*Maryam Qays Oleiwi – مريم قيس علوي
ملخص
تطور الذكاء الاصطناعي خلال السنين الأخيرة تطورًا لافتًا للانتباه حتى غزا جميع مناحي الحياة البشرية وأصبح جزءًا لا يتجزأ منها. ولئن كان الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين حياة الإنسان في كثير من المجالات، في مقدمتها الرعاية الصحية والتعليم والنقل؛ إذ يسهم في رفع الإنتاجية والكفاءة، فإن الجدل يحتدم بشأن مخاطره الأمنية والأخلاقية مثلًا، في المجال العسكري والطبي، وهي مخاطر يجب حملها على محمل الجد وفقًا لبعض الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي؛ لأنها تهدد مستقبل البشرية على هذا الكوكب، بينما قلَّل من شأنها آخرون.
كلمات مفتاحية: الذكاء الاصطناعي، التحليل البياني، الأخلاقيات والأمان، التطبيقات العملية، الاتجاهات المستقبلية
Abstract
The development of artificial intelligence in recent years has been remarkably attention-grabbing, and has permeated all aspects of human life and become an integral part of it. Although artificial intelligence contributes to the improvement of human life in many fields, including healthcare, education and transportation, by enhancing productivity and efficiency, debates regarding its security and ethical risks, such as in the military and medical sectors, are intensifying. Some AI experts argue that these risks must be taken seriously, as they threaten the future of humanity on this planet, while others downplay their significance.
Keywords: Artificial Intelligence, Data Analysis, Ethics and Security, Practical Applications, Future Trends
مقدمة
ظهر مفهوم الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، أو ما يُعرف اختصارًا بـ(AI) وتطور على مرِّ السنين ليصبح واحدًا من أبرز التقنيات في القرن الحادي والعشرين؛ إذ يتمثل الهدف الرئيسي منه في محاكاة القدرات الذهنية البشرية، التفكير والتحليل والتعلم، من خلال الأنظمة الحاسوبية.
تَخيّلَ الإنسان فكرة وجود آلة ذكية تُساعده في إنجاز أعماله، وقد تحدث عنها بعض الأدباء في أعمالهم، لذا يمكن القول: إن الذكاء الاصطناعي بدأ حلمًا ثم أصبح واقعًا نتيجة التقدم العلمي والتكنولوجي، من أيام الحاسوب الأول وصولًا إلى عصر البيانات الضخمة (Big Data)، وقد أقام عدد من العلماء والمهندسين، مثل آلان تورنغ، (Alan Turing) أسسًا لهذا المجال من خلال أبحاثهم وأعمالهم.
يرى البعض في الذكاء الاصطناعي فرصة للمساعدة في حل المشكلات التي يعانيها البشر مثل مشكلة المناخ والفقر والبطالة واتخاذ القرارات الحكيمة والبعض الآخر يرى فيه نقمه لما فيه من سلبيات ومضار تهدد الوجود البشري، ولهذا يُعد الذكاء الاصطناعي اليوم من أكثر المجالات إثارة وجدلًا.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فإذا فكرت في آلية عمل البحث على الإنترنت، أو التوصيات من مواقع التجارة الإلكترونية التي تظهر لك عند التسوق، أو حتى التحاليل الطبية المتقدمة في أحد المستشفيات، فأنت تتحدث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن للأنظمة الذكية التعامل مع المهام المتكررة والروتينية بكفاءة، مما يتيح للبشر التركيز على المهام المعقدة والإبداعية وبالتالي تحسين الإنتاجية.
كذلك من فوائد الذكاء الاصطناعي التحليل الكبير للبيانات الضخمة، واستخراج المعلومات والرؤى من مجموعات بيانات كبيرة للغاية. كذلك يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير العلوم الطبية، فتقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق غيرت الطريقة التي نشخص بها الأمراض ونطور العلاجات. ومن فوائد الذكاء الاصطناعي التفاعل البشري الآلي من خلال تكنولوجيا الاستجابة الصوتية المتقدمة وروبوتات الخدمة، مما سهَّل ربط الإنسان بالتكنولوجيا بطرق غير مسبوقة. كذلك للذكاء الاصطناعي دور في الاستدامة والبيئة عبر التنبؤ بالكوارث الطبيعية والتحليل البيئي والتحسين المستدام للموارد.
رغم التطور الهائل في مجال الذكاء الاصطناعي وفوائده المتعددة، لا تزال هناك تحديات ومخاوف مرتبطة بأمان وخصوصية البيانات، وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي. كيف يمكن التوفيق بين التقنيات المتقدمة وفوائد الذكاء الاصطناعي وبين حماية البيانات والحياة الخاصة للأفراد وضمان استخدامه بمسؤولية وأخلاقية؟
تهدف هذه الدراسة إلى استعراض التحديات الأمنية والأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، وتحليل الأثر الاقتصادي والاجتماعي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، خصوصًا في مجال الخصوصية والأمان. وكذلك استكشاف الحلول الممكنة لمعالجة هذه التحديات من خلال الابتكارات التكنولوجية والتشريعات والمعايير الأخلاقية.
وتحاول الدراسة الإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسة: ما التحديات الأمنية والأخلاقية الرئيسية المرتبطة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الخصوصية والأمان والوظائف والقطاعات الاقتصادية الأخرى؟ وما الاستراتيجيات والحلول المقترحة للتخفيف من هذه التحديات وتحقيق التوازن بين الابتكار والأمان؟
وتعتمد الدراسة المنهج التحليلي الوصفي، وتورد أمثلة عملية لتحليل التأثير الفعلي للذكاء الاصطناعي على الأمان والخصوصية والأخلاقيات.
بداية الذكاء الاصطناعي وتطوره
يتجذر الذكاء الاصطناعي في تاريخ طويل من البحث العلمي والتطوير والذي يعود تاريخيًّا إلى فترات قديمة، حيث كانت أفكار الروبوتات والأجسام الذاتية الحركة جزءًا من الأساطير والقصص(1). ولم ينقطع حلم الإنسان بتحقيق ذلك حتى استطاع في منتصف القرن الماضي وضع اللبنة الأولى للذكاء الاصطناعي.
الحاسوب الآلي: في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، تم تطوير أول الحواسيب الآلية، مثل حاسوب تورينغ الشهير، وأصبحت تلك الحواسيب أساسًا لفهم القدرة على المعالجة والحساب(2).
