محتوى يُنشر من لدن فلسطيني ويتم حذفه أو إيقاف الحساب الذي ظهر عبره، يبدو للمراقب دعمًا لإسرائيل من قِبَل إدارة شبكة فيسبوك، لتطفو على السطح قضية تضييق هذه الشبكة على حرية التعبير حتى وإن قدمت الدليل على انتهاك معايير النشر لديها؛ ذلك أن هذه الشبكة، وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي، انساقت وراء الهيمنة الاقتصادية (والسياسية الخفية) فلم تكتف بالتواصل الاجتماعي، لتدخل فضاءات التواصل الإعلامي الرحبة من أوسع الأبواب.
- علاقة الرقابة بالمصالح الاقتصادية والسياسية لشبكات التواصل الاجتماعي
قامت شبكات التواصل الاجتماعي بصفة عامة وشبكة فيسبوك بصفة خاصة، بدور رئيس في الاحتجاجات التي عمَّت بعض البلدان العربية، والتي عُرفت بثورات الربيع العربي. فقد استخدم المحتجون فيسبوك من أجل الحشد للمظاهرات والاعتصامات في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا خلال عام 2011(34).
هذا الدور الذي يجعل شبكات التواصل الاجتماعي تنزاح من طبيعتها التواصلية لتصبح أداة فعل سياسي لها آثار اقتصادية، يقودنا إلى البحث في العلاقات المتداخلة التي تنجم عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق قُطري ونطاق عولمي حيث يتفاعل الناس، في مختلف بقاع المعمورة، مع الأحداث عندما تمكِّنهم البنية التواصلية لهذه الشبكات من التنسيق والحشد والدعم والتشكيل السريع للرأي العام.
هكذا تجد فيسبوك -أكبر شبكات التواصل الاجتماعي- نفسها في مأزق الموازنة بين مصالحها التجارية التي تقتضي نشر المحتوى الذي يحظى بأعلى نسبة مشاهدة وتداول ليجذب الإعلانات التجارية التي تمثِّل الدخل الرئيس للشبكة، ومصالحها السياسية التي تقتضي إرضاء الحكومات القُطرية من خلال رقابة المحتوى غير المرغوب فيه من خلال تطويع معايير المجتمع لتنطبق عليه، وتضطر لتعيين آلاف المراقبين الذين يعملون على مدار الساعة، أي إنها أصبحت بين مطرقة كونها فضاء رحبًا للاستخدام التواصلي العام، ومنصة لترويج الإعلانات التجارية(35).
لقد حققت شركة فيسبوك ربحًا صافيًّا، عام 2018، تجاوز 22 مليار دولار(36)، من خلال مجتمع تواصلي يشكِّل أكثر من خمس سكان العالم الذين ينشرون مليارات المداخلات يوميًّا، تضطر لمراقبتهم من خلال توظيف حوالي 15 ألف مراقب ينظرون في محتوى تمَّ تقديمه عبر حوالي 100 لغة. فكيف لها أن تجمع بين التوسع في استقطاب مزيد من المستخدمين فتزداد أرباحها، والتضييق عليهم من خلال الرقابة؟(37). كما يبرز التساؤل حول مدى علاقة الرقابة على المحتوى بالسعي لتطبيق معايير المجتمع التي وضعتها فيسبوك كدليل يسترشد به مراقبوها، والأجندة الاقتصادية والسياسية التي تُفرض من الداخل والخارج. فعلى سبيل المثال، قد تلجأ فيسبوك إلى حذف المحتوى الذي يضر بمصالحها الاقتصادية من حيث الإعلانات والعلاقات التجارية والاستثمارية مع جهات نافذة، أو الخضوع لضغوط من أنظمة حكم قمعية ترى أن المحتوى المنشور عبر فيسبوك ذو تبعات سلبية على أجندتها السياسية(38). وتبيِّن بعض الإحصائيات أن المحتوى السياسي الذي تمَّ حذفه من لدن مراقبي فيسبوك خلال سنوات 2015 و2016 و2017 بلغ 15% و32% و48% على التوالي(39)، في تصاعد واضح كمؤشر على الضغوط التي تواجهها الشبكة على المستوى السياسي.
وثمة دليل واضح على خضوع فيسبوك لضغوط تطبيق الرقابة على المحتوى لأسباب سياسية-اقتصادية؛ إذ كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أن فيسبوك طوَّرت بكيفية سرية برمجية تعمل على حجب محتوى مخصوص من الظهور ضمن حيز جغرافي معلوم إرضاء لمعايير الرقابة التي تفرضها السلطات الصينية. وهَدَفَ هذا التطوير لمساعدة شبكة فيسبوك على العودة إلى السوق الصينية، وقد تمَّ طردها منها قبل سبع سنوات أثناء اضطرابات أقلية الإيغور الصينية التي استخدمت فيسبوك لنشر المعلومات الخاصة بقمع الاحتجاجات(40).
