تعيش منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات صراعات متعددة المظاهر والأسباب تتقاطع فيها أجندات إقليمية وأخرى دولية جعلت منها بؤرة عالمية متفجرة تلقي بتأثيراتها السلبية داخل المنطقة وخارجها على حدٍّ سواء. وقد فاقمت أزمة الخليج وحصار قطر منذ نحو سنتين من هذا الوضع، فضربت استقرار المنظومة الخليجية وهددت أمن دولها وجردتها من قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية ولعب دور مؤثر في محيطها. في هذا السياق المضطرب، جاءت حادثة اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في تركيا فضاعفت من أسباب التوتر وفجرت أزمة أخرى استقطبت أنظار العالم، وهزت صورة المملكة العربية السعودية، وأعادت فتح ملفات الأزمات الإقليمية من جديد. فما بعد اغتيال خاشقجي لن يكون كما قبله، لا داخل المملكة ولا خارجها.
فحرب اليمن أكملت عامها الرابع دون أن يحقق التحالف، الذي بدأ عربيًّا وانتهى سعوديًّا-إماراتيًّا، أهدافه بدحر الحوثيين وإعادة الشرعية وتقليص التأثير الإيراني. لقد تحول اليمن في السنوات الأربع الماضية إلى ساحة حرب مفتوحة تُرتكب فيها أفظع الجرائم في حق اليمنيين دون حساب أو عقاب، حتى أضحى “أسوأ كارثة إنسانية في العالم”، على حد وصف الأمين العام للأمم المتحدة. إلى جانب ذلك، يوشك حصار قطر أن يدخل عامه الثالث دون تحقيق أي من أهداف الدول المحاصِرة. فلا قطر خضعت لمطالب رباعي الحصار فغيَّرت سلوكها، ولا المحاصرون أدركوا خطورة سياساتهم وآثارها السلبية على المنطقة وعلى دول مجلس التعاون.
لقد تراجع الدور السعودي بشكل ملحوظ في سياق تنافسه الإقليمي مع إيران وتركيا. ولم تعد المملكة ضامنًا لأمن الخليج واستقراره، بل تحولت إلى مصدر للقلق وسببًا لعدم الاستقرار. فمجلس التعاون يعيش حالة من العطالة والشلل شبه التام منذ بدأ حصار قطر، ولا يبدو أنه، في الأفق المنظور، سيعود إلى سالف نشاطه ويستعيد عافيته ويلعب نفس الدور “التكاملي” الذي كان يلعبه قبل الأزمة. إزاء هذا التباعد بين دول الخليج العربية، قرَّرت بعض دول المنطقة الدخول في تحالفات جديدة خارج نطاق المجلس لاعتبارات أمنية وعسكرية واقتصادية؛ فأبْدت بعض الدول الانفتاح على إسرائيل بما يقترب من التطبيع غير المعلن فضلًا عن حماسة بعض العواصم الخليجية لتعبيد الطريق أمام “صفقة القرن”؛ ما يجسِّد مدى الارتباك الاستراتيجي الذي يعيشه العالم العربي ومنطقة الخليج تحديدًا. وفي هذا السياق، قررت قطر الخروج من منظمة “أوبك” والتركيز على خطة رفع صادراتها من الغاز الطبيعي السائل بنسبة الضعف في السنوات الست المقبلة.
على الضفة الأخرى من مياه الخليج، تظل إيران طرفًا أساسيًّا في معادلة القوة في المنطقة، وتستمر في تطبيق سياسة التمدد الاستراتيجي وفي تعزيز قوتها العسكرية رغم العقوبات الأميركية على اقتصادها وشركاتها وتحويلاتها المالية. وأيًّا كانت الآثار التي ستتركها العقوبات على الاقتصاد الإيراني، فإن القوة العسكرية الإيرانية ستكون أقل المتأثرين، في ظل سباق التسلح المفتوح الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج لاسيما بعد حصار قطر. وهو سباق يجد مبرراته في اتساع دائرة غياب الثقة بين الدول الخليجية فيما بينها من جهة، وبينها وبين إيران من جهة أخرى. كما يجد مبرراته في سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه الشرق الأوسط التي ما فتئت تدفع باتجاه مواجهة خليجية مع إيران من ناحية، وتقارب خليجي مع إسرائيل من ناحية أخرى.
في هذا السياق الخليجي والإقليمي المضطرب، ارتأى مركز الجزيرة للدراسات أن تكون الأزمة الخليجية موضوعًا لأعمال منتدى الجزيرة الثالث عشر، الذي عُقد في الدوحة، يومي 27-28 أبريل/نيسان 2019، تحت عنوان “الخليج: بين الأزمة وتراجع التأثير الاستراتيجي”.
