خالد عبد الرحيم مطر الهيتي- *Khaled Abdul Rahim Matar Al Hiti

 

ملخص

يعد القطاع الخاص طرفًا رئيسًا إلى جانب القطاع العام والمجتمع المدني في منظومة الوقاية من الفساد ومكافحته، ولكي يكون وجوده فاعلًا في المنظومة فيجب أن يكون له دور إستراتيجي في تعزيز قيم النزاهة والشفافية للوقاية من الفساد ومنع وقوعه ومكافحته عند وقوعه. يهدف البحث الحالي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف منها، على سبيل المثال لا الحصر، التعرف على الأبعاد الرئيسة للفساد بغض النظر عن شكله ومظهره، وعرض بعض أشكال الفساد في القطاع الخاص والتعرف على آثاره السلبية، وعرض الاستجابات الدولية العامة للوقاية من الفساد في القطاع الخاص، والتعرف على الدور الإستراتيجي للقطاع الخاص في أية جهود للوقاية من الفساد ومكافحته. ويتعامل البحث مع فرضية مفادها أن ليس للقطاع الخاص بكافة مكوناته من كيانات ومؤسسات وشركات أي دور إستراتيجي في تعزيز قيم النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومكافحته مما يُفقد المنظومة أحد أهم مكوناتها ويعرقل أي محاولة للوقاية من الفساد ومكافحته. ويحاول البحث معالجة مشكلة غياب الدور الإستراتيجي للقطاع الخاص أو ضعف مساهمته في أي جهود لتعزيز قيم النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومكافحته. ويخلص البحث إلى مجموعة من النتائج والتوصيات التي منها على سبيل المثال لا الحصر: ضرورة بناء بيئة أعمال نزيهة وشفافة، وتعاون وتفاعل القطاع الخاص مع القطاع العام والمجتمع المدني في إعداد إستراتيجية وطنية لتعزيز النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومكافحته، والمشاركة الفعالة في تنفيذها، وإعداد وتطبيق مدونات سلوك وأخلاقيات عمل تعزز منع الفساد والوقاية منه، وتبني وتطبيق برامج امتثال لمنع الفساد ومكافحته، والتعاون مع أجهزة إنفاذ القانون في كشف حالات الفساد وتجريمها.

الكلمات المفتاحية: منظومة الوقاية من الفساد، مكافحة الفساد، النزاهة، الشفافية، القطاع الخاص، القطاع العام، الاختلاس، الرشوة، الهدايا، الرسوم والعمولات، التواطؤ، تداول المعلومات، الاتجار بالنفوذ، المحسوبية.

Abstract

The private sector is a key player alongside the public sector and civil society in the system for preventing and combating corruption. For the private sector to be effective within this system, it must play a strategic role in promoting the values of integrity and transparency, which are essential for preventing corruption, stopping it when it occurs, and addressing its consequences.

This study aims to achieve several objectives, including but not limited to: identifying the main dimensions of corruption regardless of its form or appearance, highlighting some common types of corruption within the private sector and examining their negative impacts, reviewing international responses aimed at preventing corruption in the private sector, and understanding the strategic role the private sector can and should play in anti-corruption efforts.

The research is based on the hypothesis that the private sector – as composed of various entities, institutions, and companies – currently lacks a strategic role in promoting integrity and transparency as tools for preventing and combating corruption. This absence weakens the overall anti-corruption framework and hinders any effective efforts to tackle corruption.

The study addresses the problem of the private sector’s limited or missing contribution to strengthening values of integrity and transparency in anti-corruption initiatives. It concludes with a set of findings and recommendations, which include: the urgent need to build a business environment characterised by honesty and transparency; fostering cooperation and active engagement between the private sector, public authorities and civil society in developing and implementing a national strategy to promote integrity and transparency; establishing and enforcing codes of conduct and ethical standards that support corruption prevention; adopting and implementing compliance programmes aimed at preventing and fighting corruption; and collaborating with law enforcement agencies to detect and prosecute corrupt practices.

Keywords: anti-corruption system, anti-corruption, integrity, transparency, private sector, public sector, embezzlement, bribery, gifts, fees and commissions, collusion, information circulation, influence peddling, nepotism.

مقدمة

يعد الفساد بكافة صوره وأشكاله ظاهرة اجتماعية واقتصادية وثقافية حاضرة في مختلف المجتمعات وبنسب متباينة، وتعد الوقاية منها ومنع وقوعها ومكافحتها عملية معقدة بحجم تعقيد حالات الفساد، وتعدد صوره، وأشكاله، وأسبابه، ودوافعه.

وتدرك الدول والمجتمعات أنها لا تملك خيار عدم المواجهة الشاملة للفساد الذي أضحى يهدد اقتصادها وسمعتها واستقرارها وأمنها وحتى وجودها، كما أن المواجهة الفعَّالة للفساد عملية منهجية شاملة تتطلب وجود منظومة مسؤولة عن الوقاية من الفساد ومنع وقوعه أولًا، ومكافحته في حال وقوعه ثانيًا.  فوجود هذه المنظومة في أي دولة هو أمر حتمي لسلامة النظام الإداري والاقتصادي وكفاءته وفاعليته، وحماية المال العام، وشرط أساسي لبيئة عمل واستثمارات تنافسية وخلاقة. ولعل من الحقائق المهمة التي ينبغي إدراكها في موضوع الفساد أن وجود المنظومة لا يكفي وحده للوقاية من الفساد ومكافحته، وإنما لابد لهذه المنظومة أن تعمل ضمن إطار إستراتيجي يؤطر جهود جميع الأطراف في المنظومة، ويمثل خارطة طريق للوصول إلى الغايات المنشودة المتمثلة بمنع وقوع الفساد، ومكافحته في حال وقوعه.

وتشير التجارب الميدانية الإقليمية والدولية إلى أن وجود إستراتيجية وطنية، تركز على وسائل الوقاية من الفساد ومنع وقوعه وسبل مكافحته عند وقوعه يمثل الترجمة الواقعية للإطار الإستراتيجي الذي يوجه عمل منظومة الوقاية من الفساد ومكافحته. كما أن إعداد الإستراتيجية وتنفيذها ورصد وتقييم نتائجها يتطلب مساهمة جميع الأطراف ذات الصلة، ومنها على وجه التحديد القطاع الخاص.

 

أهمية البحث

أوضحت المراجعة المكتبية للجهود السابقة من بحوث ودراسات وتقارير أن موضوع مشاركة القطاع الخاص في جهود الوقاية من الفساد تكاد تكون محدودة مقارنة بالدراسات والبحوث التي ركزت على الفساد في القطاع العام. لذا تتمثل أهمية البحث في كونه يشكل إضافة للبحوث والدراسات السابقة التي تناولت دور القطاع الخاص في الوقاية من الفساد وذلك من خلال اقتراح تعريف إجرائي للفساد، وعرض أشكاله، وبيان أسبابه، وتحديد الآثار السلبية التي تترتب على وقوعه، وشرح بعض التدابير المطبَّقة لمنع وقوع الفساد في القطاع الخاص، ووضع مقترح لما يجب أن يكون عليه الدور الإستراتيجي للقطاع الخاص في أي جهود لتعزيز النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد.

أهداف البحث

  1. التعرف على الأبعاد الرئيسة للفساد بغضِّ النظر عن شكله ومظاهره، وتحديد مفهومه الإجرائي.
  2. عرض بعض أشكال الفساد في القطاع الخاص، وتوضيح أسبابه، والتعرف على آثاره السلبية على المستوى الوطني.
  3. عرض بعض الاستجابات والتدابير الدولية لمنع وقوع الفساد في القطاع الخاص.
  4. استعراض وضع القطاع الخاص وعلاقته بالقطاع العام ودوره في تعزيز جهود حماية النزاهة والشفافية والوقاية من الفساد.
  5. التعرف على الدور الإستراتيجي للقطاع الخاص في أي جهود للوقاية من الفساد ومكافحته.
  6. اقتراح أدوار إستراتيجية محددة للقطاع الخاص في الخارطة الإستراتيجية للوقاية من الفساد ومكافحته.

 

مشكلة البحث

تتمثل المشكلة الرئيسة للبحث في غياب الدور الإستراتيجي الفعال للقطاع الخاص أو/وضعف مساهمته في جهود تعزيز وسائل حماية النزاهة والشفافية والوقاية من الفساد؛ إذ تشير أغلب التجارب الإقليمية والدولية، وبالأخص عند النظر إلى الخطط أو الإستراتيجيات الوطنية، إلى أن مشاركة القطاع الخاص في جهود الوقاية من الفساد تكاد تكون محدودة من خلال ما تتضمنه الوثائق الإستراتيجية من مشاريع وبرامج، وإن وجدت مثل هذه المشاركة فإنها تكون غير فاعلة على مستوى الواقع العملي.

أسئلة البحث

  1. ما الأبعاد الرئيسة للفساد؟ وما مفهومه الإجرائي؟
  2. ما أهمية القطاع الخاص في منظومة الوقاية من الفساد؟
  3. هل يوجد الفساد في القطاع الخاص؟ وما أشكاله ومظاهره؟
  4. ما أسباب الفساد في القطاع الخاص؟
  5. ما الآثار السلبية لفساد القطاع الخاص؟
  6. ما الاستجابات والتدابير الدولية المطبقة لمنع وقوع الفساد في القطاع الخاص؟
  7. ما علاقة القطاع الخاص بالقطاع العام؟
  8. ما الدور الإستراتيجي المطلوب من القطاع الخاص لتعزيز وسائل الوقاية من الفساد؟

 

فرضية البحث

(ليس للقطاع الخاص بكافة مكوناته من كيانات ومؤسسات وشركات أي دور إستراتيجي في تعزيز قيم النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومكافحته مما يفقد المنظومة أحد أهم مكوناتها ويعرقل أي محاولة للوقاية من الفساد ومكافحته).

ولمعالجة مشكلة البحث، والإجابة على أسئلته، وتحقيق أهدافه، (وإثبات فرضيته الرئيسة)، سيتم تناول الموضوع من خلال المحاور الآتية:

أولًا: الأبعاد الرئيسة للفساد

بالرغم من إدراك جميع المجتمعات والدول لخطورة الفساد وأهمية التفكير بوسائل لمنع وقوعه ومكافحته بشكل صارم عند وقوعه، إلا أنه وحتى يومنا هذا لا يوجد تعريف واحد متسق ومعترف به للفساد على المستوى الدولي. والملاحظ أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد نفسها لا تحتوي على تعريف للفساد، وإن كان الغرض من هذه الاتفاقية هو، على وجه التحديد، ترويج وتدعيم التدابير الرامية إلى منع وقوع الفساد والوقاية منه بصورة أكفأ وأكثر فاعلية، وترويج ودعم التعاون الدولي في مجال منع ومكافحة الفساد(1).

فتحديد المفهوم الاصطلاحي للفساد يتضمن العديد من الصعوبات المرتبطة بتعدد أشكاله وصوره ودوافعه واتجاهاته وذلك تبعًا لاختلاف الثقافات والقيم السائدة في المجتمعات، كما يختلف المفهوم باختلاف الرؤية التي ينظر من خلالها المهتم بدراسة الفساد إلى الفساد، والتي يمكن أن تكون رؤية سياسية، أو قانونية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو إدارية وهو ما يبرِّر الاختلاف في تحديد مفهوم الفساد.

وللاطلاع على الأبعاد الرئيسة للفساد، فيما يلي استعراض لمفاهيم وتعريفات الفساد وفقًا للبعد الذي يتم النظر من خلاله للفساد(2):

  1. البعد القانوني للفساد

تتعدد التعريفات القانونية للفساد إلا أنها في أغلبها تتفق على أن الفساد يعني حدوث مخالفة للقوانين التي تنظم عمل المؤسسات والمنظمات العامة والخاصة، وفي هذا السياق يعرَّف الفساد بأنه “تصرف وسلوك وظيفي سيء فاسد خلاف الإصلاح هدفه الانحراف والكسب الحرام والخروج على النظام لمصلحة شخصية”، في حين أن هناك من يعرِّف الفساد بأنه “انتهاك القوانين والانحراف عن تأدية الواجبات الرسمية في القطاع العام لتحقيق مكسب مالي شخصي”.

ويعرَّف الفساد بأنه “استخدام السلطة العامة من أجل كسب أو ربح شخصي، أو من أجل تحقيق هيبة أو مكانة اجتماعية، أو من أجل تحقيق منفعة لجماعة أو طبقةٍ ما بالطريقة التي يترتب عليها خرق القانون أو مخالفة التشريع ومعايير السلوك الأخلاقي. كما أن هناك من يعرِّف الفساد بأنه “خروج عن القانون والنظام العام وعدم الالتزام بهما من أجل تحقيق مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية للفرد أو لجماعة معينة”. وفي سياق ذي صلة يعرَّف الفساد بأنه “كل انحراف بالسلطة العامة الممنوحة للموظفين عن الأهداف المقررة لهم قانونًا”.

  1. البعد الإداري للفساد

تشير أدبيات الفكر الإداري إلى الفساد على أنه “الحالة التي يُدفع بها الموظف للقيام بعمل ما نتيجة محفزات مادية أو غير مادية وغير قانونية لصالح مقدم المحفزات وبالتالي إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.  في حين يرى البعض أنه لا يمكن النظر إلى الفساد باعتباره مجرد الخروج على القواعد القانونية السائدة في المجتمع لأن النظام القانوني يمكن أن يكون في حدِّ ذاته فاسدًا ويسمح بتقنين ممارسات الفساد، وذلك على اعتبار أن هذه القواعد من ابتكار الطبقة المسيطرة والتي يمكن أن تكون فاسدة، وبالتالي فإن تصرفات وسلوك المؤسسة الفاسدة يمكن أن يدفع المؤسسات الأخرى لتبني نفس السلوك أو التصرف وبناء عليه يكون من المتوقع حصول تحالفات بين العناصر الفاسدة والتي تنتمي إلى مؤسسات مختلفة داخل النظام كأعضاء السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية وهو ما يقود إلى نشوء الفساد المؤسسي أو النظامي.

