ملخص:
تهدف الدراسة إلى رصد القضايا التي تعاطى معها الإعلام الفرنسي حول الإسلام والمسلمين، وتبحث أُطُرَ ومحددات خطاباته باستخدام منهج تحليل المحتوى لعينة قصدية من المواد الإعلامية بصحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو”. وتوصلت الدراسة إلى أن الإسلام هو الأكثر تشويهًا من قِبَل الإعلام الفرنسي، كما أن هذه النظرة السلبية نتيجةُ تراكمات الحواجز النفسية وخطاب الكراهية تجاه الإسلام، والتي بدورها أدت إلى اتساع هوة العداء.
كلمات مفتاحية: وسائل الإعلام، الصورة النمطية، الإسلام، المسلمون، الخطاب الإعلامي.
This study explores the issues addressed by the French media regarding Islam and Muslims and examines the nature of its discourse using the content analysis method for a purposive sample of press materials from the websites of Le Monde and Le Figaro. The study reveals that the image of Islam is most distorted by French media and that this negative view is the result of the accumulation of psychological barriers and hatred towards Islam, which in turn has led to the amplification of hostility.
Keywords: Media, Stereotypes, Islam, Muslims, Media Discourse.
مقدمة
تُمثِّل وسائل الإعلام في الوقت الراهن مصدرًا مهمًّا للمعلومات لدى الأفراد، حيث يعتمد عليها هؤلاء في حصولهم على الأخبار والمعرفة، وفي جزء من هذه المعرفة هناك ما يتعلق بالأشخاص، والشعوب، والثقافات، وهذا ما ذهب إليه منظور الاعتماد على وسائل الإعلام. كما أن هذه الوسائل لها القدرة على صناعة الصور النمطية، وتحديد الإطار الذي يجب أن نُفكِّر بداخله، مما ينعكس على البنية الإدراكية للمتلقي بالنسبة للعالم، والأشياء والأشخاص.
وقد تعزَّز هذا الاتجاه بعدة اجتهادات تنظيرية ترى أن وسائل الإعلام تُحدِّد رؤيتنا للعالم، وتبني لنا واقعًا جديدًا يُسمَّى الواقع الإعلامي. ومن هذه الاجتهادات: منظور الغرس الثقافي، وبناء الواقع الاجتماعي، والصورة النمطية. وعطفًا على ذلك، فإن جزءًا من معارف ومدركات الفرد في الدول الغربية حول الإسلام والمسلمين، يستقيه من وسائل الإعلام.
ويُعَدُّ الإعلام الغربي من الفواعل في صياغة التَّمثُّلات عن الإسلام والمسلمين عبر ما يُنتِجُه من خطاباتٍ عن هذه الجماعة البشرية، تفتقر في كثير من الأحيان إلى الحياد والإنصاف، لاقترانها بقوى وتجاذبات تتحكَّم في مسارات تَشكُّلها، فتأتي مُشَوَّهة ومنحرفة(1). وعليه، فإن جانبًا مما يُدرِكه المتلقي الغربي عن الإسلام والمسلمين هو الصورة الإعلامية لا الحقيقة.
وقد أظهرت بعض الدراسات أن الإسلام والمسلمين يُقَدَّمَان بصورة سلبية شكلًا ومضمونًا في وسائل الإعلام الغربية(2). ويرتبط التناول الإعلامي للإسلام والمسلمين بخلفيات فكرية وأيديولوجية، وكذلك بأجندات سياسية، وبعضُه (التناول) برهانات السوق الإعلامية وما تفرضه من منافسة، حيث تُعطَى الأولوية للمنطق التجاري على الاعتبارات الأخرى(3). كما يعود التعامل مع الإسلام والمسلمين من قِبَل الإعلام وما يُنتِجُه من صور سلبية حولهما؛ إلى فكرة “الأنا” و”الآخر” المختلِف، مثلما أشار إلى ذلك إدوارد سعيد في نقده للاستشراق.
ومن خلال وسائل الإعلام المتحَيِّزة، ينظر الغرب للإسلام والمسلمين نظرة أحادية تقوم على التجانس، والتطرف كأصل في هذه الثقافة. وتُصوِّر هذه الوسائل الإسلامَ والمسلمين في صراع مستمر مع الغرب، وتَقْرِنُهما بالإرهاب، والتطرف، والعنف… وهذا ما يُعرِّضهما للعنصرية، والتمييز، والمعاملة غير الإنسانية.
إن مسألة تَمْثِيل الإسلام والمسلمين من قِبَل الإعلام الغربي، وتحديدًا الفرنسي، هو ما تهدف إليه هذه الدراسة، وذلك للتعرف على صورة الإسلام في وسائل الإعلام الغربية، بكل أبعادها وملامحها، ثم رصد صناعة الخوف من الإسلام والمسلمين في الإعلام الغربي، لتُعرِّج على التناول الإعلامي للإسلام والمسلمين في فرنسا، ثم تحلِّل عيِّنة من المواد الإعلامية في صحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو” لمعرفة أنماط خطاباتهما وكيفية صياغتهما لصورة الإسلام والمسلمين في البلاد.
- الإطار المنهجي والنظري للدراسة
أ- مشكلة الدراسة وتساؤلاتها
يتعرَّض الإسلام والمسلمون إلى حملات تشويه متكررة من قبل وسائل الإعلام الغربية، وتتصدَّر القضايا المرتبطة بهما الصفحات الأولى للصحف والمجلات، وكذلك نشرات الأخبار، لإضفاء الأهمية والتركيز عليها، كلما كانت هناك أعمال عنف، والهجمات التي تُوصف بالإرهابية، وضلوع المنتسبين للإسلام فيها. وتصنع هذه التغطية الإخبارية صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين غالبًا ما تكون سلبية بحسب بعض الدراسات التي اهتمت بهذا الموضوع(4)، في حين يتمُّ تجاهل تسامح الإسلام ونَبْذِه للعنف، وما يحمله من قيم التكافل والتعايش، وكل ما حققته الحضارة الإسلامية، خاصة في مجال العلوم، كما يشير الباحث الفرنسي جاك أتالي (Jacques Attali)(5).
لقد أنتج هذا النوع من التغطية تَمثُّلاتٍ سلبية لدى الفرنسيين تجاه الإسلام والمسلمين، حيث بيَّن استطلاع للرأي أعدَّته المؤسسة الفرنسية للرأي العام (IFOP) أن 43% من الفرنسيين يعتبرون وجود جالية مسلمة تهديدًا لهوية المجتمع الفرنسي، والنسبة نفسها تُعارض بناء المساجد على التراب الفرنسي، في حين أن نسبة 63% تُعارض ارتداء الحجاب في الأماكن العمومية.
وإزاء هذا التوتر الذي يطبع العلاقة بين الرأي العام الفرنسي والإسلام ومنتسبيه، تأتي هذه الدراسة التحليلية لبحث التَّمثُّل الإعلامي للإسلام والمسلمين عبر الخطابات التي يُنتِجُها الإعلام الفرنسي من خلال التساؤل الآتي: ما أبعاد صورة الإسلام والمسلمين في الخطابات الإعلامية لصحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو”؟
ويتفرع عن هذا السؤال الإشكالي حقلٌ استفهامي يتناول مكونات هذه الصورة والتَّمثُّل الإعلامي للإسلام والمسلمين في الصحيفتين:
- ما بنية الخطاب الإعلامي لصحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو” في معالجتهما لقضايا الإسلام والمسلمين؟
- ما نوع القضايا التي عالجتها “لوموند” و”لوفيغارو” ولها علاقة بالإسلام والمسلمين؟
- ما طبيعة المصادر الصحفية المعتمدة في تحرير الأخبار المتعلقة بالإسلام والمسلمين؟
- ما محددات وأطر الخطاب الإعلامي للصحيفتين في تمثُّلاته للإسلام والمسلمين؟
- ما الأبعاد الفكرية والنفسية لصورة الإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي للصحيفتين؟
- ما الشخصيات الفاعلة في خطاب الصحيفتين ولها علاقة بتناول قضايا الإسلام والمسلمين؟
- ما اتجاه الصحيفتين نحو معالجة المواضيع التي لها علاقة بالإسلام والمسلمين؟
- ما أساليب الدعاية في معالجة قضية الإسلام والمسلمين في الصحيفتين؟
ب- أسباب وأهمية الدراسة
تُعَدُّ الحملات الإعلامية وما تُنتِجه من خطابات التحريف لحقيقة الإسلام والمسلمين من قِبَل الإعلام الغربي عمومًا، والإعلام الفرنسي خصوصًا، سببًا للقيام بهذه الدراسة؛ فالإعلام الموجَّه في نسخته الفرنسية يحاول في كل مرة استغلال حرية التعبير لأجل تبرير الإساءة ضد المسلمين ومقدَّساتهم، وهذا الأمر لا يتوقف على فرنسا فقط، وإنما نجد ذلك أيضا في أوروبا وأميركا ضد الجاليات المسلمة؛ إذ يعتقد البعض -بفعل تأثير الآلة الإعلامية- أن ما يحدث داخل المجتمع الفرنسي من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية سببُها المسلمون، ويُسْتَغَلُّ ذلك لتنميط كل ما له علاقة بهم. فهذه الصورة النمطية عن الإسلام لم تتغيَّر منذ عقود من الزمن، وسنحاول في هذه الدراسة كشف خلفيات الإساءة المتكرِّرة للإسلام والمسلمين من خلال تحليل عينة من صحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو”.
وتكتسي الدراسة أهمية علمية انطلاقًا من اهتمامها بمسألة صناعة الصور النمطية من قِبَل وسائل الإعلام، وقدرتها على تشكيل الإدراك، والمعارف، والاتجاهات نحو العالم، والأشخاص، والمواقف. وقد استرعى هذا المبحث الكثير من العاملين في حقل علوم الإعلام ولا يزال، ونتج عن هذه الجهود منظورات نذكر منها: منظور الغرس الثقافي، ومنظور بناء المعنى، ومنظور الصورة الذهنية.. وكلها حاولت تقديم إجابات حول تأثير وسائل الإعلام وقدرتها على تشكيل الآراء والاتجاهات إزاء القضايا والجماعات، وقد سارت هذه الدراسة في ذات المنحى.
وتُصنَّف الدراسة ضمن البحوث العديدة التي اهتمت بتَمْثِيل الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، وصناعة الصور النمطية حولهما، وما يُثيره هذا التَّمْثِيل من جدل يتعلق ببواعث ومبررات الصور السلبية التي يُسَوِّقُها الإعلام الغربي حول الإسلام والمسلمين حسب نتائج الدراسات التي أثارت هذا السؤال. وتهتم هذه الدراسة بمعرفة آليات صناعة الصورة النمطية عن المسلمين والإسلام في الإعلام الفرنسي كنموذج للإعلام الغربي، والأبعاد المشكِّلة لهذه الصورة من حيث البنى والمضامين.
ج- أهداف الدراسة
تسعى الدراسة في سياق تحليل محتوى الخطاب الإعلامي لصحيفتي “لوموند” ولوفيغارو” إلى:
– الكشف عن بنية وطبيعة الخطاب الإعلامي لـلصحيفتين في معالجة قضايا الإسلام والمسلمين.
– التعرف على أهم القضايا التي عالجتها الصحيفتان ولها علاقة بالإسلام والمسلمين.
– معرفة محددات وأطر الخطاب الإعلامي للصحيفتين في تَمَثُّلاتهما للإسلام والمسلمين.
– تحديد الأبعاد الفكرية والنفسية لصورة الإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي للصحيفتين.
– إبراز الشخصيات الفاعلة في الخطاب الإعلامي للصحيفتين ولها علاقة بتناول قضايا الإسلام والمسلمين.
– تحديد اتجاه صحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو” في معالجة المواضيع التي لها علاقة بالإسلام والمسلمين.
– التعرف على ملامح وأبعاد الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي للصحيفتين.
– التعرف على الخلفيات والأسانيد التي يحتكم إليها الإعلام الفرنسي في إنتاج خطابه حول الإسلام والمسلمين.
د- حدود الدراسة
– الحدود الزمنية: أُنْجِزَت الدراسة في الفترة الممتدة بين 15 أكتوبر/تشرين الأول و20 ديسمبر/كانون الأول 2020، وهي الفترة الزمنية التي شهدت أحداثًا كثيرة في فرنسا لها علاقة بتنميط صورة الإسلام والمسلمين في مختلف وسائل الإعلام، نتيجة مقتل المعلم الفرنسي صامويل باتي (Samuel Paty) في مدرسة فرنسية، وإعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد ﷺ، وأيضًا خروج مظاهرات في دول عربية وإسلامية عدة تُندِّد بالإساءة المستمرة لمقدسات المسلمين في أوروبا.
– الحدود المكانية: ركزت الدراسة على صحيفتين فرنسيتين هما “لوموند” و”لوفيغارو” اللتان تصدران بشكل يومي في فرنسا، وذلك لأجل تحليل محتويات هاتين الصحيفتين في الفترة الزمنية الممتدة بين 1 و30 أكتوبر/تشرين الأول 2020، حيث تمَّ تحديد 15 عددًا من كل صحيفة لأجل تحليلها، وقُدِّر العدد الإجمالي للعينة بـ30 عددًا، تم اختيارها بأسلوب العينة القصدية. وقد تم الوصول إلى تلك الأعداد عبر موقع الصحيفتين على الإنترنت.
ه- مفاهيم الدراسة
– الصورة: تُعرَّف الصورة على أنها شكل الأشخاص أو الأشياء، أو منظر موضح على الورق، أو ما شابه التصوير أو الرسم(6). وتمتد كلمة صورة (Image) بجذورها إلى الكلمة اليونانية القديمة “أيقونة” (Icon) التي تشير إلى التشابه والمحاكاة، والتي ترجمت إلى “Imago” في اللاتينية، و”Image” في الإنجليزية. وقد لعبت الكلمة ودلالاتها دورًا مهمًّا في فلسفة أفلاطون، وكذلك في تأسيس كثير من أنظمة التَّمْثِيل أو التَّمثُّل (Representation) للأفكار والنشاطات في الغرب.
ومن أهم التعريفات التي تقترب من موضوع دراستنا؛ التعريف الذي قدَّمه الأكاديمي أيمن منصور ندا؛ إذ يرى أن الصورة تُمثِّل “عملية معرفية نفسية نسبية ذات أصول ثقافية، تقوم على إدراك الأفراد الانتقائي -المباشر وغير المباشر- لخصائص وسمات موضوعٍ ما (شركة، مؤسسة، فرد، جماعة، مجتمع..) وتكوين اتجاهات عاطفية نحوه (إيجابية أو سلبية)، وما ينتج عن ذلك من توجُّهات سلوكية (ظاهرة وباطنة) في إطار مجتمع معين”(7).
ويُعرِّف الأكاديمي سليمان صالح الصورة الذهنية بأنها “مجموعة السمات والملامح التي يدركها الجمهور ويبني على أساسها مواقفه واتجاهاته نحو موضوع الصورة. وتتكوَّن تلك الصورة عن طريق الخبرة الشخصية للجمهور القائمة على الاتصال المباشر أو العمليات الاتصالية الجماهيرية”(8).
ويُحدِّد حلمي خضر ساري الصورة النمطية بأنها “تصوُّر يتصف بالتصلب والتبسيط المفرط لجماعةٍ ما، يتم على ضوئه وصف الأشخاص الآخرين الذين ينتمون إلى هذه الجماعة، وتصنيفهم استنادًا إلى الخصائص والسمات المميزة لتلك الجماعة”(9). وعليه، فإن الصورة في هذه الدراسة تُمثِّل مجموعة الخصائص والسمات والأوصاف التي يُوسَم بها المسلمون وتَرِد بشكل متكرر في الخطابات الإعلامية الفرنسية.
– الخطاب الإعلامي: يشير الخطاب، بحسب نورمان فيركلف (Norman Fairclough)، إلى استخدام اللغة حديثًا وكتابةً، كما يتضمن أنواعًا أخرى من النشاط المعلوماتي، مثل: الصور المرئية، والصور الفوتوغرافية، والأفلام، والفيديو، والرسوم البيانية، والاتصال غير الشفوي كحركات الرأس أو الأيدي..إلخ. ويخلص فيركلوف إلى أن الخطاب هو أحد أشكال الممارسة الاجتماعية، ثم يستخدم الخطاب بمعنى أضيق باعتباره “اللغة المستخدمة لتمثيل ممارسة اجتماعية محددة من وجهة نظر معينة”(10).
أما الخطاب الإعلامي فيُعرِّفه الباحث أحمد العاقد بأنه “مجمل الأنشطة الإعلامية التواصلية الجماهيرية: التقارير الإخبارية، والافتتاحيات، والبرامج التلفزية، والمواد الإذاعية، وغيرها من الخطابات النوعية”(11). ويرى الأكاديمي بشير أبرير أن الخطاب الإعلامي “منتوج لغوي إخباري مُنَوَّع في إطار بنية اجتماعية وثقافية محددة، وهو شكل من أشكال التواصل الفعَّالة في المجتمع، له قدرة كبيرة على التأثير في المتلقّي وإعادة تشكيل وعيه ورسم رؤاه المستقبلية وبلورتها، بحسب الوسائط التقنية التي يستعملها والمرتكزات المعرفية التي يصدر عنها”(12).
