شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات جيوبوليتيكية جذرية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين صَحِبها تبدل متسارع في ميزان القوى الإقليمي وكذلك فيما يتعلق بخارطة التحالفات الإقليمية بدءًا باحتلال التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لأفغانستان، وليس انتهاءً بغزو العراق، تبعها خلل واضح في ميزان القوى الإقليمي من الناحية العسكرية لصالح إسرائيل، وصعودٌ غير مسبوق للنفوذ الإيراني. ومع فشل الولايات المتحدة في توظيف “القوة الصلبة” للحصول على نتائج سياسية مُرضية، عاد النقاش مجددًا حول مدى نجاعة “القوة الصلبة” في تحقيق أهداف السياسة الخارجية للقوى الكبرى أو الإقليمية. وسلَّطت تلك الأحداث الضوء على مفاهيم ومصطلحات حديثة نسبيًّا في حقل العلاقات الدولية من قبيل “القوة الناعمة”.
تزامنت هذه التحولات مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا في العام ٢٠٠٢، وذلك بعد حوالي عام واحد فقط من تأسيسه. لم يتم إعطاء هذا الحدث الكثير من الأهمية في بداية المطاف سيما أنه اتخذ طابعًا محليًّا، لكن سرعان ما لفت الحزب الانتباه لاحقًا، وتحول خلال سنوات قليلة فقط إلى محور اهتمام إقليمي ودولي. أدى ذلك إلى تصاعد النقاش حول “القوة الناعمة” التركية ودور تركيا الخارجي بوصفها “قوة إقليمية صاعدة” أو “قوة متوسطة” تقليدية. وخلال فترة قصيرة نسبيًّا، استطاعت تركيا تأسيس “قوة ناعمة” لها وتوظيفها بشكل فعال في المحيط الإقليمي.
وبالرغم من اندلاع الثورات العربية في نهاية العام ٢٠١٠، ظلت القوة الناعمة التركية فاعلة خلال السنوات الأولى من اندلاع الثورات العربية، لكنها سرعان ما بدأت تتراجع شيئًا فشيئًا بفعل العوامل الخارجية الإقليمية التي سادتها صراعات إقليمية ودولية تعتمد على “القوة الصلبة”. ونتيجة للاعتماد الحصري على “القوة الناعمة” وعدم وجود رغبة في الركون إلى “قوتها الصلبة”، انعكست حالة عدم الاستقرار الإقليمية على الداخل التركي، ما أدى بدوره إلى تآكل “القوة الناعمة” للبلاد.
أدت المخاطر الجيوبوليتيكية والجيو-أمنية المتزايدة إلى وضع تركيا في موقع دفاعي؛ الأمر الذي نجم عنه تراجع في دورها وتأثيرها في المحيط الإقليمي، لكنها سرعان ما تداركت الأمر في العام ٢٠١٦ وقررت الاعتماد على “القوة الصلبة” في السياسة الخارجية والأمنية للبلاد. ومع إنشاء القواعد العسكرية المتقدمة في قلب المحيط الإقليمي، وإطلاق عدد من العمليات العسكرية الخارجية، بدا أن تركيا تحصد بعض النقاط الإيجابية فيما يتعلق بحصر الأضرار ووقف التراجع الإقليمي التركي والعودة مجددًا للعب دور مع الكبار في مجال التأثير في إعادة تشكيل المحيط الجيوبوليتيكي.
تناقش الورقة الإطار النظري لـ”القوة الناعمة” و”القوة الصلبة”، وتبحث مسار صعود قوة تركيا الناعمة منذ العام ٢٠٠٢ وحتى اندلاع الثورات العربية، في مقابل أفول هذه القوة وصعود “القوة الصلبة” في مرحلة ما بعد الثورات العربية ولاسيما منذ العام ٢٠١٦.
الإطار النظري للنقاش حول “القوة الناعمة” و”القوة الصلبة”
يعد مفهوم القوة من المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية، وهو أحد العناصر المهمة ذات المعنى المتداخل والمتعدد الدلالات. تسعى الدول لامتلاك مصادر القوة لتحقيق مصالحها القومية والتفوق على خصومها.
ورغم البساطة اللفظية لمصطلح “القوة” إلا أنه من الصعب بمكان تحديد ماذا تعني القوة ما لم تتم مناقشتها في إطار محدد مرتبط بعلم من العلوم ومكان وزمان ووسيلة وغاية. الجدل حول ماهية القوة وأشكالها
قديم، فهناك مقولة شهيرة عن أن “القوة هي الحق”، وهناك مقولة أخرى لألفن توفلر بأن “المعرفة هي
القوة” وأن امتلاك المعرفة هو الأساس لامتلاك الثروة والقوة العسكرية. في حين يعتبر الفيلسوف الفرنسي، ميشيل فوكو، أن أساس القوة هو التفاعل وأنها لا توجد إلا عندما تُستخدم[i].
بدأ النقاش حول مدى جدوى “القوة الصلبة” (Hard Power) في تحقيق أهداف سياسية يبرز شيئا فشيئًا مع ظهور مفهوم “القوة الناعمة” (Soft Power)، ثم أخذ يزداد بشكل متسارع مع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يُعتبر “جوزف ناي”، أول من استخدم مصطلح “القوة الناعمة”، علمًا بأنه كان قد صاغ لَبِناتِ هذا المصطلح في كتابه “وثبة نحو القيادة” (Bound to Lead) الذي أصدره بداية التسعينات من القرن الماضي وتحديدًا في العام ١٩٩٠، ثم أعاد استخدامه في كتابه “مفارقة القوة الأميركية” (The Paradox of American Power)، عام ٢٠٠٢، حيث وضعه كعنوان فرعي صغير شمل عددًا محدودًا من الصفحات بلغ عددها أربع صفحات، وإن كان استخدم المصطلح في أكثر من مكان في كتابه هذا.[ii]
توسَّع “ناي” فيما بعد في مفهوم “القوة الناعمة”، فوضع كتابًا عام ٢٠٠٤ بعنوان “القوة الناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية”. ويعرِّف “ناي” القوة بشكل عام بأنها “القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج المرجوة”[iii]، وذلك إما عبر إجبارهم من خلال التهديد أو إغرائهم من خلال الحوافز أو من خلال جذبهم[iv] أي جعلهم يريدون طوعًا ما تريد[v]. هذه القدرة في الحصول على ما نريد من دون اللجوء إلى الإكراه أو الإغراء يطلق عليها “ناي” اسم “الوجه الثاني للقوة”[vi]، وهو يشير إلى هذه القوة الناعمة على أنها “القدرة على صياغة خيارات الآخرين، والحصول على ما تريد عبر “الجاذبية أو السحر” (Charm or Attractiveness) بدلًا من “القهر أو الإكراه أو الدفع القسري”[vii].
ناقش كثيرون في تلك الفترة مدى فعالية “القوة الناعمة” وتفوقها على “القوة الصلبة” فيما يتعلق بالنجاعة في تحقيق أهداف السياسة الخارجية. واعتبر البعض أن “القوة الناعمة” كمفهوم أكثر فعالية وكفاءة في السياسة الدولية المعاصرة من “القوة الصلبة” بسبب قدرتها على التحمل وديمومتها، وأن الأخيرة أقل نفعًا في سياق التحولات التي تطرأ على النظام الدولي لغير صالح القوة الصلبة. ولذلك، يعتبر هؤلاء أن تجهيز “القوة الصلبة” أو بناءها قد يستلزم وقتًا أقصر من الوقت اللازم لصناعة “القوة الناعمة” سيما إذا ما توافرت الموارد اللازمة لدى الطرف المعني بها، وذلك بعكس “القوة الناعمة” التي تحتاج إلى وقت طويل، وإلى براعة فائقة في استخدامها فضلًا عن توظيفها. وفي الوقت الذي قد يقود فيه الركون إلى “القوة الصلبة” إلى نتائج مباشرة وسريعة نسبيًّا على الأرض، فإن سياقها القهري يجعل مفعول النتائج الناجمة عنها مؤقتة وذلك على عكس “القوة الناعمة” التي عادة ما يكون تأثيرها أكثر استدامة.
