ملخص

انعقد في العاصمة القطرية، الدوحة، يومي 15 و16 فبراير/شباط 2025، منتدى الجزيرة السادس عشر تحت عنوان “من الحرب على غزة إلى التغيير في سوريا: الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة”، بمشاركة نخبة من السياسيين والخبراء والباحثين من بلدان مختلفة، وحضور جماهيري واسع. ناقشت جلسات المنتدى على مدار يومين أبرز التحولات الجيوسياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” والتحديات التي تواجه سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وما ترتب على هذه التطورات من تغييرات في موازين القوى الإقليمية.

يرصد هذا التقرير من زاوية “متابعات” أهم ما دار في المنتدى من أفكار وتداوله المشاركون من آراء.

الكلمات المفتاحية: منتدى الجزيرة السادس عشر، الشرق الأوسط، غزة، سوريا، المقاومة، إسرائيل

Abstract:

The 16th Al Jazeera Forum was held in Doha, Qatar on the 15th and 16th of February 2025, under the title, “From the War on Gaza to Change in Syria: Shifting Dynamics in the Middle East”. The event brought together a distinguished group of politicians, experts and researchers from various countries, alongside a broad public audience.

Over two days, the forum’s sessions discussed the most significant geopolitical shifts in the Middle East, particularly in light of the Israeli war on Gaza following Operation Tufan al-Aqsa and the challenges Syria faces after the fall of Bashar al-Assad’s regime. These developments have led to considerable changes in regional power dynamics.

This report, from the Follow-Ups section, highlights the key ideas and insights shared by participants during the forum.

Keywords: 16th Al Jazeera Forum, Middle East, Gaza, Syria, resistance, Israel.

 

 

بدأ المنتدى بكلمة افتتاحية من رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني، ركز فيها على دور الصحافة في نقل الحقيقة وتوعية الجمهور، وأكد أهمية التزام الصحفيين بمعايير المهنة، وبالأخص الموضوعية والتوازن، لتتحقق المصداقية التي هي رأس مال الصحفي. كما تطرق إلى التكلفة الباهظة التي تدفعها شبكة الجزيرة في تغطيتها للأحداث المهمة في الشرق الأوسط، وحرصها على استمرارية خطها التحريري الملتزم بميثاق شرف المهنة رغم إغلاق بعض مكاتبها وملاحقة صحفييها واستشهاد بعضهم وإصابة البعض الآخر.

بعد هذه الكلمة، تحدث نائب وزير العلاقات الدولية والتعاون بجمهورية جنوب إفريقيا، ألفين بوتس، في مداخلته عن تجربة جنوب إفريقيا في مناهضة نظام الفصل العنصري والتضحيات التي قدمتها في هذا المجال حتى نالت استقلالها، وقارن بين ما يعانيه الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال وما كان السود في بلاده يعانونه، وتطرق إلى مقاضاة بلاده لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، معتبرًا هذا الجهد محاولة لرفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، وإيقاف العدوان الذي يتعرض له.

الوضع في غزة والضفة: تحديات ما بعد الحرب

خصَّص المنتدى جلسته الأولى للوضع في غزة، ولاسيما التحديات التي تواجهها بعد الحرب. في كلمته، استعرض باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعضًا من تلك التحديات، خاصة على الصعيدين، السياسي والإنساني.

في الجانبين، السياسي والإنساني، أوضح نعيم أن الاحتلال الإسرائيلي يرفض الإعلان عن إيقاف الحرب والبدء في إعادة الإعمار ما دامت حماس في السلطة. ولحل هذه الإشكالية، أكد أن حماس ليست متمسكة بالسلطة ومستعدة للتنازل عنها إذا تم التوافق وطنيًّا على إدارة القطاع ضمن السياق الوطني العام.

أما فيما يتعلق بإعادة الإعمار، فأشار إلى أن جميع الدول التي تواصلت معها الحركة أكدت عدم استعدادها للانخراط في عملية الإعمار إلا بعد التوصل إلى وقف تام لإطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل. كما أوضح أن خطة الإعمار المقترحة تقودها مصر بالتنسيق مع قطر وعدة دول عربية وأوروبية، إضافة إلى منظمات أممية، وأن تكلفتها تُقدر بما بين 50 و70 مليار دولار، وأنه لا يُشترط في تنفيذها ترحيل السكان إلى خارج القطاع، كما دعا إلى ذلك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

ليست غزة وحدها التي تواجه تلك التحديات، بل الضفة الغربية أيضًا. في مداخلته، أشار هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، إلى أن الضفة الغربية تُعَد الضحية المنسية رغم كونها الهدف الأساسي للمشروع الصهيوني الذي يعتبرها “أرض الميعاد” أو “يهودا والسامرة”.

وأوضح أن مخططات تهويد الضفة كانت قائمة حتى قبل عملية “طوفان الأقصى”؛ حيث تضمَّن برنامج الحكومة الإسرائيلية الحالية مشروع ضم الضفة بالكامل، باعتباره فرصة تاريخية لحسم الصراع وليس فقط إدارته كما فعلت الحكومات السابقة. ولفت إلى أن الحرب الأخيرة سرَّعت من هذه المخططات، محوِّلة الضفة إلى سجون منفصلة تضم 900 حاجز و150 بوابة؛ مما جعل التنقل بين المدن أمرًا صعبًا وخطرًا؛ إذ قد يواجه الفلسطينيون الاعتقال أو الاعتداء من قبل المستوطنين.

كما أُشير إلى أن الاحتلال يسيطر أمنيًّا على أكثر من 60% من الضفة؛ مما أدى إلى منع قرابة 200 ألف عامل من العمل داخل إسرائيل، وارتفاع عدد المعتقلين إلى أكثر من 10 آلاف، بالإضافة إلى استشهاد أكثر من ألف فلسطيني وإصابة الآلاف، مما يؤكد أن تداعيات الحرب لم تقتصر على غزة وحدها.

أما رياض مشارقة، رئيس المجلس الاستشاري لتجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، فقد سلَّط الضوء على الكارثة الصحية التي خلَّفتها الحرب؛ حيث استشهد نحو 1200 طبيب وعامل صحي، فيما بلغت نسبة الأطفال والنساء قرابة 59% من بين 48 ألف شهيد، مع إصابة نحو 111 ألف شخص، بينهم أكثر من 21 ألف إصابة خطيرة.

