مقدمة
ينظر المؤرخون إلى اليمن باعتباره حضارة عريقة تشكَّلت في جغرافيتها دول وممالك شهيرة، واليمن قديمًا -كما هو اليوم- ليس دولة طارئة، وليس للاستعمار “القديم أو الحديث” دور في تشكيل هويته الوطنية “يمنية الدولة” الحاضرة في دلالتي الجغرافيا والتاريخ، وأيضًا حضارة مدونة بآثار ونقوش المسند كافية لتحديد هويته دون عناء وبلا تنازع، فقد استوعبت الهوية اليمنية الجامعة عبر حقب التاريخ تعدد الممالك والدول المتصارعة في فضائها الجغرافي دون خروج عنها أو تنكُّر. وتحدد المراجع التاريخية موقع اليمن الذي “يتاخم معظم جزيرة العرب، فيحده من الشمال نجد والحجاز، ومن الشرق خليج عُمان إلى رأس قطر، ومن الجنوب البحر العربي المتصل بالمحيط الهندي، ومن الغرب البحر الأحمر”(1).
وعلى هذا الحيز الجغرافي تأسست الممالك اليمنية القديمة “مملكة أوسان، ومملكة معين، ومملكة قتبان، ومملكة حضرموت، ومملكة سبأ، ومملكة سبأ وذو ريدان، ومملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت”(2). وقد مثَّلت “مملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت” أكبر الممالك في وحدة يمنية واحدة، أما الممالك المستقلة عن بعضها فلم تخرج تاريخيًّا عن اسم “ممالك يمنية” وكانت تتسع أو تضيق وفقًا لنوع الحكام؛ إذ “لم يكن يسمون الملك منهم تُبَّعًا حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت، وقيل: حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس، ومن لم يكن له من الأمر شيء يسمى ملكًا ولا يقال له تُبَّعًا”(3)، وإن “الشعوب من حمير الذين كان لهم الملك قبل التبابعة”، نسبة إلى حمير بن سبأ الذي كان له من الأبناء تسعة، سكنوا حضرموت وعدن وأبين”(4).
فهل مفهوم الهوية هو ما يستند إلى معطيات الجغرافيا والتاريخ أم ثمة معايير أخرى للهوية من المهم بيانها؟
يُعَدُّ اليمن من الهويات التاريخية التي لم يتم نقضها مجتمعيًّا أو سياسيًّا فهي لم تنزوِ إلى كتب التاريخ كما انزوت هويات تاريخية كبرى غادرت المجتمع وظلت سرديات تاريخية، مثل البابلية والآشورية والكنعانية والفينيقية والفرعونية، فلم تَعُدْ تُمثِّل أية هوية سياسية لمجتمعاتها الحديثة أو المعاصرة، بينما ظل اليمن هوية اجتماعية وسياسية مستعملة في سياق تاريخي متواصل. ومن المفارقة أن يتصاعد في جنوب اليمن خطاب ينكر الهوية اليمنية أو يتعمد إلغاءها ليستبدل بها هوية جهوية غير معلومة تاريخيًّا ولا حضاريًّا، ولا خاضعة لأيٍّ من معايير الهويات السياسية.
إشكالية الدراسة
لم يعرف تاريخ اليمن دولًا وحدوية ودولًا انفصالية، وإنما عرف دولًا قوية ودولًا ضعيفة؛ فبرغم الانقسام السياسي كان اليمن الحضاري الثقافي يمارس قدرًا كبيرًا من الفاعلية في الحفاظ على القواسم المشتركة وتكريسها وتعميمها(5). ولم تعرف الهوية اليمنية تصدعًا أو نكرانًا أو انكسارات حتى أخضعت بريطانيا جنوب اليمن لحكمها بين عامي 1839– 1967، وكان لهذا الاحتلال دور في محاولة شطب الهوية “اليمنية” وترسيخ مسميات محلية خارج سياق الهوية التاريخية المتعارف عليها، بدءًا بممارسة دور التفتيت للجنوب في خلق كيانات عشائرية وقبلية، وتكوينات عائلية ما دون الدولة الوطنية بلغ عددها 22 كيانًا طارئًا، ثم تجميع هذه الكيانات قبيل الاستقلال لحاجة استعمارية تحت اسم “الجنوب العربي” وإفراغ الهوية “اليمنية” منه.
ومنذ العام 1994، ظلت السعودية والإمارات تمارسان دورًا سلبيًّا في دعم الانفصال ومحاولة فرض تجزئة الهوية، أو شطبها نهائيًّا من خلال أدوار يؤديها المجلس الانتقالي الجنوبي المعلن تأسيسه في 11 مايو/أيار من العام 2017 الذي يعلن صراحة إنكار الانتماء إلى اليمن بل ويعتبر اليمن احتلالًا للجنوب، ولا ترد كلمة “اليمن” في مطالبه وخطاباته وبياناته المعلنة، ويدعو إلى استعادة “دولة الجنوب العربي” ذات الاسم الاستعماري لما قبل الدولة اليمنية في الجنوب، ويفصح عن أزمة هوية وطنية بإسقاط اسم اليمن من سياقها التاريخي والجغرافي والحضاري والقواعد الدستورية والقانونية، وهو ما يمثِّل نكوصًا عن كل معايير الهوية الاجتماعية والسياسية.
والسؤال الإشكالي المركَّب الذي تحاول الدراسة الإجابة عنه هو: ما المحددات الحاسمة لانبعاث صراع الهوية في اليمن الجنوبي منذ الاستقلال: هل السلطة أم الهوية ذاتها؟ وأي منهما استُعمل غرضًا للآخر؟ وما أثر العامل الخارجي في تشققات الهوية السياسية في جنوب اليمن؟
تكمن الإجابة عن هذا الحقل الاستفهامي في تبيان كيف أن “الفوز بالسلطة، أو الاستيلاء عليها، أو الاستئثار بها”(6) هو جوهر الصراع السياسي الذي ينعكس سلبًا على هوية الدولة الوطنية كمعطى ذرائعي للسلطة. ومن بوابة هذا التنازع فُتح الباب مُشرعًا لمؤثرات طارئة تجلت في “التدخل الخارجي” لممارسة النفوذ والأطماع المباشرة، وسيتم تفصيل الإجابة عن هذه الإشكالية في محاور ثلاثة.
محاور الدراسة
ظل الصراع في هذا الجزء الجنوبي من اليمن صراعًا على السلطة تحت عنوان البحث عن ماهية “الهوية الوطنية الجنوبية” والذي شهد ثلاثة مسارات تناقشها الدراسة تباعًا:
– أولًا: “إحياء الهُوية” واستدعاء حضورها التاريخي مع إعلان استقلال الدولة في جنوب اليمن 1967.
– ثانيًا: “توحيد الهوية” ما بين 1962– 1990 بدمج دولتي شطري اليمن في دولة يمنية واحدة هي “الجمهورية اليمنية”.
– ثالثًا: “إنكار الهوية” في خطاب المجلس الانتقالي بالعودة إلى الإرث الاستعماري في اسم دولة “الجنوب العربي” وهدم أسس الهوية اليمنية الواحدة كمعطى تاريخي-حضاري، أو تجاوز البنيان الدستوري والقانوني للدولة اليمنية المعترف بها دوليًّا.
مفهوم الهوية
برزت سجالات الهوية في الفكر العربي الإسلامي المعاصر ضمن ثلاثة أنواع من الهوية(7):
1- الهوية الإسلامية المجسدة سياسيًّا في “دولة الخلافة”، وهي هوية عابرة للدولة الوطنية القطرية، ثم الحديث لاحقًا -بعد خفوتها- عن ضرورة إحياء “جامعة إسلامية”(8) تحت اسم “هوية حضارية”؛ إذ “إن الهوية الحضارية لأمة من الأمم، هي القدر الثابت، والجوهري، والمشترك من السمات والقَسَمات العامة، التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات، والتي تجعل للشخصية القومية طابعًا تتميز به عن الشخصيات القومية الأخرى”(9).
2- الهوية العربية تحت عنوان “دولة الأمة-القومية العربية” التي لا تعترف بالدولة الوطنية باعتبارها صورة من صور التجزئة والتفتيت الاستعماري. ويعرِّفها نديم البيطار بـ”مجموعة من السمات العامة التي تميز شعبًا أو أمة في مرحلة تاريخية معينة”(10).
3- الهوية السياسية المختزلة في “الدولة الوطنية-القُطرية” الناتجة عن عملتين متضادتين، الأولى: تفكيك دولة الخلافة، والثانية: تصفية الاستعمار الذي نشأت عنه الدولة القطرية عبر حركات التحرر الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء الأمم المتحدة وتصفية الاستعمار. ويتجلى تعبيرها الأوضح “من خلال دستور الدولة الذي يعتبر بيانًا عامًّا موثَّقًا ومصوغًا بطريقة واعية تستطيع الهوية الوطنية أن تخبر عن نفسها”(11).
تتحدد العلاقة بين هذه المستويات أساسًا بنوع “الآخر”، بموقعه وطموحاته؛ فإن كان داخليًّا، ويقع في دائرة الجماعة، فالهوية الفردية هي التي تفرض نفسها كـ”أنا”، وإن كان يقع في دائرة الأمة، فالهوية الجماعية (القبلية، الطائفية، الحزبية…إلخ) هي التي تحلُّ محلَّ “الأنا” الفردي. أما إن كان “الآخر” خارجيًّا، أي يقع خارج الأمة (والدولة والوطن(، فإن الهوية الوطنية، أو القومية، هي التي تملأ مجال “الأنا”(12).