  1. البعد الاجتماعي للفساد

تعرِّف موسوعة العلوم الاجتماعية الفساد بأنه “سوء استخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح خاصة”. كما عرَّفته أيضًا بأنه “خروج عن القانون والنظام العام وعدم الالتزام بهما من أجل تحقيق مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية للفرد أو لجماعة معينة. ومن جانب آخر يتم تناول الفساد عند علماء الاجتماع بعدِّه “علاقة اجتماعية تتمثل في انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي فيما يتعلق بالمصلحة العامة”. “وفي سياق متصل يعد العلامة ابن خلدون الفساد يقوم على ثلاثة جوانب مرتبطة ارتباطًا وثيقًا، هي الجانب السياسي والجانب الحضاري والجانب الاقتصادي، كما يعد الجانب الفردي القاسمَ المشتركَ وحجر الزاوية الذي ترتكز عليه أنماط الفساد المختلفة.

كما أن هناك من يعرِّف الفساد بأنه “القصور القيمي عند الأفراد الذي يجعلهم غير قادرين على تقديم الالتزامات الشخصية الذاتية المجردة التي تخدم المصلحة العامة”. ويذهب توجه آخر فيعرِّف الفساد بأنه “أحد المعايير الدالة على غياب المؤسسة السياسية الفعَّالة خلال فترة التحديث الواسعة التي شهدها عصرنا الحالي ومن ثم لا يمكن اعتبار الفساد ناتجًا عن السلوك المنحرف عن السلوك القويم فقط، بل يكون أيضًا ناتجًا عن انحراف الأعراف والقيم ذاتها عن أنماط السلوك القائمة”.

  1. البعد الدولي للفساد

عرَّفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه “إساءة استعمال السلطة التي اؤتمن عليها الشخص لتحقيق مصالح شخصية”(3). وهو تقريبًا يشير إلى نفس مضمون التعريف الذي أوردته هيئة الأمم المتحدة عندما أوردت في أحد تقاريرها أن الفساد هو “سوء استخدام السلطة العامة للحصول على مكاسب شخصية مع الإضرار بالمصلحة العامة”. ومن جانب آخر، عرَّف البنك الدولي الفساد بأنه “إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص”(4).

في حين وضع صندوق النقد الدولي، في تقريره الصادر سنة 1996، تعريفًا للفساد جاء فيه أنه “سوء استعمال الوظيفة العامة من أجل الحصول على مكسب خاص، فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب أو ابتزاز أو رشوة لتسهيل عقد أو إجراء لمناقصة عامة كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين أو تحقيق أرباح خارج إطار القوانين، كما يمكن أن يحدث الفساد عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب أو اختلاس أموال الدولة مباشرة(5).

تشير المفاهيم التي تم عرضها فيما تقدم إلى أن لحالات الفساد في القطاع الخاص أبعادًا متعددة، وكل بعد من أبعاده يشكِّل مظهرًا من مظاهر الفساد. فمخالفة القواعد والنظم القانونية التي تحكم ممارسة الأعمال في كيانات القطاع الخاص تبرز البعد القانوني للفساد، وإن انتهاك المنظومة القيمية التي تنظم بيئة العمل وتحدد السلوك الوظيفي السليم للعاملين في القطاع الخاص يضفي على الفساد طابعًا اجتماعيًّا. وبالرغم من كون مفاهيم الفساد وتعريفاته تنطبق على مؤسسات وكيانات وشركات القطاع الخاص في بعض الدول إلا أنها قد تكون بعيدة عن واقع القطاع الخاص في بيئتنا العربية وذلك لكون وجود الفساد في كافة صوره وأشكاله ومظاهره متجذرًا في بنى وهياكل كيانات ومؤسسات وشركات القطاع الخاص بحيث إن كل حالة من حالات الفساد تعكس قصورًا قانونيًّا وقيميًّا وتنعكس بآثار اقتصادية سلبية كبيرة. فتبلور هذه البنية للفساد يجعل منها عقبة في طريق تقدم عملية التنمية بكافة ركائزها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والبيئية، والابتعاد عن أهداف وغايات الخطط والبرامج التنموية. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن جسامة بنية الفساد تتباين من بلد إلى بلد في واقعنا العربي وفقًا لقوة البنى القانونية والاجتماعية والاقتصادية في كل بلد يدعم ذلك ترتيب الدول في تقارير تقييم الفساد الدولية، وبالأخص تقرير مدركات الفساد الدولي السنوي.

ومن خلال ما سبق، يمكن وضع تعريف إجرائي للفساد على النحو التالي: “هو كل تصرف وسلوك يقوم به الفرد سواء أكان في وظيفة عامة أو خاصة يخالف الأطر القانونية المعمول بها في بلد ما، أو ينتهك المعايير الأخلاقية الصحيحة من أجل الحصول على منافع شخصية سواء أكانت مادية أو معنوية، وبما يؤدي في النهاية إلى الإضرار بالمصلحة العامة”.

ثانيًا: بعض أشكال ومظاهر الفساد في القطاع الخاص

يأخذ الفساد في القطاع الخاص أشكالًا ومظاهر مختلفة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي(6):

  1. الرشوة التجارية

تشمل منح موظفي إحدى الشركات لموظفي شركة أخرى مدفوعات نقدية، ميزة غير مستحقة أو هدايا باهظة الثمن، وذلك لتأمين مزية معينة. ومن الأمثلة على ذلك دفع رشاوي لموظفي المشتريات لتوجيه قرارهم نحو تحقيق صالح الشركة الراشية، وتقديم هدية باهظة الثمن إلى مدير مصرف لتأمين قرض، وغير ذلك من صور الرشاوى.

  1. الابتزاز والطلب

يحدث هذا عندما يطلب موظف في شركة دفع، ميزة غير مستحقة، هدايا باهظة الثمن، أو خدمات غير رسمية مقابل القيام بمهام محددة تتعلق بالأعمال التجارية أو اتخاذ قرارات معينة.

  1. الهدايا والضيافة

يتم تقديم الهدايا والضيافة المفرطة للموظفين للتأثير على القرارات أو المهام التجارية. قد يتمثل هذا النوع من الهدايا في السفر أو الأشياء الفاخرة أو تذاكر حضور الفعاليات الرياضية.

  1. الرسوم والعمولات

 يتم دفع الرسوم والعمولات للوكلاء والوسطاء بما يتجاوز ما يعتبر معيار الصناعة، لغرض تغيير القرارات أو المهام التجارية. وقد يكون وصف الدفع كرسم أو عمولة وسيلة لإخفاء دفع الرشوة..

  1. التواطؤ

يحدث هذا عندمايقوم موظف في نقابة العمال، على سبيل المثال، وعضو في فريق إدارة الشركة بتبادل الخدمات فيما بينهما؛ مما يؤدي إلى عدم تمثيل مصالح الموظفين بشكل صحيح.

  1. تداول المعلومات

يحدث هذا عندما يقوم موظف بطلب رشوة أو يتلقى هدية مقابل إفشاء معلومات سرية؛ حيث يمكن أن تتخذ الرشوة عددًا من الأشكال المختلفة. فعندما تكون المعلومات السرية هي الأساس للتداول في أسهم الشركة أو سنداتها أو أوراقها المالية الأخرى، فإن ذلك يشكل جريمة تسمى “التداول من الداخل”.

  1. الاتجار بالنفوذ

يُشار إليه أحيانًا بترويج النفوذ، ويحدث هذا النشاط عندما يعطي الموظف الخاص مدفوعات أو ميزة غير مستحقة أو هدايا باهظة الثمن لموظف عمومي، وذلك في مقابل الحصول على ميزة غير مستحقة من السلطة العامة. ومن الأمثلة على ذلك عندما يقدم رجال الأعمال تبرعات بقصد التأثير على القرارات السياسية أو السياسات أو القوانين.

  1. الاختلاس

يحدث هذا عندما يستولي الموظفون على أي شيء له قيمة يدخل في حيازتهم بسبب وظيفتهم.

  1. المحسوبية (الواسطة)

تحدث هذه الأشكال من الفساد عندما يتم منح شخص أو مجموعة من الأشخاص معاملة تفضيلية غير عادلة على حساب الآخرين.

وعلى الرغم من أن الأمثلة السابقة على الفساد في القطاع الخاص غير حصرية، ولكن الفساد في الأعمال التجارية قد يتخذ أشكالا مختلفة ويمكن أن يحدث على مستويات مختلفة من نشاط الشركات أو مجالات النفوذ: داخل الشركة، وداخل سلسلة التوريد، وداخل العملية التجارية الأوسع نطاقًا، وداخل البيئة المجتمعية.

ثالثًا: بعض أسباب الفساد في القطاع الخاص

للفساد في القطاع الخاص أسباب متعددة منها، على سبيل المثال، ما يأتي:

  1. الأسباب المتعلقة بالقطاع أو الصناعة

يؤثر الفساد في سياق الأعمال التجارية على الشركات من جميع الأحجام، لكن بعض القطاعات أو الصناعات أكثر عرضة للفساد من غيرها. فعلى سبيل المثال، ونظرًا للسرية والطلبات الكبيرة، فإن المشتريات العسكرية معرَّضة بشكل خاص للمخالفات، وبالتالي فإن صناعة الدفاع معرضة لمخاطر فساد عالية. ويشير تقرير صادر عن شركة “ريسك أدفيزوري” (2019) إلى أن الصناعات الأكثر تضررًا من الفساد على المستوى العالمي هي النفط والغاز، والبناء والتطوير، والبنية التحتية. وهناك بعض الاختلافات على الصعيد الإقليمي. وبوجه عام، فإن القطاعات المعتمدة على العقود أكثر عرضة للفساد. فعلى سبيل المثال، فإن صناعات التكنولوجيا العالية، التي تحصل على مكونات منتجاتها من خلال عدد كبير من العقود مع الموردين، أكثر عرضة للفساد وأوجه القصور المؤسسية مقارنة بصناعة الأغذية، حيث لا يتطلب الأمر سوى عدد أقل من العقود وتكون المكونات متاحة في سوق التجزئة(7).

  1. الأسباب الاقتصادية

في حين أن المكاسب الشخصية كثيرًا ما تكون السبب الأكثر شيوعًا لفساد القطاع العام، فإنها ليست سوى سبب واحد من أسباب فساد القطاع الخاص. وحيثما حدث ذلك، وبالأخص في الأسواق التي تحركها المنافسة الشديدة، يدفع الشركات إلى الانخراط في الفساد لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة التشغيلية المتمثلة بالأرباح، وغزو أسواق جديدة(8). وبما أن الشركات تستخدم ممارسات فاسدة للحصول على ميزة تنافسية، فإنها تخلق بيئة أعمال تدفع الشركات الأخرى إلى الانخراط في ممارسات مماثلة لتظل قادرة على المنافسة في السوق. وبشكل عام، فإن الفساد يقوِّض المنافسة، لأن الشركات التي ترفض دفع الرشاوى يمكن استبعادها من السوق. ويؤدي انخفاض المنافسة إلى ارتفاع الأسعار وتدني جودة السلع والخدمات، مما يضر في نهاية المطاف بالمستهلكين(9).

ويمكن أن يبدو الفساد ممارسةً تجاريةً قابلة للتطبيق وفعالة من أجل البقاء والنمو. وإذا كان تعظيم الربح بأي وسيلة يُنظر إليه على أنه هدف الشركة الوحيد، فإن تقييم التكاليف المحتملة مقابل فوائد الفساد قد يبدو وكأنه ممارسة مشروعة، وهو ما قد يبرر الفساد. ويمكن أن تصبح الممارسات الفاسدة مؤسسية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية، ولاسيما في فترات الأزمات الاقتصادية.

ومع ذلك، تُظهر الأدلة أن الفساد لا يمكن أن يؤدي إلى مثل هذه الفوائد إلا على المدى القصير، ولعدد محدود من الشركات(10). أما على المدى الطويل، فإن الفساد يشكِّل إلى حدٍّ ما قيدًا على التنمية وقوة مقيدة على دخول الأسواق والنمو لجميع الشركات(11). ومن غير المرجح أن تكون الشركة ذات ثقافة الفساد المستدامة جذابة للموظفين أصحاب السلوكيات الرصينة والأخلاقيات العالية، وكذلك بالنسبة للمستثمرين والعملاء وأصحاب المصلحة الآخرين. ويذهب مركز أوتشتاين لموارد مكافحة الفساد (U4) إلى أبعد من ذلك فيشدد على “أن ارتفاع مستوى الفساد على مستوى الشركات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بانخفاض نمو الشركات، حتى على المدى القصير(12).

3.الأسباب والمبررات الفردية

في القطاع الخاص قد ينخرط الأفراد في ممارسات تبرر سلوكهم غير الأخلاقي، وقد وجدت إحدى الدراسات أن بيئة ممارسة الأعمال المحلية، وحجم الشركة، وطبيعة الشركة سواءً كانت محلية أو أجنبية، والتنوع في مكان العمل، وجنسية الأفراد، والعمر، وطول مدة العمل هي العوامل الرئيسية التي تؤثر على تبرير الأفراد لسلوكهم في القطاع الخاص. وتكاد ثلاثة أنماط من السلوكيات في القطاع الخاص تشكل الأسباب الفردية للفساد، هي: الجميع يفعل ذلك، إنها ليست مسؤوليتي، الغاية تبرر الوسيلة(13).

