ملخص

لم تتسبب الحرب الروسية على أوكرانيا في التخفيف من نشاط موسكو الملحوظ في القارة الإفريقية، بل تنامت العلاقات بين الطرفين، واستفادت روسيا من ميراث طويل من الاستثمار السياسي والاقتصادي والعسكري في معظم الدول الإفريقية لتعزز حضورها في القارة.

وتناقش هذه الورقة نشأة وتطور العلاقات الروسية-الإفريقية، والأسباب الداعية إلى تنامي هذه العلاقات، والوسائل والأدوات التي استخدمتها روسيا في سبيل ذلك، ومدى استجابة الدول الإفريقية لتلك للمساعي الروسية، وكيف أثرت الحرب الروسية على أوكرانيا على العلاقات الروسية-الإفريقية، وانتهت إلى أن الحرب الروسية على أوكرانيا دفعت وستدفع أكثر باتجاه تمتين وتطوير العلاقات الروسية-الإفريقية، وتوسيع وتنويع مجالاتها.

الكلمات المفتاحية:

روسيا، إفريقيا، أوكرانيا، الحرب الروسية على أوكرانيا، العلاقات الروسية-الإفريقية

Abstract:

In a remarkable development, and contrary to what some analysts predicted after the outbreak of the Russian war on Ukraine, the Russian Foreign Ministry intensified its activities in the African space, and Russian-African relations grew.

_________________________________________________________

(*) د. سعيد ندا، دكتوراه العلوم السياسة، جامعة القاهرة.

Dr. Saied Nada, PhD in Political Science, Cairo University.

For this purpose, this study discussed the emergence and development of Russian-African relations, the reasons for the growth of these relations, the means and tools that Russia used for this, the extent to which African countries responded to those Russian efforts, and how the Russian war on Ukraine affected Russian-African relations, and ended I note that the Russian war on

ukraine has pushed and will push further towards strengthening and developing Russian-African relations, and expanding and diversifying their fields.

Keywords:

Russia, Africa, Ukraine, The Russian War against Ukraine, Russian-African Relations

المقدمة

في أعقاب استقلال الدول الإفريقية، انتهز الاتحاد السوفيتي مشاعر العداء المتأججة في نفوس الأفارقة، نخبًا وجماهيرَ، وتوغل في أرجاء القارة، لدرجة أن جل الدول الإفريقية انتهجت شكلًا ما من أشكال الاشتراكية بدرجات متفاوتة وبمسميات متعددة. وبعد انتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن العشرين، بدأت الدول الإفريقية في التحول عن الاشتراكية غربًا لتعم الرأسمالية بوجهيها، الاقتصادي والسياسي، كافة الدول الإفريقية، لدرجة أنه بنهاية العقد الأول من الألفية الثالثة كادت العلاقات الروسية-الإفريقية أن تتلاشي. ومن حينها بدأت الخارجية الروسية في مساعي العودة إلى الفضاء الإفريقي رويدًا رويدًا، مستغلة الفراغات التي أحدثها التجاهل الغربي المتعمد لإفريقيا.

بعدما بدا للبعض احتمال تورط روسيا في الحرب على أوكرانيا أوائل العام 2022، استشرفت بعض التحليلات والتقارير انكماش التوغل الروسي في إفريقيا، وعزت ذلك من ناحية أولى إلى انشغال “الكرملين” التام بالحرب مع أوكرانيا المدعومة كليًّا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غرب أوروبا من غير أعضاء الاتحاد الأوروبي، ومن ناحية ثانية إلى اضطرار “موسكو” لسحب عدد من خبرائها العسكريين، وقدر كبير من جنود القوات غير الرسمية التابعة لشركة “فاغنر” Wagner الروسية الأمنية، من مواقع وجودهم في إفريقيا لدعم الجيش الروسي في أوكرانيا.

بيد أن الواقع، وبخاصة في النصف الثاني من العام 2022، أسفر -على العكس من تلك التوقعات- عن تزايد ملحوظ في اهتمام الخارجية الروسية بإفريقيا؛ حيث وسَّعت وكثفت نشاطها على الساحة الإفريقية.

ومن هنا، تشتد الحاجة إلى تفسير هذا التطور غير المتوقع في العلاقات الروسية-الإفريقية بعد الحرب على أوكرانيا، وإلى استشراف مستقبل هذه العلاقات، وذلك من خلال الإجابة عن تساؤل مركزي يتعلق بتأثير الحرب الروسية على أوكرانيا على تنمية العلاقات الروسية-الإفريقية، وكذلك عن مستقبل هذه العلاقات بعد الحرب.

تطور العلاقات الروسية-الإفريقية

تنامت العلاقات السوفيتية-الإفريقية مع نشأة الدولة المستقلة في إفريقيا، حتى إن كثيرًا من الدول الإفريقية تبنَّت شكلًا من أشكال الاشتراكية، وقد أسهم الاستقطاب الأيديولوجي خلال الحرب الباردة بين الرأسمالية الغربية، وبين الاشتراكية الثورية السائدة شرقًا، فاختار كثير من الدول الإفريقية النهج الاشتراكي كل من منظوره، ووفقًا لرؤيته، متأثرًا بما كان معروفًا من الأهداف والغايات، والدعم السوفيتي الذي تلقته حركات التحرر الإفريقي قبل الاستقلال، والدول حديثة الاستقلال أيضًا، الى جانب المشاعر المعادية للاستعمار الأوروبي والتجارب القاسية التي خاضتها القارة معه.

لقد ظلت الذاكرة الشعبية والرسمية بعد الاستقلال في دول مثل الجزائر ودول جنوب القارة وغيرها تحتفظ بمواريث الدعم الذي تلقته حركات التحرر فيها من الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية، اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا، وهو ما عززه بالطبع المكانة السوفيتية في العالم في ذلك الوقت، وقد أثَّرت هذه العلاقة قبل مرحلة الاستقلال وبعده، في انتشار الأفكار والتنظيمات الاشتراكية في إفريقيا على النمط السوفيتي، وتبنِّيها نظمًا للحكم بعد الاستقلال، في معظم دول القارة باستثناء دول مثل المغرب وموريشيوس وسوازيلاند وجزر القمر ومدغشقر(1).

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد طبق القادة الأفارقة في بداية تأسيس دولهم نماذج مختلفة من المقاربات الاقتصادية الاشتراكية، فعلي سبيل المثال طبَّق “جوليوس نيريري” Julius Nyerere أيديولوجية “الأوجاما” Ujamaa في تنزانيا منذ الاستقلال كنموذج اقتصادي واجتماعي، عبَّر عنه بالإنجليزية بمصطلح family-hood وبالسواحلية بكلمة “الأوجاما” وتعنى جماعة تجمعها الروابط الأسرية(2).

ولا تعني معاداة كل ما هو استعماري عدم وجود استثناءات ظلت محتفظة ببعض الولاء للمستعمر السابق مثل “ليوبولد سيدار سنغور” Léopold Sédar Senghor، الرئيس المؤسِّس للسنغال، فعلي الرغم من تبنيه للاشتراكية الإفريقية “العلمية”، وعلي الرغم من اعتزازه بإفريقيته وزنوجته، إلا أنه لم يُخْفِ فرنسيته روحًا وثقافة، فقد كان محبًّا للغة الفرنسية منافحًا عنها ناشرًا لها في بلده؛ حيث قال: “أنا مزدوج الشخصية.. تكوينيًّا، وبيولوجيًّا، وثقافيًّا”(3).

وتبريرًا للتخلي عن النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغربية الاستعمارية، وتبني نماذج اشتراكية، ذهب كثير من القادة الأفارقة إلى أن القيم السائدة في المجتمعات التقليدية “القبلية” الإفريقية، أقرب ما تكون إلى القيم الاشتراكية، ولا تختلف أهداف المجتمع التقليدي كثيرًا عن أهداف المجتمع الاشتراكي، فالمجتمع التقليدي الإفريقي لا وجود فيه للطبقات الاجتماعية، ولا مجال فيه للمعارضة متى انعقدت المشاورات التي كان يجريها الزعماء القبليون، ومن هنا ارتأى هؤلاء القادة أن مرحلة بناء الدولة والهوية الوطنية تحتم إحياء هذا التراث الإفريقي التقليدي(4).

• مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة

على الرغم من هذا التقارب الكبير بين السوفيت والأفارقة إلا أن القراءة المتأنية للسياسة الخارجية السوفيتية تنبئ بوضوح عن أن الاهتمام السوفيتي بإفريقيا أخذ في التراجع في المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة بالتزامن مع الـ “بيريسترويكا” Perestroika التي تبنَّاها “ميخائيل جورباتشوف” Mikhail Gorbachev، حتى تلاشى إلى حدٍّ كبير انخراط السوفيت في القارة عند انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي(5).

تلقت روسيا الإرث السوفيتي مثقلًا بالمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان ذلك كفيلًا بأن يشغلها أو يغل يدها عن تطلعاتها الخارجية تجاه القارة الإفريقية، حتي باتت إفريقيا على هامش دوائر السياسة الخارجية الروسية ما تبقى من القرن العشرين في عهد الرئيس “بوريس يلتسين” Boris Yeltsin، واستمر الأمر على نفس المنوال في العهد الأول للرئيس “فلاديمير بوتين” Vladimir Putin حتى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ففي هذه المرحلة أغلقت روسيا تسع سفارات وأربعة مكاتب قنصلية، وكذلك خفضت الدول الإفريقية تمثيلها في روسيا، واختفت معظم البعثات والمراكز الثقافية في القارة، وكاد معهد الدراسات الإفريقية في الأكاديمية السوفيتية للعلوم أن يتوقف عن النشاط، وانخفض عدد الطلاب الأفارقة المقيمين في روسيا إلى حدٍّ كبير، وكان على من بقي منهم في كثير من الأحيان أن يواجهوا مناخًا مشحونًا بالكراهية والعداء والعنصرية(6).

وفي عام 2006، شرعت روسيا في استعادة الانخراط في الفضاء الإفريقي؛ حيث زار الرئيس الروسي “بوتين” في رئاسته الأولي الجزائر وجنوب إفريقيا والمغرب. بعدها وفي عام 2009، قام الرئيس “دميتري ميدفيديف” Dmitry Medvedev بجولة إفريقية زار فيها مصر ونيجيريا وناميبيا وأنغولا، وعلى إثر هذه الزيارات وضعت روسيا أقدامها مرة أخرى في إفريقيا عبر بوابة السلاح واستخراج البترول والغاز والتعدين والاتصالات والفضاء(7).

وخلال العقد الثاني من الألفية الثالثة، استطاعت روسيا مرة أخرى استغلال حالة الفراغ النسبي التي خلَّفها التجاهل الغربي المتعمد لأزمات وحاجات القارة، وبسطت يد التعاون فتلقفتها النخب والشعوب الإفريقية بتلهف واضح، بسبب الأزمات المتتابعة وحالة العوز التي وصل إليها الأفارقة، نتيجة لسياسات الإدارة بالأزمة Crisis Management، والإدارة بالحاجة Needs Management التي اتبعها الغرب مع القارة، في ظل الأحادية القطبية التي سادت النظام الدولي للعقدين الماضيين.