وفي سياق التعريف الإجرائي لمفهوم الهوية يتم التمييز بين نوعين من الهوية اليمنية: هوية “اليمن الحضاري الثقافي وهو حاصل تفاعل الجغرافيا والتاريخ في هذه المنطقة من العالم التي نسميها اليمن”، وهوية “اليمن السياسي” التي تتمظهر في “الدول التي نشأت داخل الفضاء الجغرافي لليمن طوال مراحل التاريخ. وإذا كان اليمن الحضاري الثقافي واحدًا دائمًا فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لليمن السياسي الذي عرف الوحدة والانقسام”(13).
فالهوية اليمنية للدولة هي توءمة بين جغرافية المكان وتاريخ الإنسان، ورصيد متراكم من الصيغ الثقافية (= اللغة والمعارف والمعتقدات) والاجتماعية (= العادات والتقاليد وقيم المجتمع) والحضارية (= عناصر التطور البشري في مجالات الحياة). والقواعد الدستورية والقانونية (= وهي قواعد ناظمة ومستقرة) لا يمكن الاعتراف بأية صيغة للهوية السياسية المعاصرة خارج هذه القواعد التي تحدد الانتماء وما يترتب فيها للمواطن من حقوق والتزامات. ولا يعول في إثبات الهوية على مكوناتها التقليدية فحسب، بل يشترط فيها تحقيق قدر من الاندماج، حسب تعبير آرنست رينان (Ernest Renan) بـ”العيش المشترك” المعبِّر عن الإرادة مع إمكانية تعدد القوميات، أو “إرادة السيادة”(14) لدى عزمي بشارة.
مقاربات معرفية
لا نجد حقلًا معرفيًّا محددًا وإطارًا نظريًّا مكتملًا يتناول مفهوم الهوية، ولهذا السبب سنلتمس مقاربات نظرية من حقول معرفية مختلفة يمكن من خلالها بناء الإطار النظري الخاص بهذه الدراسة ضمن ثلاث مقاربات لمعالجة موضوع البحث:
1- مقاربة تاريخية: وهي مقاربة لا غنى عنها للكشف عن “أسس الهوية” في تاريخ اليمن واستعمال معطيات التاريخ كأدوات استدلالية في منهج الدراسة بما تركته من آثار مادية ورمزية تمنح الهوية اليمنية أسسًا شبه مستقرة، وتستمد من هذه الأسس خاصية الاستمرارية والثبات والتمنع عن التغيير. وتعتمد هذه المقاربة على المنهج الوصفي لتتبع الظاهرة وتبيان المستقر والمتغير منها، وهو وصف تتضمنه المراجع التاريخية التي تمت الإحالة إليها. وبالنظر التاريخي إلى الدول التي أخضعت اليمن إلى حكمها مثل الفرس والأحباش في عهود ما قبل الإسلام أو الدولة الأموية والعباسية والأيوبية والفاطمية والعثمانية والبريطانية لم تستطع انتزاع الهوية اليمنية من سياقها التاريخي ولم تحدث قطيعة تاريخية مجتمعية بل انتهت تلك الهويات السياسية الوافدة أو غادرت وبقيت الهوية اليمنية صامدة دون اندثار تعبيرًا عن حقائق تاريخية وحضارية غير قابلة للذوبان في هويات أخرى.
2- مقاربة سوسيوسياسية (اجتماع سياسي): تتسع هذه المقاربة لتشمل الاجتماعي والسياسي والثقافي، نستعمل منها نظرية الصراع لتفسير “عوامل الوحدة والانقسام” في المجتمعات ضمن مستويين، الأول: تفسير محددات الانتماء إلى الهوية الوطنية والدفاع عنها، والثاني: تفسير أثر الصراعات على هدم الهوية الوطنية وتفكيك النسيج الاجتماعي أو تماسكه، وفي موضوع البحث “اندثار الهوية أو تحصينها” على المستويين الكوني والمحلي.
مقاربة الصراع على المستوى الكوني كثَّف صامويل هنتنغتون (Samuel Huntington) استعمالها في كتابه صراع الحضارات(15) وأيضًا فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) في كتابه “نهاية التاريخ” وبيان كيف أن هوية سياسية كونية مثل “الديمقراطية الليبرالية” وتفوقها في الصراع قد أطاحت بأشد منافسيها، وهما: “الشيوعية والفاشية” أسوأ النظم الشمولية. وطرح سؤالًا “عمَّا إذا كان خطر هذه النظم قد انحسر وإلى متى سيظل منحسرًا؟ وسيظل يشغل بالنا في عالم لا يزال مليئًا بالنظم الشمولية والثيوقراطية وبالقوميات المتعصبة وغير ذلك”(16) وهذا يطرح سؤالًا آخر عمَّا إذا كانت النظم والهويات الأقل شأنًا قادرة على الصمود أمام العولمة السياسية والاقتصادية والثقافية، في حين تطغى الانقسامات داخل هذه المجتمعات بما يعني أن أي صراع محلي ليس منفصلًا عن مؤثرات خارجية مباشرة أو غير مباشرة.
أما في سياق مقاربة الاجتماع السياسي، فيتم النظر إلى أن المجتمع ميدان من عدم المساواة الباعث على الصراع والتغير، ودراسة المجتمع باعتباره فضاء للصراع والمنافسة والهيمنة، نجد أن مقاربة “البنيوية التكوينية” لدى بيير بورديو (Pierre Bourdieu)(17) التي يفسر من خلالها العلاقات الاجتماعية وفق نظرية الصراع “صراع الطبقات والتنافس في الحقول”(18) ليس بالمعنى الماركسي وإنما بالتنوع والتنافس، مستعملًا البنيوية التكوينية في التحليل (Structuralism constructivist) وهي صراعات تحمل المخاطر في تقسيم المجتمعات وتُبنى عليها الإجابة في هذه الدراسة: كيف أن عوامل النَّيْل من الهوية اليمنية في تمظهر الصراع جنوبًا قد فعلت فعلها مثل: التدخل الخارجي والجهوية والتوزيع غير المتكافئ ضمن المجتمع لـ: المال، والسلطة، والتعليم، والنفوذ الاجتماعي، وغياب العدالة وانعدام المساواة، وهيمنة التسلط والاستبداد السياسي والاستفراد بالقرار.
3- مقاربة نفسية اجتماعية: تتمثَّل في تفسير البعد الوجداني لـ”تكوين الهوية” باعتبار أن الهوية “مفهوم اجتماعي نفسي يشير إلى كيفية إدراك شعب ما لذاته، وكيفية تمايزه عن الآخرين”، وهي مقاربة “تستند إلى مسلَّمات ثقافية عامة مرتبطة تاريخيًّا بقيمة اجتماعية وسياسية واقتصادية للمجتمع”(19) تستند إلى التنشئة الاجتماعية (= هوية الفرد- الهوية الشخصية) والتنشئة السياسية (= الهوية الجماعية- الهُوية الوطنية) وهي موضع استعمال منهج التحليل النفسي في فهمها، ويترتب على مستوى هذا الشعور تماسك اجتماعي صلب أو تفكك واضمحلال.
وفي هذا السياق، فإن للهوية وجوهًا متعددة: هوية الفرد من منظور علم النفس الاجتماعي، وهوية الجماعة من منظور اجتماعي وثقافي وسياسي، فالجماعة السياسية “تتكون من مجموعة سمات إيجابية…” منها اللغة أو اللغات الخاصة بها، والتجارب التاريخية المتطورة التي تحيط بأصولها وتشمل تقاليدها واتجاهاتها المتعمقة والراسخة، ومعتقداتها وقيمها أو مُثلها التي تقدرها هذه الجماعة وتُعلي من شأنها وتزرعها في عقول أفراد الجماعة، كما تشمل المؤسسات القانونية والسياسية التي تنظم الجماعة على أساسها شؤونها وتربطها بالجماعات الأخرى وتضم الذكريات الجماعية لكفاحهم الداخلي والخارجي وكذلك انتصاراتهم وهزائمهم(20).
أولًا: إحياء الهوية 1962- 1967
للهُوية في الصراع اليمني جنوبًا عند تأسيس الدولة وجهان: “الهوية الوطنية” في تحديد يمنية الدولة “والهوية السياسية” في تحديد أيديولوجية النظام السياسي “جمهورية يمنية ديمقراطية اشتراكية”.
لذلك اقتصر اهتمام رواد حركة التحرير الوطنية في الجنوب حول “إحياء الهوية” للجمهورية الوليدة ضمن خيارين متنازعين، الأول: خيار استعماري تحت اسم “1- اتحاد إمارات الجنوب العربي”، والثاني: خيار وطني تحت اسم “جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية” عند إعلان الاستقلال 1967، ثم استقر لاحقًا تحت اسم “2- جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، 1968، بنزع صفة الجنوب عنها والاكتفاء بتأكيد الهوية اليمنية للدولة المستقلة.