وأكد أن الاحتلال دمَّر 212 منشأة طبية، منها 34 مستشفى خرجت من الخدمة بالكامل و191 مركبة إسعاف، مشيرًا إلى أن دراسة جديدة كشفت أن أعداد الشهداء قد تكون أعلى بنسبة 41% من الأرقام الرسمية؛ ما يعني أن العدد الفعلي يتراوح بين 55 و78 ألف شهيد حتى يونيو/حزيران 2024. كما أوضح أن الحرب التي استمرت 471 يومًا تسببت في كارثة صحية غير مسبوقة؛ مما يستدعي توفير إغاثة عاجلة وفتح ممرات آمنة تحت إشراف الأمم المتحدة لتشغيل المستشفيات وضمان عدم استهدافها مجددًا.

في ختام الجلسة، قدَّم الصحفي والباحث السياسي، توفيق شومان، قراءة نقدية لما وصفه بـ”إستراتيجية تصدير الأزمات” التي تنتهجها إدارة ترامب، مشيرًا إلى أن خطة تهجير سكان غزة التي تروج لها إسرائيل والإدارة الأميركية لا تعدو كونها محاولة مكشوفة للتنصل من استحقاقات إعادة الإعمار وإلقاء عبئها الثقيل على كاهل الدول العربية.

ورأى أن هذه الإستراتيجية لا تهدف فقط إلى تفادي الالتزامات الدولية تجاه غزة، بل تسعى أيضًا إلى خلق حالة من الاحتكاك والتوتر بين الفلسطينيين والدول العربية المضيفة؛ مما يعيد تشكيل المشهد السياسي الفلسطيني في إطار عربي داخلي بعيدًا عن سياقه الأصلي كقضية تحرر وطني.

العدالة الانتقالية في دول ما بعد الصراع: فرص وتحديات

حظي الوضع في سوريا باهتمام خاص من المنتدى، خاصة في ظل التغييرات الكبيرة التي شهدها هذا البلد في أعقاب تمكُّن ثورته الشعبية من خلع الرئيس بشار الأسد، منهيةً بذلك نظامَ حكمٍ امتد لأكثر من خمسين عامًا. تناولت الجلسة الثانية من المنتدى كيفية تحقيق العدالة الانتقالية كأحد التحديات التي تواجه سوريا خلال الفترة القادمة. شدَّد المشاركون في الجلسة على ضرورة الإسراع في جبر الضرر وتعويض الضحايا، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مع اتخاذ التدابير الكفيلة بعدم تكرارها، مؤكدين أن أحد الأهداف الأساسية للعدالة الانتقالية هو تحقيق المصالحة المجتمعية.

حذَّر المتحدثون كذلك من أن غياب بنية واضحة للعفو والصفح بعد المحاسبة قد يفضي بالمجتمع إلى الدخول في دوامة من الثأر والانتقام، مشددين على أهمية تعزيز ثقافة مجتمعية تقوم على أسس دينية وثقافية سليمة، وتعزز دعائم العيش المشترك بين جميع مكونات المجتمع.

أوصى المتحدثون بإنشاء هيئة مستقلة تضم شخصيات قضائية وحقوقية نزيهة، بالإضافة إلى ممثلين عن الضحايا، لضمان الشفافية والمصداقية في تحقيق العدالة الاجتماعية، مشيرين إلى أن نجاح العدالة الانتقالية مرهون بتحقيق سيادة القانون والتوافق الوطني الشامل.

في هذا السياق، استعرض وزير العدل وحقوق الإنسان الأسبق في المغرب، محمد أوجار، تجربة بلاده في العدالة الانتقالية، مشيرًا إلى أن جلسات الاستماع العمومية، التي نُظِّمت في مختلف الأقاليم والمدن والقرى المغربية، كانت إحدى أبرز محطاتها؛ حيث نُقلت مباشرة عبر التليفزيون؛ ما عزز الشفافية والمشاركة المجتمعية. ووصف أوجار التجربة المغربية بأنها من أنجح التجارب في الوطن العربي وإفريقيا، مؤكدًا أن السؤال الذي يطرح نفسه بعد أي تغيير سياسي أو ثورة هو: كيف يمكن معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتعويض الضحايا، مع ضمان عدم تكرارها؟

وأشار إلى أنه رغم عدم وجود نموذج موحد للعدالة الانتقالية، فإن التجارب الناجحة تشترك في قيم وأفكار عامة، لافتًا إلى أن دولًا مثل إسبانيا والبرتغال واليونان، اختارت طي صفحة الماضي دون اللجوء إلى العدالة الانتقالية أو محاسبة المسؤولين، بعد انتقالها من أنظمة شمولية إلى ديمقراطية. وشدَّد أوجار على أن نجاح العدالة الانتقالية مرهون بوجود دولة قانون قوية، تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، وتتمتع بمشروعية انتخابية وتوافق وطني واسع، مع ضرورة إشراك الضحايا في هذه العملية لضمان نجاحها.

من جانبه، أكد أستاذ القانون الدولي، محمود برهان عَطُّور، أن العدالة الانتقالية تتجاوز مجرد كونها مفهومًا قانونيًّا إلى كونها هاجسًا إنسانيًّا يسعى لتحقيق الإنصاف، مشيرًا إلى أن النظام الدولي بحاجة إلى إعادة بناء لتحقيق عدالة أكثر شمولًا على المستوى العالمي. واعتبر أن غياب العدالة كان أحد المحركات الرئيسية لثورات الربيع العربي؛ حيث بدأت المطالبات بالإصلاح، لكنها تحولت إلى ثورات تطالب بتغيير الأنظمة بعد فشل الإصلاح، في سبيل بناء مستقبل أكثر عدالة يضمن حقوق الشعوب وحرياتها.

وأشار إلى أن التحديات التي تواجه العدالة الانتقالية، سواء في سوريا أو دول أخرى، تتضمن عقبات سياسية وتشريعية وتنظيمية وثقافية؛ ما يجعل من تحقيق المصالحة المجتمعية هدفًا صعب المنال دون إرادة سياسية واضحة.