• مرحلة ما بعد الحرب على أوكرانيا

كشفت التطورات المتلاحقة في الفضاء الإفريقي مطلع العقد الثالث من الألفية الثالثة عن عمق التغلغل الروسي في القارة، فالوجود الروسي لم تعد تخطئه عينٌ مدَّ البصر في الفضاء الإفريقي شمالًا وشرقًا وجنوبًا وغربًا وفي الوسط، فلما اندلعت الحرب الروسية على أوكرانيا سادت توقعات بأن ينحسر هذا التمدد الروسي الجامح تحت ضغط الحرب ومتطلباتها التي تملي على روسيا، وفقًا للمجرى العادي للأمور، سحب خبرائها العسكريين وجنود ذراعها المسلحة غير الرسمية “فاغنر”، وتقليص إنفاقها الإفريقي.

بيد أن الذي حدث كان على العكس من ذلك، فعلى الرغم من وقوف الولايات المتحدة والغرب وراء أوكرانيا مساندة ودعمًا وإمدادًا، وعلى الرغم من تصاعد واشتداد الحرب، وعلى الرغم من العقوبات الغربية التي أثقلت كاهل الاقتصاد الروسي، إلا أن الخارجية الروسية زادت من نشاطها في الفضاء الإفريقي، وفي ذات الوقت زاد الاهتمام الإفريقي بتمتين علاقاته مع روسيا، وليس أدل على ذلك من مواقف الكثير من الدول الإفريقية من الحرب الروسية على أوكرانيا، في المحافل الدولية وبخاصة في الأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال ومن أصل 54 دولة إفريقية، صوَّتت 9 دول، في 7 أبريل/نيسان 2022، ضد قرار بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، وامتنعت 23 دولة عن التصويت، ولم تصوِّت 11 دولة (تغيبوا عن حضور الجلسة) وصوَّتت 11 دولة فقط لصالح القرار(8).

وتحقق العلاقات الروسية-الإفريقية مصالح مهمة لروسيا أصبحت مصالح حيوية بعد الحرب على أوكرانيا، وفي الوقت نفسه تحقق لبعض الدول الإفريقية فضلًا عن المصالح الكبرى مصالح حيوية بل ومصيرية أحيانًا.

أهداف ومصالح روسيا من علاقتها بالدول الإفريقية

تنوعت أهداف ومصالح السياسة الخارجية الروسية باتجاه إفريقيا، بل وتفاوتت كثافتها تبعًا لتطور التغييرات التي يراد ويخطط لها أن تحدث في النظام الدولي، فثمة أهداف ومصالح سياسية وأهداف ومصالح اقتصادية وأهداف ومصالح قومية.

– الدعم السياسي في المحافل الدولية

تستهدف الأنظمة الحاكمة في الدول عمومًا، والدول الكبرى بصفة خاصة، تمتين علاقاتها السياسية حول العالم، وهو ما يؤمِّن لها تأييدًا ودعمًا سياسيًّا في المحافل والمنظمات الإقليمية الدولية، فمثل هذا الدعم السياسي يزيد من قدرة الدولة على إمضاء إرادتها وفرض آرائها على المجتمع الدولي، فلولاه ما استطاعت الولايات المتحدة استصدار قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان United Nations Human Rights Council “UNHRC”؛ حيث استطاعت حشد التأييد للقرار بأغلبية 93 صوتًا، ورفض 21 صوتًا، وامتناع 58 دولة عن التصويت، على الرغم من أن روسيا حينما استشعرت عدم قدرتها حشد التأييد لصالحها أفادت بأنها انسحبت من المجلس وعلَّقت عضويتها بنفسها قبل التصويت، وأعلنت على لسان مندوبها أن هذا القرار غير مشروع، وفيه مساس بحقوق دولة عظمى، وبحقها في إدارة علاقاتها الدولية، وبأن مجموعة من الدول احتكرت هذا المجلس وتستخدمه لتحقيق أغراضها، على الرغم من تورطها في انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان(9).

أما على مستوى التنظيمات الإقليمية، فقد استطاع “مجلس الاتحاد الأوروبي” تعليق عضوية كل من روسيا وبيلاروسيا في “مجلس دول بحر البلطيق” Council of the Baltic Sea States، في الوقت الذي أخفقت واشنطن في إقناع الرئيس الإندونيسي، “جوكو ويدودو” Joko Widodo، بإخراج روسيا من “مجموعة العشرين” Group of Twenty “G20″، ودعا الرئيس الروسي “بوتين” لحضور القمة المقرر عقدها في “بالي” بإندونيسيا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، موجهًا الدعوة في الوقت نفسه للرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” Volodymyr Zelenskyy لحضور هذه القمة(10).

ومن المنظمات الدولية التي قد يظهر فيها أهمية الدعم السياسي الإفريقي لروسيا، “منظمة الأغذية والزراعة” “FAO” حيث تبذل أوكرانيا وداعموها جهودًا حثيثة لطرد روسيا من هذه المنظمة؛ الأمر الذي يؤكد مدى ثقل الكتلة التصويتية الإفريقية في محافل المنظمات الإقليمية والدولية.

– العوائد الاقتصادية

تعد إفريقيا وِجهة اقتصادية مزدوجة لكل الدول وبخاصة الدول الكبرى؛ فهي مصدر مهم للغذاء والمعادن والطاقة، كما أنها سوق كبيرة للمنتجات العالمية، فهي ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة بعد آسيا؛ حيث تبلغ مساحتها ما يقارب 30.2 مليون كيلومتر مربع، تغطي حوالي 6% من إجمالي مساحة الأرض، وتشغل حوالي 20.4% من إجمالي مساحة اليابسة، وتتوفر هذه المساحة الهائلة على أخصب أنواع التربة، وتشهد أكبر تنوع مناخي حول العالم، ويعمل بالزراعة أكثر من ثلثي سكانها البالغ تعدادهم حوالي 1.25 مليار نسمة بما يعادل سدس البشر تقريبًا بتقديرات عام 2016؛ ومن هنا أصبحت إفريقيا بإنتاجها الزراعي الوافر والمتنوع بمنزلة سلة غذاء العالم(11).

وتتوفر القارة على الكثير من الثروات الطبيعية الاستخراجية، وتعد بمنزلة منجم العالم، ففيها ثلث الاحتياطي العالمي من المعادن، وأكبر احتياطي من المعادن الثمينة مثل الذهب والماس والكوبالت والبلاتين، بخلاف المعادن الأخرى كالنحاس والبوكسيت والليثيوم، واليورانيوم، والكروم، وغيرها، ولديها 40% من الذهب العالمي ويتوافر بكثرة في جنوب إفريقيا، وزيمبابوي، وشرق السودان، والماس في بتسوانا والكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا وليسوتو، والنحاس في زامبيا، والسودان، والكونغو الديمقراطية، وتتوفر غينيا كوناكري على حوالي ثلث احتياطي العالم من البوكسيت، ويتوافر اليورانيوم في ناميبيا والنيجر وجنوب إفريقيا ومالاوي(12).

ويبلغ الاحتياطي الإفريقي من النفط حوالي 15% من احتياطي العالم، ويمتاز النفط الإفريقي بخصائص تفضيلية على المستوى العالمي؛ فهو من النوع الخفيف، سهل الاستخراج والتكرير، ويبلغ الاحتياطي الإفريقي من الغاز الطبيعي حوالي 13% من الاحتياطي العالمي ويتركز في نيجيريا والجزائر وليبيا ومصر وأنغولا، وتتوفر إفريقيا على ما يقارب 50% من الطاقة الكهرومائية في العالم، كما تمتلك أكبر مساحات العالم تعرضًا للطاقة الشمسية في الصحاري الإفريقية(13).

وعلى الرغم من الموارد الطبيعية الإفريقية الهائلة، إلا أن ما يتم إنتاجه منها يتم تصديره في الغالب إلى الخارج في صورته الأولية، وبنسبة تتخطي 62% من إجمالي الصادرات الإفريقية، هذا بخلاف أن الصناعات الإفريقية تعد الأقل تطورًا وجودة حول العالم، وهو ما يعنى اعتماد سكان إفريقيا الذين يمثلون حوالي سدس سكان العالم في تلبية احتياجاتهم غير المحدودة والمتنامية باستمرار من السلع والخدمات على استيرادها من الخارج(14).

وإذا وضعنا في الاعتبار أن الصناعات الإفريقية في مجال صناعة المعدات الثقيلة اللازمة لكافة القطاعات ضئيلة للغاية، وأن الصناعات ذات التكنولوجيا المتطورة سواء في القطاع الزراعي أو الصناعي أو الاستهلاكي أو الخدمي تكاد تكون منعدمة، لتصورنا كيف أصبحت إفريقيا أكبر سوق استيرادية في العالم في كل المجالات، بما في ذلك بعض السلع الغذائية كالقمح.

– تعزيز المكانة الدولية

لقد أصبح من المؤكد أن النظام الدولي لن يستمر على الأحادية القطبية التي سادت ما بين أوائل تسعينات القرن الماضي وأواسط العقد الأول من القرن الحالي، ولم يعد يخفى على أحد تلك الحرب الاقتصادية التي تدور رحاها بين القوى العالمية التقليدية، وقد دخلت القوى الإقليمية الجديدة ساحتها أيضًا، وفي مثل هذه البيئة الصراعية لن تعلو يد الدول إلا بتعزيز مكانتها في النظام الدولي، ولقد تأكد العالم من أن إفريقيا بما تملكه من موارد، وما تمثله من سوق مفتوحة، وما تحظى به من مواقع إستراتيجية على خارطة الجغرافيا السياسية العالمية، باتت بهذه الإمكانيات السبيل الأمثل لتعزيز المكانة الدولية، فأصبحت مطمعًا لكافة الدول تسعى إليها باستخدام كافة الوسائل والأدوات الناعمة والصلبة الممكنة.

تكثيف الحضور الروسي في الفضاء الإفريقي

في أواسط القرن الماضي ونتيجة للفراغ الناشئ عن جلاء الاستعمار التقليدي عن القارة، استخدمت موسكو نظرية “الإخلاء” Evacuation أو “ملء الفراغ” Filling the Void، مدخلًا رئيسيًّا لـ”التغلغل الأيديولوجي” Ideological Penetration في إفريقيا، وفي أوائل القرن الحالي ونتيجة للفراغ الناشئ عن عدم إشباع الغرب للحاجات الإفريقية المتنامية، عادت روسيا إلى استخدام نفس النظرية، مقاربة رئيسية لاستعادة وتنمية علاقاتها مع الدول الإفريقية مستخدمة عددًا من الأدوات والمقاربات غير الأيديولوجية التي تلقى قبولًا بل وإقبالًا من كثير من الدول الإفريقية.