1- فشل خيار الهوية الاستعمارية للدولة الوليدة وإلغاء تعدد الهويات
أعلنت بريطانيا رسميًّا في، 11 فبراير/شباط 1959، عن “قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي والذي دخل في عضويته ست إمارات من محميات عدن الغربية البالغ عددها 20 إمارة”(21)، وكان جنوب اليمن “حتى الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني 1967، عند الاستقلال الوطني، مكونًا من 22 إمارة ومشيخة وسلطنة مستقلة عن بعضها يقودها أمراء وسلاطين ومشايخ من أبنائها ويشرف عليها ضباط وسياسيون بريطانيون”(22). ولهذا، لم يعد اليمني هناك يمنيًّا وإنما “فضلي أو عبدلي أو واحدي أو حوشبي أو قعيطي أو كثيري أو مهري… إلخ”(23) نسبة إلى كيانات وسلطنات محلية عائلية طغى حضورها على الهوية اليمنية الجامعة خلال 128 عامًا من الاحتلال البريطاني الذي تعمد إضعاف المجتمع وتغييب الهوية اليمنية منعًا لانبعاث مطالب التحرير.
وظهرت تسميات استعمارية متعددة لجنوب اليمن قبل نَيْل الاستقلال مستهدفة إسقاط الهوية اليمنية عنها ضمن مشاريع عدة بعضها استعماري وبعضها استعمال محلي لكيانات ما دون الدولة تتبع المستعمر البريطاني وهي تنبئ عن أزمة هوية في تعدد المسميات، وأربكت الحركة الوطنية الجنوبية في تحديد اسم وهوية دولة الاستقلال المزمع الإعلان عنها.
وكان التداول رسميًّا لهذه الكيانات المنزوعة الهوية يتم بتخطيط ودعم بريطاني، ومن أكثرها تداولًا “دولة الجنوب العربي الاتحادي”(24)، و”اتحاد الجنوب العربي”(25) و”اتحاد إمارات الجنوب العربي”(26) و”مستعمرات عدن ومحمياتها الشرقية والغربية” ثم “اتحاد إمارات الجنوب”. وجميعها مسميات استعمارية عمدت إلى إسقاط هوية اليمن منها جميعًا، وتم توحيد ست سلطنات ومشيخات وإمارات ضمن “عدن ومحمياتها الغربية” بإرادة المستعمر البريطاني وكان لكل منها هوية سياسية تتجسد في “المسمى، والعائلة الحاكمة، والحدود، والعلم، وجواز السفر الخاص”.
وكانت “رابطة أبناء الجنوب العربي”(27)، وهي أول حركة تحرير وطنية في الجنوب، غارقة “في تعقيدات ظروف التجزئة الإقليمية”(28) المتماهية مع الكيانات الاستعمارية، وتميل بإصرار إلى الإبقاء على المسميات الاستعمارية بعد الاستقلال، بل “إنها طالبت بفصل عدن عن جنوب الجزيرة العربية وإلحاقها بالكومنولث البريطاني”(29). بيد أن هذا التوجه قابلته بالرفض الجبهة القومية وجبهة التحرير وهما أكبر التنظيمات المناهضة للاستعمار في الجنوب، وقد آلت العلاقة بين الحركتين إلى صراع مسلح بينهما(30) انتهى بانتصار الجبهة القومية “حركة القوميين العرب” التي أصبحت في “وضع يؤهلها لأن تفرض نفسها بالقوة باعتبارها ممثلًا لشعب الجنوب اليمني”(31) وتولت التفاوض لاحقًا مع بريطانيا لإتمام الاستقلال وكان لها رأي في حسم هوية الدولة اليمنية المستقلة.
كان الصراع بين جناحي الحركة الوطنية في جنوب اليمن صراعًا على السلطة، وصراعًا على إحياء الهوية الوطنية ضمن نوعين من الهوية، فسقط خيار الهوية الاستعمارية وانتصر خيار الهوية اليمنية لدولة الاستقلال.
2- نجاح خيار الهوية اليمنية للدولة الوليدة “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”
أسهم إعلان قيام ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 في شمال اليمن، وإعلان دولة “الجمهورية العربية اليمنية”، في إرباك قيادة الحركة الوطنية في الجنوب حول هوية الدولة التي يناضلون من أجلها منذ إعلان ثورة 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963 وحتى إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1967. وكان التساؤل الأبرز: هل سيتم التوحد مع الجمهورية في الشمال فور الإعلان عن الاستقلال أم سيتم الإعلان عن دولة مستقلة؟ وما عساه يكون اسمها وهويتها مقارنة بهوية الدولة اليمنية المعلنة في الشمال؟
لم يكن خيار تسمية الدولة وتحديد هويتها هو ما يواجه الحركة الوطنية في الجنوب فقط، ولكنها ورثت كيانات استعمارية مبعثرة عصية على الاندماج وترفض الوحدة في كيان سياسي يذيب كياناتها الخاصة، فعملت الجبهة القومية(32) و”حركة القوميين العرب” على إسقاطها بالقوة(33) وكان لابد من دمجها في الدولة الجديدة وتذويب الكيانات في دولة واحدة، وقد نجحت الجبهة القومية في “توحيد 22 إمارة وسلطنة ومشيخة في الجنوب تم دمجها في هوية جنوبية واحدة”(32) وهي ضمن خطوات تأكيد يمنية الدولة المستقلة.
وفي مدينة عدن، بدأت عملية إيقاظ اليمن الحضاري الثقافي من سباته باستدعاء الهوية اليمنية الجامعة من أرشيف التاريخ وتنظيفها من غبار أزمنة التشظي(35)، وعملت الحركة الوطنية اليمنية “بطريقة مثالية حماسية قامت على تنقية التاريخ ذهنيًّا من حروبه وانقساماته وتغلباته لإسناد تعايشات اليمنيين الوئامية في مدينة عدن”(36)، وأدمجت قسرًا المشيخات والسلطنات في هوية وطنية جامعة تحت مسمى سياسي مرحلي هو “جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية” (1967- 1968) ثم “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، وانتصر خيار تأكيد الهوية اليمنية عند إعلان الاستقلال على غيرها من الهويات الطارئة. وقد تضمن ميثاق الجبهة القومية قبل الاستقلال مبدءين يؤكدان الهوية اليمنية، المبدأ الأول: “وحدة إقليم اليمن الذي يضم عدن والإمارات والجزر وتحرير اليمن الجنوبي…وعدم الاعتراف بالأشكال الدستورية التي تقترحها بريطانيا”. المبدأ الثاني: “الدفاع عن ثورة الشمال بوصفها محصِّلة لكفاح الشعب اليمني كله… والإيمان بالوحدة العربية الاشتراكية”(37).
وكان للمد القومي العروبي أثره في إحياء الهوية اليمنية مرحليًّا حين وضع أملًا أعلى في الوصول إلى هوية قومية سقفها “وحدة عربية” لكل الدول القُطرية الناشئة إثر حركات التحرر من الاستعمار، فكان طريق الدولتين اليمنيتين نحو توحيد الهوية بتجاوز تشطير اليمن هو الهدف القادم.
ثانيًا: توحيد الهوية السياسية لدولتي اليمن: 1962– 1990
أصبح كل نظام شطري يرفع مطلب “التوحيد السياسي لليمن” حقيقة أو شعارًا في وجه النظام الآخر للحصول على تأييد شعبي وشرعية كافية للاستمرار والاستقرار، وكلا النظامين عبْر طريق طويل من الاتفاقيات والحوارات المكثفة التقيا معًا لمناقشة الوحدة بين الدولتين بما يعنيه من “توحيد الهوية السياسية” عبر نموذجين: طريق “1- الوحدة الاندماجية” التي أُعلن عنها في 22 مايو/أيار 1990. بيد أن التصدع السياسي في الدولة الموحدة بفعل الصراع على السلطة والاستحواذ، دفع باليمنيين إلى إعادة النظر بصيغة جديدة لترميم الصدع عبر مشروع “2- الوحدة الفيدرالية” قيد النظر في مخرجات الحوار الوطني ومشروع دستور اليمن الاتحادي الجديد.
1- الهوية السياسية الواحدة: عبر “الوحدة الاندماجية”
بالرغم من أن الهوية السياسية في اليمن تصدعت بانقسامها إلى نظامين سياسيين متضادين في الأيديولوجيا “نظام اشتراكي” في الجنوب يحتكر الملكية “ونظام تقليدي” في الشمال يسمح بحرية النشاط الاقتصادي، وهذا التضاد الأيديولوجي لا يتيح أي نوع من التنافس والتعاون بل كان مدعاة لاستمرار الصراع العنيف بينهما، غير أن هذا الانقسام كان مدعاة للسير نحو الوحدة اليمنية.
لقد تم التأكيد على أهمية الوحدة في الدستور الدائم لدولة الجنوب المستقلة في المادة الأولى التي تنص على أن “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة وهي دولة (…) تسعى لتحقيق اليمن الديمقراطي الموحد…” وإقرار الهوية الوطنية للشعب اليمني؛ حيث نصت المادة الثانية من الدستور على أن “الشعب اليمني شعب واحد وهو جزء من الأمة العربية، والجنسية اليمنية واحدة وتكون اليمن وحدة تاريخية واقتصادية وجغرافية”(38).
وفي الخطاب السياسي لقيادة الحزب الاشتراكي الحاكم تأكيد حاسم على أن الوحدة اليمنية “هي قدر ومصير الشعب اليمني ولم تكن يومًا شعارًا للاستهلاك، إنها قضية مركزية واستراتيجية تمثِّل مركز الصدارة والأولوية في اهتمامات حزبنا اليمني ومن مجمل سياستنا الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء”(39) والتركيز على “أن اليمن لا يمكن أن يكون إلا موحدًا”(40) وأن ثمة ارتباطًا عضويًّا بين ثورتي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، الأمر الذي يتوِّج وحدة الأرض والشعب اليمني ووحدة مصالحه المشتركة، وكذلك وحدة الأداة على صعيد الإقليم كله كي تتمكن من تحقيق الأهداف الاستراتيجية التاريخية للشعب اليمني. “إن الحزب وجماهير الشعب اليمني يدركان بعمق ضرورة التخلص من التجزئة، ويفهمان أن تحقيق وحدة الشعب اليمني سوف يغدو مصدرًا عظيمًا لقوته وحافزًا جبارًا لتقدمه”(41).