مؤتمر دارتموث: يعد مؤتمر دارتموث الذي انعقد في 1956، نقطة البداية الرسمية لمجال الذكاء الاصطناعي؛ حيث اجتمع فيه مجموعة من العلماء لمناقشة فكرة “الآلات التي تفكر”(3).
تطور الخوارزميات: خلال السنوات التي تلت ذلك، تم تطوير العديد من الخوارزميات التي تمكِّن الحواسب من تعلم مهارات معينة، مثل الشبكات العصبية والتعلم العميق(4).
زيادة قوة المعالجة: مع تطور التكنولوجيا وزيادة قوة المعالجة، أصبح من الممكن معالجة مجموعات بيانات أكبر وتنفيذ خوارزميات معقدة في أوقات قصيرة(5).
البيانات الضخمة: في العقدين الأخيرين، أصبحت البيانات متاحة بكميات غير مسبوقة؛ مما أدى إلى تطور سريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي(6).
لقد بدأ الاهتمام الحقيقي والتطور الملحوظ للذكاء الاصطناعي في العقدين الأخيرين بفضل التقدم التكنولوجي في معالجة البيانات وزيادة قوة المعالجة. وهذه نظرة عامة على مراحل تطور الذكاء الاصطناعي:
البدايات:(1970 – 1950)، في تلك الفترة، كان الهدف من الذكاء الاصطناعي هو محاكاة القدرات البشرية مثل اللعب وحل المشكلات الرياضية. وكان من المتوقع أن يحقق الذكاء الاصطناعي سيحقق إنجازات كبيرة في فترة زمنية قصيرة، لكن هذه التوقعات لم تتحقق.
فترة الشتاء الأولى:(1980 – 1970)، بعد فترة من الحماس الأولي، واجه باحثو الذكاء الاصطناعي تحديات معقدة لم تكن متوقعة، مما أدى إلى تراجع الاهتمام والتمويل في هذا المجال.
انبعاث الذكاء الاصطناعي:(2010 – 1990)، بفضل التقدم في تكنولوجيا الحاسوب، بدأ الذكاء الاصطناعي في الظهور مجددًا، خاصة مع نجاح النماذج المبنية على الشبكات العصبية وظهور تقنيات جديدة مثل تعلم الآلة والتعلم العميق (Deep Learning).
ابتداء من 2010، تطور الذكاء الاصطناعي تطورًا مذهلًا، فأصبح يستخدم في العديد من التطبيقات الحياتية والصناعية، من الرعاية الصحية إلى القيادة الذاتية للسيارات والترجمة الفورية وغيرها. وبموازاة ذلك زاد الاهتمام بالقضايا الأخلاقية والمخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي.
لقد انتقل الذكاء الاصطناعي، بسرعة من حلم للعلماء ليصبح واقعًا في حياتنا اليومية، ودخل في مراحل جديدة ومتقدمة. وقد أطلقت مجموعة من المشاريع لتحسين حياة الإنسان نذكر منها الآتي:
- 1. مشروع OpenAI
هي منظمة بحث غير ربحية تهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية جمعاء وتركز المنظمة على البحث المفتوح وتسعى لتقديم نماذج ذكاء اصطناعي قابلة للتوجيه والتحكم(7).
2 . مشروع DeepMind Health
تم تأسيسها بواسطة Google’s DeepMind وتهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين خدمات الرعاية الصحية، وقد اتفقوا مع الخدمة الوطنية للصحة في المملكة المتحدة لتطوير تطبيقات تساعد في تشخيص الأمراض(8).
- 3. مشروع BERT من Google
BERT هو نموذج لمعالجة اللغة الطبيعية يُستخدم لفهم المعاني في اللغة الإنكليزية، وقد ساعد هذا النموذج في تحسين نتائج البحث على Google وفي العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية الأخرى(9).
- 4. مبادرة Neuralink
هي مبادرة من إيلون ماسك تهدف إلى تطوير واجهات دماغ-حاسوب تستخدم الذكاء الاصطناعي للمساعدة في علاج الأمراض العصبية وتحسين قدرات الإنسان(10).
- 5. مبادرة Facebook AI Research (FAIR)
مركز بحثي لشركة فيسبوك يعمل على مشاريع متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، مثل تقديم مترجمات آلية متقدمة وأنظمة تعرف على الوجوه بكفاءة(11).
مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي
أصبح الذكاء الاصطناعي يُستخدم في مجموعة واسعة من المجالات والصناعات؛ مما أسفر عن تحسين جودة الخدمات وإثراء تجربة المستخدم. ومن أبرز المجالات التي استفادت من تطبيقات للذكاء الاصطناعي مجال الطب؛ إذ يُستخدم في تحليل البيانات الطبية، ومساعدة الأطباء في تشخيص الأمراض وتوصية بأفضل العلاجات. فقد أثَّرت تقنيات التعلم الآلي في تحسين فاعلية الأشعة والتصوير الطبي(12). كذلك يستخدم الذكاء الاصطناعي في مجالي المال والأعمال؛ إذ تعمل الأنظمة الذكية على تحليل البيانات المالية، واقتراح استراتيجيات استثمار، وكشف النصب والاحتيال المالي(13). كذلك يُمكن للذكاء الاصطناعي تقديم برامج تعليمية مُخصصة لاحتياجات كل طالب، وتقديم دعم فوري للطلاب من خلال معالجة اللغة الطبيعية(14). كذلك يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تطوير ألعاب الحاسوب؛ حيث يُضفي عمقًا وواقعية لسلوك الشخصيات في اللعبة. وتستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي كذلك في مجالي النقل والمواصلات؛ إذ يُستخدم في تطوير السيارات ذاتية القيادة ونظم التنقل الذكية، التي تعمل على تحسين السلامة وكفاءة الطرق(15).
ويُمكن للذكاء الاصطناعي العمل على تحليل بيانات المستهلكين وتوجيه الإعلانات المُستهدفة بشكل أفضل في مجال التسويق والمبيعات(16). وأخيرًا، فقد يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل صور الأقمار الصناعية لتقييم صحة المحاصيل وتحسين إدارة المياه والأسمدة(17).
يوفر الذكاء الاصطناعي فرصًا هائلة لتحسين الأداء والكفاءة في العديد من المجالات في ظل تطور التقنيات، فمن المتوقع أن نشهد توسعًا أكبر في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المستقبل، فهو يُشكل قاعدة للعديد من التطبيقات التي نستخدمها يوميًّا. وهذه أمثلة عملية تبين كيف اخترق الذكاء الاصطناعي مختلف جوانب حياتنا.
