تمهيد

ينتمي كتاب “عش الدبابير”، للصحفي الشاب، نذير أحمد سهار، إلى الكتب التي تتحدث عن عالم الاستخبارات وصناعة العدو الوهمي والتلاعب بالحقائق وعمليات التضليل الكبرى.

يمثِّل جوهر الكتاب تحقيقًا استقصائيًّا حول منطقة وزيرستان، الواقعة في شمال غرب باكستان على الخط الحدودي الفاصل مع أفغانستان المسمى خط (الديورند) وتقطنها قبائل من البشتون، ويروي بتفاصيل توثيقية ومن خلال شهادات وملاحظات الكاتب نفسه، ما جرى في تلك المنطقة الجبلية النائية المعزولة منذ الغزو الأميركي لأفغانستان قبل نهاية العام 2001، وكذلك الأساليب التي استخدمها كل من الاستخبارات والجيش في باكستان لتكون هذه المنطقة مستقرًّا وقاعدة للمقاتلين من تنظيم القاعدة وحركة طالبان، كما جاء في الكتاب.

ينتمي المؤلِّف إلى منطقة وزيرستان، وقد منحه ذلك، فرصة الوجود في قلب الأحداث التي شهدت ولادة ونمو تنظيمات جهادية بعيدًا عن انتباه العالم. وقد ظل المؤلِّف يراقب على مدى أكثر من ستة عشر عامًا ما يجري في المنطقة، ويتابع الأطراف التي تقف وراء الأحداث. وبحكم خبرة الكاتب بالمنطقة وجغرافيتها وتاريخها وتأثيرها على مجريات الأحداث في باكستان أو في أفغانستان المجاورة، فقد تضمن الكتاب معلومات مهمة عن هذه المنطقة ما بين التاريخي والجغرافي، لكن الحصيلة الجديدة، وربما غير المنشورة سابقًا، تمثَّلت بالشهادات الشخصية التي تمكَّن من جمعها من أشخاص لهم علاقة مباشرة بالأحداث أو كانوا شهودًا عليها، حيث سمع منهم ووثَّق ما سمعه من مصادر أخرى حول تفاصيل ما حدث في وزيرستان بعد غزو القوات الأميركية لأفغانستان، إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 بنحو شهر واحد.

 وقد كان نذير أحمد سهار أول كاتب أفغاني يكتب عن هذه المنطقة المعزولة عن العالم، وحاول أن يصوِّر الأحداث بتفاصيلها وتعقيداتها عن منظار الأفغان. ويقول المؤلِّف في مقدمته إنه يهدف إلى تحقيق العدالة، ويصف دور باكستان في إنشاء حركة طالبان، ودور الأخيرة في المعارك داخل الأراضي الأفغانية والباكستانية.

يزخر الكتاب بالقصص والتفاصيل التي قد تُروى لأول مرة حول هذه المنطقة الاستراتيجية في حسابات الاستخبارات الباكستانية والأجنبية، ويسرد هذه الأفكار الرئيسية بطريقة العرض التوثيقي مع تحليل للأحداث، كما يمكن اعتبار بعض الأحداث التي أوردها الكتاب والتفسيرات المقدمة لها، معلومات ورؤية جديدتين ومهمتين لتاريخ وزيرستان ومن جاء إليها من المقاتلين الأجانب.

تضمن الكتاب مقدمة وعشرين فصلًا، وتحدث بإسهاب عن تاريخ منطقة وزيرستان، وتكوينها الجغرافي، وكيف أنها كانت ممرًّا للجيوش الغازية حتى القرن العاشر الميلادي. وقد رسمت تعقيدات التاريخ والجغرافيا ملامح خاصة لهذه المنطقة، وجعلتها تخضع لنظام اجتماعي خاص ومغلق، كما أن القوانين النافذة فيها ظلت سائدة منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر، لكن خضعت هذه المنطقة في معظم الأوقات لسلطة القبائل البشتونية القوية التي تقطنها.

كان المبعوث البريطاني، لورد أوكلاند (Lord Auckland)، قد وضع في عام 1838 رؤيته الخاصة بوزيرستان، وصاغ اتفاقية وقَّعها كل من الملك الأفغاني، آنذاك، شاه شجاع، والزعيم التاريخي للسيخ، رانجيت سينغ، وقد تضمن البند الأول من الاتفاقية أن تصبح منطقة وزيرستان وما حولها خاضعة لحكم السيخ. كانت هذه الاتفاقية بداية التدخل البريطاني في وزيرستان، وقد استمر السجال بين قبائل المنطقة والبريطانيين حتى انسحابهم من شبه القارة الهندية ونشأة باكستان عام 1947.

