ملخص:

تعالج هذه الدراسة موضوع تقاسم السلطة التنفيذية في النظام السياسي المغربي من زاوية نظرية الوكالة. وتقوم على فرضية رئيسة تفسر مدى تناسب هذه النظرية مع طبيعة العلاقة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة رئاسة الحكومة، مفادها أن الملكية تُجسد دور الأصيل أو الموكل (Principal)؛ إذ تسمو فوق الجميع وتقوم بتفويض مهام تنفيذية محددة لرئيس الحكومة، الذي يمثل دور الوكيل (Agent). ويتمثل الدافع الرئيس للتفكير في مدى صحة هذا التناسب في اختبار قدرة نظرية الوكالة على تفسير رجحان ميزان القوة لصالح الملكية في علاقتها بالحكومة.

وبالاستناد إلى أبرز الأدبيات المتعلقة بتقاسم السلطة التنفيذية في الأنظمة السياسية المزدوجة، والفرضيات الرئيسة لنظرية الوكالة باعتبارها إطارًا منهجيًّا ملائمًا لدراسة العلاقات التعاقدية الناجمة عن هذه الازدواجية، وأخذًا في الحسبان اختلاف التفضيلات، وعدم تماثل المعلومات، وتباين السلوك إزاء المخاطر، بيَّنَّا أن مؤسسة رئيس الحكومة تتحمل كافة المخاطر المتعلقة بممارسة وتقاسم السلطة التنفيذية، في حدود ما تسمح به المقتضيات الدستورية.

وباستقراء مجموع الخلاصات المسجلة، يبدو جليًّا أنه، بغض النظر عن نتيجة تدبير الشأن العام من طرف مؤسسة رئيس الحكومة (نجاحًا أو تعثرًا)، فإن المؤسسة الملكية تخرج دائمًا قوية من لعبة تقاسم السلطة التنفيذية. وحتى إذا افترضنا أن هذا السلوك ينطوي على قدر من النفعية السياسية، لا يمكن إنكار أنه يُعبِّر عن نوع من البراغماتية التي تعتمدها المؤسسة الملكية في تدبير الشأن العام، والتفاعل مع قضاياه وتطوراته المختلفة.

كلمات مفتاحية: تقاسم السلطة، نظرية الوكالة، الدستور، الملك، رئيس الحكومة.

Abstract:

This study addresses the issue of executive power-sharing in the Moroccan political system from the perspective of agency theory. It is based on a key hypothesis that explains the extent to which this theory aligns with the nature of the relationship between the monarchy and the head of government. The hypothesis posits that the monarchy embodies the role of the principal, standing above all, and delegates specific executive tasks to the head of government, who acts as the agent. The primary motivation for examining the validity of this alignment lies in assessing the ability of agency theory to explain the dominance of power in favour of the monarchy in its relationship with the government.

By drawing on key literature related to executive power-sharing in dual political systems and the main assumptions of agency theory as a suitable methodological framework for studying contractual relationships arising from this duality—while considering differences in preferences, information asymmetry and varying risk behaviours—we demonstrate that the head of government bears all the risks associated with the exercise and distribution of executive power within the limits set by constitutional provisions.

An analysis of the recorded conclusions clearly indicates that, regardless of the outcome of governance by the head of government (whether successful or unsuccessful), the monarchy always emerges stronger from the dynamics of executive power-sharing. Even if this behaviour entails a degree of political pragmatism, it undeniably reflects a form of pragmatism that the monarchy employs in managing public affairs and intelligently engaging with its various issues and developments.

Keywords: power-sharing, agency theory, constitution, monarchy, head of government.

 

مقدمة

مرَّ ما يناهز أربعة عشر عامًا على دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، أليست هذه مدة كافية للحكم على مدى انسجام “الأماني المنتجة” مغربيًّا، التي حملتها الوثيقة الدستورية، مع الممارسة الفعلية وطموحات التحول الديمقراطي؟ حتى نفهم دلالة هذا التساؤل، لابد أن نتفق أولًا على أن الدستور، أي دستور، يكون قبل ميلاده الرسمي أو في لحظاته الأولى محملًا ببذور تطوير الحياة السياسية وتأهيل الفاعلين(1)، لكن الممارسة وحدها هي التي تضمن نفاذ الأفكار الدستورية الجديدة.

ثمة مؤشرات عديدة تؤكد أن الانبهار بما حفل به الدستور من تجديدات سرعان ما اصطدم، عند تفعيل فصوله، بهشاشة “القطائع” التي سعى إلى إرسائها. وعلى الرغم من غياب الوضوح المنهجي، هناك وعي يتشكل تدريجيًّا يفيد بأن قواعد القانون الدستوري غالبًا ما تكون أفكارًا مجردة لا تنبغي المجازفة بقراءتها خارج البيئة التي تنبثق منها، ما دامت السلطة السياسية ليست في نهاية المطاف سوى عنصر من عناصر النظام الاجتماعي الشامل(2). ومن ثَمَّ، فإن تحليلها لا يكون مجديًا إلا في إطار هذا النظام، بخصوصياته، وحدوده، وعناصر قوته.

ضمن هذا المنظور، وبقدر ما نستحضر أنه لا يوجد نظام دستوري في العالم قائم على ثنائية واقتسام السلطة التنفيذية خالٍ من أي إشكاليات على مستوى الممارسة، خصوصًا فيما يتعلق بتدقيق حدود وتداخل صلاحيات رأسي السلطة التنفيذية، نفترض أن التجربة المغربية لا تخلو بدورها من عديد الالتباسات في النص والممارسة. ننطلق في ذلك من فكرة أن ثنائية السلطة التنفيذية تعكس حضورًا قويًّا للبعد التراتبي والرئاسي في العلاقة الدستورية بين المؤسسة الملكية والحكومة.

فالملكية وردت في بنية الهندسة الدستورية الجديدة في منزلة بين المنزلتين، فلا هي استمرت “ملكيةً تنفيذيةً”، كما كان عليه الأمر قبل صدور هذه الوثيقة الدستورية السادسة، ولا هي تحولت بشكل واضح ونهائي إلى “ملكية ديمقراطية برلمانية” كما طالب قطاع من النخبة السياسية بذلك(3). صحيح أن ما سُمي بـ”الربيع العربي” أفضى إلى خلخلة الوضع السياسي القائم، ونتجت عنه بعض الإصلاحات الدستورية والمؤسسية المهمة، لكن يبدو أن هذه الإصلاحات لم تمس الجوهر المعقد والمركب لنظام الحكم، ولم تُحدث تغييرًا جذريًّا في وظيفة وتنظيم “المؤسستين” اللتين تتشاركان السلطة التنفيذية، ونقصد المؤسسة الملكية ومؤسسة رئاسة الحكومة.

وتكمن إحدى الإشكاليات المرتبطة بافتراض اختلال العلاقة في توزيع السلطة في وجود نوع من الاختلاف والتباين بين “المؤسستين”، سواء على مستوى الموقع أو الصلاحيات الدستورية. فإذا كانت الملكية، من جهة، تستند في ممارسة سلطتها إلى مشروعيات متعددة(4): تقليدية تحيل على النسب والتاريخ والدين، وهو ما خوَّلها صفة “أمير المؤمنين وحامي حمى الملَّة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية” وفقًا للفصل الحادي والأربعين من دستور 2011، وكاريزمية متمثلة في شخصية الملك، وعقلانية تجعل السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. وينص الفصل الثاني على أن الأمة تختار “ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم”، فإن الحكومة تستمد سلطتها، تبعًا لهذا المعنى، من الشرعية العقلانية، أي من إرادة الكتلة الناخبة التي يُفترض أن تعبِّر عنها من خلال انتخابات تعددية شفافة ودورية.

ومن جهة أخرى، وبمقتضى الدستور أيضًا، يقوم الملك المغربي بدور رئيس دولة حديثة، مؤطَّرة دستوريًّا وقانونيًّا على شكل “ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية”(5).

وإذا كانت الشبكات التابعة لمؤسسة رئيس الحكومة هشة وضعيفة (مختلف الهياكل السياسية والتنظيمات المدنية والنقابية التابعة للحزب الذي يقود الحكومة أو الداعمة له في إطار الائتلاف الحكومي أو المصلحي)، فإن تلك المرتبطة بالمؤسسة الملكية تبدو أكثر تنظيمًا وأكثر نفوذًا، وهي التي يُشار إليها، عادة، في السياق المغربي بـ”المَخْزَن” (Makhzen)، باعتباره تنظيمًا سياسيًّا-اجتماعيًّا تميز به المغرب خلال تاريخه الطويل.

وعلى الرغم من أن البنيات الشكلية المخزنية أُسقطت من النظام السياسي مع حصول المغرب على الاستقلال، وحلَّت محلها بنى إدارية عصرية موروثة، في معظمها، من عهد الحماية، يرى بعض الباحثين أن هذه البنيات ليست في الواقع سوى مجموعة من الوسائل المادية التي تمكِّن السلطان المغربي، بوصفه السلطة التراثية الوحيدة، من تقوية “القدرة التنظيمية” للنظام السياسي ككل. يباشر السلطان المغربي، بهذا المعنى، “حُكم البشر”، تاركًا “إدارة الأشياءللتكنوقراطية “اللائكية” (المعنى الذي قصده ماكس فيبر (Max Weber) (6).

ويعتمد الملك في حكمه هذا على “الخاصة”، أي مجموعة من الأفراد المنتمين إلى العائلات المخزنية التي ارتبطت تاريخيًّا بالعائلة الملكية وبالمؤسسة السلطانية التراثية. ويفضِّل البعض الآخر استعمال لفظ “دار المخزن”، ولا يؤيد التعريفات التي تخلط بين أجهزة الدولة ونظام المخزن، أو بينه وبين دار السلطان. فالمخزن، موضع الإسقاطات السلبية والإيجابية على السواء، همه الوحيد هو الحفاظ على الأمن والاستقرار، وجعل “مصلحة الدولة” قيمة فوق كل اعتبار.

هذه مهمات تستوجب استعمال القوة بشكل مستمر، وترك الأخلاق جانبًا؛ فهو أداة لممارسة السلطة، لكن شرعيته لا تتداخل أو تتلاقى مع شرعية الملك؛ فهذا الأخير -وإن كان رئيسًا للمخزن- غير متورط في أنشطته(7).

ولربما المستفاد من تعدد هذه الدلالات أن ثمة فهمًا خاصًّا للملكية في المغرب، يبتعد في معناه ومبناه عن التصورات التي آلت إليها تجارب الملكيات في أوروبا، مثل الملكية الإسبانية أو الهولندية؛ حيث أصبحت في مجملها مؤسسات سائدة لا حاكِمة. ومع ذلك، لابد من التنبيه إلى أن الملكيات الأوروبية، وعلى الرغم من التراجع التدريجي لموقعها لصالح البرلمانات والحكومات، لا تزال الدساتير تحتفظ لها، وإن بدرجات متفاوتة من نظام إلى آخر، بالكثير من الصلاحيات على الصعيد الدستوري والقانوني.

لذلك، ليس المهم، في تقديرنا، تجريد الملكيات من سلطاتها وتحويلها إلى أريكة فارغة، وإنما الأهم أن تكون الديمقراطية خيارًا لا رجعة فيه، وأن توضح قواعد اللعبة، وتُعزز بضمانات وآليات تجعل ممارستها فعلية وسليمة، وأن يتم توزيع السلطة بقدر كبير من التوازن والتكامل الفعال في الأدوار والمسؤوليات، وأن تُصبح الثقة المتبادلة قيمة سياسية ومجتمعية مُنبثَّة في الثقافة السياسية للدولة والمجتمع(8).

تبعًا لذلك، تسعى هذه الدراسة إلى فحص مدى تمكن دستور 2011 من صياغة آليات واضحة وفعالة لتقليص فجوة عدم التوازن في توزيع السلطة بين طرفي السلطة التنفيذية في التجربة المغربية، مع العلم أن هذا التمرين يُعد ضروريًّا في ظل اتساع هامش تفسير وتأويل بعض النصوص الدستورية، وضعف تملك رئيس الحكومة للقدرة على اتخاذ القرار وتطبيقه. وسنحاول، في هذا الإطار، تحليل القواعد والسلوكيات والمعايير التي تحكم تقاسم السلطة التنفيذية في المغرب، وكذلك طبيعة وخصائص التوازن السياسي الناتج عن هذه العملية.

منهجيًّا، اخترنا مقاربة هذه الإشكالية ضمن نظرية الوكالة المعيارية، التي تتناول العلاقة التعاقدية بين الأطراف ذات التفضيلات غير المتجانسة من خلال نموذج “الأصيل والوكيل” (Principal-Agent Model). وفي هذا الصدد، سننظر إلى المؤسسة الملكية على أنها “أصيل” يقوم، طبقًا للدستور، بتكليف الحكومة التي تُجسد دور “الوكيل” بإنجاز بعض المهام في سياق يتسم أساسًا بعدم تناظر المعلومات واتساقها.

على هذا الأساس، قمنا بتوزيع هذه الدراسة إلى أربعة مباحث متداخلة. يُبرز الأول أهم الأدبيات المتعلقة بتقاسم السلطة التنفيذية في الأنظمة السياسية المزدوجة، ويتتبع الثاني أبرز ملامح تطور مسار تقاسم السلطة التنفيذية في النظام السياسي المغربي، بينما يتناول المبحث الثالث الإطار الذي اعتمدناه لدراسة العلاقة التعاقدية بين مكوني السلطة التنفيذية في المغرب (نظرية الوكالة)، ويستعرض الأخير نتائج البحث وفق نموذج “الأصيل والوكيل”.