فتطبيقات مثل Siri من Apple وAlexa من Amazon تستخدم تقنيات التعلم الآلي لفهم الأوامر الصوتية وتنفيذها وبالتالي يمكن استخدامهم كمساعدين صوتيين(18). أما خدمات مثل Netflix وSpotify فتقدم توصيات مُخصصة باستخدام أنظمة التوصية (توصيات الأفلام والموسيقى) التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي(19). وعلى صعيد الترجمة الفورية، يَستخدم تطبيق الترجمة من جوجل Google Translate الشبكات العصبية لتقديم ترجمات من اللغات المختلفة(20). كذلك على صعيد القيادة الذاتية، فالسيارات ذات القيادة الذاتية، مثل تلك التي تُطورها Tesla وWaymo، تعتمد على الذكاء الاصطناعي لاتخاذ قرارات القيادة(21). وفي مجال التحقق من الحقائق، فمثلًا أدوات مثل DeepFact من OpenAI تساعد في التحقق من صحة المعلومات على الإنترنت وفحص الأخبار الزائفة(22)، وفي مجال التعرف على الصور تطبيقات مثل Google Photos تستخدم الذكاء الاصطناعي لتصنيف وبحث الصور بناءً على المحتوى(23).
الأمثلة الواردة أعلاه تُظهر مدى تأثير الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية. ومع استمرار التقدم في هذا المجال، يُتوقع أن نشهد المزيد من التطبيقات العملية التي تُغير وجه العالم.
فوائد ومخاطر الذكاء الاصطناعي
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي من مظاهر الحياة المعاصرة، حاضرًا في كل تفاصيلها، وهذا الحضور يشكل فرصة لتطوير وتحسين الحياة البشرية، لكن يخلق تحديات جمة ويثير مخاوف. وهذا بيان لبعض من فوائد الذكاء الاصطناعي.
تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية: من فوائد الذكاء الاصطناعي للبشرية تحسين الكفاءة وزيادة الإنتاجية حيث يمكن للروبوتات والأنظمة الذكية إجراء مهام بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر في العديد من القطاعات؛ مما يساعد في زيادة الإنتاجية وتقليل التكلفة(24)؛ حيث تعمل الروبوتات بلا كلل أو ملل، وتقوم بتنفيذ المهام بجودة متسقة، مما يقلل من الأخطاء ويزيد من سرعة الإنتاج.
المجال الطبي: يُستفاد من الذكاء الاصطناعي في التعرف على الأمراض والتشخيص الطبي؛ إذ يساعد الأطباء في تشخيص الأمراض واكتشافها في مراحل مبكرة؛ مما يسمح بتقديم العلاج المناسب بسرعة، حيثُ يُساعد التشخيص والكشف المبكر الأطباء في تشخيص الأمراض بدقة أعلى. على سبيل المثال، تمكنت الشبكات العصبية العميقة من تشخيص أمراض الجلد بدقة تُضاهي مستوى خبرة الأطباء المتخصصين، وكذلك تحديد العلاج المثالي للمرضى على أساس جيناتهم وأسلوب حياتهم وغيرها من العوامل الفردية، مما يتيح علاجات أكثر فعالية وأقل كلفة(25). أيضًا تُساعد الروبوتات المُدارة بواسطة الذكاء الاصطناعي الأطباء في إجراء عمليات جراحية دقيقة ومعقدة، مما يقلِّل من مخاطر الجراحة ويُسرِّع وقت التعافي(26). يُمكن للذكاء الاصطناعي معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات الطبية؛ مما يُساعد في التنبؤ بالأمراض وتحديد أفضل السبل للوقاية منها(27). وفي مجال الدعم النفسي تم تطوير روبوتات وتطبيقات تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم الدعم النفسي والتدريب العقلي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية(28). وكمثال واقعي على النقلات التكنولوجية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي فقد تم استخدام Google’s DeepMind في تشخيص أمراض العين بدقة تقارن بالأطباء المتخصصين.
مجال البحث العلمي: يُساعد الذكاء الاصطناعي في خدمة الحركة العلمية وتسارع تقدمها، فتُستخدم الأنظمة الذكية لتحليل البيانات الكبيرة وإجراء التجارب العلمية، مما يُسرع من وتيرة الاكتشافات(29)، ويساعد الباحثين على استخراج المعلومات القيمة والمتعلقة بالبحث(30). كذلك في مجال مراجعة البحوث السابقة والأدبيات تتيح أنظمة التوصية توجيه الباحثين نحو المقالات والأعمال البحثية ذات الصلة، مما يوفر وقتًا وجهدًا في مراجعة البحوث العلمية السابقة(31). ومن فوائده في مجال البحث العلمي تحسين التجارب والمحاكاة، مما يُسهِّل على الباحثين تنفيذ تجاربهم وتحقيق نتائج أكثر دقة(32). ويساعد الذكاء الاصطناعي في الكشف عن التضليل والاحتيال البحثي، فأصبح من الممكن التعرف على الأبحاث المشبوهة أو المكررة، مما يُحافظ على نزاهة العمل البحثي(33). ومن فوائد الذكاء الاصطناعي في مجال البحث العلمي القيام بالتحليل الإحصائي حيث تساعد أدوات التحليل الإحصائي المبنية على الذكاء الاصطناعي الباحثين في تحليل نتائجهم بطرق متقدمة وفعالة(34).
المجال التعليمي: تُمكِّن أدوات التعلم الآلي من تقديم تجربة تعليمية مُخصصة لكل طالب، وتقديم الموارد التعليمية بطرق فعالة(49)؛ حيث تتيح أنظمة الذكاء الاصطناعي تقديم تجربة تعليمية فردية تعتمد على احتياجات كل طالب وأسلوب تعلمه الخاص(35). ومن خلال تحليل أداء الطالب واستجاباته، يمكن تكييف المواد التعليمية لتلائم احتياجاته الفردية. كذلك يُمكن للذكاء الاصطناعي تحليل وتقييم الموارد التعليمية وتقديم توصيات لتحسينها أو تعديلها(36). كما يُمكن استخدامه في إنشاء محتوى تعليمي جديد يتناسب مع متطلبات العصر لجميع الطلبة بل وحتى للطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير وسائل تعليمية تتناسب مع احتياجاتهم الفردية(37). يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين جوة التعليم عبر المساعدة في تقييم أداء الطلاب وتحديد نقاط القوة والضعف في تعلمهم(38). ومن خلال هذه المعلومات، يُمكن للمعلمين والمؤسسات التعليمية تقديم الدعم اللازم لتحقيق تقدم أكبر. يساعد كذلك في تحسين تفاعل المعلم والطالب؛ إذ يُمكن تقديم توجيهات وملاحظات فورية للطلاب أثناء التعلم(39). وهذا يتيح للمعلمين الاهتمام بالمشكلات والتحديات بشكل أسرع. يُقدم الذكاء الاصطناعي مجموعة من الفرص التي يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا في تحسين جودة التعليم. ومع تقدم التكنولوجيا، من المتوقع أن يظهر المزيد من التطبيقات التي تُساعد في تحقيق بيئة تعليمية أكثر فعالية وشمولية.