في ذات السياق، شدَّد محمد النسور، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، على أن الهدف الأساسي من العدالة الانتقالية هو منع تكرار المآسي، مشيرًا إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا لم تبدأ خلال السنوات الـ14 الأخيرة فقط، بل تعود إلى 54 عامًا من غياب احترام الحقوق الأساسية. وأوضح أن العدالة الانتقالية يجب أن تراعي خصوصية كل دولة، مشيرًا إلى أنه خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق لمس سوء فهم لمفهوم العدالة الانتقالية؛ حيث اعتقد البعض أنها شكل من أشكال العدالة المخففة التي يمكن تجاوزها بسبب تحديات أخرى، محذرًا من أن هذا الفهم الخاطئ قد يعيق أي تقدم نحو مستقبل أكثر عدالة في سوريا، داعيًا إلى تأسيس هيئة مستقلة تعكس التزام الدولة بحقوق الإنسان.

أما فضل عبد الغني، مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فأكد في مداخلته أن الحالة السورية تتمتع بخصوصية فريدة نظرًا لطول فترة النزاع التي استمرت 14 عامًا، وحجم الانتهاكات التي خلَّفتها، بما في ذلك قرابة 115 ألف حالة اختفاء قسري، وملايين اللاجئين والضحايا. وشدَّد عبد الغني على ضرورة وجود هيئة حكم تشرف على إعلان دستوري يؤسس لهيئة عدالة انتقالية، بدلًا من العودة إلى دساتير سابقة، مشيرًا إلى أن سوريا بحاجة إلى محاكم خاصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهو ما تفتقر إليه حاليًّا.

حرب الإستراتيجيات الإقليمية

من الوضع في فلسطين وسوريا انتقلت جلسات المنتدى للحديث عن الوضع في إقليم الشرق الأوسط ككل. سلَّطت جلسة “حرب الإستراتيجيات الإقليمية” الضوء على التنافس الحاد بين القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط، الذي تفاقم بفعل الحرب الإسرائيلية على غزة وامتداداتها إلى لبنان، وإيران، واليمن، والعراق، إضافة إلى التغييرات الجيوسياسية التي أعقبت سقوط نظام الأسد في سوريا. وناقش المتحدثون طبيعة الصراع الراهن، الظاهر منه والخفي، بين إستراتيجيات كل من إيران وإسرائيل وتركيا، متسائلين عن إمكانية أن يصبح الدور العربي أكثر استقلالًا وتأثيرًا بعيدًا عن التبعية وردود الأفعال.

استهل مجتبى فردوسي بور، الدبلوماسي الإيراني والأستاذ الجامعي، مداخلته بالإشارة إلى التحولات في النظام العالمي، الذي وصفه بأنه يتحرك نحو نظام “ما وراء القطبية”؛ حيث تلعب البيانات الضخمة والتحالفات الإقليمية والدولية دورًا محوريًّا في تشكيله. ونقل عن أستاذ العلاقات الدولية الأميركي، جون ميرشايمر، رأيه بأن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول تسببت في تدمير التوازن التقليدي للقوى الدولية؛ مما يدفع المشروع الغربي إلى تبني “نهج فوضوي” للحفاظ على نفوذه في الشرق الأوسط.

وأشار فردوسي بور إلى أن الاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعي في حوض الشام، التي تقدر بـ122 تريليون قدم مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج، جعلت من السيطرة على غزة وسواحلها هدفًا إستراتيجيًّا للغرب وإسرائيل، خاصة أن معظم هذه الثروات يقع تحت الأراضي الفلسطينية المحتلة لعام 1967، ويمتد إلى السواحل السورية؛ ما يفسر الاهتمام الغربي بالتطورات في سوريا وقطاع غزة.

وتحدث عن لقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد حفل التنصيب؛ حيث كان الهدف الرئيسي هو إنقاذ حكومة نتنياهو واستكمال خطط الاحتلال في غزة، مع طرح فكرة “الهجرة القسرية” للفلسطينيين إلى داخل سوريا مقابل رفع العقوبات عنها؛ ما يجعل سوريا المستهدف الرئيسي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن سقوط سوريا سيؤدي إلى اختلال التوازن في مواجهة إسرائيل ويهدد الهوية الوطنية السورية بفعل التدخلات الإقليمية والدولية.

من جانبه، قدَّم مراد يشلتاش، أستاذ العلاقات الدولية، رؤية تركيا للتطورات الإقليمية بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول وسقوط نظام الأسد، مشيرًا إلى أن تركيا تراقب ديناميات التراجع والصعود في المنطقة، خاصة تراجع النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا وغياب التأثير الروسي نتيجة الحرب الأوكرانية. وأكد أن تركيا تعيد تعديل إستراتيجياتها للتعامل مع هذه التغيرات، مع التركيز على بناء جيش سوري جديد خلال المرحلة الانتقالية، في ظل تراجع دور الوكلاء الإقليميين مثل حزب الله وإيران.

وشدَّد يشلتاش على أن تركيا تسعى للحفاظ على نفوذها السياسي في سوريا عبر التعاون مع القوى الدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار قرارات مجلس الأمن والعملية الأممية المستمرة، معتبرًا أن تشكيل جيش سوري جديد يعد أولوية إستراتيجية لتركيا في ظل تراجع النفوذ الروسي والإيراني.

أما حسن البراري، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر، فقد اعتبر أن النظام العربي يعاني من الضعف والهشاشة والتنافس الداخلي؛ ما يجعله دائمًا تابعًا للعوامل الخارجية. وأوضح أن الإستراتيجية تتطلب هدفًا واضحًا ووسيلة لتحقيقه ضمن بيئة مليئة بالمخاطر والفرص، مشيرًا إلى أن إسرائيل تمتلك هدفًا إستراتيجيًّا واضحًا منذ تأسيسها، يتمثل في السيطرة على كامل فلسطين دون سكانها، معتمدةً على القوة العسكرية، في حين أن العالم العربي يفتقر إلى إستراتيجية مضادة؛ ما يجعل أي مبادرات فردية مثل “طوفان الأقصى” مجرد ردِّ فعل لا يرتقي إلى مستوى الإستراتيجية العربية الموحدة.