ويمكن النظر في علاقة الرقابة على المحتوى بالمصالح الاقتصادية والسياسية لشبكة فيسبوك (وغيرها من شبكات التواصل الاجتماعي)، من خلال بيئة العمل التي يتم توفيرها لمراقبي المحتوى؛ الأمر الذي ينعكس على أدائهم الرقابي وهم يتعرضون لسيل عارم من المحتوى الذي يحتاج إلى تقييمه والحكم عليه بسرعة حتى تكون الرقابة فاعلة. ففي تحقيق لموقع “ذا فيرج” (The Verge) حول الحياة السرية لمراقبي فيسبوك بعنوان: “الصدمة” كشف أن متوسط الدخل السنوي لمراقبي المحتوى يعادل 12% فقط من متوسط بقية موظفي فيسبوك؛ وقد يتعرض المراقبون للفصل من العمل بمجرد ارتكابهم بعض الأخطاء خلال الأسبوع؛ وتبيَّن أن بعض المراقبين يتعاطون المخدرات للتخفيف من صدمة التلقي الدائم للمحتوى الصادم والمؤلم؛ وقد يعاني بعض المراقبين من آثار اضطرابات ما بعد الصدمة في غياب الدعم النفسي اللازم من لدن فيسبوك، كما أن كثرة مشاهدة المحتوى الصادم قد تؤدي إلى تبنِّي المراقبين لبعض الأفكار التي ترد فيه(41).
ففي مثل هذه البيئة يصعب الحفاظ على معايير المجتمع التي وضعتها فيسبوك كدليل استرشادي لممارسة الرقابة على المحتوى، في الوقت الذي يعمل فيه المراقبون ضمن ظروف غير مواتية، وربما لا تتوفر فيهم شروط الكفاءة اللازمة لاتخاذ قرارات صائبة عند تقييمهم لمحتوى قد يحتاج إلى التعمُّق في فهمه قبل الحكم عليه سلبًا أو إيجابًا.
- الإشكاليات الأخلاقية للرقابة على المحتوى
يستشكل الحديث عن التواصل الإنساني عندما يرتقي إلى المستوى الإعلامي حيث تصطدم حرية التعبير بعقبة التعدي على الآخرين، وتبرز المسؤولية تجاه هذا الآخر؛ ذلك أن التواصل الإعلامي قد راكم مجموعة من القواعد الأخلاقية خلال قرون من الممارسة شهدت فيها المؤسسات الإعلامية تحديات تجسدت في التضييق على حرية التعبير، مرورًا بالحرية التامة بعد زوال الأنظمة الاستبدادية التي كانت تحكم معظم البلدان الأوروبية، وصولًا إلى تحمل المسؤولية الاجتماعية التي جعلت الإعلام يبدو كسلطة رابعة في الأنظمة الديمقراطية.
إن الرقابة على المحتوى التي أصبحت واقعًا عندما بدأت شبكات التواصل الاجتماعي تزوِّد مستخدميها بأدوات النشر الإعلامي، تطرح مجموعة من الإشكاليات الناتجة عن البنية التواصلية لهذه الشبكات، والفلسفة التواصلية التي تتبناها، والعلاقات التي تربطها بالفاعلين على الصعيدين السياسي والاقتصادي ضمن الإطار المكاني (الدولي والعولمي). فحرية التعبير المفتوحة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تطرح سؤال المسؤولية عندما تصبح هذه الحرية انتهاكًا لحقوق الآخرين. وفي المقابل، تبدو المعايير الضابطة لممارسات حرية التعبير وسيلة للاعتداء على حرية التعبير بسبب صعوبة التطبيق أو سوئه(42).
لقد جلب إقدام شبكات التواصل الاجتماعي على تمكين مستخدميها من ممارسة التواصل الإعلامي، الكثير من الإشكالات الأخلاقية التي كانت وسائل الإعلام التقليدية تتفاداها، مثل انتشار الأخبار الزائفة التي كادت تصبح سمة من سمات شبكات التواصل الاجتماعي بعد أن أصبحت صناعة هذه الأخبار في غاية الإتقان بفضل تطور التكنولوجيا الرقمية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها شبكة فيسبوك (التي تضع محاربة الأخبار الزائفة ضمن معاييرها) من خلال معاقبة الصفحات التي تتداول الأخبار الزائفة بتقليص قدرتها على النشر، وإضعاف قدرتها على تحقيق الأرباح(43)، بالإضافة إلى تقليص العناوين التي تُستخدم كطعوم لاصطياد المتلقين(44)، على الرغم من ذلك تظل الأخبار الزائفة كثيرة الانتشار ويصعب تحديدها مسبقًا، وهي غالبًا ما تحقق أهدافها سواء تم تقديمها لاختبار ردود أفعال المتلقين أو لتضليلهم.