  1. ثقافة الشركات

يمكن أن تؤدي الأسباب الاقتصادية والفردية للفساد إلى تطوير (ودعم) ثقافة فساد مؤسسية. وبالتالي، فإن ثقافة الفساد هي نتيجة للفساد وسبب آخر للفساد في آن واحد. وتوضح إحدى الدراسات أن الثقافة تجعل الفساد أمرًا مقبولًا من خلال ثلاث عمليات:

  • الدمج المؤسس: دمج الممارسات الفاسدة في هياكل الشركات وعملياتها.
  • التبرير: أيديولوجيات تحقيق المصالح الخاصة تبرر الممارسات الفاسدة.
  • التنشئة الاجتماعية: يتم تنشئة الموظفين الجدد ضمن أنظمة ومعايير تتسامح مع الفساد أو تسمح به. ويمكن للضغط الذي يمارسه الأقران أن يدفع الموظفين إلى الممارسات الفاسدة. وفي سياق فساد القطاع الخاص، يشير الضغط الذي يمارسه الأقران إلى الإجراءات المتخذة عبر أمر تنفيذي أو إداري(14).

ونود التنويه إلى أن الفساد في القطاع الخاص في أغلب دول العالم قد تحول من ظاهرة فردية إلى فساد نظامي (الفساد المستشري) الذي يرجع في المقام الأول إلى نقاط الضعف في بنية الكيان أو المؤسسة أو الشركة الخاصة. ومن العوامل التي تشجع على الفساد النظامي الحوافز المتضاربة، والسلطات التقديرية، والقوى الاحتكارية، والافتقار إلى الشفافية، والأجور المنخفضة، وثقافة الإفلات من العقاب، وارتفاع مستويات البيروقراطية والهياكل الإدارية غير الفعَّالة، وانخفاض الحرية الاقتصادية، وضعف حقوق الملكية، وعدم الالتزام تجاه المجتمع، والبطالة، وعدم وجود سياسات واضحة لمكافحة الفساد. ولهذا تكون الرشوة والابتزاز والاختلاس الحالات الغالبة للفساد في أنظمة يصبح فيه الفساد هو القاعدة وليس الاستثناء. لذا، فإن الفساد في القطاع الخاص أصبح هيكليًّا ومؤسسيًّا في آن واحد. وقد لوحظ من خلال مراجعة التقرير الأخير لمدركات الفساد، وعند عقد مقارنة البلدان الأكثر فسادًا بالبلدان الأقل فسادًا، فإن المجموعة الأولى تعاني من تفاوتات اجتماعية واقتصادية كبيرة، بينما تتضمن المجموعة الثانية دولًا تتمتع بدرجة عالية من العدالة الاجتماعية والاقتصادية. لذا نؤكد بأن الفساد هو مسألة هيمنة سياسية، وإفلات هيكلي من العقاب (خاصة بالنسبة للقطاع الخاص)، وعدم التمكين الاجتماعي. واعتمادًا على هذه الحقيقة فإن العلاج الأساسي يكمن في جرعات كبيرة من الديمقراطية السياسية والاقتصادية وتعزيز سيادة وسلطة القانون.

رابعًا: عواقب الفساد في القطاع الخاص

تعد الدراسات والأبحاث التي تركز على شرح الفساد وفق التحليل المنهجي في القطاع الخاص قليلة أو نادرة مقارنة بالدراسات حول القطاع العام، كما أن الجهود الدولية لمكافحة الفساد ركزت في معظمها على الفساد في القطاع العام(15). وهذا يجعل من الصعب تقدير التكلفة الحقيقية للفساد في القطاع الخاص، على الرغم من أنه من الواضح أن فساد القطاع الخاص له آثار خطيرة ودائمة على الاقتصاد والمجتمع بصورة عامة(16).

وتفيد التقارير بارتفاع مستوى فساد القطاع الخاص. فوفقًا للدراسة الاستقصائية العالمية للجريمة والغش الاقتصادي، لعام 2018، التي أجرتها برايس ووترهاوس كوبرز(17)، فإنَّ 28 في المئة من الشركات التي أبلغت عن فساد داخلي في العامين الماضيين قد عانت من سوء السلوك التجاري، وقالت 45 في المئة منها إنها قد عانت من اختلاس الأصول. وتبيِّن دراسة استقصائية أجراها البنك الدولي للمؤسسات، والتي تقيس حالات الرشوة في الشركات، أن ما يصل إلى 51 في المئة من جميع الشركات في بعض البلدان تواجه طلبًا واحدًا على الأقل لدفع الرشوة سنويًّا(18). ويؤثر الفساد في القطاع الخاص على سلسلة التوريد بأكملها، لأنه يشوِّه الأسواق، ويقوِّض المنافسة، ويزيد من التكاليف التي تتحملها الشركات. فهو يمنع وجود قطاع خاص عادل وفعَّال، ويقلِّل من نوعية المنتجات والخدمات، ويؤدي إلى تفويت فرص الأعمال التجارية(19).

وحتى لو اعتمدنا حقيقة أن الهدف الأساسي للأعمال هو زيادة الأرباح، فإن استخدام الفساد لتحقيق أقصى قدر من الربح سيولِّد تأثيرات سلبية على الشركة، مثل انخفاض معنويات الموظفين، وانخفاض الإنتاجية، وفقدان ثقة المساهمين والمستثمرين، والإساءة إلى السمعة والعلاقات التجارية. كما يتعين على الشركات تحمل التكاليف المرتبطة بالتحقيق في حالات الفساد والإجراءات العلاجية(20). وعلى العكس من ذلك، في العديد من السياقات، “تتوافق المستويات الأعلى من نزاهة الشركات مع الأداء التجاري الأقوى”(21). وعلاوة على ذلك، ووفقًا للموقع الشبكي للميثاق العالمي للأمم المتحدة، فإنَّ “هناك اتفاقًا متزايدًا، خاصة من قِبَل قادة الأعمال والمستثمرين، على أنه لا يكفي أن تهتم الشركات بالأرباح قصيرة الأجل فقط لأن الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات الاجتماعية أو التفاوت الاقتصادي يمكن أن تلحق الضرر بالازدهار على المدى الطويل”.

وفيما يلي بعض الطرق التي يؤدي بها فساد القطاع الخاص إلى تآكل التنمية الاقتصادية والاستثمار:

  • المنافسة غير النزيهة: تحصل الشركة التي تقدم الرشوة على ميزة غير نزيهة على منافسيها، الذين لن يتم حتى النظر في منتجاتهم وخدماتهم. وفي حين تدفع بعض الشركات رشاوى للحصول على مزايا، قد تكون شركات أخرى غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك. وبالتالي، فإن الفساد يقوض المنافسة لأن الشركات التي ترفض دفع الرشاوى من المرجح أن تُستبعد من السوق(22).
  • التكاليف المتضخمة: يمكن أن يؤدي انعدام المنافسة الناجم عن الفساد إلى ارتفاع الأسعار وسوء نوعية السلع والخدمات؛ مما يضر في نهاية المطاف بالمستهلكين(23). فعلى سبيل المثال، قد ترى شركة تدفع بالفعل رشاوى لبيع منتجاتها أنه من غير الضروري الاستثمار في الابتكارات والتكنولوجيات الجديدة وتدريب الموظفين وغير ذلك من الأنشطة التي يمكن أن تحسِّن إنتاجيتها وجودة الخدمات أو المنتجات.
  • الأثر المجتمعي: يمكن أن يكون للفساد في الأعمال التجارية آثار مدمرة على البيئة وحقوق الإنسان.

خامسًا: الاستجابات للفساد في القطاع الخاص

نظرًا لتأثيرها المجتمعي الخطير، اكتسبت مكافحة الفساد في القطاع الخاص زخمًا في القانون الدولي والسياسات الدولية في العقود الأخيرة. ولعل من أهم الخطوات التشريعية في مجال مكافحة الفساد في القطاع الخاص سَنُّ قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة في الولايات المتحدة، عام 1977. وبالنظر إلى امتداد القانون خارج حدوده الإقليمية، فإن تأثيره قد استهدف الشركات على الصعيد العالمي، كما دفع تأثير هذا القانون على أنشطة الشركات في الخارج البلدان الأخرى إلى وضع قوانين مماثلة لمكافحة الرشوة. على سبيل المثال، في عام 2013، اعتمدت المملكة المتحدة قانون الرشوة في المملكة المتحدة الذي يطبَّق هو الآخر خارج الحدود الاقليمية. وبحلول أواخر التسعينات من القرن الماضي ظهرَ توافق دولي بشأن مسؤولية الأشخاص الاعتباريين (أي الشركات) عن أفعال الفساد. وتجدر الإشارة هنا إلى حدثين مهمين؛ فأولًا: في عام 1994، أنشأت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي فريقًا عاملًا معنيًّا بالرشوة في المعاملات التجارية الدولية؛ مما أدى إلى اعتماد اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بشأن مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية في عام 1977. وثانيًا: اعتمد المجتمع الدولي، في عام 2003، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي تشترط على الدول الأطراف، في مادتها 26، ضرورة تبني المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتباريين عن ارتكاب أعمال الفساد. كما تحدد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بعض صور الفساد والتي تنطبق تحديدًا على القطاع الخاص. وإن تجريم الفساد في القطاع الخاص وضمان مسؤولية الشركات عنه وخضوعها بالتبعية لعقوبات فعلية -بموجب القانون الجنائي أو المدني- يخدم بالتأكيد أهداف العقاب والردع على حدٍّ سواء لأن سوء سلوك الشركات يعاقب والعدالة تأخذ مجراها؛ الأمر الذي يبعث برسالة ردع للشركات مما يحول دون انخراطها في هذا السلوك السيء. وعلاوة على ذلك، فإن عواقب الفساد في الأعمال التجارية تحفز الشركات أيضًا على وضع تدابير وقائية لمكافحة الفساد، مثل برامج الأخلاقيات والامتثال، ومدونات السلوك والأخلاقيات، وتقييم المخاطر، وإجراءات العناية الواجبة لفحص شركاء الأعمال. وجميع هذه التدابير سيتم مناقشتها أدناه.

1. تجريم الفساد في القطاع الخاص

لعل من التدابير الرئيسية لمواجهة الفساد في القطاع الخاص هو تطبيق المعايير الجنائية لمكافحة الفساد على الشركات، وإنفاذها من خلال فرض جزاءات وحوافز فعالة. فعلى سبيل المثال، تعرِّف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد جرائم الرشوة والاختلاس في القطاع الخاص، فضلًا عن الجرائم ذات الصلة بهذه الجرائم مثل جرائم إخفاء متحصلات هذه الجرائم، وغسل عائداتها، وعرقلة سير العدالة. ومن ناحية أخرى، تركز اتفاقية منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لمكافحة الرشوة على جريمة الرشوة في الأنشطة التجارية في الخارج وتحدد مسؤوليات الأشخاص الاعتباريين في هذا الصدد. ويمتد تطبيق هذه المعايير -من الكشف عن الفساد والإبلاغ عنه إلى مراحل التحقيق والملاحقة القضائية والمحاكمة-.

ويرتبط القانون الجنائي أساسًا بالمسؤولية الجنائية الفردية، وبالتالي فإنه ينطبق عادة على الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) وليس على الأشخاص الاعتباريين (الكيانات الاعتبارية). ولإنفاذ قواعد مكافحة الفساد على الشركات بفعالية، يتعين على الدول أن تدرج في قوانينها مفهوم “مسؤولية الشركات” (أو مسؤولية الأشخاص الاعتباريين). وتتضمن مسؤولية الشركات فرض عقوبات مختلفة على الشركات التي تنتهك معايير مكافحة الفساد. ويمكن أن تشمل هذه الجزاءات الغرامات، والمصادرة، وسبل الانتصاف التعاقدية، والتعليق والحرمان، وفقدان الاستحقاقات، والمسؤولية عن الأضرار. وقد تضمن “الدليل المرجعي بشأن التدابير التي تتخذها الدول لتدعيم نزاهة الشركات” الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة مجموعة من الجزاءات والحوافز التي وضعت لمنع الفساد في القطاع الخاص والتصدي له.

2. مسؤولية الشركات

تشير الحقائق التاريخية إلى أن الشركات كانت خارج نطاق القانون الجنائي، الذي يركز على الذنب الشخصي ومفاهيم الإثم واللوم. وبناء على ذلك، كان إنفاذ قوانين مكافحة الفساد يستهدف الأفراد، وبالذات، الموظفين العموميين المتورطين في تلقي الرشاوى واختلاس الأموال العامة والأفراد الذين يقدمون رشاوى، على الرغم من أن هؤلاء كانوا مستهدفين بدرجة أقل بكثير. بيد أن النقاش في الآونة الأخيرة حول كيفية حمل الشركات على الامتثال للقوانين واللوائح المحلية والدولية لمكافحة الفساد قد زادت وتيرته. بل إن كثيرًا من أكبر التحقيقات المتعلقة بالفساد تتعلق اليوم بالأشخاص الاعتباريين وليس الأشخاص الطبيعيين. وتُعرف مسؤولية الأشخاص الاعتباريين مثل الشركات أيضًا باسم “مسؤولية الشركات” وهي سمة رئيسية من سمات المكافحة العالمية للفساد(24).