اختتم شفيق شقير، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، مداخلات المتحدثين في الجلسة بتحليل النظام العربي الحالي، مشيرًا إلى أن أي محاولة لاستعادته يجب أن تبدأ من سوريا، كما حدث بعد سقوط جدار برلين. وأكد أن إعادة بناء النظام العربي تتطلب توافقات بينية تبدأ من سوريا، مع الإجماع على القضية الفلسطينية كحدٍّ أدنى، محذرًا من أن تجاهل ذلك قد يؤدي إلى نظام عربي جديد مبني على ركام غزة دون رؤية واضحة لمستقبل القضية الفلسطينية.

الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة

استمر المنتدى في مناقشة تفاعلات “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية على موازين القوى في الشرق الأوسط. ناقشت الجلسة الرابعة تحولات الشرق الأوسط بعد الحرب على غزة، مبتدئةً بالتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية بعد فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة، وانعكاسات ذلك على موازين القوى في المنطقة، بما في ذلك الأثمان التي قد يدفعها العرب أو يجنونها من الترتيبات الجارية.

استهل أسامة حمدان، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مداخلته في هذه الجلسة بالتأكيد على أن يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول شكّل “إنجازًا تاريخيًّا للفلسطينيين”، مشيرًا إلى أن مجموعة صغيرة من المقاومين، باستخدام أسلحة فردية بسيطة، نجحت في تفكيك فرقة عسكرية إسرائيلية قوامها نحو 4000 جندي خلال ست ساعات فقط؛ مما عزز الشعور الفلسطيني بالقدرة على المبادرة وتحقيق الإنجاز السريع.

وفي معرض إجابته عن التساؤلات المتعلقة بما يُعرف إعلاميًّا بـ”خطة غزة”، والتي يُقال إنها تتضمن نزع سلاح المقاومة، وإبعاد حماس عن حكم القطاع، وفك ارتباطها بإيران شرطًا لإعادة الإعمار، شدَّد حمدان على أن “الطريقة الأميركية لإحداث صدمة بالدعوة إلى التهجير لن تنجح في التعامل مع الشعب الفلسطيني”. وأوضح أن إدارة ترامب تسعى “لإيهام” الفلسطينيين بأنهم هُزموا وأن عليهم دفع ثمن هزيمتهم، مؤكدًا: “هذه الطريقة لن تنجح مع الفلسطينيين. الحقيقة أن المقاومة انتصرت. فكرة المقاومة انتصرت. وبالتالي أنا لست في موقع تقديم تنازل. فيما يتعلق بإدارة الشأن الوطني الفلسطيني، فهذا شأننا”.

وأكد حمدان موقف حماس الحازم قائلاً: “لا يوجد يوم ثان. الإسرائيلي حاول أن يُحدث الصدمة قبل أن توجد، وراح يردد عبارة اليوم التالي ويتساءل عمَّا بعد حماس: كيف يكون الوضع في القطاع؟ الحق أن اليوم الثاني كان وسيظل فلسطينيًّا”.

وفيما يتعلق بالشأن الفلسطيني الداخلي، قال: “أنا من يقرر كيف يكون الوضع الفلسطيني. فتح ليست متجاوبة، أبو مازن زعلان. هذا شأن فلسطيني داخلي، ونحن سنراضي بعضنا داخليًّا، ويتحمل بعضنا بعضًا. لكن أن يطلب منا مهزوم دفع ثمن هزيمته فهذا غير ممكن”.

وعند الحديث عن موضوع التهجير، أوضح حمدان أن “الموضوع ليس جديدًا”، مُذكِّرًا بأنه طُرح منذ عام 1954، وأن غزة شهدت في عام 1956 مظاهرات عارمة قادها الإخوان المسلمون والشيوعيون، اتفقوا خلالها على إسقاط هذا المشروع رغم خلافاتهم الأيديولوجية، وتمكنوا من إفشاله. واعتبر أن هذا “تاريخ يجب أن نقرأه بوضوح”.

وبخصوص الدور اللبناني، قال حمدان: “نعم، المقاومة أصيبت في لبنان، ولا أدل على ذلك من استشهاد السيد حسن نصر الله وكبار القادة العسكريين الذين قاتلوا إلى جانب المقاومة من اليوم الأول”. ونفى أن تكون حماس قد طلبت دعمًا عسكريًّا من حزب الله، مشددًا على أن “هذا موقف حزب الله الذي اتخذه بمفرده. ما طلبناه ولا أرسلت له إيران رسالة تطلب منه هذا الموقف”.

وأضاف: “أنا أريد أن أقول كلمة للتاريخ: اقرؤوا الأمور صح لكي نصل إلى استنتاجات صحيحة. إيران ليس عندها غرفة عمليات تصدر أوامر مشفِّرة أو غير مشفِّرة وترسلها لحماس أو لحزب الله أو لأنصار الله أو لآخرين. نحن متفقون أن عدونا هو إسرائيل ونتعاون على ذلك”. وأكد أنه “عندما تقدم إيران دعمًا وإسنادًا للمقاومة، لا يصح أن تكون في نهاية المطاف إيران مخطئة لأنها ساعدت المقاومة”، مُنتقدًا الأطراف التي “لم تدعم المقاومة والشعب الفلسطيني وربما قد تآمرت على الفلسطينيين بالتعاون مع إسرائيل وتريد أن تجني ثمنًا من الفلسطينيين”.

وفيما يتعلق بإعادة إعمار غزة، أوضح حمدان أن “غزة ليست مجرد أرقام، بل هي عائلاتنا وأهلنا”، مضيفًا أن “من يتحدث عن 50 ألف شهيد قد يكون للناس مجرد أرقام، لكن بالنسبة لنا هم عائلاتنا وزوجاتنا وبناتنا وأولادنا”. ولفت إلى التضحيات الكبيرة التي قدمها قادة حماس، مشيرًا إلى أن “إسماعيل هنية (الرئيس الأسبق للمكتب السياسي لحماس) استشهد معه 10 من عائلته، بينهم 3 من أولاده و7 من أحفاده، وقد استشهدوا في مرات متعددة”، وأن “يحيى السنوار (رئيس المكتب السياسي لحماس الذي خلف إسماعيل هنية) استشهد وهو يقاتل على خطوط الجبهة الأمامية”.