من ناحية أخرى، ثمة ميل نحو استيراد أخلاقيات الإعلام التي ترسَّخت بين ممارسي الإعلام التقليدي إلى بيئة الإعلام الجديد بصفة عامة، وشبكات التواصل الاجتماعي بصفة خاصة، كالأمانة والشفافية وصولًا إلى شكل من أشكال الرقابة الذاتية. ويمكن لهذه الرقابة الذاتية أن تُعزِّز أخلاقيات النشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي انطلاقًا من بعض الخصائص التواصلية المتمثلة في الرغبة في الحفاظ على السمعة الطيبة؛ وتمكين بيئة التواصل الاجتماعي الرقمي للمتواصلين من خلال إبراز قدراتهم المعرفية بغضِّ النظر عن خصائصهم الشخصية التي قد تكون أكثر حضورًا في حالات التواصل الثنائي المباشر، وتوافر الحس الأخلاقي العالي لدى لبعض المتواصلين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والذي يدفعهم للتبليغ عن المحتوى غير الأخلاقي أو تصويب الأخطاء، فضلًا عن التركيز المتزايد على الشفافية حيث يدفع المتواصلون بعضهم بعضًا للتصريح عن المصادر التي جلبوا منها المحتوى أو استقوه منها(45). وقد أوضحت دراسة إثنوغرافية حول الرقابة الذاتية في الفضاء الرقمي العام، أنه من الأسباب التي تدفع المستخدمين للقيام بالرقابة الذاتية: تخوفهم من التعرُّض للنقد، وتحسين صورتهم الذهنية، والحفاظ على وظائفهم، وتفادي الرقابة الحكومية، والخوف من التعرُّض للتهديد والعنف(46).
تقع على عاتق شبكات التواصل الاجتماعي مسؤوليات كبيرة طالما ارتضت لنفسها توفير بيئة نشر لمئات الملايين من المستخدمين الذين يتداولون بياناتهم الخاصة والمعلومات والأخبار وشتى أنواع المحتوى الإعلامي. فهي مطالبة بتجنب سوء استخدام الإعلانات التجارية، وحماية البيانات الشخصية للمستخدمين، وتوفير الثقة والأمان لكل مستخدم، وعليها تضمين خوارزمياتها التي تراقب المحتوى مبادئ الشفافية، وأن تعطي الأولوية للتنوع والجدارة بالثقة(47).
ويطرح البحث في أخلاقيات التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي مجموعة من المجالات الرئيسة، والتي يمكن إجمالها في الآتي:
– الخاص في مقابل العام: أي: هل فضاء شبكة التواصل الاجتماعي خاص (يحتمل البيانات والمعلومات الشخصية) أم عام (يحقُّ فيه للجميع الاطلاع على المحتوى)؟
– الموافقة المسبقة: إذ تطلب شبكات التواصل الاجتماعي من المستخدمين الموافقة المسبقة على شروطها للنشر؛ فإلى أي مدى يلتزم المستخدمون بهذه الشروط أو لا يلتزمون بحُجة جهلهم بها؟
– إخفاء الهوية: وهو من أبرز المجالات التي تهتم بها أخلاقيات التواصل الاجتماعي الرقمي عندما يجنح العديد من المستخدمين لإخفاء هويتهم الحقيقية أو ينتحلون هويات شخصيات مشهورة.
– خطر الإيذاء: وينتج عن كشف الهوية أو التعامل مع المعلومات الحساسة الذي قد يؤدي إلى الإحراج أو تدمير السمعة أو التعرُّض للمحاكمة(48).
هكذا، نجد أن الرقابة التي تفرضها شبكات التواصل الاجتماعي على المحتوى تثير جدلًا حول أخلاقيات التواصل عبر هذه الفضاءات الرقمية التي برَّرت وجودها وجدَّتها من خلال تمكين عامة الناس من أدوات الفعل التواصلي الإعلامي الذي كان محتَكَرًا عند فئة تُمسك بمقاليد الثروة والسلطة. فالرقابة التي تبدأ بمنع ما يهدد حرية الآخرين ويلحق الأذى بهم، سواء كان الآخر فردًا أو جماعة أو مؤسسة، ليس هناك ما يحول بينها وبين أن تصبح أداة فعل سياسي يُحوِّر مفهوم الأذى ليجعله شاملًا للمعارضة السياسية والنقد السياسي والدفاع عن الحقوق السياسية. والأنظمة الاستبدادية التي برعت في قدرتها على تجريم أي قول يعارضها -مهما كان هذا القول حكيمًا وسليمًا- لن ترضى بفضاءات تحيل حرية التعبير إلى حق أصيل كالحق في الحياة، وسوف تقف في وجه شبكات التواصل الاجتماعي التي جاءت من أجل فكِّ السيطرة المجتمعية حتى تُدخلها في نطاق السيطرة التي تعتبرها أولوية في التعاطي مع أفراد المجتمع، سواء من خلال الرقابة الذاتية التي يمارسها المتواصلون على أنفسهم أو الرقابة التي تقوم بها شبكات التواصل الاجتماعي أو الرقابة التي تفرضها الحكومات، أو الرقابات الثلاث مجتمعة.