خرج البريطانيون من وزيرستان ولكن قوانينهم بقيت تحكم هذه المنطقة والقبائل، ودخلت وزيرستان مرحلة جديدة من تاريخها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، والغزو الأميركي لأفغانستان، حيث تحولت وزيرستان إلى مأوى نموذجي للمسلحين من التنظيمات الجهادية من شتى أنحاء العالم. وحسب الكتاب، فقد استغلت الاستخبارات الباكستانية وجود هؤلاء المسلحين لتحقيق أهدافها التاريخية والاستراتيجية.

تكمن أهمية الكتاب في كونه يبحث قضايا ساخنة ومستمرة حتى يومنا هذا. زمنيًّا، يبدأ الكتاب من العام 2001 ويُختتم عند نشأة حركة حماية البشتون التي ظهرت إلى العلن بسبب الأحداث الأخيرة في وزيرستان.

 

هروب بن لادن

يبدأ الكتاب بهروب أسامه بن لادن من جبال “تورا بورا” الواقعة في أفغانستان على الحدود الشمالية الشرقية مع باكستان مقابل منطقة وزيرستان. ومن خلال منطقة الحدود الجبلية المعقدة، دخل ابن لادن باكستان، واستقر في مقاطعة “باجور” القبلية التي يسيطر عليها الجيش الباكستاني، حيث قضى عامين.

سجل المؤلِّف اللحظات الأخيرة لأسامة بن لادن في جبال “تورا بورا”، قائلًا: إن صراعًا خفيًّا جرى بين قادة المجاهدين، بعد اشتداد القصف الأميركي لهذه المنطقة. وحسب المؤلِّف، فقد كان هناك بين قادة المجاهدين من يحاول إخراج ابن لادن من مخبئه في “تورا بورا” ومنهم من كان يحاول الحصول عليه ثم تقديمه للقوات الأميركية التي تقصف يوميًّا كهوف “تورا بورا”.

أثناء القصف والاشتباكات في جبال “تورا بورا”، طالب قائد المجاهدين السابق، عبد الحق (بشتون)، من ابن لادن ومقاتليه النزول من الجبال، على أن يضمن هو إرسال المقاتلين إلى بلدانهم عبر الأمم المتحدة، ولكن ابن لادن رفض هذا العرض ولم يكن يثق بالقائد عبد الحق. وفي وقت لاحق قُتِل عبد الحق على أيدي حركة طالبان في ولاية لوغر قبيل دخوله العاصمة كابل.

تمكَّن ابن لادن من الخروج من جبال “تورا بورا” بصحبة نور محمد إقبال إلى ولاية كونر شرق أفغانستان، حيث الحاضنة السلفية الجهادية، وبعد ذلك ساعده زعيم حزب الدعوة والقرآن السلفي، حاجي روح الله، بالتوجه إلى مقاطعة “باجور” الباكستانية والبقاء هناك لمدة عامين. وخلال هذه الفترة كانت الاستخبارات الأميركية تبحث عن ابن لادن ومساعديه في وزيرستان، لكن ابن لادن كان يعرف جغرافية المنطقة منذ أيام قتاله السوفيت، وهو ما ساعده على الإفلات من المطاردة الأميركية والتوجه إلى مقاطعة “باجور” الباكستانية والمكوث فيها.

بعد هروب ابن لادن من “تورا بورا” غادر أتباعه كذلك إلى باكستان، وقد اعتقلت السلطات الباكستانية عددًا منهم، وحسب ما جاء في الكتاب، فقد وصل عدد المعتقلين في السجون الباكستانية من مقاتلي تنظيم القاعدة إلى أربعمئة وخمسين معتقلًا معظمهم يمنيون وسعوديون.

يقول المؤلِّف: إن ابن لادن خرج من الأراضي الأفغانية وترك مقاتليه تحت القصف الأميركي وإن الشخصيات المهمة في القاعدة، مثل: حمزة الغامدي، ومحمد صلاح الدين (سيف العدل) الدين)، وعبد الرحيم حسين محمد البنشيري، ومحمد وليد بن عطاش، وعمار البلوشي، وعبد الباري الفلسطيني، ورمزي بن الشيبة، وصلوا إلى مدينة كراتشي الباكستانية واستقروا هناك إلى أن تم اعتقال عدد منهم على أيدي الاستخبارات الأميركية.