وقد أُدخلت مسؤولية الشركات تدريجيًّا وجزئيًّا لأن الأدوات القانونية التقليدية، مثل المسؤولية الجنائية الفردية، أثبتت أنها غير كافية لكبح الجريمة. حيث ترتب على وجود الهياكل المؤسسية غير المركزية وعمليات صنع القرار المعقدة صعوبة في تحديد شخصية الفرد المذنب. وفي معظم حالات فساد الشركات، قد لا تشارك الإدارة العليا مباشرة في السلوك الذي يشكِّل الجريمة الفعلية، ولكنها مع ذلك تؤدي دورًا مهمًّا بإخفاقها في الإشراف على الموظفين بفعالية أو بتحفيز السلوك الذي يؤدي إلى الجريمة. وتكشف دراسات الحالة التي أُجريت على الشركات الكبرى أن الإدارة العليا ربما تكون قد خلقت أو زرعت ثقافة مؤسسية تحفز على ارتكاب المزيد من الموظفين المبتدئين للمخالفات. وفي هذه الحالة، قد تتحمل الإدارة العليا مسؤولية أخلاقية. بيد أنه من الصعب في هذه الحالة توجيه تهم فردية إلى المديرين نظرًا لطبيعة الشركات ذاتها ونظم تفويضها الواسعة النطاق.

وتفرض المسؤولية الشخصية، المعروفة أيضًا بالمسؤولية القائمة على الخطأ، واجبًا على الشركات لمنع ارتكاب مخالفات عن طريق تثقيف الموظفين وتنفيذ ضوابط داخلية على أنشطة الشركة. وتعذر نظم المسؤولية الشخصية البحتة الشركات التي امتثلت لواجباتها، والتي يعرِّفها القانون عادة بأنها تنفذ برنامجًا فعالًا للامتثال. كما أن لنظم المسؤولية الشخصية مخاطر: فنظرًا لأن الشركات تركز على استيفاء الشكل فيما يتعلق بالعناصر المتطلبة قانونًا لنظم الامتثال الفعالة، فقد تكون التدابير متخذة على الورق فقط وليس في التطبيق العملي. وعلاوة على ذلك، لا توجد حوافز لضمان مواءمة السياسات المهمة مع نظم الامتثال، مثل التعويض والترقية والمكافآت.

ولا تنص الأطر العالمية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، على نوع محدد من المسؤولية، ولكن هناك اتجاه نحو نظم المسؤولية الهجينة. وفي عدد متزايد من الدول، قد تتلقى الشركات غرامات مخفضة إذا تمكنت من إثبات أنها بذلت جهدًا كبيرًا لمنع الفساد، وذلك من خلال تنفيذ ضوابط وإجراءات داخلية فعالة، وتثقيف الموظفين، ومنع سوء السلوك من جانب أطراف أجنبية تعمل بالنيابة عن الشركة. وفي بعض الدول، مثل أستراليا وسلوفينيا وهنغاريا، قد يؤدي الإبلاغ الذاتي عن المخالفات والتعاون مع السلطات أثناء التحقيق إلى تخفيف العقوبات أيضًا. وللاطلاع على تحليل لكيفية تنظيم كل ولاية قضائية في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لمسؤولية الشركات عن الفساد، نقترح النظر إلى وثيقة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي 2016.

3. التعليق والحرمان

ويشكِّل تعليق عقود المشتريات آلية تنظيمية هامة لمكافحة الفساد؛ إذ يمكن لسياسات تعليق التعاقد أن تستبعد بعض الموردين والمقاولين من العقود المربحة بسبب انخراطهم في ممارسات فاسدة وغير أخلاقية. وتتخذ قرارات التعليق مجموعة متنوعة من المسارات. ففي كندا، على سبيل المثال، يوجد نظام “قائم على القواعد وتلقائي”. وفي الولايات المتحدة، يكون النهج أكثر تقديرية بكثير؛ حيث يركز على “المسؤولية الحالية”(25).

وعلى الصعيد الدولي بشكل عام، يشكِّل نظام التعليق والحرمان الذي يخضع له البنك الدولي، والذي يشرف عليه مكتب التعليق والحرمان، خط دفاع شاملًا ضد المخطئين. ويعاقب النظام على الممارسات الفاسدة والاحتيالية والتواطئية والممارسات المعوِّقة والمعرقِلة. وهناك خمسة جزاءات مختلفة يمكن فرضها هي: التعليق المقرون بالإفراج المشروط، والتعليق لفترة محددة دون إفراج مشروط، وعدم التعليق المشروط، وخطاب الإنذار العلني والرد. ويقيِّم البنك الدولي الظروف المشددة والمخففة عند تحديد أي من هذه العقوبات الخمس ستطبق(26).

وفي حين أن خطر السجن يقتصر على الأفراد، فإن التعليق والحرمان يمكن أن يكونا رادعًا مماثلًا للشركات التي تعتمد على العقود الحكومية. وقد يُطلب من الشركات أيضًا فصل الموظفين شرطًا للتسوية. وعلى الرغم من أن ذلك لا يعد من الناحية التقنية عقوبة تقليدية، فإن ذلك يمكن أن يشكِّل رادعًا فعالًا للأفراد، ولاسيما المديرين أو غيرهم من كبار الموظفين الذين قد يجدون صعوبة في العثور على عمل بديل مماثل. وينبغي لمديري الشركات وموظفيها أن يدركوا، كجزء من تدريبهم في مجال مكافحة الفساد، أن الرشوة لا تضر بجميع أصحاب المصلحة فحسب، بل هي جريمة من شأنها أن تؤدي إلى إنهاء عملهم (سياسة عدم التسامح مطلقًا).

سادسًا: التدابير العامة لمنع الفساد في القطاع الخاص 

يتطلب التنظيم الأكثر صرامة والأكثر دقة أن تقوم الشركات بالعمل على تعزيز الامتثال للقواعد، وكذلك أيضًا للتركيز على قيمها وتطوير ثقافة أخلاقية تقوم على مبدأ منع الفساد والوقاية منه. ويتوقع أصحاب المصلحة مثل الموظفين والعملاء والمساهمين وشركاء الأعمال والمجتمع المدني معايير أعلى للنزاهة والسلوك التجاري الأخلاقي النزيه الذي يمكن فرضه من خلال القواعد الأخلاقية. ولعل التركيز على القواعد والأنظمة وحدها كثيرًا ما لا يرقى إلى مستوى تلبية هذه التوقعات الأعلى للممارسات التجارية الأخلاقية. ولذلك، فإن أي برنامج فعال للأخلاقيات والامتثال يحب أن يتجاوز مجرد الامتثال ويهدف إلى تعزيز ثقافة النزاهة، وينبغي أن يشتمل على تدابير داخلية وخارجية وجماعية، منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

1- من النهج القانوني إلى النهج السلوكي

يخلق التطبيق العالمي للمعايير القانونية لمكافحة الفساد بالنسبة للشركات حوافز للشركات لاعتماد برامج للأخلاقيات والامتثال يمكن أن تكشف الفساد في المنظمات وتمنعه لتجنُّب الجزاءات والأضرار التي تلحق بالسمعة. وإلى جانب ذلك، بالنسبة للشركات، فإن المشاركة في الجهود الرامية إلى منع الفساد تعد أمرًا منطقيًّا من الناحية التجارية بالنظر إلى الأثر السلبي الذي يمكن أن يحدثه الفساد على الأعمال التجارية الفردية والسوق ككل. وينطوي ذلك أيضًا على تغيير كل من السلوك التنظيمي وثقافة الشركات(27).

وتاريخيًّا، كان نهج الامتثال القانوني الذي يعتمد فقط على القواعد التي يتعين على الشركة نفسها إنفاذها، مع التهديد بالعقاب الجنائي أو المدني لدعمها هو الآلية الرئيسة للتصدي للفساد في القطاع الخاص. وأصدرت عدة حكومات ومنظمات دولية مبادئ توجيهية لمساعدة الشركات على وضع خرائط لبرامجها المتعلقة بأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال لها. فقد نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، على سبيل المثال، برنامجًا لأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال للأعمال التجارية: دليل عملي، ودليلًا لأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال للأعمال التجارية (بالتعاون مع منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والبنك الدولي)، حتى إن المنظمة الدولية للتوحيد القياسي وافقت على عملية موحدة لإدارة مكافحة الرشوة، وهي المقياس (ISO) رقم 37001.

ومع ذلك، شكَّلت برامج الامتثال المبكر إشكالية حقيقة، لأن الشركات تميل إلى التركيز على عمليات مثل سَنِّ مدونات قواعد السلوك وتنفيذ القواعد والإجراءات الداخلية دون تقييم نتائج هذه العمليات وتأثيرها على القضايا الأخلاقية والسلوكية داخل الشركات(28). ولذلك، فإن هذه العمليات لم تمنع نماذج إشكاليات الأعمال المتبعة بالشركات. ولقد عُدَّت برامج الامتثال منفصلة عن العمليات التجارية الأساسية؛ مما أدى إلى عدم قدرة هذه البرامج على تغيير قيم المنظمة وأساليب عملها. ونتيجة لذلك، ظلت ثقافة المخالفة داخل الشركات مستمرة إلى حدٍّ كبير. وعندما ظهرت حالات فساد واسعة النطاق، مما دَلَّ على أن مخالفات الشركات في كثير من الأحيان لم تكن بسبب الموظفين المارقين ولكن بسبب ثقافة شركات محددة، بدأ التركيز يتحول إلى مواءمة الثقافة التنظيمية مع أهداف مكافحة الفساد(28).

وللتغلب على ثقافة المخالفات داخل الشركات، يتعين على الإدارة العليا أن توضح أنها لا تدعو إلى ارتكاب المخالفات كما أنها لا تتغاضى عنها، وأنه بعد إجراء تحقيق وتحرٍّ عن الأسباب الحقيقية، سيُعاقَب مرتكِب الفساد المتعمَّد. في المصطلحات التقنية، غالبًا ما يشار إلى هذا باسم “خطاب من السلطة العليا”. ولعل سياسة عدم التسامح مطلقًا مع الفساد يجب أن يتم إبلاغها في إطار يجمع بين عصا العقاب وعصا الرسالة الإيجابية بشأن نوع السلوك الذي تتوقعه الشركة من موظفيها.

كما أن إجراء تحليل وتحقيقات للأسباب الجذرية قبل تحديد ما إذا كان العقاب مطلوبًا يسهم أيضًا في بناء “ثقافة عادلة” حيث يراعي الإنصاف ويمكن للأشخاص أن يتعلموا من أخطائهم. وفي مثل هذه البيئة، سيكون من الممكن تحديد السبب الحقيقي للمشكلة (الذي قد يكون، على سبيل المثال، أن الأهداف التي تحددها الإدارة العليا يستحيل تحقيقها بأي طريقة أخرى) والتعلم من هذه الممارسة وإصلاح المشكلة الأساسية، بدلًا من مجرد إلقاء اللوم على شخص محدد ومعاقبته.

ومن المسلَّم به على نحو متزايد أن نُهج تغيير السلوك القائمة على البرامج القائمة على القيمة الأخلاقية تؤدي، مقارنة بنُهج الامتثال القانوني، إلى مستويات أعلى من الوعي الأخلاقي، وزيادة عدد الموظفين الذين يلتمسون المشورة بشأن المسائل الأخلاقية، وزيادة احتمال إبلاغ الموظفين عن الانتهاكات مما يقلِّل من الأضرار إلى أدنى حدٍّ. وتقوم البرامج القائمة على القيمة على افتراض أن الموظفين يتعاملون مع أي قيم موجودة في الشركة ومتفقة مع قيم المجتمع، وأن يعتمدوها قيمًا خاصة بهم. وعندما تكون هذه القيم موجهة نحو المشاركة في المسؤولية الاجتماعية، يكون من الأرجح أن يمتثل الموظفون للقواعد، حتى عندما لا تتم مراقبتهم. وتتمثل العناصر الرئيسية في البرامج القائمة على القيمة في معاملة الموظفين معاملة عادلة، ومكافأة السلوك الأخلاقي، ومعالجة السلوك غير الأخلاقي غير المقصود، ومعاقبة السلوك الإجرامي. وتتمثل خطوة أخرى في هذا الاتجاه في تطوير تعهد الالتزام بالقيم. وهذا التزام جماعي من جانب المنظمات بأن تصبح منظمات قائمة على القيم حقًّا وأن تدعم بناء بيئة أعمال قائمة على القيم. و”UK Values Alliance” هي مثال جيد حول مبادرة تجمع بين الأفراد والشركات التي تهدف إلى تطوير تعهد القيم في المملكة المتحدة.

وتشير نتائج البحوث والتجارب العملية إلى أن النماذج القائمة على القيم ليست فقط مثل أو أكثر فاعلية من النماذج التقليدية القائمة على الإكراه، بل إنها أيضًا أفضل بكثير في تشجيع الامتثال الطوعي للقواعد وتقليل الصعوبات والتكاليف المرتبطة بإنشاء والمحافظة على آليات مراقبة فعالة في النماذج القائمة على الجزاءات.

ويعد ما قدمه لانجفورت (2017) مفيدًا بشكل خاص لفهم كيفية تطبيق نتائج الأخلاقيات السلوكية على تنفيذ أخلاقيات مكافحة الفساد وبرامج الامتثال. وإلى جانب الحاجة الواضحة إلى مواءمة مخططات التعويض وممارسات الترويج مع القيم الأخلاقية، فإن عمل لانجفورت يبيِّن كيف أن الأفكار المقبولة على نطاق واسع حول ما يجعل الأعمال التجارية ناجحة، على سبيل المثال ولاء المجموعة والقدرة التنافسية والرغبة في المخاطرة، قد تعمل كمسارات خفية للسلوك غير الأخلاقي(29).