 

أولًا: تقاسم السلطة التنفيذية في الأنظمة السياسية المزدوجة

من أهم سمات الأنظمة السياسية المزدوجة أو المختلطة أنها تقوم على أساس ثنائية الجهاز التنفيذي، أي تقاسم أو تشارك السلطة التنفيذية، كما أنها تتمتع بمرونة عالية وقدرة كبيرة على التكيف مع تغير الظروف وطبيعة التحولات المجتمعية(9). ويختلف شكل ومضمون هذه العملية باختلاف النموذج الديمقراطي السائد؛ حيث يمكن التمييز بين النموذج التنافسي (The Competitive Model) والنموذج التوافقي (The Consensual Model).

1– تقاسم السلطة في الأنظمة السياسية المزدوجة القائمة على النموذج التنافسي

يمكن تعريف النظام السياسي المزدوج القائم على النموذج التنافسي بأنه مزيج من آليات النظام الرئاسي (أو النظام الملكي) والنظام البرلماني؛ حيث يتم اللجوء إلى إحداث نوع من التوازن بين سلطات رئيس الدولة وسلطات رئيس الوزراء (أو الوزير الأول). وغالبًا ما يقوم هذا النظام في المجتمعات المتجانسة، أي التي لا تعاني من انقسامات عرقية أو دينية أو أيديولوجية أو لغوية، وقد يتم فرضه في المجتمعات ذات الانقسامات الحادة في إطار نظام ديمقراطي هجين أو نظام سلطوي، كما هي الحال في معظم الدول النامية.

ومن خلال قراءة التجارب الدستورية العالمية، يتبين أن هذا الشكل من أشكال الحكم يتوافق مع النظام شبه الرئاسي ونظام الملكية الدستورية. ففي كلا النظامين، يتم، وبدرجات متفاوتة، اعتماد آليات “الديمقراطية التنافسية” بوصفها منهجية لتحديد معالم المشاركة في الحكم بناءً على قاعدة الأكثرية أو الأغلبية.

نشأ النظام شبه الرئاسي أو نصف الرئاسي كرد فعل على الاختلالات التي ظهرت خلال تطبيق النظام الرئاسي الصرف في أوروبا في بداية القرن العشرين، والمتمثلة أساسًا في احتمال تصاعد الصراع بين المؤسسة الرئاسية والبرلمان وخطر الانزلاق نحو الديكتاتورية والاستبداد. ومن أول البلدان التي تبنَّته دون تسميته، نذكر ألمانيا، سنة 1919 (جمهورية فايمار)، والنمسا، سنة 1920، وإيرلندا، سنة 1937. وقد تم تداول هذا المصطلح لأول مرة كمفهوم سنة 1959 في مقالة نُشرت في جريدة لوموند الفرنسية من قبل هيبير بوف ميري (Hubert Beuve-Méry)، في موضوع “من ديكتاتورية مؤقتة إلى نظام شبه رئاسي”(10). إلا أن الفضل في توضيح وإدخال هذا المفهوم في بناء النظرية السياسية يرجع لعالم السياسة الفرنسي، موريس دوفورجي (Maurice Duverger)، ابتداءً من الطبعة الحادية عشرة من كتابه “المؤسسات السياسية والقانون الدستوري” الصادرة سنة 1970(11)، ثم في مجموعة من المقالات المنشورة بعد ذلك في مجلات محكمة(12).

وقد عرَّف موريس دوفورجي (Maurice Duverger) النظام شبه الرئاسي، اعتمادًا على ثلاثة معايير رئيسة(13): انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع العام المباشر، ومنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة، بما فيها صلاحية حل البرلمان، ثم تشكيل حكومة تكون مسؤولة أمام البرلمان.

أما جيوفاني سارتوري (Giovanni Sartori)، فقد حدَّد خمس خصائص أساسية ومتكاملة لتعريف هذا النظام(14)، تتمثل في انتخاب رئيس الدولة عن طريق الاقتراع الشعبي لمدة محددة، وتقاسم السلطة التنفيذية بين رئيس الدولة والوزير الأول، واستقلالية رئيس الدولة عن الحكومة والبرلمان، علاوة على التنصيص على مسؤولية الوزير الأول أمام السلطة التشريعية، ثم إمكانية نقل الصلاحيات وتبادل الأدوار بين قطبي السلطة التنفيذية.

وقد تبدو هذه المحددات للوهلة الأولى واضحة، غير أن بعضها يتسم بنوع من الغموض، خاصة في ظل تنوع القواعد الدستورية؛ وهذا ما دفع ببعض الفقهاء الدستوريين إلى تبني مقاربة “الحد الأدنى” لفصل هذا النظام عن بقية الأنظمة السياسية. وهكذا حدد روبيرت إيلجي (Robert Elgie) شرطين رئيسين لتعريف النظام شبه الرئاسي، هما: انتخاب رئيس الدولة عن طريق الاقتراع الشعبي لمدة محددة، والتأكيد على مسؤولية الوزير الأول أمام المؤسسة التشريعية(15). ومن جانبه، احتفظ باتريك أونيل (Patrick O’Neil) بعاملين اثنين فقط، هما: تمتع رئيس الدولة بسلطات واسعة، وتقاسمه السلطة التنفيذية مع الوزير الأول(16).

وعمومًا، يبقى مبدأ تقاسم السلطة التنفيذية من أهم مميزات النظام شبه الرئاسي، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع يختلف باختلاف الممارسات الدستورية وتوازن القوى بين المؤسسة الرئاسية ومؤسسة الوزير الأول.

وبالإضافة إلى النظام شبه الرئاسي، تُشكل الملكية الدستورية إطارًا مناسبًا لإقرار وتطوير قاعدة ثنائية الجهاز التنفيذي. وخلافًا للملكية البرلمانية، التي لا يتمتع فيها الملك إلا بصلاحيات رمزية واعتبارية، فإن الملكية الدستورية تمنح الملك، وهو رئيس الدولة، صلاحيات مهمة لكنها غير مطلقة، وفقًا لقواعد يحددها الدستور، سواء كان مكتوبًا أو عرفيًّا(17). وعلى هذا الأساس، فإن الملكية الدستورية لها طابع تنفيذي؛ حيث تتحكم المؤسسة الملكية فعليًّا، وبطريقة مباشرة أو ضمنية، في جزء مهم من مفاصل السلطة التنفيذية، وتفوض الباقي لمؤسسة رئيس الحكومة أو الوزير الأول.

وإذا كانت مؤسسة رئيس الحكومة تستمد شرعيتها من صناديق الاقتراع، مع ما يعنيه ذلك من فرصة لتجديد الثقة أو العقاب ومتابعة المحاسبة والمساءلة على سوء تدبير الشأن العام، فإن المؤسسة الملكية تقوم غالبًا على مبدأ الإرث التاريخي لبناء وصيانة شرعيتها، أي “رسوخ حكم الأسرة الملكية في الزمن ومواكبتها مختلف مراحل الدولة والأزمات”(18). كما يمكن أن تكتسب جزءًا من شرعيتها من الأيديولوجيا الدينية والثقافية، أو بواسطة بعض المواقف الراسخة بشأن الثوابت الوطنية الجامعة، مع العلم بأن هذا الرسوخ لا يفيد الغياب التام للمساءلة أو الاعتراض، أو عدم اهتزاز الثقة، التي قد تتخذ صورًا متعددة، رمزية ومادية، آنية أو طويلة الأمد.

وخلافًا للنظام شبه الرئاسي، الذي يُنظر إليه على أنه اختيار نهائي مقصود، فإن الملكية الدستورية يمكن اعتبارها مجرد محطة عبور نحو الملكية البرلمانية. ولكن مسلسل العبور غالبًا ما يطول بالمجتمعات، بما فيها تلك التي تُوصف بالديمقراطيات العريقة. ففي بريطانيا العظمى، على سبيل المثال، ظهر هذا الشكل من الملكية لأول مرة في بداية القرن الثالث عشر (1215) على إثر صدور “الماغنا كارتا” أو “الميثاق الأعظم”، وهي وثيقة فُرضت على الملك في محاولة للحد من نفوذه، وامتد ذلك إلى سنة 1689 حيث تم الانتقال إلى الملكية البرلمانية(19).

وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف حالة الملكيات العربية، يمكن اعتبار الأنظمة السياسية في الأردن والمغرب والكويت ملكيات دستورية، ما دامت دساتيرها تنص على توزيع السلطة التنفيذية بين المؤسسة الملكية ومؤسسة رئيس الحكومة. صحيح أن الممارسة ما زالت تعتريها شوائب، ربما بفعل الضغوط وتخلي رؤساء الحكومات طواعية أو مكرهين عن جزء من صلاحياتهم الدستورية، إلا أن هذه الدول استطاعت، نظريًّا، كسر الرتابة السياسية في نظام سياسي له خصوصياته التاريخية ونمطه التثقيفي(20).

 

. 2 تقاسم السلطة في الأنظمة السياسية المزدوجة القائمة على النموذج التوافقي

يتميز النظام السياسي المزدوج القائم على النموذج التوافقي بوجود صيغة دستورية لتقاسم السلطة بالمعنى الواسع، على أساس نوع من التراضي العام على مبادئ وقواعد اللعبة الديمقراطية. وخلافًا للنظام السابق، لا يستند هذا النظام إلى منطق الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة، وإنما إلى التوافق والأخذ بأكبر عدد ممكن من الآراء ووجهات النظر(21)؛ وهو، من ثَمَّ، يتناسب مع المجتمعات المُجزأة، أي ذات الانقسامات الدينية أو اللغوية أو الثقافية أو العرقية، أو “المجتمعات المزيجة”(22) التي تتعايش مع التقليد، وتطمح من داخله إلى التحديث والتجديد، كما هو الشأن بالنسبة للمغرب.

ويعود ظهور الإرهاصات الأولى لهذا النموذج في بعض دول أوروبا الغربية ذات القوميات واللغات المتعددة، مثل بلجيكا وهولندا، مع نهاية القرن التاسع عشر، كردِّ فعل على تعثر “ديمقراطية الأغلبية” في تحقيق الاستقرار من خلال إدماج الأقليات الإثنية(23). وقد فتحت هذه التجارب، إلى جانب تجارب أخرى لاحقة مثل أيرلندا الشمالية ولبنان وماليزيا والعراق، الباب أمام الباحثين في العلوم السياسية لبناء تصورات نظرية عن آليات وقواعد الديمقراطية التوافقية.

ويُعد آرند ليبهارت (Arend Lijphart) من أبرز المتخصصين في دراسة هذا النموذج؛ إذ استطاع، على امتداد أكثر من خمسة عقود (1968-2020)، أن يصوغ أطروحة متكاملة عن الديمقراطية التوافقية، عززها بدراسات إمبريقية مثمرة ومتجددة. كما جاءت مساهمات باحثين معاصرين آخرين، أمثال جون ماكجاري (John McGarry) وبريندان أوليري (Brendan O’Leary)، لإغناء هذه الأطروحة.

ويُعد تقاسم السلطة التنفيذية من السمات الأساسية للنظام السياسي المزدوج القائم على النموذج التوافقي، حتى إن ليبهارت Lijphart استخدم في أكثر من مناسبة مصطلح “تقاسم السلطة” (Power Sharing) للدلالة على “الديمقراطية التوافقية”(24). وإذا أخذنا في الحسبان عامل الانقسامات والتوترات المصاحبة لهذا النظام، نستشف أن تقاسم السلطة التنفيذية في المجتمعات المتعددة الأعراق يُعد تمرينًا معقدًا ومتعدد الأبعاد، يتم وفق ثلاثة مسارات متباينة: المسار الأفقي (توزيع السلطة التنفيذية على صعيد المركز بين مؤسسة الرئاسة ومؤسسة الحكومة)، والمسار العمودي (توزيع السلطة التنفيذية بين المركز والأقاليم)، والمسار المختلط (دمج آليات المسارين العمودي والأفقي).

فيما يتعلق بالمستوى الأول، تنص دساتير معظم الدول التي تبنَّت النموذج التوافقي على ثنائية الجهاز التنفيذي، لكن بخلاف ما هو معمول به في النظام شبه الرئاسي ذي الطابع التنافسي، يتم وضع شروط طائفية أو قومية مسبقة لاختيار رأسي الهرم التنفيذي، أي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، كما يتم تقسيم الحقائب الوزارية وباقي المناصب السامية الأخرى على أساس التمثيل النسبي (Proportional Representation) بهدف إنشاء ائتلاف واسع (A Great Coalition)، يخضع عند الاقتضاء لمبدأ حق الفيتو المتبادل (Mutual Veto Rights)(25) بين مختلف الفُرقاء. ومن الأنظمة السياسية المزدوجة التي تطبق هذه القواعد نذكر النظام العراقي واللبناني. ولأن دراسات عدة تناولت خلفيات هذه الازدواجية وتأثيراتها في هذين النظامين، سنكتفي بالإحالة، مثلًا، على استنتاجات كل من كرم كرم(26) وبول كينغستون Paul Kingston(27) بشأن تعقد مسألة طموح بعض الفئات اللبنانية إلى تخطي المسألة الطائفية وإنشاء “لبنان ديمقراطي”، وخصوصًا أن الحياة السياسية اللبنانية، المكبلة بالطائفية والمذهبية، تميل إلى أن تكون مسار تبعيةٍ يمنع التفلت من القادة السياسيين الذين هم في الواقع قادة طائفيون(28).

وبخصوص المستوى الثاني، تتبنى بعض الدول الفيدرالية نمط التوزيع العمودي للسلطة التنفيذية؛ حيث تتمتع الأقاليم أو المحافظات بحكم ذاتي واسع في إطار ما أطلق عليه ليبهارت اسم “الحكم الذاتي القطاعي” (Segmental Autonomy)(29)، والذي يخولها صلاحيات كاملة لإدارة شؤونها المحلية في المجالات ذات العلاقة بالهوية (القيم، المعتقد، اللغة، التراث)، كالتعليم والثقافة(30). أما المسائل ذات المصالح المشتركة، فيتم التداول بشأنها ومعالجتها على الصعيد المركزي من خلال آليات التحالف والنسبية وحق النقض(31). وقد تبلورت هذه الصيغة تدريجيًّا في دول متقدمة مثل بلجيكا وسويسرا، بالتوازي مع تحقيق مستوى عالٍ من الرفاه الاقتصادي والنضج السياسي لدى النخب السياسية التي تمثل الفئات المختلفة التي انقسم على أساسها المجتمع(32).