وصل المقاتلون العرب الهاربون من “تورا بورا” إلى باكستان بصحبة عائلاتهم، ودفع أبو زبيدة لزعيم “لشكر طيبة”، حافظ سعيد، مئة ألف دولار للإنفاق على عائلات المقاتلين وإرسال من يرغب في مغادرة باكستان إلى بلدانهم. ويروي الكتاب حالة عدم الثقة بين الإدارة الأميركية والسلطات الباكستانية ورئيسها آنذاك، الجنرال برويز مشرف، وقد رفض وزير الدفاع الأميركي في حينه، دونالد رامسفيلد، الضغط على مشرف حتى لا يتراجع الأخير عن مساعدته في القبض على كبار الشخصيات في القاعدة… وحدث ما كان يقلق الوزير الأميركي السابق عندما أمر الجنرال مشرف بإطلاق سراح أكثر من ثمانمئة معتقل من السجون الباكستانية.

 

لعبة القط والفأر 

سمَّى المؤلِّف ما يجري في وزيرستان بلعبة “القط والفأر”، وقال: إن الحكومة الباكستانية قدَّمت خطة السيطرة على ما تبقى من مقاتلي القاعدة وحركة طالبان والأوزبك وطالبت بمساعدات تقدر بأربعمئة مليون دولار لتقديم الخدمات لأهالي وزيرستان، ولكن الجيش الباكستاني بدل أن يقوم بإنشاء الطرق الرئيسية وبدء المشاريع التنموية باشر بهدم القرى والمنازل حتى يضطر الناس إلى هجر ديارهم ومساكنهم، وحينها يتسنى للجيش الباكستاني توطين المقاتلين من حركة طالبان وغيرها في وزيرستان لتنفيذ خططها لاحقًا عبر المساعدات الأميركية.

وربما يكون “عش الدبابير” أول كتاب يتحدث عن مداهمة القوات الخاصة الأميركية، في أبريل/نيسان من العام 2002، لمقر ومدرسة زعيم شبكة حقاني، جلال الدين حقاني، غير أن الأخير كان قد غادر منزله قبل ذلك بقليل، فنجا من الاعتقال، لكن القوات الأميركية تمكَّنت في تلك العملية من اعتقال ابنه، سراج الدين حقاني، وكذلك نائب زعيم حركة طالبان، الشيخ هيبة الله أخندزادة، وبعد ساعات أطلقت القوات الأميركية سراج الدين حقاني دون أن يذكر الكتاب أسباب ذلك أو ربما لم تتوقع الاستخبارات الأميركية وقواتها خطورة وأهمية الرجل مستقبلًا.

ويتهم المؤلِّف الاستخبارات الباكستانية بازدواجية التعامل مع نظيرتها الأميركية، حيث يتعاون قسم العمليات الداخلية مع الأميركيين فيما يقوم قسم العمليات الخارجية بحماية تنظيمات مثل شبكة حقاني، أو حركة طالبان ولشكر طيبة ويتولى تحذيرهم قبل شن أية عملية ضدهم.

وتقوم حركة طالبان في أفغانستان وباكستان بعرقلة نشاط المؤسسات التي تقدم الخدمات الإنسانية والطبية بتهمة أن بعض العاملين في هذه المؤسسات يقوم بجمع الأخبار أو النشاط التَّجَسُّسِي ضدهم، ويعتقد المؤلِّف أن تلك الاتهامات كانت صحيحة، ويقول: إن الاستخبارات الأميركية والبريطانية استغلت وقوع الزلزال العنيف، عام 2005، في باكستان لترسل المزيد من عملائها للبحث عن أسامة بن لادن، وقد ظل بعض هؤلاء العملاء هناك حتى مقتل ابن لادن في مدينة أبوت آبوتباد عام 2011. ويذهب الكاتب بعيدًا ويقول: إن عملاء الاستخبارات الأميركية لم يكتفوا بالبحث عن ابن لادن بل كانوا يتعقبون أيضًا البرنامج النووي الباكستاني وعلاقة عدد من ضباط الاستخبارات الباكستانية مع تنظيم القاعدة.

وكان الجيش الباكستاني قد سمح للقوات الأميركية بشن هجماتها داخل الأراضي الباكستانية دون علم البرلمان والحكومة المدنية بذلك، وبناء على التوافق بين الطرفين، أنشأت الاستخبارات الأميركية “شبكة رصد” داخل المناطق القبلية لتعقب ابن لادن وأيمن الظواهري.