وفي سبع جلسات رئيسية وثلاث جلسات موازية، ناقش المشاركون من الخبراء والباحثين والسياسيين جملة من الموضوعات، أهمها: واقع العلاقات الخليجية-الخليجية بعد عامين على حصار قطر، وواقع المنظومة الخليجية ومستقبلها في ظل تآكل النفوذ السعودي وتنامي النفوذ الإيراني، وأثر سباق التسلح الذي تشهده المنطقة على أمنها واستقرارها والموارد اللازمة للتنمية، وتفاعلات السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن الدور الذي يلعبه الإعلام في مواجهة الجريمة السياسية، وغير ذلك من موضوعات وقضايا حرصت مجلة لباب على تقديم نبذة عنها في هذا العرض.
- الأزمة وتداعياتها السياسية والاستراتيجية
تسببت الأزمة الخليجية في تراجع الوزن الاستراتيجي لمنظومة مجلس التعاون الخليجي، وأعادت تشكيل الوضع الجيوسياسي في المنطقة، خاصة بعد ازدياد نفوذ لاعبين إقليميين مثل إيران وتركيا، ودوليين مثل روسيا، لذلك، فإن وقف التراجع الاستراتيجي لدول الخليج لن يأتي إلا بعد حل الأزمة الخليجية، أولًا، وما يتبعها من تداعيات سياسية واقتصادية، والاتفاق على منظومة شاملة للأمن الإقليمي، ثانيًا، تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإيرانية والتركية فضلًا عن مصالح دول أخرى مهمة، مثل: الهند والصين وروسيا.
أ- فقدان الثقة
يُعَدُّ فقان الثقة بين دول مجلس التعان الخليجي أحد أخطر تداعيات تلك الأزمة، وما لم تعد تلك الثقة الغائبة فإن الحديث عن حلٍّ ربما لا يكون حديثًا واقعيًّا، كما يرى الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، في كلمته الافتتاحية التي أشار فيها إلى أن المواطن الخليجي بعد أن كان ينتظر الوصول بالتعاون بين دوله إلى مرحلة استصدار جواز سفر موحد وعملة خليجية موحدة إذا بالأسوار ترتفع والحصار يُفرض على دولة مُؤَسِّسة من دوله؛ وإذا بالقوى الإقليمية والدولية تحاول استغلال الأزمة والاستفادة منها، وهذا ما جعلها -رغم السيطرة عليها وعدم تصعيدها إلى عمل عسكري- تراوح مكانها.
ب- شظايا الأزمة تصل إلى ليبيا
لم تتوقف تداعيات تلك الأزمة على دول الخليج فحسب بل امتدت إلى أزمات وحروب أخرى في المنطقة كتلك المشتعلة في اليمن وليبيا وسوريا. فعن تداعيات الأزمة على الحالة الليبية على سبيل المثال، أشار خالد المشري، رئيس المجلس الليبي الأعلى للدولة، في كلمته، إلى أن بلاده تأثرت بتلك الأزمة سلبيًّا وذلك حينما اختلفت وتضاربت سياسات دول مجلس التعاون وتوجهاتها إزاء الثورة الليبية فأصبحت السعودية والإمارات تدعمان الثورة المضادة التي يقودها اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، في حربه الرامية لإجهاض الثورة الليبية.
كما أذكت الأزمة نيران الحرب المشتعلة في اليمن وسوريا وما تبعهما من توترات عرقية ومذهبية أشار إليها مهدي آكار، النائب السابق لرئيس حزب الحرية والعدالة التركي، في كلمته التي أوصى في نهايتها بتأسيس نظام إقليمي مشترك يعتمد على “المفهوم الشامل للأمن”، والتوقف عن انتهاج السياسات المرتبطة بالعزل الاقتصادي والتهديد العسكري التي تمهد الطريق للتوترات السياسية وسباق التسلح.
ج- الثابت والمتغير في الأزمة الخليجية
بقراءة تبحث عن الثابت والمتغير في الأزمة الخليجية الراهنة، يتضح أن ما حدث في صيف العام 2017 بين قطر ودول الخليج الثلاثة، السعودية والإمارات والبحرين، ليس جديدًا، وإنما هو عامل متغير لمفهوم ثابت له صلة بعلاقة الدولة الصغيرة ذات الطموح (قطر في هذه الحالة والكويت من قبل في فترة الستينات) بشقيقتها الجارة المتمثلة في المملكة العربية السعودية، وأنه ما لم يُعَدْ تأسيس تلك العلاقة على مفاهيم جديدة فإن الأزمة سوف تتكرر كما تكررت من قبل، وربما تتكرر مع دولة أخرى مثل سلطنة عمان أو الإمارات أو الكويت من جهة والسعودية من جهة ثانية.
يتساءل الدكتور سامي الفرج، المتخصص في إدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي بالكويت، وصاحب هذه النظرة: هل حينما فكرنا، عام 1981، بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي لتجنب الخطر الأكبر المتمثل آنذاك في إيران والعراق وتحمُّل الخطر الأصغر المتمثل في السعودية.. هل هذا التفكير لا يزال صالحًا لليوم حينما نطبق معايير الربح والخسارة ومن ثمَّ نقرر الاستمرار في هذا المجلس أم نبحث عن أمور أخرى؟
يعتقد الفرج أن لدى السعودية والإمارات شعورًا مبالغًا فيه بقدرتهما على الاستمرار في التدخل في شؤون دول أخرى في المنطقة، ويشير إلى أن هذا “الامتداد” لن يُكتب له النجاح، لأنه يفتقد إلى التخطيط الاستراتيجي وتُعْوِزُه القدرة البشرية والاقتصادية.