أما المستوى الثالث، الذي يمثل الصيغة الأكثر تعقيدًا وحساسية، فيقوم على المزج بين التقاسم الأفقي والتقاسم العمودي للسلطة التنفيذية، من خلال وضع سلسلة من الآليات والترتيبات الهادفة إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق التوافق بين المجموعات العرقية أو الدينية أو القومية المختلفة. فبالإضافة إلى تشارك السلطة التنفيذية على المستوى المركزي، يتم التنصيص دستوريًّا على تمتيع الأقاليم بقدر معين من الحكم الذاتي. وتُعد البوسنة والهرسك من الدول القليلة التي أخذت بهذه الصيغة المركبة، بمقتضى اتفاقية دايتون للسلام لسنة 1995، حيث يتناوب الرؤساء التنفيذيون الثلاثة (صربي، كرواتي، بوسني) على السلطة كل ثمانية أشهر، وتُتخذ القرارات بالتوافق إن أمكن، وإلا بالأغلبية. وبالموازاة مع ذلك، تم تقسيم الهيكلة السياسية للدولة إلى أربعة مستويات على أساس عرقي: الكيانات (جمهورية صرب البوسنة، واتحاد البوسنة والهرسك)، والكانتونات، والبلديات، والمدن الرسمية(33).

وتجب الإشارة إلى أن التجارب أظهرت أن أيًّا من هذه الصيغ الثلاث لا يناسب بالضرورة كل المجتمعات البشرية، خاصة وأن هذه الأخيرة غير جامدة، بل تخضع لقانون التغيير بحسب الظروف السائدة. كما أن التطبيق السليم لهذه الصيغ مشروط بمدى توافر بعض الشروط الأساسية، أهمها وجود آليات نوعية مصممة لإنتاج التمثيل الواسع(34)، وانتشار الوعي الجمعي(35)، فضلًا عن استعداد وانخراط كل الأطراف المتصارعة في عقد اتفاقات مع بعضهم البعض(36). ومن هنا، يبدو أن فرص اعتماد هذه الصيغ الثلاث بشكل إرادي في الدول الأقل نموًّا والأكثر هشاشة تبقى ضئيلة، وحتى إن تم اعتمادها، كما هي الحال في رواندا وجنوب السودان، فإن ذلك لا يكون نابعًا من إرادة سياسية داخلية حقيقية للإصلاح، بل مفروضًا من الخارج في إطار ترتيبات وتفاهمات ما بعد انتهاء الحروب الأهلية.

ثانيًا: ملامح تطور مسار تقاسم السلطة التنفيذية في النظام السياسي المغربي

كما سبقت الإشارة، اعتمد المغرب، منذ حصوله على الاستقلال عام 1956، على نظام سياسي مبني على تقاسم السلطة التنفيذية. وهناك عاملان أساسيان كان لهما وقع كبير في تحديد ملامح تطور مسار الإصلاحات السياسية في اتجاه مزيد من التوازن في تقاسم السلطة التنفيذية بين المؤسسة الملكية أو “سلطة الحكم”(37) ومؤسسة رئيس الحكومة، وهما: وتيرة التغيير (Speed) وتوقيت إنجازه (Timing).

  1. وتيرة التغيير

من المعلوم أن المصلحين، وهم من صنَّاع القرار، غالبًا ما يلجؤون في أي عملية إصلاحية إما لأسلوب العلاج بالصدمة (Choc Therapy) أو أسلوب التدرج (Gradualism). وعلى غرار ما يحدث في معظم الدول الناشئة أو النامية، اختار المغرب المسار الثاني لتحقيق نوع من التوازن بين القوى السياسية من خلال إعادة توزيع الصلاحيات التنفيذية بين المؤسسة الملكية (متعددة المشروعيات) ومؤسسة رئيس الحكومة (صاحب الشرعية الانتخابية). ولا شك أن لهذا المنهج مزايا متعددة يمكن إجمالها في النقاط الآتية(38):

  • يساعد التدرج في الإصلاح على التحكم في تكاليف التكيف أو التقويم (Adjustment Cost)، نظرًا لحالة عدم اليقين التي تحيط بالنتائج المتوخاة وصعوبة تحديد قائمة الرابحين والخاسرين مسبقًا.
  • يسمح التدرج في الإصلاح بكسب معلومات إضافية حول ما إذا كان ينبغي متابعة المسار الإصلاحي نفسه أم تغييره؛ مما يقلِّل من احتمالية المجازفة بالمكتسبات المتراكمة.
  • يُعد الإصلاح بالتدرج أكثر مصداقية من العلاج بالصدمة؛ إذ يتيح تراكم التجارب ويساعد الأفراد على تعلم التمرين الديمقراطي والمشاركة السياسية.
  • يتوافق الإصلاح بالتدرج مع البنية الاجتماعية والثقافية المغربية، التي تتسم بتعقيدها وتجاذباتها الهوياتية، فضلًا عن أن ضعف الطبقة الوسطى وتفشي الفقر والهشاشة لا يساعدان على تحقيق الانتقال الديمقراطي في زمن يسير.
  • أثبتت معظم التجارب السابقة أن تجاوز التدرج في الإصلاح والتسرع فيه ينطوي على مخاطر غير محسوبة، مثل العنف والفوضى وعدم الاستقرار.

وإذا كانت معظم الديمقراطيات الغربية قد بُنيت بالتدرج وعلى مراحل زمنية متفرقة، فإن ذلك ينطبق، وبشكل أكبر، على الدول العربية عمومًا، بما فيها المغرب(39)، خاصة أن الأسس العملية والمؤسسية والفكرية للتغيير السريع عن طريق الصدمة غير متوافرة. إن إعادة تقاسم السلطة التنفيذية في اتجاه تكريس الاختيار الديمقراطي تستوجب تغييرًا في العقليات والمعتقدات العادية للمواطنين، غير أن هذا التغيير لن يحدث إلا عندما يتطور الاقتصاد والمجتمع، وحين تصبح الحريات السياسية لدى الأفراد “سلعة عادية” بدلًا من أن تكون “سلعة كمالية”، وعندئذٍ سيهتمون بالحرية السياسية أكثر من المصالح المادية(40).

لكي ينتشر الفعل الإصلاحي ويتعزز، يتوجب على مؤسسات الدولة، بما لها من نفوذ، أن تمارس دورها الأخلاقي والسياسي من خلال تهيئة الظروف وتحقيق الشروط المناسبة للإصلاح؛ فقد علَّمنا التاريخ أن “الدولة اضطلعت في حالات عديدة بعملية بناء الأمة والمواطنة، أو على الأقل ساهمت مساهمة فاعلة فيها، وبخاصة في غياب عملية تطور موضوعية للبرجوازية واقتصاد السوق والطبقة الوسطى والمجتمع المدني”(41).

وبخلاف الرواية الرسمية، يرى العديد من الفاعلين السياسيين، مثل أحزاب اليسار الراديكالي (حزب النهج الديمقراطي مثلًا) وجماعة العدل والإحسان، أن الوثيقة الدستورية ينبغي أن تحقق نوعًا من التوازن بين مختلف السلطات الدستورية. فالبرلمان المنتخب من طرف الأمة يملك السلطة التشريعية؛ إذ لا قانون يصدر خارج سلطته، وله الحق الأصيل في تقييم السياسات العمومية والرقابة على العمل الحكومي. أما الحكومة، فهي السلطة التنفيذية التي تتحمل مسؤولية وضع السياسات العمومية وتنفيذها، مع تقديم الحساب بشكل دوري أمام البرلمان ومؤسسات الرأي العام وعند المحطات الانتخابية(42).

بالرغم من أن الخطاب الرسمي روج منذ الاستقلال لمسألة الإصلاح بالتدرج في ظل الاستقرار، بهدف تحقيق نوع من التوازن بين سلطات المؤسسة الملكية وسلطات رئيس الحكومة (الوزير الأول قبل سنة 2011)، إلا أن واقع الحال لم يتغير كثيرًا حتى مطلع تسعينات القرن العشرين. وعلى هذا الأساس، يمكن تقسيم الزمن السياسي المغربي في علاقته بتقاسم السلطة التنفيذية إلى مرحلتين: مرحلة الجمود ومرحلة المرونة.

امتدت هذه المرحلة من 1962 إلى 9 أكتوبر/تشرين الأول 1992، واتسمت بالانغلاق والحذر الشديد. صحيح أن أول دستور مغربي بعد الاستقلال (دستور 1962) حدَّد طبيعة نظام الحكم على أنه “مَلَكية دستورية ديمقراطية واجتماعية”(43)، إلا أنه ركز معظم السلطات التقريرية في يد المؤسسة الملكية، بينما انحصرت وظيفة الوزير الأول في بعض المهام الرمزية، مثل عرض البرنامج الحكومي أمام البرلمان وممارسة السلطة التنظيمية فيما عدا المواد التي يصرح الدستور بإسنادها إلى اختصاص السلطة التنظيمية للملك (الفصل 62 من دستور 1962)، وحق التقدم باقتراح القوانين شريطة تداولها في المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك (الفصل 67 من دستور 1962). كما أن الحكومة كانت في وضعية تبعية كاملة للملك(44).

انطلقت هذه المرحلة في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1992، وهي مستمرة إلى اليوم، وشهدت انفتاحًا سياسيًّا وإعادة توزيع الاختصاصات، ولو بشكل محدود، بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الوزير الأول (رئيس الحكومة ابتداءً من دستور 2011). جاء دستور 1992 بعدة مقتضيات أعادت بعض الاعتبار لمؤسسة الوزير الأول، ومن بينها الفصل 24، الذي نصَّ لأول مرة على منح الوزير الأول صلاحية اقتراح باقي أعضاء الحكومة(49). كما تم رفع الوصاية التي كانت تمارسها المؤسسة الملكية على الحكومة، من خلال التنصيص صراحة على أن السلطة التنظيمية من اختصاص الوزير الأول (الفصل 61 من دستور 1992).

وبالمقارنة مع الدساتير السابقة، منح دستور 2011 الحكومة ورئيسها سلطات مهمة، لاسيما فيما يتعلق بممارسة السلطة التنفيذية وسلطة التعيين. ومن بين أبرز مستجداته، الإشارة في الفصل الأول إلى أن نظام الحكم بالمغرب هو “نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية”؛ حيث أضيفت كلمة “برلمانية”، وهو ما لم يكن حاضرًا في الدساتير السابقة. كما نص الفصل 89 على أن الحكومة تمارس “السلطة التنفيذية”، وهو ما يشكِّل اعترافًا دستوريًّا بازدواجية السلطة التنفيذية.

فضلاً عن ذلك، تم التأكيد على الشرعية الانتخابية لرئيس الحكومة، الذي أصبح منبثقًا، بقوة الدستور، من الحزب السياسي المتصدر لانتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. كما مُنح رئيس الحكومة صلاحيات تنفيذية موسعة، بما في ذلك سلطة تعيين كبار الموظفين في المؤسسات العمومية(50).

 

  1. التوقيت المناسب للتغيير

إن نجاح أي مشروع إصلاح سياسي يتوقف، من بين شروط أخرى، على اختيار التوقيت المناسب للإعلان عنه والبدء بتنفيذه. فحين يتأخر عن وقته، تكون نتائجه عكسية وتكاليفه مرتفعة. من الناحية الإستراتيجية، يُعد تحريك مسطرة الفصل الثالث بعد المئة من دستور 1996، قصد مراجعة الدستور، أهم تنازل أقدمت عليه الملكية في المغرب. كان الرهان وراء الاستجابة السريعة لمطالب حركة 20 فبراير، وعدم اللجوء إلى موقف العنف والمناهضة، هو المسارعة إلى تحويل لائحة المطالب الاجتماعية والسياسية، التي أعلنت عنها إستراتيجية الشارع سنة 2011، إلى إستراتيجية الدولة، وذلك في خطوة لإعادة بناء الفضاء السياسي بالمغرب، ومحاربة الفساد ورموز التسلط واقتصاد الريع، وتوفير سبل الحياة الكريمة.

ومع ذلك، فإن الإستراتيجية ليست مجرد “لعبة شطرنج”(52)؛ حيث يشغل تفكير اللاعب “بقطعها” التحرك بحذر وتعقل واحترام تام للقواعد المتفق عليها لإحراز النصر الافتراضي على الخصم أو المعارض، وإنما هي فكر وممارسة في آن واحد، تجمع بين حسن التقدير والتنبؤ، ودقة الإنجاز والفعل، وفق أجندة مضبوطة زمنيًّا ومكانيًّا. بهذا المعنى، كانت الخطوات التي أقدمت عليها الملكية وحركة 20 فبراير أقرب إلى الإستراتيجية، وإن اختلفت الوسائل والرهانات بينهما، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار ثلاثية “التوقيت، وطريقة التنفيذ، والانتظارات”. يستند هذا الاعتبار، إلى حدٍّ ما، إلى “قانون توكفيل” بشأن الثورة، الذي يُظهر أنه عندما يتأخر نظام ما في التعامل مع الموجة الأولى من الاحتجاجات، فإن التيار الراديكالي يتقوى أكثر فأكثر، ويصعد ليصبح الوضع أكثر احتقانًا في المرحلة الموالية. وهذا بالذات ما حدث في تونس، ثم في مصر(53).