ويسرد الكتاب تفاصيل كثيرة عن العمليات العسكرية الأميركية داخل الأراضي الباكستانية، وقد جرى بعض هذه العمليات البرية أو الجوية من دون التنسيق مع الجيش الباكستاني، وكان أكثرها خطورة قصف الطائرات الأميركية، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2011، نقطة تفتيش للقوات الباكستانية بتهمة مساعدتها لمسلحي طالبان بالعبور إلى الأراضي الأفغانية. تسبب القصف بمقتل ستة عشر جنديًّا باكستانيًّا، وقد اعترض الجيش على العملية وقام بإغلاق ميناء كراتشي وممر خيبر أمام القوات الأميركية احتجاجًا على مقتل جنوده.

 

اتفاقية بين القاعدة والحكومة الباكستانية

يقدم الكتاب تصورًا عن اتفاق بين تنظيم القاعدة والاستخبارات الباكستانية، تتعهد القاعدة بموجبه بعدم مهاجمة باكستان مقابل عدم تعرض السلطات الباكستانية للتنظيم. ويزعم المؤلِّف أن الاتفاق جرى في قندهار جنوب أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بين أسامة بن لادن ورئيس الاستخبارات الباكستانية آنذاك، الجنرال محمود أحمد.

ويعتقد مؤلِّف “عش الدبابير” أن تنظيم القاعدة على الأقل نفَّذ متطلبات الاتفاق، حيث لم تتعرض باكستان إلى هجمات من التنظيم، ويستشهد بتوجيهٍ نَسَبَه لابن لادن للمسلحين الذين كانوا يخططون لضرب قيادة الجيش الباكستاني في مدينة روالبندي، قرب العاصمة إسلام أباد، قائلًا لهم: “لا تدمروا السفينة التي حملتكم على ظهرها”.

مصادر التمويل ومدينة كراتشي

تُعَدُّ كراتشي مدينة صناعية؛ يعيش فيها كبار رجال الأعمال والأثرياء، وهي العاصمة الاقتصادية والمالية لباكستان، والمدينة الأكثر نشاطًا اقتصاديًّا في البلاد، كما أن بها الميناء الأكبر بباكستان، ولكنها تشهد صراعات عرقية منذ فترة طويلة مما جعلها عرضة للانفلات الأمني، وقد استغلت قيادات القاعدة وحركة طالبان باكستان هذه السمات للاستقرار في كراتشي والعمل منها.

ويوضح المؤلِّف أن حركة طالبان باكستان وغيرها من الحركات تقوم بخطف رجال الأعمال والأجانب والصحفيين للحصول على الموارد المالية، إلى جانب نهب البنوك، ويمكن القول: إن ذلك صار ظاهرة تسببت في نشوب خلاف بين قادة طالبان على توزيع الأموال المنهوبة.

ويؤكد الكاتب أن حركة طالبان باكستان حصلت بين عامي 2009 و2012 على 18 مليون دولار من عمليات الاختطاف والابتزاز التي كان معظم ضحاياها من رجال الأعمال البشتون، وقد تجاهلت الحكومة ما تقوم به هذه الحركة.

وخصص الكاتب مساحة واسعة للحديث التفصيلي عن مراكز تدريب الانتحاريين، وأساليب عمليات التجنيد وغسيل المخ واختيار الأهداف داخل الأراضي الأفغانية. واستعرض الكتاب 157 مركزًا لتدريب الانتحاريين من بينها 29 تُدار من قِبَل تنظيم القاعدة في وزيرستان، وكانت حركة طالبان تنتقي الانتحاريين ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و35 عامًا على اعتبار أن هؤلاء يسهل إقناعهم أكثر من سواهم.

وأُسِّس أول مركز لتدريب الانتحاريين في العام 2007 بإشراف قاري حسين، وسمى مركزه بـ”فدائيان إسلام” (فدائيو الإسلام)، ويُنْظَر إلى قاري حسين باعتباره الصندوق الأسود في تنفيذ العمليات المعقدة، وأخفقت الاستخبارات الأميركية في القضاء عليه أو اعتقاله، ويعزو الكاتب هذا الإخفاق إلى الغطاء الذي وفَّرته الاستخبارات الباكستانية للرجل.

 

شبكة العنكبوت وهمام البلوي

ربما يكون “عش الدبابير” من الكتب القليلة التي تحدثت عن تفاصيل التفجير الانتحاري الذي قام به همام خليل البلوي وسط القاعدة الأميركية في ولاية خوست جنوب شرق أفغانستان، في نهاية العام 2009، وتسبب بمقتل سبعة من كبار ضباط الاستخبارات الأميركية بينهم قائد القاعدة إلى جانب ضابط كبير في الاستخبارات الأردنية هو الشريف علي بن زيد.