ويعد الدعم والالتزام الكاملان من جميع مستويات الإدارة أمرًا أساسيًّا لخلق ثقافة تحركها القيم الأخلاقية وتنفيذ برنامج فعَّال لأخلاقيات مكافحة الفساد والامتثال له. وعند وضع البرنامج، ينبغي النظر في آليات الرقابة مع الضوابط الداخلية وحفظ السجلات. وللبرامج الفعالة أيضًا سياسات واضحة ومرئية ويسهل الوصول إليها والتي تحظر الفساد، وتخفِّف من مخاطره الخاصة، وتتصدى للانتهاكات. كما أنها تنشئ قنوات للإبلاغ عن الفساد(30).

وبالنسبة للشركات الأكبر حجمًا، ينبغي للبرنامج أن يعمل مع الشركاء التجاريين والشركات الفرعية والوسطاء. وتدريب الموظفين وتعزيز السلوك الأخلاقي والامتثال وتحفيزهما أمران أساسيان للتنفيذ الفعال. وينبغي مراجعة البرنامج ككلٍّ وتقييمه دوريًّا(31). وينبغي أيضًا تحسين فاعلية التدابير القائمة من وقت لآخر. وتُشجَّع الشركات الأكبر حجمًا على توسيع نطاق التدابير وتبادل الممارسات الجيدة مع أطراف أجنبية، وذلك مثلًا من خلال المشاركة في مشاريع العمل الجماعي لمكافحة الفساد.

وينبغي للشركات ألا تركز على ثقافتها الخاصة في مجال الأخلاقيات فحسب، بل ينبغي لها أيضًا أن تعمل مع الشركاء التجاريين وسلاسل التوريد الخاصة بهم. وكثيرًا ما يكون الوسطاء الحلقة الضعيفة، ولا يركز التصور العام على المورِّد نفسه فحسب، بل يركز أيضًا على الشركات التي تعاقدت معه. وبالإضافة إلى ضمان الامتثال للأنظمة الوطنية والدولية، وينبغي للشركات بالتالي أن تعتمد نهجًا استباقيًّا لتعزيز نزاهة الأعمال التجارية والأخلاقيات في سلاسل التوريد الخاصة بها، وعلى الأخص فيما يتعلق بمسؤوليتها المؤسسية وممارساتها التجارية المستدامة.

وأخيرًا، يمكن للشركات أيضًا أن تشارك في العمل الجماعي مثل تبادل الخبرات داخل فرق العمل أو الانضمام إلى مبادرات مثل الاتفاق العالمي للأمم المتحدة. وفي البيئات التي تسود فيها الممارسات غير الأخلاقية، يمكن للشركات أن تلجأ إلى العمل الجماعي لمحاولة تغيير الوضع الراهن. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تحصل على المنظمين للتدخل أو وضع معايير في مجالات مثل سلاسل الإمداد.

وقد تتطلب الأعمال التجارية نُهجًا مختلفة لخلق ثقافة أخلاقية فعَّالة بسبب خصائصها. مثلًا، من حيث الحجم، والمركز القانوني، و/أو التعقيد. ولا يوجد نموذج واحد يناسب الجميع، ولكن المبادئ الأساسية تنطبق على الشركات الكبيرة والصغيرة على حدٍّ سواء، بما في ذلك الشركات النا شئة(32). فعلى سبيل المثال، في الأعمال التجارية الكبيرة، قد يتمثل أحد أشكال الخطاب من السلطة العليا في فيديو على موقع الويب أو بطاقة بريدية مرسلة من ممثل الإدارة إلى الموظفين، لأنه لا يمكن للرئيس التنفيذي أن يجتمع شخصيًّا بجميع الموظفين. أما بالنسبة للأعمال التجارية الصغيرة التي يقودها المالك، سيكون من المناسب إجراء محادثات مباشرة مع الموظفين مما يزيد أهمية النزاهة قيمةً أساسيةً للشركة.

وفي حين أن الشركة الصغيرة أو الشركة الناشئة قد لا تحتاج إلى صياغة مدونة قواعد سلوك مفصلة (على الرغم من أن ذلك سيتغير مع نمو الأعمال التجارية)، فقد تحتاج الشركات متعددة الجنسيات إلى النظر في أفضل طريقة للتعبير عن قيمها في سياقات مختلفة مع إيلاء اهتمام خاص لاختلاف القواعد الخاصة بكل دولة والتي سيحاسب موظفوها وفقًا لها. وستحتاج الشركات المتعددة الجنسيات أيضًا إلى تقييم مخاطر السلوك غير الأخلاقي في مختلف البيئات التي تعمل فيها لاختيار الضوابط المناسبة التي تحتاج إلى وضعها. وكثيرًا ما تواجه شركة متعددة الجنسيات أيضًا مشكلة الأهمية الثقافية أو الإقليمية. فهل ينبغي أن يكون هناك قانون واحد ينطبق في جميع البلدان التي تعمل فيها، أم ينبغي أن تكون هناك مدونات متعددة لتنظم السياقات المختلفة؟ ولعل الحل الأكثر جاذبية هو وجود مدونة عالمية توفر إرشادات عالية المستوى حول قيم الشركة، مدعومة بإرشادات مرتبطة بالدولة التي ستطبق فيها والتي توفر مستوى من المرونة، ولكنها لا تتعارض أبدًا مع القيم العالمية أو القانون المعمول به، والتي قد تكون خاصة بولاية قضائية أخرى، مثل قانون الرشوة في المملكة المتحدة أو قانون ممارسات الفساد في الخارج الأميركي؛ حيث قد تخضع شركة متعددة الجنسيات لتلك القوانين أينما تقوم بأعمالها.

ويقدم “برنامج قواعد أخلاقية لمكافحة الفساد وامتثال المنشآت التجارية لها: دليل عملي” التابع لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المشورة للأعمال التجارية بشأن كيفية وضع معايير النزاهة المعززة موضع التنفيذ. ويركز هذا الدليل على العناصر المشتركة الأساسية التي ينبغي أن تتصدى لها الأعمال التجارية، مع التركيز بوجه خاص على التحديات والفرص المتاحة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهو يستند إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فضلًا عن الصكوك الدولية والإقليمية الأخرى التي تزود الأعمال التجارية بالتوجيه بشأن كيفية دعم معايير النزاهة المعززة، وأن تكون من الشركات الجيدة.

وتشمل المبادرات الدولية الإضافية التي توفر التوجيه في مجال أخلاقيات الأعمال مبادرة الشراكة من أجل النـزاهة التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي، والاتفاق العالمي للأمم المتحدة، والتحالف المعني بالنزاهة، ومبادئ الأعمال التجارية بشأن مكافحة الرشوة الخاصة بمنظمة الشفافية الدولية، ومبادئ إدارة الشركات لمجموعة العشرين/منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ومبادرة أعمال 20 (B20) لمجموعة العشرين، ومبادرة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي CleanGovBiz.

وقد وضعت منظمات عديدة مبادئ توجيهية للمساعدة في تيسير الممارسات الجيدة. فعلى سبيل المثال، نشرت شركة  MexicanoscontralaCorrupciónylaImpunidad (المكسيكيون ضد الفساد والإفلات من العقاب)، وهي منظمة مكسيكية غير ربحية تركز على حماية سيادة القانون وإدانة الفساد المنهجي والإفلات من العقاب والمعاقبة عليهما والقضاء عليهما في القطاعين العام والخاص، وتعمل مدونة قواعد السلوك الخاصة معيارًا ومصدر توجيه للشركات التي تقوم بصياغة وتنفيذ مدونات قواعد السلوك الخاصة بها.

  1. نهج إدارة المخاطر لمكافحة الفساد في القطاع الخاص

حتى عندما تعتمد جميع المنظمات تدابير لمكافحة الفساد، فإنها لا تزال عرضة لمخاطر الفساد. ولذلك ينبغي أن تشمل برامج الأخلاقيات والامتثال إجراءات لتحديد ومعالجة المخاطر المتصلة بالفساد التي يمكن أن تؤثر على أداء المنظمة(33). ونظرًا لأهميته فقد أصبح نهج إدارة المخاطر جزءًا أساسيًّا من مجال امتثال الشركات. وعمومًا، يُنظر إلى إدارة مخاطر الفساد على أنها عملية لتحديد المخاطر وتحديد أولوياتها (تقييمها) من أجل وضع خطة مجدية للتصدي لها، ومن ثم تنفيذ الخطة، مع رصد البيئة المتغيرة والاستعداد للاستجابة المرنة للتحديات الجديدة.

وتختلف مخاطر الفساد. ففي حين أن هناك عوامل خطر خارجية تتصل، على سبيل المثال، بالبلد وقطاع الصناعة ونوع العملية، فإن هناك أيضًا مخاطر داخلية خاصة بالمنظمة، مثل عدم كفاية قنوات الإبلاغ، وتضارب الحوافز، والافتقار إلى السياسات والإجراءات. وتختلف مخاطر الفساد من شركة إلى أخرى وفقًا لخصائصها المميزة، مثل الحجم أو الهيكل أو العوامل الجغرافية أو نموذج الأعمال أو العمليات الداخلية. فحجم الشركة مهم خاصة لأنه يملي كيفية تطبيق التدابير والإستراتيجيات. ويرتبط الحجم بالموارد، مثل الموظفين والوقت والمال، التي تؤثر على أنواع أخلاقيات مكافحة الفساد وبرامج الامتثال التي يمكن تنفيذها. فمحدودية الموارد المتاحة، على سبيل المثال، تجعل تقييمات المخاطر صعبة بشكل خاص بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، التي يجب أن تحقق توازنًا بين فاعلية التكلفة والحد بكفاءة من مخاطر الفساد. ومع ذلك، ينبغي ألا يكون نقص الموارد عائقًا أمام تطوير ثقافة أخلاقية.

وتعد تقييمات مخاطر الفساد ضرورية لضمان وضع الموارد في الأنشطة الاكثر أهمية، ولتعزيز الشفافية وبناء الثقة والحد من الفساد. ولمنع الفساد ومكافحته بفعالية، تحتاج الشركة إلى معرفة كيف وأين تحدث الجريمة. ويساعد توافر هذه المعلومات على تحديد المشاكل الحقيقية وليس المتصورة فقط في إطار عمليات وهياكل منظمة معينة، وفي نهاية المطاف، تحديد وتطبيق التدابير ذات الصلة الرامية إلى حل هذه المشاكل. ويمكن أن تكون تقييمات مخاطر الفساد حاسمة لأنه في حين أن المديرين قد يعترفون بخطر الفساد بصورة عامة، إلا أنهم قد لا يعرفون أو يدركون آليات ارتكاب الفساد داخل شركتهم.

وقد وضعت منظمات دولية في السنوات الأخيرة أدوات وآليات لدعم حاجة القطاع الخاص إلى تحديد مخاطر الفساد والتصدي لها. وقد تم تطوير أدوات تقييم المخاطر هذه، على سبيل المثال، من قبل الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، ولجنة المنظمات الراعية التابعة للجنة تريدواي، والمبادرة الإقليمية لمكافحة الفساد، ومنظمة الشفافية الدولية.

في حين أن الأدلة المذكورة أعلاه تختلف في بعض الجوانب، مثل المصطلحات، وخطوات وتقنيات جمع البيانات وتحليلها، فإن معظمها يتبع الإطار الموحد لتصميم وتنفيذ وصيانة أنظمة إدارة مخاطر الفساد التي تقدمها المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس (ISO)، حسب المقياس رقم 31000 بشأن إدارة المخاطر-المبادئ والخطوط التوجيهية. ويقترح هذا الإطار نهجًا موحدًا لإدارة المخاطر، يتألف من ثلاث مراحل رئيسية، هي: تحديد المخاطر؛ وتحليل المخاطر؛ وتقييم المخاطر.

وينبغي أن تركز تقييمات مخاطر الفساد في الشركات على المخاطر الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء، بما في ذلك مخاطر الثقافة التنظيمية. وبمجرد تحديد مسارات محددة للفساد، يصبح من الممكن بعد ذلك وضع ضوابط لمنع ارتكاب هذه الأفعال. ولضمان وجود نظام امتثال فعال وميسور التكلفة، يجب إجراء تقييمات للمخاطر بصورة منتظمة، وكذلك عندما يكون هناك تغيير كبير في أعمال الشركة.

  1. العناية الواجبة لشريك العمل

لإبعاد المخاطر التجارية عن الشركة ولأسباب أخرى، تقوم الشركات في بعض الأحيان بإسناد العمليات إلى أطراف ثالثة مثل الوكلاء والاستشاريين والموزعين والمقاولين من الباطن والبائعين والشركات الأجنبية التابعة والشركاء التجاريين في المشاريع المشتركة، وبشكل عام، أي شخص لديه القدرة على التصرف نيابة عن الشركة أو يمكن أن يؤدي سلوكه إلى تحقيق مصلحة الشركة. ومع ذلك، ينطوي العمل مع أطراف ثالثة على مخاطر فساد كبيرة. فعلى سبيل المثال، أشارت بحوث أجرتها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، في عام 2014، إلى أن 75% من جميع جرائم الرشوة عبر الوطنية التي ارتكبت بين عامي 1999 و2014 تنطوي على مدفوعات عن طريق وسطاء. ونظرًا لانتشار عادة اللجوء للوسطاء لدفع الرشاوى على نطاق واسع؛ الأمر الذي دفع المجتمع الدولي إلى تشديد مسؤولية الشركات من خلال اشتراط بذل العناية الواجبة عند التعامل مع أطراف ثالثة.