ويشير الجنرال، روبرت سميث، إلى هذا الموضوع بالتحديد بقوله: “في جميع هذه الحالات –أي الحروب التي خيضت منذ بداية التسعينات- ربما استطاعت القوة العسكرية تحقيق نجاح عسكري محلي، لكنها فشلت مرارًا في تحقيق النتيجة السياسية المرجوة، فلم تأت بنصر عسكري حاسم. بعبارة أخرى، في خمس عشرة السنة، الماضية واجه رجال الدولة والسياسيون والدبلوماسيون والعسكريون، صعوبة جمة في الإفادة من استخدام القوة العسكرية[viii]“. قد يكون في هذه الاستنتاجات شيء من الصحة لكن الملاحظ أنها استندت بشكل أساسي إلى تجربة الولايات المتحدة خلال العقود القليلة الماضية وبنت عليها كمسلَّمة ولم تأخذ بعين الاعتبار الكثير من المعطيات اللاحقة. لقد اختبرت الثورات العربية المقولات المتعلقة بـ”القوة الناعمة” و”القوة الصلبة” من جديد، وكذلك فعلت سياسات بعض القوى الإقليمية والدولية. لقد استطاعت روسيا خلال العقد الماضي على وجه التحديد فرض وقائع مناسبة لها على الأرض وذلك بالاعتماد على “القوة الصلبة” وليس “الناعمة” سواء في جورجيا عام ٢٠٠٨، أو في أوكرانيا عام ٢٠١٤، أو في سوريا بعد العام ٢٠١٥.
كما أظهرت التطورات الإقليمية والدولية خلال العقد الماضي نقاط ضعف “القوة الناعمة”، فتبين أن استخدامها أصعب بكثير مما كان متصورًا، كما أن غياب آلية لقياس تأثيرها أو تقييم فعاليتها زاد الامر تعقيدًا. الأهم من كل ما تقدم، أن لا “قوة ناعمة” من دون “قوة صلبة” للدولة المعنية، وأن الأولى ليست بديلًا عن الثانية ولا يمكنها أن تسود في مواجهة “القوة الصلبة” أو أن تتفوق عليها في بيئة يسودها صراع “القوة الصلبة”.
صعود القوة الناعمة التركية
خلال المرحلة الأولى من حكم “حزب العدالة والتنمية” في تركيا (٢٠٠٢-٢٠٠٧)، قام الحزب بإجراء سلسلة من الإصلاحات الداخلية في النظام السياسي التركي للتركيز على مسيرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لاسيما في الأمور المتعلقة بتعزيز الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات. أدت هذه الإصلاحات إلى تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي الداخلي[ix]، ومهدت في نفس الوقت لتحول عميق في توجهات السياسة الخارجية التركية ولدور جديد لأنقرة في منطقة الشرق الأوسط. وقد جادل كثيرون –آنذاك- بأن جاذبية تركيا كقوة ناعمة، ازدادت تلك السنوات في القسم العربي من الشرق الأوسط، وأن الموارد والإرادة والمصداقية التي تتمتع بها تركيا تؤهلها لتكون قوة ناعمة في المنطقة لاسيما فيما يتعلق بالنقاش حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية[x].
متسلحًا بإنجازاته على المستوى الداخلي، ركز حزب العدالة والتنمية الحاكم خلال الدورة الثانية من حكمه (٢٠٠٧-٢٠١١) على الانفتاح على المحيط الجيوبوليتيكي الذي ظلت تركيا تعزل نفسها عنه لسنوات طويلة. في هذه المرحلة بالتحديد، عرضت تركيا رؤيتها الإقليمية ودورها الحيوي الجديد فيها. ويمكن الادعاء بأن الفترة الممتدة من العام ٢٠٠٧ وحتى العام ٢٠١١ -مع استثناءات تطول العامين ٢٠١٢ و٢٠١٣- كانت قد شهدت أوج القوة الناعمة التركية في منطقة الشرق الأوسط. لم يأتِ ذلك من فراغ بطبيعة الحال، وقد ساعدت عدة عوامل في تهيئة الأرضية المناسبة لذلك، لعل أهمها[xi]:
- بروز معطيات جيو-سياسية إقليمية مهمة كنتيجة للحروب التي شنتها الولايات المتحدة في المنطقة بدءًا من العام ٢٠٠١، مترافقة مع ظهور مفاهيم ومشاريع جديدة كمشروع “الشرق الأوسط الكبير” و”الحرب على الإرهاب”، مصحوبة بإعادة توزيع لمراكز القوة والقرار في المنطقة.
- وجود فراغ إقليمي أتاح لتركيا أن تباشر دورها الجديد في المنطقة، في عمق عِرقي تركي إلى شرقها (العالم التركي)، وعمق إسلامي سُني إلى جنوبها (البلان العربية). بمعنى آخر، وجدت تركيا أن حدود الإمبراطورية العثمانية السابقة أصبحت شاغرة بشكل يسمح لها بلعب دور جديد بشكل جديد.
- تلكؤ الاتحاد الاوروبي في قبول تركيا بالرغم من الإصلاحات الكبيرة التي أجرتها، دفعت أنقرة للبحث عن فضاء مصالح جديد تستطيع من خلاله ان تلعب دورًا رياديًّا يثبت أهميتها ويعزز دورها كجسر يربط الحضارات والأديان والقوميات والمصالح الاقتصادية بين الشرق والغرب.
- وجود رؤية واضحة وأهداف محددة وسياسة واقعية قابلة للتطبيق في المحيط الإقليمي في ظل المعطيات التي كانت موجودة آنذاك، في مقابل وجود بيئة خصبة في محيط تركيا لتقبل أفكارها الجديدة بشكل يجعل من هذا المحيط فضاء صالحًا لدائرة نفوذ تركيا الجديدة.
وللمفارقة، فإن الفشل البنيوي للأنظمة السياسية في هذه المنطقة من العالم كان قد وفر البيئة المناسبة لتسليط الضوء على التجربة التركية آنذاك، والتي تحولت بدورها خلال وقت قصير جدًّا إلى مصدر إلهام للعديد من شعوب المنطقة. شكَّلت التجربة التركية علامة فارقة في مجال تعريف القوة الناعمة، وبخلاف الكثير من النماذج الدولية والإقليمية التي كانت سائدة، كالحالة الصينية التي تعتمد على القوة الناعمة المتولدة من الاقتصاد بالدرجة الأولى، أو الحالة الإيرانية التي تعتمد على القوة الناعمة المتولدة من السياسة الخارجية[xii]، فقد جمعت تركيا بين مصادر مختلفة للقوة الناعمة، لعل من أبرزها: التجربة السياسية للنخبة الحاكمة والتي جمعت بين الديمقراطية والعلمانية والإسلام.
الخلفية الإسلامية المعتدلة والبراغماتية من جهة وقيادة نظام سياسي ديمقراطي تنافسي من جهة أخرى، بالإضافة إلى النموذج الاقتصادي القائم على الصناعة والتصدير، والسياسة الخارجية المستقلة والمبادرة، والتأثير الثقافي المتمثل باستنهاض العنصر التاريخي وتصدير الأعمال الدرامية.
سحرت التجربة السياسية التركية للنخبة الحاكمة خلال الفترة من العام ٢٠٠٢ وحتى العام ٢٠١١ جمهورًا واسعًا في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وفي العالم العربي بشكل خاص وذلك باعتبارها تجربة فريدة يقودها محافظون براغماتيون من جذور إسلامية نجحوا في الدمج بين الديمقراطية والعلمانية دون التخلي عن قيمهم الإسلامية في ظل نظام ديمقراطي تنافسي. مثل هذه الخصائص ظلت غائبة أو مغيبة في منطقة الشرق الأوسط وسط سرديات عن استحالة إيجاد مثل هذه التركيبة التي تجمع بين الإسلام والديمقراطية فضلًا عن نجاعتها، ولذلك، فقد كانت التجربة التركية بمثابة اختراق للمنطق السائد ولهذا السبب بالتحديد، فقد كانت بمنزلة نموذج حي وملهم للعديد من الشعوب في المنطقة.