1- الأدوات العسكرية

في ظل تصاعد الصراعات والأزمات الداخلية في إفريقيا، وانتشار الظواهر التي تقوض الاستقرار والأمن كالإرهاب والجريمة المنظمة، تنامى الطلب على السلاح والأمن بين دول القارة، وهو ما تنبهت له الخارجية الروسية واتخذته مدخلًا لاستعادة وتمتين علاقاتها بدول القارة. وترتكز الأدوات العسكرية الروسية على ركائز ثلاث في تلبية الطلب الإفريقي:

– التسليح

في عام 2015 وحده، وقَّعت روسيا اتفاقيات تعاون عسكري مع أكثر من 20 دولة إفريقية، وتستحوذ الأسلحة الروسية في الوقت الراهن على حوالي 50% من سوق السلاح في إفريقيا، بما يقارب 31% من صادرات السلاح الروسي. ويرجع لجوء الدول الإفريقية إلى الأسلحة الروسية إلى عدة عوامل أبرزها عامل التكلفة، نظرًا لعدم قدرة الكثير من هذه الدول على تحمل تكاليف الأسلحة الغربية باهظة الثمن(15).

– قطع الغيار

اعتمد كثير من الجيوش الإفريقية على الأسلحة الروسية الثقيلة والخفيفة منذ الحقبة السوفيتية، فضلًا عن الحقبة الروسية، فبخلاف الأسلحة الحديثة لا يزال جانب كبير من الأسلحة القديمة في الخدمة، وهو ما يعني زيادة الطلب على قطع الغيار الروسية.

– الخبراء العسكريون

إذا كان السلاح الروسي ينتشر في أرجاء القارة بهذه الكثافة، فلا شك أن هذا الكم الهائل من الأسلحة يحتاج إلى استقدام الكثير من الخبراء العسكريين الروس، سواء للتدريب على الأسلحة أو صيانتها، ومن جانب آخر فإن غالبية الجيوش الإفريقية قد أنهكتها أو مزقتها الحروب والصراعات المسلحة الداخلية، وهى في أمسِّ الحاجة إلى خدمات التطوير والتدريب والتخطيط، وباعتبار أن أكثر السلاح روسي فبالضرورة تشتد الحاجة إلى خبراء روس(16).

– القوات المسلحة غير الرسمية

تستخدم روسيا ذراعًا عسكرية غير رسمية، تتمثل في جيش كبير من المقاتلين العسكريين المرتزقة، من خلال شركة “مجموعة فاغنر” Wagner Group، وهي شركة أمنية خاصة وثيقة الصلة بوكالة الاستخبارات العسكرية الخارجية التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية GRU، وقد نشرت هذه القوات في مهام متعددة في بعض الدول الإفريقية(17).

2- الأدوات الاقتصادية

تأتي الأدوات الاقتصادية في المرتبة الثانية بعد الأدوات العسكرية، ضمن الأدوات التي تعتمد عليها روسيا في تمتين علاقاتها بإفريقيا، لأسباب عدة أهمها عدم قدرة الاقتصاد الروسي على اقتحام سوق التجارة الإفريقية الراسخة لزمن بعيد نسبيًّا مع الغرب ومع الصين، لاسيما مع دخول القوى الاقتصادية الصاعدة مثل الهند والبرازيل وتركيا على خط المنافسة، ومع ذلك فقد تطورت العلاقات التجارية بين روسيا وإفريقيا على النحو التالي:

جدول يبين تطور التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا خلال السنوات 2016-2021 من البضائع غير العسكرية والقيم بالمليار دولار

سنة 2021

سنة 2020 سنة 2019 سنة 2018 سنة 2017 سنة 2016

السنة البيان

1.339242 1.527491 1.740407 1.801464 1.720490 1.465034 واردات روسيا من البضائع الإفريقية
11.059405 8.962026 10.940657 12.192118 10.450664 8.383972 صادرات روسيا من البضائع إلى إفريقيا

المصدر: الجدول من إعداد الباحث استنادًا إلى إحصائيات مركز بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” United Nations Conference on Trade and Development “UNCTAD”، على موقعها الإلكتروني، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2022)، على الرابط:

https://unctadstat.unctad.org/wds/ReportFolders/reportFolders.aspx

– التبادل التجاري

تزايد التبادل التجاري من السلع غير العسكرية بين روسيا وإفريقيا في السنوات الست الأخيرة بدرجة كبيرة باستثناء السنتين الأخيرتين متأثرًا بتفشي جائحة “كوفيد-19″، وذلك بحسب إحصائيات مركز بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” “UNCTAD”، ويبين الجدول السابق مدى تطور التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا خلال السنوات 2016-2021 من البضائع غير العسكرية.

وبلغت الصادرات الروسية إلى إفريقيا عام 2019 حوالي 25 مليار دولار وهو ما صرَّح به الرئيس “بوتين”، كما صرَّح أيضًا في القمة الروسية الإفريقية الأخيرة بأن روسيا تتطلع إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري مع إفريقيا خلال السنوات الخمس القادمة(18).

ويعد القمح الروسي من أكبر وأهم السلع الغذائية تصديرًا إلى إفريقيا حيث تستورد إفريقيا حوالي ربع احتياجاتها من القمح من روسيا وحدها وبلغت واردات إفريقيا من القمح الروسي، عام 2020، حوالي 3.5 مليارات دولار غير أن هذه القيم قد تأثرت سلبيًّا بالحرب الروسية على أوكرانيا(19).

وتركز روسيا في علاقاتها مع الدول الإفريقية على تجارة الأسلحة والمعدات العسكرية؛ حيث تزايدت صادراتها العسكرية إلى إفريقيا بين عامي 2000-2019 من 7 مليارات إلى 15 مليار دولار(20).

– الاستثمار المباشر

اعتمدت روسيا في الآونة الأخيرة في مدِّ جسور التعاون مع إفريقيا على ضخ مليارات الدولارات في الاقتصادات الإفريقية في صور مشروعات استثمارية تقوم بها شركات عملاقة حكومية وخاصة، ويأتي في مقدمة الاهتمامات الروسية في إفريقيا، الاستثمار في مجالات استخراج البترول والغاز والتعدين والطاقة، والأبحاث الجيولوجية بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية، ومن أهم الشركات الروسية التي تستثمر في مجال البترول والغاز الطبيعي: “غاز بروم”، و”روزنفت”، و”لوك أويل”، و”تات نفت”، و”سترويترانس غاز”، وتقوم هيئات تابعة لمؤسسة الطاقة الذرية الروسية “روس آتوم” بمشروعات استخراج اليورانيوم، وتقوم شركة “روسال” الروسية بأغلب مشروعات التعدين في القارة(21).

3- الأدوات التكنولوجية

تمتلك روسيا تكنولوجيا متطورة في عدة مجالات، أهمها: الطاقة النووية، والتصنيع العسكري، وتكنولوجيا الفضاء، والأمن السيبراني، وتسعي روسيا جاهدة من خلال التكنولوجيا الحديثة لتلبية الطلب الإفريقي المتنامي في هذه المجالات، غير أن عوائق عديدة تواجه الطموح الروسي-الإفريقي أهمها قضية التمويل عالي التكلفة لمثل هذه المشروعات(22).

4- الأدوات الدبلوماسية

تمثل الأدوات الدبلوماسية الركيزة الأساسية في تمتين العلاقات بين الدول، والتي تنطلق منها وتستند إليها الأدوات الأخرى، ويعد التمثيل الدبلوماسي، والزيارات الثنائية رفيعة المستوى المتبادلة، ومؤتمرات القمة الجماعية من أهم الأدوات الدبلوماسية، وقد استخدمت روسيا هذه الأدوات بكثافة في سبيل تمتين علاقاتها بإفريقيا.

– التمثيل الدبلوماسي

تقيم روسيا علاقات دبلوماسية مع 44 دولة إفريقية من أصل 54 دولة مستقلة؛ حيث افتتحت روسيا 41 سفارة في العواصم الإفريقية، في الوقت الذي تستضيف فيه 42 سفارة إفريقية، بينما افتتحت روسيا 7 قنصليات في إفريقيا، واستضافت 9 قنصليات إفريقية، ولدولتين إفريقيتين سفارتان في أوروبا معتمدتان لدى روسيا(23)، وأوشكت روسيا على الحصول على عضوية الاتحاد الإفريقي، ففي أعمال الاتحاد البرلماني الإفريقي المنعقدة بزيمبابوي، في الفترة من 5-10 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تمت الموافقة بالإجماع على منح روسيا عضوية الاتحاد البرلماني الإفريقي بصفة مراقب، ولم يتبق إلا تقديم طلب رسمي من روسيا إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ليقوم بدراسة الطلب بناء على مبادئ وأهداف القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي(24).

– الزيارات الثنائية

على قلة الزيارات الخارجية للرئيس الروسي “بوتين” حظيت إفريقيا بعدة زيارات، ثلاث منها في عهده الأول في الرئاسة الروسية، وكانت في عام 2006، إلى الجزائر ثم جنوب إفريقيا ثم المغرب، وواحدة في عهده الثاني، وكانت في عام 2017، إلى مصر، فيما زار الكثير من الرؤساء الأفارقة موسكو، كما زارها الرئيس “ماكي سال” بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي(25). أما على المستوى الوزاري فقد تعددت الزيارات المتبادلة بين موسكو والعواصم الإفريقية، وكان أهمها -بعد 6 أشهر على اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا- جولة وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف”، نهاية يوليو/تموز 2022، والتي زار فيها أربع دول إفريقية، هي: مصر والكونغو وأوغندا وإثيوبيا(26).

– مؤتمرات القمة الجماعية

منذ عام 2018، بدأت الخارجية الروسية في الاستعداد لتفعيل دبلوماسية المؤتمرات، فدعت إلى عقد مؤتمر قمة ومنتدى اقتصادي يجمعان بصفة دورية القيادة الروسية بالقادة الأفارقة، من أجل التباحث حول قضايا الاهتمام والتعاون الاقتصادي، وقد عُقدت اجتماعات القمة الروسية-الإفريقية الأولى بالتزامن مع أعمال المنتدى الاقتصادي “الروسي- الإفريقي” الأول، في أكتوبر/تشرين الأول، عام 2019، في مدينة “سوتشي” الروسية، وترأَّس القمة الرئيسان، الروسي فلاديمير “بوتين” المضيف، والرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي في حينه، وحضر القمة عشرات من رؤساء الدول والحكومات والوزراء وكبار المسؤولين من 43 دولة إفريقية، وتنعقد النسخة الثانية للقمة والمؤتمر بالتزامن أيضًا في صيف 2023 بمدينة سان بطرسبرج الروسية(27).

5- الأدوات الثقافية والإعلامية

اكتسبت الأدوات الثقافية والإعلامية أهمية كبيرة في العلاقات الدولية، في ظل التطور الهائل في وسائل الاتصال ونشر المعلومات، وبخاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي اجتاحت العالم ووصلت إلى جل البشر، وبات تأثيرها سريعًا وشديدًا.

ففي المجال الثقافي، عادت روسيا إلى سابق عهدها من استضافة الطلاب الأفارقة للتعليم في جامعاتها بشروط ميسرة وبمنح كاملة أو جزئية، وفي ذات الوقت توسعت في نشر المراكز الثقافية في العواصم الإفريقية.

وفي مجال الإعلام التقليدي، توسعت روسيا في إطلاق محطات تليفزيونية فضائية ومواقع إخبارية بلغات أجنبية بعضها بلغات إفريقية محلية، فضلًا عن تدشين عدة مراكز بحثية روسية متخصصة في الشؤون الإفريقية أطلقت هي الأخرى مواقعها على شبكة المعلومات الدولية.