و- الدراسات السابقة
تُعَدُّ أدبيات البحث من العناصر التي يجب على الباحثين الرجوع إليها لمعرفة ما تمَّ إنجازه من دراسات مشابهة لنفس الموضوع، وقد تمَّ تحديد بعض الدراسات المهمة التي لها علاقة بموضوع دراستنا لأجل الاستفادة منها في بناء المشكلة البحثية، وتحليل وتفسير نتائج الدراسة. ومن أبرز الدراسات التي تم تحديدها:
– صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الغربي(13):
ناقشت الدراسة السؤال الرئيسي الآتي: كيف ساهم الإعلام الغربي في تنميط صورة الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001؟ واعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي في إبراز الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في مختلف وسائل الإعلام الأجنبية، وبيَّن أن الصحافة الأميركية وَسَمَت الإسلام والمسلمين بأبشع الصور والنعوت، واعتمدت على الكاريكاتير في الإساءة للمسلمين وإظهارهم في صور بشعة. كما أظهرت وسائل الإعلام الأميركية الفرد العربي المسلم بأنه “إرهابي قاتل ورافض للحضارة الغربية”.
– الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الإعلام الأميركي والمتغيرات الراهنة(14):
حاولت الدراسة الإجابة على السؤال الآتي: ما دلالات الصورة النمطية التي يُكوِّنها الإعلام الأميركي عن الإسلام والمسلمين؟ وتناولت طبيعة الصورة النمطية في الإعلام الأميركي عن الإسلام والمسلمين، وأسباب تَشكُّل الصورة السلبية عنهما. وتوصلت إلى عدة نتائج، منها أن النيل من سمعة المسلمين أصبح سلاحا يستخدمه اليمين في مواجهة اليسار، بدءًا بالمستوى الإعلامي، ومرورًا بالمستوى السياسي، ونهاية بالمستوى الثقافي. كما أن صناعة الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين في الإعلام الأميركي تُشكِّل ظاهرة ثقافية تُستخدَم فيها وسائل متعددة، منها الخطاب السياسي وبعض الأعمال الاستشرافية والسينمائية التي تحاول تشويه الحضارة الإسلامية.
– تجليات خطاب الكراهية في الوسائط الإعلامية الفرنسية: بحث في المصادر(15):
انطلقت الدراسة في تحديد تجليات خطاب الكراهية في الإعلام الفرنسي من السؤال الآتي: طبيعة الخطاب الإعلامي الغربي، وتحديدًا الفرنسي، حول الآخَر المسلم والعربي، هل هو خطاب عقلاني يتكئ على عُدَّة معرفية في معرفة هذا الآخر؟ اعتمد الباحث في دراسته على منهج المسح التحليلي للتراث النظري، بحيث طرح عدة أفكار تمحورت حول الحضور الإسلامي والعربي في البيئة الغربية، كما تحدث عن الإقصاء الذي يتعرض له الخطاب الإسلامي في البيئة الغربية منذ العصور الوسطى. وخلصت الدراسة إلى أن الإعلام الفرنسي يحمل رسائل دعائية ضد رموز الدين الإسلامي؛ أسهمت في تشويه صورة المسلمين لدى الرأي العام الفرنسي. كما أن المقاربات السائدة للإسلام مقاربات ماهوية في عمومها عجزت عن تَمَثُّل حركية الإسلام داخل التاريخ؛ إذ أفرغته من أي محتوى إنساني وحضاري.
– الآخر، الإعلام وما بعد الحداثة: أزمة التَّمثُّلات للعربي والمسلم في الغرب(16):
سعت الدراسة إلى الكشف عن تَمثُّلات العربي والمسلم في المخيال الغربي وجذور ذلك في البعد الإبستمولوجي والأيديولوجي، وانعكاسها على الممارسات الاجتماعية. كما وقفت عند دور وسائل الإعلام في إنتاج المعنى والتَّمثُّلات الاجتماعية للغيرية العربية الإسلامية. واعتمدت الدراسة التحليل الكيفي للتناول الإعلامي للعربي والمسلم في صحف مقاطعة كيبك الكندية. ومن أهم ما توصلت إليه، أن الإعلام بمعية السياسيين والخبراء يُصَوﱢرُون العربي والمسلم رمزًا للشر، ويُغَيِّبون التنوع والاختلاف والتعدد الذي يطبع الديانة الإسلامية كما هو الحال بالنسبة لكل الديانات. ويعود السبب في ذلك -حسب الدراسة- إلى المرجعية الإبستمولوجية والأيديولوجية التي تؤطر الخريطة الذهنية للغرب.
– صورة المسلمين والإرهاب في وسائل الإعلام: دراسة تحليلية لفرنسا وتركيا(17):
هدفت الدراسة إلى التعرف على صورة المسلمين وعلاقتها بالإرهاب في وسائل الإعلام الأميركية، ولأجل ذلك حللت عينة من الأخبار المتعلقة بالهجمات الإرهابية، وتساءلت عن العناصر الخبرية التي يركز عليها الصحفيون، والقضايا التي تثير اهتمامهم بشأن الأحداث التي وقعت في فرنسا وتركيا. وخلصت الدراسة إلى أن الإعلام الأميركي قدَّم صورة سلبية عن المسلمين أثناء الأحداث الإجرامية في هاتين الدولتين، وأن التناول الإعلامي كان منحازًا؛ بما يُعزِّز الأحكام المسبقة عن المسلم حتى وإن كان هو الضحية، ويُدعِّم الإدراك بأن هناك علاقة مباشرة بين المسلمين والإرهاب.
– تمثُّلات الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام من 2000 إلى 2015: دراسة ميتا تحليلية(18):
حللت الدراسة 345 دراسة أثارت سؤال دور وسائل الإعلام في بناء هوية الإسلام والمسلمين، واعتمدت على التحليل الكمي للمتغير الجغرافي، والمنهج، والمقاربة النظرية، ونوع الوسيلة الإعلامية، والباحث، وتاريخ النشر، والتحليل الكيفي للمواضيع والإشكالات المعالجة. واستنتجت الدراسة أن معظم البحوث التي أجريت حول هذا الموضوع تركزت في الغرب، وأهملت البلدان المسلمة ووسائل إعلامها، وأن جل الدراسات بحثت في مسألة الهجرة وعلاقتها بالإرهاب والحرب، كما بيَّنت الدراسات أن وسائل الإعلام تُقدِّم صورة سلبية عن المسلمين، وأن الإسلام دين عنف.
– صورة الإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي الفرنسي المطبوع: دراسة حالة لصحيفتي “لوفيغارو” و”لوموند”(19):
حاولت الدراسة الكشف عن تَمْثِيل الإسلام والمسلمين في صحيفتي “لوفيغارو” و”لوموند” الفرنسيتين، من خلال التحليل الكمي والكيفي لعينة من موادهما الإعلامية. واستنتجت الدراسة أن الخطاب الإعلامي للصحيفتين يُقدِّم المسلمين كتلة واحدة متجانسة في الاتجاهات والمعتقدات، وأيضًا غيرَ منسجمين مع الثقافة الفرنسية، ومصدرًا للبلبلة وتغذية الصراع في فرنسا. كما اعتبرتا أن الإسلام دين راديكالي يحتاج إلى الاعتدال والمراجعة حتى يتوافق مع ثقافة فرنسا ومبادئ جمهوريتها.
– صورة الإسلام والمسلمين في الصحافة الفرنسية بعد أحداث سبتمبر 2001: دراسة تحليلية لصحيفتي “لوفيغارو” و”لوموند” أنموذجًا(20):
حاولت الدراسة الإجابة على السؤال الآتي: كيف جسدت الصحافة الفرنسية صورة الإسلام والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001؟ واعتمدت المنهجَ الوصفي، مع استخدام أداة تحليل المحتوى لأجل تحليل مضمون عينة صحيفتي “لوفيغارو” و”لوموند”. وتوصلت الدراسة إلى أن الصورة التي قدَّمتها الصحيفتان بعد أحداث 11 سبتمبر تُمثِّل عملية استعادة للصورة السلبية المتراكمة في ذهن الصحفي الفرنسي، سواء مما تعلَّمه في المدرسة بأطوارها المختلفة أو من أفكار المستشرقين المتوارثة عبر الأجيال، دون إغفال ما اكتسبه من وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة، وهو الموروث الذي أسهم في صياغة الرسالة الإعلامية بعد تلك الأحداث.
ز- منهج الدراسة
تستخدم الدراسة منهج تحليل المحتوى وتُقدِّم قراءة تحليلية للمواد الإعلامية المتاحة على الموقع الإلكتروني لصحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو”. وقد تم اختيار عينة الدراسة في الفترة الممتدة بين 1 و30 أكتوبر/تشرين الأول 2020 من أجل الكشف عن الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي الفرنسي. وقد ركزنا على عدة فئات للإجابة عن المشكلة البحثية وأبعادها، منها: فئة المصادر المعتمدة في الحصول على الأخبار المتعلقة بالإسلام والمسلمين، وطبيعة القضايا التي تمت معالجتها ولها علاقة بمقدسات المسلمين، واتجاه الصحيفتين نحو الأحداث التي حصلت في فرنسا ولها علاقة بالمسلمين، وأيضًا الشخصيات الفاعلة في الخطاب الإعلامي وأثرها على الرأي العام الفرنسي والعالمي، وغيرها من الفئات المهمة التي تجيب عن تساؤلات الدراسة.
واعتمدنا في جمع البيانات من مجتمع الدراسة على أداة الاستبيان (استمارة تحليل المحتوى)، التي تُعرَّف بأنها “أداة التحليل التي يُصمِّمها الباحث لتساعده في جمع البيانات المطلوبة ورصدها لإيجاد معدلات تكرارها، وتحتوي في العادة على الفئات الرئيسية التي سيشملها التحليل وعلى عناصرها الفرعية، بحيث توضع جميعًا في عمود يقع في يمين الصفحة، ويليها عدد من الأعمدة تُبيِّن درجة وجود كل عنصر منها في المحتوى الذي يجري تحليله. وهي أداة مفيدة للباحث تساعده على استكمال عناصر التحليل من جهة، وتجعل عمله منظمًا وهادفًا من جهة ثانية”(21). وقد اشتملت استمارة تحليل المحتوى الخاصة بهذه الدراسة على أربعة محاور جاءت كالآتي:
– المحور الأول: يحتوي على معلومات عامة حول صحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو” (رقم أعداد الصحف، تاريخ صدور الصحف…).
– المحور الثاني: يحتوي على معلومات خاصة بفئات الشكل، مثل: العناصر التيبوغرافية الخاصة بالعناوين الصحفية، وعدد المواضيع الصحفية التي لها علاقة بالإسلام والمسلمين، وطبيعة الصور الصحفية التي تم اعتمادها.
– المحور الثالث: يحتوي على معلومات خاصة بفئات المحتوى، مثل: طبيعة الموضوعات الصحفية التي لها علاقة بالإسلام والمسلمين، والاستمالات المستخدمة في الخطاب الإعلامي لصحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو”، ومحددات وأطر الخطاب الإعلامي في تمثُّلاته للإسلام والمسلمين، والأبعاد الفكرية والنفسية لصورة الإسلام والمسلمين في الصحيفتين، والفاعلون في الخطاب الإعلامي، والجمهور المستهدف من الرسالة الإعلامية، والمصادر الصحفية المعتمدة في الحصول على الأخبار التي لها علاقة بالإسلام والمسلمين، واتجاه الصحيفتين في معالجتها للموضوعات الصحفية التي تتناول أحداثًا لها علاقة بالإسلام والمسلمين، وأهداف الرسالة الإعلامية، والقيم السلبية التي روَّج لها الخطاب الإعلامي ولها علاقة بالإسلام والمسلمين، وأساليب الدعاية التي تم توظيفها من طرف الصحيفتين..إلخ.
ح- مجتمع الدراسة وعينته
يُعرَّف مجتمع الدراسة بأنه “جميع أفراد الظاهرة المقصود دراستها، في حين يُقصد بالعينة الجزء الذي يتم اختياره من المجتمع لتطبيق الدراسة عليه. وفي الدراسات الإنسانية -بما في ذلك دراسات الإعلام والاتصال- لا يتم اللجوء إلى اختيار عينة من المجتمع إلا في حالة تعذر تطبيق الدراسة على كل أفراد المجتمع”(22).
ويتمثَّل مجتمع هذه الدراسة في جميع أعداد صحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو” خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، وقد تم التركيز على هذه الفترة الزمنية بسبب كثرة الأحداث التي حصلت في فرنسا، وكان لها انعكاس سلبي على صورة الإسلام والمسلمين. كما شهدت هذه الفترة تناول وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة لقضايا متعددة لها علاقة بالمسلمين ومقدساتهم. وقُدِّر مجتمع الدراسة بـ(60) عددًا من الصحيفتين صدرت في الفترة الزمنية بين 1 و30 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
واعتمدت الدراسة على العينة القصدية؛ إذ يختار الباحث مفردات العينة بناءً على وحدات مجتمع الدراسة، والذي يتكوَّن من 60 عددًا، منها 30 عددًا من صحيفة “لوموند”، و30 عددًا من صحيفة “لوفيغارو”. وقد تم اختيار 15 عددًا من كل صحيفة بطريقة عمدية عبر موقعها الإلكتروني، وقُدِّر حجم العينة بـ30 عددًا، مع استثناء الأعداد التي صدرت في نهاية الأسبوع، بمجموع 121 مادة صحفية موزعة بين 68 مادة في “لوموند” و53 مادة صحفية في “لوفيغارو”.
ط- المدخل النظري للدراسة
– صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية
من أهم الأبحاث التي تعرَّضت لصناعة الصورة من قِبَل وسائل الإعلام، ثمة المؤشرات الثقافية التي وضعها جورج جربنر (George Gerbner) حول صورة مختلف الجماعات الاجتماعية، التي تُختصر في حجم الظهور أو التَّمْثِيل وكيفية التَّمْثِيل. فالجماعات التي لا تملك القوة ولها تأثير ضعيف، لا تحظى بالتناول الكافي وتُعْرَض بشكل سلبي، حيث وجد أن وسائل الإعلام تغرس صورة عامة لدى الجمهور، وتحافظ على الوضع الاجتماعي القائم وتبني هرمًا تراتبيًّا للجماعات(23).
ووفق المنظور السالف، فإن تعاطي وسائل الإعلام الغربية مع القضايا المرتبطة بالإسلام والمسلمين بشكل مباشر أو غير مباشر، يُسهم إلى حد ما في بناء جزء بسيط من المفهوم والصورة التي تتشكَّل بفعل النص الإعلامي أو ما نحمله في مخيالنا عن هذا المكوِّن من المجتمع الإنساني. كما يتحوَّل ما تُعبّـِر عنه وسائل الإعلام فيما يَرِدُ في متونها إلى دلالات ومعانٍ حوله، لكن لا تعدو تلك النصوص أن تكون مقاطع جزئية وقليلة عن الواقع والمعيش اليومي الحقيقي لهم، الذي يحمل الكثير من القضايا والمسائل التي يتم تجاهلها وتغييبها من قِبَل وسائل الإعلام لعدة اعتبارات.
وبالعودة إلى مسار التناول الإعلامي للإسلام والمسلمين، فإن ثمة نقطة تاريخية فارقة، قبل وبعد 11 سبتمبر/أيلول 2001. فقد بدأ الاهتمام الإعلامي بالإسلام والمسلمين -كما يشير بعض الباحثين- في سبعينيات القرن الماضي، وتحديدًا مع الثورة الإيرانية وتداعياتها الإقليمية والدولية، كما هو الشأن بالنسبة لأزمة الرهائن الأميركيين، والأزمة الليبية في الثمانينيات، وتلتها الحرب على العراق في التسعينيات. كانت هذه بعض المؤشرات التي جعلت وسائل الإعلام تهتم بالإسلام والمسلمين وتضع القضايا المرتبطة بهما ضمن تغطيتها الإعلامية، إلا أن التحول الكبير لهذا المسار كان مع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث حظي الإسلام والمسلمون بتغطية مكثفة بشكل غير مسبوق؛ تحمل -صراحة في بعض الأحيان، وضمنيًّا في أحيان أخرى- فكرة ضرورة الخوف من الإسلام والمسلمين، بالإضافة إلى الفكرة التي كرَّسها الإعلام طيلة الفترة السابقة وهي تلك المتعلقة بالصورة المدركة التي تحمل دلالة الإسلام المعادي للديمقراطية والغرب(24).