حماية البيئة: الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه في تحليل التغيرات المناخية والمساعدة في التنبؤ بالكوارث الطبيعية ووضع الحلول للحد من آثارها(40).
تحسين جودة المواصلات عن طريق الذكاء الاصطناعي: الأنظمة المبنية على الذكاء الاصطناعي قادرة على معالجة المعلومات واتخاذ قرارات بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر؛ مما يؤدي إلى تحسين جودة المواصلات وتقليل الحوادث، وأبرز هذه الأنظمة نظام القيادة الذاتية الذي يُعد واحدًا من أكثر التطورات إثارة في مجال المواصلات؛ إذ تتيح السيارات ذاتية القيادة تقليل أعداد الحوادث المرورية المرتبطة بأخطاء السائقين، وتحسين تدفق حركة المرور(41)، كذلك يمكن استخدام هذه الأنظمة في إدارة حركة المرور عبر تحليل البيانات من الكاميرات والأقمار الصناعية لضبط إشارات المرور وتوجيه حركة السيارات بشكل أكثر فعالية(42). وعلى صعيد النقل العام، تُسهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحسين توقعات وقت الوصول، وتحسين تجربة الركاب من خلال توفير معلومات دقيقة عن مواعيد النقل العام(43). كذلك يُمكن التنبؤ بالأعطال المحتملة في البنية التحتية للمواصلات والقطارات والطائرات، مما يُقلل من التأخيرات والأعطال وهذا ما يُسمى “الصيانة التنبؤية”(44). ويلعب الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًّا في تعزيز الأمان المروري؛ فيُمكنه مساعدة الباحثين في فهم أسباب الحوادث المرورية، وتطوير إستراتيجيات لمنعها في المستقبل(45). إن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال المواصلات يُقدم فرصًا لا حصر لها في تحسين الأمان والفاعلية وجودة الخدمة. وبفضل التقنيات المتقدمة، يمكننا الآن توقع وتقديم حلول للتحديات التي كانت في السابق تبدو خارج نطاق الإمكان.
تحسين جودة الأمن والأمان: يعد الأمن والأمان من أهم العناصر التي تضمن استقرار المجتمعات وحماية الأفراد. مع تطور التكنولوجيا، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة رئيسية في تعزيز هذا الأمان ومواجهة التحديات المعاصرة، مما يُحدث طفرة نوعية في مجالات الأمن المتنوعة، فأصبح من الممكن التعرف على الوجوه والأشخاص والأغراض بدقة عالية؛ مما يسهم في كشف الجريمة وتقديم الأمان في الأماكن العامة(46).كذلك يساعد الذكاء الاصطناعي في التعرف على السلوكيات الشاذة إذ تتيح الأنظمة الذكية التحليل الفوري للبيانات واكتشاف السلوكيات غير العادية أو المشبوهة في الوقت الفعلي؛ ما يُفضي إلى اتخاذ إجراءات وقائية(47). وعلى صعيد الأمن السيبراني فإن الذكاء الاصطناعي يقدم حلولًا متقدمة في هذا المجال من خلال التعرف على نماذج الهجمات ورصد أي نشاط مشبوه وتقديم حماية فعالة للشبكات والأنظمة(48). كذلك يمكن التنبؤ بالأحداث باستخدام الذكاء الاصطناعي، عبر تحليل مجموعات كبيرة من البيانات وتوقع الأحداث المحتملة قبل حدوثها، مما يسمح باتخاذ إجراءات وقائية(49) والاستجابة الفورية للتهديدات واتخاذ الإجراءات المناسبة بشكل تلقائي وفوري(50). مع تقدم الذكاء الاصطناعي، أصبح لدينا القدرة على تقديم حلول أمنية مبتكرة تواكب التطورات الحالية وتضمن الأمان للأفراد والمؤسسات على حدٍّ سواء.
تحسين جودة دعم واتخاذ القرارات: في عالم اليوم سريع التطور، تزداد التحديات والمشكلات التي تواجه الأفراد والمؤسسات في مختلف المجالات. وفي هذا السياق، يسعى الجميع إلى تحسين ورفع جودة القرارات التي يتم اتخاذها. يقدم الذكاء الاصطناعي فرصًا هائلة في هذا المجال، من خلال توفير أدوات وتقنيات قادرة على دعم عملية اتخاذ القرارات وتحسينها. يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قصير، مما يساعد على الحصول على رؤى ومعلومات قيمة يُمكن الاستناد عليها في اتخاذ القرارات(51). كذلك تُمكِّن تقنيات التعلم الآلي من التعرف على الأنماط والتوجهات في البيانات، مما يُسهل توقع الأحداث المستقبلية واتخاذ قرارات إستراتيجية مبنية على تلك التوقعات(52). كذلك تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على تقدم توصيات واقتراحات مبنية على التحليلات، مما يُسهِّل على صانع القرار التوصل إلى قرار مستنير(53). كما يُسهم الذكاء الاصطناعي في معالجة المعلومات بسرعة وتقديم حلول في الوقت المناسب للتكيف مع التغييرات(54).كما يمكن للذكاء الاصطناعي التفاعل مع أنظمة أخرى واستيراد المعلومات الضرورية لدعم عملية اتخاذ القرار(55).
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي أداة مهمة في دعم عملية اتخاذ القرار، سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أم المؤسسات. وخلاله يُمكن تحسين جودة القرارات والاستجابة بشكل أسرع للتحديات المختلفة.
الذكاء الاصطناعي التوليدي: يُعد الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative Artificial Intelligence) من أحدث التطورات والابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي. يستخدم هذا النوع من الذكاء الاصطناعي الخوارزميات لإنشاء محتوى جديد، سواء كان ذلك في شكل نصوص، أو صور، أو حتى موسيقى، استنادًا إلى البيانات التي تم تدريبه عليها(56).