أما عن الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن روسيا تستخدمها، وبخاصة “فيسبوك” Facebook، و”تويتر” Twitter، في توجيه الرأي العام الإفريقي في الدول محل الاهتمام(28)ز

استجابة الدول الإفريقية للتقارب الروسي

استجابت عدة دول إفريقية بدرجات متفاوتة للتقارب الروسي، واللافت أن الاستجابة لم تقتصر على دول إقليم معين إنما جاءت من كل الأقاليم الإفريقية، وكأن الفراغات التي تركها التجاهل الغربي المتعمَّد للمطالب الإفريقية عمَّت أرجاء القارة. وقد أسهمت عدة أسباب في تقبل الدول الإفريقية لعودة وتمتين علاقاتها مع روسيا، بل وسعي بعضها إلى ذلك، ومن أهم هذه الأسباب:

– التعاون غير المشروط سياسيًّا

دأب الغرب على إلزام الدول الإفريقية بتحقيق حزم من المشروطيات، التي تكفل فرض القيم الغربية على المجتمعات الإفريقية على الأصعدة: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، فعلى الصعيد السياسي يشترط الغرب تبني المقاربة الديمقراطية، وتحقيق عناصرها ومعاييرها وفقًا للنموذج الغربي؛ كالتنافسية السياسية، والتعددية الحزبية، والانتخابات، وتداول السلطة، وكفالة واحترام حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وغير ذلك من القيم الديمقراطية، وعلى الصعيد الاقتصادي يشترط الغرب تبني المقاربة الرأسمالية بأدواتها وآلياتها المختلفة، وعلي الصعيد الثقافي يشترط الغرب نشر ثقافاته: كحرية المرأة والحرية الجنسية، والتحلل من جل القيم الدينية وبعض القيم المجتمعية، عن طريق ربط ذلك بكافة أشكال التعاون وبخاصة القروض والاستثمارات والمساعدات والمنح(29).

أخفقت هذه الشروط ولم تؤت ثمارها، سواء في مجال الإصلاح السياسي، أو في مجال التنمية سواء الاقتصادية أو المجتمعية، لعدة أسباب أبرزها قدرة الأنظمة الإفريقية الحاكمة على التحايل على هذه الشروط وتخطيها، فضلًا عن الانتقائية والازدواجية الغربية في المعايير، وغضِّ الطرف عن عدم تطبيقها إذا كان تطبيقها يصطدم بالمصالح الغربية، ومع ذلك تفضل الأنظمة الحاكمة الإفريقية عدم وجود هذه الشروط؛ لأن اشتراطها وتخطيها ولو شكليًّا، يكلفهم الكثير من الأموال، ويضع بعض القيود على سياساتهم(30).

ومن هنا، استغلت روسيا تفضيلات أولئك الحكام واتخذت التماهي مع رغباتهم مدخلًا ووسيلة لمد جسور التعاون معهم، واستعادة النفوذ الروسي في إفريقيا، وقد لاقى هذا المسلك الروسي استحسانًا وقبولًا في الأوساط السياسية الإفريقية، ووجدت الأنظمة وبخاصة الاستبدادية ضالتها في الحصول على الدعم الخارجي غير المشروط من حليف قوي له مكانته في النظام الدولي، ولديه بدائل لا بأس بها عند التخلص من السيطرة الغربية.

– تقديم عقود وعروض اقتصادية أكثر سخاء وأقل إجحافًا مما يقدمه الغرب

في ظل الاستعمار الغربي لإفريقيا احتكرت الشركات الغربية العملاقة الموارد الطبيعية الإفريقية، وكانت حينئذ تفرض شروطًا تعاقدية مجحفة تجعلها المستفيد الأكبر من عوائد استغلال هذه الموارد، ومع ولوج القوي الاقتصادية الشرقية الناشئة الأسواق الاستثمارية إبان مرحلة الحرب الباردة، بدأت مرحلة جديدة من التنافس الاستثماري الذي مكَّن الأفارقة من التخفف نسبيًّا من الشروط التعاقدية الغربية الجائرة، إلا أن انهيار الاتحاد السوفيتي أدى إلى خفوت هذه المنافسة وبخاصة في مرحلة الأحادية القطبية التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينات القرن العشرين.

ومع تواتر اكتشاف الموارد الطبيعية الهائلة في إفريقيا أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الجاري، ودخول النظام الدولي مخاضًا جديدًا يبشر بانتهاء مرحلة الأحادية القطبية، وتسارع الخطى الروسية على مسار العودة إلى الفضاء الإفريقي، اشتعلت المنافسة على الموارد الإفريقية؛ ما دفع الشركات الروسية إلى تقديم عروض استثمارية أكثر سخاء، وشروط تعاقدية أقل إجحافًا مما يقدمه الغرب، لاقتناص الفرص الاستثمارية الجديدة؛ وهو الأمر الذي يصب في نهاية المطاف في صالح الدول الإفريقية؛ إذ يعظِّم من عوائد مواردها الطبيعية.

– الدفع غير المحدود بالخبراء والقوات شبه العسكرية

يُحجم الغرب عن الدفع بالعنصر البشري لتلبية الطلب الإفريقي في المجال العسكري، سواء على مستوى الخبراء، أو على مستوى القوات العاملة، وهو ما يتضح جليًّا من ضآلة المشاركة الأوروبية في الحرب على الإرهاب في إقليم الساحل وغرب إفريقيا، وانسحاب وسحب القوات الفرنسية من مالي، وتقليص أعدادها وتحجيم مهامها في دول أخرى، وانسحاب القوات الأميركية من الصومال في عهد الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” Donald Trump، وعودتها بمقاربة محددة ومحدودة في عهد خلفه “جو بايدن” Joe Biden.

وفي المقابل، لا نجد أي تحفظات روسية على تلبية الطلب الإفريقي في المجال العسكري على مستوى الخبراء العسكريين النظاميين، أو القوات العسكرية العاملة غير النظامية من قوات “مجموعة فاغنر” السابق الإشارة إليها، وهو ما حدا بدول إفريقية عدة إلى طلب الدعم العسكري الروسي وبخاصة في مجال مكافحة التنظيمات الإرهابية وحفظ الأمن وحماية الأنظمة الحاكمة والمنشآت.

– فجوات الطلب في السوق الإفريقية

تسعى المقاربات الغربية في التعامل مع الدول الإفريقية، إلى خلق فجوات ممنهجة في الطلب الإفريقي على السلع والخدمات، من أجل التحكم في السوق الإفريقية، نتيجة الاحتكار الغربي لجل السلع والخدمات الإستراتيجية والحيوية، وهو ما يمكن اعتباره ضربًا من ضروب الإدارة بالحاجة.

وقد خلَّفت هذه المقاربة فراغات انتهزتها القوى الصاعدة وفي مقدمتها روسيا، واتخذتها مدخلًا لولوج السوق الإفريقية، وقد ساعدها في ذلك من ناحية أولى ما حققته مؤخرًا من تطور تكنولوجي ونمو اقتصادي، ومن ناحية ثانية ما شهده الفضاء الإفريقي من تنامي الرغبة في التخلص من السيطرة والاستحواذ الغربي، والتخفيف مما يفرضه من قيود وشروط ضاقت بها النخب والشعوب، وناءت بها ميزانيات الدول، وبخاصة في ظل تفاقم الأزمات العالمية الاقتصادية والصحية التي أثَّرت على أداء الحكومات، وأعجزت الكثير منها في دول الجنوب وفي مقدمتها الدول الإفريقية.

6- مظاهر الاستجابة

ولقد أدت هذه العوامل إلى تنامي الاستجابة الإفريقية للتقارب الروسي على نطاق واسع، ومن أهم مظاهر هذه الاستجابة التنوع والتوسع في مجالات التعاون والتي قد لا يتسع المقام لحصرها، لذا نكتفي برصد بعض الحالات في الأقاليم الإفريقية الخمسة.

– إقليم شمال إفريقيا

في الشمال الإفريقي، تعد الجزائر الحليف الدائم لروسيا الاتحادية؛ فالعلاقات التعاونية الوطيدة بيتهما امتدت دون انقطاع منذ الحقبة السوفيتية وحتى الآن، ولقد تطورت هذه العلاقات بصورة لافته منذ زيارة الرئيس “بوتين” للجزائر، عام 2006، حيث تمخضت عن عدة اتفاقيات كان أهمها شطب الديون الجزائرية بمقدار 4.7 مليارات دولار مقابل شراء الجزائر منتجات روسية بقيمة هذه الديون، ومن حينها يعمل الجانبان نحو الوصول بعلاقاتهما إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية.

وتتنوع مجالات التعاون الروسي-الجزائري، ويأتي في مقدمتها التعاون العسكري، يليه التعاون في مجالي الطاقة والاتصالات:

ففي المجال العسكري، يعتمد الجيش الجزائري بدرجة كبيرة على السلاح الروسي، ومن ثم فالحاجة إلى التعاون العسكري مع روسيا تعد ضرورة ملحَّة وبصورة مستدامة؛ ففي عام 2006 وعلى إثر اتفاقية شطب الديون الجزائرية اشترت الجزائر سلاحًا روسيًّا بقيمة 7.5 مليارات دولار، وتضمنت الصفقة: 36 مقاتلة حربية من طراز “ميج 29 س.م.ت”، و28 مقاتلة من طراز “سوخوي 30″، و14 طائرة تدريب قتالي من طراز “ياك 130″، و8 بطاريات دفاع جوي طراز “إس 300″، ومضادات دبابات طراز “ميتيس” و”كورنيت”، و 300 دبابة من طراز “تي 90″، وتحديث 36 مقاتلة طراز “ميج 29″، وتحديث 250 دبابة طراز تي 72، فضلًا عن صيانة القطع الحربية البحرية، فضلًا عن التدريب على هذه الأسلحة جميعًا(31).

وتُجري الجزائر مفاوضات مع روسيا حول إبرام اتفاقية إطارية بشأن الإمدادات العسكرية للسنوات العشر القادمة، وأنها سوف توقع عقدًا ضخمًا مع روسيا لتوريد أسلحة بقيمة تتراوح ما بين 12 و17 مليار دولار، وتفيد هذه المعلومات بأن الجزائر تسعى بموجب هذه الصفقة إلى الحصول على غواصات متطورة، وطائرات “سو-57″ و”سو-34” و”سو-30″، إضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي الجديدة، مثل “إس-400″، و”فايكنج”، و”أنتيي-4000″، وبهذه الصفقة تصبح الجزائر ثالث أكبر الدول شراء للسلاح الروسي، ويأتي ذلك بالتزامن مع الحديث عن زيادة الميزانية العسكرية الجزائرية لعام 2023 لتبلغ 22.6 مليار دولار، وهو ما سيجعلها الميزانية العسكرية الأكبر في إفريقيا(32).

ولا يقتصر التعاون العسكري بين الجزائر وروسيا على شراء السلاح، بل تطمح الجزائر إلى نقل تكنولوجيا التصنيع العسكري الروسية، وهو ما صرَّح به “فيكتور كوماردين”، نائب المدير العام لشركة “روس أوبورون إكسبورت” الروسية التي تدير صادرات الأسلحة الروسية عام 2011، على هامش انعقاد معرض “ماكس” MAKS للطيران في مدينة “زوكوفسكي” Zhukovsky الروسية(33).