- الرقابة على المحتوى وتشكيل الرأي العام
ارتبط الرأي العام في عصور التواصل الجماهيري بعلاقة متينة تتمكن من خلالها وسائل الإعلام المختلفة من المساهمة بكيفية متكاملة في تكوين الرأي العام حول قضايا مخصوصة؛ ذلك أن وسائل الإعلام احترفت عملية صناعة المعلومات وتقديمها للجمهور بكيفية أسرع وأفضل جودة من التواصل التقليدي الثنائي والجماعي الذي كان سائدًا قبل ظهور هذه الوسائل. وعندما ظهرت وسائل الإعلام الجديد (التي تتمظهر بكيفية جلية من خلال شبكة الويب) بدأت الآراء العامة تتشكَّل بالسرعة ذاتها التي تعمل بها شبكة الويب، فضلًا عن طابعها العالمي.
وهنا، تبرز مسألة الرقابة على المحتوى المنشور عبر شبكات التواصل الاجتماعي (وهي تتصدَّر وسائل الإعلام الجديد) كعائق أمام تشكيل الرأي العام، وفي الوقت ذاته، توجيهًا له وفق أجندة سياسية-اقتصادية، كما رأينا سابقًا عند الحديث عن المصالح الاقتصادية والسياسية لشبكات التواصل الاجتماعي. ذلك أن الرأي العام هو مفتاح الفعل العام سواء كان إيجابيًّا أو سلبيًّا، وهو المكوِّن الأولي للسمعة والصورة الذهنية التي تسعى لبنائها الجماعات والمؤسسات والدول.
ويمكن النظر إلى علاقة الرقابة على المحتوى بتشكيل الرأي العام من خلال نظرية “أثر الشخص الثالث” التي تقول بأن الناس يعتقدون أن رسائل الإعلام تؤثر في غيرهم أكثر من تأثيرها عليهم، وهذا ما يدفع الرقيب إلى الحيلولة دون وصول هذه الرسائل إلى الجمهور، فتؤثر فيه، ويؤدي هذا التأثير إلى تشكيل الرأي العام(49). أي إن الرقابة على المحتوى لا تقتصر على حرمان صاحب المحتوى من التعبير عن رأيه، بل تتعدى ذلك إلى حرمانه من التأثير على آراء الآخرين ومن ثم الحدِّ من فاعليته في تشكيل الرأي العام.
وليس خافيًا أن قادة الرأي في الفضاءات الرقمية يختلفون عن نظرائهم في الفضاءات التناظرية من حيث الخصائص والعدد وأدوات العمل والتأثير؛ الأمر الذي يقود إلى ظهور مفهوم جديد للرأي العام(50) يتأثر بعالمية شبكة الويب ويتماهى مع خصائصها المتعلقة بالتفاعلية التي تجعل صناعة الرأي العام صناعة جماعية تندمج فيها الآراء بكيفية سريعة وتتفاعل دون تأثر بقيود المكان والزمان، وقيود الهالة الشخصية التي كانت السمة الرئيسة لقادة الرأي التقليديين بما يمتلكون من سلطات معرفية وسياسية واجتماعية واقتصادية ودينية وثقافية.
إن وعي الحكومات بقدرة شبكات التواصل الاجتماعي على صناعة شكل جديد من الرأي العام، أكثر فعالية من الشكل التقليدي، يقودها إلى الإسراع في إيجاد الوسائل الناجعة لمراقبة هذه الشبكات أملًا في التحكم في صناعة الرأي العام الرقمي، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك دون تشديد القبضة والسيطرة على تكنولوجيا الإنترنت. فقد بيَّنت دراسة حول الرقابة على الإنترنت ودورها في قيادة الرأي العام في الصين، أن السلطات الصينية استطاعت -من خلال ستة مستويات لرقابة المحتوى الرقمي عبر الويب- أن تتخطى مرحلة التحكُّم في الرأي العام لتصل لمرحلة قيادته وتوجيهه سياسيًّا(51).