ورفض حمدان بشكل قاطع أي محاولة لتهميش المقاومة أو إبعادها عن المشهد السياسي الفلسطيني، موضحًا أن “هناك محاولة لرسم صورة نمطية تقوم على أن المقاومة شنَّت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول واختبأت، فإذا بالمقاومة في الصف الأول”. وأضاف: “هذه المقاومة التي حققت هذا الإنجاز لن نقبل من أحد أن يطلب منها ومن قادتها وكوادرها أن يتنحوا جانبًا، أو يقول لها: ليس لكم علاقة بالمشروع الوطني الفلسطيني. فهذا غير مقبول وغير ممكن”.

وأكد ذلك بقوله: “كيف ندير شأننا الداخلي؟ هذا قرارنا نحن. ولذلك من يأتي ليحل محل إسرائيل سنتعامل معه كإسرائيل. من يريد أن يشتغل بالوكالة عن إسرائيل فعليه أن يتحمل تبعات أنه وكيل لإسرائيل”. وشدَّد على أن “سلاح المقاومة وقادة المقاومة وشعب المقاومة هذا كله غير ممكن. لن نتناقش فيه من أساسه. هو خارج النقاش وغير ممكن أن نتحدث فيه ولا نقبل أن يحدثنا أحد فيه بوضوح شديد”.

وفي ختام حديثه، دعا حمدان المنطقة إلى “اغتنام الفرصة”، مشيرًا إلى أن “المنطقة تعاني من اختلال في التوازن حاليًّا نتيجة الذي جرى”، لكن هذا “الاختلال لم يلغِ المعادلات التي كانت قائمة. لقد أضعف بعضها لكنه لم يلغها. لم يلغِ فكرة المقاومة. فريق المقاومة سيرمِّم ما أصابه وسيُكمل”. وأكد أن “أمامنا فرصة ليتسع فريق المقاومة. أنا أتحدث بجدية ولا أحكي أوهامًا”.

وأشار إلى أن “حتى التغيير الذي حدث في سوريا سيصب في صالح المقاومة لأن الجولان محتل و400 كلم جديدة من الأراضي السورية احتُلَّت، ولن ينسحب الإسرائيلي من هذه الأرض إلا بالمقاومة”، معتبرًا أن “سوريا الجديدة يجب أن تكون في هذا المحور (محور المقاومة)”.

وختم حمدان بقوله: “المقاومة هي خيار للمنطقة. نحن كعرب أمامنا فرصة تاريخية، فقد أبانت معركة الأقصى أن هناك جيرانًا يمكن أن يُعتمد عليهم ويستفاد منهم. هؤلاء الجيران هم إيران وتركيا وإفريقيا التي كانت قبل كامب ديفيد إلى جانب قضايانا، لكن بعد كامب ديفيد نحيناها جانبًا. جنوب إفريقيا جاءت في هذه المعركة ورفعت قضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية”.

وشدَّد على أن “أمام العرب فرصة ليخرجوا من دائرة الهيمنة. الأمر بحاجة إلى بعض الشجاعة وبعض الترتيب وحوار مع هذا الجوار لبناء إقليم يريد أن يكون سيدًا مستقلًّا حرًّا قراره ذاتي”، مؤكدًا أن الأداة الأساس لتحقيق ذلك هي “قدرتنا على أن نَصْفَع إسرائيل وقتما أردنا وبكفاءة عالية”، مشيرًا إلى أن “يوم السابع من أكتوبر أثبت ذلك”.

في مداخلته، أكد لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، أن الصراع بين إسرائيل وإيران لم يعد مجرد تهديد محتمل، بل أصبح واقعًا ملموسًا يتجلى في تصاعد القصف المتبادل، وفي نشاط الفصائل المسلحة التي تقاتل بالوكالة عن إيران، مثل حزب الله وبعض الفصائل العراقية والحوثيين. وأوضح أن إسرائيل، بدعم أميركي، تستعد لشن هجوم محتمل على المشروع النووي الإيراني، استنادًا إلى تقارير نشرتها وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية.

وأشار مكي إلى أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يسعى لإحياء مشروع “الممر الكبير”، الذي يربط الهند بإسرائيل وأوروبا، وهو مشروع إستراتيجي يتطلب توفير بيئة أمنية مستقرة في المنطقة. وأكد أن تحقيق هذا الاستقرار يواجه تحديات حقيقية، لاسيما من قطاع غزة وحركة حماس، اللذين يشكِّلان تهديدًا مباشرًا لهذا المشروع على الرغم من الجهود المبذولة لتأمين المنطقة.

استهل محسن محمد صالح، مدير مركز الزيتونة للدراسات، حديثه بتحليل شخصية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مسلطًا الضوء على ما وصفه بـ”النرجسية العالية” و”البراغماتية” كسمات بارزة لشخصية ترامب، إلى جانب تأثير “الرؤية الإنجيلية الصهيونية” في رؤيته لقضية فلسطين. ورأى أن ترامب يمزج بين اعتبارات السوق والحسابات الإستراتيجية والقيم الإنسانية؛ مما ينعكس في سياساته التي تتجاهل عمق ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه، رغم فشل جميع محاولات التهجير على مدار 77 عامًا. وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي، رغم كل ما قام به، لم يستطع فرض سيطرته الكاملة على غزة، مشددًا على أن أي حديث عن الاستحواذ على القطاع أو تهجير سكانه ليس إلا ضربًا من الوهم البعيد عن الواقع.

أما جوني منير، الصحفي والمحلل السياسي، فقد رأى أن الحرب الأخيرة لم تكن فقط لتأمين المستوطنات الإسرائيلية، بل هدفت إلى طرد الفلسطينيين من غزة والضفة، مشيرًا إلى أن العقلية الإسرائيلية طالما حلمت بالتخلص من غزة، كما عبَّر عن ذلك إسحاق رابين سابقًا. واعتبر منير أن خطة ترامب ونتنياهو لطرد الفلسطينيين قائمة على تدمير البنية التحتية وجعل الحياة مستحيلة، لكن تمسك الفلسطينيين بأرضهم يبقى التحدي الأكبر لهذه المخططات، مؤكدًا أن مواجهة هذه الأفكار “المجنونة” تتطلب إدارة واعية وحازمة من الفلسطينيين والعرب على حدٍّ سواء.