وفي مجال الطاقة، هناك شراكة بين شركة “سوناطراك” الجزائرية (51%) وشركة “غاز بروم” الروسية (49%) في مجال تطوير موارد الغاز المكتشفة على مستوى حقول “غرد السايح” و”غرد السايح شمال” عبر 24 بئرًا جديدة، كما تم تدشين وحدة المعالجة لإنتاج الغاز الطبيعي، ومن المنتظر دخول هذا المشروع حيز الإنتاج خلال عام 2025(34).

وعلى جانب آخر، يرتبط البلدان بعدد من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، يجري الحديث في الآونة الأخيرة عن اعتزامهما بناء محطة نووية للاستخدامات السلمية في الجزائر(35).

أما في مجال النقل تقوم شركة “السكك الحديدية الروسية” Russian Railways ببناء شبكة جديدة من خطوط القطارات في الجزائر، وفي مجال الفضاء تعاون البلدان في إطلاق القمر الصناعي الجزائري “ألسات 1” AlSAT-1 من قاعدة “بلِستسك” Plesetsk الروسية(36).

– إقليم شرق إفريقيا

لطالما كان للاتحاد السوفيتي السابق نفوذ كبير في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا، غير أن هذا النفوذ سرعان ما تراجع في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، فسارعت الولايات المتحدة إلى ملء الفراغ وبناء تحالفاتها في هذه المنطقة الأكثر أهمية في إفريقيا فأخضعتها لسيطرتها، غير أن روسيا ما انفكت تراود قادة دول المنطقة، حتى حققت بعض التقارب معهم؛ ما أقلق الغرب وعدَّه كثير من كتَّابه اختراقًا روسيًّا لمنطقة كانت قد تحولت إلى منطقة نفوذ غربي، وتعد حالتا إثيوبيا والسودان أبرز حالات المنطقة.

ففي الحالة السودانية، ومذ زار الرئيس السابق، عمر البشير، موسكو، يجري التعاون بين البلدين على قدم وساق في عدة مجالات، في مقدمتها التعدين والتعاون العسكري، ففي مجال التعدين حصلت شركة “إم إنفست” M-INVEST الروسية على وصول تفضيلي إلى احتياطيات الذهب في السودان، وتم نشر أفراد من “فاغنر” في مواقع التنقيب عن الذهب، وفي المجال العسكري تم توقيع عدة اتفاقيات لشراء الأسلحة الروسية، والتدريب العسكري، وتبادل الخبرات، ودخول السفن الحربية إلى الموانئ، وتم توقيع اتفاق في عهد البشير يسمح للبحرية الروسية بإقامة قاعدة عسكرية في مدينة بورتسودان الإستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، تحتفظ بها موسكو لمدة 25 عامًا تتجدد تلقائيًّا لمدة 10 سنوات ما لم يعترض أي من الجانبين، غير أن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز التنفيذ، ولا تزال بعد سقوط البشير محل أخذ ورد في مناورة مكشوفة يقوم بها جنرالات السودان بين روسيا والولايات المتحدة(37).

وفي الحالة الإثيوبية، بذلت روسيا خلال العقد الماضي جهودًا كبيرة لتعزيز وجودها في إثيوبيا؛ حيث ألغت ديونًا على إثيوبيا تقدر بملايين الدولارات، ودعمتها في اجتماعات الأمم المتحدة في قضايا مثل سد النهضة والصراع في “تيغراي” Tigray، وفي أول فرصة لاحت نتيجة توتر العلاقة بين نظام “آبي أحمد” Abiy Ahmed الإثيوبي وواشنطن، أبرمت روسيا مع “آبي”، على هامش القمة الروسية-الإفريقية “سوتشي 2019″، عدة اتفاقات لتعزيز التعاون العسكري، وزيادة المبيعات العسكرية الروسية إلى “أديس أبابا”، التي تسلمت بموجبها منظومة الدفاع الصاروخي “بانتسير-إس1” Pantsir-S1، وذلك في إطار عملية شاملة تستهدف تحديث قدرة الجيش بالسلاح والمهارات والتكنولوجيا والمعارف، كما تم الاتفاق بين الطرفين على بناء محطة للطاقة النووية في إثيوبيا(38).

– إقليم وسط إفريقيا

تطمح روسيا إلى التوغل في إقليم وسط إفريقيا وإحياء علاقاتها التاريخية بعدد من دول الإقليم، فبعد أن وطدت علاقاتها مع إفريقيا الوسطي وأنغولا، توجهت نحو الكونغو برازفيل التي كانت ثاني محطات وزير الخارجية الروسي الإفريقية في يوليو/تموز الماضي.

ففي إفريقيا الوسطى، كان الفتور الفرنسي في تلبية طلب الرئيس “فوستان آرشانج تواديرا” برفع حظر استيراد السلاح عن بلاده وتزويدها بالأسلحة والمعدات العسكرية اللازمة لفرض الاستقرار وحماية المدنيين، سببًا في تمكين روسيا من ولوج هذا البلد، فقد اقترحت فرنسا إرسال 1400 بندقية من طراز (AK-47) استولت عليها البحرية الفرنسية أثناء عمليات مكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال، إلا أن روسيا استخدمت حق النقض في مجلس الأمن الدولي تجاه الفكرة الفرنسية بحجة أنه لا يمكن استخدام الأسلحة المصادرة أثناء عملية حظر الأسلحة وتوجيهها لأغراض أخرى، وعرضت موسكو بدلًا من ذلك التبرع بأسلحة خفيفة لجمهورية إفريقيا الوسطى، وهو الاقتراح الذي حظي بموافقة جميع أعضاء المجلس، وسرعان ما تحول التبرع الروسي المحدود بالأسلحة الخفيفة إلى وجود أمني فعال، تطور إلى سيطرة روسية كاملة على جميع المهام الأمنية المهمة في إفريقيا الوسطى بما في ذلك حراسة الرئيس “تواديرا” والقصر الرئاسي في العاصمة “بانجي” Bangî(39).

ومما يعكس حجم التغلغل الروسي في إفريقيا الوسطي تعيين “فاليري زاخاروف” Valery Zakharov ضابط المخابرات الروسي السابق، في منصب مستشار الأمن القومي للرئيس، وتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري، وافتتاح مكتب لتمثيل وزارة الدفاع الروسية في العاصمة “بانجي”، وسيطرة روسيا على مناطق واسعة تحتوي على مناجم للماس والذهب واليورانيوم، ويجري التباحث حاليًّا حول السماح لروسيا ببناء قاعدة عسكرية في إفريقيا الوسطي(40).

أما عن أنغولا، فقد أبرمت حكومتها مع روسيا عدة اتفاقيات لتوريد أسلحة ومعدات حربية بمبلغ مليار دولار، بما في ذلك توريد قطع غيار لأسلحة سوفيتية الصنع وتزويد الجيش الأنغولي بالأسلحة الخفيفة والذخائر والدبابات والمدافع ومروحيات “مى 17″، كما اتفق الجانبان على بناء معمل لصنع الذخائر في أنغولا بمساعدة الخبراء الروس، فضلًا عن توريد مقاتلات “سوخوي-30 كا” سابقة الخدمة في سلاح الجو الهندي، وبهذا تحولت أنغولا إلى أحد أهم شركاء روسيا في إفريقيا(41).

وبالنسبة للكونغو برازفيل، حيث يعمل بها عدة شركات مدنية روسية، وتستضيف خبراء عسكريين يتولون التدريب على استخدام وصيانة وإصلاح السلاح والعتاد الروسي في الجيش الكونغولي بما في ذلك المدرعات والمدفعية والمروحيات، فقد كانت ثاني محطات زيارة وزير الخارجية “لافروف” الإفريقية الأخيرة، وهي أول زيارة يقوم بها وزير خارجية روسي أو سوفيتي لـ “برازفيل”، وفيها التقى نظيره الكونغولي “جان كلود جاكوسو” Jean-Claude Gakosso، ورئيس البلاد “دينيس ساسو نجيسو” Denis Sassou Nguesso، وتباحثوا حول توسيع آفاق التعاون في المجالات العسكرية، بما في ذلك توريد أسلحة روسية جديدة للجيش الكونغولي، فضلًا عن المجالات الاقتصادية والتقنية والصحية(42).

– في الإقليم الجنوب إفريقي

تحتفظ روسيا بإرث تعاوني كبير، يستند إلى الدعم السوفيتي لحركات التحرر الوطنية والنضال ضد العنصرية في عدة دول، مثل جنوب إفريقيا، وموزمبيق، وزيمبابوي، وناميبيا، وتسعى روسيا لاستعادة مكانتها ونفوذها في هذا الإقليم عبر تمتين علاقاتها بهذه الدول.

كانت العلاقات التعاونية بين روسيا وجنوب إفريقيا تتركز على الأحزاب والحركات التحررية لكنها امتدت إلى المستوى الرسمي بعد رحيل نظام الفصل العنصري، وقد عبَّر “نيلسون مانديلا” Nelson Mandela عن امتنانه للروس خلال المؤتمر الوطني الأول لحزب “المؤتمر الوطني الإفريقي”، في يوليو/تموز 1991، بعد رفع الحظر عنه، حينما صرَّح قائلًا: “بدون دعمكم، لم نكن لنصل إلى ما وصلنا إليه الآن”، ومن بين رؤساء ما بعد الفصل العنصري كان قد تلقى “ثابو مبيكي” Thabo Mbeki و”جاكوب زوما” Jacob Zuma تدريبات عسكرية في مرحلة الفصل العنصري في الاتحاد السوفيتي، بينما صرَّح الرئيس الحالي “سيريل رامافوزا” Cyril Ramaphosa بشأن نتائج القمة الإفريقية-الروسية الأولى “سوتشي 2019” قائلًا إنها فاقت توقعاته، وشهد المنتدى الروسي-الإفريقي موجة ثانية من الدعم الروسي، ولكن هذه المرة موجهة نحو النمو الاقتصادي لإفريقيا(43)، ولم تعلن جنوب إفريقيا أية إدانة للحرب الروسية على أوكرانيا.

في مجال التجارة البينية، صدَّرت روسيا، عام 2020، ما قيمته 506 ملايين دولار إلى جنوب إفريقيا، وكانت المنتجات الرئيسية الأسلاك النحاسية (169 مليون دولار) والقمح (117 مليون دولار) والبترول الخام (42.3 مليون دولار)، وقد زادت صادرات روسيا إلى جنوب إفريقيا من 35.2 مليون دولار في عام 1995 إلى 506 ملايين دولار في عام 2020، بمعدل زيادة سنوي قدره 11.3٪، بينما صدَّرت جنوب إفريقيا، عام 2020، ما قيمته 587 مليون دولار إلى روسيا، وكانت المنتجات الرئيسية خام المنغنيز (135 مليون دولار) والحمضيات (127 مليون دولار) والتفاح والكمثرى (70.8 مليون دولار). وقد زادت صادرات جنوب إفريقيا إلى روسيا من 64.9 مليون دولار في عام 1995 إلى 587 مليون دولار في عام 2020، بمعدل زيادة سنوي قدره 9.21٪(44).