إلا أن الخطورة على الرأي العام الرقمي لا تقتصر على الرقابة المباشرة التي تفرضها بعض الدول على المحتوى الرقمي -خاصة المحتوى المتداول عبر شبكات التواصل الاجتماعي- بل تكمن في الرقابة الذاتية التي يمارسها مستخدمو الشبكات الرقمية على المحتوى الذي يقومون بإنتاجه أو مشاركته، تماهيًا مع نظرية “دوامة الصمت” (Spiral of Silence Theory) حيث يخشى الفرد أن يصبح معزولًا في المجتمع، لذا يصمت عن آرائه المخالفة. ففي دراسة عن علاقة الرقابة الذاتية والاستقطاب ودوامة الصمت والتواصل الاجتماعي شملت فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، تبيَّن أن هناك دعمًا لنظرية دوامة الصمت من خلال خيارات مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي للكيفية التي يمارسون بها الرقابة الذاتية على المحتوى(52). ويتعزَّز هذا الاتجاه بالدراسات التي سعت لإثبات الأساس البيولوجي لميل الأفراد نحو التماهي مع الجماعة من خلال تفضيل الإجماع. وذلك من خلال تأثُّر مستوى الدوبامين (Dopamine) -وهو إنزيم تستخدمه الخلايا العصبية كناقل للمعلومات- إيجابًا عند الاتفاق مع رأي الجماعة، وسلبًا عند مخالفة رأيهم(53).
ونخلص من النظر في العلاقة التي تجمع بين الرقابة على المحتوى المتداول عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتشكيل الرأي العام عبر الفضاءات الرقمية، إلى أن إشكالية صعوبة الجمع بين جعل هذه الشبكات ملاذًا لحرية التعبير والحاجة إلى التضييق عليها، تتجلى بشكل أوضح في المساعي التي تذهب بالرقابة على المحتوى بعيدًا حتى تجعل منها أداة للتحكم في الرأي العام وتشكيله بطرق تتناغم مع فعالية التكنولوجيا الرقمية. وهذا ما يدفع إلى إعادة النظر في المقولات التي راجت حول حرية التعبير التي أصبحت متاحة بفضل سهولة الإلقاء والتلقي عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
خاتمة
منذ أن تمكَّنت الصحافة -بعد ظهورها في القرن السابع عشر الميلادي- من الارتقاء بالتواصل الإعلامي إلى مستوى القيادة المجتمعية والتدافع مع السلطات التي تفرزها المجتمعات، ظل هذا التواصل عصيًّا ومرتبطًا بالمتاعب والعزم وبعيدًا عن متناول عامة الناس. وعندما أفرزت ثورة الإنترنت شبكات التواصل الاجتماعي في بدايات القرن الحادي والعشرين، بدا وكأن الوقت قد حان ليمارس كافة الناس التواصل الإعلامي فتصبح الجُدُر التي تُخبِّئ خلفها المعلومات وتجعلها أسرارًا، فضاءات مُشْرَعَة ينهل منها الجميع حتى يكاد ينحسر الفارق بين الخبر والإشاعة والحقيقة والافتراضي والإعلامي والجمهور، ويصبح المواطن صحافيًّا والجندي إلكترونيًّا. وها نحن أمام صراع جديد بين الإعلام والسلطة: ساحاته شبكة الويب وغيرها من خدمات الإنترنت، يستدعي التاريخ الطويل من المساعي للسيطرة على التواصل الإعلامي أملًا في اتقاء شروره والتمتُّع بخدماته في الوقت ذاته.
إن الإشكالية التي وقعت فيها شبكات التواصل الاجتماعي، عندما اندفعت نحو تمكين جماهيرها الغفيرة من ممارسة التواصل الإعلامي بحرية كاملة تسمح لهم بالإنتاج والإلقاء والتلقي، ثم اضطرَّت للحدِّ من هذه الحرية لأسباب موضوعية وذاتية، تدفعنا للتنبيه إلى بعض الأمور التي تحتاج إلى تأمل عند تناول مسألة الرقابة على المحتوى التي تمارسها شبكات التواصل الاجتماعي:
- هناك خصوصية للتواصل الإعلامي عبر شبكات التواصل الاجتماعي مقارنة بما تمارسه وسائل الإعلام التقليدية منها والجديدة. فبينما يقوم مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي بدور الناشر الرئيس للمحتوى، تقوم هيئات التحرير في المؤسسات الإعلامية بهذا الدور. هكذا تجد إدارات شبكات التواصل الاجتماعي نفسها في منزلة حرجة بين المستخدمين الذين يسعون لممارسة حريتهم الكاملة في التعبير (الأمر الذي يساعد على نمو أعدادهم)، والسلطات (الحكومية والتابعة للمجتمع المدني) التي تنظر إلى ممارسة حرية التعبير من لدن جمهور عالمي غفير كمهدد وجودي يجب التحكُّم فيه وإلا تعرضت شبكات التواصل الاجتماعي للعقاب بالحرمان من العمل والانتشار في الحيز الجغرافي الذي يخضع للسيادة.