وضمن هذا المسار عملت دوائر إعلامية غربية على صناعة وتشكيل ملامح لصورة الإسلام والمسلمين، مستندة إلى وقائع وأحداث في دول غربية وخارجها، تشير تقاريرُ إعلامية إلى أن المتورطين فيها مسلمون من جنسيات مختلفة. وقد ارتسمت المعالم الأولى لهذه الصورة عبر تداول بعض التسميات والمفاهيم، حيث أصبحت لصيقة بالإسلام والفئة التي تُمثِّله، كما باتت تُصنَّف على أساسها. وشكَّلت هذه الدوائر الإعلامية منصة لعدد من التسميات الخاصة بالإسلام والمسلمين، مع خلط كبير بين الإسلام وممارسات بعض المسلمين عبر التاريخ. فالمسلم في اللغة الإعلامية تحوَّل إلى إسلامي، ويُعَدُّ هذا بمثابة انحراف سيميائي لمدلول كلمة “مسلم”. وتعكس هذه التسمية المختزلة عجزًا عن التعاطي مع الإسلام بكلياته، والاكتفاء بتقديم مدلولات توحي بمعرفته. وفي كل مرة يقع فيها حدث مرتبط بالإسلام، تُقْحَم علامة “إسلاميّ” عنفًا من أجل التصدي لمفاهيم الحداثة والعلمانية والعالمية، وهذا ما يبني نظرة اختزالية عن الإسلام بسبب هذه التسميات ودلالاتها من قِبَل إعلام يُعَدُّ ناطقًا باسم السياسة والسياسيين(25).
ومن بين التسميات التي تتكرَّر في الإعلام الغربي نذكر: الإسلام الأصولي، والإسلام المتطرف، والإسلام الراديكالي، وتُستخدم لوصف أعمال العنف الصادرة عن المسلمين، في حين أن الأعمال المشابهة التي يقوم بها غير المسلمين لا تُوصف كذلك(26). وتُخْتَزَل هذه المفاهيم ذات البنية المتشابهة والدلالات المتعددة في دلالة واحدة، وتُجزِّئ العالم الرحب للإسلام بانتقائية كبيرة لتُنْتِج صورًا نمطية لها خلفيات مخزَّنة في المخيال الغربي.
وفي السياق ذاته، توصلت دراسة راجعت 345 ورقة بحثية اهتمت بمسألة دور الإعلام في بناء أبعاد هوية الإسلام والمسلمين؛ إلى أن المواد الإعلامية تُكرِّس صورة سلبية عن المسلمين، وأن الإسلام دين عنف(27). وربما من أقرب صور هذا الاتجاه هو الجمع بين الإسلام والإرهاب، وهذا الخطاب الإعلامي المتحيز تغذيه الخطابات السياسية على المستوى الدولي.
– الإعلام الغربي وصناعة الخوف من الإسلام والمسلمين
عَمَد الإعلام الغربي في تغطياته لقضايا الإسلام والمسلمين إلى استراتيجية التخويف من الإسلام والمسلمين منذ عقود، لكنه مرَّ إلى السرعة القصوى بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001. ويُصَوَّرُ الإسلام وفق هذه الاستراتيجية باعتباره دين عنف، انتشر في العديد من نقاط العالم بالسيف، كما أُلْحِقَت به أبشع الجرائم بربرية ووحشية، فهو بذلك يُمثِّل أكبر تهديد تُواجهه الحضارة الغربية في الوقت الحالي.
وقد وجدت وسائل الإعلام في الإسلام والمسلمين مادة جاهزة لممارسة أسلوبها التخويفي، فكثيرًا ما تلجأ هذه الوسائل إلى بث الريبة والشك في الجمهور من أجل الربح، أو تحقيق عوائد مرتبطة بدوائر سياسية معينة، فيتوسَّلون بكلمات الخوف، مثل: نظام بغداد، نظام كوبا، بدل نظام باريس، نظام أميركا، وهذا ما يثير مشاعر الخوف والتشنج من جماعات بعينها دون أخرى كما هو الشأن بالنسبة للإسلام والمسلمين(28). فتصبح بلدان إسلامية -مثل العراق والسودان وأفغانستان- إرهابية يتوجّبُ الحذر منها، وكلما ظهرت في التقارير الإعلامية ترد بهذا المسمَّى.
إن لعبة الخوف أو التخويف من الإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) يقف وراءها الإعلام الغربي بالتحالف مع السياسيين، وهذان الفاعلان لهما أساليبهما في صناعة الخوف ونشره عبر الجماهير، حيث يبثَّان الخوف عبر عرض حالات معزولة وتحويلها إلى سلوكيات أو أفعال اجتماعية عامة، والتلاعب بالإحصائيات، وتحريف معاني الكلمات، وعدم الترابط بين الأسباب والأحداث، وتبسيط الوقائع المعقدة، ونَمْذَجَة الأقليات، وهي بعض التقنيات التي يلجأ إليها الإعلام(29). ويحصل ذلك فعلا مع الإسلام والمسلمين بالتركيز على بعض الوقائع الجرمية المنسوبة إلى بعض المسلمين بغض النظر عن اتجاهاتهم وأفكارهم، فيتم تعميمها على جميع المسلمين، وربطها بالدين الإسلامي كأصل ومصدر للعنف والترهيب.
زيادة على ما أسلفنا، فإن خطاب الإسلاموفوبيا الذي تستخدمه وسائل الإعلام الغربية مُشْبَع بالصور النمطية والأحكام والمسبقة، ويستخدم أسلوب التكرار، والمبالغة، والمجاز، والتوبيخ، والضحية، والفرضيات المثبتة(30). وهذا دليل على أن خطاب شَيْطَنَة الإسلام والمسلمين لأجل زرع الخوف من هذا الدين ومعتنقيه، غيرُ مُؤَسَّس، وبعيدٌ عن الحقيقة والواقع، وأن هذا الهلع مرجعه صور التهويل الإعلامي، وتقديم الحقائق المبتورة، والإلحاح على أن الإسلام دين حرب ودم، ومعادٍ للإنسانية وقيمها. وقد أسهمت المخابر السياسية والمنصات الإعلامية الغربية بقسط كبير في صناعة الخوف منه وفق استراتيجية واضحة ومدروسة.
– الإسلام والمسلمون في أجندة الإعلام الفرنسي
لم يشذ الإعلام الفرنسي عن باقي وسائل الإعلام الغربية فيما يتعلَّق بصناعة الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وقد سار على ذلك لزمن ليس بالقليل. ولم تشفع لهذه الوسائل القيمُ التي أُسِّسَت عليها الجمهورية الفرنسية -وهي الحرية والمساواة والإخاء- في الهجوم المتكرر على الإسلام والمسلمين -كلما سمحت الفرصة بذلك- بنشر صورة مشوَّهة ومغلوطة، ومثقلة بالحمولات الأيديولوجية والتاريخية تجاه الإسلام والمسلمين، مستأنسة ببعض الأحداث على الأراضي الفرنسية، وفي دول غربية أخرى كما هو الشأن بالنسبة لهجمات لندن، وأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وكذا في دول عربية وإسلامية؛ لتثري به السجل الإعلامي السلبي حول الإسلام والمسلمين.
وفي هذا المنحى يتلخص التناول الإعلامي الفرنسي للإسلام والمسلمين، وما ينتجه من صورة حولهما، أو عتبة التَّمْثِيل -كما يرى الأكاديمي عاشور عمارة- في “امرأة متحجبة رافعة يديها إلى الأعلى كدلالة على المقاومة، مسجد به حشد من الناس يؤدون طقوسهم الدينية في وضعية الركوع، كبش في انتظار الذبح، مع تجمع رجالي بلحى طويلة وعمامة يوم العيد. كل هذه الصور المثيرة منسوبة لتجليات الإسلام في الوقت الراهن، وتوحي دائمًا بعدم الارتياح”(31).
ولو توقفنا عند أبعاد المشهدية الإعلامية للإسلام والمسلمين في فرنسا، فإنها لا تخرج عن ثيمات تكاد تكون ثابتة في التعاطي مع شؤون الإسلام والمسلمين في هذا البلد، وتتمثَّل في: الإسلام والعلمانية، والإسلام والهجرة وعلاقتهما بالضواحي الفرنسية، والإسلام والجنس.
وفيما يتعلق بالإسلام والعلمانية، فإن الإعلام الفرنسي عمل دائمًا على إبراز التناقض الكبير بين هذه الثنائية، وأن الديانة الإسلامية لا يمكنها أن تتعايش مع المبادئ التي قامت عليها العلمانية في نسختها الفرنسية. ولعل من أبرز الوقائع التي صوَّرت هذا التنازع مسألة ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية وما صحب ذلك من ضجيج إعلامي عمَّق الجدل حول إمكانية تعايش الإسلام مع مبادئ الجمهورية الفرنسية، رغم انبعاث بعض الأصوات العلمية التي أقرَّت بالأزمة التي تمرُّ بها العلمانية في فرنسا وضرورة مراجعتها بما يتوافق مع التعدد الديني والثقافي الذي تعيشه البلاد في الوقت الراهن(32). وترد هذه الصورة في وسائل الإعلام الفرنسية حول التنازع بين الإسلام والعلمانية والثقافة الأوروبية عمومًا، كما ذهب إلى ذلك السوسيولوجي الفرنسي فنسنت جايسر (Vincent Geisser) بقوله: “هذه الوسائط تبني نموذجًا للمسلم بطريقة ممنهجة ومنظمة، يتمثَّل في: مسلم وَفيٍّ للصلاة، ومؤخرة إلى الأعلى، وتجمعات مخيفة يتبعها صخب، ونساء محجبات، ورجال بلحى، وأفواه مفتوحة… بالإضافة إلى إبراز الإعلام عدم ارتياح المجتمعات الأوروبية لتزايد عدد المساجد”(33)، وهو ما يشكِّل خطرًا على العلمانية الفرنسية بتعبير وسائل الإعلام.
أما فيما يخص الإسلام والمهاجرين في فرنسا، فهناك موضوعان اشتهرا في الإعلام الفرنسي وهما: مشكلة المهاجرين والضواحي، وعلاقة ذلك بالزحف الإسلامي، وتخلَّل ذلك الكثيرُ من الانحراف في معالجة هذه المواضيع حتى أصبح هناك ملف يُعرف باسم “الضواحي المؤَسْلَمَة”(34). وتعالج وسائل الإعلام الفرنسية وضعية المهاجرين بكثير من التحيُّز والاختزال عبر تغييب الحقائق المرتبطة بالمعيش اليومي لهؤلاء، وفشل السياسات في تحسين أوضاعهم وإدماجهم في المجتمع الفرنسي؛ حيث تُقدُّم تقاليد المسلمين في الإعلام الفرنسي باعتبارها أكبر عائق للتكيف والاندماج في المجتمع، نظرًا لتمسكهم الشديد بها. وتعرض الشاشات الفرنسية المهاجر المسلم الذي استطاع الاندماج بأنه ذلك الذي تبنَّى بعض قيم المجتمع الفرنسي، ويُمثِّل هذا النموذجَ فتياتُ المهاجرين المسلمين من الجيل الثاني، وتكون ضريبةُ هذا الاندماج الخصومةَ مع الأب والدين، وكذلك النساء ضحايا الرجال بسبب التطرف الديني(35). كما يُصَوَّر المسلمون المغاربة في الإعلام الفرنسي على أنهم عبء ينبغي التخلص منه، ويُمارَس الاستقطاب بالنسبة لنسائهم اللائي يُمثلِّن الطابع الغرائبي، والتنفير بالنسبة للرجال كمثال للقسوة والتعصب الديني(36). وتُنسَب إلى هؤلاء المهاجرين المسلمين الجرائمُ وأعمالُ العنف، والهجمات الإرهابية، ويتحوَّلون إلى فرنسيين من أصول مغربية بلغة الإعلام الفرنسي، أي فرنسيين من الدرجة الثانية رغم تمتعهم بالجنسية الفرنسية بالميلاد، في حين يغضون الطرف عن فرنسيي الأصل المنخرطين في جماعات إرهابية.
ومن القضايا التي يتداولها الإعلام الفرنسي بكثافة مسألة الإعلام والجنس، فكثيرًا ما تتعاطى هذه الوسائل مع قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام بسطحية، وتُمَثَّل المرأة دائمًا على أنها مضطهَدة ومسلوبة الحقوق في الإسلام من قِبَل الرجال المسلمين. وتحضر ثيمة الإسلام المرتبطة بعدم المساواة بين الجنسين بقوة في وسائل الإعلام الأوروبية عمومًا والفرنسية خصوصا، وتُعرَض في كثير من الأحيان بصورة نمطية ذات خلفية تاريخية استشراقية تحمل صورة المسلم المتعطِّش للجنس، المتميّز بالشوفينية الذكورية الكارهة للأنوثة. وتحضر هذه الصورة مهما كان الموضوع، سواء في المِئذَنات بسويسرا، أو الرسوم المسيئة للنبي محمد ﷺ، أو الحرب في أفغانستان. وقد أظهرت عديد الدراسات أن وسائل الإعلام الغربية تُقدِّم صورة نمطية عن المساواة بين الجنسين في الإسلام(37). كما تفرَّدت فرنسا بنخبها السياسية والعلمية والإعلامية في التعاطي مع مسألة ارتداء الحجاب في المدارس، بل ومثَّلت قضية رأي عام وطني بفعل الترسانة الإعلامية التي وظَّفت لأجل ذلك، وحاول الإعلام تَمْثِيل المرأة بأنها لا تتمتع بالحرية في الإسلام، وأن هذا اللباس مفروض عليها، ويُمثِّل شكلا من أشكال التضييق عليها.
ولكي يكتمل المشهد حول الإسلام والمسلمين في فرنسا، تعود استراتيجية الإسلاموفوبيا في التناول الإعلامي كلما حصلت أحداث إجرامية لها علاقة بالإسلام وبمن يعتنقه، مثلما هو الشأن بالنسبة لاغتيال المعلم الفرنسي صامويل باتي من قِبَل شاب شيشاني مسلم على خلفية عرض رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد ﷺ على تلاميذه، وأحداث أخرى سبقتها. ويُكثِّف الإعلام الفرنسي في مثل هذه الأحداث والظروف من المواد الإعلامية التي تبث الخوف من الإسلام ومعتنقيه.
إن التغطية الإعلامية للإسلام والمسلمين في فرنسا يعتريها الكثير من التحريف، ويغلب عليها الطابع الغرائبي والدرامي، وقد أقرَّت الأصوات العقلانية والمتوازنة من النخبة الفرنسية بذلك، وفي هذا يقول الصحفي الفرنسي باتريك بوافر دارفور (Patrick Poivre d’Arvor) إن هناك مشهدية إعلامية فائقة للإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الفرنسية، و”هذا شيء معيب واستفزاز.. هكذا تتم فبركة النقاش الوطني”(38).
وفي السياق ذاته، يرى الكاتب الفرنسي توماس دلتومب (Thomas Deltombe) في مؤلَّفه “الإسلام المتخيل: البناء الإعلامي للإسلاموفوبيا في فرنسا (1975-2005)” أن “الإعلام الفرنسي سار في اتجاه تصنيف الإسلام مع الكثير من الانحراف السيميائي والمحتويات الملغَّمة، وهذا ما تُرْجِم في كثير من تحليلاتهم المتطرفة بسبب جهلهم وخلفياتهم وعجزهم عن تصور الإسلام في كلياته؛ فيُقدِّمون قَوْلَبَة لرؤية أحادية لمسلمين غير متجانسين”(39). وتأسيسًا على ما أسلفنا في رصدنا لصورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الفرنسي، فالتَّمْثِيل السلبي لهما هو الغالب في مواده الإعلامية، ويشوبه الكثير من المغالطات والتحريف عن قصد وجهل، بدعم من نُخب مثقفة تدَّعي علمها بالتعاليم الإسلامية وخبرتها في شؤون المسلمين، وهو انعكاس لإرث تاريخي وأيديولوجي ما زال هو الموجِّه لمواقفها وسلوكياتها تجاه الإسلام والمسلمين.
- محددات التغطية الصحفية لقضايا الإسلام والمسلمين في “لوموند” و”لوفيغارو”
يُبرِز هذا الجزء من التحليل أهم فئات الشكل التي تحدد إطار التغطية الصحفية وسياقها في معالجة قضايا الإسلام والمسلمين بصحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو”.
البيانات الخاصة بصحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو”
– لوموند: تعتبر من أهم الصحف في الساحة الإعلامية الفرنسية، حيث شكَّلت أنموذجًا صحفيًّا للدور الذي لعبته في نهاية الحرب العالمية الثانية، واحتلت مكانة بارزة على الساحة الفرنسية والدولية، ومنبرًا إعلاميًّا تحوَّل مع التجربة الطويلة إلى مجموعة ضاغطة تؤثر في الشأن السياسي في فرنسا. تأسست لوموند عام 1944 من طرف الصحفي هوبرت بوف ميري (Hubert Beuve-Méry) وبأمر من الجنرال شارل ديغول، وظهرت أول طبعة لها يوم 19 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، مباشرة بعد انسحاب الجيش الألماني من باريس في الحرب العالمية الثانية، بينما ظهرت أول نسخة إلكترونية لها (le monde.fr) في اليوم نفسه من العام 1995.