الوضع الدولي في ظل الإدارة الأميركية الجديدة

استهل محمد المنشاوي جلسة “الوضع الدولي في ظل الإدارة الأميركية الجديدة” بمداخلة أعرب فيها عن دهشته من اندهاش البعض في الشرق الأوسط من شخصية ترامب وسياساته، مؤكدًا أن ترامب “كتاب مفتوح” يمكن التعامل معه بسهولة، مشيرًا إلى أن فترة حكمه الأولى التي امتدت لأربع سنوات كانت مقدمة واضحة لما نشهده اليوم. ولفت إلى أن ترامب يُعد رئيسًا غير تقليدي بشكل كامل وراديكالي، فهو الرئيس الأميركي الوحيد الذي وصل إلى البيت الأبيض دون خوض أي انتخابات سابقة، حتى على مستوى المجالس المحلية أو المدرسية؛ حيث كانت أول تجربة انتخابية له هي الانتخابات الرئاسية عام 2016، والتي نجح فيها. وأوضح المنشاوي أن جميع الرؤساء السابقين خاضوا تجارب انتخابية على مستوى الولايات أو الكونغرس أو شاركوا في حروب خارجية، في حين جاء ترامب من خارج هذا الإطار التقليدي ليهز أركان السياسة الأميركية ويُحدث تغييرات جذرية، ليس فقط في الداخل الأميركي، بل على مستوى العالم أجمع، معتبرًا أن ما يقوم به ترامب في ولايته الثانية هو امتداد لما بدأه في فترته الأولى.

وأشار المنشاوي إلى أن هناك إجماعًا فكريًّا ونخبويًّا أميركيًّا بعد الحرب العالمية الثانية على الحفاظ على النظام العالمي الذي أُسِّس حينها؛ حيث خرجت الولايات المتحدة كأقوى دولة في العالم بعد تدمير جميع أعدائها خلال الحرب، مع وجود تحدٍّ وحيد تمثَّل في الاتحاد السوفيتي، الذي تمكنت واشنطن من التغلب عليه لاحقًا. وأوضح أن هذا النظام يستند إلى مسارين أساسيين: الأول: هو ضمان استقرار عالمي يسمح للرأسمالية العالمية بالنمو والتمدد، والثاني: هو الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على هذا النظام. ورأى أن ترامب لا يكترث بهذا الإرث الذي حافظ عليه جميع الرؤساء الأميركيين السابقين؛ حيث يسعى إلى هدم ما تم بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية.

وأكد المنشاوي أن ترامب دخل التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن تم انتخابه لولايتين غير متتاليتين، وهو أمر لم يحدث منذ أكثر من 100 عام، معتبرًا أن ترامب يسعى إلى تحقيق إرث شخصي يرضي غروره. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، أشار إلى أن ترامب يطمح إلى النجاح في تحقيق ما فشل فيه 13 رئيسًا أميركيًّا سابقًا منذ اندلاع الصراع العربي-الإسرائيلي؛ حيث حاول جميع الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط، خاصة من خلال حل الدولتين، لكنهم لم ينجحوا في ذلك. وأوضح أن ترامب جاء برؤية راديكالية لتحقيق السلام في المنطقة، لكنه ليس سلامًا عادلًا؛ إذ لا تعني له العدالة شيئًا، سواء في الشرق الأوسط أو في أوكرانيا؛ حيث يسعى لتحقيق السلام فقط ليظهر كصانع سلام؛ ما يعكس طموحه للحصول على جائزة نوبل للسلام. وختم المنشاوي بالإشارة إلى أن تصريحات ترامب بشأن مستقبل الشرق الأوسط وقطاع غزة مهمة للغاية، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة تربط العالم كله بسلاسل من ذهب أو حديد أو نحاس، لكنها في النهاية تهز العالم أجمع.

من جانبه، أكد محمود يزبك أن انتخاب ترامب وزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأخيرة إلى الولايات المتحدة يعكسان بوضوح دخول السياسة العالمية، وخاصة سياسة الشرق الأوسط، مرحلة جديدة تختلف عن الإستراتيجيات المتبعة حتى الآن. وأوضح أنه مع اقتراب تولي ترامب للحكم والتصريحات التي صدرت عشية ذلك، ظهرت توقعات بأن النظام الأميركي الجديد سيُحدث تغييرات جذرية في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي/الفلسطيني-الإسرائيلي.

وأشار يزبك إلى أن أول هذه التغييرات تمثَّل في إجبار نتنياهو على قبول التقدم في صفقة تبادل الأسرى، وهو ما حدث بشكل مفاجئ. وأضاف أن دعوة ترامب لنتنياهو ليكون أول زعيم يلتقي به بعد توليه السلطة أثارت جدلًا واسعًا وتناقضات كبيرة في التوقعات حول اتجاهات السياسة الأميركية الجديدة.

وذكر يزبك أن الليلتين السابقتين لاجتماع ترامب ونتنياهو شهدتا مقالات وتحليلات متباينة حول ما إذا كان ترامب سيضغط على نتنياهو في اتجاه معين أم العكس، مشيرًا إلى أن تصريحات ترامب خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نتنياهو كانت صادمة للكثيرين؛ حيث لم يتمكن العديد من فهم مغزى كلماته. وأكد أنه لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، جعل رئيس أميركي مصطلحات مثل “التطهير العرقي” و”التهجير القسري”، التي كانت منبوذة وغير مقبولة دوليًّا، موضع نقاش وكأنها أصبحت مقبولة على الساحة السياسية الدولية، في تحدٍّ واضح للقانون الدولي.

من جهته، أشار الحواس تقيَّة، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، المتخصص في العلاقات الدولية، إلى أن ترامب يعتمد على أسلوب “الصدمة والترويع”، الذي كان وزير الدفاع الأميركي الأسبق، دونالد رامسفيلد، يستخدمه في الحروب، ووصف ترامب بأنه “نسخة باهتة” من الرئيس الأسبق، ريتشارد نيكسون، ووزير خارجيته، هنري كيسنجر، اللذين نظَّرا لنظرية “الشخص المجنون” في السياسة الدولية؛ حيث كان نيكسون يهدد باستخدام السلاح النووي في تعاملاته مع الفيتناميين، بينما يفتقد ترامب لهذا البعد الاستثنائي في شخصيته وسياسته.