من الناحية الاقتصادية، احتل الاقتصاد مكانة رفيعة في برنامج حزب العدالة والتنمية وشغل حيزًا رئيسيًّا من سياسات الحكومة إن لم يكن هو الجوهر الذي تدور حوله هذه السياسات التي أدت إلى انطلاقة استثنائية للحزب. بعد أن كان الاقتصاد على شفير الانهيار التام في العام ٢٠٠١، حققت الحكومة إنجازات هائلة في إعادة بناء القدرات الاقتصادية للبلاد (انظر الجدول أدناه). نجم عن عملية الإصلاح الاقتصادي سدُّ ديون البلاد الخارجية لصندوق النقد الدولي، ورفع الناتج المحلي الإجمالي من ٢٣٢ مليار دولار في العام ٢٠٠٢ إلى ٧٣٥ مليار دولار في العام ٢٠١٠، وزيادة معدل دخل الفرد للمواطن التركي من حوالي ٣٤٠٠ دولار في عام ٢٠٠٢ إلى حوالي ١٠ آلاف دولار في العام ٢٠١٠. وخلال الفترة نفسها، تمت زيادة حجم التجارة من قرابة ٨٧ مليار دولار إلى قرابة ٣٠٠ مليار دولار. كما استطاعت تركيا استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة تفوق الـ٨٠ مليار دولار. وقد شكَّل النموذج الاقتصادي القائم على الصناعة للتصدير، وعلى استثمار المقومات الطبيعية للبلاد من أجل زيادة الاعتماد على الذات وزيادة الدخل، مكونًا أساسيًّا ورئيسيًّا من مكونات القوة الناعمة التركية وسمح كذلك برفد المكونات الأخرى المتعلقة بها كالسياسة الخارجية للبلاد.
المؤشرات الاقتصادية التركية
(٢٠٠٢-٢٠١١)
2002 | 2003 | 2004 | 2005 | 2006 | 2007 | 2008 | 2009 | 2010 | 2011 | |
GDP (US $ billions) | 232.7 | 304.6 | 393.0 | 484 | 529.9 | 655.9 | 742.1 | 617.6 | 735.8 | 772,3 |
GDP per capita (US $) | 3,403 | 4,393 | 5,595 | 6,801 | 7,351 | 8,984 | 10,745 | 8,95 | 10,067 | 10,469 |
GDP growth (%) | 6.2 | 5.3 | 9.4 | 8.4 | 6.9 | 4.6 | 0.7 | -4.7 | 9 | 8.5 |
Investment (% of GDP) | 17.1 | 17.4 | 20.7 | 21.4 | 22.6 | 21.8 | 20.2 | 17.2 | 18.9 | 23.8 |
Imports (US $ billions) | 51.5 | 69.3 | 97.5 | 116.8 | 139.6 | 170.1 | 201.0 | 140.9 | 185.5 | 240.8 |
Exports (US $ billions) | 36.1 | 47.3 | 63.2 | 73.5 | 85.5 | 107.3 | 132.0 | 102.1 | 113.9 | 135 |
FDI (US $ billions) | 1.08 | 1.75 | 2.79 | 8.97 | 19.26 | 19.94 | 16.96 | 6.86 | 7.81 | 16 |
Fiscal balance (% of GDP) | -11.5 | -8.8 | -5.22 | -1.3 | -0.61 | -1.62 | -1.8 | -5.5 | -3.6 | -1.4 |
Source:Turkish Statistical Institute Database |
خلال هذه المرحلة، اتسمت السياسة الخارجية التركية بالمبادرة (pro-active)، وعكست نزعة استقلالية أكثر من أي وقت مضى. كما بدا أن السياسة الخارجية التركية تستند إلى رؤية واضحة تهدف إلى توسيع خيارات البلاد في مواجهة محاولات عزلها وتهميشها، لتتحول من دولة هامشية (Peripheral state) لا قيمة لها وعلى أطراف القارات -كما يرى “صاموئيل هانتنغتون”- إلى دولة حاسمة من الناحية الجيوبوليتيكية (Pivotal state)[xiii]. أعطى بعض السياسيين الأتراك ممن يحملون خلفية أكاديمية بعض العمق المفاهيمي لـ”القوة الناعمة” التركية. ولعب أحمد داود أوغلو على وجه التحديد دورًا بارزًا في هذا المجال مع تقلده وزارة الخارجية وطرحه مفاهيم من قبيل “العمق الاستراتيجي” و”سياسة تصفير النزاعات”[xiv]. كما أسهم آخرون -وإن بدرجات متفاوتة- في نفس السياق، سواء من خلال شخصيات كإبراهيم كالين، الذي عمل في مجال الدبلوماسية العامة[xv]، أو من خلال مؤسسات المجتمع المدني.
تم تدعيم هذه المفاهيم بتطبيقات عملية أعطت السياسة الخارجية التركية مصداقية عالية في محيطها الإقليمي، كدبلوماسية الوساطات وحل النزاعات الثنائية -سواء في ملف السلام مع إسرائيل أو في الملف النووي الإيراني أو في ملف العلاقة بين أفغانستان وباكستان، أو في النزاع اللبناني الداخلي-. ترافق ذلك مع إنشاء المجالس الاستراتيجية العليا مع عدد كبير من الدول في الشرق الأوسط وفي المحيط الإقليمي، ورفع التأشيرات بين تركيا وعدد كبير من دول المنطقة[xvi]. وبالرغم من أن اللغة التركية تعد عائقًا في التواصل مع المحيط العربي، إلا أن عاملي التاريخ والجغرافيا رَفَدا مصادر القوة الناعمة التركية، كما شهدت أعمال الدراما السينمائية شهرة واسعة في البلدان العربية؛ الأمر الذي انعكس إيجابًا على صورة تركيا في منطقة الشرق الأوسط[xvii].
توجز نتائج استطلاع الرأي، التي تمت في العام ٢٠٠٩، حجم التقدم الذي حققته القوة الناعمة التركية مقارنة بما كان عليه الوضع قبل مجيء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. فعلي سبيل المثال، في بداية عام ٢٠٠٢، أظهر استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة “زغبي إنترناشونال” في كل من مصر والأردن والسعودية والمغرب ولبنان والكويت والإمارات العربية المتحدة وتضمَّن سؤالًا حول نظرة العرب إلى ١٣ بلدًا غير عربي، حلول تركيا في المرتبة الثالثة للدول الأكثر سلبية بعد إسرائيل وأميركا من المنظور العربي[xviii]. بعد ٧ سنوات من حكم العدالة والتنمية في تركيا، أظهر استطلاع للرأي، في يوليو/تموز ٢٠٠٩، أجرته “المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية” (TESEV) في مصر والأردن والأراضي الفلسطينية ولبنان والسعودية وسوريا والعراق، نظرة إيجابية جدًّا إلى تركيا، وكان من نتائجه أن ٧٥٪ من المستطلعة آراؤهم كانوا ينظرون إليها بإيجابية أو إيجابية جدًّا مع اعتبارها فاعلًا أساسيًّا يمارس تأثيرًا قويًّا في المنطقة. كما أيد الاستطلاع قيام تركيا بلعب “دور أكبر في العالم العربي”، ووافق 61% على كون تركيا نموذجًا للدول العربية من حيث الانسجام بين الإسلام والديمقراطية.
أفول القوة الناعمة التركية
في نهاية العام ٢٠١٠، انطلقت شرارة الثورات العربية من تونس، وامتدت بعدها لتطول دولًا عديدة كمصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق، فكان على صانع القرار في تركيا أن يتخذ قرارًا حاسمًا بشأن الوقوف مع الأنظمة أو الوقوف مع الشعوب المنتفضة. في بعض الحالات، كما في حالة ليبيا وسوريا، حاولت أنقرة استخدام علاقاتها الجيدة مع الأنظمة لإقناعها بتبديل مسارها من التصادم مع الشعوب إلى التصالح معها، لكن عندما فشلت في هذه المُهمة، وقفت أنقرة سريعًا إلى جانب التغيير.