وتعتبر “لوموند” التي تصدر يوميًّا في باريس، من أكثر الصحف الفرنسية مقروئية في أوساط الفرنسيين، فلها تأثير كبير في الرأي العام الفرنسي والدولي، سواء تعلق الأمر بالنسخة الورقية أو الإلكترونية. وتُعَدُّ واحدة من أهم الصحف التي تحظى بالمتابعة في فرنسا وعلى المستوى الدولي، وتُعبِّر عن تيار الوسط بشكل كبير، وتتبنى رؤية إعلامية تعالج تناقضات الفعل السياسي في فرنسا.
وبالنسبة للخط التحريري أو السياسة التحريرية للصحيفة، فقد نشرت افتتاحية في هذا الصدد حملت عنوان “أي خط سياسي؟”(40)، تؤكد فيها أن الصحيفة وسيلة إعلامية متمسكة بقيم الديمقراطية والحرية والعدالة والتسامح ومحاربة التمييز، وهي قيم دافع عنها مديروها المتعاقبون. في الوقت نفسه، لم يُفْرَض عليها أي اتجاه سياسي، حيث تتفاعل مع التعبير عن الأفكار المتعددة والمتنوعة. كما أوضحت الافتتاحية أن “لوموند” صحيفة “غير منحازة”، وهو ما يعني أنها لا تتبنَّى أي خط حزبي، بل انتقدت سياسات الحكومات المتعاقبة، في دفاعها عن الديمقراطية وحرية الصحافة.
– لوفيغارو: تُعَدُّ من أقدم الصحف اليومية الفرنسية، تأسست يوم 15 يناير/كانون الثاني 1826 في باريس، وهي ليبيرالية محافظة، حسب بيان جمعية صحفيي “لوفيغارو” الصادر في فبراير/شباط 2012، حيث تم الإعلان عن الخط التحريري للصحيفة التي اعتُبرت مساندًا مهمًّا لمختلف حكومات اليمين المتعاقبة منذ عام 2000، وبذلك تعتبر صحيفة يمينية وتعبِّر عن مواقف المكونات السياسية اليمينية في فرنسا.
وكانت “لوفيغارو” من أولى الصحف التي أسَّست موقعها الإلكتروني (Le Figaro.fr)، وتُمَثِّل الطبقةُ المتوسطة والإطارات السامية وأرباب العمل الصغار أهمَّ قراء الصحيفة، وبذلك تراعي طبيعة جمهورها؛ إذ تخصص مساحة أكبر للتغيرات الاجتماعية والثقافية الجديدة من خلال ملحقاتها الموضوعاتية الاقتصادية والأدبية والنسائية. ويدافع خطها التحريري عن أحزاب اليمين المتحيزة إلى الجهات العلمانية ضد ما تسميه “الإرهاب الإسلامي”، وتنشر كل ما له علاقة باليمين المتطرف في فرنسا، الذي يحمل فكرًا سياسيًّا يرى في الإسلام خطرًا يهدد فرنسا.
القوالب الصحفية للأحداث
أظهرت الدراسة التحليلية أن استعمال الأنواع الصحفية الثلاثة الإخبارية والتعبيرية وأنواع الرأي، كان بنسب متفاوتة في الصحيفتين، حيث استُعمِلت الأنواع الإخبارية مجتمعة (الخبر والتقرير) بنسبة أعلى بـ37 مادة في صحيفة “لوموند”، شملت 11 خبرًا و26 تقريرًا، وبمجموع 31 مادة صحفية في “لوفيغارو”، حيث تعتمد الصحيفتان على الأخبار كمادة آنية، لكنهما تعتمدان بنسبة أكبر على التقارير الإخبارية التي تدعمها بتصريحات وتعليقات لشخصيات لها علاقة بالموضوع المعني بالدراسة.
ويتبيَّن أن “لوموند” اعتمدت على تدعيم تقاريرها الإخبارية، بالتذكير بموضوعات سبق لها أن نشرتها في موقعها في أعداد سابقة، أو التذكير بحوارات أجرتها مع توضيح تاريخ العدد، والنوع الصحفي أو الموضوع، عن طريق روابط تحيل القراء إليها. وكمثال على ذلك، تقرير موسَّع حمل عنوان “صامويل باتي “يستحق” الموت.. أربعة أشهر سجن مع وقف التنفيذ بحق طالبة”، الصادر يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، حيث تناولت الصحيفة في هذا التقرير مختلف الخلفيات التي ارتبطت بتدوينة الطالبة التي “باركت” مقتل المعلِّم.
أما “لوفيغارو” فتُسلِّط الأضواء على قضية “مقتل المعلم صامويل باتي”؛ إذ اهتمت الصحيفة بجمع المعلومات، بحجم 5 أخبار و26 تقريرًا خلال فترة الدراسة. وكمثال على ذلك تقرير موسع حمل عنوان “طلاب “السيد باتي” يتذكرون الرجل الذي أحب وظيفته كثيرًا” ونُشر يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
ويبدو من البيانات التي أوردتها الصحيفتان أن الأنواع الإخبارية تهدف إلى استقطاب الجمهور وإبلاغه بما جرى حول تلك الحادثة التي أعادت النقاش والجدل عن وجود المسلمين في فرنسا، فتشترك الصحيفتان في الاعتماد على التذكير دومًا بإشكالية تعرفها فرنسا وتتمثَّل في تمتع المجتمع الفرنسي بحرية التعبير التي باتت مهدَّدة بحسب الصحيفتين.
أما بخصوص الأنواع التعبيرية (الربورتاج والتحقيق والحوار)، فقد اتفقت الصحيفتان على استخدام الربورتاج بنسبة متساوية، حيث حلَّ في المرتبة الثالثة في ترتيب القوالب الصحفية المستخدمة في الصحيفتين، بـ5 مواد وبنسبة 8.2% في كلتيهما، بينما تفوقت “لوموند” من حيث الحوارات بـ3 مواد وبنسبة 4.4%. أما التحقيق فجاء في المرتبة الخامسة من بين الأصناف الصحفية المعتمدة في “لوموند” بمادتين وبنسبة 3% من مجموع المواد الصحفية.
وورد في تغطية “لوفيغارو” 5 ربورتاجات بنسبة 9.43%، وتحقيقان بنسبة 3.7%، لتُسلِّط الضوء على خلفيات الحادثة المرتبطة “بالتعصب والإسلام الراديكالي” كما جاء في متونها الصحفية، محاولةً إبراز حالات خاصة وتقديم أشخاص معينين للحديث عن “فقدان فرنسا لقيمها المتعلقة بالحريات”. وركزت على تصريحات الأساتذة ومخاوفهم من التعسف على حرية التعبير، واعتبرت أن تناول الإسلام والنبي محمد ﷺ جزء من الحريات التي “لا تراجع عنها”. وكمثال على ذلك مادة حملت عنوان “تحية صامويل باتي من الجمهورية إلى الأمة”، حيث لم تغفل الصحيفة الجانب الميداني المعتمد في هذا النوع من الأنواع الصحفية.
وفي سياق مقالات الرأي والافتتاحيات التي تهدف إلى تأطير القراء وتوجيههم نحو تبني فكرة ما، أو خلفية موضوع الحدث أو قضية صانعة للجدل، يتبيَّن من خلال الجدول أن “لوموند” نشرت ثلاث افتتاحيات بنسبة 4.3%، ومقالين للرأي بنسبة 3%، بينما التزمت “لوفيغارو” بمادتين فقط لمقالات الرأي بنسبة 3.7%، مثل المقالة التي نشرت يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول بعنوان “على الجمهورية أن تستعيد السيطرة”، ودافع فيها الكاتب عن تعاليم الجمهورية والحريات وحقوق الإنسان، داعيًا إلى إعادة النظر في وجود المهاجرين بالأراضي الفرنسية، وهو ما يوضح توجه الصحيفة الرافض لوجود المسلمين في فرنسا، ومحاولتَها التركيز على مساوئ انتشار المهاجرين وربطهم بالعمليات الإرهابية وزعزعة استقرار البلاد.
وعلى المنوال نفسه نسجت افتتاحية “لوموند” يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول 2020، التي حملت عنوان “قطع رأس المعلم في مدينة كونفلان سانت أونورين: في مواجهة الإرهاب، دافع عن حرية التعبير”؛ وهي توضح بجلاء موقف الصحيفة من الحادثة وربطها بحرية التعبير التي باتت مهددة مثلما جاء في متن هذه المادة الصحفية، كما وصفت الحادثة بأنها “عمل همجي”.
وتُظهِر أرقام ونسب أنواع القوالب الصحفية المستخدمة الاستعمالَ المتوازن للأنواع الإخبارية في كلتا الصحيفتين خلال تغطية حادثة مقتل المعلم صامويل باتي؛ إذ حلَّت التقارير في المرتبة الأولى بنسبة 43%، والأخبار بنسبة 14.9%. كما نلاحظ تفاوتًا واضحًا في الأنواع التعبيرية وأنواع الرأي في كلتا الصحيفتين.
والتزمت الصحيفتان بمتابعة الحادثة التي كانت لها ارتدادات كبرى في الداخل الفرنسي وعلى المستوى الدولي، والعودة للحديث عن ” الإسلاموفوبيا” وحماية “حرية التعبير” بإبراز مختلف مظاهر الصراع بين الإسلام وفرنسا، وكل ما يتعلق بالإسلام الراديكالي في محاولة للربط بينه وبين الصراع العنيف.
مواد التغطية الصحفية
يُظهر الجدول رقم (1) توزيع عينة الدراسة خلال الفترة الممتدة بين 1 و30 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أي قبل وقوع حادثة مقتل أستاذ التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية صامويل باتي، في 16 أكتوبر/تشرين الأول، في مدينة كونفلان سانت أونورين، وعلى مدار أسبوعين من وقوع الحادثة التي تسببت بدورها في استدعاء خطاب العداء ضد الإسلام، وتجدد معها نشر خطابات الكراهية في الإعلام الفرنسي تجاه المسلمين.
ويتبيَّن من خلال هذا الجدول أن كلتا الصحيفتين تناولت الإسلام والمسلمين في فترة الدراسة بحجم متوازٍ للأعداد، مع فارق في عدد المواد الصحفية، حيث بلغ مجموع المواد الصحفية في “لوموند” 68 مادة بنسبة 56.2%، مقابل 53 مادة في “لوفيغارو” بنسبة 43.8%.
الجدول رقم (1): توزيع نسب المواد الصحفية في عينة الدراسة
الصحف | مجموع الأعداد | النسبة (%) | المواد الصحفية | النسبة (%) |
لوموند | 15 | 50 | 68 | 56.2 |
لوفيغارو | 15 | 50 | 53 | 43.8 |
المجموع/النسبة | 30 | 100 | 121 | 100 |
وما يثير الانتباه هنا أن فرنسا شهدت قبل هذه الحادثة تجاذبات كثيرة حول الإسلام والمسلمين؛ إذ اتُّهِمَ المعلم باتي من طرف أحد أولياء تلامذته بالخروج عن النص في أحد دروسه عندما أظهر صورة كاريكاتيرية لتلامذته تحمل صورة النبي محمد ﷺ، وهي الصورة التي انتفضت لها إحدى التلميذات ووالدها الذي حث المسلمين عبر موقع فيسبوك على تقديم شكوى إلى جمعية ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا وإلى إدارة المدرسة.
ووفق ذلك، تظل أخبار الصراع من المواد الصحفية الأكثر اهتمامًا من طرف القائم بالاتصال والأكثر إثارةً للقراء، وبذلك اهتمت الصحيفتان بقصة المعلم الذي تعرَّض للذبح؛ إذ تأتي هذه العملية في سياق الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وتحدث فيه عن محاربة “الانفصالية الإسلامية”، مشددًا على أن “الإسلام في أزمة”، ومستعرضًا تدابير تجريها الحكومة الفرنسية بخصوص تعزيز العلمانية، لافتًا إلى أن بلاده تشهد عديد الهجمات التي تربطها “بالجهاد” و”الإرهاب الجهادي”، فقد ذكر ماكرون أن فرنسا أحصت 260 ضحية منسوبة للإسلاموية. وهذا الخطاب الذي سبق تلك الحادثة التي كانت القطرة التي أفاضت الكأس، كثيرًا ما يحيل الموقع الإلكتروني للصحيفتين إليه أثناء تناولهما للقضايا المرتبطة بالإسلام والمسلمين والمهاجرين.
كما يأتي تناول الصحيفتين لموضوع الدراسة، في إطار انطلاق محاكمة المتهمين في هجوم تعرَّضت له المجلة الفرنسية الساخرة “شارلي إيبدو”، في 7 يناير/كانون الثاني 2015، وخلف 12 قتيلًا بعد نشرها رسومًا كاريكاتيرية تسخر من النبي محمد ﷺ.
ويلاحظ أن اهتمام “لوموند” و”لوفيغارو” بحادثة مقتل باتي، جاء أولًا باعتباره حدثًا خلق توترًا وهلعًا في الأوساط التربوية الفرنسية، لكن -في الغالب- يكون هذا الاهتمام ضمن الخطاب الإعلامي مرتبطًا بالبحث في علاقة الإرهاب بالإسلام، وعلاقة ذلك بسلسلة من الأحداث ذات الطابع الأمني في فرنسا منذ منتصف التسعينيات.
وتعزَّز هذا الاهتمام في الفترة الأخيرة بعد ظهور تنظيمات متشددة، نفذ بعض عناصرها عمليات في فرنسا، وركزت الصحف الفرنسية على محاولة ربط هذه العمليات الإرهابية بالإسلام وتغذيتها “للكراهية”؛ إذ وجد الإعلام الفرنسي في حادثة مقتل باتي فرصة مناسبة لاستدعاء الخطاب التخويفي والمطالبة بسن سياسات متشددة ضد المسلمين، ضمن سياق تلتبس فيه المفاهيم وقيم الإسلام مع ممارسات أضحت تسيء للإسلام نفسه.
الصور المرافقة للخطاب الإعلامي
يتبيَّن من خلال القراءة الكمية للبيانات أن المواد المنشورة في موقع صحيفة “لوموند” والمرفقة بالصور أكثر من تلك المنشورة بدون صور؛ إذ نشرت 36 مادة صحفية مرفقة بصور، مقابل 32 مادة بدون صور، وبنسبة 47.1%، بينما استخدمت “لوفيغارو” 25 مادة صحفية بالصور، في مقابل 28 مادة بدون صور، وبنسبة 52.8%.
ومن مجموع المواد الصحفية المنشورة في “لوموند” تم إرفاق 18 مادة بصور واقعية، مثل صور “المسيرة البيضاء تكريمًا لصامويل باتي في كونفلان سانت أونورين (إيفلين)، وغيرها من الصور التي ارتبطت بالحدث، وصور من المظاهرات الرافضة لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما وردت صور الأرشيف في 7 مواد وبنسبة 10.7%، مثل صورة مدرسة وإعادة نشر صور الكاريكاتير المسيئة للإسلام والمسلمين، إضافة إلى إرفاق بعض المقالات بمزيج من الصور في 7 مواد وبنسبة 10.3%، والتي تعبر عن الحادثة وعن المسلمين والمظاهرات. أما الصور الرمزية فوردت في 4 مواد صحفية بنسبة 5.9% وتتعلق بالإسلام والإرهاب.
أما في صحيفة “لوفيغارو” فسجلت الصور الواقعية أعلى نسبة من مجموع المواد المرفقة بصور في الصحيفة بـ14 مادة وبنسبة 26.4%، تلتها 9 مواد مرفقة بصور من الأرشيف بنسبة 7%. أما الصور الرمزية فجاءت في مادتين بنسبة 3.8%.
وتشترك الصحيفتان في استعمال الصور بحجم كبير في محاولة للتأثير في الجمهور، كما أن الصور التي اعتمدتا عليها تحمل عدة قراءات، خاصة تلك المتعلقة بأبعاد سياسية وثقافية وإعلامية؛ حيث التزمت الصحيفتان بعنونة الصور، لاسيما إذا ارتبطت بالمظاهرات المنددة بمقتل المعلم باتي على يد “إسلامي” كما جاء في العناوين الخاصة بتلك الصور، فضلا عن المظاهرات الرافضة لتصريحات الرئيس الفرنسي، وإعادة نشر الصور الكاريكاتيرية المسيئة للإسلام، والصور التي تُظهر المقاطعة الكبرى للمنتجات الفرنسية في عدد من البلدان العربية والإسلامية، مع تركيز “لوفيغارو” على ربط التغطية في فترة الدراسة بالإسلام السياسي وبالصراع بين الغرب والإسلام. وقد عملت الصحيفتان على إبراز الإسلام والمسلمين والمواقف السلبية تجاههما اعتمادًا على الصور التي ركزت على الموضوع من بوابة الحادثة، والتي عززت من حالة الاستقطاب ضد الإسلام والجالية المسلمة في فرنسا.
- تمثُّلات وأبعاد صورة الإسلام والمسلمين في “لوموند” و”لوفيغارو”
يركز هذا الجزء من البحث على تحليل فئات المحتوى وتمثُّلات الخطاب الإعلامي الفرنسي لقضايا الإسلام والمسلمين، وإبراز محددات الصورة التي ترسمها لهما صحيفتا “لوموند” و”لوفيغارو” بأبعادها الفكرية والنفسية، في سياق حادثة مقتل المعلم الفرنسي صامويل باتي.