وأوضح تقيَّة أن نيكسون وكيسنجر كانا يستخدمان التسريبات الإعلامية للضغط على الخصوم دون الإدلاء بتصريحات مباشرة، على عكس ترامب الذي يطلق تهديداته علنًا، مثل تهديده لحركة حماس بـ”الجحيم” إذا لم تسلِّم الرهائن، ثم إعلانه دعمه المطلق للحكومة الإسرائيلية؛ ما يعكس افتقاره للحنكة السياسية التي تميز بها أسلافه. وأكد أن مشكلة ترامب تكمن في إعلانه عدم خوض حروب جديدة؛ ما يجعله يفتقد لأدوات التهديد التقليدية في العلاقات الدولية، مشيرًا إلى أن الرئيس الأميركي الأسبق، ثيودور روزفلت، كان يقول: “احمل عصا غليظة وتحدث بلطف”، في حين أن ترامب يعلن صراحة أنه لن يستخدم القوة العسكرية؛ ما يضعف من قدرته على التهديد، ويجعله يعتمد على العقوبات الاقتصادية فقط، رغم افتقاره لأدوات المكافأة الاقتصادية الكافية.

وأضاف تقيَّة أن ترامب يلوِّح بفرض عقوبات قاسية على إيران لإجبارها على التفاوض بشأن مشروعها النووي، لكنه يدرك أيضًا أن بالإمكان التعايش مع العقوبات لفترة طويلة، كما أن هناك حالة من الإرهاق في الداخل الأميركي من التدخلات العسكرية الخارجية. وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، أشار تقيَّة إلى أن ترامب يسعى لتحميل حلفائه، مثل الأردن ومصر، أعباء تهجير الفلسطينيين، ملوِّحًا باستخدام المساعدات الاقتصادية السنوية للضغط عليهما؛ ما يهدد استقرار هذه الدول، لافتًا إلى أن رفض الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، زيارة ترامب يعكس رفضهما لهذه الضغوط؛ ما دفع ترامب إلى الإشادة بهما لاحقًا بعد أن أبديا مقاومة واضحة لسياسته.

أما تاراس جوفتينكو فأكد في مداخلته أن إدارة ترامب تسعى للمضي قدمًا في بدء عملية تفاوض مع الاتحاد الروسي لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، تمهيدًا لمفاوضات دبلوماسية أوسع نطاقًا لإنهاء الحرب، لكن ترامب لا يملك إستراتيجية واضحة حول كيفية البدء في هذه العملية أو الأدوات التي سيستخدمها لإقناع موسكو بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وأشار جوفتينكو إلى أن خطة ترامب تعتمد على تحميل الدول الأوروبية مسؤولية ضمان الأمن في أوكرانيا، بما في ذلك نشر قوات أوروبية لحفظ السلام، وهو ما يثير قلقًا لدى الأوروبيين الذين يدرسون سيناريوهات متعددة للتعامل مع هذا الوضع. ولفت إلى أنه في نهاية خريف 2024، لم تكن الدول الأوروبية تتوقع فوز ترامب بالانتخابات، ما جعلها غير مستعدة للتعامل مع خطة قد تتطلب نشر قوات عسكرية على الأراضي الأوكرانية لضمان وقف إطلاق النار والإشراف على المفاوضات، وهو ما قد يفرض عليها أعباء مالية وعسكرية كبيرة.

 

فيلم “عيون غزة”: عرض ونقاش (الجزيرة 360)

قدمت هذه الجلسة من خلال الفيلم الوثائقي “عيون غزة” رؤية إنسانية وصحفية للأوضاع في قطاع غزة، الذي وثَّق المأساة التي يعيشها السكان في ظل حرب الإبادة التي تعرضوا لها. ومن خلال عدسة الصحفيين وشهاداتهم، يعكس الفيلم واقع الحياة اليومية تحت القصف، مسلطًا الضوء على المخاطر التي تحيط بالعمل الصحفي في بيئة تتسم بالعنف والاستهداف المباشر للإعلاميين.

عبَّر وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة في غزة، في مداخلته عن حجم المعاناة التي يعيشها الصحفيون في القطاع، قائلًا: “في قطاع غزة، ليس من السهل أن تكون صحفيًّا، وليس من السهل أن تكون إنسانًا، وليس من السهل أن تكون أحد الضحايا أو والد شهيد، أو قريبًا لشهيد. فما بالك أن تكون كل هؤلاء في آنٍ واحد؟ هذا أمر يفوق قدرة البشر على الاحتمال”. وأضاف أن كل ما يحدث في غزة استثنائي وغير منطقي؛ ما دفع الصحفيين إلى أن يكونوا استثنائيين أيضًا، مشددًا على أن دورهم لم يكن مهمًّا فقط بالنسبة لهم ولأسرهم، بل للصحافة وروحها، وللملايين الذين تابعوا ما يحدث لحظة بلحظة عبر عدساتهم.

وتحدث الدحدوح عن التحديات التي واجهها الصحفيون خلال الحرب، موضحًا أنهم أعدوا خططًا مسبقة وبديلة في الحروب السابقة، لكن هذه الحرب كانت مختلفة تمامًا؛ ما فرض عليهم أدوارًا غير مسبوقة. ولفت إلى أن الصحفيين في غزة دفعوا أثمانًا باهظة؛ حيث كانوا في عين الخطر، يخشون على حياتهم وعلى أسرهم، الذين بدورهم كانوا يخشون عليهم. وأشار إلى صعوبة التوفيق بين العمل الصحفي والحياة الأسرية في ظل النزوح القسري والرحيل المفاجئ، مؤكدًا أن الصحفي كان مطالبًا بأن يكون أبًا في بعض اللحظات، لكن المآسي والأوجاع كانت دائمًا تلاحقه.

وأضاف الدحدوح أن الاحتلال يستهدف الصحفيين في أعز ما يملكون لعرقلة عملهم، لكن ذلك لم يمنعهم من مواصلة دورهم، حتى مع تفرُّق أسرهم وإصابة بعض أفرادها، مشدِّدًا على أن الصحفيين اضطروا لتغليب مصلحة العمل على أوجاعهم لتوثيق بشاعة ما يحدث، وقال: “في هذه اللحظات، قال لي من تبقى من أسرتي، من بناتي الجرحى: يا أبي، نحن معك إما أن نحيا معًا أو نموت معًا”.