- تقتضي الممارسة السليمة للتواصل الإعلامي الإيمان برؤية الإعلام ورسالته وأهدافه؛ والاستعداد لتبني أخلاقيات المهنة، الأمر الذي قد يتعارض مع التوجهات التجارية الربحية السريعة التي أصبحت السمة الغالبة لاقتصاديات شبكات التواصل الاجتماعي.
- يتسم التواصل الإعلامي بالتعقيد الشديد الذي لا ينفع معه استخدام الخوارزميات لاتخاذ القرارات المتعلقة بالنشر أو عدم النشر، بسبب تداخل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية. لذا لا يمكن مقارنة هيئة التحرير التي تنظر في المحتوى الصالح للنشر عبر وسيلة إعلامية مخصوصة، بمجموعة المراقبين الذين يتم توظيفهم للقيام برقابة بعدية، وقد لا تتوفر في معظمهم المعرفة اللازمة والخبرة الكافية والأخلاقيات الراسخة.
- إن الرقابة التي تقوم بها شبكات التواصل الاجتماعي، هي أقرب للرقابة الخارجية التي تمارسها الأجهزة المختصة في الدول التي تضيِّق على حرية التعبير، منها إلى الرقابة الذاتية التي تمارسها وسائل الإعلام عند تعاطيها مع المحتوى الخام. فالرقابة الذاتية التي يمارسها الإعلاميون تأتي كنتاج للإلمام بمكونات الصالح العام وكافة تجلياته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ضمن نطاق قُطري بالدرجة الأولى، خلافًا لطبيعة التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي يصبح فيها البُعد الجغرافي القُطري باهتًا.
لذا، ليس من المستغرب أن تخلص دراسة مسحية إلى أن الرقابة على التواصل الاجتماعي تشكِّل عائقًا لحرية التعبير. فقد ارتأى 91.25% من المبحوثين الشباب أنه يجب ألا تكون هناك رقابة على شبكات التواصل الاجتماعي الرقمي، كما اعتقد جميع المبحوثين أن البديل الأنسب للرقابة هو المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن يتحلى بها رواد هذه الشبكات(54).
لقد أثبتت تجربة اضطرار شبكات التواصل الاجتماعي لمراقبة المحتوى الذي يتم تداوله عبر منصاتها أننا في حاجة ماسَّة لمفهوم جديد للعلاقة التي تربط بين أفراد المجتمعات والقيادات التي تتولى أمرها في إطار فكرة العقد الاجتماعي أو الأفكار الأخرى التي تؤسس لقيام الدول وتجعل القيادة تبني مواقفها وتصوراتها نحو أفراد مجتمعها على الصراع بدلًا من التواصل والتحاور والتفاهم والتكامل والثقة المتبادلة. لقد استثمرت بعض الدول كثيرًا في السياسات التحكُّمية المبنية على أن الأصل في مواقف الأفراد هو المعارضة للنظام القائم، وعليها أن تجرب السياسات القائمة على حرية التعبير، والتي ستقود إلى التطور طالما كانت الغاية هي رسم صورة ذهنية إيجابية والحفاظ عليها وصونها بواسطة الجمهور.
إن الصبر على تجربة ممارسة الجمهور للتواصل الإعلامي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، سوف يزيل الكثير من الشوائب التي تنتج عن مئات ملايين العمليات التواصلية غير المسبوقة، والتي لا تتقيد بأخلاقيات التواصل الإعلامي إما جهلًا أو تعمدًا، وسوف تصير زبدًا يذهب مع مرور الوقت ويبقى ما ينفع المتواصلين. وللبشرية تجربة ثرَّة في كيفية الرسوخ التدريجي للتجربة الديمقراطية، وتجربة التعايش السلمي.
المراجع
(1) روجر ويمر وجوزيف دومينيك، مدخل إلى مناهج البحث الإعلامي، ترجمة صالح أبو أصبع وفاروق منصور، (بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2013)، ص211-213.
(2) Kevin McCusker and Serdar Gunaydin, “Research using qualitative, quantitative or mixed methods and choice based on the research,” Perfusion 30, no.7, (2015): 537.
(3) سوتيريوس سارانتاكوس، البحث الاجتماعي، ترجمة شحدة فارع، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)، ص 585-586.
(4) محمد الأمين موسى، التواصل الفعال: الأسس النظرية والمجالات التطبيقية، (الشارقة، كلية الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الشارقة، 2012)، ص 280-281.
(5) Benjamin F. Jackson, “Censorship and Freedom of Expression in the Age of Facebook,” 44 N.M. L. Rev. 121 (2014), 123-124, “accessed September 29, 2019”. https://bit.ly/2rMhIyQ.