تستند آليات عمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على الشبكات العصبية التوليدية (Generative Adversarial Networks) والتي تتكون من شبكتين: واحدة توليدية وأخرى تمييزية. تعمل الشبكة التوليدية على إنشاء البيانات، بينما تعمل الشبكة التمييزية على تحديد مدى قرب هذه البيانات من البيانات الحقيقية(57).
ومن أبرز الأمثلة على الذكاء الاصطناعي التوليدي تطبيقات المحادثة الذكية الشات بوت مثل تطبيق ChatGPT من شركة OpenAI وتطبيق “بارد” من جوجل. كذلك من الأمثلة تقنية (Deepfake) والتي تُستخدم لإعادة توليد وجوه الأشخاص في مقاطع الفيديو؛ مما يتيح إعادة الكلام والحركات بشكل طبيعي(58).
ويمكن استخدام هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في الفن والذي يتيح إنشاء اللوحات والموسيقى، وكذلك في التصميم لتوليد تصاميم جديدة للملابس أو المنتجات، كذلك في قطاع الصحة لغرض توليد بيانات طبية للبحث، وأيضًا في الترفيه حيث يستخدم لإنشاء شخصيات وسيناريوهات جديدة لألعاب الفيديو(59).
ومن المخاطر المحتملة لهذا النوع استخدامه في عملية التزوير؛ إذ يمكن استخدام التكنولوجيا في إنشاء مقاطع فيديو مزورة يمكن أن تؤدي إلى مشكلات سياسية أو اجتماعية. كذلك في انعدام الخصوصية حيث إمكانية استخدام الصور الشخصية في توليد محتوى غير مرغوب ويمكن أن يكون ضارًّا أو مضللًا(60).
بينما تحقق تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) تقدمًا كبيرًا وتحوز الاهتمام في العديد من القطاعات، فإن هناك مخاوف بشأن التأثيرات والتحديات المحتملة لهذه التكنولوجيا التي يتفق الخبراء على أن لها أخطارًا حالها حال أي أداة نستخدمها، فيمكن استخدامها لأغراض جيدة أو سيئة، ويجب عدم الاستهانة بأخطار هذه الأداة على الوعي البشري والمعرفة، وفيما يلي نستعرض بعض المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
فقدان الوظائف: فمع ظهور الأنظمة المستقلة والروبوتات، يُتوقع أن يتم استبدال العديد من الوظائف التي يقوم بها البشر(61)، مثلًا القيادة الذاتية قد تقلِّل من حاجة الناس إلى سائقي الشاحنات أو التاكسي، وهذا الاعتماد الزائد على التكنولوجيا قد يؤدي إلى تدهور المهارات البشرية في بعض المجالات(62). كذلك يتوقع الخبراء أن بعض الوظائف قد تختفي بالكامل بسبب الأتمتة والذكاء الاصطناعي؛ إذ يُشار إلى أن الوظائف الروتينية هي الأكثر عرضة للخطر(63). وعلى الرغم من فقدان بعض الوظائف، فإن الذكاء الاصطناعي سيُنشئ أيضًا وظائف جديدة وفرصًا لأعمال جديدة لم تكن موجودة من قبل. وقد يؤدي انتشار الذكاء الاصطناعي إلى زيادة في الرواتب لبعض المهن المتخصصة، بينما قد يقلل الرواتب في المهن الأخرى، لذا تحمل تقنيات الذكاء الاصطناعي تأثيرات مزدوجة على سوق العمل، فبينما قد تؤدي إلى فقدان وظائف في بعض القطاعات، فإنها قد تخلق فرصًا جديدة في قطاعات أخرى. ومن الضروري استعداد الحكومات والمؤسسات التعليمية لهذا التحول من خلال توفير التدريب المستمر والتعليم للأفراد.
التحيز والانحيازات: فإذا تم تدريب نظام الذكاء الاصطناعي على بيانات متحيزة، فقد ينعكس هذا التحيز في قراراته. على سبيل المثال، إذا تم تغذية الذكاء الاصطناعي بمقالات تؤيد فكرة الشذوذ الجنسي فقط، قد يعدها الحقيقة الوحيدة وخلافها قليل ونادر وشاذ(64).
تقليل قدرات البشر والوعي الجماعي: ومن المخاطر أيضًا أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تقليل القدرة البشرية على التفكير النقدي، فقد يتم قبول المعلومات المقدمة من قبل الذكاء الاصطناعي على أنها مسلَّمات دون تساؤل وهذا يؤدي إلى مشكلة أخرى وهي تقليل التنوع المعرفي، فعند اعتماد الجميع على الأدوات نفسها أو المصادر للحصول على المعلومات، قد يتم تقليل التنوع في المعرفة والآراء، وكذلك تقليل الوعي الجماعي، فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤثر على الطريقة التي نرى بها العالم ونتفاعل معه. ففضلًا عن تقليل القدرات يمكن أن تتغير القيم والمعايير أيضًا بناءً على المعلومات والأفكار التي يقدمها لنا الذكاء الاصطناعي(65).
الخصوصية والتلاعب: يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل وتتبع سلوكيات الأشخاص واستغلالها لأغراض تسويقية أو سياسية أو غير ذلك، وهذا قد يؤدي إلى التأثير في آرائهم وتصرفاتهم، كما حدث في الانتخابات الأميركية وفضيحة شركة كامبريدج أناليتيكا المشهورة(66). وقد تُستخدم البيانات بطريقة لا أخلاقية عبر جمع البيانات وتحليلها دون علم أو مُوافقة الأشخاص، مما يشكل تهديدًا للخصوصية والحريات الفردية(67).
مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وانتشار استخدامها في مختلف جوانب الحياة، ازداد القلق من المخاطر الأمنية ومشكلات الخصوصية المرتبطة بهذه التكنولوجيا، ومنها التلاعب بالمعلومات حيث يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى مزيف ومضلل، مثل الفيديوهات المعدلة (Deepfakes)، مما يُهدد الحقيقة والثقة في المحتوى الرقمي(68).
تهديدات الأمان السيبراني: قد تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في اختراق الشبكات وتجاوز أنظمة الأمان، مما يجعل مواجهة التهديدات الأمنية أكثر تعقيدًا(69).
عدم معرفة طريقة اتخاذ القرارات: وأبرز هذه المخاطر أننا -نحن البشر- لا نعرف كيف تفكر هذه الأنظمة المعقدة وكيف تتخذ قرارتها دون الكشف عن أسبابها، مما يجعل من الصعب فحصها والتحقق من صحتها(70)، وخصوصًا إذا اعتمد عليها في اتخاذ القرارات في القطاعات الحيوية وتمس حياة الناس مثل الطيران والرعاية الصحية(71)، أو حتى في قرارات أقل خطورة مثل قرارات الائتمان أو الوظائف، مما قد يؤدي إلى نتائج غير عادلة.