موضوعات التغطية لقضايا الإسلام والمسلمين في “لوموند” و”لوفيغارو”
لا يمكن للصحف أن تُقدِّم جميع الموضوعات والقضايا التي تتعلق بالمجتمع الفرنسي، وإنما اختار القائمون على صحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو” موضوع علاقة الإسلام بالغرب، وبفرنسا تحديدًا، والذي يعكس أفكارًا ومعانيَ موجودة في الفكر الغربي عن الإسلام والمسلمين، كمادة سياسية بالدرجة الأولى يتمُّ التركيز عليها بشدة خلال فترة الدراسة وتثير اهتمام جمهور القراء بعد مقتل المعلم باتي، لها أبعاد أخرى. ووفق ذلك، يتضح لنا من خلال القراءة الكمية للجدول رقم (2) أن المواضيع السياسية كانت الأبرز في الصحيفتين؛ إذ احتلت المرتبة الأولى في صحيفة “لوموند” بـ24 مادة صحفية بنسبة 35.3%، و18 مادة صحفية في “لوفيغارو” بنسبة 34%، أي بمجموع 42 مادة وبنسبة 34.7%.
الجدول رقم (2): توزيع نسب موضوعات التغطية لقضايا الإسلام والمسلمين في “لوموند” و”لوفيغارو”
م | الموضوع | لوموند (التكرار والنسبة %) | لوفيغارو (التكرار والنسبة%) | المجموع والنسبة% | |||
1 | سياسي | 24 | 35.3% | 18 | 34% | 42 | 34.7% |
2 | ديني | 17 | 25% | 10 | 18.9% | 27 | 22.3% |
3 | ثقافي | 11 | 16.2% | 13 | 24.5% | 24 | 19.8% |
4 | اجتماعي | 10 | 14.7% | 7 | 13.2% | 17 | 14% |
5 | اقتصادي | 6 | 8.8% | 5 | 9.4% | 11 | 9.2% |
المـجـمــوع | 68 | 100% | 53 | 100% | 121 | 100% |
وتُبرِز هذه الإحصائيات درجة حضور الموضوع السياسي بكل ما يحمله من خلفيات متصلة بقضايا الحريات والديمقراطية، وعودة الشحن السياسي بين فرنسا والعالم الإسلامي، مسلِّطة الضوء على إشكالية علاقات فرنسا وهذه الدول، ومدى جدية القوانين الفرنسية لحماية معالم الجمهورية المبنية على المساواة وحرية التعبير وحقوق الإنسان.
كما عاد النقاش في الصحيفتين حول المواضيع الدينية التي وردت بشأنها 17 مادة في صحيفة “لوموند” بنسبة 25%، و10 مواد في “لوفيغارو” بنسبة 18.9%، وهي المواد التي تطرقت إلى المسيحية والإسلام، وإدارة الجالية المسلمة لمساجدها.
واحتلت هذه الفئة المرتبة الثانية؛ إذ اختار القائمون على الصحيفتين التحكم في طبيعتها ومحتواها؛ لأنها تلفت انتباه القراء وتثير اهتمامهم تدريجيًّا، وتجعلهم يفكرون فيها، وتبث الخوف من الآخر/الفرد المسلم. فقد صوَّرت “لوفيغارو” في إحدى مقالاتها “الإسلام كالشبح المخيف الذي يكتسح فرنسا ويهدد القيم الغربية”، وهذا يعني أن الحملات ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا تبقى رهينة حملات التسويق السياسي والإعلامي لكسب نقاط في استطلاعات الرأي بالنسبة للأولى، ورفع نسبة الجمهور بالنسبة للثانية كما جاء في موضوع نُشر يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وحمل عنوان “مانويل فالس: بإهانته لفرنسا فإن أردوغان بطل الإسلام الراديكالي”.
يبدو واضحًا أن الموضوعات التي أثارتها الصحيفتان في فترة الدراسة، والتي لها علاقة بالإسلام والمسلمين، أخذت أبعادًا متعددة الجوانب؛ إذ أزاحت قضية مقتل المعلم باتي اللثام مجددًا عن عدة مسائل عميقة يحاول الخطاب الإعلامي الفرنسي إحياءها مع كل حادثة، وتُمثِّل قضايا لها جذور تاريخية مرتبطة بثلاثة جوانب:
أولا- الصراع بين المسيحية والإسلام، مثلما جاء في موضوع “لوفيغارو” يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول، بعنوان “غيوم تابارد: تحية صامويل باتي، من الجمهورية إلى الأمة”، وموضوع نشرته “لوموند” يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول وسم بعنوان “ما يجب تذكره من خطاب إيمانويل ماكرون حول العلمانية والانفصالية”.
ثانيًا- الصراع بين الغرب والإسلام مثلما نشرت “لوفيغارو” يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول تحت عنوان “الإسلام: لقد انتصرت الظلامية؛ لأن عصر التنوير قد اندثر”، وأيضًا الحوار الذي نشرته “لوموند” يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، نقلًا عن مقابلة تلفزيونية للرئيس إيمانويل ماكرون مع قناة “الجزيرة”، وجاء بعنوان “ماكرون يدرك أن رسوم الكاريكاتير قد تصدم، لكنه يستنكر العنف”.
ثالثًا- الصراع بين الفرنسيين والمهاجرين، مثلما جاء في مقالة تحليلية بصحيفة “لوموند” يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول بعنوان “من الهجرة إلى الحجاب: كيف أفلت الجدل من إيمانويل ماكرون؟”. وتعيد هذه الجوانب كلها فتح النقاش حول ثنائية الحريات والديمقراطية والإسلام الراديكالي.
أساليب الاستمالة في الخطاب الإعلامي
يُعَدُّ الخطاب الإعلامي وسيلة لإعادة إنتاج المعارف المشتركة، حيث يتم التعبير عن الأيديولوجيات بشكل كبير. ويمكن القول إن صحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو” اهتمتا بموضوع الدراسة كثيرًا بالنظر إلى كون الإسلام طرفًا ومحرِّكًا له، لأن الحدث الذي وقع يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أثار عداء متجدِّدًا حول الهوية السياسية للفاعل، خاصة أن خطاب الكراهية للمسلمين أصبح أكثر سوءًا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وتوضح إحصائيات الجدول رقم (3) أن الاستمالة العقلانية في الخطاب كانت أكثر الأساليب المستخدمة من قِبَل الصحيفتين بمجموع 21 مادة، وبمعدل كلي نسبته 17.3%؛ إذ استعملت “لوموند” هذا الصنف في 12 مادة صحفية وبنسبة 17.6%، بينما أوردت “لوفيغارو” هذه الفئة في 9 مواد صحفية وبنسبة 17%. وعلى اعتبار أن “لوموند” اهتمت كثيرًا بثنائيتيْ فرنسا-الإسلام، والديمقراطية-التعصب، كما جاء في إحدى مقالاتها يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول: “المعلم دافع عن حرية التعبير وواجه الإرهاب الإسلامي”، فهذه العبارة تُطلق جدلا كبيرًا بين هذه الثنائية التي يُحكِّم فيها الجمهور الجدل المنطقي والرسائل العقلية.
الجدول رقم (3): الاستمالات المستخدمة في الخطاب الإعلامي لصحيفتي “لوموند” و”لوفيغارو”
م | استمالات الخطاب | لوموند (التكرار والنسبة%) | لوفيغارو (التكرار والنسبة%) | المجموع والنسبة% | |||
1 | الاستمالة العقلانية | 12 | 17.6% | 9 | 17% | 21 | 17.3% |
2 | التخويف والترهيب | 9 | 13.2% | 11 | 20.8% | 20 | 16.5% |
3 | استخدام الأدلة | 13 | 19.1% | 5 | 9.4% | 18 | 14.9% |
4 | الاستمالة العاطفية | 6 | 8.8% | 11 | 20.8% | 17 | 14% |
5 | تقديم الحجج من جانبين | 13 | 19.1% | 4 | 7.5% | 17 | 14% |
6 | الترغيب | 6 | 8.8% | 8 | 15.1% | 14 | 11.6% |
7 | تقديم الحجج من جانب واحد | 9 | 13.2% | 5 | 9.4% | 14 | 11.6% |
المـجـمــوع | 68 | 100% | 53 | 100% | 121 | 100% |
وكما يظهر من الجدول، فإن استمالة التخويف والترهيب احتلَّت المرتبة الثانية بمجموع 20 مادة صحفية وبنسبة 16.5% من مجموع المواد الصحفية خلال فترة الدراسة؛ إذ يلاحظ أن الصحيفتين استخدمتا عددًا من الاستمالات في الخطاب من أجل إقناع القارئ بموقفهما من الإسلام والمسلمين والمهاجرين، وكانت الانطباعات الأكثر سلبية هي تلك المرتبطة بمصطلح العربي المسلم، اللصيقة بالإرهاب، وهو ما يجعل هذا الخطاب موسومًا بالتخويف، أي خطابًا تخويفيًّا من الإسلام والمسلمين.
ووظفت “لوفيغارو” هذا النمط التخويفي 11 مرة وبنسبة 20.8%، أما “لوموند” فوردت فيها 9 مواد بنسبة 13.2% تتضمن تخويفًا من “الإسلام المتعصب” الذي وصفته بـ”الأصولي والانتحاري”. وتتوافق هذه المؤشرات مع اعتماد استراتيجية التخويف من الإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) من قِبَل وسائل الإعلام الفرنسية، مثل موضوع “ماكرون اضطر للتصعيد ضد الإسلاميين المتطرفين” المنشور يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، مما يجعل الجالية المسلمة في فرنسا مصدرًا للخطر والتهديد، وجسمًا غريبًا يجب التخلص منه.
أما استمالة العاطفة فكانت حاضرة بقوة في مقالات الصحيفتين؛ إذ وردت بمجموع 17 مادة صحفية وبنسبة 14% لتشويه صورة “المسلم الإرهابي”، كما جاء في إحدى مقالات “لوفيغارو” عبارة “مع كل هجوم بربري ندرك أن الإرهاب الإسلامي هو الحاضر الذي يرفض أن يصبح ماضيًا”. أما “لوموند” فاستخدمت هذه الاستمالة 6 مرات بنسبة 8.8%، في مقابل 11 مادة صحفية في “لوفيغارو” وبنسبة 20.8%.
أطر الخطاب الإعلامي في تمثُّلاته للإسلام والمسلمين
يعرض الجدول رقم (4) توزيع عينة الدراسة وفق محددات وأطر الخطاب الإعلامي الفرنسي في تمثُّلاته للإسلام والمسلمين؛ إذ يتضح أن الصحيفتين استخدمتا -وبنسب مختلفة- أكثر من إطار في تناولهما لموضوع الإسلام والمسلمين.
وقد وظفت “لوموند” الإطار المحدد بقضية في 21 مادة صحفية بنسبة 30.9%، مثل مسألة حرية التعبير، والديمقراطية والإسلام، ومشكلة المسلمين في فرنسا، وقضية مقاطعة المنتجات الفرنسية. كما حل إطار الصراع في المرتبة الثانية بـ17 مادة وبنسبة 25%. أما الإطار العام فحلَّ في المرتبة الثالثة بـ11 مادة صحفية وبنسبة 16.2%، تطرقت فيه الصحيفة لحادثة مقتل المعلم باتي التي تأتي في إطار عام، وهو الخوف على تدهور الأمن في فرنسا، بينما جاء الإطار الاقتصادي في المرتبة الرابعة بـ8 مواد صحفية وبنسبة 11.7%، نظرًا لاهتمام الصحيفتين بتداعيات تهديدات عدد من الشعوب الإسلامية بمقاطعة المنتجات الفرنسية وتأثيرها على المداخيل المالية الفرنسية. أما إطار المسؤولية فجاء في المرتبة الخامسة بـ6 مواد صحفية وبنسبة 8.8%، وحلَّ الإطار الأخلاقي في المرتبة الأخيرة بـ5 مواد صحفية وبنسبة 7.4%.
ويُلاحظ أن الخطاب الإعلامي للصحيفتين استخدم -بمعدل أكبر- إطار الصراع في تمثُّلاته للإسلام والمسلمين، كما يبدو في مقالة بصحيفة “لوموند” بعنوان ” كيف يتم تنظيم الإسلام في فرنسا؟”، وفي تقرير آخر لصحيفة “لوفيغارو” بعنوان “تركيا تنظم قبضتها على إسلام فرنسا”، وذلك للتخويف من الإسلام مثلما نشرت الصحيفة نفسها بأن فرنسا تواجه حربًا مع الإسلام، وتحميل المسلمين من المهاجرين المسؤولية في تهديد حرية التعبير. وهذا ما أكدته بعض الدراسات التي خلصت إلى أن الإعلام الغربي عمومًا، والفرنسي خصوصًا، يُكرِّس في خطاباته فكرة الصراع بين الإسلام والقيم التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية.
الجدول رقم (4): توزيع نسب أطر التغطية لقضايا الإسلام والمسلمين في “لوموند” ولوفيغارو”
م | نوع الإطار | لوموند (التكرار والنسبة%) | لوفيغارو (التكرار والنسبة%) | المجموع والنسبة% | |||
1 | إطار الصراع | 17 | 25% | 21 | 39.6% | 38 | 31.4% |
2 | الإطار المحدد بقضية | 21 | 30.9% | 13 | 24.5% | 34 | 28.1% |
3 | الإطار العام | 11 | 16.2% | 10 | 18.9% | 21 | 17.4 % |
4 | الإطار الاقتصادي | 8 | 11.7% | 4 | 7.5% | 12 | 9.9% |
5 | إطار المسؤولية | 6 | 8.8% | 3 | 5.7% | 9 | 7.4% |
6 | الإطار الأخلاقي | 5 | 7.4% | 2 | 3.8% | 7 | 5.8% |
المـجـمــوع | 68 | 100% | 53 | 100% | 121 | 100% |
وقد استخدمت “لوموند” عبارات عن حريات الصحافة مثل “أسس النموذج الجمهوري”، بينما ذهبت “لوفيغارو” أبعد من ذلك؛ إذ اهتمت في مقالة بما كتبه إيمانويل فالس: “بإهانته لفرنسا فإن أردوغان بطل الإسلام الراديكالي”، فضلا عما أوردته زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، من أن الرئيس الفرنسي لم يتعامل بجدية مع الحادثة، معتبرة “مقتل المواطن الفرنسي إعلان حرب يجب التعامل معه وفقًا لذلك”.
كما تناولت الصحيفة التي تُعرَف في الأوساط الإعلامية الفرنسية بمساندتها لليمين المتطرف، مسألة “وقف الهجرة” في عدد من مقالاتها المنشورة خلال فترة الدراسة، وإثارتها للصراع القائم بين الفرنسيين والمهاجرين وخاصة المسلمين، ووقف التجنيس، والدعوة إلى تجريد الشخص المسلم ثنائي الجنسية من جنسيته وإبعاده لأنه “تابع للإسلاموية العدوّة”.
أما “لوموند” التي تُعرف بدفاعها المستميت على أسس الجمهورية واليسار، فقد جاء في أحد تقاريرها بعنوان “سنواصل الكفاح من أجل الحرية”: إيمانويل ماكرون يشيد بصامويل باتي ” كما حلم الأستاذ جوريس”.
ويتضح من مقالات الصحيفتين انتماءاتهما الفكرية، فلم تُهْمِل “لوموند” ما جاء على لسان أسقف كنيسة بمدينة نيس، ويدعى أندريه مارسو (André Marceau) الذي دافع عن حرية التعبير، لكنه في الوقت نفسه دافع عن وجود هويات دينية مختلفة في فرنسا قائلا: “أنا لست شارلي، أنا أندريه مارسو! دعونا نكن أنفسَنا مع قناعاتنا.. هذه الرسوم ليست مشكلتي. بالطبع، حرية التعبير مقدسة في فرنسا، لكن دعونا نتحمل المسؤولية.. هناك هويات لا يمكن الاستهزاء بها بسهولة”.
واشتركت الصحيفتان في الدعوة إلى إعادة مناقشة السياسات التي نفذتها الحكومات المتعاقبة لمكافحة “آفة الإسلام الراديكالي”، والنظر في الاستراتيجيات والأولويات والوسائل كما جاء في إحدى مقالات “لوموند”، بينما ذهبت “لوفيغارو” إلى أن النقاش السياسي اليوم يجب أن يتجه نحو “إيقاف كل ما يُهدِّد المجتمع الديمقراطي في حربه ضد الدمويين الذين يكرهون القيم الغربية”، كما جاء في مضامين مقالاتها.