وورد في الفصل الخامس من وثيقة الحزب الحاكم تحت عنوان “نضال الحزب الاشتراكي اليمني من أجل بناء الوحدة اليمنية، وبناء اليمن الديمقراطي الموحد” وكونها وثيقة نقدية فقد عالجت “أوجه القصور في خطوات تحقيق الوحدة…”، ورأت أن “ما تحقق بالفعل لا يزال أقل بكثير مما يمكن إنجازه”. بينما في وثيقة الاتجاهات الأساسية للإصلاح الشامل للحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في الجنوب نصت على ضرورة “التمسك بأهداف ومبادئ ثورتي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، وجعل وحدتهما إطارًا للوحدة اليمنية” والتأكيد على أن الوحدة هدف ثوري لابد أن يُنجَز، ولضمـان إنجاح تحقيق الوحدة ركزت الوثيقة على “النأي بقضية الوحدة عن المناورات السياسية…” وتحقيق الوحدة اليمنية، وإقامة نظام وطني في مشروع تاريخي للإصلاح الوطني الشامل(42).
وقد أُبْرِمَت اتفاقيات وحوارات متعددة بين الشطرين كانت تهدف للوصول إلى الوحدة الاندماجية(43) وفي كل هذه الاتفاقيات واللقاءات كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أكثر سعيًا للوصول إلى الوحدة الاندماجية الكاملة التي أُعلنت في 22 مايو/أيار 1990 وميلاد دولة جديدة هي “الجمهورية اليمنية”.
لقد تمت الإجراءات التنفيذية لإعلان الوحدة اليمنية عبر ثلاث خطوات قانونية ودستورية، الخطوة الأولى: “اتفاقية عدن، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1989” للتمهيد لإعلان الوحدة، وقَّع عليها رئيسا الشطرين. الخطوة الثانية: مصادقة برلمانَي الشطرين على اتفاقية الوحدة، المبرمة في 22 أبريل/نيسان 1990، وعلى وثيقة دستور دولة الوحدة الذي تم الانتهاء من إعداده في العام 1981 وتمت مراجعته قبيل إحالته على الاستفتاء الشعبي. الخطوة الثالثة: تنفيذ الاستفتاء الشعبي على الدستور في 15 و16 مايو/أيار 1991، وكانت نتيجة الاستفتاء على دستور دولة الوحدة 72.2 في المئة من الأصوات. وقد كان الجنوب طوال سنوات الاستقلال وحتى 22 مايو/أيار 1990 ورشة تشتغل بشكل يومي على قضية الوحدة في كل قطاعات الدولة والمجتمع(44).
وبعد الانتقال إلى دولة واحدة ونظام سياسي واحد وسلطة واحدة مكونة من حزبين، هما شريكا الوحدة، تبيَّن من خلال الممارسة أن العلاقة بينهما لم تكن علاقة انسجام فقد اتهم الحزب الاشتراكي في السنوات الأولى المؤتمر الشعبي العام باستهداف كوادره بالاغتيال المتكرر بتدبير من الرئيس، علي عبد الله صالح. وفي أول انتخابات تعددية في دولة الوحدة التي أُجريت في 27 أبريل/نيسان 1993، حصل الحزب الاشتراكي على المرتبة الثالثة بنسبة أقل من 20 في المئة مما أدى إلى زيادة التوتر السياسي وتصاعد الخلاف الحاد بينهما، وتمت المصالحة بين الشريكين الحاكمين في العاصمة الأردنية بالتوقيع على وثيقة العهد والاتفاق التي رعاها الملك الحسين في فبرير/شباط 1994، لكن تنفيذ الاتفاقية لم يتم وتحول الخلاف إلى صدام مسلح واندلاع حرب عسكرية استمرت ما يقارب الشهرين، كان من أهم نتائجها سيطرة القوات الشمالية على كامل الدولة اليمنية وإخراج الحزب الاشتراكي من السلطة وفرار قياداته خارج اليمن ثم إعلان نائب رئيس الجمهورية حينها، علي سالم البيض، الانفصال عن الشمال بعودة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 21 مايو/أيار 1994.
ومَرَدُّ ذلك، حسب الحزب الاشتراكي، “وجود ثغرات كبيرة في اتفاق الوحدة نفذ منها الطرف الشمالي إلى حرب 1994… والنزعة المثالية في التعامل مع قضية الوحدة… جعلت الجنوب يذهب إلى الوحدة مع الشمال ذهابًا حماسيًّا غير آمن وغير مدروس بدقة ليقع ضحية الحرب”(45) فظهرت أصوات مطالبة بالانفصال وفك الارتباط وتارة أخرى بتصحيح مسار الوحدة.
2- الحفاظ على “الهوية السياسية الواحدة” عبر خيار “الوحدة الفيدرالية”
كان مطلب الوحدة التدريجية بالنسبة للرئيس الجنوبي حينها، حيدر العطاس، مقدمًا على الوحدة الاندماجية بالوصول خطوة خطوة إلى وحدة الشعب اليمنـي، والخطوات الملموسة التي يمكن تحقيقها على الأرض(46)، ولأنه تم القفز نحو الوحدة الاندماجية الفورية فقد تمت العودة مرة أخرى في مؤتمر الحوار الوطني الشامل للبحث عن صيغة الوحدة الفيدرالية تفاديًا للانفصال.
تَشكَّل فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل من 40 عضوًا يمثلون أبناء الجنوب وأبناء الشمال مناصفة(47) للنظر في المطالب التي ترتكز في مجملها على مطلب الانفصال وكيف يمكن معالجة وحدة الهوية اليمنية.
أكدت كافة الرؤى المقدمة أن إعلان الوحدة اليمنية في مايو/أيار 1990 “مَثَّل تحقيقًا لآمال اليمنيين وتتويجًا لنضالاتهم”(48). وفي المقابل، ارتأت اللجنة أن حرب 1994 وما حدث بعدها كان بمنزلة “إلغاء الشراكة السياسية للجنوب وتحجيم موقعه ومكانته وحضوره في المعادلة السياسية”(49)؛ مما أدى إلى “انطلاق الحراك الشعبي الجنوبي السلمي بكافة مكوناته في 7 يوليو/تموز 2007(50) كحركة شعبية نضالية سلمية شاملة وحاملة للقضية الجنوبية بعد أن أجهضت الوحدة السلمية ومشروعها النهضوي القائم على التكامل والشراكة”(51).
وفي البعد القانوني للقضية الجنوبية أكدت الرؤية على “عدم وضوح الأسس والآليات السياسية التي قامت عليها الوحدة الاندماجية عام 1990″(52)؛ وهذا يتطلب إعادة النظر بمشروع الوحدة بصيغة الفيدرالية.
رأى فريق القضية الجنوبية للوحدة اليمنية أن يكون “حل القضية الجنوبية حلًّا عادلًا في إدارة دولة موحدة على أساس اتحادي وديمقراطي جديد وفق مبادئ دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية، وذلك عبر وضع هيكل وعقد اجتماعي جديدين يرسيان وحدة الدولة الاتحادية الجديدة وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها… لتمثِّل قطيعة كاملة مع تاريخ الصراعات والاضطهاد وإساءة استخدام السلطة والتحكم في الثروة”(53). وقد أوصى تقرير الفريق بأن “يشكِّل رئيس الجمهورية، رئيس مؤتمر الحوار الوطني، لجنة برئاسته بتفويض من مؤتمر الحوار الوطني لتحديد عدد الأقاليم… وتدرس اللجنة خيار ستة أقاليم -أربعة أقاليم في الشمال واثنين في الجنوب- أو خيار إقليمين وأي خيار ما بين هذين الخيارين يحقق التوافق”(54) مع ضرورة إقرار “ترتيبات بناء دولة اليمن الاتحادية الجديدة تبدأ… بتبني الدستور وتتبع جدولًا زمنيًّا في فترة يحددها الدستور. ويتطلب الانتقال الكامل والفاعل إلى دولة اليمن الاتحادية الجديدة”(55)، وهي حلول تُبقي اليمن موحدًا بـ”هوية سياسية” وتُسقط مطالب الانفصال، وتحافظ على الهوية اليمنية موحدة ضمن هياكل اتحادية نصَّ عليها مشروع الدستور باستلهام مقترحات وثيقة الحوار الوطني.
قسَّم مشروع دستور الدولة الاتحادية هياكل الدولة وسلطاتها ضمن عدة مستويات، المستوى الأول: سلطات الدولة الاتحادية. المستوى الثاني: سلطات الإقليم. المستوى الثالث: سلطات الولاية والمديرية. والمستوى الرابع: منح الاستقلال لبعض الهيئات والمجالس المتخصصة. المستوى الأخير: حدَّد الدستور الاختصاصات والعلاقة بين السلطات، وقد جاءت نصوص مشروع الدستور معبِّرة عن مخرجات وثيقة الحوار الوطني الشامل آخذة بعين الاعتبار الحفاظ على سلامة وحدة الهوية اليمنية وتفادي تمزيقها(56).