ورغم أن الأزمة تُعد عاملًا مساعدًا على القيام بإصلاحات سياسية، بما فيها تعزيز صلاحيات الحكومات المنتخبة، إلا أن جودة تنفيذ هذه الإصلاحات تبقى مشروطة بمدى وجود قوى إصلاحية، وكذا توافر بيئة مؤسسية سليمة ومناسبة. لذلك، ليس سبب الأزمة هو الأهم في حدِّ ذاته، بقدر أهمية “وجود قوى معتدلة إصلاحية وأخرى محافظة داخل النظام، تختلف فيما بينها في رد الفعل على الأزمة”(54). وفي هذا السياق، حاول داني رودريك (Dani Rodrik, 1996) التقليل من قوة فرضية العلاقة السببية بين الأزمة والإصلاح، مشددًا على صعوبة اختبارها في جميع الحالات، ومقترحًا تعويضها بمصطلح “الفشل”. فالأزمة ليست سوى حالة قصوى من الفشل في تدبير الشأنين، السياسي والاقتصادي، وبالتالي، “فمن الطبيعي اللجوء إلى الإصلاح عند الشعور بأن الأمور لا تسير على ما يرام”(55).

إضافة إلى عامل الأزمة، يبدو أن التغييرات في القيم الاجتماعية كان لها وقع كبير في تسريع الإصلاح السياسي في بعض الدول، مثل فرنسا وبريطانيا، حيث ارتبط ذلك بنشر أفكار جان جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau) وتوم باين (Tom Paine) التنويرية على نطاق واسع في أوروبا بحلول العقود الأولى من القرن التاسع عشر، وهو ما كان له تأثير إيجابي على النخب السياسية(56).

وفي كل الحالات، يبدو أن خطر وقوع أحداث غير عادية وذات تكلفة سياسية واجتماعية مرتفعة، مثل الحروب، والثورات الاجتماعية، والأزمات الاقتصادية، يُعد قوة دافعة لإعطاء وعود بالتغيير والإصلاح، إلا أنه غالبًا ما يتم التراجع، ضمنيًّا، عن جزء أو كل هذه الوعود بمجرد عودة الأمور إلى طبيعتها(57).

التعديل الدستوري والاحتجاجات في المغرب

إذا عدنا إلى الحالة المغربية، سنجد أن عامل الأزمة كان له دور بارز في تحديد توقيت الإصلاح السياسي الهادف إلى تحقيق التحول نحو الديمقراطية بصفة عامة، بما في ذلك منح مزيد من الصلاحيات لمؤسسة رئيس الحكومة. غير أنه، وبغض النظر عن كون المغرب قد حقق مكاسب وطنية كبرى، كما جاء في خطاب التاسع من مارس/آذار، بفضل إرساء مفهوم متجدد للسلطة، وإصلاحات وأوراش سياسية وتنموية عميقة، ومصالحات تاريخية رائدة، فإن العلاقة بين إعلان التعديل الدستوري وتصاعد حدة الاحتجاجات، وتطور شعارات المتظاهرين، تبقى قوية وقائمة. لماذا؟ لأن تاريخ وتوقيت الخطاب لم يكونا عاديين، كما أن قرار الإعلان عن مراجعة الدستور كان استثنائيًّا، وينذر بوجود طارئ لم يعد بالإمكان تجاهله، ويتطلب احتواءه بالحزم اللازم.

ما جاء به الدستور من تعديلات لم يكن وليد الفراغ، وإنما نتيجة لمخاض عسير من الضغط الشعبي، ورد فعل استباقي لسحب البساط من تحت حركة 20 فبراير، والحد من زخمها الاحتجاجي، الذي كان مرشحًا للتطور(59). ولاسيما أن تقرير لجنة الجهوية، كما جاء في خطاب 9 مارس/آذار نفسه، لم يوصِ بـ”دسترة” “الجهوية المتقدمة” أصلًا، بل اكتفى باقتراح إقامتها بقانون، وذلك في أفق إنضاج ظروف دسترتها.

ونميل إلى الظن في هذا الاتجاه أن مبادرة الإصلاح الدستوري، بمدلولها السياسي ومحتواها الموضوعي ومقاربتها المنهجية، بمقدار ما كانت محكومة بإكراهات الظرفية السياسية الداخلية والخارجية، كانت خاضعة كذلك لنواميس التحولات المجتمعية، في ترابطها الجدلي مع مقومات وتوازنات البنية الكلية للنظام السياسي(60). تاريخيًّا، بينما استمرت الحركة الوطنية في التشديد على أن الاشتراك في المسؤولية يفضي إلى اشتراك في اقتسام السلطة بعد الحصول على الاستقلال، اختارت الملكية لنفسها منطقًا آخر، هو منطق الدولة(61).

وفي تعبير عميق، ممزوج بقدر واضح من النقد الذاتي، يقول الملك الراحل الحسن الثاني في “ذاكرة ملك”:

“لم تكن هناك قوتان، وإنما كان تياران، أحدهما صبور وكان يمثله والدي، الذي كان يعتقد أن الطريقة المثلى المؤدية إلى محمود النتائج هي عامل الزمن. والتيار الآخر كان عديم الصبر… كانت مطالبهم في مستوى درجة إدراكهم للأشياء، كان لديهم ميل طبيعي لإضفاء أبعاد ضخمة على الجزئيات، كانوا يهتمون بما هو ثانوي على حساب ما هو جوهري، وفي بعض الأوقات، كان الحوار لا يسوده أي تفهم؛ إذ كان كل منَّا يحلق على ارتفاع يختلف عن ارتفاع الآخر. كانت حقًّا مأساة بالنسبة للمغرب”(62).

ليس إذن من قبيل الصدفة أن تبرز حاجة الدولة والمجتمع إلى جيل جديد من العلاقات، تجسدت في إشراك “خصوم الأمس” في الحكـم، في إطار حكومة التناوب. غير أنه، إذا كان الهدف المعلن للتناوب التوافقي هو فسح المجال لتنافس القوى السياسية، فقد سرعان ما اتضح أن وصول هذه القوى إلى مواقع التدبير لا يعني الوصول إلى سلطة القرار(63)، في ظل نظام سياسي تُشكل فيه الحكومة الطابق الثاني داخل الجهاز القراري، الذي تشغله الملكية وتحافظ عليه.

وبغضِّ النظر عن كون المغرب قد حقق مكاسب وطنية كبرى، كما جاء في خطاب التاسع من مارس/آذار 2011، بفضل إرساء مفهوم متجدد للسلطة، وإصلاحات وأوراش سياسية وتنموية عميقة، ومصالحات تاريخية رائدة، رسَّخ من خلالها ممارسة سياسية ومؤسسية باتت متقدمة، مقارنةً بما يتيحه الإطار الدستوري الحالي(64)، تبقى العلاقة بين إعلان التعديل الدستوري وتصاعد حدة الاحتجاجات، وتطور شعارات المتظاهرين، قوية وقائمة. لماذا؟ لأن تاريخ وتوقيت الخطاب لم يكونا عاديين، كما أن قرار الإعلان عن مراجعة الدستور كان استثنائيًّا، وينذر بوجود طارئ لم يعد بالإمكان تجاهله، ويتطلب احتواءه بالحزم اللازم. فقد دفعت قراءة ما يجري في المحيط العربي، وما يعتمل داخل المجتمع المغربي، إلى الاستباق بالإعلان عن وضع دستور جديد يروم التغيير ضمن الاستمرارية(65).

ولئن كان الفاعلون المؤسسيون الذين تمت استشارتهم من قبل اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد يتفقون حول المكتسبات الديمقراطية والإنجازات المتعددة التي يمكن للمغرب أن يفخر بها، فإنهم “يؤكدون على التفاوت الحاصل بين روح الدستور والوعود التي يحملها وبين حقيقة ممارسة السلط والحريات والاختصاصات”(66). غير أن هذا التفاوت لا يمنع المؤسسات الدستورية وأجهزة الضبط والتقنين من القيام بدورها على أكمل وجه.

وبالإضافة إلى ذلك، جاء في التقرير العام للجنة أن هؤلاء الفاعلين يرون أن “ضعف المقروئية، الذي يطبع كيفية اتخاذ القرار، يجعل تدبير الزمن السياسي محاطًا بعدم اليقين، ويغذي ضعف الثقة لدى المواطنين إزاء المؤسسات”، كما تدل على ذلك نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية أو المحلية(67).

 

ثالثًا: نظرية الوكالة إطارًا منهجيًّا لدراسة العلاقات التعاقدية

تُعد نظرية الوكالة إطارًا منهجيًّا وفكريًّا فعالًا لمقاربة العلاقات المعقدة داخل المنظمات، التي تتميز بوجود تعارض في المصالح بين مختلف الأطراف المرتبطة والمتأثرة بنشاطها(68). فبعد أن كان استخدامها مقتصرًا على الاقتصاد، وخاصة الاقتصاد التنظيمي، اتسع مجال تطبيقها تدريجيًّا ليشمل مجالات أخرى، مثل علم الاجتماع والعلوم السياسية.

ويمكن تعريف نظرية الوكالة بأنها “عقد يقوم بموجبه شخص أو عدة أشخاص (الأصيل أو الأصلاء) بتوظيف شخص آخر (الوكيل) لأداء مهام معينة نيابة عنه (عنهم)؛ الأمر الذي يتطلب تفويض سلطة اتخاذ القرار”(69). ويقوم مدخل هذه النظرية على مبدأ النظر إلى المُنظمة أو الوحدة الاقتصادية باعتبارها مجموعة من العلاقات التعاقدية الاختيارية، التي تربط بين مختلف الأطراف ذات المصلحة والتي لا تتوافق أهدافها مع بعضها البعض.

             1.    نشأة وأسس نظرية الوكالة

تعود جذور نظرية الوكالة إلى ثلاثينات القرن العشرين، حين قام الباحثان، أدولف بيرل وغاردينر مينز (Adolf Berle & Gardiner Means) ، بدراسة فكرة فصل الملكية عن الإدارة، دون النظر إلى عواقبها على المنظمة (مثل الشركات). ويمكن اعتبار هذه المبادرة امتدادًا طبيعيًّا للفكرة التي طرحها لأول مرة المفكر الاقتصادي، آدم سميث (Adam Smith) ، في كتابه الشهير “ثروة الأمم”، سنة 1776، والمتعلقة بمشكلة الفصل بين الملكية والسيطرة (الإدارة). كما أنها تُعد امتدادًا مباشرًا لنظرية حقوق الملكية، التي طورها المفكر الاقتصادي، رونالد كوز (Ronald Coase)، والتي تدافع عن فكرة أن المنظمة هي بمنزلة “عقدة عقود” مكتوبة أو ضمنية.

وانطلاقًا من المبدأ الذي يُفيد بأن أي علاقة تعاقدية هي علاقة وكالة، قام باحثون آخرون في حقل العلوم الاقتصادية، مثل جورج أكيرلوف (George Akerlof, 1970)، وستيفن روس (Stephen Ross, 1973)، ويوجين فاما (Eugen Fama, 1980)، وميكائيل جنسن وويليام ميكلنغ (Michael Jensen & William Meckling, 1976)، بتعميق دراسة هذا النوع من العلاقات، من خلال نمذجة العلاقة التعاقدية اعتمادًا على آليات التحليل الاقتصادي الجزئي، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الممارسات السلبية الناجمة أساسًا عن أنانية المكلف (أو المكلفين) بتسيير الإدارة واتخاذ القرار. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف النقاش حول أهمية نظرية الوكالة وقدرتها على حصر ظاهرة تضارب المصالح، لدرجة أنها أصبحت، بالنسبة لبعض المفكرين الاقتصاديين، مثل كاهيك (Cahuc, 1993) وجارابانو ويورينا (Garapin & Llerena, 2007)، أحد أعمدة “الاقتصاد الجزئي الجديد”.

وتتمحور الفكرة الأساسية التي تبنَّاها رواد نظرية الوكالة حول وجود تضارب المصالح، أو تعارض الوكالة (Agency Conflict)، في العلاقات الهرمية التي يحكمها تفويض سلطة مالك منظمة معينة (الموكل أو الأصيل) إلى المدير أو الموظف المكلف بتسييرها (الوكيل). فإذا كان الأصيل يسعى إلى تعظيم قيمة المنظمة، فإن الوكيل قد لا يتصرف بالضرورة وفق هذا الهدف، بل قد يفضِّل العمل بوتيرته الخاصة، والسعي وراء مصلحته الشخصية على حساب مصلحة المنظمة، وهو سلوك انتهازي ناجم بالخصوص عن عدم تماثل المعلومات بين الطرفين. ومن شأن التكاليف المرتبطة بهذا السلوك أن تؤثر سلبيًّا على القيمة السوقية للمنظمة.

وبالإضافة إلى هذا السلوك الانتهازي، هناك عامل آخر وراء تضارب المصالح بين الأصيل والوكيل، يتمثل في تعارض أفق الاستثمار بين الطرفين المتعاقدين. فأفق الاستثمار (بالمعنى البشري) بالنسبة للوكيل محدود زمنيًّا، نظرًا لأن توظيفه يتم بمقتضى عقد عمل محدد، في حين أن أفق الاستثمار (بالمعنى المادي) بالنسبة للأصيل يمتد على المدى المتوسط والبعيد.

وعلى غرار معظم النظريات المتفرعة عن النظرية الكلاسيكية الجديدة، تقوم نظرية الوكالة على مجموعة من الفرضيات المسبقة التي تشكل منطلقاتها الفكرية، ومن أهمها:

  • كفاءة السوق.
  • التصرف الرشيد.
  • عدم تماثل المعلومات.
  • اختلاف التفضيلات.
  • تباين المواقف تجاه المخاطر بين الأصيل والوكيل.

وانطلاقًا من هذه الفرضيات، تركز نظرية الوكالة على الدور المحوري الذي يضطلع به الوكيل داخل المنظمة، من خلال الإجابة على سؤالين رئيسيين(70):

  • كيف يمكن بناء نظام تحفيزي ورقابي يُعيق محاولات الوكيل تبنِّي سلوكيات قد تُلحق الضرر بمصالح الأصيل؟
  • في سياق يتسم بتوافر معلومات غير تامة، كيف يمكن تصميم نظام وكالة ذي كفاءة تقترب من تلك التي تتحقق في ظل فرضية المعلومات التامة التي تُميز آليات اشتغال السوق؟

ويمكن التمييز بين نوعين من أدبيات الوكالة، تعالجان المشكلة التعاقدية نفسها، لكنهما تختلفان في طريقة وأسلوب التحليل، وهما(71):

  • نظرية الوكالة الإيجابية، التي كان لميكائيل جنسن وويليام ميكلنغ (Michael Jensen & William Meckling)  إسهام كبير فيها.
  • نظرية الوكالة المعيارية” (أو نظرية الأصيل والوكيل)، التي طورها جان تيرول (Jean Tirole)، وجان جاك لافون (Jean-Jacques Laffont)، وأوليفر هارت (Oliver Hart)، وآخرون.