ومن الواضح، بالنسبة للدكتور الفرج، أن ثمة متغيرًا استراتيجيًّا أكبر قادم إلى المنطقة بقوة، وأنه ما لم تسارع دول المنطقة عمومًا والخليجية منها على وجه الخصوص بالالتفات إليه وبناء استراتيجية تحالفاتها المستقبلية وفقًا له، فإن الجميع سيكون خاسرًا؛ وهو المتغير الصيني وطريق الحرير الذي سيغير -كما يرى- القواعد الاقتصادية في العالم خلال السنوات القادمة.
- واقع المنظومة الخليجية والنفوذ السعودي
لوقت قريب، كان مجلس التعاون الخليجي المؤسسة العربية الوحيدة، من بين مؤسسات العمل الإقليمي العربي، التي تشهد تواصلًا لنشاطها ومراكمةً لإنجازاتها وتقاربًا في الرؤى وصل إلى حد الدعوة إلى تحويل المجلس إلى اتحاد خليجي. ولكن تطور الأوضاع منذ أزمة حصار قطر قبل عامين عكس هذا الاتجاه وأوصل هذه المؤسسة إلى حالة من العطالة أعجزتها عن الاستمرار في لعب دورها الأصلي. لم يعجز مجلس التعاون خلال هذه الأزمة عن رأب الصدع بين الأشقاء، وتقريب وجهات النظر لحل الأزمة دبلوماسيًّا، وتنسيق المواقف لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة وحسب، بل أصيب بشلل في مختلف أجهزته وبات ينازع من أجل البقاء. وإذا كانت المنظومة الخليجية بشكل عام قد تراجعت على صعيد تأثيرها الاستراتيجي، فإن الخاسر الأكبر من هذا التراجع هو الدور السعودي الذي تآكل بعد أن كان يستخدم المجلس رافعة لنفوذه داخل المنطقة وخارجها.
أ- الثقافة السياسية للسعودية
يرى ناصر الدويلة، عضو مجلس الأمة الكويتي سابقًا، أن المشكلة الأساسية في المنظومة الخليجية تكمن في الثقافة السياسية السائدة لدى المملكة العربية السعودية التي ترفض استقلال القرار لدى أية دولة خليجية محيطة بها، وتعتقد أن من الطبيعي أن تكون هذه الدول “الصغيرة” تابعة لها، وإلا اجتاحتها وافتعلت الأزمات معها،كما حدث من قبل مرارًا مع الكويت، وكما يحدث الآن مع قطر، وربما يحدث غدًا مع سلطنة عمان والإمارات والبحرين.
وبعد أن استشهد الدويلة بوقائع تاريخية منذ نشأة الدولة السعودية الأولى والثانية، خلص إلى القول: إن الدولة السعودية الحالية لا تعرف الحدود بدقة، وتعتقد أن حدودها “حيث تنتهي مرابط خيلها”، حتى لو وصلت إلى الحديدة في اليمن وكربلاء في العراق أو ربما إلى دمشق في الشام، ويرى أنه ما لم تتغير الثقافة السياسية السائدة لدى النخبة الحاكمة السعودية، وتقر بأن لجيرانها الحق في السيادة واستقلال القرار، فإن الأزمات ستتكرر.
ولم يبتعد كثيرًا الإعلامي القطري، عبد العزيز آل إسحاق، في تحليله للوضع الخليجي الراهن عن الرأي السابق، فقد ذهب للقول: إن مشكلة السعودية مع قطر تفاقمت منذ تولي الشيخ، حمد بن خليفة آل ثاني، الحكم، عام 1995، واتجاهه نحو الاستقلال بالقرار القطري عن التبعية السعودية فناصبته العداء. ويرى أيضًا أن هذا الأمر يمكن أن يتكرر مع الكويت والبحرين والإمارات وسلطنة عمان ولا يوجد أي ضمان يمنع ذلك. ولهذا، فإن صمود قطر يعني فيما يعنيه أن هذه الدول يمكن لها في المستقبل أن تحافظ على سيادتها وقرارها.
وقد بات من المؤكد أن الأزمة الخليجية أثَّرت ليس فقط على العلاقات بين الأنظمة الحاكمة وإنما أيضًا على الشعوب وهو ما يُخشى من تراكمه مستقبلًا ما لم يتوقف خطاب الكراهية، يضيف آل إسحاق. غير أن الجديد من الناحية الجيوسياسية في رأيه، والذي أفرزته تداعيات هذه الأزمة، هو القناعة لدى العديد من دول الخليج بأن الوقت قد حان لإقامة تحالفات سياسية جديدة، ربما تكون -كما يقول- مع إيران أو العراق أو تركيا، وأن هذا الأمر سيصبح واقعًا خلال المديين القريب والمتوسط.