ولأن تأثير القوة الناعمة التركية على الشعوب العربية كان في أَوْجِه في ذلك الوقت، وجد المسؤولون الأتراك في هذه التطورات فرصة جيدة لأخذ دور قيادي في الدفع بعملية التغيير في المنطقة[xix] لاسيما أن نسبة كبيرة من شعوب المنطقة كانت تنظر إليها باعتبارها نموذجا ملهمًا. نجاح الثورة المصرية على وجه التحديد أعطى صانع القرار التركي ثقة أكبر بالنفس، كما منح الدور التركي زخمًا أكبر في المنطقة وبشكل استدعى جذب انتباه اللاعبين الكبار حول العالم ممن كانوا يرون أن باستطاعة تركيا أن تلعب دورًا إيجابيًّا وأن تساعد على ولادة أنظمة ديمقراطية معتدلة أو ما يمكن تسميته بديمقراطية إسلامية في المنطقة.
واجهت المسؤولين الأتراك في تلك الفترة معضلة، فقد كان طموحهم المتعلق بلعب تركيا دورًا محوريًّا في الشرق الأوسط كبيرًا مقارنة بإمكاناتهم الصاعدة حديثًا، ولذلك برزت فجوة عميقة بين تصوراتهم النظرية لما يريدونه أو ينادون به من جهة، وبين ما يستطيعون فعله أو تحقيقه على أرض الواقع من جهة أخرى[xx]. لقد وصف البعض هذا الوضع في حينه بالقول بأن “السياسة التركية في الشرق الأوسط تعتمد على طموح يشبه الرولز رويس، ولكن بقدرات تشبه الروفر!”[xxi].
في هذه المرحلة، بدا أن فهم المسؤولين الأتراك لماهية القوة الناعمة وكيفية عملها ليس واحدًا، وأن الغاية من استخدامها أو توظيفها ليست موحدة كذلك. بدأ هذا التمايز في الظهور بشكل بارز في مرحلة ما بعد الثورات العربية لاسيما في الأعوام ٢٠١٢ و٢٠١٣. كان ذلك بمثابة أحد المؤشرات على الرؤى المختلفة وربما المتضاربة داخل النظام السياسي نفسه. ففي حين أبدى داود أوغلو -على سبيل المثال- فهمًا أعمق لماهية القوة الناعمة ووظيفتها، بدا أن فهم رئيس الوزراء، آنذاك، رجب طيب أردوغان، مشوشًا. لكن في الوقت الذي أبدى فيه رئيس الوزراء فعالية أكبر لناحية الواقعية السياسية، كان إيمان داود أوغلو بها ضعيفًا[xxii]. الاتجاه العام للخطاب الرسمي لرئيس الوزراء كان يدفع نحو تعزيز المقولات الخارجية التي تتردد عن وجود “عثمانية جديدة”[xxiii]، وهو ما دخل في تناقض أيضًا مع الاتجاهات الأخرى داخل دوائر صناعة القرار والتي كانت ترى عكس ذلك، ومنها اتجاه الرئيس، عبد الله غول، وإلى حد ما وزير الخارجية، داود أوغلو.
عنصر آخر من الممكن إضافته إلى هذه العناصر وهو فشل استراتيجية “الدبلوماسية العامة” في تحقيق الأهداف المرجوة منها. في مقال له عام ٢٠١١، يقول إبراهيم كالين، مستشار رئيس الوزراء ومدير إدارة الدبلوماسية العامة آنذاك، بأن الدبلوماسية العامة بوصفها أداة من أدوات التواصل الاستراتيجي تتضمن “فهم العامة وإعلامهم والتأثير عليهم”، وأن الاتصال السياسي الذي يشكِّل جزءًا مهمًّا من هذه العملية هو “إنتاج المعلومات وتوزيعها ومراقبتها واستخدامها ومعالجتها” من قبل الدول والمنظمات أو الأفراد[xxiv]. وبالرغم من اعتراف كالين بأن “الهدف من الدبلوماسية العامة ليس إنتاج البروباغندا، وإنما بناء خطاب تواصل استراتيجي مبني على الحقائق والوقائع الموضوعية”[xxv]، فإن التدخل الحكومي لإعادة توجيه خطاب القوة الناعمة والرواية المتعلقة بها لم يكن بالكفاءة المطلوبة، كما أن الجرعة الزائدة عن اللزوم لناحية التدخل الحكومي في صياغة عملية صناعة الخطاب وتوجيهه بالإضافة إلى إدارة عملية إدارة التصور أدت إلى تقويض مصداقية القوة الناعمة في وقت من الأوقات؛ مما سرَّع من عملية تآكلها وحَدَّ من تأثيرها الإيجابي وأثار تساؤلات حول إمكانية سقوطها لاحقًا في فخ البروباغندا.
لما كانت منطقة الشرق الأوسط مستقرة -بشكل سلبي-، كان من السهل على الجانب التركي أن يطبق نظرياته السياسية الحديثة، والمفاهيم المبتكرة في سياساته الخارجية تجاه بلدانها. ولذلك حققت سياسة “تصفير النزاعات” و”العمق الاستراتيجي” نجاحات كبرى لتركيا خلال فترة وجيزة، لكن اندلاع الثورات العربية أدى بشكل آلي إلى انتشار حالة عدم الاستقرار الأمر الذي جعل من إمكانية تطبيق هذه السياسات أمرًا غير ممكن. ولأن الجانب التركي لم يكن مستعدًا لما جرى ولم يكن يمتلك الأدوات التي تخوله التعامل مع حالة عدم الاستقرار في المنطقة فضلًا عن إمكانية قراءة تداعيات ما يجري بشكل دقيق، فقد بدا أنه يعتمد على رد الفعل في صياغة خطواته التالية، كما أنه بقي يدافع عن فعالية توجهاته ما قبل الثورات العربية في مرحلة ما بعد الثورات[xxvi] وهو ما جعله يدخل سياقًا غير واقعي أفقده القدرة على التأثير على مجريات الأحداث لاسيما في البلدان التي تم اللجوء فيها إلى “القوة الصلبة” ضد موجات التغيير الشعبية لفرض أمر واقع.
لكن سرعان ما بدأت التوقعات المتعلقة بولادة شرق أوسط ديمقراطي تتراجع مع لجوء بعض الأنظمة العربية إلى العنف في مواجهة عملية التغيير لاسيما في مصر وسوريا واليمن والعراق. أدى هذا النمط الذي يستند إلى “القوة الصلبة” إلى ولادة حسابات من نوع جديد لم يكن الجانب التركي يتوقعها. واجهت تركيا آنذاك مشكلات كبيرة في تقييم طبيعة الأحداث وما يمكن أن تؤول إليه التطورات الإقليمية الجديد. بهذا المعنى، فقد أجبرت الأحداث أنقرة على إحداث تغييرات غير مدروسة في طبيعة تعاملها مع المحيط الإقليمي ما أدى إلى تآكل في قوتها الناعمة. كانت السياسة الخارجية للبلاد أولى ضحايا هذا التحول؛ فأنقرة التي اعتادت إدارة علاقاتها خلال الأعوام السابقة بالاعتماد على سياسية خارجية مبادِرة وقائمة على تصور واضح، أصبحت تعتمد على سياسة خارجية قائمة على ردود الأفعال والحسابات قصيرة الأجل؛ ما أدى إلى المساهمة كذلك في تآكل “القوة الناعمة” للبلاد حيث لم تعد عاملًا فاعلًا في محيط يسوده الاعتماد على “القوة الصلبة”. حدثان بارزان على وجه التحديد عرقلا عملية صعود “القوة الناعمة” التركية وقوَّضا من فاعليتها، الانقلاب العسكري في مصر بالإضافة إلى الحملة الوحشية للنظام السوري ضد المدنيين. ولما كانت تركيا غير مستعدة لاستخدام “القوة الصلبة” لاسيما في سوريا حيث التماسُّ المباشر معها، فقد أصبحت رهينة موقفها المعتمد على “القوة الناعمة” فقط.