ويتجلى الاختلاف الأبرز بين النظريتين في ثلاثة مستويات(72):

  • أولًا: تكتفي النظرية المعيارية بدراسة طبيعة العلاقة بين الأصيل والوكيل، بينما يشمل نطاق النظرية الإيجابية العلاقات التعاقدية بين جميع الأطراف الفاعلة داخل المنظمة.
  • ثانيًا: تعتمد النظرية المعيارية على فرضية “الوكيل السلبي”، الذي يكتفي بتنفيذ طلبات الأصيل، في حين تعتبر النظرية الإيجابية الوكيل شخصًا نشطًا وانتهازيًّا، يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية قبل مصالح المنظمة التي يعمل بها.
  • ثالثًا: تستخدم النظرية المعيارية بشكل واسع الأساليب الرياضية للبحث عن أفضل الآليات لخفض تكاليف الوكالة، ومن ثَمَّ الوصول إلى عقود مثلى (أمثلية باريتو، Pareto Optimal)، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة عدم اليقين، وعدم تماثل المعلومات، واختلاف التفضيلات(73). في المقابل، تهتم النظرية الإيجابية بدراسة وتحليل مختلف الأشكال التنظيمية كآلية تُطبق فعليًّا لحل النزاعات، ومن ثَمَّ خفض التكاليف الناجمة عن علاقة الوكالة.

وبالإضافة إلى الوكالة البسيطة، التي تعالج العلاقات التعاقدية الفردية (أصيل ووكيل)، هناك حالات أكثر تعقيدًا تُعرف باسم الوكالة المشتركة” (Common Agency)، وهي الحالات التي ينخرط فيها أكثر من أصيل في العملية التعاقدية. وينطبق هذا النموذج على الظواهر التي تتميز بتعدد الفاعلين المؤسسيين أو المؤثرين ذوي التوجه التعاوني (أصحاب المصلحة)، في إطار علاقتهم بالمكلف (أو المكلفين) بإنجاز مهام معينة بمقتضى عقد وكالة، سواء كانت صريحة أم ضمنية. ومن أبرز هذه الظواهر، نجد ما يتصل بعمل جماعات الضغط، والنزاعات داخل الفضاء السياسي، والتجارة الدولية(74).

. 2 مشاكل وتكاليف الوكالة

بما أن نظرية الوكالة تسعى أساسًا إلى صياغة عقود مثلى من خلال جعل تصرفات الوكيل تصب في خدمة مصلحة الأصيل، في سياق يتسم بعدم تماثل المعلومات (Asymmetric Information)، فمن الطبيعي تصنيف الحالات المرتبطة بهذه الوضعية المعلوماتية إلى فئتين رئيسيتين: الاختلال الأخلاقي والاختيار المعاكس(75).

يُشير الاختلال أو الخطر الأخلاقي (Moral Hazard) إلى حالات عدم تماثل المعلومات التي تظهر بعد توقيع عقد الوكالة، وهي الحالات التي يكون فيها مجهود الوكيل مخفيًّا عن الأصيل أو تكون تكلفة مراقبته مرتفعة جدًّا(76). فغالبًا ما يجد ملاك المنظمات (مثل الأعضاء المساهمين في الشركات) صعوبة كبيرة في متابعة وتأكيد أن الجهد الذي يبذله المكلفون بالتسيير (المديرين) يتماشى مع بنود العقد المُبرم بين الطرفين.

ويمكن أيضًا تصور حالات الخطر الأخلاقي؛ حيث يكتسب الوكيل معلومات إضافية خلال سير عملية تنفيذ العقد، وهذه المعلومات لا يمكن ملاحظتها من قبل الآخرين، كما هي الحال في خدمات الخبرة والتشخيص. هذا ما يدفع شركات التأمين مثلًا إلى التمييز بين الخطر الأخلاقي السابق (ex-ante) والخطر الأخلاقي اللاحق (ex-post). يشير الأول إلى الأنشطة التي تسبق وقوع الكارثة (مثل أنشطة الوقاية التي يصعب مراقبتها)، بينما يشير الثاني إلى الأنشطة التي تلي وقوع الكارثة (مثل عدد الاستشارات الطبية التي يجريها طبيب ما)(77).

أما الاختيار أو الانتقاء المعاكس (Adverse Selection) فيُشير إلى الحالات التي يمتلك فيها الوكيل معلومات خاصة قبل توقيع العقد، يصعب التحقق منها أو ملاحظتها من قبل الأصيل. وتتمثل هذه المعلومات غير المُعلنة، خصوصًا، في خبرة الوكيل وقدرته على أداء مهمته بأفضل صورة ممكنة.

نظرًا لأن علاقة الوكالة الناتجة عن لا مركزية صنع القرار داخل المنظمات تُعتبر مصدرًا لتضارب المصالح، فإن ذلك يؤدي إلى نشوب صراعات تنتج عنها تكاليف تُعرف باسم “تكاليف الوكالة”. في هذا السياق، يرى ميكائيل جنسن وويليام ميكلنغ (Michael Jensen & William Meckling) أن ما يهم ليس علاقة الوكالة في حدِّ ذاتها، بل التكاليف الناجمة عن إقامتها. وهكذا كتبا قائلين: “لاحظنا أيضًا أن تكاليف الوكالة تظهر في جميع الظروف التي تنطوي على جهد تعاوني من قبل شخصين أو أكثر، حتى لو لم تكن هناك علاقة محددة بوضوح بين الأصيل والوكيل”(78). وقد ميز هذان المفكران بين ثلاثة أنواع من التكاليف: تكاليف الرقابة، وتكاليف الالتزام، وتكاليف الفرصة البديلة.

تتمثل تكاليف الرقابة (Monitoring Costs) في النفقات التي يتحملها الأصيل لتأمين الرقابة على سلوكيات الوكيل الانتهازية، والتأكد من أن تصرفاته لن تصب في مصلحته الشخصية على حساب مصلحة الأصيل. ومن الأمثلة على ذلك نذكر تكاليف تقييم أداء المنظمة، وتكاليف التدقيق الخارجي. وتشمل تكاليف الرقابة أيضًا النفقات التي يتحملها الأصيل لتحفيز الوكيل على الوفاء بالتكليف المحدد في عقد الوكالة.

أما تكاليف الالتزام (Bonding Costs)، فهي عبارة عن نفقات يتحملها الوكيل وتهدف إلى كسب ثقة الأصيل وتعويضه عند الحاجة. وعلى هذا الأساس، فهي تضمن قيام الوكيل بالأعمال والتصرفات التي تتوافق مع مصلحة الأصيل. وأحد الأمثلة على ذلك هو ما يُنفقه الوكيل في إعداد التقارير الدورية التي يقدمها للأصيل لإثبات ولائه وانخراطه في العمل لتحقيق أهداف المنظمة.

وأخيرًا، تُشير الخسائر المتبقية إلى تكاليف الفرصة الضائعة (Residual Loss)، أي المنفعة التي كان من الممكن أن يحصل عليها كل طرف لو لم يتعاقد مع الآخر. يمكن تقدير هذه التكاليف عن طريق احتساب الفارق بين الأداء الفعلي للوكيل وما كان سيحققه لو كان يعمل لحسابه الخاص(79).

ومن ضمن الإشكاليات المطروحة خلال تطبيق نموذج الوكالة مسألة خفض تكاليف الوكالة بين الأصيل والوكيل (Reducing Agency Loss)، أي تحقيق نوع من المواءمة بين مصالح الطرفين بما يحقق مصلحة المنظمة. وبحسب ميكائيل جنسن وويليام ميكلنغ (Michael Jensen & William Meckling)، فإن الأصيل يمكنه المساهمة في معالجة هذه الإشكالية من خلال اقتراح نظام حوافز ملائم للوكيل، بالإضافة إلى تعزيز آليات المراقبة التي تهدف إلى الحد من السلوكيات الانتهازية للأفراد(80).

من هنا، يمكن تصميم عقود مثلى يختلف محتواها باختلاف طبيعة مشكل الوكالة. ففي حالة الاختلال الأخلاقي (صعوبة ملاحظة مستوى الجهد الذي يبذله الوكيل)، تُوصي نظرية الوكالة بتعزيز مستوى التمكين (Accountability) لدى الوكيل في إطار عقد قائم على النتائج (Outcome Based)، بهدف تشجيعه على القيام بالعمل المطلوب وتحسين الأداء داخل المنظمة من خلال مدخل الترغيب والاعتراف والإشادة. ويشمل هذا العقد مزايا مادية (مكافآت، علاوات، تقاسم الأرباح) ومعنوية (الحوافز التي تزيد من مشاعر الرضا والولاء الوظيفي، مثل إشراك الوكيل في تحديد الأهداف).

وفي حالة الاختيار المعاكس (صعوبة التحقق من المعلومات التي يقدمها الوكيل)، تُوصي نظرية الوكالة بأن يقوم الأصيل بعرض مجموعة من العقود المختلفة والمُعدة سلفًا على الوكيل. ومن خلال اختيار العقد الذي يتناسب مع تفضيلاته، يكون الوكيل قد كشف ضمنيًّا عن معلوماته الخاصة للأصيل (مثل مهاراته، وخبراته، وتجربته).

من المهم التأكيد على أن اللجوء إلى الحوافز السلبية، وهي تلك التي تسعى إلى التأثير في سلوك الوكيل من خلال فرض مزيد من القيود أو إقرار قوانين إضافية، قد لا يساعد في خفض تكاليف الوكالة مقارنة بالحوافز الإيجابية. إذ إن إجبار الوكيل على التصرف بطريقة معينة قد يولِّد لديه شعورًا بالإحباط تجاه المهمة الموكلة له، مما قد يدفعه إما للانسحاب نهائيًّا من المنظمة أو الاستمرار في أداء مهمته مع تبني سلوك خادع وخفي قد يُكبِّد المنظمة تكاليف أعلى.

ومن ثَمَّ، فإن تحييد تكاليف الوكالة تمامًا يُعد عملية صعبة، خاصة أن الحوافز تُعد في حدِّ ذاتها تكاليف. وهنا يبرز دور الجانب الأخلاقي في تحديد تصرفات الوكيل أثناء تنفيذ العقد؛ إذ إن النظام الاقتصادي الذي يكون فيه موقف الوكلاء أقل توجهًا نحو الانتهازية بسبب القواعد الاجتماعية والثقافية ومنظومة الأفكار، يؤدي عادة إلى منحهم فضاءً تقديريًّا أوسع، ومن ثَمَّ إمكانية اتخاذ أنسب القرارات(81).

رابعًا: مقاربة تقاسم السلطة التنفيذية في المغرب وفق نموذج الأصيل والوكيل

تُمثل نظرية الوكالة إطارًا فكريًّا مناسبًا لفهم وتفسير ظاهرة العلاقات التعاقدية داخل جهاز الدولة المغربي، بين المؤسسة الملكية التي تتصرف بصفتها “أصيلًا” أو “موكلًا”، ومؤسسة رئيس الحكومة باعتبارها “وكيلًا”. وتساعد هذه النظرية على تحديد العقد الأمثل بين الطرفين، والشروط التي يقوم بموجبها هذا العقد بالمساعدة على تقليل الخلافات والحد من النفقات الاجتماعية.

                                    1.    طبيعة وفرضيات العقد السياسي بين المؤسسة الملكية ومؤسسة رئيس الحكومة

اعتمد المغرب عنوانًا بارزًا في فلسفة البناء الدستوري، قوامه “التغيير ضمن الاستمرارية”، ويمكن ملامسة ذلك في طبيعة توزيع السلطة ضمن هندسة الوثيقة الدستورية. فمن جهة، لم يحدث تغيير جوهري في مكانة الملك في نص الدستور، قياسًا على الدساتير السابقة؛ حيث استمرت المؤسسة الملكية متمتعةً بمجمل الصلاحيات والسلطات اللازمة لقيادة البلاد وضمان استقرارها واستمرارها، ولا يجد قارئ الوثيقة الجديدة عناءً في استخراج المفاتيح التي ضمنها المشروع الجديد للملك لممارسة سلطة فعلية. ومن جهة ثانية، تم تفويض صلاحيات ظَلَّ الملك يمارسها في الدساتير السابقة، فهي سلطات موكلة وليست مُفوتةً أو مُتنازلًا عنها نهائيًّا؛ ما يعني أن الوكيل (رئيس الحكومة)، طبقًا لنظرية الوكالة، يمارسها ضمن الحدود المرسومة له سلفًا من قبل الموكِّل أو الأصيل (الملك). وقد نلاحظ، في مستوى ثالث، إزالة بعض الصلاحيات نتيجة التحويرات الجديدة، أو تفويتها نظرًا لمحدودية قيمتها الإستراتيجية في الهندسة الدستورية للوثيقة الجديدة(81).