غير أن انقلاب الحوثيين، في 21 سبتمبر/أيلول من العام 2014، على الدولة والسلطة الانتقالية وعلى مشروع الدولة المزمع إعادة بنائها، ودخول اليمن في حرب محلية وتدخلات دول الإقليم عسكريًّا منذ 26 مارس/آذار 2015، فإن معطى جديدًا وهو التدخل الخارجي قد أفضى إلى إفشال الانتقال السياسي، وتعميق إنكار الهوية اليمنية.
في طي هذه المتابعة حول جلاء موقف مناضلي اليمن الجنوبي تبيَّن كم كانوا أكثر اندفاعًا للوحدة اليمنية دون حسابات، فقد سجَّل الجنوب اندفاعه نحو الوحدة ضمن ثلاث ملاحم متلازمة جميعها دارت في الجنوب، وليس في الشمال… وهذا يعني أن الجنوب هو صانع الوحدة اليمنية بمفهومها المعاصر انطلاقًا من مدينة عدن التي لولاها لما توحد الجنوب عام 1967 ولما أُعلنت وحدة اليمن في 22 مايو/أيار 1990(57).
ثالثًا: إنكار الهوية: 1994– 2019
لم تشهد الهوية اليمنية في التاريخ المعاصر انكسارًا بفعل ذاتي بقدر ما يكون لذلك الانكسار علاقة بعوامل خارجية تتحكم بالمشهد، أو صراع داخلي عنيف أسرف في الانتقام من حيث يظن أنه يصلح الاعوجاج فزاد منه عتوًّا، ولكليهما علاقة بصراع الهوية اليمنية التي تجلَّت في عنوانين: “1- مطلب الانفصال” وفك الارتباط كعنوان للصراع على السلطة بإعادة تجزئة الهوية، أو رد فعل سياسي يمنع عن دعاته استمرار التجاوز في حقوقهم المشروعة. “2- إنكار الهوية وإلغائها” في مشهد سياسي غير مسبوق يخضع لعامل خارجي يتحكم بالمشهد ويغذيه.
1- مطلب الانفصال وأثره في تجزئة الهوية اليمنية
يتعارض مطلب الانفصال ابتداء مع طموح الشعب اليمني والدستور والقوانين المحلية، والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن التي تنص على “وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه”، لكن مطلب الانفصال السلمي ظل مطلبًا مشروعًا تحت سقف الدولة وفي رحاب الدستور والقانون يخضع لنقاشات مجتمعية واسعة لمعالجته بإشراك كل الأطراف دون إقصاء. ولم تتسلل المخاوف تجاهه من أي ارتداد سياسي أو المساس بالهوية اليمنية، لذلك قدَّم فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء 2015 إحاطة كاملة بالقضية الجنوبية، وتضمنت وثيقة الحوار ترتيبًا للتفاصيل حول “أ- المبررات” للقضية الجنوبية، أو “ب – الحلول والمعالجات المقترحة” لها.
أ- مبررات القضية الجنوبية بما فيها مطلب الانفصال
طَرَحت وثيقة الحوار الوطني في موضوع القضية الجنوبية عبر لجنة مخصصة لها -بما في ذلك ارتفاع الصوت المطالب بالانفصال- سؤال القضية الجنوبية في أبعادها المختلفة متضمنًا: “مبررات قانونية، ومبررات اقتصادية، ومبررات ثقافية واجتماعية” لإبراز جوهر المشكلات فيها.
– مبررات قانونية:
سيتم عرض أهم المبررات القانونية التي بلغت 13 عشر سببًا، دون خوض بالتفاصيل، وأهمها: “عدم وضوح الأسس والآليات التي قامت عليها الوحدة الاندماجية”(58)، وهذا السبب أفصح عنه عند قيام الوحدة فريق واسع داخل قيادة الحزب الاشتراكي الذي لم يكن راضيًا عن صيغة الوحدة الاندماجية الفورية وفي مقدمتهم: حيدر أبو بكر العطاس، الذي كانت تعني له الوحدة اليمنية “الوصول خطوة خطوة إلى وحدة الشعب اليمنـي، والخطوات الملموسة التي يمكن تحقيقها على الأرض”(59). ولا يعفي قيادة الحزب الاشتراكي، ممثَّلة بعلي سالم البيض، من المسؤولية… خاصة وأنه استقوى على رفاقه بقدسية الوحدة لينفرد بقرار تاريخي لا يُحتمل الانفراد به(60).
ومن المبررات الأبرز: “الارتداد عن أحكام دستور دولة الوحدة والتحول إلى الحكم الفردي”(61)، وهذا الاستحواذ على السلطة والاستفراد بها دفع بفريق جنوبي واسع للمطالبة بالتناصف الكامل للسلطة كما جاء في وثيقة العهد والاتفاق الموقعة بين شريكي الوحدة بالعاصمة الأردنية برعاية الملك حسين، ثم القفز إلى مطلب الانفصال مع اندلاع حرب 1994 بين الشمال والجنوب.
ولم تنطفئ جذوة المطالبة بالانفصال بالرغم من الحفاظ على الوحدة بالقوة وتغلب حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه في الشمال على الحزب الاشتراكي وحلفائه في الجنوب، فقد توسعت حركة الاحتجاجات السلمية حتى بلغت مداها على شكل ثورة شعبية سلمية في تاريخ 7 يوليو/تموز 2007، ولذلك كان من أهم المبررات في قرار لجنة القضية الجنوبية اتهام السلطات بـ”قمع الحراك السلمي وسقوط شهداء وممارسة الاعتقالات والإخفاء القسري، وانتهاك الحقوق والحريات والاعتداء على حريات الصحافة وممارسة الإقصاء بتسريح الموظفين الجنوبيين المدنيين والعسكريين بعد حرب 1994″(62).
– مبررات اقتصادية:
لقد كان النظام السياسي في الجنوب نظامًا اشتراكيًّا يقوم على احتكار الدولة للأنشطة الاقتصادية ولا يسمح بالملكية الخاصة، وقد تضمنت الوثيقة في هذا السياق 15 سببًا اقتصاديًّا، من أبرزها سياسة: “تصفية القطاع العام تحت مسمى الخصخصة وتسريح العاملين، وعدم توفير أموال لتطوير القطاع العام وإعادة تأهيله، وصرف مزارع الدولة للنافذين الموالين للسلطة بصنعاء بما في ذلك منحهم امتيازات اكتشافات نفطية وعقود الخدمات النفطية، وفرض إتاوات على الشركات الاستثمارية والنفطية، وإفشال ميناء عدن، والعبث بالثروة السمكية، وتحويل مطار عدن إلى مطار محلي”(63)، وآخرها كانت المبررات الثقافية والاجتماعية(64). وهي مبررات تبدو وجيهة لفهم رد الفعل الغاضب بمطلب الانفصال وفك الارتباط، وكان لابد من بحث مبكر في المعالجات لتفادي أي إضرار بالهوية اليمنية سواء من حيث تعرضها للتجزئة أو محاولة الإنكار.
ب- الحلول والمعالجات: مقاربة دستورية وسياسية
تختصر وثيقة الحوار الوطني جوهر الحل في الحفاظ على الهوية الواحدة للدولة بــ”الحل العادل للقضية الجنوبية في إطار دولة فيدرالية اتحادية -بناء يمن اتحادي جديد- وفق مبادئ دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية، وصياغة عقد اجتماعي يتمثَّل بدستور جديد يرسي وحدة الدولة الاتحادية وسيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، والاعتراف الكامل بالأخطاء المؤلمة والمظالم التي ارتُكبت” وأن عملية الانتقال “تتطلب مشاركة وتعاون جميع الأطراف”(65).
وقد تضمن قرار اللجنة ما أُطلق عليه “المبادئ” الحاكمة لتنفيذ الحلول والمعالجات وتضمن 14 بندًا من الموجهات التي لا يمكن تجاهلها، ونشير إلى الأبرز منها: “إنجاز الدستور، وصيانة الحرية واحترام إرادة الشعب، وتحديد الاختصاصات والمهام للسلطة في كل المستويات الاتحادية، وتوزيع السلطات والمسؤوليات بوضوح، ومنح الأقاليم دورًا في التنمية، واحترام الملكية العامة وصيانة الموارد الطبيعية وتحديد نصيب الأقاليم، وتمثيل الجنوب بنسبة 50 في المئة، والإقرار بالجنسية الوطنية الواحدة”(66).
أبانت مخرجات الحوار في فريق القضية الجنوبية عن الأسباب الموضوعية التي أدت إلى المناداة بالانفصال فقد كانت رد فعل على تجاوزات لم يكن ممكنًا ردعها دون فعل صادم وصوت مسموع، أو انحراف نحو إنكار الهوية اليمنية الذي تبناه “المجلس الانتقالي” الذي استولى على العاصمة المؤقتة عدن بالانقلاب المدعوم من دول التحالف المتدخلة عسكريًّا في اليمن.
2- إنكار الهوية: من الهوية اليمنية إلى الهوية الاستعمارية
تبنى هذا الاتجاه علنًا “المجلس الانتقالي-الجنوبي” بمعنى أنه “غير يمني” كما يتفاخر مستعملًا القوة العسكرية في تنفيذه، ويسجل في خطاباته وإعلاناته وتصريحاته وبيانته مطلب استعادة الدولة باستدعاء الهوية الاستعمارية الطارئة لاستعادة “دولة الجنوب العربي”، ويستهدف هذا التبني “الهوية اليمنية” بإنكارها وإلغائها من مشروع الدولة المزمع إنشاؤها، وتحت هذا العنوان تم إعادة استعمال اسم “أ- الجنوب العربي” بإحياء الهوية الاستعمارية الطارئة، و”ب- فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية”، وكل هذا له علاقة بـ”ج- الدعم الخارجي لإعلان الانقلاب وإنكار الهوية”.