وفي مجال الاستثمار المباشر، تمتلك جنوب إفريقيا استثمارات تقدر بحوالي 77 مليار راند (حوالي 4.5 مليارات دولار) في روسيا، في حين تقدر الاستثمارات الروسية في جنوب إفريقيا بحوالي 23 مليار راند (حوالي 1.35 مليار دولار)(45).

أما في مجال الطاقة، فقد عرضت “موسكو” على “بريتوريا” Pretoria، في عام 2015، بناء وتشغيل ما يصل إلى ثماني محطات للطاقة النووية بتكلفة تصل إلى تريليون راند (حوالي 66 مليار دولار أميركي في حينه)، وقد مارست روسيا وإدارة رئيس جنوب إفريقيا “جاكوب زوما” ضغوطًا على حكومة جنوب إفريقيا للالتفاف على قوانين المشتريات وتمرير الصفقة، ووصلت هذه الضغوط إلى درجة إقالة وزير المالية الجنوب إفريقي آنذاك “نهلانهلا موسى نيني” Nhlanhla Musa Nene، إلا أن القضاء ألغى هذه الصفقة في أبريل/نيسان 2017(46).

– في إقليم الساحل وغرب إفريقيا

تسعى روسيا لأن تضع أقدامها على شواطئ الأطلسي، ولا سبيل لديها إلى تحقيق هذا الهدف إلا عبر دول الساحل وغرب إفريقيا، وقد تضافرت عدة عوامل على تيسير هذه المهمة على روسيا، في مقدمتها انكماش فرنسا في هذه المنطقة التي تعد منطقة نفوذ تقليدية لها، وفي ذات الوقت إحجام الولايات المتحدة عن تلبية الطلب الإفريقي المتزايد لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وبالجملة، إخفاق الغرب عمومًا في تلبية هذه المطالب الأمنية، واستعداد الروس غير المحدود لملء هذا الفراغ الكبير، وبالفعل وجدت هذه المساعي استجابة لدي بعض أنظمة المنطقة.

يرجع التعاون العسكري بين مالي وروسيا إلى الحقبة السوفيتية بعد الاستقلال عن فرنسا، عام 1960، في عهد الرئيس الأول “موديبو كيتا” Modibo Keïta وكان اشتراكي التوجه، أما في العصر الحالي فقد مرَّ عقد من الزمان أخفقت فيه فرنسا وحلفاؤها الغربيون منذ بداية التدخل العسكري، في عام 2013، في القضاء على متلازمة الإرهاب وعدم الاستقرار التي اجتاحت المجتمع في مالي؛ ما أثر سلبًا على الأداء الحكومي، فانتهى المطاف السياسي غير المستقر إلى انقلابين عسكريين متتاليين قادهما العقيد “آسمي جويتا”، عامي 2020 و2021، ليقود البلاد بحكومات انتقالية ناصبت فرنسا العداء علنًا(47).

وقد فتحت هذه التحولات السياسية في ظل الإخفاقات الفرنس-غربية المجال واسعًا للولوج الروسي الكثيف إلى مالي من المدخل العسكري والأمني، وقدمت روسيا دعمًا عسكريًّا لمالي يشمل تعزيز القدرات الاستطلاعية والهجومية بطائرات “L39” المقاتلة و”سوخوي 25″، للعمل جنبًا إلى جنب طائرات “سوبر توكانو” وطائرات أخرى مستخدمة بالفعل من قبل، بالإضافة إلى مروحيات هجومية من طراز “MI24P” وطائرات “MI 35″ و”MI24” تسلمها الجيش المالي مؤخرًا دون الكشف عن أي معلومات تتعلق بشروط الحصول على هذه المعدات، كما استقبلت مالي وبأعداد كبيرة من يصفهم المجلس العسكري بأنهم “مدربون” روس لدعم للجيش، فيم تتحدث كل التقارير الغربية عن وجود كثيف لمجموعة “فاغنر” العسكرية غير النظامية، وعن مشاركتها الجيش المالي عملياته العسكرية، بخلاف مهامها في مجال التدريب والتطوير، وحماية النظام وبعض المنشآت، وتؤكد هذه التقارير أن النشاط الروسي يستهدف التمهيد لدخول الشركات الروسية مجال التعدين والطاقة(48).

أما في غينيا كوناكري وبوركينا فاسو، فعلى الرغم من تشابه السياقات والتحولات السياسية في البلدين مع نظيرتها في مالي، إلا أن السلطات الانتقالية الحالية فيهما لم تصرح بتوجهها نحو موسكو علنًا، ولم تخفض مستوى علاقاتها مع باريس كما فعلت مالي، فلقد كانت علاقات البلدين مع الاتحاد السوفيتي جيدة في مرحلة ما بعد الاستقلال، ومن ثم كان تسليح الجيش في البلدين يعتمد بدرجة كبيرة على السلاح والعتاد السوفيتي، غير أن النشاط الفرنسي والانكماش الروسي في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، أدى إلى فتور العلاقات مع روسيا وحلول فرنسا محلها، واستمر الأمر كذلك حتى تفاقمت حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلدين، فانقلب عسكريون على السلطة المدنية، وبدأت في البلدين مرحلة انتقالية تلوح فيها توجهات شرقية باتجاه موسكو.

تشير التقديرات إلى أن احتياطيات غينيا كوناكري من “البوكسيت” Bauxite تصل إلى 25 مليار طن متري، وهو ما يقرب من نصف إجمالي احتياطي البوكسيت في العالم، كما تمتلك غينيا احتياطيات ضخمة من خام الحديد عالي الجودة يبلغ مجموعها 4 مليارات طن على الأقل تشمل رواسب معدنية مهمة أخرى، كما تمتلك رواسب كبيرة من اليورانيوم والماس والذهب، والنفط وكميات لا بأس بها من رواسب الأسمنت والنيكل والمنجنيز، وتقدر احتياطيات غينيا من الماس بحوالي 40 مليون قيراط، أما احتياطيات الذهب وإن لم تكن مقدرة إلا أن غينيا أنتجت في عام 2011 حوالي 16 طنًّا من الذهب، ويشجع على التعدين والتصنيع المتصل بهذه الموارد وفرة الأنهار التي تساعد على إنتاج الطاقة الكهرومائية(49).

ونظرًا لوفرة هذه الموارد، أولى “الكرملين” اهتمامًا بالغًا لمد جسور التعاون مع “كوناكري” Conakry وهو ما لاقى استجابة كبيرة تمثلت في منح “روسال” RUSAL، شركة الألومنيوم الروسية، امتياز إنتاج البوكسيت في ثلاثة من أكبر المناجم بما في ذلك مجمع تعدين “ديان ديان” Dian Dian في إقليم “بوكي” Boké شمال غرب البلاد وهو أكبر تجمع رواسب بوكسيت في العالم، وتستخدم “روسال” ما يقرب من 4000 من العمالة الغينية، وقد دعت هذه الاستثمارات الروسية الضخمة السلطات الانتقالية الجديدة إلى طمأنة موسكو على ضمان استمرار العقود القائمة، بل والانفتاح بشكل أوسع على مزيد من التعاون(50).

وفي بوركينا فاسو، تؤكد التقارير امتلاك هذا البلد قدرًا هائلًا من المعادن، مثل: الأنتيمون والبوكسيت والأسمنت والنحاس والذهب والرصاص والحجر الجيري والمنغنيز والرخام والنيكل والفوسفات والفضة والزنك، ويتصدر الذهب قطاع التعدين، حيث تحتل بوركينا فاسو المرتبة السادسة بين الدول المنتجة للذهب، والرابعة في المعادن غير الوقودية، على مستوى إفريقيا والشرق الأوسط(51).

وقد أبدت روسيا عبر بعض أذرعها غير الرسمية تأييدها الانقلاب العسكري البوركينابي الأخير، في محاولة لطرح نفسها بديلًا للإخفاق الفرنس-غربي، وهو ما لاقي استجابة خجولة من السلطات الانتقالية الجديدة؛ حيث صرَّح النقيب “إبراهيم تراوري” Ibrahim Traoré بأنه يريد العمل مع شركاء دوليين جدد للقضاء على الأنشطة الإرهابية التي نشطت في البلاد منذ عام 2015، لكنه لم يُسمِّ روسيا، وأشار إلى أنه منفتح أيضًا على العمل مع الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى تبدى استعدادها للمساعدة في تحسين الأمن في البلاد.

ولم تستجب فرنسا لطلب بوركينا فاسو تسليح قوات من المتطوعين في إطار التعبئة العامة التي أطلقتها الحكومة لمكافحة الإرهاب(52)، وقد يكون ذلك أيضًا من بين أسباب دفعت السلطات البوركينابية الجديدة لإحداث توازن في علاقاتها الخارجية بين الشرق.

كيف حفزت الحرب الروسية على أوكرانيا تنمية العلاقات الروسية-الإفريقية؟

على الرغم من أن التقارب المتبادل بين الروس والأفارقة كان قد بدأ مبكرًا مطلع الألفية الثالثة وأخذ في النمو تدريجيًّا، إلا أنه وبوضع التغييرات التي تجري على النظام الدولي في الاعتبار، يمكننا القول بأن الحرب الروسية على أوكرانيا حفزت الطرفين، الروسي والإفريقي، باتجاه تمتين علاقاتهما؛ فقد عَظَّمت من دور جُلِّ أسباب التقارب التقليدية السابق بيانها تفصيلًا، وأضافت أسبابًا جديدة أسهمت بدرجة كبيرة في توسيع قاعدة هذا التقارب وتسريع وتيرته، ومن أهم هذه الأسباب الجديدة:

– العقوبات الغربية على روسيا

على إثر اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما، مثل إنجلترا وكندا وأستراليا، إلى فرض عقوبات اقتصادية متنوعة وقاسية على المؤسسات والشركات الروسية، بما في ذلك البنك المركزي الروسي ومصارف أخرى، وشركة النفط الروسية الحكومية “روسنفت” وشركات أخرى، وقد لحقت العقوبات الأفراد الطبيعيين سواء كانوا من رجال الدولة، وفي مقدمتهم الرئيس “بوتين” ووزير الخارجية “لافروف”، أو من الأفراد الخواص المقربين من “بوتين” والدوائر السياسية والاقتصادية الحكومية، وقد رفضت بعض الدول فرض عقوبات على روسيا مثل صربيا والمكسيك والبرازيل، فيما اكتفت بعض الدول بعقوبات محدودة ضد روسيا مثل اليابان والصين وسنغافورة. وإزاء هذه العقوبات لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي فوقَّعت من جانبها عقوبات كبيرة على عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والنرويج وكندا وأستراليا، بما في ذلك فرض حظر كامل على الواردات الغذائية(53).

وقد كان لهذه العقوبات تأثيرات وانعكاسات سلبية بالغة على كافة قطاعات الاقتصاد الروسي، ما حدا بروسيا إلى البحث عن بديل يمكنه تعويض الخسائر الروسية بل وجني المزيد من العوائد، فكان البديل الإفريقي بمنزلة الفضاء الأمثل لهذا الغرض بما يمثله من مصدر لا ينضب من المنتجات الزراعية والخامات الأولية، وسوق متعطشة تستوعب كافة المنتجات الروسية وبخاصة السلاح والقمح والأسمدة الزراعية وغير ذلك مما تتميز به روسيا وفرة وجودة وسعرًا عن البديل الغربي، وهو ما أسهم بدرجة كبيرة في دفع الطرفين، الروسي والإفريقي، نحو توسيع وتسريع تقاربهما.