المُستفاد من ذلك أنه، بصرف النظر عن امتلاك رئيس الحكومة لبعض السلطات التنفيذية والتنظيمية التي تُمارَس عبر مراسيم ضمن حدود الصلاحيات التي يُخولها له الدستور، فإن ممارسة هذه السلطات تتم، في الواقع، تحت إشراف ومراقبة المؤسسة الملكية. فعلاوة على الاختصاصات التي أصبح في إمكانه تفويضها إلى رئيس الحكومة، استمر الملك في ممارسة مجموعة من الصلاحيات الخاصة به كرئيس للدولة، ومنها:

  • رئاسته للمجلس الوزاري، الذي يتداول، وفقًا للفصل التاسع والأربعين، في النصوص والقضايا الإستراتيجية، مثل التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة، ومشاريع مراجعة الدستور، ومشاريع القوانين التنظيمية، والتوجهات العامة لمشروع قانون المالية، ومشاريع القوانين، ومشروع قانون العفو العام، ومشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري، وإشهار الحرب.
  • احتفاظه، أسوة بباقي رؤساء الدول، بحق “إصدار الأمر بتنفيذ القانون”، وحقه في حل مجلسي البرلمان، ومخاطبة البرلمان، دون أن يكون خطابه موضوع مناقشة.
  • قيادته العليا للقوات المسلحة الملكية.
  • اعتماده السفراء والقناصل.
  • رئاسته المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
  • ممارسته حق العفو.
  • حقه في الإعلان عن حالة الاستثناء، وفقًا للفصل التاسع والخمسين من الدستور الحالي.

بوجه عام، لم تمس الهندسة الدستورية الجديدة مكانة الملك وجوهر اختصاصاته، بل على العكس، فقد كرست التوزيع السابق مع إدخال بعض التحويرات التي لم تنل من المكانة السامية للملكية في البناء الدستوري العام. وهذا ما يسمح باستنتاج أن المؤسسة الملكية ومؤسسة رئيس الحكومة مرتبطتان بعقد وكالة مركب، ظاهره دستوري صريح، وباطنه ضمني تحكمه الأعراف والتقاليد ومنظومة الأفكار والقيم، أي ما سماه دوغلاس نورث (Douglas North) بـ المؤسسات غير الرسمية” (Informal Institutions (82).

وعلى غرار ما جاءت به نظرية الوكالة، يخضع هذا العقد السياسي لمجموعة من الفرضيات التي يمكن تبنِّيها والانطلاق منها في تفسير إشكالية تقاسم السلطة التنفيذية في المغرب بمختلف تجلياتها:

الفرضية الأولى: عدم تماثل المعلومات

تمتلك المؤسسة الملكية (الأصيل)، بحكم تجربتها الكبيرة في السلطة وتمكنها من شبكات واسعة من العلاقات داخل الدولة، معلومات أكثر دقة وأفضل من تلك المُتاحة لمؤسسة رئيس الحكومة (الوكيل). كما أن الطرفين قد يفصحان عن بعض معلوماتهما ويخفيان أخرى حسب الحاجة والظرفية.

الفرضية الثانية: اختلاف التفضيلات

يسعى كل طرف إلى تحقيق مصلحته السياسية، بغض النظر عن المصلحة العليا للبلاد التي يتقاسمها الجميع. فإذا كانت المؤسسة الملكية تصبو إلى ضبط التوازنات وعدم التفريط في الإرث المخزني، بما في ذلك الشرعية التاريخية والدينية المتمثلة في البيعة وإمارة المؤمنين، فإن مؤسسة رئيس الحكومة تسعى إلى الحفاظ على قاعدتها الانتخابية، بل وتوسيعها من خلال إرسال إشارات مطمئنة وتنفيذ بعض الوعود، دون الدخول في تصادم مع الملك أو باقي مكونات المؤسسة الملكية.

الفرضية الثالثة: كفاءة السوق السياسية

تُعد هذه الفرضية شرطًا أساسيًّا لضمان منافسة عادلة وشفافة بين مختلف الفرقاء السياسيين، وفي الوقت نفسه، تجنب عودة الحكم السلطوي أو الانزلاق نحو العنف. وعلى الرغم من أن مسلسل الانتقال الديمقراطي في المغرب لا يزال هشًّا، فإن التحول الذي أفرزته الديناميات الناتجة عن الحراك العربي، عام 2011، شكَّل الحد الأدنى لتأمين عمل آليات السوق السياسية؛ حيث سمح لمختلف القوى السياسية بالحصول على هامش معين من حرية التصرف. فبالإضافة إلى المنافسة بين الأحزاب السياسية ذات التوجهات المختلفة حول البرامج الانتخابية، يسعى هرما السلطة التنفيذية إلى تقديم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية بغرض الوفاء بالتزاماتهما تجاه المواطنين المغاربة، وفي الوقت نفسه، تعظيم مكاسبهما السياسية.

الفرضية الرابعة: الجرأة على المجازفة والمخاطرة

ترتبط هذه الفرضية بالاختلاف الذي يطبع مواقف طرفي المعادلة إزاء المخاطر الناجمة عن لعبة تقاسم السلطة التنفيذية. فالمؤسسة الملكية (الأصيل) تتمتع بموقف تفاوضي قوي، وقد أبانت عبر التاريخ عن نوع من الفوبيا السياسية(Political Phobia) ” وقدرة عالية على التأقلم مع تطورات الزمن والمجتمع؛ مما مكنها من التحكم في قواعد اللعبة، وفي الوقت نفسه، تقليل أسوأ النتائج المحتملة التي قد تتعرض لها بفعل تفويض جزء من السلطة التنفيذية لمؤسسة رئيس الحكومة. أي إنها اعتادت على انتهاج سلوك النفور من المخاطر” (Risk Aversion).  أما مؤسسة رئيس الحكومة (الوكيل)، فموقفها التفاوضي ضعيف، وقدرتها على صنع سياسات عمومية فعالة باستقلالية تبقى محدودة وهامشية، وهي بالتالي تميل إلى تبني سلوك الحياد إزاء المخاطر المحتملة، أو ما يُسمى في أدبيات الفكر الاقتصادي بـ محايدة المخاطر”(Risk Neutral) .

وتجدر الإشارة إلى أن هذين السلوكين المختلفين والحذرين إزاء المخاطر لا يشملان سوى “لعبة” تقاسم السلطة، في حين يبقى النظام السياسي ككل، وعلى غرار باقي الأنظمة السياسية التي تُوصف بالهجينة، مُعرَّضًا لهزات محتملة في سياق يتسم بعدم اليقين(83). وتُشير هذه الحالة إلى صعوبة التنبؤ بمسار الأحداث بسبب قلة الدراية بالوضع المستقبلي للبلاد، في ظل تذبذب الأداء الاقتصادي والاجتماعي، الذي لا يزال يتحكم بشكل كبير في الاستقرار السياسي ووتيرة الإصلاح. ويقتضي التعاطي مع هذا الوضع التسلح بنوع من العقلانية السياسية، أي الالتزام ببناء الفعل السياسي اعتمادًا على معرفة دقيقة ورؤية واضحة.

2- محاولة فهم العلاقة التعاقدية بين المؤسستين باستخدام الأسلوب الرياضي

 

إلى جانب الحاجة المشتركة لخدمة المصلحة العامة، وفي سياق يتسم بعدم اليقين، تُحاول كل مؤسسة من المؤسستين المنخرطتين في اللعبة السياسية تحقيق مكاسب مهمة من ممارسة السلطة التنفيذية والمتمثلة في تقوية شرعيتها حتى ولو كان ذلك على حساب الطرف الآخر. وبما أن المؤسستين تتغذيان باستمرار من أجهزة مُوازية بعضها غير رسمي وغير ظاهر للعيان، فإن تعظيم “المنفعة الرسمية” يوازيه صرف تحويلات ريعية لأعضاء هذه الأجهزة لمكافأتهم على عملهم وإخلاصهم في العمل. فالمؤسسة الملكية، وكما تمت الإشارة إلى ذلك في المقدمة، لها امتداد خلفي مُتشعب داخل الدولة والمجتمع، يشمل أساسًا الأجهزة الإدارية (البيروقراطية) وبعض النّخب الاجتماعية والاقتصادية ذات المصالح والامتيازات، أيما يُمكن أن يُصطلح عليه باختصار بـ” مُكونات المخزن”. أما مؤسسة رئيس الحكومة، فترتبط أساسًا بالحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ومختلف التنظيمات التابعة له من منظمات شبابية ونقابية ونسائية إيديولوجية كما هو عليه الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية المرتبط بحركة التوحيد والإصلاح ذات التوجه الدّعوي.

بغرض نمذجة العلاقة التعاقدية بين الأصيل والوكيل، ننطلق من الباب الخامس الذي يؤطر مقتضيات السلطة التنفيذية، وتحديدًا الفصل التاسع والثمانين الذي ينص على أن الحكومة “تمارس السلطة التنفيذية. وتعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين. والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية”. لكن هل معنى هذا أن الحكومة هي التي تحدد السياسة العامة للبلاد وإدارتها؟ إذا كان الأصيل الذي تُجسده المؤسسة الملكية يتمتع بصلاحيات دستورية تسمح له باختيار رئيس الحكومة (الوكيل) وتكليفه بإنجاز بعض المهام التنفيذية مقابل الحصول على عوائد (مكتسبات رمزية ومادية)، سيكون الوكيل، بمقتضى هذا العقد المقترح، مُجبر على التصرف وفق التوجهات التي يحددها الأصيل (84). وفي ظل حالة عدم اليقين، فإن النتيجة النهائية لهذا العقد غير معلومة مسبقًا وتتوقف أساسًا على المجهود الذي يبذله الوكيل. ولئن نجح هذا الأخير في القيام بالمهام المنوطة به على أحسن وجه (حالة الطبيعة )، فسيحصل على عائد، أما في حالة الفشل (حالة ) فسيكتفي ب ، علمًا أنه يتحمل تكلفة المجهود التي نرمز لها ب ، مع شرط:   و .

وعلى ضوء ذلك، من المتوقع أن يحصل الأصيل على عائد  بنسبة احتمال تساوي  (حالة نجاح الوكيل في مهمته) وعلى عائد  بنسبة احتمال تساوي (حالة فشل الوكيل في مهمته).

تتجلى مشكلة الأصيل في تعظيم دالة الهدف (The Objective Function) المُقيدة بشرط قبول الوكيل لعقد الوكالة المُقترح، وهي كما يلي:

تحت قيد:

حيث أن  و يمثلان تواليًّا دالة منفعة الأصيل ودالة منفعة الوكيل، مع شرط تزايد منفعة كل طرف بمعدل متزايد ( و)، أي أنهما يفضلان دائما الحصول على عوائد ومكاسب أكبر.

وتعكس هذه المعادلة الأخيرة دالة منفعة الوكيل المُتوقعة والتي تحددها ثلاث متغيرات: مستوى المنفعة في حالة النجاح، مستوى المنفعة في حالة الفشل وتكلفة المجهود المبذول، بالإضافة طبعًا إلى نسبتي احتمال النجاح والفشل في المهمة الحكومية.

ولحل المشكلة الرياضية أعلاه، يمكن استخادم طريقة مضاعف أو مضروب لاغرانج (Lagrange Multiplers) على النحو الآتي:

حيث  هو مضاعف لاغرانج الذي يُعبر عن المكاسب الإضافية التي يحصل عليها الأصيل والناتجة عن تخفيف القيد المتمثل في قرار الوكيل التنازل عن جزء من منفعته المتوقعة.

ويمر الحل عبر استخراج المشتقات الجزئية للدالة  لكل من المتغيرات ،  و ، ومساواة كل منها بالصفر، فيكون لدينا:

(1)

(2)

(3)

من المعادلتين (1) و (2)، نستخرج قيمة :

وتصبح النتيجة النهائية كما يلي:

وبما أن الأصيل اختار اتباع سلوك النفور من المخاطر، فإن قيمة المشتقة الثانية لدالة منفعته تكون سالبة ()، بمعنى أن منفعة العائد المتوقع  أكبر من الأمل الرياضي للعائد أو القيمة المتوسطة ، مما يعني أن دالة المنفعة لها شكل مقعر(Concave Function). أما المشتقة الثانية لدالة منفعة الوكيل فقيمتها صفرية   () نظرا لانتهاج سلوك “محايدة المخاطر”، بمعنى أن منفعة العائد المتوقع  تعادل الأمل الرياضي للعائد ، وبالتالي تأخذ دالة المنفعة  شكلا خطيا (Linear Function).

وبناء على ما سبق، نستنتج أن:   وبالتالي:

وهذا معناه أن الأصيل يحصل دائما على نفس العائد ()، ووحده الوكيل يتحمل كافة المخاطر المتعلقة بممارسة السلطة التنفيذية في حدود ما تسمح به المقتضيات الدستورية.

من خلال هذه النتيجة، نستخلص أنه كيفما كانت نتيجة تدبير الشأن العام من طرف رئيس الحكومة (نجاح أم فشل)، فإن المؤسسة الملكية تخرج دائما متفوقة وقوية من لعبة تقاسم السلطة التنفيذية. فإن نجحت الحكومة في مهامها، فمن الطبيعي أن تظهر المؤسسة الملكية بمظهر المتفوق والمُتمكن من أدوات الحُكم باعتبار أنها أحسنت اختيار الشخص المناسب لقيادة الحكومة، وعندئذ ستتقوى شعبيتها وشرعيتها إلى درجة تحجيم دور الحكومة في ظل ترويج إعلامي غير متكافئ عادة. أما في حالة التعثر، سيُوجَّه اللوم إلى رئيس الحكومة قبل أعضائها، وسيكون عرضة لنقد المعارضة والإعلام بسبب التقصير وسوء الإدارة، مما سيفقده ثقة المواطنين، ويُعجّل بإنهاء مهامه إما عبر استقالته التي يترتب عنها إعفاء الحكومة بكاملها، أو عبر سحب الثقة من الحكومة أو رفض نص يطلب الموافقة عليه بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس (85). ويؤدي سحب الثقة، تبعا للفقرة الرابعة من الفصل الثالث بعد المئة، إلى “استقالة الحكومة استقالة جماعية”.

وفي كلتا الحالتين تكون النتيجة واحدة، وهي إمكانية التضحية برئيس الحكومة لتهدئة المحتجين أو والحفاظ على الاستقرار. وهنا تأخذ المؤسسة الملكية المبادرة لإيجاد صيغة بديلة ومرضية للخروج من الأزمة باعتبارها المسؤولة عن ضمان دوام الدولة واستمرار مؤسساتها، وهذا من شأنه أن يُكسبها مزيدًا من الثقة والشعبية ويقوّي شرعيتها.