الأبعاد الفكرية والنفسية لصورة الإسلام والمسلمين
يُظهِر لنا الجدول رقم (5) الأبعاد الفكرية والنفسية لصورة الإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي الفرنسي، حيث ركزت “لوموند” على التخويف من المسلمين والإسلام (الإسلاموفوبيا) من خلال 18 مادة صحفية بنسبة 26.5%، ثم وردت 16 مادة صحفية تتعلق بحرية التعبير بنسبة 23.5%. أما المرتبة الثالثة فكانت لمواد ذات أجندة سياسية بشأن تشديد القوانين والإجراءات على المسلمين في فرنسا، وذلك عبر 10 مواد صحفية بنسبة 14.7%، في حين وردت 8 مواد صحفية تلفُّها الكثير من العبارات العنصرية بنسبة 11.8%، ثم 7 مواد صحفية أثارت فيها الصحيفة النعرات، وأحيت فكرة تتعلق بـ”كره الإسلام كدين يواجه المسيحية” بنسبة 10.3%، و7 مواد أخرى تشير إلى التضييق على المسلمين وبث الخوف في نفوسهم.
أما “لوفيغارو” فكانت أكثر تشددًا مع المسلمين، حيث حمَّلتهم مسؤولية التطرف والإسلام الراديكالي، عبر 13 مادة صحفية بنسبة 24.5%، بينما أوردت 10 مواد صحفية بنسبة 18.9% تناولت ضرورة إعادة النظر في الإجراءات والسياسات من أجل التضييق على المسلمين في فرنسا. كما أبانت الصحيفة عن خلفيتها الأيديولوجية في 9 مواد تتضمن خطاب العنصرية وبنسبة 17%، وفي 7 مواد صحفية تتضمن خدمة أجندة اليمين المتطرف بنسبة 13.2% من مجموع المواد التي تناولت صورة الإسلام والمسلمين. كما حاولت الصحيفة إدخال الشك والخوف والإحباط في نفوس المسلمين وتأليب الرأي العام الفرنسي عليهم عبر موادها الصحفية بنسب متفاوتة.
الجدول رقم (5): الأبعاد الفكرية والنفسية لصورة الإسلام والمسلمين في “لوموند” و”لوفيغارو”
م | الأبعاد النفسية والفكرية | لوموند (التكرار والنسبة%) | لوفيغارو (التكرار والنسبة%) | المجموع والنسبة% | ||||
1 | الإسلاموفوبيا | 18 | 26.5% | 13 | 24.5% | 31 | 25.6% | |
2 | حرية التعبير | 16 | 23.5% | 8 | 15% | 24 | 19.8% | |
3 | العنصرية | 8 | 11.8% | 9 | 17% | 17 | 14% | |
4 | التضييق على المسلمين | 7 | 10.3% | 10 | 18.9% | 17 | 14% | |
5 | خدمة أجندة سياسية | 10 | 14.7% | 7 | 13.2% | 17 | 14% | |
6 | إثارة النعرات وكره الإسلام | 7 | 10.3% | 3 | 5.7% | 10 | 8.3% | |
7 | بث الفتنة وإحباط المعنويات | 2 | 2.9% | 3 | 5.7% | 5 | 4.1% | |
المـجـمــوع | 68 | 100% | 53 | 100% | 121 | 100% | ||
تشترك الصحيفتان في دفاعهما المستميت عن أسس الجمهورية الفرنسية وحرية التعبير في مجتمع يؤمن بالديمقراطية، وفي آن واحد تندِّدان بما تصفه “لوموند” في إحدى مقالاتها بـ”الحياة أقوى من التعصب”. كما أكدت الصحيفة في تقرير آخر أن “العلمانية وحرية التعبير والحق في انتقاد أي مؤسسة دينية لا تنفصل عن ميثاقنا الديمقراطي والجمهوري؛ لأنه غير قابل للتفاوض”.
كما عبَّرت صحيفة “لوفيغارو” عن التخويف من الإسلام، بل وصفته بأنه “عدو الغرب وفرنسا تحديدًا لوجود جالية مسلمة كبيرة”، مثلما جاء في إحدى مقالاتها “من الضروري محاربة الإسلاموية”، معتبرة مقتل المعلم باتي “تعصُّبًا دينيًّا” في مقابل وظيفة المعلم الذي “كان يشرح لطلابه كيفية تغلُّب العقل والتفكير النقدي على المشاعر والتطرف”.
وقد عملت الصحيفتان على إبراز مختلف مظاهر التخويف من الإسلام والمسلمين والتركيز على أن “الأعمال الإرهابية وراءها المسلمون”، وذلك من خلال العبارات المستعملة حول الحرب ضد الإرهاب وبالتالي ضد الإسلام.
وبرزت في صحيفة “لوفيغارو” التصريحات التي يُطلقها أتباع التيار اليميني المتشدِّد، مثلما جاء في إحدى مقالاتها يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، حيث “لم يعد الإلحاح هو محاربة هذا الإرهاب الذي يقتل فحسب، بل محاربة الفكر الإسلامي الذي يُغذِّيه، وينتشر على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال بعض المساجد والجمعيات..”.
الفاعلون الأساسيون
نسعى في سياق هذا المبحث إلى الكشف عن الشخصيات الفاعلة في موضوع الدراسة وفق ما جاء في صحف العينة، ونعني بذلك الأطراف الداخلية المساهمة في تشكيل الخطاب الإعلامي، مثل: رئيس الجمهورية، وأعضاء الحكومة، وغيرهم من الشخصيات السياسية الحزبية والنخبة الفرنسية، علاوة على الأطراف الخارجية من دول وحكومات وشعوب إسلامية.
ويُلاحظ أن الصحيفتين تقيدتا بالحدث والتعمُّق في التفاعل معه من خلال تصريحات الأطراف الفاعلة في المجتمع الفرنسي؛ إذ وردت المواد الصحفية المتعلقة بالتصريحات التي يدلي بها “اليمين المتطرف” كعنصر فاعل في العملية السياسية بفرنسا، بنسبة معتبرة في عينة الدراسة بمجموع 31 مادة وبنسبة 25.6%، وكان حضوره (اليمين) عبر تصريحات رموزه في 18 مادة لصحيفة “لوفيغارو”، باعتبارها وسيلة إعلامية عريقة تدعم التيار اليميني بشدة في فرنسا، وذلك بنسبة 34%، بينما كان حضور هذا التيار في صحيفة “لوموند” من خلال 13 مادة وبنسبة 19.1%. أما النخب الفرنسية وجموع الفرنسيين والكتلة الإسلامية من الفرنسيين فأخذت نصيبًا أقل، حيث توزعت ما بين 20 مادة بنسبة 29.4% في صحيفة “لوموند”، و9 مواد بنسبة 17% في صحيفة “لوفيغارو”.
كما اهتمت الصحافة الفرنسية بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تقيَّد بالحديث عن حرية التعبير والحفاظ على روح الجمهورية والحرية والديمقراطية، ومساندته لنشر الرسوم المسيئة للنبي محمد ﷺ، وهي الخطابات السياسية التي تناولتها الصحيفتان بنسب متفاوتة تراوحت بين 16 مادة صحفية في “لوموند” بنسبة 23.5%، و12 مادة صحفية في “لوفيغارو” بنسبة 22.6%، وهو ما يُشكّل في المجموع 28 مادة. ويبدو أن اهتمام الصحيفتين متباين من حيث المعالجة الإعلامية، فالفاعلون الأساسيون في الخطاب الإعلامي يوضحون بشكل جلي اتجاه الصحيفتين؛ إذ تَعتبران الإسلام “دين الفوضى وليس الحداثة والتطور والرقي”.
الجمهور المستهدف
تكشف الإحصائيات اهتمام الصحيفتين بمعالجتهما لقضايا الإسلام والمسلمين وتمثيل صورتهما لدى الجمهور المتلقي للمعلومات، وتفسيرها والإحاطة بمختلف الجوانب؛ إذ ظهرت في الصحيفتين 27 مادة صحفية موجهة للفرنسيين في “لوموند” بنسبة 39.7%، تقابلها 21 مادة في “لوفيغارو” بنسبة 39.6%، وهي نسب متقاربة جدًّا نظرًا لأهمية الموضوعات التي تم تناولها خلال فترة الدراسة.
بينما توجهت الصحيفتان بـ15 مادة للجالية المسلمة الفرنسية في “لوموند” و8 مواد في “لوفيغارو”، وأوضحت في متونها “كيف يكره هؤلاء المسلمون الغرب” وغيرها من العبارات التي جاءت في مواد موجَّهة للأحزاب الفرنسية، بإجمالي 23 مادة صحفية وبنسبة إجمالية بلغت 19%، من بينها 12 مادة في صحيفة “لوموند” بنسبة 17.6% و11 مادة في صحيفة “لوفيغارو” بنسبة 20.7%، وهي بذلك تمرر رسائل لمختلف الأطياف السياسية الفرنسية من أجل اللعب على وتر الأجندة السياسية، ومحاولة تقويض توسع الجالية المسلمة في فرنسا من جهة، وتشديد الرقابة على المهاجرين وقوانين الهجرة من جهة ثانية.
وأظهرت القراءة الكمية للمعطيات تناولَ صحيفة “لوموند” لقضايا الحكومات في البلدان الإسلامية من خلال 8 مواد بنسبة 11.8%، وتعرضت فيها للاستنكار الرسمي للإساءة للديانة الإسلامية في فرنسا ومن خلال تصريحات ماكرون أيضًا، بينما تناولت “لوفيغارو” هذه المسألة عبر 6 مواد بنسبة 11.3%. أما المظاهرات الشعبية للمسلمين في العالم فأخذت حيزًا لافتًا من خلال 6 مواد صحفية في “لوموند” وبنسبة 8.8%.
ونلاحظ هنا أن الصحيفتين اختلفتا في تناول مواضيع تتعلق بالإسلام والمسلمين من حيث التوجه العام للمواد الصحفية، والعبارات والمفردات المستعملة، فنجد “لوموند” تركز على العاطفة في معالجة مقتل المعلم باتي بسبب التعصُّب، حيث عنونت إحدى مقالاتها بــ”الإرهابي كان على اتصال باثنين من الجهاديين المشتبه بهم في سوريا”، فضلًا عن تفاعلها مع ردود فعل بعض الدول الإسلامية حيال ذلك. واستغلت “لوفيغارو” الحادثة لتُجدِّد خطابات اليمين المتطرف والتخويف من اضمحلال معالم الجمهورية والتعدي على حرية التعبير؛ إذ ركزت على تصريحات زعيمة اليمين مارين لوبان، الداعية إلى “إصلاح قانون الجنسية، وتنفيذ الحرمان الفعلي من الجنسية”، إضافة إلى مقالة نشرت يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول، وحملت عنوان “الإسلاموية: مارين لوبان تدعو إلى تشريعات الحرب”.
المصادر الصحفية
كشفت نتائج الدراسة التحليلية حول توزيع المصادر الصحفية المعتمدة في “لوموند” و”لوفيغارو” أن المصادر الأولية (هيئة تحرير، صحفيون، مراسلون) أكثر المصادر استعمالا في الصحيفتين بمجموع 66 مادة صحفية وبنسبة 54.5%. وبشيء من التفصيل، ظهرت هذه المصادر في 38 مادة في “لوموند” بنسبة 55.9%، وفي 28 مادة في “لوفيغارو” بنسبة 52.8%. غير أن الملاحظ في هذا السياق، أن هناك تفاوتًا واضحًا بين الصحيفتين في هذا الصنف من المصادر، وفارقًا كبيرًا بالنظر إلى التمثيل الإعلامي لصحيفة “لوموند” وتوظيفها لمراسلين عبر العديد من الدول. كما تتشارك مع “لوفيغارو” في العمل الجماعي للصحفيين في هيئة التحرير الواحدة، وهذا ما يعطي قوة الطرح في خطاباتها الإعلامية المتعددة التناول للقضية الواحدة.
كما سجلنا اعتماد الصحيفتين على المصادر الثانوية (وكالات أنباء) في المرتبة الثانية بمجموع 33 مادة صحفية وبنسبة 27.3%، وهي موزعة كالآتي: 17 مادة في “لوموند” بنسبة 25%، في مقابل 16 مادة في “لوفيغارو” بنسبة 30.2%. وفي المرتبة الثالثة حلت فئة المتعاونين (كتاب، باحثون، رؤساء أحزاب) بمجموع 22 مادة بنسبة 18.2%، وهي موزعة كالآتي: 13 مادة صحفية في “لوموند” بنسبة 19.1%، و9 مواد صحفية في “لوفيغارو” بنسبة 17%.
يُمكِّننا تحليل المصادر الصحفية من تحديد طبيعة المضمون الإعلامي ومدى صدقيته، فصحيفة “لوموند” تعتمد كثيرًا على هيئة التحرير من صحفيين ومراسلين بالدرجة الأولى، لتحافظ بذلك على استقلاليتها، وتعتمد على وكالة الأنباء الفرنسية بالدرجة الثانية. كما يساعدنا تحليل هذه المصادر على معرفة من تعتمد عليهم الصحيفة في تأثيث مُتونها الإعلامية، وكذا الموضوعات التي تلجأ إليها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن صحيفة” لوفيغارو” ركزت في مضمونها على تنويع مصادرها، وخاصة المتعاونين من ذوي الخبرة من الكتُّاب في مجال قضايا حقوق الإنسان والحريات والمنخرطين في أحزاب سياسية، متجاوزة بذلك صحيفة “لوموند” بالنسبة لهذه الفئة. ومثال ذلك، ما كتبه السياسي مانويل فالس* يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول في قسم “منبر” بعنوان “أردوغان بطل الإسلام الراديكالي”، وذلك عقب ردِّ فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إزاء تصريحات الرئيس الفرنسي المستفزة للمسلمين، متَّخذًا موقفًا ضد الرئيس التركي وواصفا إياه بأنه بطل الإسلام المتشدد، وهذا ما يجعل “لوفيغارو” تكسِب في صفها عددًا من المصادر التي تخدم أجندتها السياسية من أجل إقناع الرأي العام وتوجيهه الوجهة التي ترغب فيها من خلال سياستها التحريرية.
اتجاه المعالجة الإعلامية
يتضح من خلال نتائج الدراسة التحليلية لفئة الاتجاه، أن معالجة المواضيع التي لها علاقة بالإسلام والمسلمين يطغى عليها الاتجاه السلبي، أي الاتجاه الذي يعارض الإسلام والمسلمين؛ إذ وردت هذه الفئة في 47 مادة صحفية في “لوموند” بنسبة 69.1%، بينما جاءت في 38 مادة صحفية في “لوفيغارو” بنسبة 71.7%.
وتُبرِز الإحصائيات أن الاتجاه المحايد ورد في 12 مادة صحفية في “لوموند” بنسبة 17.6%، بينما ورد في 5 مواد صحفية في “لوفيغارو” بنسبة 9.4%، وهو ما يوحي بأن الصحيفتين تتعاملان مع بعض القضايا التي تتعلق بظلم الفئات المسلمة في فرنسا بنوع من “عدم التعليق عليها”، وازدواجية الخطاب في الشعارات الراعية لحقوق الإنسان والحريات، ومنها “قضية الحجاب الذي منع ارتداؤه في المؤسسات العمومية”، وتعود هذه القضية إلى واجهة النقاشات السياسية بحجة أنه منافٍ لمبادئ العلمانية.
كما ورد الاتجاه الإيجابي في المعالجة الإعلامية ضمن 9 مواد صحفية في “لوموند” بنسبة 13.2%، و10 مواد في صحيفة “لوفيغارو” بنسبة 18.9%، حيث ظهرت هذه الفئة في تناول “لوموند” للمظاهرات المندِّدة بالإساءة للرسول محمد ﷺ من خلال مراسليها، ونشر الصور والشعارات التي رفعها المتظاهرون ضد الرئيس الفرنسي، على نحو ما أفاد به مراسل الصحيفة من تونس: “مظاهرة ضد دفاع الرئيس إيمانويل ماكرون عن رسوم كاريكاتيرية للنبي محمد أمام السفارة الفرنسية في تونس”. كما تدعو هذه الصحيفة التي تمسك بالعصا من الوسط، إلى ضرورة “التركيز على الإسلام المعتدل والدفاع عن عدم الانزلاق نحو الإسلام الراديكالي”.
أهداف الرسالة الإعلامية
تكشف نتائج الدراسة التحليلية أن أهداف الخطاب الإعلامي تأرجحت بين نشر الكراهية والحقد في 21 مادة صحفية وبنسبة 30.9% في صحيفة “لوموند”، و18 مادة صحفية في “لوفيغارو” وبنسبة 34%. أما الهدف المتعلق بصناعة العدو فقد نال المرتبة الثانية في كلتا الصحيفتين بـ19 مادة صحفية في “لوموند” بنسبة 27.9%، و15 مادة في “لوفيغارو” بنسبة 28.3%. ووردت السياسة الشعبوية في 12 مادة بنسبة 17.6% في “لوموند”، و13 مادة في “لوفيغارو” بنسبة 24.5%. أما التحريض على العنف والجريمة فورد في 16 مادة بنسبة 23.5% في “لوموند”، و7 مواد في “لوفيغارو” بنسبة 13.2%.