(6) Irena Pletikosa Cvijikj and Florian Michahelles, “Monitoring Trends on Facebook,” Ninth IEEE International Conference on Dependable, Autonomic and Secure Computing, (2011): 895, “accessed September 29, 2019”. https://bit.ly/2YP0Q6N.
(7) Trisha Dowerah Baruah, “Effectiveness of Social Media as a tool of communication and its potential for technology enabled connections: A micro-level study,” International Journal of Scientific and Research Publications, Vol. 2, Issue 5, (May 2012): 1, “accessed September 29, 2019”. https://bit.ly/2S0fjv4.
(8) Gerald C. Kane et al., “What’s Different about Social Media Networks? A Framework and Research Agenda,” MIS Quarterly 38, no.1, (January 2013): 54, “accessed September 29, 2019”. https://bit.ly/2surjdA.
(9) Sauvik Das and Adam Kramer, “Self-Censorship on Facebook,” (Proceedings of the Seventh International AAAI Conference on Weblogs and Social Media, 2013): 120, “accessed September 29, 2019”. https://bit.ly/2PIaGmQ.
(10) Yasmin AlNoamany, et al., “Characteristics of Social Media Stories,” citeseerx, “accessed August 22, 2019”, https://bit.ly/2RW9pLt.
(11) Hua Hu and Ding Lin, “Feature Analysis of the Social Media,” (paper presented at International Workshop on Computer Science in Sports, IWCSS 2013), “accessed August 22, 2019”. https://bit.ly/2Ek3M1R.
(12) Twitter, “Twitter Transparency Report”, “accessed September 27, 2019”. https://bit.ly/2RUau6P.
Facebook, “Mission”, “accessed September 27, 2019”. https://bit.ly/2EiO9rl.
(13) Jackson, “Censorship and Freedom of Expression in the Age of Facebook”, op, cit, 127-129.
(14) Abdul Rahman Al Jaloud, al., “Caught in the Net: The Impact of “Extremist” Speech Regulations on Human Rights Content,” Electronic Frontier Foundation, May 30, 2019, “accessed June 24, 2019”. https://bit.ly/2YZNcOt.
(15) Caitlin Carlson, “Censoring Hate Speech in U.S. Social Media Content: Understanding the User’s Perspective,” Communication Law Review, Vol. 17, Issue 1, (October 2017): 33, “accessed June 24, 2019”. https://bit.ly/2YObyKK.
(16) Boyang Zhang, Marita Vos, “Social Media Monitoring: Aims, Methods, and Challenges for International Companies,” Corporate Communications An International Journal, 19 (4), (2014): 15, “accessed June 24, 2019”. https://bit.ly/34qD81Q.
(17) Tiago Rodrigues, al., “uTrack: Track Yourself! Monitoring Information on Online Social Media,” (paper presented at the International World Wide Web Conference Committee (IW3C2), May 13-17, 2013, Rio de Janeiro, Brazil), p. 274, “accessed June 24, 2019”, https://bit.ly/2tkHcny.
(18) Manya Sleeper, al., “The Post that Wasn’t: Exploring Self-Censorship on Facebook,” (paper presented at CSCW’13, February 23–27, 2013, San Antonio, Texas, USA), p. 1, “accessed September 6, 2019”. https://bit.ly/2LXC27i.
(19) Reza Moini, al., “Censorship and Surveillance of Journalists: an Unscrupulous Business,” Reporters without Borders, p. 16, “accessed September 7, 2019”. https://bit.ly/35pRHE6.
(20) Andrew Crocker, “Who Has Your Back? Censorship Edition 2019,” Electronic Frontier Foundation, 2019, “accessed September 8, 2019”. https://bit.ly/2YR1L6L.
(21) “معايير المجتمع”، فيسبوك، (تاريخ الدخول: 26 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2S0pujD.
(22) “المحتوى محل الاعتراض”، فيسبوك، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2tlMn6H.
(23) “الخطاب الذي يحض على الكراهية”، فيسبوك، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2YNy6v4.
(24) Richard Allan, “Hard Questions: Who Should Decide What Is Hate Speech in an Online Global Community?,” Facebook Newsroom, June 27, 2017, “accessed September 27, 2019”. https://bit.ly/2YOkfEU.
(25) “Facebook’s Closure of Palestinian Pages Attacks Freedom of Expression,” Sky Line International, September 4, 2019, “accessed September 29, 2019”. https://bit.ly/38H8btN.
(26) Ibid.
(27) صفحة بوابة الهدف الإخبارية عبر شبكة فيسبوك، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2PomD1X.
(28) “مرحبا بكم في صدى سوشيال”، صدى سوشيال، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2st9VGe.
(29) “تقارير شهرية”، صدى سوشيال، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/35mCyU4.
(30) “التقرير السنوي لانتهاكات وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين”، صدى سوشيال، 2018، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/35oRdOG.