وبطبيعة الحال، فإن المكاسب الكبيرة التي تحصل عليها المؤسسة الملكية من تبني هذا السلوك الحذر والمرتبط أساسًا بالنّفور من المخاطر ليست مجّانية، بل تتم مقابل “علاوة مخاطرة” (Risk Premium) تستفيد منها مؤسسة رئيس الحكومة. وتتخذ هذه العلاوة شكل مكافآت وإكراميات مادية أو رمزية، وهي تقليد مخزني قديم تباركه معظم مكونات المنظومة السياسية المغربية. جرت العادة مثلًا أن يقوم القصر الملكي سنويَّا بتوزيع أضاحي العيد على رئيس الحكومة ورؤساء الأحزاب والوزراء(86)، كما يحظى هؤلاء بعطف ورضى القصر (إشارة إلى الملك) حتى بعد انتهاء مهامهم من خلال تجديد الثقة فيهم من خلال تعيينهم منصب سامٍ جديد، أو منحهم أوسمة رفيعة، أو التكفل بمصاريف استشفائهم في حالة المرض، أو تسهيل حصولهم على امتيازات أخرى.

ويعكس هذا النوع من التصرف من لدن المؤسسة الملكية، والذي تمتثل له مؤسسة رئيس الحكومة رغبة الجانبين في تجاوز إشكالية اختلاف التفضيلات من خلال تبني سلوك تعاوني يحول دون الإضرار بمصالحهما. وقد يبدو للبعض أن هذا السلوك ينطوي على قدر من الانتهازية السياسية في ظل هيمنة المؤسسة الملكية على باقي المؤسسات، إلاّ أنه في الحقيقية يُعبر عن نوع من البراغماتية والنفعية التي يعتمدها القصر في التّعامل مع الشأن العام والتفاعل مع القضايا المختلفة.

استخلاص العلاقة التعاقدية بين المؤسستين

من خلال هذه النتيجة، نستخلص أنه، كيفما كانت نتيجة تدبير الشأن العام من طرف رئيس الحكومة (نجاحًا أم فشلًا)، فإن المؤسسة الملكية تخرج دائمًا متفوقة وقوية من لعبة تقاسم السلطة التنفيذية. فإن نجحت الحكومة في مهامها، فمن الطبيعي أن تظهر المؤسسة الملكية بمظهر المتفوق والمتمكن من أدوات الحكم، باعتبار أنها أحسنت اختيار الشخص المناسب لقيادة الحكومة. وعندئذ، ستتقوى شعبيتها وشرعيتها إلى درجة تحجيم دور الحكومة، في ظل ترويج إعلامي غير متكافئ عادة.

أما في حالة التعثر، فسيُوجه اللوم إلى رئيس الحكومة قبل أعضائها، وسيكون عرضة لنقد المعارضة والإعلام بسبب التقصير وسوء الإدارة؛ مما سيفقده ثقة المواطنين، ويُعجِّل بإنهاء مهامه، إما عبر استقالته، التي يترتب عليها إعفاء الحكومة بكاملها، أو عبر سحب الثقة من الحكومة، أو رفض نص يطلب الموافقة عليه بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس(85). ويؤدي سحب الثقة، تبعًا للفقرة الرابعة من الفصل الثالث بعد المئة، إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.

وفي كلتا الحالتين، تكون النتيجة واحدة، وهي إمكانية التضحية برئيس الحكومة لتهدئة المحتجين والحفاظ على الاستقرار. وهنا تأخذ المؤسسة الملكية المبادرة لإيجاد صيغة بديلة ومرضية للخروج من الأزمة، باعتبارها المسؤولة عن ضمان دوام الدولة واستمرار مؤسساتها، وهذا من شأنه أن يُكسبها مزيدًا من الثقة والشعبية، ويقوي شرعيتها.

وبطبيعة الحال، فإن المكاسب الكبيرة التي تحصل عليها المؤسسة الملكية من تبنِّي هذا السلوك الحذر، والمرتبط أساسًا بالنفور من المخاطر، ليست مجانية، بل تتم مقابل علاوة مخاطرة” (Risk Premium) تستفيد منها مؤسسة رئيس الحكومة. وتتخذ هذه العلاوة شكل مكافآت وإكراميات مادية أو رمزية، وهي تقليد مخزني قديم تباركه معظم مكونات المنظومة السياسية المغربية. جرت العادة، مثلًا، أن يقوم القصر الملكي سنويًّا بتوزيع أضاحي العيد على رئيس الحكومة ورؤساء الأحزاب والوزراء(86). كما يحظى هؤلاء بعطف ورضى القصر (إشارة إلى الملك) حتى بعد انتهاء مهامهم، من خلال تجديد الثقة فيهم عبر تعيينهم في منصب سامٍ جديد، أو منحهم أوسمة رفيعة، أو التكفل بمصاريف استشفائهم في حالة المرض، أو تسهيل حصولهم على امتيازات أخرى.

ويعكس هذا النوع من التصرف من لدن المؤسسة الملكية، والذي تمتثل له مؤسسة رئيس الحكومة، رغبة الجانبين في تجاوز إشكالية اختلاف التفضيلات، من خلال تبني سلوك تعاوني يحول دون الإضرار بمصالحهما. وقد يبدو للبعض أن هذا السلوك ينطوي على قدر من الانتهازية السياسية، في ظل هيمنة المؤسسة الملكية على باقي المؤسسات، إلا أنه في الحقيقة يُعبِّر عن نوع من البراغماتية والنفعية التي يعتمدها القصر في التعامل مع الشأن العام والتفاعل مع القضايا المختلفة.

خاتمة

إجمالًا، لا يمكن لإخضاع تقاسم السلطة التنفيذية في المغرب لنظرية الوكالة إلا أن يتساءل عن نفسه. ودون إغفال صعوبة إيجاد نظام سياسي لا يعتريه نقص ولا يستهدفه نقد، هل استطاع هذا التمرين أن يُوضح طبيعة العلاقة بين الأصيل، الذي تمثله المؤسسة الملكية، والوكيل، الذي تجسده الحكومة، في إطار نظام سياسي جُبلت أطرافه، منذ 1962، غداة بداية التحديث المؤسساتي بالمغرب، على العمل داخل فضاء سياسي بأحادية المرجعية السياسية ومركزية المؤسسة الملكية؟

أشرنا إلى أنه، بعد أن أطفأ التوافق بين الملكية والتنظيمات الحزبية فتيل الصراع، وقطع مع مرحلة من العنف والعنف المضاد، أصبحت المؤسسة الملكية تقدم نفسها بوصفها واضعًا حصريًّا للإستراتيجية السياسية، وموجهًا رئيسًا للسياسات العمومية والاقتصادية والاجتماعية. وبصرف النظر عن التحديد الدستوري لصلاحيات الملك في دستور 2011، وتقوية سلطة رئيس الحكومة بصفته رئيسًا للسلطة التنفيذية، تكشف التجربة أن حرص رئيس الحكومة على ممارسة مهماته الكاملة، كما هي منصوص عليها دستوريًّا، لا يزال موضع تردد وإحباط.

وأوضحنا كذلك أن التاريخ والواقع يفرضان نفسيهما لفهم هذه العلاقة، فالنظام السياسي مشيد ليضمن لذاته الاستمرارية على الحالة التي هو عليها. ولربما يبدو واضحًا، مثلًا، أن الخطوات التي سبقت وأعقبت تجربة التناوب” التي عاشها المغرب ليست سوى عود على بدء؛ فالجهة التي كانت في الحكومة منذ أزيد من ثلاثين سنة تُسحب إلى المعارضة، والجهة التي كانت في المعارضة يُؤتى بها إلى الحكومة. فهي تظل خطوات محسوبة تروم خلق نوع من التنفيس السياسي أكثر منها مبادرات حقيقية مندرجة في إطار مشاريع لتعزيز التحول الديمقراطي. لكن ما ينبغي الانتباه إليه أن هذه الدورة الدستورية، ما بين 1962 و2011، لم تكن كلها انتظارية، بل شهدت أحداثًا وتطورات وآمالًا ومآلات مختلفة، كُتب عنها الكثير على المستويين، الأكاديمي والإعلامي.

غير أن ما كان يهمنا، في إطار اختيارنا المنهجي، هو درجة تأثيرها في طبيعة العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية، ولاسيما أنه، بالرغم من كون المملكة شهدت انفتاحًا سياسيًّا مؤكدًا، انطلق مع التعديلات الدستورية لعامي 1992 و1996، وتعزز بمجيء حكومة التناوب التوافقي عام 1998، وتعمق مع دخول المغرب لمرحلة حكم الملك محمد السادس، والإقدام على مراجعة الدستور سنة 2011، ظلت الملكية تحظى بمكانة محورية في النسيج التاريخي والاجتماعي والسياسي والدستوري المغربي، وهو ما يفسر ديمومتها واستمرارها مؤسسةً فاعلةً ومميزة عن مثيلاتها من الملكيات، أو الأشكال الشبيهة بها على الصعيد العربي الإسلامي. والنتيجة هي رجاحة وصف النظام السياسي المغربي بكونه ملكية رئاسية غير متوازنة، أو ملكية تنفيذية، أو نظامًا سياسيًّا تتمتع الملكية في نطاقه بموقع الصدارة، تسمو على كافة المؤسسات، وتعلو عليها دستوريًّا وسياسيًّا.

وباستخلاص نتائج نمذجة العلاقة بين المؤسستين، وفقًا لنموذج الأصيل والوكيل، ندرك أن المؤسسة الملكية تتصرف ببراغماتية وتمتلك مختلف وسائل السيطرة والإخضاع؛ إذ يبدو أنها لا ترهن نفسها بشكل مباشر من وراء تشكيلة سياسية ما، وتحرص على تأمين نوع من التعددية بين أولئك الذين يعبِّرون عن وفائهم غير المنقوص لفكرة السلطة الملكية ولشخص الملك بالذات. ومن الطبيعي، في هذه الحالة، أن تكون الائتلافات الحكومية غير المتجانسة والمتكتلة في شكل الكارتل(Cartellisation)  هي القاعدة. علاوة على ذلك، فإن الضبابية التي تميز مؤهلات” كل شخص داخل السلطة التنفيذية تؤدي إلى تعقيد عملية اتخاذ القرار وبطء تنفيذه. وهذا ما يفسر، وفقًا للحالتين معًا، حالة التبعية التي تظهر عليها الحكومة للسلطة التنفيذية الملكية، ولا أدل على ذلك من كون الفاعلين السياسيين جميعهم يرددون باستمرار أنهم حريصون على تنفيذ التوجيهات الملكية العليا، بل أكثر من ذلك، يعطون الانطباع بأن الاستمرار في المنصب الوزاري غير مرتبط بالضرورة برغبة رئيس الحكومة أو نتائج صناديق الاقتراع، وإنما بدرجة التعلق والولاء والوفاء للملكية لنيل “الرضا” بالدرجة الأولى.

من بين ما يعنيه ذلك، أن الملك هو المتحكم الفعلي في تعيين الوزراء وإعفائهم، بينما يقتصر دور رئيس الحكومة على حق الاقتراح فحسب، إضافةً إلى أولوية تنصيب الحكومة من الملك قبل أن يمنحها البرلمان الثقة، على الرغم من أن الدستور ينص في الفصل 88 على أن الحكومة تُعد مُنَصَّبَةً بعد حصولها على ثقة مجلس النواب. وهي ممارسة رافقت كل الحكومات التي أعقبت دستور 2011 دون استثناء.

تاريخيًّا، لم تبلغ الملكية هذه المكانة بسهولة، بل تطلب الأمر خوض صراعات طويلة انتهت بهيمنتها في المعيش اليومي، وتأقلم معظم الأحزاب القائمة مع الأوضاع. ففي نظام كهذا، أصبح يُنظر إلى السياسة كمجال لتدبير العلاقة مع رئيس الدولة، وكمجال لالتقاط وتشفير الإشارات والرسائل والرموز الملقاة من أعلى. ومن ثم، اختُزل الصراع السياسي في تدافع النخب المعزولة عن المجتمع، من أجل أن تقترب أكثر من ممارسة الهامش المتبقي” من السلطة السياسية.

ولئن كان يصعب حجب منافع هذه الخصوصية المغربية، على امتداد المنعطفات المصيرية في تاريخ المغرب المعاصر، في مقاربة الإشكاليات الوطنية الكبرى، وكسب رهانات المعارك الدبلوماسية الحاسمة، وتجنب عواقب الاختلاف والتوتر، وتجسير التواصل بين الفاعلين السياسيين خارج إطار الشكلانية الدستورية، يُلاحظ، في المقابل، استمرار التفاوت بين الدستور والوعود التي يحملها، وبين حقيقة ممارسة السلطات والحريات والاختصاصات، وضعف مقروئية كيفية اتخاذ القرار، على نحو يُبقي مسألة تدبير الزمن السياسي وربط المسؤولية بالمحاسبة محاطةً بالعديد من الالتباسات والخيبات.