ولوحظ أن فئة نشر الكراهية والحقد وفئة صناعة العدو نالتا النسب الأعلى مقارنة بالفئات الأخرى في كلتا الصحيفتين، حيث بلغ مجموعهما 73 وحدة؛ إذ كانت هاتان الفئتان محل اهتمام الصحيفتين والصحفيين، من خلال معالجتهما لقضية الإسلام والمسلمين في فرنسا.
وانطلاقًا من هذه النتائج، تترجم الصحف بذلك توجُّهًا سياسيًّا معاديًا للآخر من المسلمين في المجتمع الفرنسي بهدف عزله وتحييده في هذا المجتمع، وذلك لتأثيره على أمنه واستقراره. كما نلمس من خلال قراءة الأرقام أن هناك توجُّهًا أيضًا نحو فرض اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي بالطريقة التي تريدها الأطراف السياسية، ودون مراعاة لخصوصياتهم الدينية، وبذلك تتم العودة إلى فتح ملف “الأفضلية الوطنية” للفرنسيين الأصليين في العمل والسكن والحماية الاجتماعية.
مظاهر وأسباب العداء للإسلام والمسلمين
كشفت الدراسة التحليلية عن اختلاف مظاهر وأسباب العداء للإسلام والمسلمين على مستوى الخطابات التي تنتجها الصحيفتان، حيث أظهرت تباينًا واضحًا في تمثُّلات العداء عبر إبراز أحداث العنف والإرهاب والتركيز عليها وتناول الممارسات المسيئة للإسلام، فجاءت هذه الفئة في 21 مادة صحفية بنسبة 30.9% في “لوموند”، و9 مواد صحفية بنسبة 17% في “لوفيغارو”، بينما وردت فئة الشحن الإعلامي لقوى اليمين المتطرف ضد الإسلام والمسلمين ضمن 15 مادة صحفية في “لوفيغارو” وبنسبة 28.3%، في مقابل عدم وجود إعلام معبِّر عن الإسلام والمسلمين في فرنسا، وهو ما لاحظناه في 7 مواد صحفية في “لوموند” التي تناولت أيضًا فئة الاعتداءات على المسلمين في 11 مادة صحفية، ربطتها بمختلف القوانين الضابطة لممارسة الشعائر الدينية للمسلمين في 8 مواد صحفية. أما “لوفيغارو” فتحدثت عن الاعتداءات على المسلمين في 7 مواد صحفية، معللة ذلك بضعف اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي في 6 مواد صحفية، وهو التوجُّه الذي تحبذه الصحيفة اليمينية من خلال مقالاتها، في مقابل اهتمام “لوموند” بالتركيز على الإسلام المعتدل والدفاع عن عدم الانزلاق نحو الإسلام الراديكالي من خلال تناولها لتصريحات عميد مسجد باريس.
ويمكننا تفسير مظاهر وأسباب العداء للإسلام والمسلمين في فرنسا بعدم وجود إعلام في البلاد يُعبِّر عن القيم الحقيقية للإسلام، في مقابل أحداث وممارسات تسيء لصورة المسلم وللإسلام بشكل عام، وتغذيتها بخطاب مشبع بالكراهية، وتنامي حالة الهلع والتوجس غير المنطقي من الإسلام والمسلمين.
سياسيًّا، يعود هذا العداء إلى صعود اليمين المتطرف في فرنسا، وخاصة حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقًا) المعروف بمعاداته للإسلام، والذي يرفع شعار الجمهورية والعلمانية، ومحاولة تغليب مصلحة وحدة الفرنسيين وتوفير الأمان لهم بعيدًا عن العنف والإرهاب، وهو ما يعكس مظاهر الاعتداء على المسلمين في فرنسا، والتضييق عليهم.
ويمكن قراءة أسباب العداء للمسلمين -من خلال خطابات الإعلام الفرنسي- بأنها نابعة من نظرة الفرنسيين للمسلم الذي يمثِّل “خطرًا في المجتمع”، خاصة عقب هجوم العام 2015 على الصحيفة الفرنسية الساخرة “شارلي إيبدو” التي تنشر رسومات مسيئة للإسلام، حيث قتل فيه 12 شخصًا، ثم سلسلة تفجيرات باريس في نفس العام، وما أعقبها من شحن إعلامي خلق عدوًّا اسمه الإسلام.
كما تعكس الخطابات المنشورة خلال فترة الدراسة الصورةَ المشوَّهة ضد المسلم الذي يكره القيم الغربية، وتخويف الرأي العام الفرنسي من الإسلام، مثلما جاء في الخطاب الإعلامي للصحيفتين؛ إذ مثَّل مقتل المعلم باتي يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، “عملا بربريًّا مروعًا ارتكب من قبل رجل باسم دين”.
وقد ترجع أسباب هذا العداء إلى الأحكام المسبقة عن الإسلام دون فهمه، وهو ما ينمُّ عن جهل القائم بالاتصال بالقيم الإسلامية، مما يدفع نحو استخدام عبارات تجريحٍ ونعوت قبيحة في المضامين والمخرجات الإعلامية، تؤدي إلى تعميم تلك الصورة المسيئة للمسلمين والسوداوية على الدين الإسلامي.
القيم السلبية عن الإسلام والمسلمين
يُبيِّن الجدول رقم (6) ظهور القيم السلبية في توجيه خطابات صحف الدراسة، ومن مؤشراتها العمل على توجيه سلوك القراء، لأنها تنطوي على سمة الانتقائية والاختيار، سواء كانت واضحة في الكلمات والأفكار المعبَّر عنها في المواد الصحفية، أو ضمنية نستشف معناها من خلال قراءة عميقة لفهم سياق المضمون الإعلامي.
فالقيم التي حصرناها في البيانات تعكس اهتمام الصحيفتين بمعلومة دون أخرى، وبتسليط الضوء على زاوية معينة من موضوع عام، والمفاضلة بين حدث وآخر، فقيمة “الصراع” كانت أهم قيمة سلبية حدَّدت بها “لوموند“ طريقة بناء 23 مادة إخبارية، أي بنسبة 33.8%. فقد اهتمت بالتعليق على تداعيات حادثة مقتل المعلم باتي في مقالة بعنوان “بين فرنسا والعالم العربي: مناخ مليء بالاستياء”، ومقالة أخرى تحت عنوان “يجب ألا تقع فرنسا في الفخِّ الذي نصبه الإرهابيون”، وغيرها من المقالات التي تُغذِّي الصراع وتؤججه. ووردت هذه القيمة في 15 مادة صحفية في “لوفيغارو“ بنسبة 28.3%. وجاءت قيمة “الضخامة” في المرتبة الثانية ضمن 19 مادة بنسبة 27.9% في صحيفة “لوموند”، و13 مادة بنسبة 24.5% في “لوفيغارو”، بينما حلت قيمة “الإثارة“ في المرتبة الثالثة ضمن 11 مادة في “لوفيغارو” وبنسبة 20.8%، في مقابل 9 مواد في صحيفة “لوموند” وبنسبة 13.2%. أما قيمة “التهويل” فوردت ضمن 17 مادة في الصحيفتين: 8 في “لوموند” بنسبة 11.8%، و9 في “لوفيغارو” بنسبة 17%. كما جاءت قيمة “الغرابة” في 9 مواد بصحيفة “لوموند” بنسبة 13.2%، و5 مواد صحفية في “لوفيغارو” بنسبة 9.4%.
الجدول رقم (6): توزيع نسب القيم السلبية عن الإسلام والمسلمين في “لوموند” و”لوفيغارو”
م | نوع القيم | لوموند (التكرار والنسبة%) | لوفيغارو (التكرار والنسبة%) | المجموع والنسبة% | |||
1 | الصراع | 23 | 33.8% | 15 | 28.3% | 38 | 31.4% |
2 | الضخامة | 19 | 27.9% | 13 | 24.5% | 32 | 26.4% |
3 | الإثارة | 9 | 13.2% | 11 | 20.8% | 20 | 16.5% |
4 | التهويل | 8 | 11.8% | 9 | 17% | 17 | 14% |
5 | الغرابة | 9 | 13.2% | 5 | 9.4% | 14 | 11.6% |
المـجـمــوع | 68 | 100% | 53 | 100% | 121 | 100% |
يظهر من خلال القيم السلبية التي تُروِّج لها الصحفيتان أن خطابهما الإعلامي مبني على عدة مداخل، أهمها: المدخل النفسي الذي يعمل على جذب القارئ من خلال التركيز على الصراع والضخامة والغرابة والإثارة والتهويل. كما تكشف لنا الخطابات أن بناء القصص الإخبارية يتم عبر المدخل الأيديولوجي، حيث التزمت “لوفيغارو” اليمينية بسياسة الصحيفة من خلال الترويج لخطابات اليمين المتطرف وربط الإسلام بالعنف والإرهاب، كما سعت إلى توظيف العداء ضد المهاجرين لتبرير مختلف الممارسات العنصرية تجاه المسلمين وإقصائهم في شتى مناحي الحياة السياسية والاجتماعية.
بدورها، التزمت “لوموند” بخطها اليساري والانحياز إلى مبادئ الجمهورية، والتركيز في عدد من متون المواد الصحفية على القلق نحو الإسلام والمسلمين. وإجمالا، رسخ الإعلام الفرنسي الصورة النمطية والسلبية لدى الجمهور الغربي عن الفرد العربي المسلم، فالجمهور لا يمكنه التمييز بينها وبين الصورة الإيجابية عنه.
تأثيرات الخطاب على الجمهور
كشفت الدراسة التحليلية عن سلوكيات متعددة ناتجة عن تأثيرات الخطاب الإعلامي الفرنسي على الجمهور، حيث كان استعداء الإسلام أهم تلك السلوكيات التي ينتجها تكرار الخطابات التي تعالج قضايا تتعلق بالمسلمين، وجاء في المرتبة الأولى ضمن 27 مادة صحفية في “لوموند” وبنسبة 39.7%، في مقابل 21 مادة صحفية وبنسبة 39.6% في “لوفيغارو”. ثم فئة الإسلاموفوبيا التي ظهرت بنسبة 26.4% وبتكرار 18 وحدة في صحيفة “لوموند”، وبنسبة 24.5% و13 تكرارا في “لوفيغارو”. ثم وردت فئة الضحايا والأبرياء وحرية التعبير في المرتبة الثالثة ضمن 15 مادة صحفية وبنسبة 22% في صحيفة “لوموند”، و16 مادة صحفية بنسبة 30.16% في صحيفة “لوفيغارو”. واحتل سلوك التعصب المرتبة الرابعة في السلوكيات الناجمة عن الخطاب بوصف المسلمين بالتعصب والتشدد، بمجموع 13 مادة صحفية في “لوموند” وبنسبة 19.11%، بينما جاء في نفس المرتبة بصحيفة “لوفيغارو” ضمن 15 مادة صحفية وبنسبة 28.3%.
أما فئة الإسلام الراديكالي فوردت بنسبة 16.17% ضمن 11 مادة صحفية في “لوموند”، نحو المقالة التي جاءت بعنوان “حزب فرنسا المتمردة، المتهم بالرضا عن الطائفية، يريد توضيح رؤيته للعلمانية والجمهورية”. كما وردت هذه الفئة في 9 مواد بصحيفة “لوفيغارو” وبنسبة 16.9%. وأفرزت المخرجات الصحفية سلوك التحريض والكراهية تجاه الإسلام والمسلمين في فرنسا؛ إذ ورد في 12 مادة صحفية في “لوفيغارو” بنسبة 22.6%، نحو ما جاء في إحدى مقالاتها “على الجمهورية أن تستعيد السيطرة”. كما ورد في 9 مواد صحفية وبنسبة 12.2% في “لوموند”.
بالإضافة إلى ذلك، أبرزت الصحيفتان توجهًا نحو وَسْم كل مسلم بـ”الإرهابي المتشدد والأصولي”؛ إذ تكرر هذا السلوك 10 مرات في صحيفة “لوفيغارو” بنسبة 18.8%، بينما تكرر 8 مرات في صحيفة “لوموند” بنسبة 11.7%.
وأخيرًا انبثق عن هذه الخطابات اعتبار الأنظمة الإسلامية متسلطة ومستبدة، وجاءت هذه الفئة في 8 مواد صحفية في “لوفيغارو” بنسبة 15%، وفي 7 مواد بصحيفة “لوموند” بنسبة 10.2%. وكشفت الصحف سلوكيات معادية للفرنسيين المسلمين، وازدياد منسوب الكراهية والاضطهاد ضد المهاجرين في فرنسا، حيث رجع الحديث عن الهجرة والحجاب، وهي الموضوعات التي تناولتها الصحيفتان بشكل متفاوت في معالجتها لتداعيات مقتل المعلم باتي.
فقد أبرزت “لوموند” في مقالة بعنوان “من الهجرة إلى الحجاب.. كيف أفلت الجدل من إيمانويل ماكرون؟”، تداخُلَ القضايا التي تُطرح في الساحة السياسية الفرنسية، وتتمثَّل في “الهجرة والإسلام والإرهاب والطوائف التي تشهد إرباكًا كبيرًا، وكشفت هذه القضايا عن تناقضات الأغلبية”.
من جهتها، اعتبرت “لوفيغارو” الحجاب -مثلا- صورة عن “الإرهاب الإسلامي”، وأشارت إلى خطورة الممارسات الإسلامية داخل المجتمع الفرنسي؛ إذ لفتت في إحدى مقالاتها إلى دعوات اليمين المتطرف مرة أخرى إلى “وقف الهجرة والتجنيس”، وكذا “توقيف التسهيلات لمنح المهاجرين الهوية القانونية والمدنية وإدماجهم في المجتمع الفرنسي”.
أساليب الدعاية
يتبيَّن من خلال نتائج الدراسة التحليلية أن استخدام الخطاب الأيديولوجي من طرف صحيفة “لوموند” تكرر 18 مرة بنسبة 26.5%، وذلك للترويج للوحدة الجمهورية، بينما استخدمته “لوفيغارو” 12 مرة بنسبة 22.6% عبر الترويج لخطابها المعارض للمسلمين والمهاجرين، والدعوة إلى إعادة النظر في قبول دخولهم لفرنسا وتضييق مساحة تحركاتهم في التراب الفرنسي. إجمالًا، طغى الخطاب الأيديولوجي على المعالجة الإعلامية لقضايا الإسلام والمسلمين في العينة المدروسة بنسبة 24.8%، مقارنة مع أساليب الدعاية الأخرى.
ويبدو أن “لوفيغارو” الأكثر ميلًا إلى شَيْطَنة الإسلام من خلال تعبيرات لاذعة، مثل اعتبارها وجود المسلمين في فرنسا “تهديدًا لوحدة الجمهورية”، وأن المسلمين يحصلون على امتيازات تمنحها لهم الجنسية الفرنسية كالحماية القانونية والتنقل الحر والتسهيلات الإدارية. ولذلك ركزت في موادها على ضرورة مراجعة هذه القوانين والتشديد على المسلمين في فرنسا، في خطاب لا يخلو من أيديولوجية اليمين المتطرف والترويج لسياسة تطويق المهاجرين والتضييق عليهم. أما “لوموند” فكانت الأكثر ميلًا إلى خطاب سياسي يوجِّه الرأي العام نحو الحفاظ على الجمهورية، وأن الإسلام يُعيق هذا التوجُّه.
وبالرغم من إثارة الصحيفتين للآراء المعادية للعنف، فإنها قليلًا ما تفاعلت مع تصريحات تدعو إلى فهم الإسلام، مع استثناء طفيف سجلناه في صحيفة “لوموند” التي تناولت تصريحات عميد مسجد باريس الذي دعا إلى فهم الإسلام من خلال قيمه الصحيحة ومرجعياته الحقيقية، وكذا تصريحات قساوسة فرنسيين يرون في الإسلام دين التسامح. أما بالنسبة لصحيفة “لوفيغارو” فلم تتطرق إلى الآراء المخالفة لوجهة النظر الأيديولوجية، بل تمسكت بالخطابات المشبعة بالكراهية ضد الإسلام والمسلمين.
كما استعملت الصحيفتان سمات وصفات مرتبطة بصور العمليات التفجيرية، وورد ذلك 17 مرة بنسبة 25% في صحيفة “لوموند”، مقابل 10 مرات بنسبة 18.9% في “لوفيغارو”، وهذا ما يوحي بأن الخطاب الإعلامي قائم على تقوية الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين. ويبدو لافتًا أن الصحيفتين -خلال نشرهما لمواد صحفية في فترة الدراسة- تحيلان المتلقي على روابط أخرى لأحداث سابقة ذات محمل سلبي بشأن قضايا الإرهاب وإعادة التذكير ببعض الأحداث المروعة في فرنسا. وتهدف هذه الإحالة إلى إثارة الكراهية تجاه المسلمين، ومحاولة لفت انتباه أكبر نسبة من الفرنسيين إلى مساوئ المهاجرين، وإثارة مخاوفهم من وجود المسلمين في البلاد. كما تتمثَّل خطورة تكرار بعض المعلومات السابقة في إشباع احتياجات فئة معينة من الفرنسيين بهذا الخطاب، خاصة التيار اليميني المتطرف، وتنميط صورة المسلمين.