لقد وضعت الثورات العربية تركيا في موقف دفاعي بعد أن كانت تتقدم في قلب الشرق الأوسط. ثم ما لبثت الانعكاسات السلبية للتطورات الميدانية أن انعكست بدورها على الداخل التركي. وبسبب الاعتماد الحصري على “القوة الناعمة”، وتغييب القوة الصلبة، فإن قدرة أنقرة على التدخل للتأثير في التطورات العنيفة أو إعادة صياغة الأحداث في محيطها الإقليمي أصبحت شبه معدومة. وبذلك تكون تركيا قد تحولت من التقدم خارج حدودها إلى المحيط الإقليمي في مرحلة ما قبل الثورات، إلى الانكفاء نحو الداخل بشكل دفاعي في مرحلة ما بعد الثورات، مما جعلها هدفًا للتحولات الإقليمية. فبدلًا من أن تكون مؤثرة في محيطها الإقليمي أصبحت متأثرة به إلى حد كبير، وقد انعكس ذلك داخليًّا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني أيضًا.
سياسيًّا، تفاقم الانقسام السياسي بين السلطة والمعارضة حيال النظرة إلى التطورات الإقليمية وطريقة التعامل معها. وزاد على ذلك أن نشأ خلاف في بداية العام ٢٠١٢ -واحتدم في نهاية العام ٢٠١٣- بين الحزب الحاكم وبعض الجهات التي دعمته في مرحلة من المراحل كجماعة فتح الله غولن[xxvii]، ثم ما لبث أن انتقل الصراع إلى داخل مؤسسات الدولة، ثم إلى داخل البيت الواحد -أي حزب العدالة والتنمية الحاكم-. انتهت المعركة الأخيرة بتهميش شريحة واسعة من مؤسسي حزب العدالة والتنمية الأساسيين، ومن العناصر الفاعلة والمؤثِّرة والتي تتمتع بكفاءة مهنية عالية كعبد الله غول وبولنت أرينج وعلي بابا جان ومحمد شمشك وأحمد داود أوغلو، وغيرهم[xxviii].
وفي المقابل، لوحظ أن تماهي بعض الشرائح التركية مع صعود الإسلاميين في الثورات العربية أدى بدوره إلى صعود شريحة المحافظين داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتاليًا داخل مؤسسات الدولة، وذلك على حساب الشرائح الأخرى التي كانت موجودة عند تأسيس الحزب والتي عكست تنوعًا ملحوظًا آنذاك. وبدا أن شريحة الليبراليين والوسطيين داخل الحزب آخذة في التراجع وكذلك الخبرات والكفاءات التي استعان بها الحزب لبناء إنجازاته التي ولدت قوته الناعمة، وهي الإنجازات التي ظل يوظفها في معاركه الانتخابية اللاحقة. تسارع هذا النمط بشكل كبير بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو/تموز ٢٠١٦، والتي أدت إلى تغليب معيار الولاء على معيار الكفاءة في المناصب الحزبية والحكومية وتلك التابعة للمؤسسات الرسمية للدولة.
من الناحية الأمنية، شهدت تركيا منذ اندلاع الثورات العربية، أي خلال الفترة منذ عام ٢٠١١ وحتى العام ٢٠١٧، تنفيذ حوالي ٨٧ عملية إرهابية نفذتها ٩ منظمات إرهابية، أبرزها: حزب العمال الكردستاني وأفرعه بالإضافة إلى تنظيم داعش، وأدت إلى مقتل حوالي ٩٥٦ شخصًا وجرح ٤٧١٧ آخرين[xxix]. عدد كبير من هذه العمليات لم تشهد تركيا مثيلًا له منذ تأسيسها سواء لناحية الأماكن التي تم تنفيذها فيها، أو عدد الضحايا الذين سقطوا جرَّاءها، كالتفجيرات التي ضربت العاصمة أنقرة على سبيل المثال. كما شهدت تركيا أيضًا في يوليو/تموز من العام ٢٠١٦، أعنف محاولة انقلاب عسكري في تاريخها الحديث، جرى على إثرها قصف مؤسسات رسمية للبلاد من بينها البرلمان، ومقرات للقوات الخاصة والشرطة، وسقط جراء المحاولة الانقلابية الفاشلة ٢٤٩ شخصًا وجرح حوالي ٢١٩٥ مواطنًا في العملية[xxx].
ونتيجةً لكل ما تقدم، تراجع الحديث عن التجربة التركية إلى حده الأدنى، كما تراجعت النقاشات حول قوة تركيا الناعمة، وأصبحت الأجندة الأمنية الداخلية والخارجية تتصدر المشهد سيما مع تراكم التحديات الإقليمية في محيط تركيا المباشر. لم يحل ذلك دون بقاء قوة ناعمة تركية لاسيما فيما يتعلق بالشق الإنساني من السياسة الخارجية التركية، لكن قرار المسؤولين الأتراك اللجوء إلى القوة الصلبة كان حاسمًا لناحية إعادة تفعيل دور البلاد في محيطها الإقليمي بشكل فعال على الأرض.
صعود “القوة الصلبة” التركية
في نهاية العام ٢٠١٤، أدت التحولات الجيوبوليتيكية إلى ولادة ثلاثة محاور إقليمية: محور يضم السعودية والإمارات ومصر، ومحور آخر يضم إيران وأذرعها الإقليمية إلى جانب العراق وسوريا، ومحور ثالث يضم تركيا وقطر. راح المحور الأخير يرزح تحت ضغط هذه التحولات سيما وأنه كان يفتقد إلى الدعم الواضح من قبل أي من القوى الدولية الكبرى، على عكس المحورين الآخرين اللذين كانا يحظيان بدعم أميركي وروسي. وخلال عامين فقط، ازدادت المخاطر المتأتية من صعود الإرهاب العابر للحدود على الداخل التركي، لاسيما من قبل حزب العمال الكردستاني وأذرعه الإقليمية، بالإضافة إلى “داعش” و”القاعدة”. ترافق ذلك مع ازدياد الهواجس التركية المتعلقة بإمكانية حصول تغييرات جغرافية في محيطها نتيجة تحول البلدان الإقليمية المجاورة إلى دول فاشلة لاسيما سوريا والعراق.
دفعت هذه المعطيات صانع القرار التركي إلى مراجعة حساباته واتخاذ قرار بالاعتماد المتزايد على “القوة الصلبة”، في محاولة منه لاحتواء الخسائر وحصر الأضرار الناجمة عن تراجعه الإقليمي جراء اعتماده الحصري على “القوة الناعمة” خلال السنوات الماضية. بدأ التحول في الداخل التركي في هذا الاتجاه مع فوز رئيس الوزراء آنذاك، رجب طيب أردوغان، بمنصب رئيس الجمهورية في انتخابات أغسطس/آب عام ٢٠١٤. بعد ذلك، برز الاهتمام التركي بإنشاء قواعد عسكرية متقدمة في الشرق الأوسط إلى الواجهة، ثم تبعه تدشين للحملات العسكرية في عدد من المسارح الإقليمية بالإضافة إلى تكثيف الانتشار العسكري الإقليمي بشكل غير مسبوق في تاريخ تركيا الحديث.
في أواخر ذلك العام، وقَّعت تركيا وقطر اتفاقا دفاعيًّا، تلاه اتفاقات أخرى ملحقة به في العام ٢٠١٥ و٢٠١٦، وهي الاتفاقات نفسها التي سمحت لأنقرة بأن ترسل قواتها المسلحة إلى الدوحة إبَّان الأزمة الخليجية وفرض الدول المعادية لقطر حصارًا عليها، وأن تلعب قوتها الصلبة دورًا في منطقة الخليج العربي لأول مرة منذ انهيار السلطنة العثمانية[xxxi]. لم يكن ذلك حدثًا منفردًا، بل جاء ضمن سلسلة من القرارات التي تصب في نفس السياق. في بداية العام ٢٠١٥، وقَّعت تركيا والصومال اتفاقًا لتعزيز التعاون العسكري بينهما، وقد مهد هذا الاتفاق فيما بعد لبناء أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج[xxxii]، لتكون بمثابة موطئ قدم في منطقة القرن الإفريقي.