التفاوت الاقتصادي: فقد يؤدي الاعتماد على التكنولوجيا إلى زيادة التفاوت الاقتصادي؛ إذ يستفيد الأثرياء أكثر من الفقراء من التقدم التكنولوجي(72).
ومع جملة هذه المخاطر فقد تؤدي إلى فقدان الثقة، فإذا كان الأشخاص يشعرون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون محينًا أو يمثل جانبًا واحدًا فقط من القضية، قد يفقدون الثقة في التكنولوجيا برمتها(73).
مع كل الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي، فإنه من الضروري مراقبة وتقييم المخاطر المرتبطة به ومن خلال فهم هذه المخاطر، يمكننا توجيه تطور وتطبيق الذكاء الاصطناعي بطريقة تُعظم الاستفادة القصوى وتقليل الضرر، وهذا ما أثار حفيظة كبار الشخصيات المؤثرة في المجال التقني وحدا بها إلى معارضة الذكاء الاصطناعي المطلق وغير المنضبط. لمعالجة هذه المخاطر، يجب التأكد من تنوع المصادر المستخدمة في تدريب الأنظمة، وتقديم وسائل للتحقق من صحة المعلومات، وضمان الشفافية في طريقة عمل النظام، وزيادة الوعي بين المستخدمين بشأن هذه المخاطر.
عبَّر بعض الشخصيات المرموقة في مجال العلم والتكنولوجيا عن قلقهم وتحفظهم بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على المستقبل، ومن أبرز المعارضين للذكاء الاصطناعي رجل الأعمال والمستثمر الأميركي، إيلون ماسك (Elon Musk)، ووجه معارضته يكمن في تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل غير محدد وغير مراقب، ورأي فيه “أكبر تهديد يواجه البشرية”. ودعا إلى تنظيم أكثر صرامة لهذا المجال. ومن المعارضين أيضًا عالم الفيزياء الشهير البروفيسور، ستيفن هوكينج(stephen hawking) ، ووجه معارضته وقلقه من الذكاء الاصطناعي أنه قد يصبح في النهاية أكثر ذكاءً من البشر ويمكن أن يتسبب في انقراض الجنس البشري إذا لم يتم التحكم فيه بشكل منضبط. وينضمُ إلى قافلة المعارضين مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، الذي عبَّر عن قلقه من أن يصبح ذكاء الآلة خارج السيطرة(74). وكان أستاذ الفلسفة في جامعة أكسفورد، نيك بوسترو (Nick Bostrom) ، مؤسس معهد المستقبل للإنسانية، ومؤلف كتاب “Superintelligence: Paths Dangers Strategies”، قد حذَّر في كتابه من الأخطار التي قد تنطوي عليها تطورات الذكاء الاصطناعي السريعة وكيف قد تؤدي إلى نتائج لم يتم التنبؤ بها(75).
ومن ضمن الشخصيات المعارضة للذكاء الاصطناعي وأثره على اقتصاد العالم ووظائف الإنسان، جيري كابلان (Jerry Kaplan)، وهو خبير تكنولوجيا ومؤلف كتاب ”Humans Need Not Apply: A Guide to Wealth and Work in the Age of Artificial Intelligence”، والذي ناقش فيه الأثر المحتمل للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والوظائف(76).
وحذَّر الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ماكس تيغمارك(Max Tegmark) ، من أن الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في كوارث عالمية إذا لم يتم التحكم فيه بشكل جيد(77).
يجب أخذ آراء هؤلاء الخبراء على محمل الجد لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تخدم الإنسانية ولا تضرها، فعلى الرغم من فوائد الذكاء الاصطناعي، فإن القلق المرتبط بتأثيره على المستقبل لا يزال موضوعًا للنقاش والتأمل. إن الحاجة إلى التنظيم والمراقبة والبحث المستمر في هذا المجال أصبحت ضرورية من أجل توجيه التكنولوجيا نحو الاستفادة القصوى منها دون المساومة على الأمان.
خاتمة
لقد شهد الذكاء الاصطناعي تقدمًا هائلًا منذ نشأته؛ حيث أسهمت الشبكات العصبية وتعمق التعلم في دفع هذه التكنولوجيا نحو حقبة جديدة من الابتكار والتطبيقات العملية، وأصبح للذكاء الاصطناعي دور كبير في تحسين جودة الحياة، والمساهمة في البحوث العلمية، وتطوير المجتمعات على نطاق واسع.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات والأخطار المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل تأثيراته على سوق العمل والوظائف والأمن والخصوصية، وكلها قضايا تحتاج إلى عناية واهتمام خاص. إن التعامل مع هذه التحديات يتطلب تكاملًا بين السياسات التنظيمية والأخلاقية والابتكار التكنولوجي لضمان تحقيق أقصى فائدة من الذكاء الاصطناعي مع تقليل أضراره المحتملة.
نستطيع أن نستنتج من هذه الدراسة أن الذكاء الاصطناعي هو سيف ذو حدين. فمع كل فرصة تحسين وابتكار، هناك تحديات وأخطار يجب معالجتها بعناية لضمان تحقيق الأمان والعدالة والفعالية في استخدام هذه التقنية. فمثلًا في المجال الطبي، أثبت الذكاء الاصطناعي فعاليته في تشخيص الأمراض بدقة تُضاهي مستوى خبرة الأطباء المتخصصين، ولكن هناك مخاوف أخلاقية فالبيانات الطبية حساسة وخصوصيتها قد تكون معرضة للخطر، وكذلك في مجال البحث العلمي حيث يساعد الذكاء الاصطناعي في التحليل الإحصائي للبيانات، ويُسرِّع وتيرة الاكتشافات العلمية. ومع ذلك، فإن الاعتماد الزائد عليه قد يقود إلى تضليل بحثي وخطر التلاعب بالبيانات؛ فهنا تظل الحاجة للرصد البشري والتدقيق لضمان نزاهة البحث. وفي مجال التعليم، يعد الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتخصيص التعليم وتحسين جودته، ولكن هناك مخاوف من فقدان العلاقة البشرية بين الطلاب والمعلمين التي تُعد جزءًا أساسيًّا من العملية التعليمية.