ويعد واجب الإشراف على سلوك الأطراف الأجنبية تطبيقًا للمبدأ القائل بأن أي شخص يخلق حالة من الخطر ملزم باتخاذ تدابير احترازية مناسبة لتكون بمنزلة حماية من وقوع الضرر. ولمعالجة مخاطر الطرف الثالث، تحتاج الشركات أولًا إلى رسم خرائط لأطرافها الثالثة على مستوى العالم وفهم الغرض من كل علاقة تجارية. وتتيح هذه المعلومات للشركات تصنيف أطرافها الثالثة في مصفوفة للمخاطر واعتماد تدابير مناسبة على النحو المناسب للتخفيف من المخاطر المحددة. وفي كثير من الحالات، تؤدي عمليات بذل العناية الواجبة إلى انخفاض في عدد الشركاء التجاريين وإلى ترشيد العمليات، وغالبًا ما يعود ذلك بالفائدة على الشركة.

وتتراوح تدابير التخفيف من المخاطر بين الحصول على اعتراف والتزام الشركاء التجاريين بالالتزام بالقانون ومدونة قواعد السلوك الخاصة بالشركة ووضع ضمانات تعاقدية، بما في ذلك حقوق التدقيق والإنهاء، وتنفيذ تدريب الأطراف الثالثة على مكافحة الرشوة. ويشتمل جزء من عملية بذل العناية الواجبة على التحقق من سمعة الشركاء التجاريين المحتملين في قواعد بيانات مختلفة، مثل تلك التي تحتوي على الأشخاص المجازين، وأشخاص مدرجين في القائمة السوداء، وأشخاص مكشوفين سياسيًّا، وتقارير إعلامية سلبية باللغة المحلية. وإذا ظهر الطرف الثالث في هذه المصادر فيمكن للشركة إجراء تحقيق أكثر شمولية للتأكد من ذلك ومناقشة العناية الواجبة تجاه الطرف الثالث.

وكما هي الحال مع الموظفين، يمكن أن تتخذ التدابير الرامية إلى التخفيف من مخاطر الأطراف الثالثة أشكالًا مختلفة. فقد تركز الشركات على تجنب العمل مع الشركاء التجاريين المشتبه في فسادهم. ويركز النهج القائم على المراقبة والجزاءات على عملية اختيار الشركاء التجاريين وعلى التدابير القانونية لحماية الشركة إذا انتهك الطرف الثالث القواعد في وقت لاحق. وعلى النقيض من ذلك، يهدف النهج القائم على القيمة إلى العمل مع الشركاء الذين يشتركون في القيم المشتركة ومساعدتهم على خلق ثقافة الشركات الصحيحة لتجنب الفساد. ويكتسب هذا التمييز أهمية خاصة في سياقات الفساد النظامي؛ حيث يتم التعاقد مع شركاء تجاريين محليين لعملية محددة، مثل التخليص الجمركي، والحصول على تراخيص أو تصاريح، وقد لا يكون لديهم خيار سوى دفع رشاوى لتسليم السلع والخدمات إلى عملائهم. وفي إطار علاقة امتثال مع الشركات الكبيرة، قد يميل الوكلاء المحليون إلى إخفاء أنشطتهم. أما إذا كانت العلاقة أكثر انفتاحًا، يمكن للوكلاء المحليين المشاركة مع الشركات الكبيرة في إستراتيجية جماعية للحد من الفساد في تلك العملية التجارية المحددة.

سابعًا: التدابير الوقائية المطلوبة من القطاع الخاص وفقًا للاتفاقيات الإقليمية والدولية

كما يلحظ من التعريف الإجرائي بأن مفهوم الفساد شمل سلوك وتصرف الفرد سواء أكان يشغل وظيفة عامة أو خاصة. لذا، فإن سلوكيات وتصرفات العاملين في شركات وكيانات القطاع الخاص غير السليمة قانونيًّا أو أخلاقيًّا تنعكس بأضرار كبيرة على المصلحة العامة. لا، بل قد تكون هذه الأضرار ذات تأثير أكبر مقارنة بصور الفساد الناتجة عن سلوك وتصرف منحرف لموظف القطاع العام. ولأهمية دور القطاع الخاص في منظومة الوقاية من الفساد ومنعه ومكافحته عند وقوعه، فقد خصصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المادة رقم (12) للتدابير الوقائية المطلوبة من القطاع الخاص وذلك للمساهمة الفعالة في منع الفساد وتجنبه؛ إذ تضمنت الاتفاقية التدابير التالية(34):

  • تتخذ كل دولة طرف، وفقًا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، تدابير لمنع ضلوع القطاع الخاص في الفساد، ولتعزيز معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات في القطاع الخاص، وتفرض عند الاقتضاء عقوبات مدنية أو إدارية أو جنائية تكون فعَّالة ومتناسبة ورادعة على عدم الامتثال لهذه التدابير.
  • يجوز أن تتضمن التدابير الرامية إلى تحقيق هذه الغايات ما يلي:

    (أ) تعزيز التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون وكيانات القطاع الخاص ذات الصلة.

    (ب) العمل على وضع معايير وإجراءات تستهدف صون نزاهة كيانات القطاع الخاص ذات الصلة، بما في ذلك وضع مدونات قواعد سلوك من أجل قيام المنشآت التجارية وجميع المهن ذات الصلة بممارسة أنشطتها على وجه صحيح ومشرِّف وسليم ومنع تضارب المصالح، ومن أجل ترويج استخدام الممارسات التجارية الحسنة بين المنشآت التجارية وفي العلاقات التعاقدية بين تلك المنشآت والدولة.

    (ج) تعزيز الشفافية بين كيانات القطاع الخاص، بما في ذلك اتخاذ تدابير عند الاقتضاء بشأن هوية الشخصيات الاعتبارية والطبيعية الضالعة في إنشاء وإدارة الشركات.

    (د) منع إساءة استخدام الإجراءات التي تنظم نشاط كيانات القطاع الخاص، بما في ذلك الإجراءات المتعلقة بالإعانات والرخص التي تمنحها السلطات العمومية للأنشطة التجارية.

    (هـ) منع تضارب المصالح بفرض قيود، حسب الاقتضاء ولفترة زمنية معقولة، على ممارسة الموظفين العموميين السابقين أنشطة مهنية، أو على عمل الموظفين العموميين في القطاع الخاص بعد استقالتهم أو تقاعدهم، عندما تكون لتلك الأنشطة أو ذلك العمل صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أولئك الموظفون العموميون أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم.

    (و) ضمان أن تكون لدى منشآت القطاع الخاص، مع أخذ بنيتها وحجمها بعين الاعتبار، ضوابط كافية لمراجعة الحسابات داخليًّا تساعد على منع أفعال الفساد وكشفها وضمان أن تكون حسابات منشآت القطاع الخاص هذه وبياناتها المالية اللازمة خاضعة لإجراءات مراجعة حسابات وتصديق ملائمة.

  • بغية منع الفساد، تتخذ كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير، وفقًا لقوانينها الداخلية ولوائحها المتعلقة بمسك الدفاتر والسجلات، والكشف عن البيانات المالية، ومعايير المحاسبة ومراجعة الحسابات، لمنع القيام بالأفعال التالية بغرض ارتكاب أي من الأفعال المجرَّمة وفقًا لهذه الاتفاقية:

    (أ) إنشاء حسابات خارج الدفاتر.

    (ب) إجراء معاملات دون تدوينها في الدفاتر أو دون تبيينها بصورة وافية.

    (ج) تسجيل نفقات وهمية.

    (د) قيد التزامات مالية دون تبيين غرضها على الوجه الصحيح.

    (هـ) استخدام مستندات زائفة.

    (و) الإتلاف المتعمد لمستندات المحاسبة قبل الموعد الذي يفرضه القانون.

  • على كل دولة ألا تسمح باقتطاع النفقات التي تمثل رشاوى من الوعاء الضريبي، لأن الرشاوى هي من أركان الأفعال المجرَّمة وفقًا للمادتين 15 و16 من هذه الاتفاقية، وكذلك، عند الاقتضاء، سائر النفقات المتكبدة في تعزيز السلوك الفاسد.

وقد حذت الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد حذو الاتفاقية الأممية؛ إذ خصصت المادة العاشرة منها لتدابير الوقاية من الفساد ومكافحته. ولم تفرِّق الاتفاقية العربية في تطبيق التدابير المنصوص عليها بين القطاعين العام والخاص بالرغم من تخصيصها بعض التدابير بشكل أكثر شمولية للقطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام(35).

بالرغم من تضمين التدابير التي تم ذكرها فيما تقدم في الصكوك والاتفاقيات الإقليمية والدولية، إلا أن مشاركتنا في تطوير إستراتيجيات وسياسات لتعزيز النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومنع وقوعه (الإستراتيجية الوطنية لتعزيز النزاهة والشفافية لدولة قطر)، ومراجعة بعض الوثائق الإستراتيجية الأخرى (العراق، الكويت، المملكة العربية السعودية، المملكة الأردنية الهاشمية، على سبيل المثال لا الحصر) تشيران إلى الحقائق التالية:

  1. خلو الوثائق الإستراتيجية من جميع التدابير التي على القطاع الخاص تنفيذها لكي يكون له الدور الإستراتيجي المطلوب في تعزيز النزاهة والشفافية للوقاية من الفساد.
  2. عدم شمول جميع التدابير التي تم ذكرها بشأن القطاع الخاص في الوثائق الإستراتيجية وبالأخص ما يتعلق بتعزيز قيم وممارسات النزاهة والشفافية.
  3. تضمين التدابير المشار إليها في متون الوثائق الإستراتيجية بشأن تعزيز النزاهة والشفافية في القطاع الخاص كنصوص، ولكنها غير منفذة فعليًّا مما يعزز غياب القطاع الخاص عن الخارطة الإستراتيجية للوقاية من الفساد ومنع وقوعه ومكافحته في حالة وقوعه.

وتعزى أسباب وجود الحقائق أعلاه إلى عدم إشراك القطاع الخاص في تطوير سياسات وإستراتيجيات الوقاية من الفساد ومكافحته، أو عدم وجود امتثال من كيانات ومؤسسات وشركات القطاع الخاص لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من تدابير، أو/وسيطرة الطبقة السياسية على القطاع الخاص مما يجعل مبدأ المحاسبة للقطاع صعبًا أو مستحيلًا.

ثامنًا: الدور الإستراتيجي المقترح للقطاع الخاص في الوقاية من الفساد ومكافحته

لأغراض الوضوح والدقة في رسم الدور الإستراتيجي للقطاع الخاص بشأن تعزيز وسائل الوقاية من الفساد ومكافحته، لابد من إجابة السؤال التالي: ما الدور الذي يفترض أن يكون للقطاع الخاص للمشاركة في وضع ودعم غايات وأولويات الإستراتيجية الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته؟

 وللإجابة عن السؤال، لابد من التأكيد على ما يأتي:

 1- إن كيانات وشركات القطاع الخاص هي أعضاء في المجتمع الذي تُمارس أعمالها فيه، تؤثر فيه وتتأثر به.

2- توجد منظومة من القوانين والأنظمة واللوائح الوطنية التي تضبط سلوك كيانات وشركات القطاع الخاص.

3- إن غالبية كيانات وشركات القطاع الخاص تتعامل مع جهات القطاع العام كموردين ومجهزين للسلع والبضائع ومقدمي خدمة.

4- تعد كيانات وشركات القطاع الخاص شريكًا فاعلًا في أي جهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في أي بلد.

5- القطاع الخاص شريك أساسي للحكومات في مكافحة الفساد، ويلعب التزامه بالشفافية دورًا جوهريًّا في تحقيق أهداف مكافحة الفساد.

6- إن المعايير العالمية عالية الجودة للمحاسبة والتدقيق، وكذلك الأخلاقيات المهنية، لها دور مهم في دعم شفافية القطاع الخاص وبالتالي محاربة الفساد.

ولأهمية القطاع الخاص في الوقاية من الفساد ومكافحته فقد أبـدى مــؤتمر الــدول الأطــراف في اتفاقيــة الأمــم المتحــدة لمكافحــة الفســاد في دورتــه الخامسـة، الـتي عُقـدت في بنمـا مـن 25 إلى 29 نوفمبر/تشـرين الثـاني 2013، إدراكـًا واسـع النطاق لما للفساد من تأثير شديد على القطـاع الخـاص، ولمـا للقطـاع الخـاص مـن دور حيـوي في مكافحة الفساد. واعتمد المؤتمر القرار 5/6، المعنـون “القطـاع الخـاص”، وهـي المـرة الأولى التي يكون فيها القطاع الخاص موضع التركيز في قـرار منفصـل صـادر عـن المـؤتمر. وقـد حـثَّ القرار الدول الأطراف على اتخاذ تدابير وقائية؛ إذ شـجَّعها بشـدة علـى تعزيـز الـوعي في جميـع أوسـاط القطــاع بشــأن الحاجــة إلى إرســاء وتنفيـذ قواعــد أخلاقيــة مناهضــة للفســاد وبــرامج للامتثـال لهـا؛ وعلـى إشـراك أوسـاط الأعمـال التجاريـة في منـع الفسـاد؛ والعمـل علـى زيـادة الحوار والتعاون بين القطاعين العام والخاص في جهود مكافحة الفساد(36).

ولأهمية دور القطاع الخاص في الوقاية من الفساد ومكافحته وبالتالي تيسير تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية والبيئية المستدامة، فقد تبنَّت العديد من الدول مبادرات تستهدف بناء شراكة فاعلة بين القطاعين الخاص والعام، كما أنها تبنَّت الكثير من الإصلاحات الهيكلية الرامية لتعزيز تنافسية القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال والأنشطة التجارية، والتي شملت تذليل العقبات التي تعترض طريق القطاع الخاص وتحد من نموه وازدهاره.