تسعى تركيا إلى دعم وبناء الصومال كدولة[xxxiii]، والمساعدة على تأسيس جيش قوي ومحترف هناك يستعيد الأمن والاستقرار للبلاد بما يساعد على تحقيق المصالح المشتركة للبلدين على المدى البعيد[xxxiv]. وبهذا المعنى، يتم توظيف “القوة الصلبة” للحصول على نتائج سياسية؛ الأمر الذي أدى إلى تسليط الضوء على الدور التركي من قبل عدد من المنافسين أو الخصوم المهتمين بتلك المنطقة من العالم لعل من أبرزهم مؤخرًا الامارات[xxxv]. وكما الصومال، فقد فسَّر كثيرون اهتمام تركيا بإعادة بناء جزيرة سواكن السودانية[xxxvi] على أنه تحضير لبناء قاعدة بحرية تركية[xxxvii] في الجزيرة التي كانت في مرحلة من المراحل محطة بحرية مهمة في الجغرافيا العثمانية لتأمين الحجاز من أي غزوات قادمة من البحر الأحمر[xxxviii]. تحتل الجزيرة موقعًا استراتيجيًّا ويقابلها عبر البحر الأحمر السعودية وإلى الشمال مصر، وهو ما يضع الجانب التركي مرة أخرى في مجالات تنافس استراتيجي بين القوى الإقليمية[xxxix].
توفر القواعد العسكرية التركية -الأمامية- المتقدمة في عمق الجغرافيا الإقليمية ميزات عديدة، لعل أهمها: قدرات أعلى للرد على الحالات الطارئة من خلال الردع المتقدم وإجراءات التطمين التي من شأنها أن ترسل رسائل سياسية فعالة، بالإضافة إلى فرص للتعاون الأمني القوي مع عدد من الفاعلين الإقليميين، وفرص أيضًا لبناء قدرات الشركات الثنائية[xl].
لم يتوقف الاعتماد على “القوة الصلبة” عند حدود إنشاء القواعد العسكرية المتقدمة خارج البلاد فقط، فلأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١، قررت أنقرة استخدام القوة العسكرية في الشمال السوري، فأطلقت، في أغسطس/آب من العام ٢٠١٦، عملية عسكرية تحت اسم “درع الفرات”[xli]، ما لبثت أن أتبعتها بعملية أخرى في يناير/كانون الثاني ٢٠١٨ تحت اسم “غصن الزيتون”[xlii]، تخللها تمركز عسكري في عمق الشمال السوري، وذلك بموازاة إنشاء قواعد عسكرية متقدمة في عمق الشمال العراقي[xliii] وعمليات عسكرية متزايدة في تلك المنطقة.
ما كان هذا الأمر ليتم لولا وجود إمكانية للاعتماد إلى حدٍّ كبير على القدرات الدفاعية محلية الصنع، وكذلك على وجود القدرة المادية لدعم التوسع في العمليات العسكرية. لمواجهة التحديات الأمنية والدفاعية على الصعيد الإقليمي بكفاءة أعلى، وللحفاظ على جهوزية القوات المسلحة التي تعتبر ثاني أكبر قوة في حلف شمال الاطلسي، تقوم الحكومة التركية بزيادة الإنفاق، وتأمين التمويل اللازم للعمليات التي تنفذها القوات المسلحة التركية داخل كل من سوريا والعراق. تشير قاعدة بيانات “سيبري” لعام ٢٠١٦ إلى أن تركيا احتلت المرتبة الــ ١٨ في الإنفاق العسكري مباشرة خلف إسبانيا، ومتقدمة بمرتبة واحدة فقط عن إيران التي احتلت المرتبة الــ ١٩، وذلك بواقع ١٤.٩ مليار دولار[xliv]. وفقًا لموازنة عام ٢٠١٨، فقد ارتفع حجم الموازنة الدفاعية التركية بنسبة تقارب ٥٠٪ من ٢٨.٧ مليار ليرة تركية إلى ٤١.٣ مليار ليرة تركية[xlv]، وتم تخصيص حوالي ١٨ مليار ليرة تركية (قرابة ٥ مليارات دولار في ذلك الوقت) إلى الصناعات الدفاعية لشراء أسلحة جديدة في العام ٢٠١٨[xlvi]. الجزء الأكبر من الموازنة الدفاعية يذهب تقليديًّا إلى النفقات المتعلقة بالموظفين. على سبيل المثال، حوالي ٥٠٪ من موازنة عام 2014 ذهب إلى النفقات المتعلقة بالموظفين؛ كالمعاشات والمخصصات الإضافية ومدفوعات التقاعد للمتقاعدين. مع نهاية عام ٢٠١٦، ارتفعت هذه النسبة إلى حوالي ٧٠٪، وتم تخصيص نسبة ٢٥٪ لشراء أنظمة تسليحية جديدة، و٥٪ لعمليات مشاريع التحديث والتطوير الدفاعية المحلية.[xlvii]
يعكس تعهد المسؤولين الأتراك بالوفاء بالمعايير المطلوبة لناحية رفع الإنفاق العسكري مستقبلًا إلى ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي[xlviii]، نية في التأكيد على التوسع المستمر في قطاع الدفاع، وتاليًا في الاعتماد على القوة الصلبة خلال المرحلة المقبلة، سيما في ظل التحديات غير التقليدية المتزايدة التي تواجه تركيا على المستويين، العسكري والأمني، داخل البلاد وخارجها. لا ينفصل دعم الحكومة لقطاع الصناعات الدفاعية المحلية عن هذا السياق، وتهدف تركيا من خلال الالتزام بدعم هذا القطاع أيضًا إلى إنجاز هدفين على الأقل، الأول: يتعلق بالتطلع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي دفاعيًّا بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، أي في العام ٢٠٢٣. أما الثاني، فيتعلق برفع نسبة مساهمة هذا القطاع في صادرات تركيا إلى الخارج وكذلك في الناتج المحلي الإجمالي ووضعها على قائمة أهم الدول المصدِّرة للمنتجات الدفاعية في العالم. وعلى الرغم من أنه هدف طموح جدًّا، فإن الجانب التركي كان قد حقق تقدمًا مذهلًا بالفعل في هذا المجال، عبر توطين صناعة الدفاع، بل والتحول إلى التصدير، كذلك.
في العام ٢٠٠٧، كان حجم قطاع الصناعات الدفاعية والفضائية المحلي يبلغ حوالي ٢ مليار و٤٣٨ مليون دولار (انظر الجدول والرسم البياني رقم ١)، وخلال عقد واحد فقط، ارتفع حجمه ليبلغ حوالي ٦ مليارات و٦٩٣ مليون دولار في العام ٢٠١٧، أي بزيادة تقدر بحوالي ١٢.١١٪ عن العام ٢٠١٦؛ حيث بلغ حجم المبيعات آنذاك ٥ مليارات و٩٦٨ مليون دولار[xlix]. أما صادرات الصناعات الدفاعية والفضائية محلية الصنع؛ فقد ارتفعت من حوالي ١٩٦ مليون دولار فقط في العام ٢٠٠٤ ( انظر الرسم البياني رقم ٢) إلى حوالي مليار و٨٢٤ مليون دولار في العام ٢٠١٧؛ ما يعني أن تركيا أصبحت تصدِّر أكثر من ثلث إنتاجها المحلي من الصناعات الدفاعية من بينها ٦٣٥ مليون دولار إلى الولايات المتحدة و٤٦٤ مليون دولار إلى بلدان أوروبية[l]. جزء من هذا التقدم يعود إلى اتفاقات الشراكات ومخصصات الأبحاث والتطوير في القطاع الدفاعي، فيما يعود الجزء الآخر إلى العقود المتعلقة بنقل التكنولوجيا. في المحصلة، دفعت الرغبة في الاعتماد على الصناعات الدفاعية المحلية لتلبية احتياجات القوات المسلحة التركية إلى رفع نسبة المكونات المحلية الصنع في المشتريات العسكرية التركية من ٢٤٪ في العام ٢٠٠٢ إلى ٦٨.٥٪ في العام ٢٠١٦[li].