ب- أهمية المشاركة الشعبية
يلفت الباحث السعودي، مهنا الجبيل، النظر في مداخلته إلى أهمية المشاركة الشعبية وتعزيز دور المجتمع المدني في الخليج كي يقوم بدوره في رسم السياسات واتخاذ القرارات والحد من وصول الأزمات بين الأنظمة إلى حد التأثير السلبي على الوجدان الاجتماعي الخليجي، ويقول: إن هذا التعزيز سوف يرمم التشوهات التي أحدثتها الحملات الإعلامية وخطاب الكراهية الذي كان سمة من سمات الأزمة. وعن آفاق الحل، يرى الجبيل أن ذلك ممكن “ما بقي صمود قطر وتكاتف الشعب حول قيادته السياسية من جهة، وإذا تخلصت السعودية من تأثير “أبوظبي” من جهة ثانية”.
- الإعلام والجريمة السياسية: مقتل خاشقجي نموذجًا
من مهام الإعلام فضلًا عن الإخبار ونقل المعلومة وتحليلها؛ كشف الحقيقة مهما كانت التكلفة المترتبة على ذلك. وهذا ما قام به العديد من وسائل الإعلام سواء بالنسبة لجرائم الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان أو بالنسبة لإسكات صوت المعارضة حد القتل كما حدث مع الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، الذي اغتاله فريق أمني سعودي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول العام 2018، وهو ما أثَّر بشدة على صورة المملكة العربية السعودية في العالم، وامتد هذا الأثر ليخصم من رصيدها المعنوي الذي كانت تستند إليه -فضلًا عن رصيدها من القوة الصلبة- كقوة إقليمية في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط.
تطرق المنتدى إلى هذ الموضوع؛ موضوع علاقة الإعلام بالجريمة السياسية. وفي هذا السياق، خلص المتحدثون -في جلستين خُصِّصتا لهذا الأمر- إلى أنه في الوقت الذي تباشر فيه الصحافة مهمتها بالكشف عن الجريمة السياسية فإنها تتعرض والعاملون فيها للتهديد وتشويه السمعة والحملات المضادة التي تهدف إلى إسكاتها وتشويه سمعتها وقد يصل الأمر أحيانًا إلى حد السجن والقتل، وذلك كله كي يفلت المجرم بجرمه ولا تطوله يد العدالة.
أ- مبررات التغطية الواسعة لمقتل خاشقجي
أما لماذا استحوذت قضية مقتل جمال خاشقجي تحديدًا على تغطية عالمية واسعة النطاق بهذا الحجم الذي حظيت به؟ فقد كان لباربارا تريونفي، المديرة التنفيذية للمعهد الدولي للصحافة في فيينا، تفسيرها الخاص؛ إذ أشارت إلى أن قضية خاشقجي كانت مثيرة للاهتمام لجملة من الأسباب، من بينها: الطبيعة الوحشية التي ارتُكبت بها الجريمة من قتل وتقطيع للجثة والتخلص منها، ولما أثارته من فضول المتابعين لوسائل الإعلام، فضلًا عن العوامل الجيوسياسية التي صاحبتها وبخاصة في ظل توتر العلاقات السعودية/التركية، وللشعور الذي ساد بأن العالم الحر الذي نعيش فيه بدأ ينهار، وأن هناك نظامًا عالميًّا تعرضت قيمه للخطر، ولأن دولًا كالولايات المتحدة اشتُهرت بالدفاع عن حقوق الإنسان لعقود طويلة بدت في هذه القضية وكأنها تحول دون تقديم الجناة ومن أمرهم بتنفيذ الجريمة إلى العدالة، لهذا -والكلام لباربارا- لم يكن مستغربًا أن تكون قضية خاشقجي مثالًا مهمًّا لدور الإعلام في كشف الجريمة السياسية.
ب- ضريبة المهنية
وعن كيفية التعامل المهني الأمثل مع جريمة كهذه، أشار صلاح نجم، مدير الأخبار بقناة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية، إلى أهمية تحري الدقة قبل الاندفاع وراء السبق الصحفي، وكذلك إلى ضرورة تسليط الضوء على مفهوم المسؤولية الجماعية أو المسؤولية المشتركة المفترض أن يتم البحث عنها أثناء النظر في وقائع هذه الجريمة، وعن ذلك قال: في بداية الجريمة كانت المعلومات ضئيلة، ولم يكن ثمة مصدر مباشر لها، وكان جزء من مهمتنا في الجزيرة تحري الدقة للخروج برواية تكون الأقرب إلى ما وقع بالفعل، ولم نكن متعجلين في السبق؛ لأن السبق ليس هو الأهم بقدر الدقة الذي يمنحنا المصداقية لدى المشاهد، ثم تحولت القضية من وجود جريمة إلى صراع سياسي، فبدأنا نسلط الضوء على موضوع المسؤولية الجماعية، ذلك لأننا أمام حالة توجَّه فيها 18 أو 20 فردًا تابعون لوزارات وجهات أمنية سعودية إلى دولة أخرى لها سيادة وارتكبوا على أرضها تلك الجريمة، فكان لابد أن نبحث عن المسؤولين عنهم ونتساءل عن دورهم فيما حدث، فضلًا عن دور المصالح وسياسات الدول وأثرها في التناول السياسي لهذه الجريمة.