أ- “الجنوب العربي”: أزمة هوية
للتنويه، فإن اسم “الجنوب العربي” ليس له حضور في تاريخ اليمن وإنما هو إرث استعماري يعود إلى العام 1959 حينما شكَّلت بريطانيا “اتحاد إمارات الجنوب العربي” في 11 فبراير/شباط 1959، “وفي شهر أبريل/نيسان 1962، تقرر تبديل الاسم إلى “اتحاد الجنوب العربي” وذلك قبل دخول مستعمرة عدن في الدولة الاتحادية”(67) التي تأخر انضمامها إلى العام 1963(68).
وتحت هذا العنوان يحرص المجلس الانتقالي على إبراز “تسمية الدولة” المأمولة بصيغتها الاستعمارية، ووصف السلطة الشرعية التي يرأسها جنوبي ومعه جنوبيون يمسكون معظم مفاصل الدولة وكل ما له صلة بالشمال باعتباره “احتلالًا” أجنبيًّا.
فمنذ تأسس “المجلس الانتقالي الجنوبي” في 11 مايو/أيار عام 2017، يلاحظ المتتبع الاستعمال للأسماء التي تسلخ جنوب اليمن من هويته التاريخية والسياسية والاجتماعية، وتنقلب على قواعد الدستور والقانون والاعتراف الدولي، وأبرز هذه الأسماء التي تستهدف إنكار الهوية اليمنية: “دولة الجنوب، الشعب الجنوبي، دولة الجنوب العربي”، وهو خطاب يكشف بالأساس عن أزمة هوية وطنية باستدعاء هوية طارئة خارج السياق التاريخي والجغرافي والحضاري والمشروعية الدستورية، ويتعمد المجلس الانتقالي تصعيد حدة الخطاب إلى وصف الدولة اليمنية وسلطتها الشرعية بأنها سلطة احتلال، والتي عليها أن ترحل، وأبرز القوالب المستعملة في هذا التوصيف: “دولة الاحتلال، الاحتلال اليمني، استقلال الجنوب، استعادة دولة الجنوب”.
فقد ورد في البيان الصادر عن أول اجتماع عقده “المجلس الانتقالي” في عدن، في 13 مايو/أيار 2017، أن “هيئة رئاسة المجلس تعبِّر عن أسفها لمحاولات بعض القوى اليمنية (الشمالية) ممارسة ضغوطها ومحاولاتها للنيل من المجلس الانتقالي الجنوبي”، وأكد “على التزام الهيئة الرئاسية للمجلس الانتقالي الجنوبي بأهداف شعب “الجنوب العربي” وثورته ومقاومته الوطنية المتمثلة في استكمال التحرير وتحقيق الاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الفيدرالية الجديدة”. ويعتبر الجنوبيون المدعومون من الإمارات القوات الموالية للرئيس اليمني الجنوبي، عبد ربه منصور، المتمركزة في الجنوب “قوات احتلال” ويرون أن خطة السلام التي طرحتها الأمم المتحدة لتحقيق السلام في اليمن لم تأخذ مصالح الجنوبيين بعين الاعتبار(69). وهذه المصالح تتجسد في الاعتراف بدولة الجنوب العربي، وكأن الانفصال، وهو إجراء سياسي قانوني لجزء من اليمن، لن يكون مشروعًا إلا بضرب الهوية اليمنية الجامعة التي قبلت تاريخيًّا القسمة على كل الدول المتصارعة في جغرافية يمنية واحدة دون إنكار للهوية اليمنية، حتى وهي دول تحمل اسم الحاكم مع الاحتفاظ بالانتماء لهوية يمنية جامعة لا يمكن تجاوزها أو إلغاؤها، لكن المجلس الانتقالي يسعى لفرض خياراته مستعملًا القوة العسكرية لغياب التجاوب الشعبي جنوبًا.
ب- فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية
شكَّلت الإمارات في عدن عددًا من الألوية العسكرية المعززة بالسلاح الثقيل تحت اسم قوات الحزام الأمني، وألوية الدعم والإسناد، وأوكلت مهام قيادتها إلى هاني بن بريك، نائب المجلس الانتقالي(70). وقد تحركت هذه القوات في يناير/كانون الثاني 2018 للسيطرة على عدن، وسقط منها كثير من الضحايا ولم تستكمل المهمة حينها. وفي 7 أغسطس/آب 2019، أعلن هاني بن بريك النفير العام -وظهر معه ثمانية من قيادات المجلس الانتقالي- في تسجيل بثَّـه عدد من القنوات لجميع قواته العسكرية داعيًا إياها لاقتحام القصر الرئاسي والمعسكرات التابعة للقوات الحكومية المعترف بها دوليًّا، والسيطرة على العاصمة المؤقتة، عدن، وكل المحافظات الجنوبية التي يحكمها جنوبيون و”قوَّض استيلاءُ الانفصاليين، المدعومين من الإمارات على القصر الرئاسي في عدن، أركانَ حكومة هادي التي تُحمِّل المجلس الانتقالي الجنوبي ودولة الإمارات ما وصفته بـ”تبعات الانقلاب” في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة(71).
ولم يكتف المجلس الانتقالي بالسيطرة الكاملة على العاصمة المؤقتة، عدن، بل تحرك بقوات عسكرية إماراتية إلى محافظة أبين والاستيلاء عليها في 20 أغسطس/آب 2019، وتناقلت الحدثَ معظم وكالات الأخبار العالمية والعربية. وأعلن “الانتقالي” أنه سيستمر بإخضاع كل المحافظات الجنوبية “شبوة وحضرموت والمهرة” لسيطرته في قادم الأيام، ومِثلُ هذا الانقلاب ليس ممكنًا حدوثه دون دعم خارجي للانفصال والإطاحة بالسلطة واستهداف الهوية.
ج- الدعم الخارجي “الانقلاب وانكسار الهوية”
لا يمكن للعامل الخارجي النفاذ إلى الداخل دون أبواب مشرَّعة وأطراف داخلية تستعين به لحسم صراعاتها ضد بعضها. فقد نشأ المجلس الانتقالي بدعم إماراتي سعودي بالمال والسلاح والتخطيط والتدريب والتوجيه ولا يستند في تأسيسه إلى شرعية شعبية، كما أنه ليس حزبًا سياسيًّا ليكون نشاطه ضمن السياق القانوني في طرح المطالب الشعبية القابلة للنظر.
تغاضت الحكومة الشرعية كثيرًا عن سلوك الإمارات في تشكيلها جيشًا موازيًا يتبعها ولا يخضع للحكومة الشرعية بل يقوض سلطاتها، وقد أصدرت الحكومة -بعد صمت طويل- بيانًا تُحمِّل فيه “دولة الإمارات العربية المتحدة المسؤولية الكاملة عن التمرد المسلح لمليشيا ما يسمى بالمجلس الانتقالي وما ترتب عليه”، وتدعوها إلى “إيقاف كافة أشكال الدعم والتمويل لهذه المليشيات”(72) معتبرة أن هذا الدعم “يتعارض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن وأهداف تحالف دعم الشرعية”(73). ودعا البيان الحكومي إلى “مواجهة التمرد المسلح بكل الوسائل التي يخولها الدستور والقانون وبما يحقق إنهاء التمرد وتطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقتة، عدن”(74).
وفي الإحاطة التي قدمها مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن أثناء جلسة حول اليمن، وصف ما يجري بأنه “تمرد مسلح على الحكومة الشرعية من قِبل ما يسمى المجلس الانتقالي وقوات الحزام الأمني التابعة له وبدعم مالي ولوجستي وإعلامي من قبل الإمارات”، وأوضح أنه “لولا الدعم الكامل الذي وفرته الإمارات تخطيطًا وتنفيذًا وتمويلًا لهذا التمرد ما كان له أن يحدث”(75). وبلغ الدعم الخارجي ذروته للمجلس الانتقالي بعدن بقصف الطيران الإماراتي للقوات الحكومية التابعة للسلطة الشرعية، وعلَّلت الإمارات في بيان رسمي أنها قصفت مجموعات إرهابية(76). ومن الملاحظ أن ثمة توجهًا عامًّا رسميًّا وغير رسمي لدى الإمارات والسعودية بدعم وتشجيع الانفصال والتمرد على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا، وثمة أصوات خليجية تطالب بتقسيم اليمن ولا يمكنها فعل ذلك دون ضوء أخضر من السلطات(77).
وتتعزز القناعة لدى اليمنيين بأن ثمة أطرافًا مؤيدة لفكرة الانفصال داخل النخبة الحاكمة السعودية، والتي ترى أن اليمن الواحد هو خطر استراتيجي عليها، ومن مصلحة السعودية إرجاع الوضع إلى ما كان عليه قبل الوحدة(78) وأن السعودية والإمارات “تعملان على تقسيم البلاد لتستولي الإمارات على الجزر والموانئ في الجنوب، وتسيطر السعودية على مناطق في الشمال والشرق”(79). ولم يعد خافيًا أن “السلطة السعودية تعادي الحوثيين فعلًا كما تعادي أئمة الزيدية في اليمن، لكنها تعادي حرية الشعب اليمني ووحدته عداوة أكبر من عداوتها للحوثي وللنظام الإمامي في اليمن”(80)، وهي متهمة بالتغاضي عما يجري أو شريكة فيه.