فمن منطلق أهمية القطاع الخاص ودوره في التنمية المستدامة الذي أكدته خطة عام 2030 لأهداف التنمية المستدامة بما في ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، القضاء على الفقر (الهدف الأول)، والقضاء على الجوع (الهدف الثاني)، وتحسين الوضع الصحي (الهدف الثالث)، وتحسين جودة التعليم (الهدف الرابع)، والقضاء على عدم المساواة (الهدف الخامس)، ودعم الصناعة والابتكار (الهدف التاسع)، والعمل المناخي (الهدف الثالث عشر)، وتحقيق السلام والعدل والمؤسسات القوية (الهدف السادس عشر)، وعقد الشراكات (الهدف السابع عشر).

فقد راعت الدول، ضمن توجهاتها الإستراتيجية، أن تحصين القطاع الخاص بقيم ومعايير النزاهة والشفافية، سيعزز دوره في الوقاية من الفساد مهما كانت صوره وأشكاله، وبالتالي يعزز دوره في الإسهام الواضح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة(37).

وتجدر الإشارة هنا إلى أن إسهام القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في أي بلد يعتمد بشكل رئيس على وضع القطاع من حيث حجم المشروعات التي ينفذها ونسبة مشاركته في الاقتصاد، ومدى كفاءة وفاعلية برامج الشركة مع القطاع العام، وحجم الحرية الاقتصادية التي يمارسها. ونوع تأثير السياسات الاقتصادية الكلية على نشاط القطاع الخاص، ومدى جاذبية بيئة الأعمال. لذا، فإن المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص في التنمية المستدامة تستوجب وضع إستراتيجية ورؤية مستقبلية لدور القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهذا ما يقودنا إلى التأكيد على أن القطاع الخاص الذي يمارس أنشطة هامشية أو أنشطة إنتاجية صغيرة أو أنشطة غير مشروعة سوف يكون له تأثير سلبي، وكذلك على تحقيق أهداف التنمية المستدامة وعلى منظومة الوقاية من الفساد ومكافحته.

تاسعًا: التحول إلى تعزيز قيم ومعايير النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد

ولأغراض المناقشة الموضوعية لدور القطاع الخاص في تعزيز قيم النزاهة والشفافية وتعزيز الوقاية من الفساد ومنع وقوعه، فإن الأمر يتطلب مناقشة الموضوع بشمولية كافية. ولِسعة نطاق الموضوع، سيركز البحث الحالي على إجابة السؤالين التاليين:

أولًا: ما البرامج والمشاريع والأنشطة والفعاليات التي تطلب أي إستراتيجية وطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، في أي بلد، من القطاع الخاص المشاركة في وضعها، وتبنيها وتنفيذها؟

ثانيًا: ما دور مُتَّخِذ القرار في كيانات وشركات القطاع الخاص، في تبني المشاريع والأنشطة والفعاليات المطلوبة من القطاع الخاص ودعم تنفيذها؟

وقبل الإجابة عن السؤالين السالفين، لابد من تحديد خصائص القطاع الخاص، الذي يمكن أن يؤدي دورًا فاعلًا ومؤثرًا في الوقاية من الفساد ومنع وقوعه.

تؤكد المعايير والصكوك الدولية، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في هذا الموضوع، أن الوقاية من الفساد ومنع وقوعه في القطاع الخاص يتطلبان ما يلي:

  1. تعاونًا بين أجهزة إنفاذ القانون وكيانات وشركات القطاع الخاص ذات الصلة في كشف ومعالجة حالات الفساد.
  2. وجود معايير وإجراءات تستهدف صون نزاهة كيانات القطاع الخاص ذات الصلة، بما في ذلك وضع مدونات سلوك من أجل ضمان قيام كيانات وشركات القطاع الخاص بممارسة أنشطتها على وجه صحيح ومشرِّف وسليم ومنع تضارب المصالح، ومن أجل ترويج استخدام الممارسات التجارية الحسنة بين كيانات وشركات القطاع الخاص وفي العلاقات التعاقدية بين تلك الكيانات والشركات والدولة.
  3. الشفافية بين كيانات وشركات القطاع الخاص، بما في ذلك اتخاذ تدابير عند الاقتضاء بشأن هوية الشخصيات الاعتبارية والطبيعية الضالعة في إنشاء وإدارة كيانات وشركات القطاع الخاص.
  4. أن تكون لدى كيانات وشركات القطاع الخاص أنظمة رقابة داخلية فعَّالة.
  5. وجود نظم ولوائح وإجراءات محاسبية ومالية تتعلق بمسك الدفاتر والسجلات، والكشف عن البيانات المالية، ومعايير المحاسبة ومراجعة الحسابات، تستهدف منع الفساد في كيانات وشركات القطاع الخاص.
  6. أن تكون لدى كيانات وشركات القطاع الخاص إدارة إستراتيجية وإدارة تنفيذية تهتم بموضوع الوقاية من الفساد ومكافحته، وأن يكون لدى أعضائها الحد الأدنى من المعرفة والمهارات اللازمة، لتمكينهم من لعب دور فعَّال في الوقاية من الفساد.
  7. الإشراف المباشر على وضع وتنفيذ سياسات وإستراتيجيات الوقاية من الفساد ومكافحته.
  8. وضع وتنفيذ برامج تدريب سنوية تستهدف الإدارة التنفيذية ومتخذي القرار، وتتمحور موضوعاتها حول الرقابة الداخلية، والوقاية من الفساد ومنع وقوعه، والحوكمة، والنزاهة في التعاملات.

وللإجابة عن السؤال الأول..

تؤكد التجارب والدراسات الدولية التي تم تناولها في المحاور السابقة من البحث بأن الوضع الراهن للقطاع الخاص يشير إلى أن تطبيق مبادئ وقيم ومعايير النزاهة والشفافية والمساءلة في ممارسات كيانات وشركات القطاع الخاص، يتطلب التصرف طِبقًا لقواعد ومعايير السلوك الأخلاقي، وأن تتعامل هذه الكيانات والشركات مع موظفيها وعملائها وشركائها التجاريين بنزاهة، وتتقيَّد بالتزاماتها، وتضطلع بشؤونها بطريقة مسؤولة قانونيًّا واجتماعيًّا، وتشمل أيضًا أن يمارس القطاع الخاص الأعمال التجارية بطريقة تتجنب الممارسات الفاسدة، التي تُقوِّض عمل السوق وثقة المجتمع به، وتقع على عاتق الشركات مسؤولية قانونية، تكمن في اتباع القوانين في البلدان التي تعمل فيها.

وبالرغم من المبادرات والممارسات التي تم تنفيذها في بعض الدول، والتي استهدفت بناء شراكة فاعلة بين القطاع الخاص والقطاع العام، لزيادة مساهمة القطاع الخاص بدور أكبر في التنمية المستدامة، إلا أن مؤشرات الوضع الراهن في لدور القطاع الخاص في منظومة الوقاية من الفساد ومكافحته إقليميًّا ودوليًّا تشير إلى وجود حاجة لتدابير، تُعزِّز الإطار العام للنزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومنع وقوعه في هذا القطاع المهم.

ولتحديد دور القطاع الخاص الإستراتيجي في الوقاية من الفساد ومكافحته وتعزيز ذلك الدور فلابد من وجود إطار إستراتيجي يوضح أدوار القطاع الخاص في منظومة الوقاية من الفساد ومكافحته في أي بلد، كما لابد أن يتمثل هذا الإطار بإستراتيجية وطنية تستهدف الوصول إلى مجموعة من الغايات والنتائج. وتبرز في مقدمة هذه الغايات الغايتان التاليتان:   

الغاية الأولى: شراكة فاعلة بين القطاع الخاص والقطاع العام والمجتمع المدني لتعزيز النزاهة والشفافية. ولتحقيق تلك الغاية لابد من التركيز على الأهداف التالية:

  1. الهدف الأول: تعزيز التعاون والتنسيق بين القطاع الخاص والقطاع العام.
  2. الهدف الثاني: دعم كيانات القطاع الخاص بوسائل للإبلاغ عن انتهاكات النزاهة.
  3. الهدف الثالث: بناء قدرات الجهات ذات الصلة حول الكشف عن الجرائم، بما فيها غسل الأموال، والإبلاغ عنها.

الغاية الثانية: وجود معايير واضحة ومطبقة بفاعلية للنزاهة والشفافية في القطاع الخاص. تتمثل وسائل الوصول لهذه الغاية في الأهداف التالية:

  1. الهدف الأول: تطوير معايير وسياسات وإجراءات حوكمة الشركات والمسؤولية الاجتماعية في مؤسسات وشركات وكيانات القطاع الخاص.
  2. الهدف الثاني: وضع وتطبيق مدونات سلوك تعزز ثقافة رفض الفساد وتجنبه.
  3. الهدف الثاني: تعزيز النزاهة في القطاع الخاص.
  4. الهدف الثالث: تعزيز الشفافية في القطاع الخاص.
  5. الهدف الرابع: تطوير وسائل تضمن حفاظ كيانات القطاع الخاص على قدرٍ كافٍ من ضوابط التدقيق الداخلي وممارساته.

وللإجابة عن السؤال الثاني الذي يتعلق بدور مُتَّخِذ القرار في كيانات وشركات القطاع الخاص، في تبني المشاريع والأنشطة والفعاليات المطلوبة من القطاع الخاص ودعم تنفيذها، فإنه لتمكين مُتَّخِذ القرار من القيام بهذه الواجبات، لابد في البداية من التأكيد على أهمية توافر الفهم الكافي والمهارات اللازمة ذات الصِّلة المباشرة بأفضل السبل للوقاية من الفساد، هذا بالإضافة إلى توافر الفهم الكافي حول تكلفة الفساد على كافة الأطراف بما في ذلك الكيان أو الشركة والمجتمع، فمن العبث توقع قيام مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية في أي شركة أو كيان في القطاع الخاص بما تم ذِكره أعلاه إذا لم تتوافر لديهم القناعة الحقيقية بمحاربة الفساد.

تتمثل البداية الفعلية للوقاية من الفساد في اختيار الوسائل التي يمكن أن تنمِّي ثقافة ذاتية وثقافة مؤسسية تبني حصانة ذاتية ومؤسسية تحفز الفرد وتقوده إلى سلوك وظيفي وأخلاقيات عمل ترفض الفساد بكافة صوره وأشكاله، وهذا بالضرورة يبدأ بالتفكير في السُّبُل الإبداعية للوقاية من هذه الآفة الخطيرة، عند ذلك سيجد مُتَّخِذ القرار أن ما لا يمكن قياسه لا يمكن أبدًا إدارته، وعندها أيضًا يتم الربط المباشر بين سياسات الوقاية من الفساد والتخطيط الإستراتيجي، ليتم التحول بعد ذلك إلى بناء بيئة داخلية عِمادها القيادة الإدارية النموذجية والموظف المؤهل والمدرب والذي يُلِمُّ تمامًا بدوره في الوقاية من الفساد واكتشافه.

ويجب التأكيد هنا أنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، فما يصلح في هذه الشركة أو ذلك الكيان ليس بالضرورة أن يصلح في شركة أو كيان آخر.

 

الاستنتاجات

مما تقدم عرضه ومناقشته يمكن تأكيد الاستنتاجات التالية:

  1. إن مفهوم الفساد في القطاع الخاص يتجاوز البعد الوحيد القانوني أو القيمي أو الاقتصادي كونه متجذرًا في بنية وهيكل القطاع بكافة كياناته ومؤسساته وشركاته.
  2. غياب الدور الإستراتيجي للقطاع الخاص في تعزيز قيم النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومنع وقوعه يجهض جميع جهود الأطراف الأخرى في منظومة الوقاية من الفساد ومكافحته، وبالأخص في الدول التي يشكِّل فيها القطاع الخاص النسبة الأعلى في ممارسة الأنشطة الاقتصادية.
  3. من الصعب جدًّا حصر مظهر واحد لحالات الفساد في القطاع الخاص وذلك لكون كل حالة من حالات الفساد تتضمن أبعادًا قانونية واجتماعية واقتصادية وبذلك تشكِّل بنية فساد متجذرة في بنية القطاع الخاص ومؤسساته تُعزى إلى ضعف الأنظمة القانونية التي تحكم نشاط القطاع الخاص، وتراجع القيم الاجتماعية التي تنظم السلوك وأخلاقيات العمل في القطاع الخاص، وشيوع مبدأ الكشب غير المشروع، وغياب قوانين تضارب المصالح. كما أن الفساد في القطاع الخاص قد يمتد من الشركة أو الكيان الخاص إلى القطاع بأكمله.
  4. عدم وجود برامج شراكة فاعلة بين القطاع الخاص ومكونات منظومة الوقاية من الفساد ومكافحته الأخرى شاملًا القطاع العام ومنظمات المجتمع المدني يعرقل تنفيذ المشاريع والبرامج التي تستهدف تعزيز قيم النزاهة والشفافية للوقاية من الفساد ومنع وقوعه ومكافحته.
  5. نظرًا لكون الفساد في القطاع الخاص يمتد إلى بنية القطاع فإن جهود الوقاية منه ومنع وقوعه تتطلب معالجة بنيوية تبدأ من الأنظمة والقواعد والقوانين التي تؤطِّر نشاط القطاع الخاص وتمتد لتشمل السلوك وأخلاقيات العمل فيه.
  6. عدم تحفيز القطاع الخاص للمشاركة في تطوير وتنفيذ إستراتيجية وطنية شاملة لتعزيز النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومنع وقوعه ومكافحته يقود إلى معالجات مجتزأة للفساد، وبالأخص في الدول التي يشكل فيها القطاع الخاص نسبة عالية في ممارسة النشاط الاقتصادي.
  7. غياب ثقافة عدم غضِّ النظر عن حالات الفساد التي تقع داخل شركات القطاع الخاص وكياناته ومؤسساته، وبغض النظر عن حجم تأثيرها.
  8. عدم اتباع الوسائل التقنية المتقدمة لحفظ الوثائق مما يؤدي إلى التلاعب بها أو ضياعها.
  9. ضعف أنظمة الحوكمة والامتثال في كيانات القطاع الخاص مما يؤدي إلى التسيب وعدم اكتراث الموظفين بارتكاب المخالفات التي تتراكم تدريجيًّا لتصل إلى حالات فساد كبيرة.
  10. ضعف الأدوات الرقابية في كيانات القطاع الخاص وعدم وضوح المهام الأساسية لها والتهاون مع المقصرين والتستر عليهم مما يسبِّب تفشي حالات الفساد.