ثم يضيف صلاح نجم أنه في الوقت الذي يبدأ فيه الصحفي متابعة جريمة ما والكشف عنها يتحول إلى هدف لابد من إسكاته، كما يعمل المجرمون والفاسدون والديكتاتوريون على النيل من المؤسسات الإعلامية التي تفضحهم وذلك بالهجوم عليها واختلاق القصص التي تنال منها، وهذا كله ما حدث مع قضية خاشقجي وسيحدث مع أية قضية أخرى مماثلة يقوم فيها الإعلام بدوره في كشف ملابسات الجريمة السياسية.
- سباق التسلح في الشرق الأوسط
شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العقود الأخيرة سباقًا للتسلح أرهق ميزانيتها التي كان من المفترض أن يُوَجَّه الجانب الأكبر منها للتنمية، وقد زادت نسب الإنفاق على التسلح بعد الثورة الإسلامية الإيرانية وأثناء الحرب العراقية-الإيرانية ثم زادت النسبة أكثر في الأعوام الأخيرة على خلفية التوتر المتصاعد بين إيران والسعودية.
في هذه الجلسة الحوارية، استعرض المتخصصون في قضايا التسلُّح الأرقامَ، وأبانوا عن أسباب سباق التسلح في المنطقة، وسلَّطوا الضوء على التداعيات، ورسموا ملامح عامة للتوقعات.
أ- الفجوة بين التسلح والقدرات العسكرية
معروف أن الكثير من صفقات السلاح خاصة الخليجية منها لم يكن الهدف منها تقوية الجيوش الخليجية أو الدفاع عن تلك البلدان -إذ تكفَّلت بهذا معاهدات واتفاقات الدفاع المشترك بينها وبين الدول الكبرى- وإنما كان الهدف منها شراء مواقف سياسية. لكن فيما يبدو فإن فلسفة شراء السلاح في الخليج قد تغيرت منذ تولي الملك، سلمان بن عبد العزيز، الحكم في السعودية وتقلد ابنه الأمير، محمد، ولاية العهد وإعلان المملكة الدخول في حرب باليمن ضد الحوثيين، فمنذ ذلك الوقت أصبح السلاح المشترى يستعمل بالفعل في الحرب وأصبح البحث عن أسلحة هجومية وليس فقط دفاعية شيئًا ملاحظًا.
هذا ما خلض إليه بيتر وايزمان، الباحث الأول في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بعد استعراضه لنسب وأرقام وأحجام مبيعات السلاح في الشرق الأوسط ومقارنتها بحجم المبيعات في السوق العالمي، ووصل من ذلك إلى أن هذه المنطقة هي الثانية بعد آسيا من حيث حجم المشتريات من الأسلحة، وأن بعض دولها كالسعودية والإمارات وقطر وإيران ومصر والجزائر تأتي على رأس قائمة الدول الأكثر شراء للسلاح في العالم وفقًا للأرقام المعلنة، وأن أهم الدول التي استوردت منها دول الشرق الأوسط السلاح، هي: الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.
غير أن ثمة ملاحظة مهمة يجدر التوقف عندها أثناء الحديث عن نسب مشتريات السلاح في الشرق الأوسط والتي يمكن صياغتها في السؤال التالي: هل شراء السلاح يعني بالضرورة زيادة القدرة العسكرية؟
الإجابة، كما قدَّمها وايزمان في مداخلته، هي: كلا. ويضرب على ذلك مثالًا بالسعودية التي اشترت سلاحًا بمليارات الدولارات منذ حرب اليمن ومع ذلك فإنها لم تستطع تحقيق الهدف الذي دخلت من أجله الحرب، بل على العكس فإنها تُمنَى بخسائر من قبل الحوثيين الذين يستعملون أسلحة بسيطة لكنها مؤثرة، فشراء السلاح إذن -والكلام لوايزمان- لا يعني بالضرورة زيادة القدرة العسكرية، لأن هذه الأخيرة مرتبطة بالقدرة على استيعاب الجيوش لتلك الأسلحة المتقدمة ومقدار ما يحظى به جنودها من تدريب وجهوزية قتالية.