خاتمة
لم تكن الدعوة إلى الانفصال والإضرار المتعمد بالهوية اليمنية، إما بتجزئة الهوية أو إنكارها، عبثًا أو نزقًا صرفًا بل كانت صراعًا تحت ثلاثة عناوين.
– صراع على السلطة: تحت عنوان استعادة الدولة “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” إثر فشل سياسي وعسكري والادعاء بأحقية التمثيل المطلق للجنوب دون سند شعبي أو مشروعية دستورية وقانونية.
– صراع مطلبي حقوقي لليمنيين في الجنوب: ويتمثَّل في الدفاع الموضوعي ضد الانسحاق؛ فقد أساءت السلطة الاستبدادية في صنعاء للجنوب والشمال على حدٍّ سواء، ومارست الظلم والطغيان وانتهاك الكرامة وإهدار الحقوق، فكانت الدعوة للانفصال جنوبًا سلاحًا ضد هذا العبث والتجاوز، إما بحثًا عن معالجات حقيقية تؤدي إلى حلول ومعالجات لتجاوز الصدع والحفاظ على الهوية السياسية الواحدة لليمن بصيغة يرتضيها الجميع، أو تشطير الهوية اليمنية بين نظامين سياسيين إذا فشلت تلك التسويات فلا تُسقط عن الأجيال حقها بإعادة النظر بتوحيد الهوية من جديد.
– إنكار الهوية: وهو صراع الارتزاق والابتزاز السياسي، بسبب تدخل العامل الخارجي باعتباره المحرك لهذا الفريق بالمال والسلاح والتخطيط والدعم المفتوح بغرض ممارسة النفوذ والأطماع.
ويترتب على الهوية الوطنية اكتساب حقوق قانونية ودستورية مثل الجنسية وجواز السفر وبطاقة التعريف الوطنية والعملة والنشيد الوطني والعلم، وحق الإقامة والتملك والانتقال دون قيود وممارسة الحريات العامة المنصوص عليها دستورًا وقانونًا. فكيف سيتم منح هذه الحقوق للمواطن الجنوبي من دولة منزوعة الهوية لن يكون حصولها على الاعتراف الدولي سهلًا ولا مقدورًا على المدى المنظور.
ولا يمكن توقع انتهاء صراع الهوية والجنوح نحو الاستقرار دون تنفيذ ما أفضت إليه مخرجات الحوار الوطني في العام 2015 بإعادة بناء دولة يمنية فيدرالية تتجاوز أخطاء الوحدة الاندماجية وتحول دون الإصرار على إنكار الهوية، أو الإصرار على الانفصال وسلخ اليمن من هويته في عسف جائر لطموح اليمنيين في الجنوب قبل الشمال.
المراجع
(1) زيد بن علي عنان، تاريخ حضارة اليمن القديم، ط1 (القاهرة، المطبعة السلفية، 1949)، ص 10، وحول “ملوك عاد والأحقاف والربع الخالي” المرجع السابق، ص 71. انظر أيضًا: أبو محمد الحسن الهمداني، صفة جزيرة العرب، (ليدن (ب.ت))، ص 47-48.
(2) محمد عبد القادر بافقيه، تاريخ اليمن القديم، (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1985). مملكة أوسان، ص 21. مملكة معين ص 25، مملكة قتبان ص 33، مملكة حضرموت ص 39، مملكة سبأ ص 51، مملكة سبأ وذو ريدان ص 79، مملكة سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت ص 139.
(3) عبد الرحمن بن خلدون، العبر وديون المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر تاريخ بن خلدون، (عمان، بيت الأفكار الدولية، (ب. ت))، ص 351.
(4) المرجع السابق، ص 447.
(5) طاهر شمسان، “القضية الجنوبية: الجذور، المحتوى، الحل (نص المحاضرة)”، الاشتراكي نت، 4 يوليو/تموز 2014، (تاريخ الدخول: 15 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/2LfYusB.
(6) جورج بوردو، الدولة، ترجمة سليم حداد، ط 2 (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات، 1987)، ص 153-154.
(7) عبد الإله بلقزيز، الدولة والمجتمع: جدليات الانقسام في الاجتماع العربي المعاصر، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2008)، ص 106.
(8) محمد عمارة، “إما الجامعة الإسلامية أو التشرذم والتفتيت”، الديمقراطية (السنة 13، العدد 50، أبريل/نيسان 2013)، ص 36.
(9) محمد عمارة، “الهوية الحضارية”، الهلال (القاهرة، فبراير/شباط 1997)، ص 35-36.
(10) نديم البيطار، “مفهوم الهوية القومية والمستقبل العربي”، الباحث (العدد 1 (13)، سبتمبر/أيلول- أكتوبر/تشرين الأول 1980)، ص 10.
(11) بيكو باريك، سياسة جديدة للهوية، ترجمة حسن محمد فتحي، ط 1 (القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2013)، ص 102.
(12) محمد عابد الجابري، “العولمة والهوية الثقافية: عشر أطروحات”، المستقبل العربي (السنة العشرون، العدد 228، فبراير/شباط 1998)، ص 15-16.
(13) طاهر شمسان، “القضية الجنوبية: الجذور، المحتوى، الحل”، مرجع سابق.
(14) عزمي بشارة، المجتمع المدني: دراسة نقدية، ط 2، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012)، ص 271.
(15) انظر: صمويل هنتنغتون، صراع الحضارات..إعادة صنع النظام العالمي، ترجمة طلعت الشايب، ط 2 (سطور للتوزيع والنشر، 1999)، ص 203-335-431.
(16) فرانسيس فوكو ياما، نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، ط 1، (القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1993)، ص 251.
(17) استقى بيير بورديو تفسيراته من نظريات اجتماعية عديدة في البنيوية التكوينية من علماء رواد أمثال: ماكس فيبر(Max Weber) البعد الرمزي، وكارل ماركس(Karl Marx) الرأسمال وصراع الطبقات، وإميل دوركايم (Émile Durkheim) التفسير السببي، وكلود ليفي شتراوس(Claude Lévi-Strauss) ، ومارسيل موس(Marcel Mauss) البنيوية، وموريس ميرلوبونتي(Maurice Merleau-Ponty) وإدموند هوسرل(Edmund Husserl) الفينومينولوجيا وفكرة الجسد الخاص، ولودفيغ فيتغنشتاين (Ludwig Wittgenstein) الطبيعة، وباسكال(Pascal) قواعد الفاعلين المجتمعيين.
(18) انظر: بيار أنصار، العلوم الاجتماعية المعاصرة، ترجمة نخلة فريفر، ط 1 (بيروت، المركز الثقافي العربي، 1992)، ص 93-106-128.
(19) محمد إبراهيم عيد، “الهوية الثقافية في عالم متغير”، الطفولة والتنمية (العدد 3، 1/2001)، ص 110.
(20) باريك، سياسة جديدة للهوية، مرجع سابق، ص 102.
(21) أ. الكسندروف وآخرون، تاريخ اليمن المعاصر 1917- 1982، ترجمة محمد البحر، (القاهرة، مكتبة مدبولي، 1990)، ص 171.
(22) “علي سالم البيض، أمين عام الحزب الاشتراكي ونائب رئيس الجمهورية اليمنية”، مقابلة تليفزيونية، قناة بي بي سي، 22 يوليو/تموز 2014. ومحمد النعماني، “القوي السياسية الجنوبية- الأصالة والمعاصرة”، يمنات، 5 أغسطس/آب 2010، (تاريخ الدخول: 1 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/2VqgLqy.
(23) شمسان، “القضية الجنوبية: الجذور، المحتوى، الحل”، مرجع سابق.
(24) محمد عمر الحبشي، اليمن الجنوبي سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا منذ عام 1937 وحتى قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، (بيروت، دار الطليعة، 1970)، ص 51.
(25) المرجع السابق، ص67.
(26) شاكر الجوهري، الصراع في عدن، ط 1 (القاهرة، مكتبة مدبولي، 1992)، ص 27.
(27) تأسست رابطة أبناء الجنوب العربي عام 1951 على إثر اضمحلال الجمعية الإسلامية الكبرى، وقد تحول اسمها بفعل انتصار خيار الهوية اليمنية بعد الاستقلال إلى “رابطة أبناء اليمن في الجنوب”. وحول نشأة الأحزاب والمنظمات السياسية الوطنية قبل الاستقلال، انظر: علي الصراف، اليمن الجنوبي: الحياة السياسية من الاستقلال إلى الوحدة، ط 1، (قبرص، رياض الريس للنشر والتوزيع، 1992)، ص 58 وما بعدها.
(28) الحبشي، اليمن الجنوبي سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، مرجع سابق، ص 102-103.
(29) علي الصراف، اليمن الجنوبي، مرجع سابق، ص77. جاد طه، سياسة بريطانيا في اليمن الجنوبي، (القاهرة، دار الفكر العربي، 1969)، ص 390-391.
(30) انظر تفاصيل هذا الصراع: الجوهري، الصراع في عدن، مرجع سابق، ص 176.
(31) المرجع السابق، ص 161.