– هواجس الحرب الباردة وتوسيع هامش المناورة

كانت الحرب الروسية على أوكرانيا سببًا مباشرًا في استعادة هواجس الحرب الباردة السياسية والاقتصادية بين معسكر تتحالف فيه كل من روسيا والصين، ومعسكر غربي تتقدمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي(54)، وهو ما منح روسيا دافعًا قويًّا نحو الانفتاح أكثر على دول العالم، ومنح المزيد من التسهيلات التعاونية مع الجميع في كل المجالات، وبخاصة مع الدول الإفريقية. وقد دفع استعار التنافس الشرقي-الغربي الدول الإفريقية إلى توسيع وتسريع تقاربها وتعاونها مع روسيا، إما على سبيل الخيار أو البديل الأفضل، أو على سبيل المناورة لتقوية موقفها التفاوضي مع الغرب.

– الأزمة الاقتصادية العالمية

لا شك في أن الحرب الروسية على أوكرانيا لم تكن السبب الوحيد، أو حتى الرئيسي للأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم وكادت أن تعصف بالاقتصادات الهشة، فثمة أسباب كثيرة في مقدمتها جائحة “كوفيد-19″، غير أنه لا مراء في أن هذه الحرب أسهمت بدرجة كبيرة في إحداث أو تفاقم هذه الأزمة، فيكفي أنها أدت إلى زيادة تكلفة النقل الدولي والمحلي، وزيادة أسعار النفط، وزيادة الطلب على الغاز الطبيعي ومن ثم زيادة أسعاره، ونقص إنتاج بعض السلع الحيوية كالحبوب، وشح المعروض منها وبخاصة القمح، ومن ثم زيادة الطلب عليها وزيادة أسعارها(55).

وقد دعت هذه الأزمة المتفاقمة، وغير معلومة المدى، جميع الدول حول العالم، إلى البحث عن بدائل طويلة المدي يمكن الاعتماد عليها في سد الفجوات التي بدأت في الظهور، وبخاصة في سوق الغذاء والطاقة؛ الأمر الذي حفز التقارب والتعاون الروسي-الإفريقي بدرجة كبيرة بعد الحرب على أوكرانيا، باعتبار أن روسيا تعد ثالث أكبر منتج للقمح عالميًّا بعد الصين والهند(56)، وباعتبار أن إفريقيا تعد سلة غذاء العالم والمصدِّر الأكبر للمواد الخام الأولية في العالم.

خاتمــــة

إجابة عن تساؤلات هذه الدراسة، بما في ذلك استشراف مستقبل العلاقات الروسية-الإفريقية، نختم بمحورين:

أولًا: نتائج الدراسة

من خلال الرصد والتحليل السابقين لديناميات النشاط الروسي في الفضاء الإفريقي، وما قابلة من استجابة متزايدة من الطرف الإفريقي، في ظل التجاهل الغربي المتعمد للمطالب والحاجات الإفريقية، وفي ظل التداعيات التي تسببت فيها الحرب الروسية على أوكرانيا، يمكننا القول بأن أهم استنتاجات هذه الدراسة تتمثل في:

– أن إفريقيا بما تملكه من موارد هائلة وحاجات لا محدودة في كل المجالات، باتت في بؤرة اهتمام القوى الدولية والإقليمية، التقليدية والصاعدة، وأن التنافس الكامن على التقارب معها استحال إلى صراع نشط، نتيجة لمزاحمة القوى الدولية العائدة بقوة متمثلة في روسيا، والقوى الدولية الصاعدة متمثلة في الصين، والقوى الإقليمية الصاعدة متمثلة في تركيا والبرازيل والهند وإسرائيل وإيران وغيرها، مع الغرب في مناطق نفوذه التقليدية في كافة أرجاء القارة.

– أن هذا الصراع النشط منح الدول الإفريقية هامشًا كبيرًا للمناورة، بعد أن كانت القارة مقسمة إلى مناطق نفوذ محجوزة للقوى الغربية والمستعمر السابق، وهو ما يتيح لها تحقيق أقصى استفادة من مواردها.

– أن الغرب ونتيجة للأحادية القطبية التي سادت العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، وغياب المنافس القوي، وتقاسم مناطق النفوذ في إفريقيا، تحكم طويلًا في الفضاء الإفريقي عن طريق تصدير الأزمات للقارة وعدم تلبية طلبات دولها؛ ما أحدث فراغات استغلها الروس في العودة إلى المضمار الإفريقي.

– أن روسيا اتكأت على إرثها السوفيتي السابق في مد جسور التعاون مع الدول الإفريقية، ووجدت في ذلك تحقيقًا لطموحاتها القديمة، ومخرجًا لها من مأزق العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب حربها على أوكرانيا.

– أن التفاعلات الروسية في علاقاتها الخارجية ابتعدت عن النهج الأيديولوجي، وأصبحت تنطلق من قاعدة براغماتية بحتة، وغير محدودة، وغير مشروطة.

– أن السياقات التي تفشت في القارة الإفريقية (الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي)، ساعدت روسيا كثيرًا في الاعتماد على المدخل العسكري والأمني الذي يمنحها ميزة نسبية، وفرها لها انخفاض أسعار السلاح الروسي نسبيًّا عن السلاح الغربي، وسهولة استخدام العنصر العسكري البشري عبر الشركات الأمنية العسكرية غير النظامية.

– أن إفريقيا استجابت للتطلعات والمساعي الروسية ورحبت بها، بل ووجدت فيها ضالتها المتمثلة في الخلاص من السيطرة الغربية، وتلبيةً -ولو جزئيًّا- لطلباتها، وبخاصة في المجال العسكري والأمني والطاقة النووية الفضاء والتكنولوجيا، وهي المجالات المحاطة غربيًّا بشروط صارمة.

– أن الحرب الروسية على أوكرانيا بتأثيراتها وانعكاساتها السلبية المختلفة على كافة الأطراف، حفزت الطرفين، الروسي والإفريقي، باتجاه تمتين علاقاتهما معًا، والانفتاح على التعاون في كافة المجالات الممكنة، في محاولة جادة من جانب روسيا نحو تعزيز دورها ومكانتها في النظام الدولي، وفي ذات الوقت كسر الحصار والعزلة الدولية التي يسعى الغرب لفرضها عليها، ومحاولة جادة من جانب الدول الإفريقية نحو التخلص من الاحتكار والتحكم والاستلاب الاستعماري الغربي، وهو ما يعني أن العلاقات الروسية-الإفريقية لن تظل على حالها ولا وتيرتها التي كانت عليها قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا.

ثانيًا: مستقبل العلاقات الروسية-الإفريقية

في ضوء النتائج السابقة، وفي ظل الصراع الدولي المحموم والتغييرات المرتقبة في النظام الدولي، ووفقًا للنهج الذي سارت عليه روسيا في علاقاتها الإفريقية بعد حربها على أوكرانيا، يمكن استشراف مستقبل العلاقات الروسية-الإفريقية على النحو التالي:

– من المرجح أن تبادر روسيا إلى تسريع وتكثيف نشاطها في الفضاء الإفريقي رأسيًّا وأفقيًّا، مستخدمة كل الطرق والوسائل والأدوات، تحقيقًا لتطلعاتها نحو استعادة مركزها في النظام الدولي، ومكانتها في القارة الإفريقية.

– من المرجح أيضًا أن تتبنى روسيا إستراتيجية أكثر شمولًا بدلًا من التركيز على المدخل العسكري والأمني؛ ذلك بأن الطلب الإفريقي على الأمن وعلي الرغم من أهميته، لا يعدو أن يكون مرحلة انتقالية قصيرة أو متوسطة المدي يمكن تجاوزها، بعدها سوف ينتقل الطلب إلى المجالات الأكثر إلحاحًا وهي التكنولوجيا والتنمية والرفاه، وبخاصة في ظل وجود قيادات إفريقية جديدة شابة أكثر تأثرًا بمطالب الجماهير، وأكثر استجابة لها.

– من المؤكد أن الأفارقة لن يهدروا هذه الفرصة السانحة، وأنهم في سبيل تعظيم مواردهم وتحقيق أقصى استفادة منها، سيزيدون من تعاطيهم واستجابتهم للمساعي الروسية، كبديل للغرب في كثير من الأحيان، وعلى سبيل المناورة كورقة ضغط على الغرب في بعض الأحيان.

المراجع

( ) د. حورية توفيق مجاهد، “نظام الحزب الواحد في إفريقيا: نحو نظرية عامة”، في مجلة مصر المعاصرة (القاهرة: الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، مج 67، ع 365، 1976) ص ص 155-196.

(2) Julius K. Nyerere, “African Socalism: Ujamaa in Practice” in The Black Scholar (Boulder, Colorado: Paradigm Publishers Vol. 2, No. 6, February 1971) P. 7.

(3) د. ناصر أحمد سنة، “ليوبولد سيدار سنجور.. شاعرًا وسياسيًّا: جدلية المثقف والسلطة” في المجلة العربية، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 14 يوليو/تموز 2015)،(تاريخ الدخول: 8 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://www.arabicmagazine.net/arabic/ArticleDetails.aspx?id=4446

(4) Grace Olufolake O. Alofun, “African Socialism: A Critique” in IOSR Journal Of Humanities And Social Science (New York: International Organization of Scientific Research “IOSR”, Volume 19, Issue 8, Ver. VI, Aug. 2014), Pp. 69-71.

(5) Maxim Matusevich, “Russia in Africa: A Search for Continuity in a Post-Cold War Era”, in Insight Turkey (Ankara: SETA Foundation for Political, Economic and Social Research, Vol. 21, No. 1, Wınter 2019), Pp. 26-34.

(6) Ibid, Pp. 34-37.

(7) Idem.

(8) Tim Cocks, “Explainer: Why African Nations’ Support for UN Action on Russia/Ukraine is so Mixed”, on Reuters Website, Published at 13 April 2022, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 1:15 pm, at link:

https://www.reuters.com/world/why-african-nations-support-un-action-russiaukraine-is-so-mixed-2022-04-13/

(9) د. رجاء سليم، “الأزمة الروسية الأوكرانية: ملامح ومحددات”، (القاهرة: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، سلسلة بقلم خبير، رقم ٣١، 12 مايو/أيار 2022)، ص ص 4-11.

(10) المرجع نفسه.

(11) د. سماح خالد زهران، “إفريقيا: إمکانيات وتحديات”، في مصريقيا (القاهرة: كلية البنات للآداب والعلوم والتربية، جامعة عين شمس، المجلد 1، العدد 1، يناير/كانون الثاني 2021)، ص ص 1-5.

(12) المرجع نفسه.

(13) أحمد طاهر، “الغاز الإفريقي ومستقبل الطاقة في أوروبا”، في المجلة، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 22 أغسطس/آب 2022)،(تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:https://arb.majalla.com/node/249061

(14) د. غادة أنيس البياع، “التصنيع مسار إفريقيا البديل نحو التنمية”، في مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، المجلد 21، العدد 4، أكتوبر/تشرين الأول 2020، ص ص 7-38.