حجم قطاع الصناعات الدفاعية والفضائية التركية
صادرات الصناعات الدفاعية والفضائية التركية
شكَّل الاعتماد على القدرات الدفاعية الذاتية، والانتشار الخارجي في القواعد العسكرية المتقدمة، وإطلاق عمليات عسكرية في المحيط الإقليمي، الركيزة الأساسية في التحول العملي باتجاه الركون المتزايد إلى “القوة الصلبة” كأداة من أدوات السياسة التركية في الشرق الأوسط. وبعكس “القوة الناعمة”، أسهمت هذه الخطوات بتفعيل قدرة البلاد في التأثير على التحولات الجارية في المنطقة، وأمَّنت لها مكانًا على طاولة المفاوضات السياسية مع اللاعبين الكبار فيما يتعلق بدول الجوار الإقليمي لاسيما بخصوص سوريا والعراق، وكذلك فيما يتعلق بالدفاع عن حقوق البلاد في بحر إيجه، والصراع على الموارد في شرق البحر المتوسط[lii] حيث النزاع يتصاعد حول قبرص مع مجموعة من القوى الإقليمية (اليونان، مصر، إسرائيل) والدولية (الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، روسيا). تصب جميع هذه المعطيات في صالح تعزيز قدرات تركيا في التأثير على الجهود الإقليمية والدولية الجارية لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط من الناحية الجيو-سياسية والجيو-أمنية، وهي الجهود التي تكثفت بشكل كبير بعد موجة الثورات العربية والثورات المضادة. في هذا السياق، فإن صعود قوة تركيا الصلبة بشكل فعال في العامين الماضيين ساعد على احتواء التراجع الإقليمي الذي كانت تتعرض له البلاد نتيجة الاعتماد الحصري على “القوة الناعمة” في بيئة غلبت فيها وتنافست عليها “القوة الصلبة” للاعبين الإقليميين والدوليين. ومن المفارقات في هذا المجال، أن القوة الصلبة التركية وُلدت في جانب من جوانبها في الحالة السورية وفي حالة الأزمة الخليجية ٢٠١٧، وفي حالة الصومال قوة ناعمة انعكست إيجابيًّا على صورة تركيا ودورها الإقليمي كقوة استقرار.
لكن، بموازاة هذه الإنجازات المترتبة على استخدام “القوة الصلبة”، سيكون هناك تحديات من دون شك. فعلى سبيل المثال، يحقق الانتشار العسكري المتقدم للقوات المسلحة التركية خارج حدود البلاد مجموعة من الأهداف التي غالبًا ما تتمحور حول بناء قدرات الشركاء الإقليميين العسكرية والأمنية والدفاعية، ومحاربة الإرهاب، وإنجاز الاستقرار الإقليمي من خلال الضمانات الأمنية، وتعزيز التحالفات الإقليمية، وإرسال الرسائل السياسية، وإظهار القوة[liii]. إلا أن الاعتماد على القواعد العسكرية المتقدمة لا يخلو من مخاطر أيضًا على اعتبار أن وجودها مرتبط بالدرجة الأولى بخيارات الجهة المستضيفة، والعلاقات الثنائية معها، وربما كذلك بالتوازنات السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية. حتى الآن لم تواجه تركيا أي مشاكل من هذا النوع لكن ربما ستطرح تساؤلات لاحقًا حول مصير القواعد المنتشرة في شمال سوريا والعراق في المرحلة المقبلة.
هناك نوع آخر من التحديات المرتبطة كذلك باستخدام “القوة الصلبة”. في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٨، قامت السلطات التركية بتمديد فترة التفويض الممنوحة من البرلمان للقوات المسلحة للقيام بعمليات عسكرية خارج البلاد للحفاظ على الأمن القومي لمدة عام إضافي تبدأ في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول[liv]. ولما كان من المستبعد أن تنتهي هذه العمليات في المستقبل القريب، فهذا يعني أنها ستكون بحاجة إلى تمويل، وأن الانفاق العسكري سيزداد في المرحلة المقبلة بالتوازي مع الخطط الطموحة للحكومة التركية لتحديث قطاع الصناعات الدفاعية المحلية. ومن دون اقتصاد قوي ومتين، سيكون من الصعب تحقيق هذه الأهداف على المدى القصير مما قد يقيد خيارات تركيا في استخدام قوتها الصلبة مستقبلًا.
خاتمة
بالرغم من أهمية “القوة الناعمة” كأداة من أدوات تحقيق الدولة لأهدافها الخارجية في سياق التدافع الجاري في إطار العلاقات الدولية، إلا أن الأحداث العالمية التي اختبرتها خلال العقد الماضي أثبتت أنها ليست بديلًا عن القوة الصلبة. وفضلًا عن حقيقة أنه لا يمكن لها أن تتواجد دون تمتع الدولة المعنية بعناصر قوة، لا يمكن لـ”القوة الناعمة” أيضًا أن تسود في بيئة يجري الاحتكام فيها إلى معايير “القوة الصلبة”، وهو ما يمكن استنتاجه بشكل دقيق من خلال التجربة التركية لاسيما في السنوات القليلة الماضية.
وبالرغم من النجاحات الإقليمية التي حققتها تركيا من خلال توظيف قوتها الصلبة بشكل مباشر منذ العام ٢٠١٦، إلا أنه لا ضمانات بأن الاعتماد المتزايد عليها سيكون سهلًا وسلسًا خلال السنوات المقبلة. وبالعكس مما تقدم، ثمة ما يشير إلى أن هناك تحديات قادمة تتعلق بالحفاظ على مصادر القوة الصلبة من جهة، وبآلية توظيفها من جهة أخرى، سيما إذا ما لم تنجح السلطات -لسبب ما- في استكمال بناء النظام السياسي الرئاسي المطبق حديثًا إثر الانتخابات الرئاسية التي جرت في ٢٤ يونيو/حزيران ٢٠١٨. عامل آخر من المنتظر أن يشكِّل تحديًا لاعتماد أنقرة المتزايد على “القوة الصلبة”، وهو الوضع الاقتصادي في البلاد. فالتوسع في استخدام وتوظيف “القوة الصلبة” يحتاج إلى اقتصاد قوي وفعال، وإذا لم تنجح السلطات في مواجهة التحديات الاقتصادية والتغلب عليها، فقد ينعكس ذلك بالضرورة على قوة تركيا الصلبة بشكل يقيد أو يحد من إمكانية استخدامها أو توظيفها في سياسة البلاد الخارجية أو أجندتها الأمنية.
وبموازاة هذه التحديات التي ستواجه أنقرة خلال المرحلة المقبلة، سيكون هناك تحديات من نوع آخر، لعل أبرزها القدرة على إعادة ترميم قوتها الناعمة والحفاظ على التوازن بين “القوة الناعمة” و”القوة الصلبة” في سياق توظيف قوة الدولة الشاملة للحصول على نتائج سياسية تخدم المصالح القومية للبلاد وتحقق الاستقرار الإقليمي الذي تنشده لتفعيل صعودها بشكل أسر
المراجع
[i] رجب إيمان، “لماذا القوة؟”، في: القوة: كيف يمكن فهم تحولات القوة في السياسة الدولية؟، اتجاهات نظرية في تحليل السياسة الدولية، ملحق مجلة السياسة الدولية، المجلد47، العدد 188، أبريل/نيسان 2012، ص3.
[ii] Nye, Joseph S., Why the World’s Only Superpower Can’t Go It Alone, (Oxford University Press, New York, 2002), pp. 8-12.
[iii] Nye, Joseph, “The Benefits of Soft Power”, Compass: A Journal of Leadership, Center for Public Leadership, John F. Kennedy School of Government, Harvard University, 8-2-2004.
https://hbswk.hbs.edu/archive/the-benefits-of-soft-power (23-9-2018)
[iv] Ibid.
[v] Nye, Joseph, and Jisi, Wang, “Hard Decisions On Soft Power”, Harvard International Review, vol. 31, issue 2, Summer 2009, p. 18.
[vi] Nye, Joseph S., Soft Power: The Means to Success in World Politics, (Public Affairs, NY, 2004), p. 5.
[vii] Ibid., p. 7.
[viii] روبرت سميث، جدوى القوة: فن الحرب في العالم المعاصر، ترجمة: مازن جندلي، )الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ٢٠٠٨) ط١، ص٢٣-٢٤.
[ix] Öner, Selcen, “Soft Power in Turkish Foreign Policy: New Instruments and Challenges”, Euxeinos, 10 (2013), pp. 7-8.