كما سجلنا ربط “لوموند” صفات سلبية بالجاني في مقتل المعلم باتي، ومن ثم بمجموع المسلمين، بهدف إثارة الرأي العام تجاه الهدف من الدعاية، سواء بالسلب أو الإيجاب، مثلما جاء في مقالة نشرتها الصحيفة يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول: “من الفتوى ضد مؤلِّف “آيات شيطانية” إلى اغتيال مدرس كونفلان سانت أونورين ومذبحة فريق الصحيفة الأسبوعية الساخرة، يظهر السيناريو شبه الثابت للحملات الجهادية”.
كما اتفقت الصحيفتان على استخدام أسلوب القولبة والتنميط؛ إذ تكرر في 20 مادة صحفية موزعة عليهما بالتوازي، أي 10 مرات في كل صحيفة، وإجمالًا بنسبة 16.5% من مجموع عينة الدراسة، وذلك بالتركيز على نشر أحكام مسبقة من خلال تصنيف أو قولبة الرأي المخالف في صورة مكروهة ومرفوضة من الجمهور.
وتقدم الصحيفتان وجهات نظر أصحابها في كل موضوع يتعلق بالإسلام، كأن تُصوِّر المسلم بأنه ذو لحية ويرتدي قميصًا، فترسِّخ في ذهن المتلقي الفرنسي أن الإسلام مرتبط بجميع الصفات السلبية التي تستبطنها تلك الصورة، دون البحث عن الحقيقة بعيدًا عن المظهر الخارجي.
كما استخدمت صحيفة “لوفيغارو” أسلوب الشعارات والرموز 9 مرات بنسبة 17%، مثلما جاء في موضوع نُشر يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول بعنوان “الدور “الضبابي” الجماعي ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا”، بينما استخدمت “لوموند” هذا الأسلوب ضمن 8 مواد صحفية بنسبة 11.8%. ومن أهم هذه الشعارات: دولة الحريات وحقوق الإنسان، والعلمانية؛ وهي تعتمد على استثارة مشاعر الفرنسيين بأكثر الشعارات الجاذبة لعقولهم. في المقابل، نجد أن مجرد ورود كلمة “حجاب” أو “الله أكبر” أو “لحية طويلة” أو” قميص”؛ يستحضر صورة ذلك الإرهابي، رغم أن فرنسا تضم الآلاف من الكوادر المسلمة التي تشارك في تنمية البلاد.
ومن الأساليب المستخدمة أسلوب السطحية في المعالجة بدلًا من المناقشة والبرهنة، حيث تكرر 8 مرات بنسبة 11.8% في صحيفة “لوموند”، و6 مرات بنسبة 11.3% في صحيفة “لوفيغارو”. وقامت الصحيفتان بتبسيط مسألة وجود الإسلام في العالم، والثقافة الإسلامية كحضارة ضاربة في التاريخ؛ إذ باتت اختيارات الصحيفتين مبنية على أساس التوافق مع السياسة الفرنسية، التي تتوافق بدورها مع الاتجاه العام الفرنسي الذي يتشكَّل من خلال ثقافة علمانية، وهو ما يعني أن الرسالة الإعلامية للصحيفتين تتشكَّل على أساس الميل إلى التوافق مع السياسة الفرنسية.
كما استخدمت الصحيفتان أسلوب الإشاعة في خطابهما الإعلامي، حيث تكرر 4 مرات بنسبة 7.5% في صحيفة “لوفيغارو”، و3 مرات بنسبة 4.4% في صحيفة “لوموند”؛ إذ تركتا الغموض يلفُّ قضية صراخ قاتل المعلم باتي الذي كان يصيح “الله أكبر” بحسبهما، والبحث وراء الفاعل، القاتل، ومحيطه، وانتشارها كإشاعة دون أدلة. ولأهمية الموضوع فإن انتشار الإشاعة المرتبطة بحياة القاتل، كان كالنار في الهشيم مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، ونظرًا لتداخل وتضارب المعلومات حول الفاعل، نسي القراء أسباب الفعل وقضية الإساءة المتكررة للنبي محمد ﷺ، والتمادي في إهانة الرمز الإسلامي خلال فترة الدراسة. كما أن الشائعة وجدت ضالتها لدى الأحزاب السياسية المعارضة للرئيس إيمانويل ماكرون، وانتقاد سياساته نحو المهاجرين والمطالبة بتعديل القوانين.
نتائج الدراسة
– استخدمت صحيفتا “لوموند” و”لوفيغارو” الأخبار والتقارير والربورتاجات لإبراز مخاوف المجتمع الفرنسي من تنامي ظاهرة الإسلام المتعصب بطريقة تخدم أجندتهما السياسية والإعلامية.
– ظاهرة صنع الصور النمطية المسيئة للإسلام والمسلمين متجددة، وتروم الصحيفتان ترسيخها في ذهن المتلقي الفرنسي. ويُلاحظ أن الإسلام هو الأكثر تشويهًا مقارنة بالأديان الأخرى، والأكثر تعرُّضًا للإساءة من طرف الإعلام الفرنسي عمومًا.
– اهتمت “لوفيغارو” في تغطيتها لقضايا الإسلام والمسلمين من بوابة سياسية وأيديولوجية بالدرجة الأولى، رافضة وجود المسلمين في فرنسا، بينما قدَّمت “لوموند” تغطية متوازنة وشاملة.
– اهتمت “لوفيغارو” بالخطاب اليميني المعادي للإسلام وللمهاجرين، ووصف مخاطرهما على المجتمع الفرنسي، بينما ركزت “لوموند” على خطاب السلطة السياسية في فرنسا، وأطراف أخرى فاعلة من المسلمين كعميد مسجد باريس، مما كشف عن زاوية نظر أخرى.
– ركزت صحيفة” لوفيغارو” على الانعكاسات الأمنية والاجتماعية لتغلغل المسلمين في المجتمع الفرنسي، وخوف الفرنسيين من تكرار عملية القتل التي طالت معلمًا فرنسيًّا، في حين تعاملت “لوموند” مع الموضوع من باب ضرورة إعادة النظر في تأمين الأراضي الفرنسية وتشديد الرقابة على المسلمين.
– تنشر “لوموند” عبارات تُعبِّر عن صورة سيئة تجاه الإسلام في سياق حادثة واحدة، بينما تعمل “لوفيغارو” على تضخيم نظرية “الحرب ضد الإرهاب الإسلامي”، وتجدِّد خطابات تقويض المهاجرين من أصول إسلامية للأمن، والحديث عن الحجاب والقوانين التي تحدُّ من ممارستهم للشعائر الدينية الإسلامية مخافة تغلغلهم في المجتمع الفرنسي.
– تقدِّم “لوفيغارو” تمثُّلاتها عن الإسلام وفق سياسة أيديولوجية، فـ”الإرهاب الدموي” يساوي “المسلم”، وتكاد تنعدم الاتجاهات المحايدة، بينما أعطت “لوموند” مساحة لتقديم نظرة المسلم لما يحدث من توتر داخل فرنسا، وردود فعل الشعوب المسلمة حيال تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
– حاولت “لوموند” نقل الصورة من عدة زوايا، رغم المخاوف من تنامي القتل، ودفاعها المستميت عن حرية التعبير ومعايير الجمهورية، بينما حاولت “لوفيغارو” نقل صورة مُحرَّفة عن الموضوع أو مُبالغٍ فيها باستدعائها لعمليات إرهابية سابقة، دون أن تعمل على الموضوع في سياقه الجديد.
– اختلف موقف الصحيفتين فيما يتعلق بخطاب السلطة الفرنسية، فقد وصفته “لوموند” بالإيجابي مع تأييد مضمونه، بينما انتقدته “لوفيغارو” وأبرزت الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة في تعاملها مع المهاجرين خاصة.
ورغم تباين الخط التحريري والمرجعيات السياسية للصحيفتين، ومنطلقاتهما لقراءة قضايا الإسلام والمسلمين في فرنسا، فإنهما تطرحان نفس المحاذير بشأن تمدُّد الإسلام وتنامي ديمغرافيا المسلمين، وتوسُّع هامش حضور الخطاب والممارسات الإسلامية بأشكالها المختلفة والتعبيرات ذات الصلة في المجتمع الفرنسي. كما يبدو أن تواتر الأحداث التي شهدتها فرنسا خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، مثل حادثة “شارلي إيبدو”، في 7 يناير/كانون الثاني 2015، ثم تفجيرات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ثم قتل المعلم صامويل باتي، وغيرها من الأحداث؛ دفعت إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الجالية المسلمة في فرنسا، وهو ما يجعل موضوع الإسلام والمسلمين الأكثر تداولًا مع كل عملية إرهابية، وتوسيع الاهتمام بالممارسات الإسلامية كالمساجد والحجاب وغيرهما، الأمر الذي يعتبر -بحسب الصحيفتين- تهديدًا واضحًا لهوية الفرنسيين الثقافية وتجاوزًا واضحًا لمعالم الجمهورية.
ولم يؤدِّ اختلاف التوجُّه التحريري للصحيفتين إلى اختلاف موقفهما واتجاههما نحو أهم الفاعلين في تناول مسألة الإسلام وعلاقته بالعمليات الإرهابية؛ إذ تجلت مظاهر الكراهية والخوف من الإسلام التي تتغذَّى من الصورة النمطية المشكَّلَة عنه، وهي الصورة المطابقة للتوجُّه العام الفرنسي من خلال مخاطبة الجمهور نفسيًّا وعاطفيًّا عبر اللغة والصورة، وكذلك من خلال اللعب على وَتَر الثقافة الفرنسية، علاوة على غرس معانٍ تجعل من المسلم والإسلام أكبر خطر يهدد فرنسا وعدوًّا للفرنسيين، وهو ما يثبت أن الصحافة الفرنسية تتبع السياسة الداخلية للدولة في القضايا ذات التعقيد، كما هو الحال بشأن معالجة قضايا الإسلام والمسلمين.
المراجع
(1) Khairiah A. Rahman and Azadeh Emadi, “Representations of Islam and Muslims in New Zealand Media,” Pacific journalism Review, Vol. 2, (2018): 167.
(2) Ahmed Saifuddin and Matthes Jörg, “Media Representation of Muslims and Islam from 2000 to 2015: A meta-analysis,” The International Communication Gazette, Vol. 79, (2017): 4.
(3) الصادق رابح، “تجليات خطاب الكراهية في الوسائط الإعلامية الفرنسية: بحث في المصادر”، 2008، موقع أكاديميا، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2020)، https://bit.ly/3bohW3N.
(4) Rahman and Emadi, “Representations of Islam and Muslims in New Zealand Media,”: 167.
(5) Jacques Attali, La Confrérie des Éveillés, (Paris : Fayard, 2004).
(6) أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات الدراسات الإنسانية والفنون الجميلة والتشكيلية، (القاهرة، دار الكتاب المصري، 1991)، ص 283.
(7) أيمن منصور ندا، الصورة الذهنية والإعلامية: عوامل التشكيل واستراتيجيات التغيير.. كيف يرانا الغرب؟، ط1، (القاهرة، المدينة برس، 2004)، ص 29.
(8) سليمان صالح، وسائل الإعلام وصناعة الصورة الذهنية، (الكويت، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، 2005)، ص 22-23.
(9) حلمي خضر ساري، “المرأةكـ(آخر): دراسة في هيمنة التنميط الجنساني على مكانة المرأة في المجتمع الأردني”، في صورة الآخر: العربي ناظرًا ومنظورًا إليه، تحرير الطاهر لبيب، ط1، (بيروت، مركز الدراسات الوحدة العربية، 1999)، ص 765.
(10) نورمان فيركلف نقلًا عن محمد شومان، تحليل الخطاب الإعلامي: أطر نظرية ونماذج تطبيقية، ط2، (القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 2012)، ص 25.
(11) أحمد العاقد، تحليل الخطاب الصحافي: من اللغة إلى السلطة، ط1، (المغرب، دار الثقافة، 2002)، ص 110.
(12) بشير أبرير، “الصورة في الخطاب الإعلامي: دراسة سيميائية في تفاعل الأنساق اللسانية والأيقونية”، (قُدِّمت في المؤتمر الدولي الخامس: السيمياء والنص الأدبي، جامعة بسكرة، الجزائر، يوليو/تموز 2008)، ص 4.
(13) فتحي زقعار، عبيدة صبطي، “صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الغربي”، مجلة العلوم الاجتماعية، (جامعة بسكرة، الجزائر، العدد 14، 2015)، ص 82.
(14) شريفة رزيوق، “الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الإعلام الأميركي والمتغيرات الراهنة”، مجلة الصورة والاتصال، (جامعة وهران، الجزائر، العدد 2، 2018)، ص 83-98.
(15) الصادق، “تجليات خطاب الكراهية في الوسائط الإعلامية الفرنسية”، مرجع سابق.
(16) Valérie Martel, Altérité, Médias et Postmodernité : Crise de la Représentation en Occident de l’autre Arabe et Musulman, Mémoire, (Québec, Université du Québec, 2009).
(17) Connor Nickerson, Media Portrayal of Terrorism and Muslims: A content analysis of Turkey and France, Crime, law and Social Change, 72, (Springer, 2019), 2.
(18) Saifuddin and Jörg, “Media Representation of Muslims and Islam from 2000 to 2015, 4.
(19) Abderrahim Ait Abdeslam, The Representation of Islam and Muslims in French Print Media Discourse: Le Monde and Le figaro as case of studies, Journal of Muslim Minority Affairs, Journal of Muslim Minority Affairs, Vol. 39, Issue. 4, 2019.
(20) عائشة كعباش، صورة الإسلام والمسلمين في الصحافة الفرنسية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، دراسة تحليلية لصحيفتي “لوفيغارو” و”لوموند” أنموذجًا، (الجزائر، جامعة الأمير عبد القادر، قسنطينة، 2005-2006).
(21) عبد الرحمان عدس (وآخرون)، البحث العلمي: مفهومه وأدواته وأساليبه، (عمان، دار الفكر ناشرون وموزعون، 2015)، ص 142.
(22) محمد بن عبد العزيز الجيزان، البحوث الإعلامية: أسسها، أساليبها، مجالاتها، ط 1، (الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية للنشر، 2004).
(23) Gerbner George et al , Growing up with Television: Cultivation Processes, in Jennings Bryant and Dolf Zillmann, eds., LEA’s Communication Series. Media Effects: Advances in Theory and Research, (USA, Lawrence Erlbaum Associates Publishers, 2002), 43-67.
(24) Saifuddin and Jörg, “Media Representation of Muslims and Islam from 2000 to 2015,”: 4.
(25) Achour Ouamara, “L’islam au Seuil de la Visibilité,” Revues Plurielles, “accessed October 17, 2020”. https://bit.ly/2LaEz13.
(26) Rahman and Emadi, “Representations of Islam and Muslims in New Zealand Media,”: 167.
(27) Saifuddin and Jörg, “Media Representation of Muslims and Islam from 2000 to 2015,”: 4.
(28) Müşerref Yardim, “Un Islam des Médias Européens: Habitus ou Phobie?,” Vol. 5, (2016): 1673. Academia, “accessed October 17, 2020”. https://bit.ly/35r34Oq.
(29) Denise Jodelet, “Dynamiques Sociales et Formes de la Peur,” Nouvelle Revue de Psychosociologie, 12 (2), (2011), Academia, “accessed October 17, 2020”. https://bit.ly/2Lguyz6.
(30) Yardim “Un Islam des Médias Européens: Habitus ou Phobie?,”: 1673.
(31) Ouamara, “L’islam au Seuil de la Visibilité,” : 18.
(32) Marie-Claude Lutrand, Behdjat Yazdekhasti, “Laïcité et Présence Musulmane en France : des Dynamiques d’influence Réciproque,” Cahiers de la Méditerranée, 83, (2011): 2.
(33) Vincent Geisser, La nouvelle Islamophobia, (Paris: La découverte, 2003), 25.
(34) Edouard Mills-Affif, L’islam à la Télévision, les étapes de la Médiatisation, Cahiers de la Méditerranée, 76, (2008).
(35) Ibid, 3-4.
(36) Ibid, 2.
(37) Yardim “Un Islam des Médias Européens: Habitus ou Phobie?,”: 1679.
(38) Mohamed Bensalah, “Islam et Représentations Médiatiques, Revista CIDOB d’ Afers Internacionals, Vol. 73-74, (2006): 251.
(39) Thomas Deltombe, L’islam Imaginaire: La construction Médiatique de L’islamophobie en France, 1975-2005, (Paris: La découverte, 2005).
(40) “Ligne politique?,” le monde, october 30, 2010, “accessed October 20, 2020”, https://bit.ly/3nwvzAm.
* مانويل فالس: سياسي فرنسي، ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي. انتخب عمدة لإيفري بين عامي 2001 و2012، ونائبًا برلمانيًّا، وشغل عدة مناصب حكومية، إذ عين وزيرًا للداخلية بين 16 مايو/أيار 2012 و31 مارس/آذار 2014، ثم رئيسًا للوزراء خلال فترة حكم فرانسو هولاند.