يُعد الذكاء الاصطناعي ميدانًا مزدهرًا للابتكار والتطوير، فالبيانات الضخمة، وتعلم الآلة، والأتمتة ستستمر في تشكيل المجتمعات والصناعات، كذلك فإن تطورات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي تحمل إمكانيات لا حصر لها في تحسين الابتكار والإبداع في مجموعة متنوعة من المجالات.
من المهم أن نتأهب لتلك التحديات والفرص، من خلال تطوير مجموعة من الاستراتيجيات الفعَّالة لضمان التوجيه الأمثل لهذه التكنولوجيا الواعدة، والعمل على تحقيق توازن بين التطور التكنولوجي والاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية ووضع السياسات والأطر التي تضمن استخدامًا آمنًا ومسؤولًا لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لضمان أن تكون فوائده أكبر من تحدياته وأخطاره لضمان أن يسهم الذكاء الاصطناعي في بناء مستقبل مستدام ومزدهر للجميع.
المراجع
(1) McCorduck P, Cfe C. Machines who think: A personal inquiry into the history and prospects of artificial intelligence: CRC Press; 2004.
(2) Turing AMJM. Mind. 1950;59(236):433-60.
(3) McCarthy J, Minsky ML, Rochester N, Shannon CEJAm. A proposal for the dartmouth summer research project on artificial intelligence, august 31, 1955. 2006;27(4):12-.
(4) LeCun Y, Bengio Y, Hinton GJn. Deep learning. 2015;521(7553):436-44.
(5) Hennessy JL, Patterson DA. Computer architecture: a quantitative approach: Elsevier; 2011.
(6) Mayer-Schönberger V, Cukier K. Big data: A revolution that will transform how we live, work, and think: Houghton Mifflin Harcourt; 2013.
(7) Powles J, Hodson HJH, technology. Google DeepMind and healthcare in an age of algorithms. 2017;7(4):351-67.
(8) Devlin J, Chang M-W, Lee K, Toutanova KJapa. Bert: Pre-training of deep bidirectional transformers for language understanding. 2018.
(9) Musk EJJMIR. Neuralink 2019 An integrated brain-machine interface platform with thousands of channels. 2019;21(10):E16194.
(10) Mackenzie AJI, Communication, Society. From API to AI: platforms and their opacities. 2019;22(13):1989-2006.
(11) Esteva A, Kuprel B, Novoa RA, Ko J, Swetter SM, Blau HM, et al. Dermatologist-level classification of skin cancer with deep neural networks. 2017;542(7639):115-8.
(12) Jha S, Topol EJJJ. Adapting to artificial intelligence: radiologists and pathologists as information specialists. 2016;316(22):2353-4.
(13) Luckin RJNHB. Towards artificial intelligence-based assessment systems. 2017;1(3):0028.
(14) Bojarski M, Del Testa D, Dworakowski D, Firner B, Flepp B, Goyal P, et al. End to end learning for self-driving cars. 2016.
(15) Ahmad TJHE, Skills, Learning W-B. Scenario based approach to re-imagining future of higher education which prepares students for the future of work. 2020;10(1):217-38.
(16) Kamilaris A, Prenafeta-Boldú FXJC, agriculture ei. Deep learning in agriculture: A survey. 2018;147:70-90.
(17) Voorveld HA, Araujo TJC, Behavior,, Networking S. How social cues in virtual assistants influence concerns and persuasion: the role of voice and a human name. 2020;23(10):689-96.
(18) Gomez-Uribe CA, Hunt NJAToMIS. The netflix recommender system: Algorithms, business value, and innovation. 2015;6(4):1-19.
(19) Wu Y, Schuster M, Chen Z, Le QV, Norouzi M, Macherey W, et al. Google’s neural machine translation system: Bridging the gap between human and machine translation. 2016.
(20) Buehler M, Iagnemma K, Singh S. The DARPA urban challenge: autonomous vehicles in city traffic: springer; 2009.
(21) Hendrix J, Morozoff D. Media Forensics in the Age of Disinformation. Multimedia Forensics: Springer Singapore Singapore; 2022. p. 7-40.
(22) Jacobson MZ, Delucchi MAJEp. Providing all global energy with wind, water, and solar power, Part I: Technologies, energy resources, quantities and areas of infrastructure, and materials. 2011;39(3):1154-69.
(23) Katz YJAaS. Manufacturing an artificial intelligence revolution. 2017.
(24) Brynjolfsson E, McAfee A. The second machine age: Work, progress, and prosperity in a time of brilliant technologies: WW Norton & Company; 2014.
(25) Philip AK, Faiyazuddin MJAHoAIiDD. An overview of artificial intelligence in drug development. 2023:1-8.
(26) Smith R, Patel V, Satava RJTijomr, surgery ca. Fundamentals of robotic surgery: a course of basic robotic surgery skills based upon a 14‐society consensus template of outcomes measures and curriculum development. 2014;10(3):379-84.
(27) Rajkomar A, Dean J, Kohane IJNEJoM. Machine learning in medicine. 2019;380(14):1347-58.
(28) Fitzpatrick KK, Darcy A, Vierhile MJJmh. Delivering cognitive behavior therapy to young adults with symptoms of depression and anxiety using a fully automated conversational agent (Woebot): a randomized controlled trial. 2017;4(2):e7785.
(29) Jordan MI, Mitchell TMJS. Machine learning: Trends, perspectives, and prospects. 2015;349(6245):255-60.
(30) Seife C. Big data: The revolution is digitized. Nature Publishing Group UK London; 2015.
(31) Beel J, Genzmehr M, Langer S, Nürnberger A, Gipp B, editors. A comparative analysis of offline and online evaluations and discussion of research paper recommender system evaluation. Proceedings of the international workshop on reproducibility and replication in recommender systems evaluation; 2013.
(32) Silver D, Schrittwieser J, Simonyan K, Antonoglou I, Huang A, Guez A, et al. Mastering the game of go without human knowledge. 2017;550(7676):354-9.
(33) Markowitz DM, Hancock JTJPo. Linguistic traces of a scientific fraud: The case of Diederik Stapel. 2014;9(8):e105937.
(34) Breiman LJMl. Random forests. 2001;45:5-32.
(35) Baker RSJIJoAIiE. Stupid tutoring systems, intelligent humans. 2016;26:600-14.
(36) Bull S, Kay JJIJoAIiE. SMILI☺: A framework for interfaces to learning data in open learner models, learning analytics and related fields. 2016;26:293-331.
(37) Fadel C, Holmes W, Bialik MJTCfCR. Artificial intelligence in education: Promises and implications for teaching and learning. 2019.