[x] Altunisik, Meliha Benli, “The Possibilities and Limits of Turkey’s Soft Power in the Middle East”, Insight Turkey, vol. 10, no. 2, 2008, p. 49.
[xi] باكير، علي، “تركيا الجديدة: الصعود الإقليمي وصراع الأجندات”، مدارات استراتيجية، العدد١، نوفمبر/تشرين الثاني-ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٩، ص١١٤-١١٥.
[xii] باكير، علي، “اكتشاف القوة الناعمة الإيرانية: القدرات وحدود التأثير”، مركز الجزيرة للدراسات، ١٧ أبريل/نيسان ٢٠١٣:
[xiii]انظر: باكير، علي، تركيا: الدولة والمجتمع، في: تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج، محمد عبد العاطي (م)، (مركز الجزيرة للدراسات، بيروت، ٢٠١٠).
[xiv] Davutoglu, Ahmet, “Zero Problems Foreign Policy”, Foreign Policy, 20 May 2010.
[xv] Kalin, Ibrahim, “Soft Power and Public Diplomacy in Turkey”, Perceptions, Autumn 2011, volume XVI, no. 3.
[xvi] Davutoglu, Ahmet, “Zero Problems Foreign Policy”, Op. cit.
[xvii] Rousselin, Mathieu, “Turkish Soap Power: International Perspectives and Domestic Paradoxes”, Euxeinos, 10 (2013), pp. 16-22.
[xviii] باكير، علي، “القوة الناعمة التركية في ميزان التحولات العربية”، إسلام أون لاين، ١٨ مارس/آذار ٢٠١١:
https://goo.gl/bKgAv1 (25-9-2018)
[xix] Davutoglu, Ahmet, “Zero Problems in a New Era”, Foreign Policy, 21 March 2013.
[xx] تركيا في الشرق الأوسط: الفجوة بين الطموح والإمكانات، صحيفة الجمهورية، ٢٨ أبريل/نيسان ٢٠١٢:
[xxi]Bekdil, Burak, “Don’t Believe the Hype about Turkey’s Weapons Industry”, BESA Center Perspectives, 27 May 2017.
[xxii] Benhaïm, Yohanan and Öktem, Kerem, “The rise and fall of Turkey’s soft power discourse: discourse in foreign policy under Davutoğlu and Erdoğan”, European Journal of Turkish Studies, EJTS, pp. 14-18.
[xxiii] Ibid.
[xxiv] Ibrahim Kalin, Op. cit, p. 11.
[xxv] Ibid.
[xxvi] Davutoglu, Ahmet, “Zero Problems in a New Era”, Op. cit.
[xxvii] “The Coalition Crumbles: Erdogan, the Gülenists, and Turkish Democracy”, The Turkey Analyst, 20 February 2012.
[xxviii] “أردوغان يفقد صديقًا آخر بسبب السياسة.. هل ينافس «غُل» رفيق رحلته في 2019؟”، ساسة بوست، ٩ يناير/كانون الثاني ٢٠١٨.
[xxix] “These three charts will help you understand Turkey’s recent terrorist attacks”, PRI, 3 January 2018.
“Terror attacks in turkey between 2011 and 2017”, 140journos, 5 May 2017.
https://140journos.com/terror-attacks-in-turkey-between-2011-and-2017-4b5981c974ca (2-10-2018)
[xxx] Ataman, Muhittin (ed.), July 15 Coup Attempt in Turkey, SETA, 2017, p. 104.
[xxxi] باكير، علي، الدور التركي والإيراني في مسارات الأزمة لإسناد قطر، في: صمود قطر: نموذج في مقاومة الحصار وقوة الدول الصغيرة، تحرير: عز الدين عبد المولى، (مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ٢٠١٨)، ص٦٧-٨٠.
[xxxii] Dahir, Abdi latif, “Turkey has opened a military base in Somalia as it steps up its Africa engagement”, QZ, 3 October 2017.
https://qz.com/africa/1093011/turkey-opens-its-largest-overseas-military-base-in-somalia-to-train-somali-soldiers/ (5-10-2018)
[xxxiii] Özkan, Mehmet, “Turkey’s Involvement in Somalia: Assessment of a State-Building in Progress”, SETA, October 2014, pp. 1-61.
[xxxiv] Akpınar, Pınar, “FROM BENIGN DONOR TO SELF-ASSURED SECURITY PROVIDER: TURKEY’S POLICY IN SOMALIA”, Istanbul Policy Center, December 2017, pp. 1-7.
[xxxv] Salama, Mustafa, “Turkey’s rivalry with the UAE in Somalia is raising tensions in the Red Sea”, MEE, 12 April 2018.
https://www.middleeasteye.net/columns/how-turkey-uae-rivalry-raising-tensions-red-sea-921144879 (6-10-2018)
[xxxvi] “Turkey to restore Sudanese Red Sea port and build naval dock”, Rueters, 26 December 2017.
[xxxvii] Mazel, Zvi, “IS TURKEY SETTING UP A NAVAL BASE ON THE RED SEA?”, The Jerusalem Post, 6 January 2018.
[xxxviii] Topchi, Ali , “Why is Sudan’s Suakin island important for Turkey?”, TRT World, 26 December 2017.
https://www.trtworld.com/turkey/why-is-sudan-s-suakin-island-important-for-turkey–13630 (6-10-2018)
[xxxix] Amin, Mohammed, “Suakin: ‘Forgotten’ Sudanese island becomes focus for Red Sea rivalries”, MEE, 18 March 2018.
https://www.middleeasteye.net/news/suakin-island-sudan-turkey-saudi-arabia-egypt-394055164 (6-10-2018)
[xl] Kasapoglu, Can, “Türkiye’nin Sınır Ötesi Askeri Üs Stratejisi”, EDAM, 21 July 2017, pp.1-21.
[xli] YEŞİLTAŞ, MURAT ve SEREN, MERVE, ve ÖZÇELİK, NECDET, “FIRAT KALKANI HAREKATI HAREKATIN İCRASI, İSTİKRARIN TESİSİ VE ALINAN DERSLER”, SETA, 2017, pp. 1-55.
[xlii] “ZEYTİN DALI HAREKATI”, ORSAM, 2018, pp. 1-37.
[xliii] “Turkey has 11 regional bases in northern Iraq: PM Yıldırım”, Hürriyet Daily News, 4 June 2016.
http://www.hurriyetdailynews.com/turkey-has-11-regional-bases-in-northern-iraq-pm-yildirim-132762 (7-10-2018)
[xliv] “TRENDS IN WORLD MILITARY EXPENDITURE 2016”, SIPRI, SIPRI Fact Sheet, April 2017.
https://www.sipri.org/sites/default/files/Trends-world-military-expenditure-2016.pdf (25-9-2018)
[xlv] “Turkey’s defence budget raised by nearly 50 percent”, TRT World, 6 October 2017.
https://www.trtworld.com/turkey/turkey-s-defence-budget-raised-by-nearly-50-percent-11140 (26-9-2018)
[xlvi] باكير، علي، “دفعة قوية لقطاع الدفاع التركي لعام ٢٠١٨”، صحيفة القبس، ٢١ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٧.
[xlvii] نفس المرجع السابق.
[xlviii] “Considerable Increase in Turkey’s 2018 Budget for Defense”, Defense Turkey, volume 12, issue 79, 2017.
[xlix] “مبيعات الصناعات الدفاعية التركية تتجاوز 6 مليارات دولار في 2017″، ترك برس، ١٨ مايو/أيار ٢٠١٨:
http://www.turkpress.co/node/49247 (5-10-2018)
[l] نفس المرجع السابق.
[li] “TURKISH DEFENSE & AEROSPACE INDUSTRY”, Invest in Turkey, January 2018.
[lii] باكير، علي، النزاع على الغاز في شرق المتوسط ومخاطر الاشتباك، مركز الجزيرة للدراسات، ٢٢ أبريل/نيسان ٢٠١٨:
http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/04/180419092055183.html (5-10-2018)
[liii] Kasapoglu, Can, Op. cit.
[liv] أردوغان يمدد تفويض إجراء عمليات عسكرية بالعراق وسوريا، تركيا بوست، ٩ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٨:
https://www.turkey-post.net/p-271148/ (9-10-2018)