فإذا كان ذلك هو حال سباق التسلح في الخليج العربي، فكيف وضعه لدى دولتين إقليميتين جارتين كتركيا وإيران؟
ب- القراءة التركية للمتغيرات الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط
متغيرات جيوسياسية دفعت تركيا لتغيير برامجها التسلحية، هكذا بدأ مراد يشلتاش، مدير برنامج الدراسات الأمنية في معهد سيتا التركي، مداخلته، والتي قال فيها: إن تركيا عملت على تطوير سياستها الدفاعية بعد التغيرات الجيوسياسية التي نجمت عن ثورات الربيع العربي، وفي أعقاب اندلاع الأزمات والحروب التي شهدتها المنطقة وبخاصة الأزمة الليبية التي تنخرط فيها السعودية والإمارات ومصر، كما أنها طورت هذه السياسة بعد ازدياد العمليات الإرهابية التي تستهدفها لاسيما من قبل حزب العمال الكردستاني، وكذلك على إثر التوتر في علاقتها مع الولايات المتحدة الأميركية والناجم عن توجهها لشراء منظومة صواريخ إس 400 من روسيا. وأخيرًا، بسبب التوترات الحاصلة في شرق البحر المتوسط مما له صلة بالتنقيب عن الغاز، وبالتزامن مع مساعي واشنطن لرفع حظر استيراد السلاح عن قبرص.. ولهذه الأسباب مجتمعة، ارتأت أنقرة ضرورة تطوير سياستها الدفاعية وأنظمة التسليح لديها، وفي هذا السياق الجيوسياسي، يمكن فهم مسارات التسلح لدى تركيا آنيًا ومستقبلًا.
هذا عن تركيا والمستجدات الجيوسياسية في المنطقة التي أملت عليها تطوير سياستها الدفاعية وبرامجها التسلحية، فماذا عن إيران؟
ج- إيران والدعوة لمنظومة دفاعية أمنية مشتركة
إيران، كما يوضح مسعود أسد اللهي، الباحث الإيراني المتخصص في الدراسات الأمنية، اتجهت نحو تطوير سياستها الدفاعية أيضًا بناء على عاملين، الأول: هو الرهاب أو الفوبيا أو الخوف المبالغ فيه والذي يصل لحد الهوس لدى بعض دول الخليج لاسيما المملكة العربية السعودية؛ إذ تعتقد الرياض أن طهران تتربص بها الدوائر، فسعت نحو استقدام القوى الكبرى لتحقيق الأمن في الخليج، وهذه الدول وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية على عداء مع إيران والنظام الإسلامي فيها منذ العام 1979. فعامل الرهاب السعودي ووجود القوى الغربية في الخليج والعداء الأميركي التقليدي لإيران، دفع طهران نحو تطوير برامجها التسليحية وقدراتها العسكرية ومنظوماتها القتالية.
يقول أسد اللهي: إن سباق التسلح بمنطقة الخليج كان في السبعينات خوفًا من المد الشيوعي، وفي الثمانينات خوفًا من الثورة الإسلامية الإيرانية، وفي هذه الآونة -وبخاصة بعد مجيء الملك، سلمان، وابنه، محمد، على رأس الحكم في المملكة العربية السعودية- بسبب الرهاب من إيران.
وحلًّا لمعضلة الأمن في الخليج يقترح أسد اللهي إنشاء منظومة دفاعية أمنية خليجية مشتركة يشارك فيها -فضلًا عن دول مجلس التعاون الخليجي- العراق وإيران وتركيا والهند وسوريا وباكستان.
وإذا كانت هذه هي حال المشترين للسلاح في الشرق الأوسط مثل دول مجلس التعاون الخليجي وإيران وتركيا، فماذا عن البائعين وسياستهم إزاء المنطقة؟
د- السلاح الروسي راهنًا ومستقبلًا
تحدث أندريه فرولوف، رئيس تحرير مجلة الدفاع الصادرة في موسكو، عن موقع الشرق الأوسط كأهم سوق للسلاح الروسي في العالم؛ إذ تحصل موسكو من مبيعاتها في هذا السوق على نصف مبيعات السلاح كل عام، وذلك بما يقارب 8 مليارات دولار من أصل 15 مليار دولار هي حجم ما يدرُّه بيع السلاح على الميزانية الروسية سنويًّا.
ولهذا، والكلام لفرولوف، فإن المنطقة مهمة لروسيا وقد ازدادت أهميتها بعد تدخلها في سوريا ووجودها العسكري الذي أصبح دائمًا هناك، وبعد استخدامها لأسلحة متطورة في الحرب في هذا البلد على سبيل التجربة. وعليه أيضًا، تتابع موسكو عن كثب تطورات الوضع في الجزائر واحتمالية تغيير النظام لأنه سيترتب على هذه المسألة تداعيات فيما يتعلق ببيع السلاح لهذا البلد الذي ترتبط به بعلاقات وطيدة منذ مدة طويلة.
ويلفت فرولوف النظر إلى أن الإمارات والسعودية بصدد -ليس فقط شراء مزيد من السلاح الروسي- بل الاستثمار فيه أيضًا، ضاربًا مثلًا بتقارير تتحدث عن استثمار أبوظبي في تطوير طائرة حربية روسية وسعي السعودية لبناء مصنع بنادق كلاشينكوف على أرضها.
ويختم لرولوف مداخلته بإشارة مهمة متعلقة بالتحدي الذي تواجهه صناعة السلاح الروسية مستقبلًا والمتمثل في ضعف القدرات المالية اللازمة لتطوير التكنولوجيا المتطورة في هذا المجال، والتي بدونها لن يستطيع السلاح الروسي مستقبلًا الاستمرار في المنافسة.