(38) Kelleher JD, Mac Namee B, D’arcy A. Fundamentals of machine learning for predictive data analytics: algorithms, worked examples, and case studies: MIT press; 2020.
(39) Siemens G, Baker RSd, editors. Learning analytics and educational data mining: towards communication and collaboration. Proceedings of the 2nd international conference on learning analytics and knowledge; 2012.
(40) VanLehn KJEp. The relative effectiveness of human tutoring, intelligent tutoring systems, and other tutoring systems. 2011;46(4):197-221.
(41) Kochanski K, Rolnick D, Donti P, Kaack L, editors. Climate change+ AI: Tackling climate change with machine learning. AGU Fall Meeting Abstracts; 2019.
(42) Anderson J, Kalra N, Stanley K, Sorensen P, Samaras C, Oluwatola OJPCS. Autonomous vehicle technology: A guide for policymakers. RAND Corporation, Santa Monica, CA. 2016.
(43) Zhu F, Ukkusuri Svjtrpcet. A linear programming formulation for autonomous intersection control within a dynamic traffic assignment and connected vehicle environment. 2015;55:363-78.
(44) Cats O, Jenelius EJN, Economics S. Dynamic vulnerability analysis of public transport networks: mitigation effects of real-time information. 2014;14:435-63.
(45) Gupta BB, Gaurav A, Marín EC, Alhalabi WJItoits. Novel graph-based machine learning technique to secure smart vehicles in intelligent transportation systems. 2022.
(46) Rathore MM, Paul A, Rho S, Khan M, Vimal S, Shah SAJSC, et al. Smart traffic control: Identifying driving-violations using fog devices with vehicular cameras in smart cities. 2021;71:102986.
(47) Jain AK, Ross A, Prabhakar SJIToc, technology sfv. An introduction to biometric recognition. 2004;14(1):4-20.
(48) Kim J, Nakashima M, Fan W, Wuthier S, Zhou X, Kim I, et al. A machine learning approach to anomaly detection based on traffic monitoring for secure blockchain networking. 2022;19(3):3619-32.
(49) Buczak AL, Guven EJICs, tutorials. A survey of data mining and machine learning methods for cyber security intrusion detection. 2015;18(2):1153-76.
(50) Kong D, Chen Y, Li NJPotIoME, Part C: Journal of Mechanical Engineering Science. Monitoring tool wear using wavelet package decomposition and a novel gravitational search algorithm–least square support vector machine model. 2020;234(3):822-36.
(51) Garcia ML, Bray OH. Fundamentals of technology roadmapping. Sandia National Lab.(SNL-NM), Albuquerque, NM (United States); 1997.
(52) Chen H, Chiang RH, Storey VCJMq. Business intelligence and analytics: From big data to big impact. 2012:1165-88.
(53) Provost F, Fawcett T. Data Science for Business: What you need to know about data mining and data-analytic thinking: ” O’Reilly Media, Inc.”; 2013.
(54) Power DJhDChdh, version 4.0, March 10. A Brief History of Decision Support Systems. DSSResources. COM, World Wide Web. 2007.
(55) Wang T, Li Y, Kang B, Li J, Liew J, Tang S, et al., editors. The devil is in classification: A simple framework for long-tail instance segmentation. Computer Vision–ECCV 2020: 16th European Conference, Glasgow, UK, August 23–28, 2020, Proceedings, Part XIV 16; 2020: Springer.
(56) Adomavicius G, Bockstedt JC, Gupta A, Kauffman RJJMQ. Making sense of technology trends in the information technology landscape: A design science approach. 2008:779-809.
(57) Goodfellow I, Pouget-Abadie J, Mirza M, Xu B, Warde-Farley D, Ozair S, et al. Generative adversarial nets. 2014;27.
(58) Mirza M, Osindero SJapa. Conditional generative adversarial nets. 2014.
(59) Korshunov P, Marcel SJapa. Deepfakes: a new threat to face recognition? assessment and detection. 2018.
(60) Elgammal A, Liu B, Elhoseiny M, Mazzone MJapa. Can: Creative adversarial networks, generating” art” by learning about styles and deviating from style norms. 2017.
(61) Brundage M, Avin S, Clark J, Toner H, Eckersley P, Garfinkel B, et al. The malicious use of artificial intelligence: Forecasting, prevention, and mitigation. 2018.
(62) Arntz M, Gregory T, Zierahn U. The risk of automation for jobs in OECD countries: A comparative analysis. 2016.
(63) Kahneman D. Thinking, fast and slow: macmillan; 2011.
(64) Frey CB, Osborne MAJTf, change s. The future of employment: How susceptible are jobs to computerisation? 2017;114:254-80.
(65) Ntoutsi E, Fafalios P, Gadiraju U, Iosifidis V, Nejdl W, Vidal ME, et al. Bias in data‐driven artificial intelligence systems—An introductory survey. 2020;10(3):e1356.
(66) O’neil C. Weapons of math destruction: How big data increases inequality and threatens democracy: Crown; 2017.
(67) Efthymiou-Egleton I-P, Egleton T-WE, Sidiropoulos SJIJoIS, Technology R. Artificial Intelligence (AI) in Politics: Should Political AI be Controlled? 2020;5(2).
(68) Pasquale F. The black box society: The secret algorithms that control money and information: Harvard University Press; 2015.
(69) Citron DK, Chesney RJFA. Deepfakes and the new disinformation war. 2019.
(70) Jobin A, Ienca M, Vayena EJNmi. The global landscape of AI ethics guidelines. 2019;1(9):389-99.
(71) Doshi-Velez F, Kim BJapa. Towards a rigorous science of interpretable machine learning. 2017.
(72) Scharre P. Army of none: Autonomous weapons and the future of war: WW Norton & Company; 2018.
(73) Vallas S, Schor JBJARoS. What do platforms do? Understanding the gig economy. 2020;46:273-94.
(74) Zuboff S. The age of surveillance capitalism: The fight for a human future at the new frontier of power: Barack Obama’s books of 2019: Profile books; 2019.
(75) Tegmark M. Life 3.0: Being human in the age of artificial intelligence: Vintage; 2018.
(76) Boström NJSP, dangers, strategies. Superintelligence: Paths, dangers, strategies. 2014.
(77) Kaplan J. Humans Need Not Apply: A Guide to Wealth & Work in the Age of Artificial Intelligence: Yale University Press; 2015.
* د. باحثة في مجال الهندسة المدنية والمعمارية، مدير الإدارة اللوجستية في منصة أُريد العلمية
Researcher in the field of Civil Engineering and Architecture and Logistics Manager at ARID Scientific LTD