(31) Alex Kane, “Critics Fear Crackdown on Palestinian Free Speech as Israel Takes Aim at Facebook,” The Intercept, July 28, 2016, “accessed June 24, 2019”. https://bit.ly/2YVsLSz.
(32) Ibid.
(33) Glenn Greenwald, “Facebook Is Collaborating with the Israeli Government to Determine What Should Be Censored,” The Intercept, September 12, 2016, “accessed September 2, 2019”. https://bit.ly/34qfVNc.
(34) Archie L. Dick, al., “Are established democracies less vulnerable to Internet censorship than authoritarian regimes? The social media test”, IFLA, “accessed October 2, 2019”. https://bit.ly/2srgxoA.
(35) Andrew Silow-Carroll, “How Facebook monitors harmful content: 5 takeaways,” The Times of Israel, December 29, 2018, “accessed June 24, 2019”. https://bit.ly/2PQ4gBY.
(36) J. Clement, “Facebook’s annual revenue and net income from 2007 to 2018 (in million U.S. dollars)”, Statista, February 4, 2019, “accessed October 4, 2019”. https://bit.ly/2LTNCQL.
(37) Max Fisher, “Inside Facebook’s Secret Rulebook for Global Political Speech,” The New York Times, December 27, 2018, “accessed June 24, 2019”. https://nyti.ms/2ssmfqf.
(38) Pepijn Bierhuizen, “Dissecting Facebook’s Censorship,” Master of Media, October 24, 2017, “accessed September 5, 2019”. https://bit.ly/35sjtQs.
(39) Ibid.
(40) “Internet giants that tolerate or actively cooperate with censorship,” Reporters without Boarders, March 12, 2017, “accessed October 4, 2019”. https://bit.ly/2PonkIQ.
(41) Casey Newton, “The secret lives of Facebook moderators in America,” The Verge, February 25, 2019, “accessed June 24, 2019”. https://bit.ly/2PObpTn.
(42) Teresa K. Naab, “The Relevance of People’s Attitudes towards Freedom of Expression in a Changing Media Environment,” Journal for Communication Studies, Vol. 5, no. 1(9), (2012): 54.
(43) Tessa Lyons, “Hard Questions: What’s Facebook’s Strategy for Stopping False News?,” Facebook Newsroom, May 23, 2018, “accessed October 5, 2019”. https://bit.ly/34reRsl.
(44) Arun Babu, aL., “New Updates to Reduce Clickbait Headlines,” Facebook Newsroom, May 17, 2017, “accessed October 5, 2019”. https://bit.ly/35oNkt6.
(45) Mareike Le Pelley, “Champions of Internet freedom ignore online ethics at their own peril”, Friedrich-Ebert-Stiftung, January 2013, “accessed October 5, 2019”. https://bit.ly/2PRJ1zM.
(46) Jessica Scott, “How Social Media Users Negotiate Self-Censorship in the Online Public Sphere,” (MA thesis, Simon Fraser University, 2015), p. 71.
(47) Judit Bayer, “Between Anarchy and Censorship Public discourse and the duties of social media,” CEPS, May 2019, “accessed October 5, 2019”. https://bit.ly/2PMH0F7.
(48) Leanne Townsend and Claire Wallace, “Social Media Research: A Guide to Ethics, Economic and Social Research Council,”: 5-7, “accessed October 5, 2019”. https://bit.ly/2ElMLUS.
(49) Hernando Rojas, al., “For the Good of Others: Censorship and the Third-Person Effect,” International Journal of Public Opinion Research, Vol. 8 no. 2, (1996): 163-183.
(50) Lucas Braun, “Social Media and Public Opinion” (Master’s Thesis, University of Valencia, September 2012), 115, “accessed October 6, 2019”. https://bit.ly/2qZzRZQ.
(51) Fan Yang, “How Internet Censorship in China Guides the Public Opinion: Take the Banned ‘Under the Dome’ Documentary as a Case Study,” academia, “accessed October 12, 2019”. https://bit.ly/2YRiFlw.
(52) Elizabeth Dubois, “Self-censorship, Polarization, and the ‘Spiral of Silence’ on Social Media,” (Paper Submitted to Internet, Policy & Politics Conference, University of Oxford, 20-21 September 2018), 15, “accessed October 12, 2019”. https://bit.ly/35pYsFT.
(53) Joel Rogers de Waal and Duncan Grimes, “Public Opinion and the Social Media Crisis,” YouGov, January 23, 2018, “accessed October 6, 2019”. https://bit.ly/2YOmzfc.
(54) Abhilasha R and Onkargouda Kakade, “Social Media Censorship: A Hindrance to Freedom of Speech and Expression,” Media Matters, Vol. 4, Issue 1, (September 2015): 51.