(15) د. هدى النعيمي، “مآلات متعددة: تأثير الحرب الأوكرانية في العلاقات الروسية-الإفريقية”، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 5 مايو/أيار 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

مآلات متعددة: تأثير الحرب الأوكرانية في العلاقات الروسية-الأفريقية

(16) Sergey Sukhankin, “Russian PMCs in Sub-Saharan Africa: mission (Im)possible?”, on Riddle Website, Published at 12 June 2020, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 1:45 pm, at link:

Russian PMCs in Sub-Saharan Africa: mission (im)possible?

(17) Christopher Faulkner, “Undermining Democracy and Exploiting Clients: The Wagner Group’s Nefarious Activities in Africa,” in CTC Sentinel (New York, Combating Terrorism Center, U.S. Military Academy, Volume 15, Issue 6, June 2022), Pp. 29-35.

(18) عبيد أميجن، “هل تدخل روسيا من باب التجارة في التنافس على إفريقيا؟” (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، تقرير، 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019)، ص ص 1-8.

(19) اقتصاد الشرق، “خطة بمليار دولار لتخليص إفريقيا من الاعتماد على القمح الروسي”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 16 مارس/آذار 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://www.asharqbusiness.com/article/35019

(20) شادي إبراهيم، “خريطة السلاح في إفريقيا: بين سياسات الاستعمار الجديد وتنافس القوى الكبرى”، (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، ورقة تحليلية، 12 سبتمبر/أيلول 2021) ص ص 1-7.

(21) أمره غركان آباي، “عبر الاستثمار.. روسيا تبحث عن موطئ قدم ثابتة في إفريقيا”، وكالة الأناضول، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2019)،(تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/2a3b77hm

(22) Gold Street Business, “Russia’s promise of building nuclear plants in Africa”, on Gold Street Business Website, Published at 7 Sep. 2021, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 2:00 pm, at link:

Russia’s promise of building nuclear plants in Africa

(23) البيانات من إعداد الباحث استنادًا إلى التمثيل الدبلوماسي الوارد على الموقع الإلكتروني “صفحات دبلوماسية”

Embassy Pages، (تاريخ النشر: 27 أبريل/نيسان 2023 دائم التحديث)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://www.embassypages.com/russia

(24) جريدة الجزائر الجديدة، “روسيا تنضم إلى الاتحاد البرلماني الإفريقي كعضو مراقب”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://www.eldjazaireldjadida.dz/روسيا-تنضم-إلى-الاتحاد-البرلماني-الإف/

(25) بوابة الأهرام، “السيسي: مصر كلها ترحب بزيارة بوتين.. والرئيس الروسي: أمامنا الكثير من المشروعات المشتركة”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 11 ديسمبر/كانون الأول 2017)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://gate.ahram.org.eg/News/1734592.aspx

– بوابة الوسط، “الرئيس السنغالي يؤكد لبوتين أن إفريقيا «ضحية» للنزاع في أوكرانيا”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 3 يونيو/حزيران 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

http://alwasat.ly/news/economy/361027

(26) الشافعي أبتدون،” جولة “لافروف” إلى إفريقيا: أبعادها الدولية وحساباتها الجيوسياسية”، أوراق تحليلية، منشورة على موقع مركز الجزيرة للدراسات، (تاريخ النشر: 16 أغسطس/آب 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/5435

(27) البوابة نيوز، “موسكو: القمة الروسية الإفريقية الثانية ستعطي دفعة جديدة للتعاون الاقتصادي”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://www.albawabhnews.com/4688895

(28) Jason Burke, “Facebook struggles as Russia steps up presence in unstable west Africa”, The Guardian Website, Published at 17 April 2022, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 2:35 pm, at link:

https://www.theguardian.com/world/2022/apr/17/facebook-struggles-as-russia-steps-up-presence-in-unstable-west-africa

– Mary Blankenship, Aloysius Uche Ordu, “Russia’s narratives about its invasion of Ukraine are lingering in Africa”, Brookings Institution Website, Published at 27 June 2022, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 2:40 pm, at link:

Russia’s narratives about its invasion of Ukraine are lingering in Africa

(29) د. عصام عبد الشافي، “بين المشروطية السياسية والحكم الراشد” (إسطنبول: المعهد المصري للدراسات السياسية والإستراتيجية، سلسلة دراسات سياسية، 3 ديسمبر/كانون الأول 2016)، ص ص 3-8.

(30) محمد سعدي، “الاتحاد الأوروبي والمشروطية الديمقراطية: اختبار ما بعد الربيع العربي”، سياسات عربية (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 36، يناير/كانون الثاني 2019)، ص ص 77-88.

(31) شريفة كلاع، “العلاقات الروسية الجزائرية: بين البعد الطاقوي والتعاون العسكري”، في مدارات سياسية (تبسة، الجزائر: مركز المدار المعرفي للأبحاث والدراسات، المجلد 1، العدد 1، يونيو/حزيران 2017)، ص ص 121-122.

(32) جريدة الشرق الأوسط، “الجزائر لتوقيع «عقد ضخم» مع روسيا لتوريد أسلحة متطورة”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/2ebnar9s

(33) شريفة كلاع، مرجع سبق ذكره، ص 122.

(34) روسيا اليوم، “”سوناطراك” الجزائرية تعلن إنجاز عمليات تنقيب لـ 24 بئرًا بالشراكة مع “غازبروم” الروسية”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 3 فبراير/شباط 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/mpksuprs

(35) وائل بن أحمد، “محطة للطاقة النووية بالجزائر.. هذا ما ستفعله روسيا لإبقاء الجزائر إلى جانبها”، منصة “أوراس” الرقمية، (تاريخ النشر: 3 ديسمبر/كانون الأول 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/mtwt4b3a

(36) جريدة الرياض، “سكك الحديد الروسية تفوز بعقد لإنشاء شبكة جديدة لخطوط القطارات في الجزائر”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 20 فبراير/شباط 2008)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://www.alriyadh.com/319330

– شريفة كلاع، مرجع سبق ذكره، ص 121.

(37) عبد القادر محمد علي، “القاعدة الروسية في السودان.. صراع القوى الكبرى وديناميات السياسة المحلي” (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، ورقة تحليلية، 16 يوليو/تموز 2021)، ص ص 2-7.

(38) محمد صالح عمر، “اتفاقية التعاون العسكري الروسي الإثيوبي.. ما المصالح التي تحققها لكلا الطرفين؟”، تقدير موقف، على موقع شبكة الجزيرة الاعلامية، (تاريخ النشر: 18 يوليو/تموز 2021)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:https://tinyurl.com/mm3yfkf4

(39) مركز الجزيرة للدراسات، “كيف ابتلعت روسيا إفريقيا الوسطى؟”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 25 مارس/آذار 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/2s49f3ya

(40) المصدر نفسه.

(41) اليوم السابع، “توجه روسي للانفتاح على دول جنوب الصحراء.. وأنغولا هي نقطة البداية”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 11 ديسمبر/كانون الأول 2013)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/44vrkrpn

((42) اليوم السابع، “لافروف: اهتمام متبادل لدى روسيا والكونغو لتطوير التعاون في المجال العسكري”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 25 يوليو/تموز 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/3a8utr87

(43) شمسان عوض التميمي، “روسيا وإفريقيا.. حرب باردة جديدة؟” (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، ورقة تحليلية، 12 سبتمبر/أيلول 2021)، ص 5.

(44) The Observatory of Economic Complexity Website, Russia/South Africa, Published at Jan. 2022, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 3:25 pm, at link:

https://oec.world/en/profile/bilateral-country/rus/partner/zaf

(45) Rebecca Davis, “Untangling the narrative web surrounding South Africa’s stance on the Russia-Ukraine conflict”, on Daily Maverick Website, Published at Jan 8 Mars 2022, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 3:30 pm, at link:

Untangling the narrative web surrounding South Africa’s stance on the Russia-Ukraine conflict

(46) Andrew S. Weiss, Eugene Rumer, “Nuclear Enrichment: Russia’s Ill-Fated Influence Campaign in South Africa”, on Website, Published at 16 Dec. 2019, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 3:35 pm, at link:

https://carnegieendowment.org/2019/12/16/nuclear-enrichment-russia-s-ill-fated-influence-campaign-in-south-africa-pub-80597

(47) Center for Security Analysis and Prevention “CSAP”, “How Russia is becoming a dominant player in Mali”, CSAP Website, Published at 4 June 2022, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 3:40 pm, at link:

How Russia is becoming a dominant player in Mali.

(48) محمد عبده حسنين، “روسيا تملأ الفراغ الفرنسي في مالي بتعزيز حضورها العسكري: الرئيسان الروسي والمالي يعربان عن ارتياحهما لمستوى العلاقات بين بلديهما”، جريدة الشرق الأوسط، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 11 أغسطس/آب 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:https://tinyurl.com/53m6u9xr

)49) Thierno Amadou Diallo, Beyond the Resource Curse: Mineral Resources and Development in Guinea-Conakry, Unpublished Master Thesis (Cambridge, Massachusetts, USA: Department of Urban Studies and Planning, Massachusetts Institute Of Technology), Pp. 46-57.

(50) Marième Soumaré, “Guinea-Russia: Moscow’s ties with Doumbouya”, on The Africa Report Website, Published at 22 February 2022, Last Visit at 28 Dec. 2022, at 3:50 pm, at link:

https://www.theafricareport.com/178750/guinea-russia-moscows-ties-with-doumbouya/

(51) Cliff D. Taylor, et. al., “Geology and Nonfuel Mineral Deposits of Africa and the Middle East” (Reston, Virginia: John W. Powell National Center, U.S. Geological Survey, U.S. Department of the Interior, Open-File Report 2005–1294-E, 2005), P. 140.

(52) مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، “فاجنر مجددًا: أهداف زيارة رئيس الوزراء البوركينابي السرية إلى روسيا”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 15 ديسمبر/ كانون الثاني 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/25r7uzx4

(53) اقتصاد الشرق مع بلومبرج، “إنفوغراف.. ما هي العقوبات الغربية على روسيا؟”، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 2 مارس/آذار 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/yksxtxwz

(54) شريفة كلاع، “الحرب الباردة الجديدة من خلال الصراع الاقتصادي الأميركي-الصيني: هل ستخلق الصين عالمًا متعدد الأقطاب؟”، في مجلة الدراسات القانونية والسياسية (الأغواط، الجزائر: جامعة عمار ثليجي، المجلد 8، العدد 1، يناير/كانون الثاني 2022) ص ص 102-131.

(55) الأمم المتحدة، منظمة الأغذية والزراعة، “موجز منظمة الأغذية والزراعة عن إمدادات الحبوب والطلب عليها”، الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 23 أبريل/ نيسان 2023)، (تاريخ الدخول: 23 أبريل/ نيسان 2023)، على الرابط:

https://www.fao.org/worldfoodsituation/csdb/ar/

(56) مصطفي ابراهيم، “أكبر 10 دول منتجة للقمح في العالم”، جريدة الرؤية، على الموقع الإلكتروني، (تاريخ النشر: 24 ديسمبر/كانون الأول 2022)، (تاريخ الدخول: 28 ديسمبر/كانون الأول 2022)، على الرابط:

https://tinyurl.com/yc5xnz2y