- مستقبل الدور الخليجي في إعادة تشكيل توازنات القوى بالشرق الأوسط
لا شك في أن الأزمة الخليجية أفقدت دول مجلس التعاون الكثير من وزنها الاستراتيجي وأثَّرت سلبًا على أدوارها الإقليمية فانشغلت ببعضها بدلًا من الانشغال بتحديات الخارج وبمستقبلها المشترك. ففي الوقت الذي يُعاد فيه تشكيل موازين القوة في المنطقة على أيدي قوى إقليمية صاعدة، مثل تركيا وإيران، وقوى دولية أخرى، مثل الصين وروسيا، تسعى لتعزيز نفوذها وتوسيعه تارة بالقوة الناعمة وتارة بالتدخل العسكري المباشر، يظل الخليج يدور على نفسه خارج هذه المعادلة.
أ- تحديات مستقبلية
فمن وجهة نظر ستيفن رايت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حمد بن خليفة، قطر، فإن عوامل عدم الاستقرار ستظل تؤدي دورها على الأقل خلال المستقبل المنظور في منطقة الخليج، وذلك لأن رؤية السعودية والإمارات من جهة وقطر من جهة ثانية للمنطقة تشتمل على تناقض؛ إذ ترى هاتان الدولتان أن الربيع العربي هو أحد مسببات الفوضى وأن قمع الحريات العامة هو الطريق نحو الاستقرار، بينما ترى قطر في الربيع العربي فرصة تاريخية للنهوض والتقدم. ومن تناقض هاتين الرؤيتين ينبع التوتر بين دول الخليج وينعكس على ملفات كثيرة في العالم العربي.
يضاف إلى ذلك التوقعات السلبية لاقتصاديات دول الخليج وما يمكن أن يفضي إليه هذا الأمر من عدم استقرار سياسي واجتماعي؛ إذ يشير منحى أسعار النفط إلى الهبوط في خمسة عشر عامًا القادمة، كما يضيف رايت، وهي دورة تأتي كل فترة صعودًا وهبوطًا، وقد حانت دورة الهبوط بعد الصعود الذي شهدته أسعار النفط خلال الفترة بين عامي 2000 إلى 2014، ما يعني أن التحديات الاقتصادية الخليجية سوف تتعاظم وربما لجأت هذه الدول إلى الاقتراض وفرض الضرائب.
يأتي ذلك في وقت ينحسر فيه الاهتمام الاستراتيجي الأميركي بالخليج والشرق الأوسط منذ عهد باراك أوباما، وفي المقابل زيادة الحضور والنفوذ الصيني، حيث ستلعب بكين دورًا مهمًّا في اقتصاديات العالم وطرق الملاحة الرئيسية لاسيما مع اكتمال مشروع طريق الحرير الجديد.
ب- البترويوان وعصر الصين
وعلى ذكر الصين ودورها المستقبلي في اقتصاديات العالم بصفة عامة والخليج على وجه الخصوص، أشار ممدوح سلامة، الخبير في اقتصاد النفط والطاقة، في مداخلته إلى التحول الذي طرأ على أسواق النفط العالمية بعد التداول بعملة البترويوان منذ مايو/أيار 2018.
ولمعرفة تأثير البترويوان على البترودولار تجدر العودة قليلًا لنشأة البترودولار للإحاطة به وبدروه في تسعير النفط العالمي وأثره في الاقتصاد العالمي. البترودولار -كما يشرح ممدوح سلامة- هو الدولار الأميركي المستخدم منذ عام 1973 في تسعير وبيع النفط وقد لعبت السعودية دورًا رئيسيًّا في خروجه إلى حيز الوجود بعد انهيار نظام الذهب الذي كانت تعمل به الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية واتفاقية بروتون وودز. وقد ازدادت ديون أميركا بشكل كبير لدرجة أنها لم يعد لديها ذهب لتحويل الدولارات التي يزداد الطلب عليها من قبل الدول الأخرى، فأقنعت الولايات المتحدة السعودية بتسعير نفطها بشكل كامل بالدولار الأميركي عام 1973. وفي عام 1975، اتبعت دول منظمة أوبك السعودية في ذلك.
إن البترودولار يعطي الولايات المتحدة ثلاث فوائد أساسية: أولًا: الاستمرار في الطلب العالمي على الدولار، وثانيًا: الاستمرار في طلب سندات الخزينة الأميركية، أي الاقتراض من الولايات المتحدة، وثالثًا: يتيح للولايات المتحدة أن تشتري نفطًا بعملة تطبعها متى تشاء.