التوصيات

  • مشاركة القطاع الخاص في تطوير وتنفيذ سياسات وإستراتيجيات تهدف إلى تعزيز النزاهة والشفافية كوسائل للوقاية من الفساد ومنع وقوعه، ومتابعة التنفيذ بشكل منتظم ومستمر.
  • يتعين على الإدارات العليا في كيانات القطاع الخاص أن تعتمد وتوعِّي موظفيها بسياسة عدم التسامح مطلقًا مع الفساد وعن نوع السلوك الذي تتوقعه الشركة من موظفيها للوقاية من الفساد.
  • تعاون الإدارة العليا والموظفين والتنسيق بين جميع الجهات المعنية في الدولة في مكافحة الفساد وبذل الجهود الكبيرة والتكاتف لمنع وقوع الفساد والوقاية منه ومكافحته والقضاء عليه.
  • تفعيل عمل الرقابة الداخلية في كيانات ومؤسسات القطاع الخاص، ومساندة عمل هيئات مكافحة الفساد وتطبيق القانون للقضاء على التجاوزات غير السليمة.
  • بناء شراكات فاعلة بين القطاعين الخاص والعام، والتعاون مع المجتمع المدني لتنسيق وتنظيم جهود الوقاية من الفساد ومنع وقوعه ومكافحته في جميع القطاعات.
  • الدمج بين النهج السلوكي والقانوني للوقاية من الفساد ومكافحته، وبناء ثقافة مؤسسية رافضة للفساد في القطاع الخاص.
  • تطبيق أنظمة العمل الإلكترونية المتقدمة التي تمكِّن من اكتشاف السلبيات والانحرافات في العمل في كيانات القطاع الخاص.
  • بناء أنظمة امتثال فاعلة وتنفيذها بشكل فعلي ورصد النتائج ومعاقبة المقصِّرين.
  • العمل على عدم تحول وامتداد حالات الفساد من المستوى الفردي للعاملين في كيانات القطاع الخاص إلى هيكل القطاع ومؤسساته مما يجعل الفساد عقبة في طريق تقدم عملية التنمية على كافة الصعد، ويجعل جهود الوقاية من الفساد ومكافحته صعبة ومكلفة، إن لم تصبح مستحيلة.
  • التوعية المستمرة بمخاطر الفساد وعواقبه السلبية على القطاع الخاص وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.

 

خاتمة

يخلص البحث إلى أن الوقاية من الفساد ومنع وقوعه ومكافحته في حالة وقوعه مسؤولية جميع أطراف منظومة الوقاية من الفساد ومكافحته في أي بلد، وبالأخص القطاع الخاص. إذ يجب على هذا القطاع المهم واللاعب الأساسي في التنمية الشاملة في أي بلد أن يتحمل مسؤوليته في البحث وتطبيق أفضل وسائل الوقاية من الفساد بغضِّ النظر عن شكله أو مظهره أو بنيته، وأن يدعم جهود مؤسسات إنفاذ القانون في الكشف عن حالات الفساد في القطاع الخاص وتجريمها. ومثل هذا الدور لا يمكن أن يتحقق ما لم يتمثل بمشاركة فاعلة للقطاع الخاص في أي جهود ترمي إلى منع وقوع الفساد.

لذا، نؤكد دائمًا أنه على القطاع الخاص أدوار وواجبات للمشاركة الفاعلة في العمل المنهجي الفعَّال والمنظم والقابل للقياس والمحاسبة للوقاية من الفساد لأن الوقاية دائمًا خيرٌ من العلاج.

المراجع

(1) U.S.A Department of State, United States Strategy on Countering Corruption: Implementation Plan, Washington, D.C., 2021, pp. 1–40.

(2) الحواس كعبوش، “الفساد: قراءة نظرية في المفهوم والأبعاد”، مجلة مدارات سياسية، المجلد 1، العدد 1، يونيو/حزيران 2017، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر 3، الجزائر، ص ص 141–159. يُنظر أيضًا: شريهان ممدوح حسن، “جهود مكافحة الفساد الإداري والمالي في المملكة العربية السعودية: دراسة مقارنة”، المجلة القانونية، 2015، ص ص 1–30.

 (3) Samuel Kimeu, “Corruption as a challenge to global ethics: the role of Transparency International”, Journal of Global Ethics, Volume 10, Issue 2, 2014, pp. 231–237.

(4)  Melita Leousi, The evolution of the governance and anti-corruption policies of the international Monetary Fund: 1990–2018, University of Oxford, 2020, pp. 50–72. See also: Rhoda Weeks-Brown, “Anti-Corruption Work at the IMF”, Oxford Handbook of the International Monetary Fund, Oxford University Press, October 2024, pp. 441–464.

  (5) Elizabeth Harrison, “Corruption”, Development in Practice, Volume 17, Issue 4–5, 2007, pp. 672–678. (Viewed on 4/13/2025): https://doi.org/10.1080/09614520701469971

(6) سحر محمد أنور، “أثر فاعلية الأساليب الحديثة في مكافحة الفساد الإداري والمالي”، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، المجلد 31، العدد 4، ص ص 565–602.

يُنظر أيضًا:

مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، التعليم من أجل العدالة: سلسلة الوحدات الجامعية: مكافحة الفساد، الوحدة التعليمية الخامسة: أشكال ومظاهر الفساد في القطاع الخاص، UNODC, The Doha Declaration: Promoting A Culture of Lawfulness, 2020. (Viewed on 4/10/2025): https://grace.unodc.org/grace/uploads/documents/academics/Anti-Corruption_Module_5_Private_Sector_Corruption.pdf

(7)  Daphne Athanasouli and Goujard Antoian, “Corruption and Management Practices: Firm-Level Evidence”, Journal of Comparative Economics, Elsevier, Vol. 43, Issue 4, November 2015, pp. 825–1150.

(8)  Laurynas Pakstaitis, “Private Sector Corruption: Realities, Difficulties of Comprehension, Causes and Perspectives. The Lithuanian Approach”, Crime, Law and Social Change, Volume 72, 2019, pp. 227–247.

 (9)  Krista Lee-Jones, Regulating Private Sector Corruption, Transparency International, Berlin, 2018. (Viewed on 4/10/2025): https://knowledgehub.transparency.org/assets/uploads/helpdesk/Regulating-private-to-private-corruption_2018.pdf

(10)  Jan Hanousek and Anna Kochanova, Bribery Environment and Firm Performance: Evidence from Central and Eastern European Countries, CEPR Discussion Papers, no. 10499, London: Center for Economic Policy Research, 2015, pp. 28–32.

(11)  Jie Bai et al., “Firm Growth and Corruption: Empirical Evidence from Vietnam”, The Economic Journal, Vol. 129, Issue 618, 2017, pp. 651–677.

(12)  International Anti-Corruption Resources Center, Guide to Combating Corruption and Fraud in Development Projects, Washington, 2023. (Viewed on 4/10/2025): https://iacrc.org/resources/. See also:

– Raymond Fisman and Jakob Svensson, “Are Corruption and Taxation Really Harmful to Growth? Firm-Level Evidence”, Journal of Development Economics, Vol. 83, Issue 1, May 2007, pp. 63–75.

– Lars Johannsen et al., Private-to-Private Corruption: A Survey on Danish and Estonian Business Environment, Aarhus University, Tartu University, and the Ministry of Justice of Estonia, 2016, pp. 6–10.

(13)  Alison Taylor, “What Do Corrupt Firms Have in Common? Red Flags of Corruption in Organizational Culture”, Center for the Advancement of Public Integrity, Columbia Law School, 2016. (Viewed on 15/4/2025): https://scholarship.law.columbia.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1076&context=public_integrity

 (14) Lars Johannsen, Ibid., p. 8. See also: Laurynas Pakstaitis, “Private Sector Corruption…”, Crime, Law and Social Change, 2019, pp. 1–21.

(15)  Mari-Liis Sööt et al., “Private-to-Private Corruption: Taking Business Managers’ Risk Assessment Seriously When Choosing Anti-Corruption Measures”, OECD Integrity Forum, Paris, 2016, pp. 3–4.

(16)  PricewaterhouseCoopers, Global Economic Crime and Fraud Survey. (Viewed on 15/4/2025): https://www.pwc.com/gx/en/services/forensics/economic-crime-survey.html

(17)  Ibid.

(18)  World Bank Group, Enterprise Survey. (Viewed on 15/4/2025): https://www.enterprisesurveys.org/en/data/exploretopics/corruption

(19)  United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC), An Anti-Corruption Ethics and Compliance Programme for Business: A Practical Guide, New York, 2013, p. 9. (Viewed on 15/4/2025): https://businessintegrity.unodc.org/bip/uploads/documents/resources/An_Anti-Corruption_Ethics_and_Compliance_Programme_for_Business-_A_Practical_Guide.pdf

(20)  Krista Lee-Jones, Regulating Private Sector Corruption, Op. cit.

(21)  World Bank Institute, Fighting Corruption through Collective Action: A Guide for Business, Washington, 2008. (Viewed on 15/4/2025): https://baselgovernance.org/sites/default/files/2019-02/fighting_corruption_through_collective_action-15.pdf

(22)  Jeffrey Boles, “The Two Faces of Bribery: International Corruption Pathways Meet Conflicting Legislative Regimes”, Michigan Journal of International Law, Vol. 35, Issue 4, 2014, pp. 674–713.

(23)  Krista Lee-Jones, Op. cit. See also: Marie Martini and Dieter Zinnbauer, Regulating Private-to-Private Corruption, Transparency International, Berlin, 2014.

 (24)  Krista Lee-Jones, Op. cit.

(25)  Elizabeth Acorn, The Power of Procurement in the Fight against Foreign Bribery, Paper presented at the OECD Integrity Forum, Paris, March 2016, pp. 15–25.

(26) The World Bank Office of Suspension and Debarment, Report on Functions, Data and Lessons Learned, 2015. (Viewed on 18/4/2025): https://documents.worldbank.org/pt/publication/documents-reports/documentdetail/153431468196176596/the-world-bank-office-of-suspension-and-debarment-report-on-functions-data-and-lessons-learned

(27)  John D. Sullivan, Andrew Wilson, and Anna Nadgrodkiewicz, The Role of Corporate Governance in Fighting Corruption, Deloitte, 2013, pp. 7–8. (Viewed on 18/4/2025): https://www.scribd.com/document/489811784/role-corporate-governance-sullivan-eng

(28) Davide Torsello, “Organizational Culture and Corruption”, in: Deborah Poff and Alex Michalos (eds.), Encyclopedia of Business and Professional Ethics, Springer, 2018, pp. 5–8.

 (29) Donald C. Langevoort, “Cultures of Compliance”, Georgetown Law Faculty Publications and Other Works, No. 1799, Georgetown University, 2017, pp. 1–5.

(30)  United Nations Office on Drugs and Crime (UNODC), Resource Guide on Good Practices in the Protection of Reporting Persons, Vienna, 2015, pp. 20–25.

(31) OECD, UNODC, and World Bank, Anti-Corruption Ethics and Compliance Handbook for Business, Paris, Washington, and Vienna, 2013, pp. 60–70. See also:

– UNODC, The United Nations Convention against Corruption: A Resource Guide on State Measures for Strengthening Corporate Integrity, Vienna, 2013. (Viewed on 15/4/2025): https://www.unodc.org/documents/corruption/Publications/2013/Resource_Guide_on_State_Measures_for_Strengthening_Corporate_Integrity.pdf

– World Bank Institute, Fighting Corruption through Collective Action: A Guide for Business, Washington, 2013. (Viewed on 15/4/2025): https://baselgovernance.org/sites/default/files/2019-02/fighting_corruption_through_collective_action-15.pdf

(32) OECD, Op. cit., pp. 60–70. See also:

– UNODC, Op. cit.

– World Bank Institute, Op. cit.

(33) Committee of Sponsoring Organizations of the Treadway Commission (COSO), Fraud Risk Management Guide, 2016, pp. 7–10.

(34) مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، الفصل الثاني (التدابير الوقائية)، المادة (12 القطاع الخاص).

(35) د. وسام نعمت إبراهيم السعدي، “الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد والتقارب التنظيمي مع اتفاقية الأمم المتحدة”، كلية الحقوق، جامعة الموصل، 2020، ص ص 8–15.

(36) Basil Institute on Governance, Engaging the Private Sector in Collective Action against Corruption: A Practical Guide for National Anti-Corruption Agencies, 2020.

(37) World Economic Forum, Report on The Private Sector as a Key to Fighting Corruption, 9th session of the Conference of State Parties to the United Nations Convention against Corruption, 13–17 December 2021, Sharm El-Sheikh, Egypt.

*  أ.د. خالد عبد الرحيم مطر الهيتي، أستاذ الإدارة الإستراتيجية والتخطيط الإستراتيجي- جامعة بغداد

Dr. Khaled Abdul Rahim Matar Al Hiti, Professor of Strategic Management and Strategic Planning, Baghdad University.