من جانبه، قال عاصف حميدي، مدير الأخبار بقناة الجزيرة الإخبارية: إن الصمت في هذه اللحظة هو أبلغ تعبير عن معاناة الصحفيين في غزة، وشدَّد على ضرورة المضي قدمًا في توثيق الحقيقة. وأضاف أن ما تم عرضه في الفيلم ليس سوى لمحة بسيطة مما يحدث في غزة، مشيرًا إلى أن الصحفيين هناك فقدوا حياتهم وأطرافهم، لكنهم لم يفقدوا إصرارهم أو ضميرهم المهني.

وأكد حميدي أن وصف الصحافة بـ”مهنة المتاعب” لا ينصف الصحفيين في غزة؛ حيث تصبح الصحافة هناك “مهنة الكوارث والمخاطر والإنسانية والتضحيات”. واعتبر أن الصحفيين في غزة هم مرآة الواقع والفاجعة، وأن الاحتلال حاول كسر هذه المرآة عبر التحريض والاتهامات والقتل، لكنه فشل؛ ما زاد من عزيمة الصحفيين على مواصلة عملهم رغم المعاناة النفسية والجسدية واللوجستية. وأضاف أن شبكة الجزيرة ستواصل تقديم الحقيقة مهما كانت التحديات، مشددًا على أن استهدافها لن يثنيها عن حمل الراية.

من جهته، أوضح جمال الشيَّال، مدير إستراتيجية المحتوى في منصة 360 بشبكة الجزيرة، أن إستراتيجية المحتوى للمنصة كانت تهدف إلى مواصلة رسالة الجزيرة، والتقرب من الجمهور، وتقديم الرأي والرأي الآخر، ونقل الحقيقة التي يحاول البعض طمسها. وأشار إلى أن الأفلام الوثائقية أصبحت وسيلة فعالة للتواصل مع الجمهور خلال الحروب، حيث تمت إضافة مشاهد بسيطة في فيلم “عيون غزة”، مثل اللعب مع الأطفال، لملامسة الجانب الإنساني في كل مُشاهِد.

ولفت الشيَّال إلى أن أحد التحديات في توثيق تاريخ غزة هو خطر وصول الجمهور إلى حدِّ التشبع من الأخبار الحادة؛ ما يستدعي إيجاد طرق جديدة لإبقاء معاناة أهل غزة في وجدان العالم. واعتبر أن الحرب الأخيرة علمتهم مدرسة جديدة في الصحافة عنوانها “الابتكار والتمسك بالحياة”، رغم صمت المؤسسات الدولية التي يُفترض بها الدفاع عن المهنة، في وقت استُشهد فيه أكثر من 200 صحفي دون ردود فعل دولية كافية.

وفي مداخلة عن بُعد، قال محمد أحمد، مراسل الجزيرة في شمال غزة: إن توثيق المعاناة بعد الحرب كان أكثر صعوبة من التغطية خلال الحرب، التي كانت بدورها قاسية للغاية، مشيرًا إلى ظروف العمل الصعبة في ظل انعدام المواصلات والتواصل مع المؤسسات، والمجاعة التي عانوا منها خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، إضافة إلى الإصابات والضغوط النفسية والجسدية.

وأضاف محمد أحمد أنهم اضطروا للعمل دون كاميرات احترافية أو معدات بث، معتمدين على كاميرات الهواتف المحمولة؛ حيث كانوا يقطعون أكثر من 20 كيلومترًا يوميًّا للتنقل والتصوير؛ ما زاد من العبء عليهم. وأوضح أنهم كانوا يواكبون الحدث منذ اللحظات الأولى للضربات وحتى وداع الشهداء، مشيرًا إلى صعوبة التعامل مع مشاهد الأطفال المصابين، التي كانت تذكِّره بابنه المولود بعيدًا عنه.

وأشار إلى أن زميله، عبد القادر، عاش تجربة مختلفة؛ حيث كان مسؤولًا عن أسرته التي تعرضت للاستهداف؛ ما أدى إلى إصابة ابنه ووالده وزوجته، وفقدان عدد من أفراد أسرته. وختم محمد أحمد بالتأكيد أن الصحفيين في غزة حاولوا أن يبقوا صامدين، معتبرًا أن مسؤوليتهم الكبرى كانت نقل ما يحدث للعالم رغم كل الصعوبات.

 

الختام

في كلمته، أكد مصطفى سواق، المدير العام لشبكة الجزيرة الإعلامية، أن قناة الجزيرة انطلقت تحت شعار “الرأي والرأي الآخر”، مشددًا على إيمان الشبكة العميق بذكاء جمهورها وقدرته على التمييز بين الآراء والمعلومات دون الحاجة إلى فرض رؤية أحادية عليه. وعند حديثه عن التغيير الذي شهدته سوريا، أشار سواق إلى أن البلاد تخلصت من الطغيان، معربًا عن تفاؤله بإمكان بناء دولة متميزة تعتمد على العقول السورية الواعدة والقادرة على تحقيق هذا الهدف الطموح.

وفيما يتعلق بالأوضاع في غزة، أوضح أن ما يعانيه القطاع هو نتاج مباشر للاحتلال والطغيان الإسرائيلي، داعيًا الدول العربية إلى التكاتف والتضامن، ومستخدمًا عبارة “أكل الثور الأبيض” للتعبير عن خطورة التهاون أمام الأطماع الإسرائيلية التي وصفها بأنها “لا تعرف حدودًا في المنطقة”. واختتم كلمته بتوجيه التحية لمنتدى الجزيرة ودوره في جمع العقول والخبرات لمناقشة القضايا العربية بعمق وموضوعية، مؤكدًا على أهمية استمرار هذا الحوار المفتوح في مواجهة التحديات الراهنة وتعزيز الوعي الجماعي.

في ختام أعمال المنتدى، عبَّر محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات -الجهة المنظمة للمنتدى بالتعاون مع بقية مؤسسات شبكة الجزيرة- عن اعتزازه بالدور الريادي للمنتدى بوصفه ساحة حوار مفتوحة تجمع صنَّاع القرار والمفكرين والإعلاميين. وأشار إلى أن الهدف الرئيس للمنتدى يتمثل في تعزيز الوعي الجماعي وتوجيهه في الاتجاه الصحيح، معربًا عن تطلعه إلى استمرار حضور الأصوات الفاعلة التي أثرت النقاش في النسخ القادمة من المنتدى وذلك لما لها من دور مهم في التوعية وترسيخ الفكر المستنير.