كان البلوي عميلًا مزدوجًا لكل من الاستخبارات الأميركية والأردنية، ويروي الكتاب كيف انتظره الضباط عشرة أيام في خوست ليسمعوا منه ما توقعوا أن تكون معلومات ثمينة عن أيمن الظاهري (الرجل الثاني) في تنظيم القاعدة في حينها. لكن الحقيقة التي صدمت الجميع لاحقًا هي أن البلوي كان في الواقع لا يزال يحتفظ بولائه للقاعدة، وأنه كان يمثِّل دور العميل قبل أن يقوم بذلك التفجير الانتحاري.

وبطريقة السرد الروائي، روى المؤلِّف عملية نقل البلوي من وزيرستان إلى خوست، وماذا جرى لمن ساعده من المتعاونين بعد تنفيذه الهجوم، وقد جرى التخطيط للهجوم بمشاركة المثلث (القاعدة، وشبكة حقاني، وحركة طالبان باكستان).

يعتبر الكتاب مصدرًا مهمًّا للباحثين في الشأن الأفغاني حيث تمكن المؤلِّف، نذير أحمد سهار، من سرد تفاصيل وقصص تُحكى لأول مرة واستطاع الخوض في غمار الأحداث المعقدة، وهو رغم ما بدا من تعاطفه مع مسقط رأسه في باكستان إلا أنه كان محايدًا في التعامل مع المسؤوليين الباكستانيين الذين نظر إليهم على أنهم جزء من المشكلة الأفغانية.

وستكون ترجمة الكتاب للعربية مدخلًا جديدًا للباحثين الجدد في الشأن الأفغاني لأنه أول كاتب أفغاني، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، يكتب عن وزيرستان التي شهدت أحداثًا كثيرة وكانت أشبه بكتاب المذكرات لجزء كبير من تفاصيل الأحداث الأفغانية والحركات الجهادية والتداخل الاستخباراتي الإقليمي والدولي.

وما زالت وزيرستان منطقة ملتهبة حتى الآن بسبب سياسة الجيش الباكستاني الذي دخل خلال عهد الجنرال، برويز مشرف، إلى هذا الإقليم وقام بأعمال استفزازية ضد السكان، وهو ما فتح الطريق أمام نشوء حركة حماية البشتون التي تطالب بانسحاب الجيش من هذه المنطقة والقضاء على المقاتلين الأجانب وإجبارهم على الخروج منها.

المسكوت عنه

منذ الاجتياح السوفيتي لأفغانستان وتراجع دور المؤسسات الأكاديمية في البلاد، بدأ الباحثون والكتاب الصحفيون الأجانب بالكتابة عن الوضع السياسي والأمني في أفغانستان والمنطقة المجاورة لها، ولا تخلو هذه الكتابات من مغالطات تاريخية وعلمية. وقد انتبه نذير أحمد سهار إلى هذه الثغرة، محاولًا الإجابة عن الأسئلة التقليدية: “ماذا ومن ومتى وأين وكيف؟”، باحثًا عمن يقف خلف الأحداث التي وقعت في وزيرستان ولحساب مَن؟ وقد تمكن من الوصول إلى مصادر في حركة طالبان أفغانستان وزعماء القبائل ومسؤولين عسكريين وأمنيين في الحكومة الأفغانية، ووزع الكاتب المصادر إلى نوعين: الأول: وافق على ذكر اسمه ووظيفته أثناء سرد الأحداث وما حدث في وزيرستان، والثاني فضَّل عدم الكشف عن اسمه فأشار إليه بحروف ورموز، وكان من أبرز المصادر التي اعتمد عليها رئيس الاستخبارات الأفغانية الأسبق، رحمة الله نبيل، وحاكم ولاية ننغرهار أثناء هروب ابن لادن من أفغانستان، حاجي عزيز الله دين محمد.

ويُعَدُّ “عش الدبابير” أول تجربة أفغانية تطرقت إلى ما جرى في وزيرستان، لكن المؤلِّف سكت عن دور الاستخبارات الأفغانية في المناطق القبلية وعلاقتها بطالبان باكستان، ولم يتطرق إلى تجارة الأسلحة عبر الحدود الأفغانية وتهريب المخدرات ومن يقوم بها، ودور أمراء الحرب في التوتر الأمني على الشريط الحدودي، وهو ما كان سيضيء مناطق ظلت معتمة في تاريخ هذه المنطقة وفي شبكة العلاقات التي تميزت بتعقيداتها الأمنية والاستخبارية بين الفاعلين واللاعبين المحليين والدوليين.