ولأن الصين غدت أكبر اقتصاد في العالم، حسب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وذلك بحجم 27.5 تريليون دولار، مقارنة بالاقتصاد الأميركي بحجم 21.5 تريليون دولار، أي إن الاقتصاد الصيني أكبر بـ28% من الاقتصاد الأميركي، فضلًا عن كونه أكثر اندماجًا في التجارة الدولية العالمية، ولأن الصين قد أصبحت كذلك فإنها تريد لعملتها أن تعكس ما وصلت إليه من قوة اقتصادية، خاصة وأنها أيضًا لا تزال أكبر مستورد للنفط في العالم (وليس أكبر مستهلك؛ إذ لا تزال الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك للنفط)، فالصين تستورد في اليوم 11 مليون برميل، ولهذا وذاك فإنها تريد أن يكون اليوان الصيني هو العملة الرئيسية في العالم بديلًا عن الدولار، وأن تستفيد من كونها أكبر اقتصاد في العالم كما استفادت الولايات المتحدة واستفادت عملتها.
إن إنزال عملة البترويوان إلى أسواق النفط سوف يؤثِّر على دول الخليج لهذا فمن الأفضل لهذه الدول -كما يؤكد سلامة- أن تخرج من ربط عملتها بالدولار وتتجه إلى سلة من العملات تملؤها باليورو والين والجنيه الإسترليني واليوان والدولار.
فهذا -كما سبق القول- يتماشى مع نزول البترويوان إلى أسواق النفط العالمية واتجاه المؤشرات إلى اعتماده عملةً لتسعير النفط من جهة ومن جهة ثانية يوقف تلاعب الولايات المتحدة بأسعار النفط عن طريق التحكم في سعر الدولار بواسطة أسعار الفائدة صعودًا أو هبوطًا.
مع وجود البترويوان في السوق، تستطيع الدول التي تتعرض للعقوبات الأميركية مثل إيران وفنزويلا تجنُّب هذه العقوبات وأن تدفع قيمة تعاملاتها بالبترويوان -كما يضيف سلامة- خصوصًا أن الصين وحدها قادرة على شراء المليوني برميل التي تنتجها إيران وأن تدفع مقابل ذلك بالبترويوان.
من ناحية أخرى، فإن الكونغرس الأميركي يسعى لإصدار قانون يلاحق منظمة أوبك وأعضاءها بحجة التلاعب في أسعار النفط، والواقع -والكلام لسلامة- أن التي تتلاعب بأسعار النفط هي الولايات المتحدة وليست أوبك، وأن أوبك في الأساس جاءت ردًّا على احتكار شركات نفط كانت تتحكم فيه، وإذا كانت أوبك تتحكم فقط في 43% من نفط العالم، وهي الكمية التي تنتجها، فلا يمكن من الناحية القانونية تسمية أوبك بأنها منظمة احتكارية، وحتى ولو حاولت الولايات المتحدة معاقبة أوبك فإن الأخيرة تستطيع -برأي سلامة- رد الصاع صاعين عن طريق سحب استثماراتها وأموالها من الولايات المتحدة، ومن خلال تخفيض إنتاجها فترتفع الأسعار، كما تستطيع أن تنسحب كليةً من البترودولار وتتحول إلى البترويوان.
وتأسيسًا على ما سبق، فإن خمسة عشر عامًا القادمة، كما يتصورها المشاركون في هذه الجلسة من المنتدى وفي جلسات أخرى سبقتها، هي سنوات الصين والبترويوان الذي سيصبح عملة النفط الأولى في العالم على حساب البترودولار الأميركي.
خاتمة
يمكن القول في ختام هذا العرض، الذي عرَّج سريعًا على بعض الأفكار التي تداولها المشاركون في المنتدى: إن الأزمة الخليجية تسببت في جملة من التداعيات السياسية والاستراتيجية، من أهمها: تراجع الوزن الاستراتيجي لمنظومة مجلس التعاون الخليجي، وفتح الباب أمام التدخلات الإقليمية والدولية في شؤونه بدرجة لم تكن معهودة من قبل، وأن عامل فقدان الثقة قد أثَّر بشدة على قدرة الدول الخليجية في إيجاد حل لهذه الأزمة، كما أن تضارب رؤى وسياسات دول مجلس التعاون الخليجي قد انتقل ليلقي بتداعياته السلبية على أزمات أخرى تعيشها المنطقة ومن بينها الأزمة الليبية واليمنية. كما أن هذه الأزمة أوجدت حالة من سباق التسلح جعلت دول الخليج الأكثر استيرادًا للسلاح في العالم، ما أرهق ميزانيتها ووضع اقتصادياتها في حالة من النزيف المستمر.
كما خلص المنتدى إلى ما يمكن تسميته بعصر الصين القادم؛ إذ أكد المشاركون على أهمية إعادة رسم استراتيجيات المنطقة وفق متغيرات القوى الجديدة على المسرح العالمي ودخول الصين في المعادلة بعد أن أصبح اقتصادها هو الأقوى في العالم وسعيها الذي بدأته لإعادة تسعير النفط باليوان وبدء التداول بالبترويوان ما يعني مستقبلًا أهمية فكِّ دول الخليج ارتباطها بالدولار والتحول إلى سلة من العملات يكون الدولار أحدها وليس العملة الرئيسية والوحيدة فيها.