(32) تأسست “الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل” من الاستعمار البريطاني، في 19 أغسطس/آب 1963، في مدينة صنعاء في أول اجتماع حضره عدد من قيادة حركة القوميين العرب في اليمن، وتمخض عن هذا الاجتماع في وقت لاحق إصدار ميثاق الجبهة القومية الذي أُقِرَّ في مؤتمرها الأول المنعقد في يونيو/حزيران 1965. للتوسع ،راجع: الصراف، اليمن الجنوبي، مرجع سابق ص 151 وما بعدها. ألكسندروف وآخرون، تاريخ اليمن المعاصر، مرجع سابق، ص 178. الجوهري، الصراع في عدن، مرجع سابق، ص 83.
(33) لمعرفة تفاصيل إسقاط الجبهة القومية عسكريًّا وشعبيًّا للإمارات والمشيخات الموالية للاستعمار، كان آخرها جزيرة سقطرى في يوم إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967. انظر: الجوهري، الصراع في عدن، مرجع سابق، ص 174.
(34) “علي سالم البيض”، مرجع سابق.
(35) شمسان، “القضية الجنوبية: الجذور، المحتوى، الحل”، مرجع سابق.
(36) المرجع السابق.
(37) “مقتطفات نصوص الميثاق” في: الجوهري، الصراع في عدن، مرجع سابق، ص 82.
(38) دستورا الشطرين موثقان في ملحق كتاب: خالد القاسمي، الوحدة اليمنية حاضرًا ومستقبلًا، ط 3، (بيروت، دار الحداثة، 1988)، ص 264-266.
(39) “في كلمة الرئيس الجنوبي سابقًا، حيدر أبو بكر العطاس”، الاتحاد، أبوظبي، 11 أغسطس/آب 1988.
(40) “في كلمة رئيس حكومة الجنوب سابقًا، ياسين سعيد نعمان، الخليج، الشارقة، 18 يونيو/حزيران 1988.
(41) برنامج الحزب الاشتراكي أكتوبر/تشرين الأول 1978 “برنامج الحزب الاشتراكي الذي تكون من تسعة فصول اشتمل الفصل الأول من البرنامج “القضية الوطنية” ومعالجة رؤية الحزب لقضية الوحدة اليمنية، وشروطها، ومضمونها، وكيفية تحقيقها”. انظر أيضًا: حسن أبو طالب، الوحدة اليمنية: دراسات في عمليات التحول من التشطير إلى الوحدة، ط 1 (بيروت، مركز دراسة الوحدة العربية، 1994)، ص 63.
(42) المرجع السابق، ص 68.
(43) اتفاقية القاهرة 28 أكتوبر/تشرين الأول 1972، قمة طرابلس، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1972 لتنفيذ قمة القاهرة. قمة الجزائر 4 سبتمبر/أيلول 1973 لتنفيذ قمة القاهرة. اتفاقية الكويت في 30 مارس/آذار 1979. توقيع ثلاث اتفاقيات لأول مرة بعد أحداث 13 يناير/كانون الثاني في العام 1988، اتفاقية إحياء النشاط الوحدوي واتفاقية للاستثمار المشترك واتفاقية تنقل المواطنين بين الشطرين بالبطاقة وتنفيذها فعليًّا. اتفاقية عدن والتمهيد لإعلان الوحدة 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1989. اتفاقية إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية 22 أبريل/نيسان 1990. قيام الوحدة الاندماجية الكاملة بين الدولتين وإعلان الجمهورية اليمنية 22 مايو/أيار 1990.
(44) شمسان، “القضية الجنوبية: الجذور، المحتوى، الحل”، مرجع سابق.
(45) المرجع السابق.
(46) مصطفى عنبر، “رئيس بحكومة اليمن الجنوبية: شعب الجنوب لن يمرر الانتخابات الرئاسية القادمة”، اليوم السابع، 12 فبراير/شباط 2012، (تاريخ الدخول: 25 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/2UlBJ9h.
(47) النظام الداخلي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، الفقرة (8) المادة (12) صنعاء 2013- 2014، “وثيقة الحوار الوطني”، ص 30، علمًا بأن نسبة سكان الجنوب إلى الشمال هي 1: 4 عند إعلان الوحدة اليمنية.
(48) “وثيقة الحوار الوطني، فريق القضية الجنوبية”، صنعاء 2013-2014، ص 33.
(49) المرجع السابق، ص 32.
(50) 7 يوليو/تموز 1994 هو تاريخ انتهاء الحرب بين شريكي الوحدة (جنوب- شمال) وفرض الشمال الوحدة بالقوة تحت شعار “الوحدة أو الموت” رفعه الفريق المنتصر أثناء المعركة. وتولدت حركة احتجاجية واسعة في الجنوب تطالب بفك الارتباط في 7 يوليو/تموز 2007، وهي الثورة السلمية، وكانت الأسبق على ثورة الربيع اليمني ضد نظام صالح في 11 فبراير/شباط 2011.
(51) “وثيقة الحوار الوطني”، مرجع سابق، ص 32.
(52) المرجع السابق، ص 33.
(53) المرجع السابق، ص 38.
(54) المرجع السابق، ص 40.
(55) المرجع السابق، ص 40.
(56) مشروع دستور اليمن الجديد، صنعاء، 2015، السلطات الاتحادية ص 31، سلطة الأقاليم 43، سلطات الولاية والمديرية ص 45، الهيئات المستقلة ص 48، الاختصاصات والعلاقة بين السلطات (الفصل الأول والثاني من الباب الخامس)، ص 59.
(57) شمسان، “القضية الجنوبية: الجذور، المحتوى، الحل”، مرجع سابق.
(58) “وثيقة الحوار الوطني”، مرجع سابق، ص 33.
(59) اليوم السابع، 4 سبتمبر/أيلول 1989.
(60) شمسان، “القضية الجنوبية: الجذور، المحتوى، الحل”، مرجع سابق.
(61) “وثيقة الحوار الوطني”، مرجع سابق، ص 33.
(62) المرجع السابق، ص 33.
(63) المرجع السابق، ص 34.
(64) “ثقافة التكفير والتخوين، وعدم استيعاب التنوع الثقافي، وتمجيد ثقافة الحرب، وتجاهل الاختلافات الاجتماعية، وتراجع دور المرأة، والتقليل من شأن الرموز الجنوبية والقيادات النضالية ومؤسساته الإعلامية والثقافية، والاستعلاء وشيوع ثقافة الانتصار على الجنوب، وعسكرة الحياة في الجنوب، ونهب الآثار والمخطوطات وتهريب مقتنيات المتحف الوطني، وتغيير أسماء الشوارع والأحياء وأسماء المدارس والمستشفيات، إحياء ثقافة الثأر القبلية، والتدهور في الخدمات العامة”، “وثيقة الحوار الوطني الشامل”، ص 35-36.
(65) “وثيقة الحوار الوطني”، مرجع سابق، ص 38.
(66) المرجع السابق، ص 38- 39.
(67) الحبشي، اليمن الجنوبي سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، مرجع سابق، ص 58.
(68) طه، سياسة بريطانيا في اليمن الجنوبي، مرجع سابق، ص 373.
(69) “هل بات أبناء الجنوب على قناعة بأن اليمن لن يعود دولة موحدة”، بي بي سي عربي، 12 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 15 أغسطس/آب 2019): https://bbc.in/33itdeE.
(70) بينما شكلت في المحافظات الجنوبية الأخرى قوات النخبة “النخبة الشبوانية، والنخبة الحضرمية” وربما لاحقًا نسمع عن النخبة المهرية والنخبة السقطرية.
(71) “بعد سيطرة المجلس الانتقالي على عدن.. هل الانفصال قادم؟”، دويتشه فيله، 15 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 16 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/2Vwl2Zj.
(72) “بيان الحكومة بخصوص الأحداث بعدن”، وكالة الأنباء اليمنية، 20 أغسطس/آب 2019.
(73) المرجع السابق.
(74) المرجع السابق.
(75) عبد الله السعدي، مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، وكالة الأنباء اليمنية، 20 أغسطس/آب 2019.
(76) أصدرت الحكومة اليمنية بيانًا بتاريخ 29 أغسطس/آب 2019 يندد بهذا القصف الذي استهدف الجيش اليمني دعمًا للمجلس الانتقالي الانقلابي، وعقبه بيان إماراتي يبرر هذه القصف بتاريخ 30 أغسطس/آب 2019.
(77) ثمة مواقف حكومية رسمية إماراتية وخطاب سياسي وإعلامي إماراتي وسعودي يدعو إلى انفصال الجنوب، وهي رائجة في وسائل الإعلام والإعلام البديل وغير خفية ولا محدودة. صدرت بعدة صحف ومقالات وتغريدات عن شخصيات رسمية في حكومة الإمارات أو شخصيات إعلامية تحظى بدعم حكومي لدى البلدين. انظر: إسماعيل عزام، “الرهان على الانفصاليين.. آخر مسمار في نعش التحالف العربي باليمن”، دويتشه فيله، 8 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 10 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/31uCEqp. “سحب الصلاحيات من الوزارة لصالح القوات المشتركة: مصدر عسكري يكشف لموقع بوست تفاصيل تغييرات سعودية لإضعاف وزارة الدفاع اليمنية”، الموقع بوست، 19 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 25 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/35lDbhc.
(78) عبد الناصر مودع، “السعودية وانفصال جنوب اليمن”، القدس العربي، 25 مايو/أيار 2019.
(79) عبد الباري طاهر، تقرير إخباري، دويتشه فيله، 15 أغسطس/آب 2019.
(80) محمد المختار الشنقيطي، “أوراق الربيع (47) السعودية ومصرع الابتسامة اليمنية”، مدونات الجزيرة، 13 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 15 أغسطس/آب 2019): https://bit.ly/2HfThyB