 

 

المراجع

 

  • محمد أتركين، مباحث في فقه الدستور المغربي، ط 1 (القنيطرة: دار النشر المعاصرة، يونيو/حزيران 2020)، ص .353
  • ميشال مياي، دولة القانون: مقدمة في نقد القانون الدستوري، ط 2 (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، 1982)، ص .18
  • امحمد مالكي، توزيع السلطة في الدساتير العربية الجديدة (المغرب-تونس- مصر)، مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، السنة الخامسة، ع 2 (مايو/أيار 2017)، ص 87.
  • مالكي، ص .75
  • الفصل الأول من دستور .2011
  • عبد اللطيف أكنوش، السلطة والمؤسسات السياسية في مغرب الأمس واليوم (الدار البيضاء: مطبعة بروفانس، 1988)، ص 5-4.
  • للاستزادة حول دلالات لفظ المخزن، يراجع: الحبيب استاتي زين الدين، “الممارسة الاحتجاجية بالمغرب: دينامية الصراع والتحول”، عمران، ع 19 (شتاء 2017)، ص .147
  • مالكي، ص 88.
  • Gianfranco Pasquino, “The advantages and disadvantages of semipresidentialism”, In Robert Elgie, Sophia Moestrup (eds.), Semi-Presidentialism Outside Europe, (London: Routlege, 2007), pp. 24-28.
  • Hubert Beuve-Méry, “De la dictature temporaire au régime semi-présidentiel”, Le Monde,‎8 janv. 1959.
  • Maurice Duverger, Institutions politiques et droit constitutionnel, (éditions PUF, Paris, 1970), 872.
  • من أهم هذه المقالات نذكر:

A new political system model: semi-presidential government”, European Journal of Political Research, vol. 8, no. 2 (Juin 1980), p. 165-187.

  • Duverger, 166.
  • Giovani Sartori, Comparative Constitutional Engineering. An Inquiry into Structures, Incentives and Outcomes, 2nd ed. (London: Macmillan, 1997), p. 131.
  • Robert Elgie, “Varieties of Semi-Presidentialism and Their Impact On Nascent Democracies”, Taiwan Journal of Democracy, vol. 3, no.2 (2007), pp. 53-71
  • Patrick O’Neil, “Presidential power in post-communist Europe: the Hungarian case in comparative perspective”, Journal of Communist Studies, vol. 9, no. 3 (1993), p.197.
  • George Tomas Kurian, The Encyclopedia of Political Science, (CQ Press, Washington, 2011).
  • “الملكية البرلمانية: ملك يسود ولا يحكم”، الجزيرة، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2024)، https://bit.ly/2D8Gw9Z
  • Edward Tillet, La constitution anglaise, un modèle politique et institutionnel dans la France des lumières, (Presses universitaires d’Aix-Marseille, 2001), 203
  • Elhabib Stati Zineddine, “The Tug-of-war between the Spirit of the Constitution and the Requirements of Society and Politics in Morocco’’, Journal of Constitutional Law in the Middle East and North Africa, no. 3 (October 2023), p. 53.
  • Arend Lijphart, Democracy in Plural Societies. A comparative Exploration, (New Haven, Yale University Press, 1977), p. 1
  • للاستزادة، يراجع على سبيل المثال: مجموعة مؤلفين، “بـول باسكون أو علم الاجتماعي القروي” (الدار البيضاء: مطبعة دار القرويين، 2013)، ص 30.
  • عزمي بشارة، “في تطور مفهوم الديمقراطية التوافقية وملاءمتها لحل الصراعات الطائفية: نموذجا أيرلندا ولبنان”، سياسات عربية، ع 30 (يناير/كانون الثاني 2018)، ص 8.
  • المرجع نفسه، ص 14.
  • Lijphart, 25.
  • Karam Karam, Le Mouvement civil au Liban: Revendications, protestations et mobilisations associatives dans l’après-guerre, préface d’Élizabeth Picard, Hommes et Sociétés (Paris: Karthala; Aix-en-Provence: IREMAM, 2006).
  • Paul Kingston, Reproducing Sectarianism: Advocacy Networks and the Politics of Civil Society in Postwar Lebanon (Albany: State University of New York Press, 2013).
  • إميل مارون، “الحركات البيئية اللبنانية وتغيير التوجهات الثقافية (نموذج الحركات البيئية في الشمال اللبناني)، عمران للعلوم الاجتماعية، ع 13 (صيف 2015)، ص .159
  • Lijphart, p. 25.
  • آرند ليبهارت، “التخطيط الدستوري في مجتمعات منقسمة”، ترجمة ثائر ديب، تبين، ع 4، ص .34
  • Eliassi Sayran, “Consociational democracy as a tool for conflict resolution in plural societies: Power-sharing in Turkey”, Lund University, p. 9, accessed on 14/6/2024, at: https://bit.ly/2S61LNK
  • معتز بالله عبد الفتاح، عن التوافق سألوني، جريدة الشروق، 20 فبراير/شباط 2012، (تاريخ الدخول: 14 يوليو/تموز 2024)، https://bit.ly/2YVQ2VS
  • الأمم المتحدة، الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، وثيقة أساسية تشكل جزءًا من تقارير الدول الأطراف؛ البوسنة والهرسك، 14 مايو/أيار 2004، (تاريخ الدخول: 12 يوليو/تموز 2024)، https://bit.ly/3547L0S
  • ليبهارت ،ص 37.
  • Arend Lijphart, Patterns of Democracy: Government Forms and Performance in Thirty – Six Countries, (New Haven, CT : Yale University Press, 1999), p. 293
  • Michaelina Jakala, Durukan Kuzu and Matt Qvortrup (eds), Consociationalism and Power-Sharing in Europe; Arend Lijphart’s Theory of Political Accommodation, (International Political Theory, 2018), p. xvi, accessed on 16/07/2024 at: https://bit.ly/3i47rD0
  • محمد حفيظ، “مسارات التحول الديمقراطي بالمغرب: محاولات وعوائق”، في: مجموعة مؤلفين، 20 فبراير ومآلات التحول الديمقراطي في المغرب (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، 2018)، ص 436.
  • Brahim Elmorchid, “Ajustement des réformes en Afrique: la condition d’un développement réussi”,  in Jean-Christophe Boungou Bazika et Abdelali Bensaghir Naciri (sous la direction de), Repenser les économies africaines pour le développement, (Codesria, Dakar, 2010), p.7.
  • عزمي بشارة، في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007)، ص
  • Ronald Inglehart & Christian Welzel, Modernization, Cultural Change, and Democracy: The Human Development Sequence, (Cambridge University Press, 2005), p. 4.
  • بشارة، “في المسألة”، ص  .221
  • جماعة العدل والإحسان، “الوثيقة السياسية”، 2023، ص 38، (تاريخ الدخول: 5 يونيو/حزيران 5202)، https://2u.pw/4yxthbwW
  • المغرب، دستور المملكة المغربية لسنة 1962، الصادر الأمر بتنفيذه يوم 17 رجب 1382 موافق 14 ديسمبر/كانون الأول 1962، الفصل الأول، (تاريخ الدخول: 15 أبريل/نيسان 2024)، https://bit.ly/36eesy9
  • شهد المغرب ما بين 1962 و1972 تعيين سبعة وزراء أول، أربعة منهم غير منتمين لأي حزب سياسي.
  • المغرب، دستور المملكة المغربية لسنة 1970، صدر الأمر بتنفيذه بمقتضى ظهير شريف رقم.70.177 بتاريخ 27 جمادى الأولى 1390 (31 يوليو/تموز 1970)، (تاريخ الدخول: 15 أبريل/نيسان 2024)، https://bit.ly/3jcNHxQ
  • تعمل الحكومة، وفق الفصل الستين، “على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول، والإدارة موضوعة رهن تصرفها”.
  • للوزير الأول، بحسب الفصل الحادي والستين، “حق التقدم بمشاريع القوانين ولا يمكنه أن يودع أي مشروع بمكتب مجلس النواب قبل المداولة في شأنه بالمجلس الوزاري”.
  • المغرب، دستور المملكة المغربية لسنة 1992، صدر الأمر بتنفيذه بمقتضى ظهير شريف رقم 1.92.155 صادر في 11 من ربيع ثاني 1413 (9 أكتوبر/تشرين الأول 1992)، (تاريخ الدخول: 15 أبريل/نيسان 2024)،https://bit.ly/2EGKKXj
  • المرجع نفسه.
  • المغرب، دستور المملكة المغربية لسنة 2011، صدر الأمر بتنفيذه بمقتضى ظهير شريف رقم 1.11.91 الصادر في 27 شعبان 1432 (29 يوليو/تموز 2011)، (تاريخ الدخول: 15 أبريل/نيسان 2024)،  https://bit.ly/3cCCZ0U
  • محمد أمين بنعبد الله، “تطور مؤسسة الحكومة في الدساتير المغربية”، في: مجموعة مؤلفين، التطور الدستوري للمغرب: الجذور التاريخية والتجليات الراهنة والرهانات المستقبلية، أعمال الندوة الدولية التي نظمتها أكاديمية المملكة المغربية بشراكة مع الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، يومي 10 و11 يوليو/تموز 2018 (الرباط: أكاديمية المملكة المغربية والوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، 2018)، ص 91.
  • صلاح نيوف، مدخل إلى الفكر الإستراتيجي، كتاب موجه إلى طلاب الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك، قسم العلوم السياسية، ص 3، (تاريخ الدخول: 15 ديسمبر/كانون الأول 2024)، https://cutt.us/JeIXF
  • عبد الله ساعف، اليسار في المغرب، الضرورة والتوترات، سلسلة نقد السياسة؛ 8 (الرباط: منشورات دفاتر سياسية، 2015)، ص .101
  • بشارة، “في المسألة”، ص 234.
  • Dani “Understanding Economic Policy Reform”. Journal of Economic Literature, vol. 34, no. 1 (1996), p.27.
  • Daron Acemoglu & James Robinson, Why Did the West Extend the Franchise? Democracy, Inequality and Growth in Historical Perspective, MIT Economics Working Paper no. 97-23, 1997, accessed on 23/6/2024, at: https://bit.ly/3cy5aOI, p. 35.
  • Ibid, p.35.
  • مقتطف من الخطاب الملكي لـ9 مارس/آذار .2011
  • محمد باسك منار، دستور سنة 2011 في المغرب: أي سياق؟ لأي مضمون؟ (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يناير/ كانون الثاني 2014)، ص.16
  • محمد الأخصاصي، “الإصلاحات في المغرب: الحصيلة والمستقبل”، المستقبل العربي، العدد 444 (فبراير/شباط 2016)، ص .30
  • المرجع نفسه.
  • الحسن الثاني ملك المغرب، ذاكرة ملك، أجرى الحوارات إيريك لوران، ط 2 (الرياض: الشركة السعودية للأبحاث والنشر، 1992)، ص 24.
  • عبد الأحد السبتي، “الشعوب العربية وعودة الحدث”، في: عبد الحي مودن، عبد الأحد السبتي وإدريس كسيكس، أسئلة حول انطلاق الربيع العربي، تقديم الطيب بن الغازي، سلسلة بحوث ودراسات؛ ع 49 (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2012 )، ص .50-49
  • مقتطف من الخطاب الملكي لـ9 مارس/آذار .2011
  • مالكي، ص 81.
  • المملكة المغربية، التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي، “النموذج التنموي الجديد”، (الرباط: أبريل/نيسان 2021)، ص .20
  • المرجع نفسه.
  • يحيل مفهوم المنظمة  (Organization)إلى أي شخصية اعتبارية لها كيانها المستقل عن الأفراد المكونين لها.
  • Michael Jensen and William Mecking “Theory of the firm: managerial behavior, agency costs and capital structure”, Journal of Financial Economics, vol. 3, no. 4 (October 1976), p. 307.
  • Bernard Coriat & Olovier Weinstein, Les Nouvelles Théories de l’entreprise, Paris, Le Livre de poche, p. 94.
  • Kathleen Eisenhardt, “Agency theory: An assessment and review”, Academy of Management Review, vol. 14, no. 1 (1989), pp. 57–74.
  • Gérard Charreaux, “La théorie positive de l’agence : lecture et relectures…”, in G. Koenig (éd), De nouvelles théories pour gérer l’entreprise du XXIè siècle, Economica, Mars 1999, pp. 61-141
  • Michael Jensen, “Agency Costs of Free Cash Flow, Corporate Finance and takeovers”, American Economics Review, vol. 76, no. 2 (1986), pp. 323-329.
  • David Martimort. “Une revue critique de la théorie de l’agence commune appliquée aux jeux de lobbies”, Revue Economique, Presses de Sciences Po, vol. 69, no. 6 (2018), p. 1026.
  • Jean-Jacques Laffont & David Martimort, The theory of incentives. The principal-agent model, (Princeton: Princeton University Press, 2002), p. 268.
  • William Beaver, Financial Reporting : An Accounting Revolution, (Prentice hall, 1981), 48
  • Michael Jensen & William Mecking (1976), op. cit., p. 309.
  • Bernard Coriat & Olivier Weinstein, Les nouvelles théories de l’entreprise, Paris, (Livre de Poche Références, 1995), p. 95.
  • Jensen & Mecking, 312
  • Gérard Charreaux, Pour une véritable théorie de la latitude managériale et du gouvernement des entreprises», Revue française de gestion, vol. 253, no. 8 (2015), p. 206.
  • مالكي، ص .86
  • Douglas North, Institutions, Institutional Change and Economic Performance, (Cambridge University Press: New York, 1990), p.3.
  • The Economist Intelligence Unit, “Democracy Index 2019: A year of democratic setbacks and popular protest”, (Research Paper, 2020), accessed on 17/7/2024, at: https://bit.ly/3gY8xjp 37
  • في حواره مع العربي الجديد، صرح الكاتب العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن “لدى كل الدول ثوابتها ورموزها. ورمزُنا في المغرب هو المؤسسة الملكية التي تلعب دورًا توجيهيًّا أولًا، وتحكيميًّا بين مختلف السلطات ثانيًا، وتدبيريًّا تنفيذيًّا ثالثًا، حيث تعمل الحكومة في إطار التوجيهات الملكية”. العربي الجديد، (تاريخ الدخول: 23 مايو/أيار 2024)، https://2u.pw/XWT0SFKH
  • ورد في الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 103 من دستور 2011 ما يلي: “يمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه.

     لا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء، الذين يتألف منهم مجلس النواب”.

  • “وزراء العثماني وزعماء الأحزاب يتوصلون بأضاحي العيد من القصر”، جريدة زنقة 20 الإلكترونية، 29 يوليو/تموز 2020، (تاريخ الدخول: 5 أغسطس/آب 2024)، https://bit.ly/2FUgs3m